بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
ما هي الحكمة الربانية في اختيار مكة المكرمة بلداً للرسول ؟
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثالث من دروس فقه السيرة النبوية، موضوع هذا الدرس البيئة التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي عليه، وهذا يسمى في الدراسات التاريخية البعد التاريخي .
مكة المكرمة أرض ليس فيها زرع, قال تعالى:
﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾
( سورة إبراهيم الآية : 37 )
يبدو من هذه الآية الكريمة، وقد اعتمد كُتّاب السيرة على القرآن الكريم، وما صح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدراً أولاً وثانياً لوقائع السيرة، أن هناك متع حسية، وهناك سعادة نفسية، لو أن المتع الحسية متوافرة تماماً، ورافقتها سعادة نفسية لاختلط الأمر، لكن هذا اسمه فرز، تذهب إلى بيت الله الحرام في وادٍ غير ذي زرع، والجو حار، ومع ذلك تسعد في جوار هذا البيت أيما سعادة، كأن الله سبحانه وتعالى جمد العامل الجمالي الأرضي، وحرك العامل النفسي السماوي .
إذاً: قد تأتي الدنيا كما تريد، فتبتعد عن الغرض الذي خلقت من أجله، هذه حقيقة، الدنيا أحياناً تكون حجاباً بين العبد وبين ربه، ولا أغفلكم أيها الأخوة أن بلادًا كثيرة تعاني من رخاء ما بعده رخاء، ومن جمال ما بعده جمال، ومن متع حسية ما بعدها متع، هذه الدنيا العريضة، وهذا الجمال الأخاذ، وهذا التفلت صار حجاباً بين الناس وبين خالقهم، وقد تجد في بلاد أخرى شدة وضيقاً وفقراً، وتجد إقبال الناس على الدين منقطع النظير .
هناك علاقة بين المتع الحسية وتوافرها، وبين النشاط الروحي وحدته، حينما قال الله عز وجل:
﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾
( سورة إبراهيم الآية : 37 )
إذاً: ربما أعطاك فمنك، وربما منعك فأعطاك، وقد يكون المنع عين العطاء, قال تعالى:
﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
( سورة البقرة الآية : 216)
هذه الدنيا أيها الأخوة ليست بشيء أمام الآخرة, قال رسول الله :
" ما أخذت الدنيا من الآخرة إلا كما أخذ المخيط غرس في البحر من مائه "
( ورد في الأثر)
إذا كنت في بلد لست كما تتمنى، وكنت قريباً من الله عز وجل فأنت الرابح الأكبر، وإذا كنت في بلد وكأنه جنة الأرض، وهذه الجنة في الأرض حجبتك عن الله عز وجل، وأنستك الآخرة فأنت الخاسر فحيث ما أراد الله أن تكون تقبل قضاء الله وقدره، عندئذٍ تكشف حقيقة الحكمة الإلهية، لأن كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع .
النعم التي اسدلها الله على قريش :
أيها الأخوة, الله عز وجل امتن على قريش حيث يقول في كتابه الكريم:
﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾
( سورة قريش الآية : 1-4 )
قال علماء التفسير: إن أعظم نعمة يمتن الله بها على عباده نعمة الشبع والأمن, قال تعالى:
﴿ أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَءَامَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾
( سورة قريش الآية : 4 )
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾
( سورة النحل الآية : 112)
إذاً: حينما تكون كما قال الرسول :
" من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا "
( أخرجه البخاري عن عبد الله بن محصن )
وأعني (( آمنا في سربه ))، أي أمن الإيمان، أنت حينما تؤمن تشعر أنك تحت رحمة الله، وتحت رضوان الله، وتحت حفظ الله، وتحت تأييد الله، وتحت توفيق الله، وتحت نصر الله، وإذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك، وهذه معية خاصة، قال عنها العلماء: إنها معية التأييد ، والنصر، والتوفيق، والحفظ, قال تعالى:
﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 19)
﴿أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾
( سورة البقرة الآية : 194)
﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 139 )
المزايا التي كانت تتصف فيها بيئة النبي :
أيها الأخوة، في البيئة التي عاش بها النبي كان فيها بعض المكارم الأخلاق، قيمة الشجاعة، وقيمة المروءة، وقيمة الكرم، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
" وإنما بعثت معلما "
( أخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو)
" بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "
( أخرجه أحمد والحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة)
"خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام "
(أخرجه البخاري عن أبي هريرة )
وقد خاطب النبي الصحابة فقال:
" أسلمت على ما أسلفت من خير "
( أخرجهما البخاري ومسلم في الصحيح )
معنى ذلك أن القيم التي كانت قبل بعثة النبي كقيمة الشجاعة والكرم والمروءة، وكان عنترة يقول :
وأغض طرفي أن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
أليست هذه مروءة؟ لذلك قال عليه الصلاة والسلام: " بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " من هنا نستنبط أن الإنسان الصالح في أخلاقه قبل أن يؤمن، وقبل أن يهتدي إلى الله عز وجل، لأنه صالح يتولاه الله عز وجل، قال تعالى: ﴿وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾
( سورة الأعراف الآية : 196)
فإذا كنا حليماً كريماً، ذا مروءة، تقري الضيف، تعين على نوائب الدهر، فالله عز وجل يتولاك، ومن أدق ما قالت السيدة خديجة لزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما جاءه الوحي: " ما يخزيك الله أبداً", كيف عرفت ذلك؟ لم يكن وحي قبله، ولم يكن إسلام قبل هذا الإسلام، " والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتكرم الضيف، وتحمل الكَلّ، وتعين على نوائب الدهر", هذه الفطرة .
وأنا أقول لكم أيها الأخوة، وهذا استنباط، ولاسيما أني أوجهه إلى الشباب: إن كنت شاباً مؤمناً، مستقيماً، عفيفاً، صادقاً، أميناً، ثق بتوفيق الله لك، لأن الله عز وجل يقول:
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
( سورة الجاثية الآية : 21 )
إذاً: مكارم الأخلاق التي كانت في الجاهلية اعتمدها الإسلام وأقرها . أهمية النسب في عالم الإيمان :
أيها الأخوة, قبيلة قريش كانت في الجزيرة العربية واسطة العقد، وكانت سيدة العرب وقتها هذا ينقلنا إلى موضوع النسب، ما علاقة النسب بالإيمان؟ النسب تاج يتوج به المؤمن، فالنبي عليه الصلاة والسلام حدثنا عن سيدنا يوسف, فقال: " الكريم ابن الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم "
(أخرجه أحمد في مسنده)
ولكن حينما قال الله عز وجل:
﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾
( سورة المسد الآية : 1-5)
هو عمّ النبي، أما الإنسان حينما يبتعد عن الإيمان لا قيمة للنسب أبداً، قال عليه الصلاة والسلام:
" يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمّدٍ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النّارِ، فَإِنّي لاَ أَمْلِكُ لَكِ ضَرّا وَلاَ نَفْعاً "
( أخرجه مسلم في الصحيح )
" وقد دخل عليه الصلاة والسلام مرة المسجد فرأى رجالاً يتحلقون حول رجل، فسأل سؤال العارف: من هذا؟ قالوا: نسابة، قال: وما نسابة؟ قالوا: يعرف أنساب العرب، فقال عليه الصلاة والسلام: هذا علم لا ينفع من تعلمه، ولا يضر من جهل به "
( ورد في الأثر)
من هنا من بعض أدعية النبي عليه الصلاة والسلام:
" الَّلهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ من قلبٍ لا يخشعُ ، ومِنْ دُعاءٍ لا يُسمعْ ، ومِنْ نفسٍ لا تَشبعْ ، ومن علمٍ لا ينفعْ ، أعوذُ بكَ منْ هؤلاءِ الأربعِ "
( ورد في الأثر)
أيها الأخوة، تعليق لا بد منه، لأن العمر قصير، والوقت محدود، والأيام تتسارع، وكلما مضى يوم اقتربنا من أجلنا، فلا بد من أن نصطفي، كيف؟ أنت في مكتبك تضع الأربعة جدران ممتلئة بالكتب إلى السقف، وعندك بعد يومين امتحان مصيري، وكتاب هذه المادة أحد كتب المكتبة، هل يمكن أن تقرأ خطبة في هذين اليومين؟ لا بد من أن تقرأ الكتاب المقرر، لأن ما يطبع في العالم كل يوم من كتب بلغة واحدة لا يمكن أن تستطيع قراءتها في مئتي عام, ينبغي أن تصطفي كتاباً ينفعك في دينك ودنياك، وأن تصطفي صديقاً ينهض بك إلى الله حاله، ويدلك على الله مقاله، وأن تصطفي مكاناً تزداد فيه قرباً من الله عز وجل، أما الإنسان الذي يتحرك كيف ما شاء؟ يقرأ أي كتاب شاء؟ هذا الذي لا يصطفي يكون مغبوناً يوم القيامة
إذاً: النسب تاج يتوج به المؤمن، أما إذا ابتعد الإنسان عن الإيمان فلا قيمة للنسب أبداً، وصدق القائل:
لا تقل: أصلي وفصلي أبداً إنما أصل الفتى ما قد حصل
العبادة التي كانت سائدة في قريش :
أيها الأخوة, ماذا كانت تعبد قريش قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام؟ قال تعالى:
﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾
( سورة يونس الآية : 18 )
إحدى القبائل صنعت من تمر صنماً وعبدته، فلما جاعت أكلته، فقيل: أكلت ودٌ ربها، أين عقلهم؟ قبيلة أخرى جاء أحد أفرادها إلى الصنم ليعبده فرأى أن ثعلباً قد بال على رأسه، فقال:
أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ضلت من بالت عليه الثعالب
العرب كانت تعبد أصناماً من دون الله، وتزعم أنها تقربهم من الله عز وجل زلفا, عطلوا عقولهم فخسروا آخرتهم .
هذه هي الجاهلية الثانية :
أخواننا الكرام، في بلاد آسيا تعبد البقرة من دون الله، فإذا دخلت إلى دكان فاكهة، وأكلت ما لذ وطاب من أغلى أنواع الفاكهة يكون صاحب المحل في الجنة، لأن الإله دخل إلى دكانه، وأكل من الفواكه، وقد يوضع روثها على الأثاث في غرف الضيوف في العيد، هذا من إنتاج إلههم، أين عقولهم؟ وهناك أناس في بلاد آسيا يعبدون الجرذان، وعندي مجلة فيها معبدهم، وكيف أن في هذا المعبد آلاف الجرذان يقدمون لهم أنفس الطعام، ويعبدونهم من دون الله؟ أين عقولهم؟ وفي هذه البلاد البعيدة جداً شرقاً, والتي تألقت في الصناعة حتى بلغت قمة النجاح الصناعي يعبدون ذكر الرجل، وقد حدثني أخ كريم زار معابدهم، وهناك أناس يعبدون الحجر، وأناس يعبدون الشمس والقمر، وأناس يعبدون موج البحر، وهذا من ضعف عقل الإنسان، واشكروا الله عز وجل أننا عرفنا الإله الحقيقي الذي بيده كل شيء، قال تعالى:
﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾
( سورة يونس الآية : 18 )
أيها الأخوة، من أغرب ما قرأت قبل شهرين أو ثلاثة أن صحفية في بلد عربي مجاور فيها مقالة يزعم كاتبها أن آلهة قريش كانت آلهة ديمقراطية، لأن كل إله قبل بالطرف الآخر، أما إله محمد فكان إلهاً ديكتاتورياً أو قمعياً، لأنه رفض أن يكون معه إله آخر، أليست هذه جاهلية ثانية؟ حينما قال الله عز وجل:
﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾
( سورة الأحزاب الآية : 33 )
ما معنى ذلك؟ أن هناك جاهلية ثانية .
الأكاذيب التي كانت قريش تفتري بها على الله وإصرارها على ذلك :
أيها الأخوة, أن بيئة قريش فيها تشريعات ما أنزل الله بها من سلطان، فقد قال الله عز وجل:
﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾
( سورة النحل الآية : 116 )
لذلك المعاصي والآثام رُتبت في القرآن ترتيباً تصاعدياً، فذكر الله الفحشاء والمنكر، والإثم والعدوان، والشرك والكفر، وجعل على رأس هذه المعاصي أكبر معصية على الإطلاق, قال تعالى:
﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
( سورة البقرة الآية : 169 )
هذا الذي يحرم من دون علم، ويحلل من دون علم، ويفتري على الله الكذب, الحلال والحرام من شأن الله وحده، فهناك عقائد سخيفة ومضحكة كانوا يتداولونها فيما بينهم, ثم إنهم من حيث العقيدة كانوا يشركون بالله جل جلاله فلا يوحدونه، وكانوا يلحدون في أسمائه وصفاته، وكانوا يسمون الملائكة تسمية الأنثى، ويدعون أنهم بنات الله، ويدعون أن الجن شركاء الله، ويجحدون القضاء والقدر، وقد قال الله على ألسنتهم:
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾
( سورة الأنعام الآية : 148 )
أنكروا القيامة، والبعث, والنشور، والدار الآخرة، والحساب، والجنة والنار، رغم إقرارهم بألوهية الإله، ولا يتقيدون بشيء مما كان في الديانات السابقة, فقريش أصرت على هذه الضلالات, قال تعالى:
﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾
( سورة النحل الآية : 38 )
لذلك حينما تتحد المسافة بين نبي ونبي يحتاج الناس إلى نبي يجدد للناس دينهم ومعرفتهم بالله عز وجل, قال تعالى: ً
﴿وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾
( سورة هود الآية : 7 )
الإنسان أميل إلى الطبع من التكليف :
أيها الأخوة, حضرت مؤتمر الأديان في واشنطن، وقد شاهدت عبادات وأديان الأرض، كانت 18 ديناً، جميع هذه الأديان التي اخترعها الإنسان هي رقص وغناء وموسيقا، نحن في وقت التخلف تصبح عبادتنا أناشيد، ومنشدين فقط، وطربا، وولائم، واحتفالات، كلما ابتعدنا عن حقيقة الدين اتجهنا إلى ما هو ممتع بعيداً عن كل شيء مكلف، والتكليف ذو كلفة ، جميل جداً أن تتغنى بمديح رسول الله ، لكن ليس جميلاً أن تكتفي به ولا تفعل شيئاً بعد ذلك، دائماً هناك أشياء خفيفة على الإنسان، وأشياء تحتاج إلى جهد, قال تعالى:
﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ﴾
( سورة التوبة الآية : 19 )
أحيانا يكون الإنسان قد آتاه الله عز وجل مالا كثيرا، يبني مئذنة على حسابه، وقد أنشأ هذه المئذنة المحسن الكبير فلان، أنا لا أقلل أبداً من إنفاق المال على المساجد, والمياتم, والمستشفيات، هذا عمل عظيم، ولكن حينما ترى أن إنفاق المال لا يأخذ منك إلا موافقة سريعة، أما الإسلام منهج كامل، افعل ولا تفعل، هناك واجبات وفرائض، وهناك محرمات ومنهيات ومكروهات، أما قد تختار من الدين ما يعجبك، فلذلك أيها الأخوة قضية الدين منهج كامل يؤخذ بأكمله، أو لم تقطف من ثماره شيئاً .
ما هي علاقة الأصل بالفرع , وعلام نستنتج ؟
أيها الأخوة، لا بد من توضيح هذه الحقيقة، الإنكار القولي يعالج، أما الإنكار العملي فلا يعالج, البدع القلبية لا تصحح، عندنا ميزان، هناك خطأ في الميزان، أو هناك خطأ في الوزن، الخطأ في الميزان لا يصحح، لكن الخطأ في الوزن لا يتكرر، فأفضل ألف مرة أن تخطئ في الوزن من أن تخطئ بالميزان .
لذلك العقيدة هي الأصل، إن صحت عقيدة الإنسان صح عمله، وإن فسدت عقيدته فسد عمله، أكاد أقول: إن أخطر شيء في الدين العقيدة، إن صحت صح العمل، وإن كان هناك خطأ ففي الوزن لا في الميزان، الخطأ في العقيدة خطأ في الميزان، والخطأ السلوكي خطأ في الوزن، والخطأ في العقيدة لا يصحح، بينما الخطأ في الوزن لا يتكرر، فلذلك لو لم يكن للعقيدة أثر في السلوك, أقول لك: اعتقد ما شئت، أما لأنه ما من عقيدة إلا وتنعكس انحرافاً في السلوك فإنه يجب أن تصحح عقيدتك، يجب أن تصحح تصوراتك .
أيها الأخوة، لو أن واحداً من المسلمين توهم أن شفاعة النبي لأهل الكبائر من أمته هكذا على ظاهر الحديث من دون دقة في الفهم والشرح، ما الذي يدعوه إلى أن يستقيم؟ لا شيء، لأنه اعتقد خطأ أن النبي صلى الله عليه وسلم سيشفع له, من الخطأ الفادح، وأنت لست من أهل العلم أن تأخذ حديثاً، وأن تكتفي بفهمك له، وأن تستنبط منه ما طاب لك، ثم تبني عملك على هذا الفهم ، خطأ كبير، بل كبير جداً، الشفاعة موضوع عميق، موضوع يحتاج إلى تأصيل، في مجموعة أحاديث الفقيه يضع كل النصوص، والآيات، والأحاديث، وفعل النبي، وإقرار النبي، وفعل الصحابة، يجمع هذا كله، وأسباب النزول، وأسباب ورود الحديث على طاولة واحدة، ويستنبط حكماً شرعياً، أما أن يأتي إنسان في آخر الزمان، ويأخذ حديثاً، ويفهمه على مزاجه، ويبني عليه حكماً, هذا ما أنزل الله به من سلطان، لا يمكن أن ينال شفاعة النبي إلا من كان موحداً ومخلصاً ، إذا كنت موحداً مخلصاً أنت بينك وبين النجاة شعرة واحدة .
إليكم هذا المثال: طالب أدى امتحانا في عشر مواد، أخذ في تسع مواد علامة النجاح وزيادة، ونقصه في إحدى المواد علامة واحدة، يشفع له النبي، أما في العشر مواد أصفار، ويعتمد على شفاعة النبي فهذا غباء وحمق ما بعده من غباء .
لو أن طالبا قال لآخر: لا تدرس، الأستاذ قلبه طيب، يشفق علينا يوم الامتحان، نبكي أمامه فيعطينا الجواب، لا تدرس، هكذا يفهم بعض المسلمين الشفاعة, قال رسول الله :
" يا فاطمة بنت محمد، يا عباس عم رسول الله أنقذا نفسيكما من النار، أنا لا أغني عنكما من الله شيئا، لا يأتيني الناس بأعمالهم، وتأتوني بأنسابكم، من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه "
( أخرجه البخاري في الصحيح)
هذا كلام النبي، أما كلام الله عز وجل:
﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ﴾
( سورة الزمر الآية : 19 )
مرةً ثانية، لو لم يكن من علاقة بين أن تعتقد, وبين أن تتحرك أي شيء, لقلت لك: اعتقد ما شئت، لكن لأنه ما من اعتقاد إلا وسوف ينعكس سلوكاً خاطئاً أو صواباً لا بد من تدقيق فيما تعتقد، فأنت بحاجة إلى جرد لمعتقداتك، إلى مسح لتصوراتك، يجب أن تعرضها على الكتاب والسنة، فما وافق الكتاب والسنة فعلى العين والرأس، وما خالف الكتاب والسنة ينبغي أن تتخلى عن هذه العقيدة .
أخواننا الكرام، حضور درس العلم هو استثمار للوقت، لأن الإمام علي رضي الله عنه يقول: " العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزهو على الإنفاق ". إليكم هذين القصتين للعبرة :
سائق مركبة أشارت إليه امرأة أن يقف فوقف، ركبت المركبة، سألها: إلى أين؟ قالت له: خذني إلى أي مكان تشاء، فرآها غنيمة ما بعدها غنيمة، فلما قضى حاجته منها، أعطته ظرفين، فتح الأول فيه مبلغ كبير من الدولارات، والظرف الثاني فيه رسالة كتبت إليه الكلمات التالية: مرحباً بك في نادي الإيدز، ذهب ليصرف الدولارات، فإذا هي مزورة، فأودع في السجن، وأصيب بمرض الإيدز، لو أنه يحضر درس علم بمجرد أن تقول له: خذني إلى أي مكان تشاء، لأوقف المركبة وأنزلها، وقال: إني أخاف الله رب العالمين .
في أول خطبة خطبتها في جامع النابلسي في عام 1974 تقدم مني رجل مسن ( كهل )، وصار يبكي، قلت له: خير إن شاء الله؟ قال: زوجتي تخونني، قلت: مع من؟ قال: مع جاري، قلت: كيف عرفت جارك أو كيف عرفها جارك؟ قال لي: مرةً زارني الجار، فقلت: لئلا تبقى وحدها مستوحشة تعالي أم فلان مثل أخوكِ، بدأت هذه العلاقة، قلت له: لو أنت حضرت مجلس علم لا تفعل هذا .
أخواننا الكرام، أرجو أن تدققوا في هذه القاعدة، ما من مصيبة على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب خروج عن منهج الله، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، فأنت حينما تحضر درس علم تضمن سلامتك, وسعادتك في الدنيا والآخرة، لأنك تتعلم في هذا الدرس تعليمات الصانع، وما من جهة أجدر من أن تطاع كالصانع، لأنه الخبير, قال تعالى:
﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
( سورة فاطر الآية : 14 )
المنكرات التي كانت تعيشها قريش قبل بعثة النبي وبين الإنسان الذي يعيشها اليوم:
أيها الأخوة، أخلاق قريش قبل بعثة النبي وأعرافهم وعاداتهم كثيرة، فكانوا يشربون الخمر بلا قيد ولا شرط، ويلعبون الميسر، ويتزوجون بغير عدد، باب الزواج مفتوح، ويقتل بعضهم الأولاد بسبب الفقر، ويؤدون البنات خوف العار والفقر، قال تعالى :
﴿وَإِذَا الْمَؤودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾
( سورة التكوير الآية : 8-9 )
لو انتقلنا إلى هذا العصر لم يئدها، لكنه جعلها تخرج من البيت كما تريد، وبأي زي تريد، وتظهر كل مفاتنها للناس، ولا تعبأ لا بقيد أخلاقي ولا ديني ولا شرعي، ففسدت وأفسدت، وضلت وأضلت، هذه الفتاة يوم القيامة, تقول: يا رب لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي، ما معنى قوله تعالى:
﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾
( سورة البقرة الآية : 191 )
هذه التي وئدت في الجاهلية إلى الجنة، لأنها وئدت قبل التكليف، أما التي أطلقناها فلا تعتني لا بأخلاقها، ولا بإيمانها، ولا بحجابها، ولا بعلمها، ولا بثقافتها، أطلقناها تفعل وتؤذي المجتمع كما تريد، هذا عمل يحاسب عليه الأب، بل إنني أعتقد أن الفتنة كما قال الله عز وجل في أن يطلق للفتاة العنان أشد من القتل .
مرة سئلت في درس: الرجال لهم عبادات خاصة، من هذه العبادات حضور الجمعة والجماعات، ومن هذه العبادات الجهاد في سبيل الله، النساء هل لهن عبادات خاصة؟ طبعاً النبي عليه الصلاة والسلام, يقول:
" انصرفي أيتها المرأة، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته يعدل ذلك كله "
( ورد في الأثر)
شيء جميل، رعاية الزوج والأولاد نوع من أنواع الجهاد في سبيل الله، لكن شيء رائع جداً أن أنقل إليكم أن هناك عبادة تنفرد بها المرأة من دون الرجل، أنا أسميها عبادة إعفاف الشباب، الرجل في الصيف قد يلبس ثياباً خفيفة، هذه ميزة، لكن الفتاة المؤمنة ترتدي ثياباً سابغة وسميكة لا تصف لا لون بشرتها ولا حجم أعضائها، لعل الثياب التي يجب أن تكون سابغة وسابلة عبء عليها، ولكن هذه عبادة، فكل امرأة أظهرت مفاتنها، وأفسدت شاباً فهذا الفساد الذي يصيب الشاب في صحيفتها يوم القيامة .
لذلك في الجاهلية زواج بغير عدد، يقتل يعضهم أولاده بسبب الفقر، قال تعالى:
﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ﴾
( سورة الأنعام الآية : 151 )
أي من فقر واقع, قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾
( سورة الإسراء الآية : 31 )
من فقر متوقع، فقد مُنع الإنسان من أن يقتل ابتنه لفقر واقع، أو لفقر متوقع، لو انتقلنا إلى الآن أنت حينما ترضى لابنك بعمل دخله كبير، ولكن يضيع فيه دينه، أليس هذا نوع من القتل؟ كم من إنسان لم يعتنِ بإيمان ابنه، ولا بأخلاقه؟ ففسد, وأنتج دخلاً كبيراً، إذاً: هذا ينبغي أن يكون في الحسبان .
وكانوا يثيرون الحروب لاتفه الأسباب، يمد أحدهم رجله، ويقول: من كان أشرف مني فليضربها، يضربها رجل آخر، وتنشب حروب تستمر عشرات السنين، تدمر كل شيء، هذه أيضاً جاهلية، وقد قال الله عز وجل:
﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ﴾
( سورة الزخرف الآية : 17)
انظر إلى تعامل النبي للنساء :
أما النبي عليه الصلاة والسلام حينما جاءته فاطمة ضمها وشمها, وقال:
" ريحانة أضمها وعلى الله رزقها "
(ورد في الأثر)
أعرف صديق عنده سبع بنات، وكلما حملت زوجته، وأشرفت على الوضع هيأ هدية كبيرة، لعلها تأتي بالأنثى، فتكون هذه الهدية تطميناً لها أنها في أعلى مقام عنده، هذا المؤمن, قال تعالى:
﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾
( سورة النحل الآية : 58-59)
ماذا قال عليه الصلاة والسلام: " أكرموا النساء، فوالله ما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم، يغلبن كل كريم ويغلبوهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً، من أن أكون لئيماً غالباً "
(ورد في الأثر)
قال عليه الصلاة والسلام عن النساء:
" فإنهن المؤنسات الغاليات "
(رواه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير عن عقبة بن عامر )
والنبي عليه الصلاة والسلام جعل الخيرية الكبرى، وأنت في البيت، قال:
" خَيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي "
(أخرجه الترمذي عن عائشة في سننه)
يعني أن الإنسان خارج البيت، نوع من الذكاء يتجمل، يتلطف، يبتسم، يعتذر, يحسن هندامه، أما في البيت فلا رقابة عليه، فبطولتك وأنت في البيت، قال عليه الصلاة والسلام:
" خَيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"
(أخرجه الترمذي عن عائشة في سننه)
تحريم القرآن للخمر :
يقول الله عز وجل:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
( سورة المائدة الآية : 90 )
ويتوهم بعض الناس ممن شردوا عن الله عز وجل أن كلمة فاجتنبوه لا تعني التحريم المطلق، بل هي في الحقيقة أشد أنواع التحريم، لأنك إذا مُنعت من شيء تمنع من ممارسته، أما اجتنبوه, قال عليه الصلاة والسلام:
" لعن الله الخمر، وشاربها وساقيها، وبائعها ومبتاعها، وعاصرها ومعتصرها, وحاملها والمحمولة إليه، و آكل ثمنها "
(أخرجه أبو داود في سننه والحاكم في المستدرك عن ابن عمر )
فيجب أن يكون بينك وبين الخمر هامش أمان كبير، فالاجتناب هو من أشد أنوع التحريم . الأنكحة التي كانت منتشرة في جاهلية العرب :
وقد سادت في البيئة التي عاش بها النبي صلى الله عليه وسلم أنوع من الأنكحة التي لا تختلف عن الدعارة إطلاقاً، من هذه الأنكحة أنكحة الاستبضاع، أن يقول الرجل لزوجته: اذهبي إلى فلان فاستبضعي منه, أي احمل منه, فلان قد يكون جميل الصورة، أو قويا، أو ذكيا، هذا كان نكاح الاستبضاع .
أما نكاح الرهط، يعني عشرة رجال يتزوجون امرأة واحدة، وقد حدثتكم فيما أذكر أنه من أحدث الأبحاث العلمية أن الإنسان له هوية، قزحية عينه هوية، ورائحة جلده هوية، ليس هناك على وجه الأرض واحد من ستة آلاف مليون يشبهك في قزحية العين، ولا في نبرة الصوت، ولا في رائحة الجلد، ولا في بصمة الإصبع، ومن مدة قريبة أضيفت إلى مجموع هذه الهويات هوية جديدة نطفته هوية، لكل نطفة تركيب خاص لا تشبه أية نطفة أخرى، وقد اكتشف أن عند المرأة جهازاً حاسوباً تبرمج فيه هذه النطفة، وما دامت هذه النطفة تأتي بشكل أو بآخر لا تتغير فالوضع سليم جداً، أما إذا دخلت نطفة على نطفة فهناك احتمال بأن تصاب المرأة بسرطان الرحم .
أما أن تأتي نطفة جديدة دون أن تصاب المرأة بشيء فهذا يعني أن تنقطع النطفة الأولى ثلاثة أشهر، حتى تمحى برمجتها من حاسوب المرأة، وعندئذٍ يمكن أن تستقبل المرأة نطفة جديدة، وهذه هي العدة التي شُرعت في القرآن الكريم .
أما إذا كان هناك شدة نفسية فتحتاج إلى أكثر من أربعة أشهر، هذه عدة المتوفى عنها زوجها، هذا كلام سمعته في مؤتمر إسلامي في القاهرة بشرح عميق جداً, ومدلل بالتجارب والأبحاث الدقيقة .
وهناك نكاح ذوات الرايات، يعني بيوت الدعارة، بيت عليه راية أن هذه المرأة تقتات بجسمها، والقول الجاهلي تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها, عقائد فاسدة، سلوك فاسد، تحريم مزاجي ، أنكحة فاسدة، خمر، ميسر، ظلم, قهر، عدوان، وأد بنات، قتل أولاد، هذه الجاهلية التي جاء فيها النبي عليه الصلاة والسلام .
خاتمة الدرس :
أرجو الله سبحانه وتعالى أن نتابع هذه الدروس في الأيام القادمة على أن عنوان الدرس فقه السيرة، وكل شيء ندرجه في هذا الدرس يجب أن نستنبط منه شيء كقاعدة في حياتنا، وإذا كان بالإمكان أن نوازن بين الماضي والحاضر ينبغي أن تكون هذه الموازنة لصالح فهم هذا الدرس، وزانت لكم بين وأد البنت وبين تفلتها الآن، أيهما أخطر؟ تفلتها، لأن التي وئدت إلى الجنة، أما هذه فلا تدخل النار حتى تدخل أباها قبلها .
والحمد لله رب العالمين
التعديل الأخير بواسطة المشرف: