العودة إلى التربية القرآنية.. هود وأخواتها
الدكتور محمد العبدة
الدكتور محمد العبدة
هل هناك سبب خاص يجعل الرسول يذكر سورة هود بقوله: " شيبتني هود وأخواتها "؟!
إن الذي يتلو هذه السورة سيجد أنها حفلت بتوجيهات واضحة حاسمة، والخطاب في هذه التوجيهات موجه إلى شخص الرسول، وتتناوله الآيات بضمير الخطاب المفرد، والمقصود أيضًا أمته كما قال تعالى:
{ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ } [هود: 112].
هذه التوجيهات تطلب منهأن يصبر ولا يتنازل لقريش وغيرها لما يطلبون، ومن أهم مطالبهم أن يترك شيئًا مما أنزل عليه، يقول له الله تعالى : { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ } [هود: 12]، ويقول له: { فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ } [هود: 17]، ثم يعده -سبحانه- بأن العاقبة للمتقين.
إنه التصميم الجازم، إنه الوحي وإنه الدين وإنه الحق ولا بد أن يقبل كله، ومن غير المسموح أن يجعل هذا القرآن عضين، وأن يأخذه الناس تفاريق حسب أهوائهم ورغباتهم.
تتدرج الآيات المخاطبة للرسول هكذا:
{ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } [هود: 12].
{ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّك وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } [هود: 17].
وتعقيبًا على قصة نوح عليه السلام قال تعالى:
{ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } [هود: 49].
وفي نهاية السورة:
{ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [هود: 112]،
{ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } [هود: 115]. ثم يمن عليه:
{ وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ } [هود: 120]. ثم التذكير بسنته في إهلاك القرى:
{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } [هود: 117].
إن ضيق الصدر وكتمان بعض الحق مما يخطر بالبال حسب المعهود من طباع الناس، وحاشا الرسول أن يكتم شيئًا من الرسالة، ولكن القرآن ينبه ويحذر أن يجترح هذا الترك، وإن كان بعض ما يوحى إليه يشق سماعه على المشركين، ثم يقول له: { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ } [هود: 112]؛ أي الزم الصراط المستقيم الذي لا عوج فيه، بالثبات عليه، وفي الوقت نفسه لا تطغوا فيه؛ فالإفراط فيه كالتفريط.
وفي ختام السورة يؤكد الطلب من الرسولأن يستمر في دعوته، ولا يتوانى ولا يتنازل { وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ } [هود: 120].
كما حفلت سورة هود بذكر مدنيات بادت واندثرت لعصيانها لأمر ربها، إنه مشهد مأساوي مؤثر، نوازل مريعة حلت بالقرون الخوالي والأمم السابقة، أمم مستكبرة تحتقر الضعفاء من المسلمين، ويصرون على اتباع آبائهم ولو كانوا لا يعقلون (قوم نوح)، وأمم غرتهم قوتهم وبنيانهم (قوم هود)، وأناس بطروا النعمة (ثمود)، وآخرين انحرفوا عن الفطرة السليمة (قوم لوط)، والغارقين في الفساد الاقتصادي وأكل أموال الناس بالباطل (قوم شعيب)، إنها سنة كونية وقانون إلهي صارم.
إنه التحذير للمسلمين أن يتركوا بعض الوحي؛ إرضاء للذين يشنون كل يوم الغارات الثقافية على الإسلام وأهله، ويبرر بعض المسلمين هذا التنازل باسم (الاعتدال) و(الوسطية) التي هي تأويل المحكمات وقواطع الأدلة وإبعادها عن معانيها الصحيحة، وليست الوسطية التي هي الكمال، (واسطة العِقْد)؛ فالإسلام وسط بين الأديان التي انحرفت، إما إلى الغلو أو إلى التفريط. لماذا يلح القرآن على التمسك بما (أوحي إليك) والاستمرار على الصراط السوي؛ لأن الانجرار إلى مطالب الذين لا يريدون الإسلام سوف يؤدي إلى أن يسكت الإنسان عن كثير من الآراء التي تتنافى وعقيدته، وعندئذٍ تنمحي الفوارق ويضعف الإيمان ويشحب، حتى يصبح ظلالاً باهتة.
ولا نتكلم هنا عن الاجتهاد الصحيح في كل حادثة طارئة من خلال منهج واضح سليم، ولكن عن هؤلاء الذين لا يميزون بين الانفتاح الصحيح والسليم وبين تسليم القلعة للمهاجمين، كما يفعل الجيش الخائن، " وإنما ينسلُّ عن ضبط الشرع من لم يحط بمحاسنه، ولم يطلع على مكامنه..."( الامام الجويني: الغياثي /229).
إن مطالب الذين لا يريدون للإسلام خيرًا لا تنتهي عند حد، فمن موضوع (النقاب) إلى حذف الآيات وبعض الأحاديث إلى تعطيل الحدود؛ حتى يجردوا المسلم ويدعوه هيكلاً عظميًّا، ومع ذلك لا يقبلون إلا بأن يفهم هذا المسلم الدين كما يريدون، ويطبقه حسب ما ينهجون.
ولذلك لا بد أن ييئس الكفار من استجابة المسلمين لوساوسهم، خاصة حين يتلو المسلم هذه الآية { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا } [الإنسان: 24].
المصدر: موقع المسلم.
إن الذي يتلو هذه السورة سيجد أنها حفلت بتوجيهات واضحة حاسمة، والخطاب في هذه التوجيهات موجه إلى شخص الرسول، وتتناوله الآيات بضمير الخطاب المفرد، والمقصود أيضًا أمته كما قال تعالى:
{ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ } [هود: 112].
هذه التوجيهات تطلب منهأن يصبر ولا يتنازل لقريش وغيرها لما يطلبون، ومن أهم مطالبهم أن يترك شيئًا مما أنزل عليه، يقول له الله تعالى : { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ } [هود: 12]، ويقول له: { فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ } [هود: 17]، ثم يعده -سبحانه- بأن العاقبة للمتقين.
إنه التصميم الجازم، إنه الوحي وإنه الدين وإنه الحق ولا بد أن يقبل كله، ومن غير المسموح أن يجعل هذا القرآن عضين، وأن يأخذه الناس تفاريق حسب أهوائهم ورغباتهم.
تتدرج الآيات المخاطبة للرسول هكذا:
{ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } [هود: 12].
{ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّك وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } [هود: 17].
وتعقيبًا على قصة نوح عليه السلام قال تعالى:
{ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } [هود: 49].
وفي نهاية السورة:
{ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [هود: 112]،
{ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } [هود: 115]. ثم يمن عليه:
{ وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ } [هود: 120]. ثم التذكير بسنته في إهلاك القرى:
{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } [هود: 117].
إن ضيق الصدر وكتمان بعض الحق مما يخطر بالبال حسب المعهود من طباع الناس، وحاشا الرسول أن يكتم شيئًا من الرسالة، ولكن القرآن ينبه ويحذر أن يجترح هذا الترك، وإن كان بعض ما يوحى إليه يشق سماعه على المشركين، ثم يقول له: { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ } [هود: 112]؛ أي الزم الصراط المستقيم الذي لا عوج فيه، بالثبات عليه، وفي الوقت نفسه لا تطغوا فيه؛ فالإفراط فيه كالتفريط.
وفي ختام السورة يؤكد الطلب من الرسولأن يستمر في دعوته، ولا يتوانى ولا يتنازل { وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ } [هود: 120].
كما حفلت سورة هود بذكر مدنيات بادت واندثرت لعصيانها لأمر ربها، إنه مشهد مأساوي مؤثر، نوازل مريعة حلت بالقرون الخوالي والأمم السابقة، أمم مستكبرة تحتقر الضعفاء من المسلمين، ويصرون على اتباع آبائهم ولو كانوا لا يعقلون (قوم نوح)، وأمم غرتهم قوتهم وبنيانهم (قوم هود)، وأناس بطروا النعمة (ثمود)، وآخرين انحرفوا عن الفطرة السليمة (قوم لوط)، والغارقين في الفساد الاقتصادي وأكل أموال الناس بالباطل (قوم شعيب)، إنها سنة كونية وقانون إلهي صارم.
إنه التحذير للمسلمين أن يتركوا بعض الوحي؛ إرضاء للذين يشنون كل يوم الغارات الثقافية على الإسلام وأهله، ويبرر بعض المسلمين هذا التنازل باسم (الاعتدال) و(الوسطية) التي هي تأويل المحكمات وقواطع الأدلة وإبعادها عن معانيها الصحيحة، وليست الوسطية التي هي الكمال، (واسطة العِقْد)؛ فالإسلام وسط بين الأديان التي انحرفت، إما إلى الغلو أو إلى التفريط. لماذا يلح القرآن على التمسك بما (أوحي إليك) والاستمرار على الصراط السوي؛ لأن الانجرار إلى مطالب الذين لا يريدون الإسلام سوف يؤدي إلى أن يسكت الإنسان عن كثير من الآراء التي تتنافى وعقيدته، وعندئذٍ تنمحي الفوارق ويضعف الإيمان ويشحب، حتى يصبح ظلالاً باهتة.
ولا نتكلم هنا عن الاجتهاد الصحيح في كل حادثة طارئة من خلال منهج واضح سليم، ولكن عن هؤلاء الذين لا يميزون بين الانفتاح الصحيح والسليم وبين تسليم القلعة للمهاجمين، كما يفعل الجيش الخائن، " وإنما ينسلُّ عن ضبط الشرع من لم يحط بمحاسنه، ولم يطلع على مكامنه..."( الامام الجويني: الغياثي /229).
إن مطالب الذين لا يريدون للإسلام خيرًا لا تنتهي عند حد، فمن موضوع (النقاب) إلى حذف الآيات وبعض الأحاديث إلى تعطيل الحدود؛ حتى يجردوا المسلم ويدعوه هيكلاً عظميًّا، ومع ذلك لا يقبلون إلا بأن يفهم هذا المسلم الدين كما يريدون، ويطبقه حسب ما ينهجون.
ولذلك لا بد أن ييئس الكفار من استجابة المسلمين لوساوسهم، خاصة حين يتلو المسلم هذه الآية { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا } [الإنسان: 24].
المصدر: موقع المسلم.