أمنيات الأحياء وأمنيات الموتى
الدكتور بدر عبد الحميد هميسه
الدكتور بدر عبد الحميد هميسه
لكل إنسان في هذه الحياة أمنيات وآمال يسعي إلى تحقيقها , وتتفاوت هذه الأمنيات وتلك الآمال بتفاوت الأشخاص زماناً ومكاناً , فأصحاب الهمم العالية لهم أمنيات وطموحات تختلف عن أمنيات وطموحات أصحاب الهمم الدنيئة , والله تعالى يعطي كل إنسان على حسب سعيه وحسب ما يتمنى , قال تعالى :
" مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) سورة الإسراء .
وقال سبحانه : " وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) "سورة آل عمران .
فمن الناس من يجعل أمنياته وطموحاته وآماله في هذه الحياة لا تتعدى أمور الدنيا إلى ما سواها من أمور الآخرة , فليس له هم إلا تحصيل الأموال والمناصب والوجاهات , وهو في أمانيه تلك لا يرعوي ولا يشبع من شيء ولا يقنع بشيء ,قال تعالى : " وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) "سورة الفجر .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْهُومَانِ لا يَشْبَعَانِ طَالِبُهُمَا: طَالِبُ عَلِمٍ، وَطَالِبُ الدُّنْيَا.
أخرجه الطبرانى (10/180 ، رقم 10388) الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 6624 في صحيح الجامع .
عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (فَلاَ أَدْرِي أَشَيْءٌ أُنْزِلَ عَلَيْهِ ، أَمْ شَيْءٌ يَقُولُهُ) ، وَهُوَ يَقُولُ:
لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ ، لاَبْتَغَى لَهُمَا ثَالِثًا ، وَلاَ يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ .
أخرجه أحمد 3/122(12253) و"مسلم" 3/99(2379) .
يقول الشاعر :
أما المؤمن فإن لديه في الدنيا نوعان من الأمنيات يسعي إلى تحقيها ,فالأول: أمنيات حياتية مشروعة , كتمنيه الزوجة الصالحة والذرية الطيبة ,قال تعالى على لسان عباد الرحمن " رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ".الفرقان:74.
وتمنيه العمل الموفق والستر والعافية , والمال الحلال الذي يعف به نفسه ويؤدي حق الله تعالى فيه , والعلم النافع الذي ينفع به نفسه وينفع به غيره ,
عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
لاَ حَسَدَ إِلاَّ في اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ .
أَخْرَجَهُ "أحمد" 2/8(4550) والبخاري في (خلق أفعال العباد) 78 و"مسلم" 2/201(1846).
والإسلام لا يمنع أن يسعى المسلم في هذه الحياة إلى الكسب الحلال ليعف نفسه ويحفظ من يعول , ولا يمنعه من طلب العلم شريطة أن يكون علماً نافعاً يعود خيره عليه وعلى غيره , وهو في كل ذلك يستصحب النية الخالصة لله رب العالمين ,
عَنْ سَعِيدٍ الطَّائِيِّ ، أَبِي الْبَخْتَرِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو كَبْشَةَ الأَنْمَارِيُّ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :
ثَلاَثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ ، وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ ، قَالَ : مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ ، وَلاَ ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلِمَةً ، فَصَبَرَ عَلَيْهَا ، إِلاَّ زَادَهُ اللهُ عِزًّا ، وَلاَ فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ ، إِلاَّ فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا ، وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ ، قَالَ : إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ : عَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالاً وَعِلْمًا ، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَيَعْلَمُ ِللهِ فِيهِ حَقًّا ، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً ، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ ، يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا ، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، لاَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ ، وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَلاَ يَعْلَمُ ِللهِ فِيهِ حَقًّا ، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللهُ مَالاً وَلاَ عِلْمًا ، فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ ، فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ.
أخرجه أحمد 4/231 (18194) و"التِّرمِذي" 2325 الألباني ( صحيح ) حديث رقم : 3024 في صحيح الجامع .
قال سمعت سفيان يقول كنت أتمنى الرياسة وأنا شاب وأرى الرجل عند السارية يفتي فأغبطه فلما بلغتها عرفتها وقال المأمون من طلب الرياسة بالعلم صغيرا فاته علم كثير.ابن عبد البر: جامع بيان العلم 1/144.
فالمؤمن في كل ما يتمنى يطلب مرضاة الله تعالى , حتى إذا تمنى أمراً من أمور الدنيا طلبه وتمناه ليبتغي به وجه الله سبحانه , قال كعب الأحبار : كان رجلاً ملِكاً في بني إسرائيل ، فعل خَصْلة واحدة ، فأوحى الله إلى نَبِيّ زمانهم : قل لفلان يتمنى . فقال : يا رب أتمنى أن أجاهد بمالي وولدي ونفسي؛ فرزقه الله ألف ولد ، فكان يجهز الولد بماله في عسكر ، ويخرجه مجاهداً في سبيل الله ، فيقوم شهراً ويقتل ذلك الولد ، ثم يجهز آخر في عسكر ، فكان كل ولد يقتل في الشهر ، والملِك مع ذلك قائم الليلِ ، صائم النهار؛ فقتِل الأَلْف وَلد في ألف شهر ، ثم تقدم فقاتل فقتِل . فقال الناس : لا أحد يدرك منزلة هذا الملك؛ فأنزل الله تعالى : { لَيْلَةُ القدر خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } من شهور ذلك الملك ، في القيام والصيام والجهاد بالمال والنفسِ والأولاد في سبيل الله .تفسير القرطبي 1/6181.
وحينما مَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمًا بِقَوْمٍ يَتَمَنَّوْنَ ، فَلَمَّا رَأَوْهُ سَكَتُوا ، فَقَالَ لَهُمْ : فِيمَا كُنْتُمْ ؟ قَالُوا : كُنَّا نَتَمَنَّى . قَالَ : فَتَمَنَّوْا وَأَنَا أَتَمَنَّى مَعَكُمْ . قَالُوا : فَتَمَنَّ أَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ : أَتَمَنَّى رِجَالا مِلْءَ هَذَا الْبَيْتِ مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ ، إِنَّ سَالِمًا كَانَ شَدِيدًا فِي ذَاتِ اللهِ , لَوْ لَمْ يَخَفِ اللهَ مَا أَطَاعَهُ ، وَأَمَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ؛ فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : « لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ » . الحاكم في مستدركه ج3/ص252 ح5005 ,ابن عبد البر : المجالسة وجواهر العلم 6/156.
كَانَ الْمُتَمَنِّي بِالْكُوفَةِ إذَا تَمَنَّى يَقُولُ أَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ لِي فِقْهُ أَبِي حَنِيفَةَ وَحِفْظُ سُفْيَانَ وَوَرَعُ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ وَجَوَابُ شَرِيكٍ . الآداب الشرعية , لابن مفلح 3/347.
والأمنية الأخرى هي الأسمى والأعلى وهي مرضاة الله تعالى ومغفرته وهدايته , قال تعالى :
" فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) "سورة الأنعام .
وهو في سبيل هذه الأمنية تهون أمامه الصعاب ,وتزول العقبات , لأن صاحب الهمة العالية لا يرضى بغير مرضاة الله تعالى بديلاً , قال تعالى :
" فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30) "سورة النجم .
وقال عز وجل :" أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25) "سورة النجم .
عَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ ، قَالَ:كَانَ حَارِثَةُ أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَقَالَتْ أُمُّ حَارِثَةَ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، إِنْ كَانَ ابْنِي أَصَابَ الْجَنَّةَ ، وَإِلاَّ أَجْهَدْتُ عَلَيْهِ الْبُكَاءَ ؟ قَالَ : يَا أُمَّ حَارِثَةَ ، إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ فِي جَنَّةٍ ، وَإِنَّ حَارِثَةَ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى.
- وفي رواية : يَا أُمَّ حَارِثَةَ ، إِنَّهَا لَجِنَانٌ ، وَإِنَّ حَارِثَةَ فِي الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ ، فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ.
أخرجه أحمد 3/210(13232) و"البُخَارِي" 4/24(2809) والتِّرْمِذِيّ" 3174.
عن عَوْف بن مالك ، قال:شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ ، وَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ ، وَاغْسِلْهُ بِمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ ، وَنَقِّهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا ، كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ ، وَأَبْدِلْهُ بِدَارِهِ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ ، وَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ ، وَعَذَابَ النَّارِ.قَالَ عَوْفٌ : فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي مُقَامِي ذَلِكَ أَتَمَنَّى أَنْ أَكُونَ مَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلِ.
أخرجه ابن ماجة (1500).
اجتمع في الحجر عبد الله، ومصعب، وعروة – بنو الزبير – وابن عمر، فقال ابن عمر: تمنوا، فقال ابن الزبير: أتمنى الخلافة، وقال عروة: أتمنى أن يؤخذ عني العلم، وقال مصعب: أتمنى إمرة العراق، والجمع بين عائشة بنت طلحة وسُكينة بنت الحسين. فقال ابن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة . قال أبو الزناد: فنالوا ما تمنوا، ولعل ابن عمر قد غُفر له. الذهبي : سير أعلام النبلاء (4/141).
قال الشاعر:
روي عن أبي الدرداء أنه قيل له في مرضه: ما تشتكي؟ فقال: ذنوبي قيل له: ما تشتهي؟ قال: مغفرة ربي قيل: ألا ندعو لك طبيبا؟ قال: الطبيب أمرضني. إحياء علوم الدين 4/286.
قال رجل لعمر بن عبد العزيز : يا أمير المؤمنين : كيف أصبحت ؟ قال : « أصبحت بطيا بطينا متلوثا من الخطايا أتمنى على الله الأماني » محاسبة النفس لابن أبي الدنيا 146.
كان رجاء بن حيوة بن جرول الكندي؛ كان من العلماء، وكان يجالس عمر بن عبد العزيز؛ ذكر أنه بات ليلة عنده فهم السراج أن يخمد، فقال إليه ليصلحه، فأقسم عليه عمر ليقعدن، وقام هو إليه فأصلحه؛ قال: فقلت له: تقوم أنت يا أمير المؤمنين فقال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز.
قال: وأمرني عمر بن عبد العزيز أن أشتري له ثوباً بستة دراهم، فأتيته به فجسه وقال: هو على ما أحب لولا أن فيه ليناً، قال: فبكيت، قال: فما يبكيك قال: أتيتك وأنت أمير بثوب بستمائة درهم، فجسسته وقلت: هو على ما أحب لولا أن فيه خشونة، وأتيتك وأنت أمير المؤمنين بثوب بستة دراهم، فجسسته وقلت: هو على ما أحب لولا أن فيه ليناً، فقال: يا رجاء إن لي نفساً تواقة تاقت إلى فاطمة بنت عبد الملك فتزوجتها، وتاقت إلى الإمارة فوليتها، وتاقت إلى الخلافة فأدركتها، وقد تاقت إلى الجنة فأرجو أن أدركها إن شاء الله عز وجل .ابن خلكان : وفيات الأعيان 2/301.
قال الشاعر :
قال ابن الجوزي : رووا أن الكلب قال للأسد : يا سيد السباع ، غير اسمي فإنه قبيح ، فقال له : أنت خائن لا يصلح لك غير هذا الاسم ، قال : فجربني فأعطاه شقة لحم و قال : احفظ لي هذه إلى غد وأنا أغير اسمك ، فجاع و جعل ينظر إلى اللحم ، و يصبر ، فلما غلبته نفسه قال : و أي شيء باسمي ؟ و ما كلب إلا اسم حسن . فأكل .
و هكذا الخسيس الهمة ، القنوع بأقل المنازل ، المختار عاجل الهوى على آجل الفضائل .ابن الجوزي : صيد الخاطر 140.
قال أحد الحكماء: اجتنب سبع خصال يستريح جسمك وقلبك ويسلم عرضك ودينك: لا تحزن على ما فاتك ، ولا تحمل هم ما لم ينزل بك ، ولا تلم الناس على ما فيك مثله ، ولا تطلب الجزاء على ما لم تعمل ، ولا تنظر بشهوة إلى ما لا تملك ، ولا تغضب على من لم يضره غضبك ، ولا تمدح من لم يعلم من نفسه خلاف ذلك.
قال بعض السلف: من عمل لآخرته كفاه الله دنياه، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح سره أصلح الله علانيته.
هذه أمنيات المؤمن في هذه الحياة فهل تكون له أمنيات بعد أن يفارق هذه الحياة , حيث قد انقطع العمل وانتهت الأمنيات إلا من ثلاث كما جاء في الحديث الشريف, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ، صلى الله عليه وسلم ، قال :
إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ ، انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ ، إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أوْ وَلَدٍ صَالحٍ يَدْعُو لَهُ.
أخرجه أحمد 2/372(8831) و"البُخاري" في الأدب المفرد (38) و"مسلم" 5/73.
وهل للأموات أمنيات وآمال كما للأحياء أمنيات وآمال ؟؟ .
إن المؤمن لا يجد راحته الكبرى ولا سعادته العظمى إلى في ظل الله تبارك وتعالى , فهو غير الناس يرى في الموت راحة ومحبة للقاء الله تعالى , عَنْ أنس عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ
قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ قَالَ:
لَيْسَ ذَاكَ ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ ، فَلَيْسَ شَىْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ ، فَلَيْسَ شَىْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ .
أخرجه أحمد 5/316(23072) و"البُخَارِي" 8/132(6507) و"مسلم" 8/65(6918) .
قال محمد بن حسنويه: حضرت أبا عبد الله أحمد بن حنبل وجاءه رجل من أهل خراسان فقال: يا أبا عبد الله قصدتك من خراسان أسألك عن مسألة قال: له سل قال: متى يجد العبد طعم الراحة قال: عند أول قدم يضعها في الجنة .أبو يعلي الفراء : طبقات الحنابلة 1/291.
قيل لسلطان الزاهدين إبراهيم بن أدهم رضى الله عنه أوصنا بما ينفعنا : فقال رضى الله عنه : إذا رأيتم الناس مشغولين بأمر الدنيا فاشتغلوا أنتم بأمر الآخرة، وإذا اشتغلوا بعمارة البساتين فاشتغلوا بعمارة القبور، وإذا اشتغلوا بخدمة المخلوقين فاشتغلوا بخدمة رب العالمين، وإذا اشتغلوا بعيوب الناس فاشتغلوا أنتم بعيوب أنفسكم، واتخذوا من هذه الدنيا زادا يوصلكم إلى الآخرة فإنما الدنيا مزرعة الآخرة.
فإذا ما قدم على ربه ووضع في قبره ورأى جزاء ما قدم من عمل صالح بدأت له أمنيات أخرى غير تلك التي كان يتمناها في حياته الدنيا .
ومن هذه الأمنيات التي يتمناها المرء بعد الموت :
1- أن يعود إلى أهله ليبشرهم بمقعده في الجنة .
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جَِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ ، وَلَمَّا يُلْحَدُ ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ ، وَكَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِنَا الطَّيْرَ ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الأَرْضِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ :
اسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، مَرَّتَيْنِ ، أَوْ ثَلاَثًا ، ثُمَّ قَالَ :
إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا ، وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلاَئِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ ، بِيضُ الْوُجُوهِ ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَيَقُولُ : أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ ، قَالَ :
فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ ، فَيَأْخُذُهَا ، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا ، فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ ، قَالَ : فَيَصْعَدُونَ بِهَا ، فَلاَ يَمُرُّونَ ، يَعْنِي بِهَا ، عَلَى مَلأٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ إِلاَّ قَالُوا : مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ ؟ فَيَقُولُونَ : فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ ، بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ ، فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا ، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ، فَيَقُولُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى ، قَالَ :
فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ ، فَيَقُولاَنَ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : رَبِّيَ اللهُ ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ : دِينِيَ الإِسْلاَمُ ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ : هُوَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : وَمَا عِلْمُكَ ؟ فَيَقُولُ : قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ ، فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ : أَنْ صَدَقَ عَبْدِي ، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ ، قَالَ :
فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا ، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ ، قَالَ : وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ ، حَسَنُ الثِّيَابِ ، طَيِّبُ الرِّيحِ ، فَيَقُولُ : أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ ، فَيَقُولُ لَهُ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ ، فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ ، فَيَقُولُ : رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي . قَالَ :
وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا ، وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ ، نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلاَئِكَةٌ ، سُودُ الْوُجُوهِ ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَيَقُولُ : أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللهِ وَغَضَبٍ ، قَالَ : فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ ، فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ ، فَيَأْخُذُهَا ، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا ، فَلاَ يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلأٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ إِلاَّ قَالُوا : مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ ؟ فَيَقُولُونَ : فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ ، بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ ، فَلاَ يُفْتَحُ لَهُ ،
ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ) ، فَيَقُولُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ ، فِي الأَرْضِ السُّفْلَى ، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا ، ثُمَّ قَرَأَ : ( وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ) ، فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : هَاهْ ، هَاهْ ، لاَ أَدْرِي ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ : هَاهْ ، هَاهْ ، لاَ أَدْرِي ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ : هَاهْ ، هَاهْ ، لاَ أَدْرِي ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : أَنْ كَذَبَ ، فَافْرِشُوا لَهُ مِنَ النَّارِ ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا ، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ ، حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاَعُهُ ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ ، قَبِيحُ الثِّيَابِ ، مُنْتِنُ الرِّيحِ ، فَيَقُولُ : أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ ، فَيَقُولُ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ ، فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ ، فَيَقُولُ : رَبِّ لاَ تُقِمِ السَّاعَةَ.
أخرجه أحمد 4/287(18733) و "أبو داود" 3212 و"ابن ماجة" 1548 و"النَّسائي" 4/78 ، وفي "الكبرى" 2139 صحيح الترغيب والترهيب 3/219.
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ سَأَلَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَنْ فَتَّانِي الْقَبْرِ ؟ فَقَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :
إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا ، فَإِذَا أُدْخِلَ الْمُؤْمِنُ قَبْرَهُ ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ ، جَاءَ مَلَكٌ شَدِيدُ الاِنْتِهَارِ ، فَيَقُولُ لَهُ : مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ : أَقُولُ: إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ وَعَبْدُهُ ، فَيَقُولُ لَهُ الْمَلَكُ : انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ الَّذِي كَانَ فِي النَّارِ ، قَدْ أَنْجَاكَ اللهُ مِنْهُ ، وَأَبْدَلَكَ بِمَقْعَدِكَ الَّذِي تَرَى مِنْ النَّارِ مَقْعَدَكَ الَّذِي تَرَى مِنْ الْجَنَّةِ ، فَيَرَاهُمَا كِلاَهُمَا ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ : دَعُونِي أُبَشِّرْ أَهْلِي ، فَيُقَالُ لَهُ : اسْكُنْ ، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ ، فَيُقْعَدُ إِذَا تَوَلَّى عَنْهُ أَهْلُهُ ، فَيُقَالُ لَهُ : مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟ فَيَقُولُ : لاَ أَدْرِي ، أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ ، فَيُقَالُ لَهُ : لاَ دَرَيْتَ ، هَذَا مَقْعَدُكَ الَّذِي كَانَ لَكَ مِنْ الْجَنَّةِ ، قَدْ أُبْدِلْتَ مَكَانَهُ مَقْعَدَكَ مِنْ النَّارِ.
قَالَ جَابِرٌ : فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ فِي الْقَبْرِ عَلَى مَا مَاتَ ، الْمُؤْمِنُ عَلَى إِيمَانِهِ ، وَالْمُنَافِقُ عَلَى نِفَاقِهِ.
أخرجه أحمد 3/346(14779) الألباني في " السلسلة الصحيحة " 3 / 331 .
ولقد قص الله عز وجل علينا قصة صاحب (يـس) الذي كان حريصا على هداية قومه، إلا أنهم قتلوه وهو يدعوهم إلى الإيمان بالله ورسله، فلما عاين كرامة الله عز وجل له وفوزه بالجنة، تمنى أن يعلم قومه بذلك كي يؤمنوا ، فقال تعالى في شأنه : " قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) [يس] ، أي تمنى أن قومه الذين حاربوا دين الله، ورفضوا الاستجابة لأوامر الله؛ أن يعلموا ماذا أعطاه الله من نعيم وثواب جزيل.
2- أن يعود إلى الدنيا ليصلي ولو ركعتين .
حينما يعاين الميت وهو في قبره ثواب الصلاة، فإنه يتمنى أن يعود الدنيا حتى يصلي ولو ركعتين لله رب العالمين ,
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرٍ، فَقَالَ:
" مَنْ صَاحِبُ هَذَا الْقَبْرِ ؟ "فَقَالُوا: فُلانٌ، فَقَالَ:
" رَكْعَتَانِ أَحَبُّ إِلَى هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ ".
- وفي رواية : " ركعتان خفيفتان مما تحقرون و تنفلون يزيدهما هذا - يشير إلى قبر - في عمله أحب إليه من بقية دنياكم " .
قال المنذري في " الترغيب " ( 1 / 146 ) : " رواه الطبراني بإسناد حسن " و قال الهيثمي ( 2 / 249 ) : " و رجاله ثقات " .الألباني : " السلسلة الصحيحة " 3 / 377.
وعَنْ أَبِي حَازِمٍ ، قَالَ : مَرَرْت مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى قَبْرٍ دُفِنَ حَدِيثًا ، فَقَالَ : لَرَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ مِمَّا تَحْتَقِرُونَ زَادَهُمَا هَذا : أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ . مصنف ابن أبي شيبة 2/386.
قال الشاعر :
3- أن يعود إلى الدنيا ليكثر من أعمال الخير والبر .
يتمنى المرء بعد موته لو عاد إلى الدنيا مرة أخرى ليكثر من أعمال البر والخير والتصدق , قال تعالى :
" حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) " سورة المؤمنون .
بل أن المقصر يتأسف على تقصيره في جنب الله تعالى , ويود لو عاد به الأمر حتى يكون من المحسنين , قال تعالى :
" أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) " سورة الزمر .
4 ـ يتمنى لو عاد إلى الحياة حتى يتصدق وينفق ماله في سبيل الله تعالى .
قال سبحانه : " وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) " سورة المنافقون.
وكان الربيع بن خثيم قد حفر في داره قبرًا، فكان إذا وجد في قلبه قساوة دخل فاضطجع، ومكث ما شاء الله، ثم يقول: " قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) " سورة المؤمنون . يرددها ، ثم يرد على نفسه: يا ربيع! قد رجعتَ فاعمل.
قال إبراهيم بن يزيد العبدي رحمه الله تعالى: أتاني رياح القيسي فقال: يا أبا إسحاق انطلق بنا إلى أهل الآخرة نُحدثُ بقربهم عهدا، فانطلقت معه فأتى المقابر، فجلسنا إلى بعض تلك القبور، فقال: يا أبا إسحاق ما ترى هذا متمنيا لو مُنِّ ؟ (أي لو قيل له تمنى) قلت: أن يُردَّ - والله - إلى الدنيا، فيستمتعْ من طاعة الله وُيصلح، قال: ها نحن في الدنيا، فلنطع الله ولنصلح، ثم نهض فجدَّ واجتهد، فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات رحمه الله تعالى .
وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يجمع العلماء فيتذكرون الموت والقيامة والآخرة، فيبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة!!.
وكان أبو العالية رفيع بن مهران قد أعدَّ لنفسه كفنًا، وكان يلبس كفنه كل شهر مرة ثم يرده إلى مكانه، ولقد أوصى سبع عشرة مرة وهو صحيح معافى. وكان يحدد لكل وصية أجلا؛ فإذا جاء أجلها نظر فيها.. فإما أنْ يعدلها، وإما أنْ يبدلها، وإما أنْ يمضيها.
5- أن يعود ليقتل في سبيل الله .
أما الشهيد، فبالرغم من عظم منزلته الرفيعة التي يراها أُعدت له في أعلى درجات الجنة، فإنه يتمنى أن يعود إلى الدنيا، ولكن ليستمر في جهاد أعداء الله، فيقاتل ويُقتل ولو عشر مرات، لما يرى من ثواب الجهاد وكرامة المجاهدين عند الله عز وجل، عَنْ حُمَيْدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ :
مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ لَهُ عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ ، يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا ، وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، إِلاَّ الشَّهِيدَ ، لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا ، فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى.
أخرجه البُخَارِي 4/20(2795) التِّرْمِذِي( 1643 .
وعَنْ قَتَادَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ :
مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ، يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا ، وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ ، غَيْرُ الشَّهِيدِ ، فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ ، فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ ، لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ .
أخرجه أحمد 3/103(12026) و(البُخَارِي( 4/26(2817) ومُسْلم( 6/35(4902) .
وفي قصة والد جابر بن عبد الله الأنصاري ما يؤكد ذلك , فعَنْ طَلْحَةَ بْنِ خِرَاشٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ:لَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ ، يَوْمَ أُحُدٍ ، لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ :
يَا جَابِرُ ، أَلاَ أُخْبِرُكَ مَا قَالَ اللهُ لأَبِيكَ ؟ (وَقَالَ يَحْيَى فِي حَدِيثِهِ : فَقَالَ : يَا جَابِرُ ، مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا ؟ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، اسْتُشْهِدَ أَبِي وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنًا ، قَالَ : أَفَلاَ أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللهُ بِهِ أَبَاكَ ؟) قَالَ : بَلَى ، يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ :
مَا كَلَّمَ اللهُ أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ، وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا ، فَقَالَ : يَا عَبْدِي ، تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ ، قَالَ : يَا رَبِّ ، تُحْيِينِي فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً ، فَقَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ : إِنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لاَ يَرْجِعُونَ ، قَالَ : يَا رَبِّ ، فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي ، قَالَ : فَأَنْزَلَ اللهُ ، تَعَالَى : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) .
أخرجه ابن ماجة (190) الألباني :حسن الظلال ( 602 ) ، التعليق الرغيب ( 2 / 190 - 191 ).
وعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ مِنَ الشَّامِ يُرِيدُ مَكَّةَ، فَنَزَلَ مَنْزِلا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، يُقَالُ لَهُ: الأَبْوَاءُ، فَاطَّلَعَ فِي بِئْرٍ عَادِيَّةٍ فَأَصَابَتْهُ لَقْوَةٌ، فَأَجَدَّ السَّيْرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَأَتَاهُ الْحَاجِبُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، النَّاسُ بِالْبَابِ مَا أَفْقِدُ وَجْهًا، قَالَ: فَأَبْسِطْ لِي إِذًا قَالَ، ثُمَّ دَعَا بِعِمَامَةٍ فَلَفَّ بِهَا رَأْسَهُ وَشَقَّ وَجْهَهُ، ثُمَّ خَرَجَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"أَمَّا بَعْدُ فَإِنْ أُعَافَى فَقَدْ عُوفِيَ الصَّالِحُونَ قَبْلِي، وَمَا أُسِرُّ أَنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ مَرِضَ مِنِّي عُضْوٌ فَمَا أُحْصِي صَحِيحِي، وَإِنْ كَانَ وَجِدَ عَلِيَّ بَعْضُ خَاصَّتِكُمْ فَقَدْ كُنْتُ حَرْبًا عَلَى عَامَّتِكُمْ، وَمَا لِيَ أَنْ أَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَانِي، فَرَحِمَ اللَّهُ رَجُلا دَعَا لِي بِالْعَافِيَةِ"، فَارْتَجَّتِ الأَصْوَاتُ بِالدُّعَاءِ، فَاسْتَبْكَى، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟، قَالَ:"رَاجَعْتُ مَا كُنْتُ عَنْهُ عَزُوفًا، كَبِرَتْ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَكَثُرَ الدُّمُوعُ فِي عَيْنِي، وَرُمِيتُ فِيأَحْسَنِي وَمَا يَبْدُو مِنِّي، وَلَوْلا هَوًى مِنِّي فِي يَزِيدَ أَبْصَرْتُ قَصْدِي".المعجم الكبير للبيهقي 18/218.
وقال عقبة بن حديد النمري يوم صفين لأهله وأصحابه :" ألا إن مرعى الدنيا قد أصبح هشيما وأصبح شجرها خضيدا وجديدها سملا وحلوها مر المذاق ألا وإني أنبئكم نبأ امرئ صادق إني قد سئمت الدنيا وعزفت نفسي عنها وقد كنت أتمنى الشهادة وأتعرض لها في كل جيش وغارة فأبى الله عز و جل إلا أن يبلغني هذا اليوم ألا وإني متعرض لها من ساعتي هذه قد طمعت ألا أحرمها فما تنتظرون عباد الله بجهاد من عادى الله أخوفا من الموت القادم عليكم الذاهب بأنفسكم لا محالة أو من ضربة كف بالسيف أتستبدلون الدنيا بالنظر في وجه الله عز و جل ومرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في دار القرار ما هذا بالرأي السديد ثم مضى فقال يا إخوتي إني قد بعت هذه الدار بالتي أمامها وهذا وجهي إليها لا تبرح وجوهكم ولا يقطع الله عز و جل رجاءكم فتبعه إخوته فقالوا لا نطلب رزق الدنيا بعدك فقبح الله العيش بعدك اللهم إنا نحتسب أنفسنا عندك فاستقدموا فقاتلوا حتى قتلوا. جمهرة خطب العرب 1/264.
قال الشاعر :
6- تمني الناس في ساحة العرض والحساب .
كما أن للأموات أمنيات وهم في قبورهم , لكن هيهات هيهات تحقيقها فقد سبق الأجل وانقطع العمل فإن للناس مؤمنهم وكافرهم في ساحة العرض والحساب أمنيات وآمال , فالكافر العاصي حينما يأخذ كتابه بشماله ويرى مصيره , ويلجمه العرق إلجاما ويشدد عليه في الحساب , ويطول وقوفه في ساحة العرض يتمنى لو يؤمر به ولو إلى النار ,
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
إِنَّ الْكَافِرَ لَيُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُلْجِمَهُ الْعَرَقُ، حَتَّى إِنَّهُ يَقُولُ: يَا رَبِّ أَرِحْنِي وَلَوْ إِلَى النَّارِ .
الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 63/ 1) الألباني : ضعيف , الضعيفة 9/151.
أما المسلم الذي أبطأ به عمله ورأى تقصيره في جنب ربه فإنه يتمنى لو شفع له أحد فأنقذه من هول الحساب فيذهب إلى الأنبياء حتى يشفع له تاجهم ودرتهم محمد صلى الله عليه وسلم , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
أُتِىَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِلَحْمٍ فَدُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً ثُمَّ قَالَ :
أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهَلْ تَدْرُونَ لِمَ ذَلِكَ يَجْمَعُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِى وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ وَلاَ يَحْتَمِلُونَ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى مَا قَدْ بَلَغَكُمْ أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ أَبُوكُمْ آدَمُ . فَيَأْتُونَ آدَمَ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنَّ رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبْ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ نَهَانِى عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ . فَيَأْتُونَ نُوحًا صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ نُوحٌ إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبْ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ كَانَتْ لِى دَعْوَةٌ عَلَى قَوْمِى نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ . فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ يَا إِبْرَاهِيمُ أَنْتَ نَبِىُّ اللهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبْ بَعْدَهُ مِثْلَهُ - فَذَكَرَ كَذِبَاتِهِ - نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ . فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ اللهِ اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالاَتِهِ وَبِتَكْلِيمِهِ عَلَى النَّاسِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ لَهُمْ مُوسَى إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنِّى قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُؤْمَرْ بِقَتْلِهَا نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ - قَالَ هَكَذَا هُوَ - وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ لَهُمْ عِيسَى إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ – وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ ذَنْبًا - اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم . فَيَأْتُونِى فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ذَنْبَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ وَمَا تَأَخَّرَ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَأَقُومُ فَآتِى تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّى عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَىَّ وَيُلْهِمُنِى مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِى فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ اشْفَعْ تُشَفَّعْ . فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى يَا رَبِّ . فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الأَبْوَابِ . ثُمَّ قَالَ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَمَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى .
أخرجه أحمد 2/331(8359) و"البُخاري" 4/163(3340) و"مسلم" 1/127 و"التِّرمِذي" 1837 وفي (الشمائل) 167.
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:
إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً ، رَجُلٌ صَرَفَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ ، قِبَلَ الْجَنَّةِ ، وَمَثَّلَ لَهُ شَجَرَةً ذَاتَ ظِلٍّ ، فَقَالَ : أَىْ رَبِّ ، قَدِّمْنِى إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ ، فَأَكُونُ فِى ظِلِّهَا ،فَقَالَ اللهُ : هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ أَنْ تَسْأَلَنِى غَيْرَهَا ، قَالَ : لاَ ، وَعِزَّتِكَ ، فَقَدَّمَهُ اللهُ إِلَيْهَا ، وَمَثَّلَ لَهُ شَجَرَةً ذَاتَ ظِلٍّ وَثَمَرٍ ، فَقَالَ : أَىْ رَبِّ قَدِّمْنِى إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَكُونُ فِى ظِلِّهَا وَآكُلُ مِنْ ثَمَرِهَا ، فَقَالَ اللهُ لَهُ : هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِى غَيْرَهُ ، فَيَقُولُ : لاَ ، وَعِزَّتِكَ ، فَيُقَدِّمُهُ اللهُ إِلَيْهَا ، فَتُمَثَّلُ لَهُ شَجَرَةٌ أُخْرَى ذَاتُ ظِلٍّ وَثَمَرٍ وَمَاءٍ ، فَيَقُولُ : أَىْ رَبِّ ، قَدِّمْنِى إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَكُونُ فِى ظِلِّهَا. وَآكُلُ مِنْ ثَمَرِهَا ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا ، فَيَقُولُ لَهُ : هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ أَنْ تَسْأَلَنِى غَيْرَهُ ، فَيَقُولُ : لاَ. وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ ، فَيُقَدِّمُهُ اللهُ إِلَيْهَا ، فَيَبْرُزُ لَهُ بَابُ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُ : أَىْ رَبِّ قَدِّمْنِى إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، فَأَكُونَ تَحْتَ نِجَافِ الْجَنَّةِ ، وَأَنْظُرَ إِلَى أَهْلِهَا ، فَيُقَدِّمُهُ اللهُ إِلَيْهَا ، فَيَرَى أَهْلَ الْجَنَّةِ وَمَا فِيهَا ، فَيَقُولُ : أَىْ رَبِّ ، أَدْخِلْنِى الْجَنَّةَ ، قَالَ ، فَيُدْخِلُهُ اللهُ الْجَنَّةَ ، قَالَ : فَإِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، قَالَ : هَذَا لِى ، قَالَ : فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ : تَمَنَّ ، فَيَتَمَنَّى وَيُذَكِّرُهُ اللهُ : سَلْ مِنْ كَذَا وَكَذَا ، حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِىُّ ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : هُوَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ ، قَالَ : ثُمَّ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ، فَتَدْخُلُ عَلَيْهِ زَوْجَتَاهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، فَيَقُولاَنِ لَهُ ، الْحَمْدُ للهِ الَّذِى أَحْيَاكَ لَنَا ، وَأَحْيَانَا لَكَ : فَيَقُولُ مَا أُعْطِىَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيتُ .
أخرجه أحمد 3/27(11234) ، ومُسْلم 1/120(384).
فيا أخي الحبيب حدد من الآن أمنياتك وآمالك , واجعل هدفك الاسمي وطموحك الأعلى مرضاة ربك
ولا ترتض بغير جنة الخلد بديلاً , ولا بغير الفردوس الأعلى منزلا ومقيلا ,رزقنا الله وإياك حسن الخاتمة .
عن موقع رابطة أدباء الشام
" مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) سورة الإسراء .
وقال سبحانه : " وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) "سورة آل عمران .
فمن الناس من يجعل أمنياته وطموحاته وآماله في هذه الحياة لا تتعدى أمور الدنيا إلى ما سواها من أمور الآخرة , فليس له هم إلا تحصيل الأموال والمناصب والوجاهات , وهو في أمانيه تلك لا يرعوي ولا يشبع من شيء ولا يقنع بشيء ,قال تعالى : " وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) "سورة الفجر .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْهُومَانِ لا يَشْبَعَانِ طَالِبُهُمَا: طَالِبُ عَلِمٍ، وَطَالِبُ الدُّنْيَا.
أخرجه الطبرانى (10/180 ، رقم 10388) الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 6624 في صحيح الجامع .
عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (فَلاَ أَدْرِي أَشَيْءٌ أُنْزِلَ عَلَيْهِ ، أَمْ شَيْءٌ يَقُولُهُ) ، وَهُوَ يَقُولُ:
لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ ، لاَبْتَغَى لَهُمَا ثَالِثًا ، وَلاَ يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ .
أخرجه أحمد 3/122(12253) و"مسلم" 3/99(2379) .
يقول الشاعر :
هكذا الدنيا: صغير ود لو كبرا * * * وشيخ ود لو صغرا
وخال يشتهى عملا * * * وذو عمل به ضجرا
ورب المال في لعب * * * وفى تعب من افتقرا
وهم لو آمنوا * * * بالله رزاقا ومقتدرا
لما لاقوا الذي * * * لا قوة لا هما ولا كدرا
وخال يشتهى عملا * * * وذو عمل به ضجرا
ورب المال في لعب * * * وفى تعب من افتقرا
وهم لو آمنوا * * * بالله رزاقا ومقتدرا
لما لاقوا الذي * * * لا قوة لا هما ولا كدرا
أما المؤمن فإن لديه في الدنيا نوعان من الأمنيات يسعي إلى تحقيها ,فالأول: أمنيات حياتية مشروعة , كتمنيه الزوجة الصالحة والذرية الطيبة ,قال تعالى على لسان عباد الرحمن " رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ".الفرقان:74.
وتمنيه العمل الموفق والستر والعافية , والمال الحلال الذي يعف به نفسه ويؤدي حق الله تعالى فيه , والعلم النافع الذي ينفع به نفسه وينفع به غيره ,
عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
لاَ حَسَدَ إِلاَّ في اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ .
أَخْرَجَهُ "أحمد" 2/8(4550) والبخاري في (خلق أفعال العباد) 78 و"مسلم" 2/201(1846).
والإسلام لا يمنع أن يسعى المسلم في هذه الحياة إلى الكسب الحلال ليعف نفسه ويحفظ من يعول , ولا يمنعه من طلب العلم شريطة أن يكون علماً نافعاً يعود خيره عليه وعلى غيره , وهو في كل ذلك يستصحب النية الخالصة لله رب العالمين ,
عَنْ سَعِيدٍ الطَّائِيِّ ، أَبِي الْبَخْتَرِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو كَبْشَةَ الأَنْمَارِيُّ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :
ثَلاَثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ ، وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ ، قَالَ : مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ ، وَلاَ ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلِمَةً ، فَصَبَرَ عَلَيْهَا ، إِلاَّ زَادَهُ اللهُ عِزًّا ، وَلاَ فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ ، إِلاَّ فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا ، وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ ، قَالَ : إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ : عَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالاً وَعِلْمًا ، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَيَعْلَمُ ِللهِ فِيهِ حَقًّا ، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً ، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ ، يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا ، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، لاَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ ، وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَلاَ يَعْلَمُ ِللهِ فِيهِ حَقًّا ، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللهُ مَالاً وَلاَ عِلْمًا ، فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ ، فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ.
أخرجه أحمد 4/231 (18194) و"التِّرمِذي" 2325 الألباني ( صحيح ) حديث رقم : 3024 في صحيح الجامع .
قال سمعت سفيان يقول كنت أتمنى الرياسة وأنا شاب وأرى الرجل عند السارية يفتي فأغبطه فلما بلغتها عرفتها وقال المأمون من طلب الرياسة بالعلم صغيرا فاته علم كثير.ابن عبد البر: جامع بيان العلم 1/144.
فالمؤمن في كل ما يتمنى يطلب مرضاة الله تعالى , حتى إذا تمنى أمراً من أمور الدنيا طلبه وتمناه ليبتغي به وجه الله سبحانه , قال كعب الأحبار : كان رجلاً ملِكاً في بني إسرائيل ، فعل خَصْلة واحدة ، فأوحى الله إلى نَبِيّ زمانهم : قل لفلان يتمنى . فقال : يا رب أتمنى أن أجاهد بمالي وولدي ونفسي؛ فرزقه الله ألف ولد ، فكان يجهز الولد بماله في عسكر ، ويخرجه مجاهداً في سبيل الله ، فيقوم شهراً ويقتل ذلك الولد ، ثم يجهز آخر في عسكر ، فكان كل ولد يقتل في الشهر ، والملِك مع ذلك قائم الليلِ ، صائم النهار؛ فقتِل الأَلْف وَلد في ألف شهر ، ثم تقدم فقاتل فقتِل . فقال الناس : لا أحد يدرك منزلة هذا الملك؛ فأنزل الله تعالى : { لَيْلَةُ القدر خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } من شهور ذلك الملك ، في القيام والصيام والجهاد بالمال والنفسِ والأولاد في سبيل الله .تفسير القرطبي 1/6181.
وحينما مَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمًا بِقَوْمٍ يَتَمَنَّوْنَ ، فَلَمَّا رَأَوْهُ سَكَتُوا ، فَقَالَ لَهُمْ : فِيمَا كُنْتُمْ ؟ قَالُوا : كُنَّا نَتَمَنَّى . قَالَ : فَتَمَنَّوْا وَأَنَا أَتَمَنَّى مَعَكُمْ . قَالُوا : فَتَمَنَّ أَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ : أَتَمَنَّى رِجَالا مِلْءَ هَذَا الْبَيْتِ مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ ، إِنَّ سَالِمًا كَانَ شَدِيدًا فِي ذَاتِ اللهِ , لَوْ لَمْ يَخَفِ اللهَ مَا أَطَاعَهُ ، وَأَمَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ؛ فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : « لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ » . الحاكم في مستدركه ج3/ص252 ح5005 ,ابن عبد البر : المجالسة وجواهر العلم 6/156.
كَانَ الْمُتَمَنِّي بِالْكُوفَةِ إذَا تَمَنَّى يَقُولُ أَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ لِي فِقْهُ أَبِي حَنِيفَةَ وَحِفْظُ سُفْيَانَ وَوَرَعُ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ وَجَوَابُ شَرِيكٍ . الآداب الشرعية , لابن مفلح 3/347.
والأمنية الأخرى هي الأسمى والأعلى وهي مرضاة الله تعالى ومغفرته وهدايته , قال تعالى :
" فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) "سورة الأنعام .
وهو في سبيل هذه الأمنية تهون أمامه الصعاب ,وتزول العقبات , لأن صاحب الهمة العالية لا يرضى بغير مرضاة الله تعالى بديلاً , قال تعالى :
" فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30) "سورة النجم .
وقال عز وجل :" أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25) "سورة النجم .
عَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ ، قَالَ:كَانَ حَارِثَةُ أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَقَالَتْ أُمُّ حَارِثَةَ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، إِنْ كَانَ ابْنِي أَصَابَ الْجَنَّةَ ، وَإِلاَّ أَجْهَدْتُ عَلَيْهِ الْبُكَاءَ ؟ قَالَ : يَا أُمَّ حَارِثَةَ ، إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ فِي جَنَّةٍ ، وَإِنَّ حَارِثَةَ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى.
- وفي رواية : يَا أُمَّ حَارِثَةَ ، إِنَّهَا لَجِنَانٌ ، وَإِنَّ حَارِثَةَ فِي الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ ، فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ.
أخرجه أحمد 3/210(13232) و"البُخَارِي" 4/24(2809) والتِّرْمِذِيّ" 3174.
عن عَوْف بن مالك ، قال:شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ ، وَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ ، وَاغْسِلْهُ بِمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ ، وَنَقِّهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا ، كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ ، وَأَبْدِلْهُ بِدَارِهِ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ ، وَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ ، وَعَذَابَ النَّارِ.قَالَ عَوْفٌ : فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي مُقَامِي ذَلِكَ أَتَمَنَّى أَنْ أَكُونَ مَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلِ.
أخرجه ابن ماجة (1500).
اجتمع في الحجر عبد الله، ومصعب، وعروة – بنو الزبير – وابن عمر، فقال ابن عمر: تمنوا، فقال ابن الزبير: أتمنى الخلافة، وقال عروة: أتمنى أن يؤخذ عني العلم، وقال مصعب: أتمنى إمرة العراق، والجمع بين عائشة بنت طلحة وسُكينة بنت الحسين. فقال ابن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة . قال أبو الزناد: فنالوا ما تمنوا، ولعل ابن عمر قد غُفر له. الذهبي : سير أعلام النبلاء (4/141).
قال الشاعر:
لا تَعدَمُ الهِمَّةُ الكُبرى جَوائِزَها *** سِيَّانِ مَن غَلَبَ الأَيَّامَ أَو غُلِبا
وَكُلُّ سَعيٍ سَيَجزي اللهُ ساعِيَهُ *** هَيهاتَ يَذهَبُ سَعيَ المُحسِنينَ هَبا
وَكُلُّ سَعيٍ سَيَجزي اللهُ ساعِيَهُ *** هَيهاتَ يَذهَبُ سَعيَ المُحسِنينَ هَبا
روي عن أبي الدرداء أنه قيل له في مرضه: ما تشتكي؟ فقال: ذنوبي قيل له: ما تشتهي؟ قال: مغفرة ربي قيل: ألا ندعو لك طبيبا؟ قال: الطبيب أمرضني. إحياء علوم الدين 4/286.
قال رجل لعمر بن عبد العزيز : يا أمير المؤمنين : كيف أصبحت ؟ قال : « أصبحت بطيا بطينا متلوثا من الخطايا أتمنى على الله الأماني » محاسبة النفس لابن أبي الدنيا 146.
كان رجاء بن حيوة بن جرول الكندي؛ كان من العلماء، وكان يجالس عمر بن عبد العزيز؛ ذكر أنه بات ليلة عنده فهم السراج أن يخمد، فقال إليه ليصلحه، فأقسم عليه عمر ليقعدن، وقام هو إليه فأصلحه؛ قال: فقلت له: تقوم أنت يا أمير المؤمنين فقال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز.
قال: وأمرني عمر بن عبد العزيز أن أشتري له ثوباً بستة دراهم، فأتيته به فجسه وقال: هو على ما أحب لولا أن فيه ليناً، قال: فبكيت، قال: فما يبكيك قال: أتيتك وأنت أمير بثوب بستمائة درهم، فجسسته وقلت: هو على ما أحب لولا أن فيه خشونة، وأتيتك وأنت أمير المؤمنين بثوب بستة دراهم، فجسسته وقلت: هو على ما أحب لولا أن فيه ليناً، فقال: يا رجاء إن لي نفساً تواقة تاقت إلى فاطمة بنت عبد الملك فتزوجتها، وتاقت إلى الإمارة فوليتها، وتاقت إلى الخلافة فأدركتها، وقد تاقت إلى الجنة فأرجو أن أدركها إن شاء الله عز وجل .ابن خلكان : وفيات الأعيان 2/301.
قال الشاعر :
وإذا كانت النفوسُ كباراً * * * تَعِبَتْ في مرادها الأجسامُ
قال ابن الجوزي : رووا أن الكلب قال للأسد : يا سيد السباع ، غير اسمي فإنه قبيح ، فقال له : أنت خائن لا يصلح لك غير هذا الاسم ، قال : فجربني فأعطاه شقة لحم و قال : احفظ لي هذه إلى غد وأنا أغير اسمك ، فجاع و جعل ينظر إلى اللحم ، و يصبر ، فلما غلبته نفسه قال : و أي شيء باسمي ؟ و ما كلب إلا اسم حسن . فأكل .
و هكذا الخسيس الهمة ، القنوع بأقل المنازل ، المختار عاجل الهوى على آجل الفضائل .ابن الجوزي : صيد الخاطر 140.
قال أحد الحكماء: اجتنب سبع خصال يستريح جسمك وقلبك ويسلم عرضك ودينك: لا تحزن على ما فاتك ، ولا تحمل هم ما لم ينزل بك ، ولا تلم الناس على ما فيك مثله ، ولا تطلب الجزاء على ما لم تعمل ، ولا تنظر بشهوة إلى ما لا تملك ، ولا تغضب على من لم يضره غضبك ، ولا تمدح من لم يعلم من نفسه خلاف ذلك.
قال بعض السلف: من عمل لآخرته كفاه الله دنياه، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح سره أصلح الله علانيته.
هذه أمنيات المؤمن في هذه الحياة فهل تكون له أمنيات بعد أن يفارق هذه الحياة , حيث قد انقطع العمل وانتهت الأمنيات إلا من ثلاث كما جاء في الحديث الشريف, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ، صلى الله عليه وسلم ، قال :
إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ ، انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ ، إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أوْ وَلَدٍ صَالحٍ يَدْعُو لَهُ.
أخرجه أحمد 2/372(8831) و"البُخاري" في الأدب المفرد (38) و"مسلم" 5/73.
وهل للأموات أمنيات وآمال كما للأحياء أمنيات وآمال ؟؟ .
إن المؤمن لا يجد راحته الكبرى ولا سعادته العظمى إلى في ظل الله تبارك وتعالى , فهو غير الناس يرى في الموت راحة ومحبة للقاء الله تعالى , عَنْ أنس عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ
قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ قَالَ:
لَيْسَ ذَاكَ ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ ، فَلَيْسَ شَىْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ ، فَلَيْسَ شَىْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ .
أخرجه أحمد 5/316(23072) و"البُخَارِي" 8/132(6507) و"مسلم" 8/65(6918) .
قال محمد بن حسنويه: حضرت أبا عبد الله أحمد بن حنبل وجاءه رجل من أهل خراسان فقال: يا أبا عبد الله قصدتك من خراسان أسألك عن مسألة قال: له سل قال: متى يجد العبد طعم الراحة قال: عند أول قدم يضعها في الجنة .أبو يعلي الفراء : طبقات الحنابلة 1/291.
قيل لسلطان الزاهدين إبراهيم بن أدهم رضى الله عنه أوصنا بما ينفعنا : فقال رضى الله عنه : إذا رأيتم الناس مشغولين بأمر الدنيا فاشتغلوا أنتم بأمر الآخرة، وإذا اشتغلوا بعمارة البساتين فاشتغلوا بعمارة القبور، وإذا اشتغلوا بخدمة المخلوقين فاشتغلوا بخدمة رب العالمين، وإذا اشتغلوا بعيوب الناس فاشتغلوا أنتم بعيوب أنفسكم، واتخذوا من هذه الدنيا زادا يوصلكم إلى الآخرة فإنما الدنيا مزرعة الآخرة.
فإذا ما قدم على ربه ووضع في قبره ورأى جزاء ما قدم من عمل صالح بدأت له أمنيات أخرى غير تلك التي كان يتمناها في حياته الدنيا .
ومن هذه الأمنيات التي يتمناها المرء بعد الموت :
1- أن يعود إلى أهله ليبشرهم بمقعده في الجنة .
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جَِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ ، وَلَمَّا يُلْحَدُ ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ ، وَكَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِنَا الطَّيْرَ ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الأَرْضِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ :
اسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، مَرَّتَيْنِ ، أَوْ ثَلاَثًا ، ثُمَّ قَالَ :
إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا ، وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلاَئِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ ، بِيضُ الْوُجُوهِ ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَيَقُولُ : أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ ، قَالَ :
فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ ، فَيَأْخُذُهَا ، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا ، فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ ، قَالَ : فَيَصْعَدُونَ بِهَا ، فَلاَ يَمُرُّونَ ، يَعْنِي بِهَا ، عَلَى مَلأٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ إِلاَّ قَالُوا : مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ ؟ فَيَقُولُونَ : فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ ، بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ ، فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا ، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ، فَيَقُولُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى ، قَالَ :
فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ ، فَيَقُولاَنَ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : رَبِّيَ اللهُ ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ : دِينِيَ الإِسْلاَمُ ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ : هُوَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : وَمَا عِلْمُكَ ؟ فَيَقُولُ : قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ ، فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ : أَنْ صَدَقَ عَبْدِي ، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ ، قَالَ :
فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا ، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ ، قَالَ : وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ ، حَسَنُ الثِّيَابِ ، طَيِّبُ الرِّيحِ ، فَيَقُولُ : أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ ، فَيَقُولُ لَهُ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ ، فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ ، فَيَقُولُ : رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي . قَالَ :
وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا ، وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ ، نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلاَئِكَةٌ ، سُودُ الْوُجُوهِ ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَيَقُولُ : أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللهِ وَغَضَبٍ ، قَالَ : فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ ، فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ ، فَيَأْخُذُهَا ، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا ، فَلاَ يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلأٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ إِلاَّ قَالُوا : مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ ؟ فَيَقُولُونَ : فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ ، بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ ، فَلاَ يُفْتَحُ لَهُ ،
ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ) ، فَيَقُولُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ ، فِي الأَرْضِ السُّفْلَى ، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا ، ثُمَّ قَرَأَ : ( وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ) ، فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : هَاهْ ، هَاهْ ، لاَ أَدْرِي ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ : هَاهْ ، هَاهْ ، لاَ أَدْرِي ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ : هَاهْ ، هَاهْ ، لاَ أَدْرِي ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : أَنْ كَذَبَ ، فَافْرِشُوا لَهُ مِنَ النَّارِ ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا ، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ ، حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاَعُهُ ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ ، قَبِيحُ الثِّيَابِ ، مُنْتِنُ الرِّيحِ ، فَيَقُولُ : أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ ، فَيَقُولُ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ ، فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ ، فَيَقُولُ : رَبِّ لاَ تُقِمِ السَّاعَةَ.
أخرجه أحمد 4/287(18733) و "أبو داود" 3212 و"ابن ماجة" 1548 و"النَّسائي" 4/78 ، وفي "الكبرى" 2139 صحيح الترغيب والترهيب 3/219.
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ سَأَلَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَنْ فَتَّانِي الْقَبْرِ ؟ فَقَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :
إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا ، فَإِذَا أُدْخِلَ الْمُؤْمِنُ قَبْرَهُ ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ ، جَاءَ مَلَكٌ شَدِيدُ الاِنْتِهَارِ ، فَيَقُولُ لَهُ : مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ : أَقُولُ: إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ وَعَبْدُهُ ، فَيَقُولُ لَهُ الْمَلَكُ : انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ الَّذِي كَانَ فِي النَّارِ ، قَدْ أَنْجَاكَ اللهُ مِنْهُ ، وَأَبْدَلَكَ بِمَقْعَدِكَ الَّذِي تَرَى مِنْ النَّارِ مَقْعَدَكَ الَّذِي تَرَى مِنْ الْجَنَّةِ ، فَيَرَاهُمَا كِلاَهُمَا ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ : دَعُونِي أُبَشِّرْ أَهْلِي ، فَيُقَالُ لَهُ : اسْكُنْ ، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ ، فَيُقْعَدُ إِذَا تَوَلَّى عَنْهُ أَهْلُهُ ، فَيُقَالُ لَهُ : مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟ فَيَقُولُ : لاَ أَدْرِي ، أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ ، فَيُقَالُ لَهُ : لاَ دَرَيْتَ ، هَذَا مَقْعَدُكَ الَّذِي كَانَ لَكَ مِنْ الْجَنَّةِ ، قَدْ أُبْدِلْتَ مَكَانَهُ مَقْعَدَكَ مِنْ النَّارِ.
قَالَ جَابِرٌ : فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ فِي الْقَبْرِ عَلَى مَا مَاتَ ، الْمُؤْمِنُ عَلَى إِيمَانِهِ ، وَالْمُنَافِقُ عَلَى نِفَاقِهِ.
أخرجه أحمد 3/346(14779) الألباني في " السلسلة الصحيحة " 3 / 331 .
ولقد قص الله عز وجل علينا قصة صاحب (يـس) الذي كان حريصا على هداية قومه، إلا أنهم قتلوه وهو يدعوهم إلى الإيمان بالله ورسله، فلما عاين كرامة الله عز وجل له وفوزه بالجنة، تمنى أن يعلم قومه بذلك كي يؤمنوا ، فقال تعالى في شأنه : " قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) [يس] ، أي تمنى أن قومه الذين حاربوا دين الله، ورفضوا الاستجابة لأوامر الله؛ أن يعلموا ماذا أعطاه الله من نعيم وثواب جزيل.
2- أن يعود إلى الدنيا ليصلي ولو ركعتين .
حينما يعاين الميت وهو في قبره ثواب الصلاة، فإنه يتمنى أن يعود الدنيا حتى يصلي ولو ركعتين لله رب العالمين ,
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرٍ، فَقَالَ:
" مَنْ صَاحِبُ هَذَا الْقَبْرِ ؟ "فَقَالُوا: فُلانٌ، فَقَالَ:
" رَكْعَتَانِ أَحَبُّ إِلَى هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ ".
- وفي رواية : " ركعتان خفيفتان مما تحقرون و تنفلون يزيدهما هذا - يشير إلى قبر - في عمله أحب إليه من بقية دنياكم " .
قال المنذري في " الترغيب " ( 1 / 146 ) : " رواه الطبراني بإسناد حسن " و قال الهيثمي ( 2 / 249 ) : " و رجاله ثقات " .الألباني : " السلسلة الصحيحة " 3 / 377.
وعَنْ أَبِي حَازِمٍ ، قَالَ : مَرَرْت مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى قَبْرٍ دُفِنَ حَدِيثًا ، فَقَالَ : لَرَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ مِمَّا تَحْتَقِرُونَ زَادَهُمَا هَذا : أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ . مصنف ابن أبي شيبة 2/386.
قال الشاعر :
اغتنم في الفراغ فضل ركوع *** فعسى أن يكونَ موتك بغتة
كم صحيح رأيتَ من غير سُقم *** ذهبتْ نفسه الصحيحة فلتة
كم صحيح رأيتَ من غير سُقم *** ذهبتْ نفسه الصحيحة فلتة
3- أن يعود إلى الدنيا ليكثر من أعمال الخير والبر .
يتمنى المرء بعد موته لو عاد إلى الدنيا مرة أخرى ليكثر من أعمال البر والخير والتصدق , قال تعالى :
" حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) " سورة المؤمنون .
بل أن المقصر يتأسف على تقصيره في جنب الله تعالى , ويود لو عاد به الأمر حتى يكون من المحسنين , قال تعالى :
" أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) " سورة الزمر .
4 ـ يتمنى لو عاد إلى الحياة حتى يتصدق وينفق ماله في سبيل الله تعالى .
قال سبحانه : " وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) " سورة المنافقون.
وكان الربيع بن خثيم قد حفر في داره قبرًا، فكان إذا وجد في قلبه قساوة دخل فاضطجع، ومكث ما شاء الله، ثم يقول: " قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) " سورة المؤمنون . يرددها ، ثم يرد على نفسه: يا ربيع! قد رجعتَ فاعمل.
قال إبراهيم بن يزيد العبدي رحمه الله تعالى: أتاني رياح القيسي فقال: يا أبا إسحاق انطلق بنا إلى أهل الآخرة نُحدثُ بقربهم عهدا، فانطلقت معه فأتى المقابر، فجلسنا إلى بعض تلك القبور، فقال: يا أبا إسحاق ما ترى هذا متمنيا لو مُنِّ ؟ (أي لو قيل له تمنى) قلت: أن يُردَّ - والله - إلى الدنيا، فيستمتعْ من طاعة الله وُيصلح، قال: ها نحن في الدنيا، فلنطع الله ولنصلح، ثم نهض فجدَّ واجتهد، فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات رحمه الله تعالى .
وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يجمع العلماء فيتذكرون الموت والقيامة والآخرة، فيبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة!!.
وكان أبو العالية رفيع بن مهران قد أعدَّ لنفسه كفنًا، وكان يلبس كفنه كل شهر مرة ثم يرده إلى مكانه، ولقد أوصى سبع عشرة مرة وهو صحيح معافى. وكان يحدد لكل وصية أجلا؛ فإذا جاء أجلها نظر فيها.. فإما أنْ يعدلها، وإما أنْ يبدلها، وإما أنْ يمضيها.
5- أن يعود ليقتل في سبيل الله .
أما الشهيد، فبالرغم من عظم منزلته الرفيعة التي يراها أُعدت له في أعلى درجات الجنة، فإنه يتمنى أن يعود إلى الدنيا، ولكن ليستمر في جهاد أعداء الله، فيقاتل ويُقتل ولو عشر مرات، لما يرى من ثواب الجهاد وكرامة المجاهدين عند الله عز وجل، عَنْ حُمَيْدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ :
مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ لَهُ عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ ، يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا ، وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، إِلاَّ الشَّهِيدَ ، لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا ، فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى.
أخرجه البُخَارِي 4/20(2795) التِّرْمِذِي( 1643 .
وعَنْ قَتَادَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ :
مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ، يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا ، وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ ، غَيْرُ الشَّهِيدِ ، فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ ، فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ ، لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ .
أخرجه أحمد 3/103(12026) و(البُخَارِي( 4/26(2817) ومُسْلم( 6/35(4902) .
وفي قصة والد جابر بن عبد الله الأنصاري ما يؤكد ذلك , فعَنْ طَلْحَةَ بْنِ خِرَاشٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ:لَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ ، يَوْمَ أُحُدٍ ، لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ :
يَا جَابِرُ ، أَلاَ أُخْبِرُكَ مَا قَالَ اللهُ لأَبِيكَ ؟ (وَقَالَ يَحْيَى فِي حَدِيثِهِ : فَقَالَ : يَا جَابِرُ ، مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا ؟ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، اسْتُشْهِدَ أَبِي وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنًا ، قَالَ : أَفَلاَ أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللهُ بِهِ أَبَاكَ ؟) قَالَ : بَلَى ، يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ :
مَا كَلَّمَ اللهُ أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ، وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا ، فَقَالَ : يَا عَبْدِي ، تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ ، قَالَ : يَا رَبِّ ، تُحْيِينِي فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً ، فَقَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ : إِنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لاَ يَرْجِعُونَ ، قَالَ : يَا رَبِّ ، فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي ، قَالَ : فَأَنْزَلَ اللهُ ، تَعَالَى : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) .
أخرجه ابن ماجة (190) الألباني :حسن الظلال ( 602 ) ، التعليق الرغيب ( 2 / 190 - 191 ).
وعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ مِنَ الشَّامِ يُرِيدُ مَكَّةَ، فَنَزَلَ مَنْزِلا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، يُقَالُ لَهُ: الأَبْوَاءُ، فَاطَّلَعَ فِي بِئْرٍ عَادِيَّةٍ فَأَصَابَتْهُ لَقْوَةٌ، فَأَجَدَّ السَّيْرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَأَتَاهُ الْحَاجِبُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، النَّاسُ بِالْبَابِ مَا أَفْقِدُ وَجْهًا، قَالَ: فَأَبْسِطْ لِي إِذًا قَالَ، ثُمَّ دَعَا بِعِمَامَةٍ فَلَفَّ بِهَا رَأْسَهُ وَشَقَّ وَجْهَهُ، ثُمَّ خَرَجَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"أَمَّا بَعْدُ فَإِنْ أُعَافَى فَقَدْ عُوفِيَ الصَّالِحُونَ قَبْلِي، وَمَا أُسِرُّ أَنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ مَرِضَ مِنِّي عُضْوٌ فَمَا أُحْصِي صَحِيحِي، وَإِنْ كَانَ وَجِدَ عَلِيَّ بَعْضُ خَاصَّتِكُمْ فَقَدْ كُنْتُ حَرْبًا عَلَى عَامَّتِكُمْ، وَمَا لِيَ أَنْ أَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَانِي، فَرَحِمَ اللَّهُ رَجُلا دَعَا لِي بِالْعَافِيَةِ"، فَارْتَجَّتِ الأَصْوَاتُ بِالدُّعَاءِ، فَاسْتَبْكَى، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟، قَالَ:"رَاجَعْتُ مَا كُنْتُ عَنْهُ عَزُوفًا، كَبِرَتْ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَكَثُرَ الدُّمُوعُ فِي عَيْنِي، وَرُمِيتُ فِيأَحْسَنِي وَمَا يَبْدُو مِنِّي، وَلَوْلا هَوًى مِنِّي فِي يَزِيدَ أَبْصَرْتُ قَصْدِي".المعجم الكبير للبيهقي 18/218.
وقال عقبة بن حديد النمري يوم صفين لأهله وأصحابه :" ألا إن مرعى الدنيا قد أصبح هشيما وأصبح شجرها خضيدا وجديدها سملا وحلوها مر المذاق ألا وإني أنبئكم نبأ امرئ صادق إني قد سئمت الدنيا وعزفت نفسي عنها وقد كنت أتمنى الشهادة وأتعرض لها في كل جيش وغارة فأبى الله عز و جل إلا أن يبلغني هذا اليوم ألا وإني متعرض لها من ساعتي هذه قد طمعت ألا أحرمها فما تنتظرون عباد الله بجهاد من عادى الله أخوفا من الموت القادم عليكم الذاهب بأنفسكم لا محالة أو من ضربة كف بالسيف أتستبدلون الدنيا بالنظر في وجه الله عز و جل ومرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في دار القرار ما هذا بالرأي السديد ثم مضى فقال يا إخوتي إني قد بعت هذه الدار بالتي أمامها وهذا وجهي إليها لا تبرح وجوهكم ولا يقطع الله عز و جل رجاءكم فتبعه إخوته فقالوا لا نطلب رزق الدنيا بعدك فقبح الله العيش بعدك اللهم إنا نحتسب أنفسنا عندك فاستقدموا فقاتلوا حتى قتلوا. جمهرة خطب العرب 1/264.
قال الشاعر :
سأحمل روحي على راحتي * * * وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق * * * وإما مات يغيظ العدى
ونفس الشريف لها غايتان * * * ورود المنايا ونيل المنى
فإما حياة تسر الصديق * * * وإما مات يغيظ العدى
ونفس الشريف لها غايتان * * * ورود المنايا ونيل المنى
6- تمني الناس في ساحة العرض والحساب .
كما أن للأموات أمنيات وهم في قبورهم , لكن هيهات هيهات تحقيقها فقد سبق الأجل وانقطع العمل فإن للناس مؤمنهم وكافرهم في ساحة العرض والحساب أمنيات وآمال , فالكافر العاصي حينما يأخذ كتابه بشماله ويرى مصيره , ويلجمه العرق إلجاما ويشدد عليه في الحساب , ويطول وقوفه في ساحة العرض يتمنى لو يؤمر به ولو إلى النار ,
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
إِنَّ الْكَافِرَ لَيُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُلْجِمَهُ الْعَرَقُ، حَتَّى إِنَّهُ يَقُولُ: يَا رَبِّ أَرِحْنِي وَلَوْ إِلَى النَّارِ .
الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 63/ 1) الألباني : ضعيف , الضعيفة 9/151.
أما المسلم الذي أبطأ به عمله ورأى تقصيره في جنب ربه فإنه يتمنى لو شفع له أحد فأنقذه من هول الحساب فيذهب إلى الأنبياء حتى يشفع له تاجهم ودرتهم محمد صلى الله عليه وسلم , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
أُتِىَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِلَحْمٍ فَدُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً ثُمَّ قَالَ :
أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهَلْ تَدْرُونَ لِمَ ذَلِكَ يَجْمَعُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِى وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ وَلاَ يَحْتَمِلُونَ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى مَا قَدْ بَلَغَكُمْ أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ أَبُوكُمْ آدَمُ . فَيَأْتُونَ آدَمَ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنَّ رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبْ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ نَهَانِى عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ . فَيَأْتُونَ نُوحًا صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ نُوحٌ إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبْ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ كَانَتْ لِى دَعْوَةٌ عَلَى قَوْمِى نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ . فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ يَا إِبْرَاهِيمُ أَنْتَ نَبِىُّ اللهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبْ بَعْدَهُ مِثْلَهُ - فَذَكَرَ كَذِبَاتِهِ - نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ . فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ اللهِ اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالاَتِهِ وَبِتَكْلِيمِهِ عَلَى النَّاسِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ لَهُمْ مُوسَى إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنِّى قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُؤْمَرْ بِقَتْلِهَا نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ - قَالَ هَكَذَا هُوَ - وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ لَهُمْ عِيسَى إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ – وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ ذَنْبًا - اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم . فَيَأْتُونِى فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ذَنْبَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ وَمَا تَأَخَّرَ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَأَقُومُ فَآتِى تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّى عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَىَّ وَيُلْهِمُنِى مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِى فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ اشْفَعْ تُشَفَّعْ . فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى يَا رَبِّ . فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الأَبْوَابِ . ثُمَّ قَالَ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَمَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى .
أخرجه أحمد 2/331(8359) و"البُخاري" 4/163(3340) و"مسلم" 1/127 و"التِّرمِذي" 1837 وفي (الشمائل) 167.
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:
إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً ، رَجُلٌ صَرَفَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ ، قِبَلَ الْجَنَّةِ ، وَمَثَّلَ لَهُ شَجَرَةً ذَاتَ ظِلٍّ ، فَقَالَ : أَىْ رَبِّ ، قَدِّمْنِى إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ ، فَأَكُونُ فِى ظِلِّهَا ،فَقَالَ اللهُ : هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ أَنْ تَسْأَلَنِى غَيْرَهَا ، قَالَ : لاَ ، وَعِزَّتِكَ ، فَقَدَّمَهُ اللهُ إِلَيْهَا ، وَمَثَّلَ لَهُ شَجَرَةً ذَاتَ ظِلٍّ وَثَمَرٍ ، فَقَالَ : أَىْ رَبِّ قَدِّمْنِى إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَكُونُ فِى ظِلِّهَا وَآكُلُ مِنْ ثَمَرِهَا ، فَقَالَ اللهُ لَهُ : هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِى غَيْرَهُ ، فَيَقُولُ : لاَ ، وَعِزَّتِكَ ، فَيُقَدِّمُهُ اللهُ إِلَيْهَا ، فَتُمَثَّلُ لَهُ شَجَرَةٌ أُخْرَى ذَاتُ ظِلٍّ وَثَمَرٍ وَمَاءٍ ، فَيَقُولُ : أَىْ رَبِّ ، قَدِّمْنِى إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَكُونُ فِى ظِلِّهَا. وَآكُلُ مِنْ ثَمَرِهَا ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا ، فَيَقُولُ لَهُ : هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ أَنْ تَسْأَلَنِى غَيْرَهُ ، فَيَقُولُ : لاَ. وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ ، فَيُقَدِّمُهُ اللهُ إِلَيْهَا ، فَيَبْرُزُ لَهُ بَابُ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُ : أَىْ رَبِّ قَدِّمْنِى إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، فَأَكُونَ تَحْتَ نِجَافِ الْجَنَّةِ ، وَأَنْظُرَ إِلَى أَهْلِهَا ، فَيُقَدِّمُهُ اللهُ إِلَيْهَا ، فَيَرَى أَهْلَ الْجَنَّةِ وَمَا فِيهَا ، فَيَقُولُ : أَىْ رَبِّ ، أَدْخِلْنِى الْجَنَّةَ ، قَالَ ، فَيُدْخِلُهُ اللهُ الْجَنَّةَ ، قَالَ : فَإِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، قَالَ : هَذَا لِى ، قَالَ : فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ : تَمَنَّ ، فَيَتَمَنَّى وَيُذَكِّرُهُ اللهُ : سَلْ مِنْ كَذَا وَكَذَا ، حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِىُّ ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : هُوَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ ، قَالَ : ثُمَّ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ، فَتَدْخُلُ عَلَيْهِ زَوْجَتَاهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، فَيَقُولاَنِ لَهُ ، الْحَمْدُ للهِ الَّذِى أَحْيَاكَ لَنَا ، وَأَحْيَانَا لَكَ : فَيَقُولُ مَا أُعْطِىَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيتُ .
أخرجه أحمد 3/27(11234) ، ومُسْلم 1/120(384).
فيا أخي الحبيب حدد من الآن أمنياتك وآمالك , واجعل هدفك الاسمي وطموحك الأعلى مرضاة ربك
ولا ترتض بغير جنة الخلد بديلاً , ولا بغير الفردوس الأعلى منزلا ومقيلا ,رزقنا الله وإياك حسن الخاتمة .
عن موقع رابطة أدباء الشام
التعديل الأخير: