نحو تفسير أسهل/سورة النبأ/د.عائض القرني

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,784
التفاعل
17,903 114 0
نحو تفسير أسهل

الدكتور عائض القرني

سورة النبأ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ



عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1)
عن أي شيء يسأل المشركون بعضهم بعضا ؟ والاستفهام لإضفاء الاستعظام بشأن هذا الأمر، وما اختلف فيه المشركون إلا لما أصابهم من الذهول لضخامة ما حدث في العالم من رسالة ربانية عالمية.

عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)
فهم يتساءلون عن الخبر العظيم الذي ملأ القلوب هيبة، والنفوس رهبة، والعقول دهشة من إرسال نبي بشير نذير، وكتاب كريم منير، وبعث ونشور، وقد طال فيه نزاعهم وكثر خلافهم، وهو حق لا ريب فيه، صدق لا كذب فيه، يقين لا شك فيه.

الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)
ففي هذا اليوم كثر لغطهم وغلطهم ما بين مصدق ومكذب، ومقرّ ومنكر؛ لأن نبأه عجيب، وخبره غريب.

كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (4)
والله لسوف يعلمون إذا بُعثر ما في القبور، وحُصِّل ما في الصدور، وكشف الغطاء، وظهر الخفاء، حينها يعلمون صدق الخبر وصحة الأمر، وقبح فعلهم وسوء عملهم.

ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (5)
بلى والله لينكشفن لهم بعد الموت الحق في هذا الأمر من ثبوت ما أخبر الله به، وأخبر به رسوله من بعث ونشور، وجنة ونار، وصراط وميزان، وغيرها من أخبار الغيب.

أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا (6)
والدليل على صحة الرسالة وأخبار الغيب أن من أخبر بها هو الذي أتقن خلق الأرض، فمهدها وبسطها وسهلها لمصالحكم من البناء والزراعة والسكنى والمعاش، فالأرض أم رؤوم، فيها الرزق المقسوم، والقوت المعلوم.

وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)
وجعلنا الجبال تمسك الأرض كالأوتاد، فلا تميل ولا تضطرب، ووزعناها على الأرض بتقدير محكم، فتجدها مقسَّمة بين أطرافها الأربعة ووسطها بإتقان، وحسن تدبير، فسبحان اللطيف الخبير.

وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8)
وخلقناكم زوجين، ذكورا وإناثا؛ ليحصل التوالد والتناسل وبقاء النوع واستمرار الحياة، ولو كان زوجا واحدا لانقطع النوع، وحصل فناء هذا الصنف من المخلوقات، لكن الله أوجد الذكر والأنثى من الإنسان والحيوان والطيور وكل مخلوق.

وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9)
وجعلنا نومكم راحة لأبدانكم، وقطعا لأشغالكم، تستريح فيه الأجسام بلذيذ المنام؛ لتعود إلى العمل بنشاط.

وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10)
وجعلنا الليل كاللباس لكم يستركم ويغطيكم، ففيه تعودون إلى سكنكم، وتُهدئون من حركتكم ومعاشكم.

وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)
وجعلنا النهار سببا لكسب الرزق، وطلب المعاش وزمنا للجد والعمل، والبناء والإنتاج؛ لتحصل الحياة والإعمار.

وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12)
وبنينا فوقكم سبع سماوات محكمة البناء قوية السمك، مرفوعة السقف، متقنة الصنعة لا قصور فيها ولا عيوب، يحار فيها الطرف، ويدهش من حسنها العقل الواعي.

وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13)
وجعلنا الشمس في السماء كالسراج الوهاج، تسير بحسبان وتضيء بحكمة وتطلع بتقدير، لا اختلال في سيرها ولا اضطراب في طلوعها وغروبها.

وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14)
وأنزلنا من السحب إذا حان نزول الغيث منها ماء مباركا طهورا عذبا غزيرا كثير الانصباب، فيه الحياة والنماء والخير الكثير.

لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15)
لنخرج بالماء حبا يأكله الإنسان والحيوان، وهو قوت نافع، ورزق مبارك من حنطة وذرة وشعير وغيرها، وأخرجنا بالماء نباتا من الحشائش والخمائل تأكله الدواب، ويبهج النظر ويجمل الأرض.

وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16)
وأخرجنا بهذا الماء المبارك حدائق غناء، وبساتين فيحاء، ملتفة الأغصان، لينة الأفنان، بهية المنظر، بهيجة الجمال.

إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17)
إن يوم القيامة يوم يفصل الله بين الخلائق فيه، له وقت معلوم، وأجل مسمى معلوم عند الله لا يخلف الله الميعاد.

يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18)
يوم ينفخ في البوق - وهو قرن عظيم - النفخة الثانية فتخرجون من القبور جماعات كثيرة تسعى إلى الموقف.

وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19)
وتشققت السماء وتصدعت، فصارت أبوابا كثيرة لنزول الملائكة، وذهاب الأبراج والأفلاك والكواكب.

وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20)
ونسفت الجبال، ودكت واقتلعت من أماكنها وصارت هباء منبثا، فتصبح قاعا صفصفا متناثرة في الجو.

إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21)
إن جهنم مكان يرصد فيه الكفار من قبل خزنة النار، فهم مترقبون مجيئهم لإنزال أشد العقوبة بهم.

لِلطَّاغِينَ مَآَبًا (22)
فالنار مرجع للطغاة يعودون إليها صاغرين مدحورين، فهي دارهم التي فيها يهانون ويعذبون.

لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)
باقين في النار دهورا بلا انقطاع، مؤبدين في العذاب، خالدين في أقسى العقاب لا يفتر عنهم ولا يخفف.

لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24)
لا يجدون في النار بردا يطفئ عنهم الحر، ولا شرابا يذهب الظمأ، فجلودهم حرّى، وأجوافهم عطشى.

إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25)
لكن يبدلون من البرد والشراب ماء حارا يغلي يقطع الأمعاء، وسائلا قيحا مؤذيا من أجسام المعذبين يتجرعونه.

جَزَاءً وِفَاقًا (26)
هذا الجزاء يقابل أفعالهم القبيحة، ويكافئ أعمالهم السيئة، فهم يستحقون هذا الجزاء، وهم أهل لهذا البلاء.

إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا (27)
لأن هؤلاء الكفار كانوا يكذبون بيوم الحساب، ولا ينتظرون القيامة، ولا يؤمنون بها ولا يتوقعون البعث.

وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28)
وجحدوا بآيات الله المنزلة على رسوله، وكذبوا بما أوحاه الله لنبيه وردوه وأعرضوا عنه، فكان جزاؤهم هذا اللون من العذاب.

وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29)
وكل شيء من الأفعال والأعمال كتبناه في كتاب الحسنات والسيئات، فهو محفوظ مضبوط بلا زيادة ولا نقص ليوم الحساب.

فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)
فذوقوا جزاء تكذيبكم وكفركم بربكم، فلن تجدوا إلا زيادة في العذاب، وشدة في العقاب، لا ترحمون ولا تخرجون.

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31)
إن للمتقين عند ربهم بالعمل بما أمر واجتناب ما نهى عنه، فلاحا في الآخرة ونجاة من النار، وفوزا بالجنة.

حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32)
لهم حدائق غناء فيها مزارع العنب دانية على الغصون، وإنما ذكر العنب لكثرة منافعه وجودة طعمه.

وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33)
ولهم في الجنات زوجات من الحوريات عذارى جميلات، فائقة الحسن، مطهرات من كل عيب، حسنات الأخلاق، في حرمة واحتشام.

وَكَأْسًا دِهَاقًا (34)
ولهم آنية الخمر المترعة المليئة التي لا تسكر ولا تصدع، ولا يهذي صاحبها ولا يغيب عقله مع تمام اللذة ونهاية السرور.

لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا (35)
لا يسمعون في الجنة كلاما لا فائدة فيه، ولا باطلا من الحديث، بل سلام وحسن كلام وجمال، ومجالس أنس، وسمو وحلاوة منطق.

جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36)
هذا الجزاء من الله ربهم على حسن عملهم أثابهم بالنعيم على لزومهم الصراط المستقيم، وأعطاهم وحباهم وكفاهم في أحسن دار، وخير مستقر.

رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37)
هذا الذي أكرمهم هو رب السموات والأرض الذي ربى الخليقة بالنعم، وهو واسع الرحمة شاملها لكل مخلوق، لا يكلمه أحد إلا بإذنه لعظمته وهيبته.

يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38)
ذاك اليوم يقوم جبريل إعظاما لله وإجلالا له مع الملائكة وهم صفوف، لا يتكلم منهم أحد بشفاعة إلا إذا أذن له ورضي عن المشفوع له.

ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39)
ذاك اليوم صدق وعده، حق وقوعه، ثابت وقته، فمن أراد اتخذ عملا صالحا عند ربه ينفعه، وينجيه به من عذابه وسوء عقابه.

إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا (40)
إنا خوفناكم هذا العذاب القريب، ووقوعه يوم يشاهد الإنسان عمله من خير وشر، أما الكافر فلسوء مصيره يتمنى أنه كان ترابا لئلا يحاسب ولا يعذب، ومن تمنى الموت فكفى به بلية ومحنة.

عن الشرق الأوسط​

 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى