أمريكا.. المشكلة أكبر من الدَّين
عبد الوهاب الفايز
■ ينتظر العالم ماذا ستنتهي إليه الأمور في واشنطن غدا.. هل يتم الاتفاق على موقف الإدارة أم على موقف الجمهوريين.. الإدارة تريد رفع الضرائب لمواجهة العجز، والجمهوريون يريدون خفض النفقات، وعموما الاقتصاد الأمريكي في ورطة، الأثرياء والشركات لا يريدون رفع الضرائب، وهؤلاء حولوا مؤخراً أكثر من تريليون و300 مليار دولار إلى الخارج، والديمقراطيون يرون الحل في إعادة الطبقة الوسطى حتى يتم الحفاظ على قوة أمريكا!
الذي ينظر بعمق لوضع الاقتصاد والمجتمع في أمريكا يجد أزمة حقيقية بنيوية، إصلاحها والتعامل معها يحتاج إلى حلول أخلاقية، وهذا لن يتحقق بقيادة السياسيين الحاليين الذين هم أقرب إلى موظفي الشركات، فليس فيهم رجالات دولة يرقون إلى مستوى التحدي، فالمشكلة في أمريكا (مشكلة حكم) وإدارة، فأمريكا لديها المعرفة بمشاكلها وكيف حلها، لديها القوى الحقيقية لكي تنطلق من جديد، لديها المكانة الدولية، لديها القوة العلمية.. مشكلتها أنها بدون رجالات دولة يضعون مصلحة بلادهم فوق مصالحهم الحزبية والأيديولوجية، وأخطر هؤلاء اللوبي الصهيوني الذي دفع أمريكا إلى تبني (أيديولوجية الحرب)، هؤلاء حولوا أمريكا إلى دولة محاربة!
وحالة الحرب هذه هي التي أبعدت النخبة الحاكمة عن إدراك المشاكل البنيوية التي تتراكم في الاقتصاد والمجتمع.. حتى جاءت صدمة الدين العام الذي تجاوز 105 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.. طبعا أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية واجهت عجزا أكبر من ذلك، لكن إرادة الحكم كانت قوية فاستطاعت أمريكا تجاوز المشكلة، أما السياسيون الآن فكلُّ يريد أن يكون جزءا من المشكلة وليس الحل!
صدمة الدين العام كشفت مشاكل أخرى رئيسية تهدد المجتمع والاقتصاد.. فقطاع الصناعة انتهى بشكل كبير بعد إغلاق أكثر من 45 ألف مصنع، وهذا أدى إلى اختفاء 70 في المائة من وظائف الصناعة، وغياب القطاع الصناعي هو الذي يساهم في ارتفاع البطالة، لأن القطاع الصناعي كان الملاذ الجيد للباحثين عن العمل، بالذات للذين لا يستطيعون إكمال الدراسة الثانوية، فالآن وصل الهروب من الدراسة الثانوية إلى 30 في المائة، ونصف هؤلاء ينتهون إلى السجون والإيقاف (90 في المائة من المساجين لم يكملوا الثانوية)، وتكلفة السجين في المتوسط 50 ألف دولار! أكثر من نفقات الطالب الجامعي تقريبا!
وغياب الصناعة وعدم قدرة الاقتصاد على توليد الوظائف يوجد مشكلة أخرى لخريجي الجامعات، فالآن تقريبا 24 في المائة من خريجي الجامعات بدون عمل، وهذه الإحصائية الأخيرة أثارت القلق الكبير هناك، فهؤلاء سيكونون عبئا على المجتمع والدولة، كما أن أغلب الطلاب المتخرجين من الجامعات عادة يكون عليهم قروض بحدود 25 ألف دولار، و70 في المائة من خريجي الجامعات تنقصهم المهارات الأساسية لسوق العمل.
طبعا هذه مؤشرات لتراجع الطبقة الوسطى تضاف إلى المشاكل الاجتماعية الأساسية، فهناك 50 مليون مسن غير قادرين على مواجهة أعباء تكاليف المعيشة، وهناك 20 في المائة من الأطفال تحت خط الفقر، وهي أعلى نسبة فقر بين الدول الصناعية، وهناك 25 مليون طفل يعيشون على بطاقات المساعدة الغذائية، وحسب معدلات الفقر الأمريكي هناك 40 مليون أمريكي يعيشون تحت خط الفقر.
يضاف إلى ذلك المشكلة في البنية الأساسية للطرق والمدارس والسدود المائية، فالطرق السريعة لم يرتفع طولها سوى 3 في المائة رغم تضاعف أعداد السيارات، والمدارس تواجه مشاكل نقص أعدادها مع احتياج أغلب القائم منها للصيانة، وتقدر تكلفة صيانته بأكثر من 230 مليار دولار، كذلك السدود، هناك 85 ألف سد متوسط عمرها 51 سنة، وعندما زحف إليها النمو السكاني أصبحت تشكل مصدر قلق إنساني واقتصادي. كذلك جسور الطرق، ربعها يحتاج إلى تغيير، وأمريكا تحتاج إلى 2.2 تريليون دولار لصيانة الطرق والجسور.
أيضا القطارات أصبحت متخلفة، فالسرعة تراجعت، فالمسافة التي يقطعها القطار بين المدن تحتاج إلى ضعف الوقت قبل 40 سنة، وصناعة القطارات حيوية للاقتصاد ولسوق العمل، وأمريكا تحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات لرفع مستوى الصناعة.
هذه طبعا جزء من المشاكل الكبرى التي تواجهها أمريكا، ورغم هذا الوضع الصعب إلا أن السياسيين يتصارعون وكأنهم ينتظرون أن تأتي الحلول إليهم من السماء، أو كأنهم يريدون أن يصدِّروا مشاكلهم إلى العالم.. فمن له ديون أو استثمارات فعليه أن ينتظر ليدفع نصيبه من حل مشكلة الدين في أمريكا!!
عبد الوهاب الفايز
■ ينتظر العالم ماذا ستنتهي إليه الأمور في واشنطن غدا.. هل يتم الاتفاق على موقف الإدارة أم على موقف الجمهوريين.. الإدارة تريد رفع الضرائب لمواجهة العجز، والجمهوريون يريدون خفض النفقات، وعموما الاقتصاد الأمريكي في ورطة، الأثرياء والشركات لا يريدون رفع الضرائب، وهؤلاء حولوا مؤخراً أكثر من تريليون و300 مليار دولار إلى الخارج، والديمقراطيون يرون الحل في إعادة الطبقة الوسطى حتى يتم الحفاظ على قوة أمريكا!
الذي ينظر بعمق لوضع الاقتصاد والمجتمع في أمريكا يجد أزمة حقيقية بنيوية، إصلاحها والتعامل معها يحتاج إلى حلول أخلاقية، وهذا لن يتحقق بقيادة السياسيين الحاليين الذين هم أقرب إلى موظفي الشركات، فليس فيهم رجالات دولة يرقون إلى مستوى التحدي، فالمشكلة في أمريكا (مشكلة حكم) وإدارة، فأمريكا لديها المعرفة بمشاكلها وكيف حلها، لديها القوى الحقيقية لكي تنطلق من جديد، لديها المكانة الدولية، لديها القوة العلمية.. مشكلتها أنها بدون رجالات دولة يضعون مصلحة بلادهم فوق مصالحهم الحزبية والأيديولوجية، وأخطر هؤلاء اللوبي الصهيوني الذي دفع أمريكا إلى تبني (أيديولوجية الحرب)، هؤلاء حولوا أمريكا إلى دولة محاربة!
وحالة الحرب هذه هي التي أبعدت النخبة الحاكمة عن إدراك المشاكل البنيوية التي تتراكم في الاقتصاد والمجتمع.. حتى جاءت صدمة الدين العام الذي تجاوز 105 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.. طبعا أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية واجهت عجزا أكبر من ذلك، لكن إرادة الحكم كانت قوية فاستطاعت أمريكا تجاوز المشكلة، أما السياسيون الآن فكلُّ يريد أن يكون جزءا من المشكلة وليس الحل!
صدمة الدين العام كشفت مشاكل أخرى رئيسية تهدد المجتمع والاقتصاد.. فقطاع الصناعة انتهى بشكل كبير بعد إغلاق أكثر من 45 ألف مصنع، وهذا أدى إلى اختفاء 70 في المائة من وظائف الصناعة، وغياب القطاع الصناعي هو الذي يساهم في ارتفاع البطالة، لأن القطاع الصناعي كان الملاذ الجيد للباحثين عن العمل، بالذات للذين لا يستطيعون إكمال الدراسة الثانوية، فالآن وصل الهروب من الدراسة الثانوية إلى 30 في المائة، ونصف هؤلاء ينتهون إلى السجون والإيقاف (90 في المائة من المساجين لم يكملوا الثانوية)، وتكلفة السجين في المتوسط 50 ألف دولار! أكثر من نفقات الطالب الجامعي تقريبا!
وغياب الصناعة وعدم قدرة الاقتصاد على توليد الوظائف يوجد مشكلة أخرى لخريجي الجامعات، فالآن تقريبا 24 في المائة من خريجي الجامعات بدون عمل، وهذه الإحصائية الأخيرة أثارت القلق الكبير هناك، فهؤلاء سيكونون عبئا على المجتمع والدولة، كما أن أغلب الطلاب المتخرجين من الجامعات عادة يكون عليهم قروض بحدود 25 ألف دولار، و70 في المائة من خريجي الجامعات تنقصهم المهارات الأساسية لسوق العمل.
طبعا هذه مؤشرات لتراجع الطبقة الوسطى تضاف إلى المشاكل الاجتماعية الأساسية، فهناك 50 مليون مسن غير قادرين على مواجهة أعباء تكاليف المعيشة، وهناك 20 في المائة من الأطفال تحت خط الفقر، وهي أعلى نسبة فقر بين الدول الصناعية، وهناك 25 مليون طفل يعيشون على بطاقات المساعدة الغذائية، وحسب معدلات الفقر الأمريكي هناك 40 مليون أمريكي يعيشون تحت خط الفقر.
يضاف إلى ذلك المشكلة في البنية الأساسية للطرق والمدارس والسدود المائية، فالطرق السريعة لم يرتفع طولها سوى 3 في المائة رغم تضاعف أعداد السيارات، والمدارس تواجه مشاكل نقص أعدادها مع احتياج أغلب القائم منها للصيانة، وتقدر تكلفة صيانته بأكثر من 230 مليار دولار، كذلك السدود، هناك 85 ألف سد متوسط عمرها 51 سنة، وعندما زحف إليها النمو السكاني أصبحت تشكل مصدر قلق إنساني واقتصادي. كذلك جسور الطرق، ربعها يحتاج إلى تغيير، وأمريكا تحتاج إلى 2.2 تريليون دولار لصيانة الطرق والجسور.
أيضا القطارات أصبحت متخلفة، فالسرعة تراجعت، فالمسافة التي يقطعها القطار بين المدن تحتاج إلى ضعف الوقت قبل 40 سنة، وصناعة القطارات حيوية للاقتصاد ولسوق العمل، وأمريكا تحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات لرفع مستوى الصناعة.
هذه طبعا جزء من المشاكل الكبرى التي تواجهها أمريكا، ورغم هذا الوضع الصعب إلا أن السياسيين يتصارعون وكأنهم ينتظرون أن تأتي الحلول إليهم من السماء، أو كأنهم يريدون أن يصدِّروا مشاكلهم إلى العالم.. فمن له ديون أو استثمارات فعليه أن ينتظر ليدفع نصيبه من حل مشكلة الدين في أمريكا!!