المفاعلات النووية .. أنواعها ومكوناتها وكيفية تشغيلها
يتزايد الاهتمام بقضايا التسلح النووي في العالم بصفة عامة وفي الشرق الأوسط بصفة خاصة، ومنذ منتصف القرن العشرين دارت الجهود الدولية حول مجابهة انتشاره من خلال معاهدة وقف التجارب النووية فوق الأرض أو تحتها، وكذلك من خلال معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ومايرتبط بها من ضمانات·
مراحل اكتشـــاف الطاقة النووية
أوضح اكتشاف النشاط الإشعاعي عام 1896 أن عنصري الثوريوم واليودانيوم (اليود المشع) يطلقان قدراً من الطاقة بصورة تلقائية، ويصحب عملية انطلاق الطاقة حدوث سلسلة من التحولات ذات النشاط الإشعاعي يتم خلالها انطلاق جسيمات وأشعة من الذرات- تتغير بناءً على ذلك الطبيعة الكيميائية لهذه الذرات- ويتسم معدل انطلاق الطاقة بالضعف مما يترتب عليه تعذر الاستفادة بهذه الطاقة بشكل عملي ·
تطور الأمر عام 1911 عندما اكتشف العالم البريطاني رذرفورد أن بإمكان جسيمات >ألفا< تحطيم نواة الذرة، وتوصلت الأبحاث المستفيضة إلى اكتشاف النيوترون عام 1932، ثم إلى شطر ذرة اليورانيوم عام 1938، وأصبح واضحاً آنذاك أنه يمكن إحداث سلسلة من التفاعلات النووية باستخدام اليورانيوم، وأنه يمكن أن يكون ذلك بمثابة الوسيلة الملائمة لانطلاق كميات هائلة من الطاقة، كما يمكن بهذه العملية التفاعلية الحصول على عنصر جديد هو البلوتونيوم، وأصبح التوصل إلى إنتاج القنبلة الذرية إثر ذلك ممكناً·
وبهدف إنتاج البلوتونيوم اللازم لهذه القنبلة تم إنشاء >مصنع هانفورد< على نهر كولومبيا في الولايات المتحدة، وفيه تم إنتاج أول مفاعل نووي في العالم، ثم أقيم على نطاق صناعي لإنتاج البلوتونيوم عام 1944، وكان يتم التخلص من الحرارة الناتجة من التفاعلات النووية في هذا المفاعل باستخدام مياه نهر كولومبيا دون استخدامها لإنتاج الطاقة، وبدأت الخطوة التالية إثر ذلك بهدف التوصل إلى تصميم مفاعل نووي يمكن من خلاله تحويل الحرارة الناتجة فيه إلى صورة استخدام مفيدة من الطاقة، وهو مايعني التشغيل عند درجة حرارة أعلى، وتطور إنشاء المفاعلات وصناعات الطاقة النووية، وأُطلق عليها بعد ذلك >الصناعات النووية<
الاكتشافات الموازية
في عام 1954 بدأت أول غواصة نووية أمريكية (نوتيلوس) رحلاتها التجريبية، أما في بريطانيا فقد تم إنشاء أول مفاعل نووي في (كالدرهول) لهدف مزدوج: إنتاج البلوتونيوم وتوليد الكهرباء، وبدأ تشغيل أول محطة للطاقة النووية في الاتحاد السوفييتي عام 1957، وأصبح هناك حوالي 250 قطعة بحرية تجوب محيطات العالم تستخدم الدفع النووي، كما وصل عدد المفاعلات النووية إلى 120 مفاعلاً أُقيمت على نطاق صناعي كامل، وأصبح عددها يقترب من 500 مفاعل مع بداية القرن الحادي والعشرين ·
**************************************
# مكونات المفاعلات النووية #
مكونات المفاعل النووي
يتألف المفاعل النووي الحراري من مكونات، الهدف منها استمرار التفاعل المتسلسل الذي من خلاله تكون كمية وترتيب مادة الانشطار النووي، وكذلك المادة غير الانشطارية الوسيطة داخل قلب المفاعل ·ويتكون المفاعل النووي من سبعة أجزاء هي :
1- وعاء المفاعل :
وهو عبارة عن خزان من الصلب السميك، يوضع في الجزء السفلي منه قلب المفاعل وقضبان التحكم الممتدة حتى أعلى الوعاء، ويحافظ وعاء المفاعل المغلق على عدم خروج الإشعاع من قلب المفاعل، كذلك يحوي المادة المبردة داخل السطح الداخلي المتعرج ·
2- الوقود النووي :
تستخدم معظم المفاعلات النووية وقوداً صلباً تكون فيه المادة الانشطارية من عنصر اليورانيوم أو سبيكة من اليورانيوم والألمنيوم، أو أقراص من أكسيد اليورانيوم أو كربيد اليورانيوم داخل فراغات الجرافيت، وتوضع عناصر المادة المشعة (الوقود) داخل حافظة معدنية تغطي الوقود وتمنع نواتج الانشطار ولاتتأثر سريعاً بالنيوترونات ·
ويتميز التفاعل الانشطاري داخل المفاعل باستخدام اليورانيوم235 المستخرج من خام اليورانيوم الذي يستهلك في المفاعل، ويتحول جزء منه إلى البلوتونيوم239 الذي يتشكل من اليورانيوم 238، ويمكن أن يعمل المفاعل دون إجراء عملية إحلال سريعة للوقود النووي، وللمزيد من الاقتصاد في تشغيل المفاعل يفضل إزالة نواتج الانشطار من المفاعل دورياً، إذ إن النيوترونات من نواتج الانشطار تبقى عالقة، وبالتالي يقل عدد النيوترونات المتاحة لاستمرار سلسلة التفاعل مع إنتاج المزيد من البلوتونيوم، وكذلك يتم إزالة البلوتونيوم من المفاعل (دورياً أيضاً)، حيث يمكن تنقيته للاستخدام كوقود انشطاري في مفاعلات أو أغراض أخرى، وبالإضافة إلى ذلك يتم تغيير اليورانيوم وإحلاله قبل أن يستهلك تماماً، أو إصابة الوقود بعيوب لتجنب فقد القدرة على استمرارية سلسلة التفاعل ·
وبالتالي فإن اليورانيوم المستخدم في المفاعلات عادة مايتصل بحلقة أخرى أوسع لإعادة تشغيله في مصنع أو معمل قريب من المفاعل، وفي هذا المصنع يتم تنقية اليورانيوم والبلوتونيوم لتوفير وقود جديد للمفاعلات، كذلك يتم تشغيل منتجات الانشطار للحصول على عناصر مشعة مختلفة، ثبت أن قيمتها عالية في استخدامات أخرى، وهذا يُطلق عليه >الصناعات النووية< ·
__________________
# تابــع باقى مكونـــــات المفاعلات #
5- المبرّد :
يتم امتصاص الحرارة الناتجة من سلسلة الانشطار من المفاعل بواسطة >مبرّد<، ويعتمد عمله على المياه العادية أو المياه الثقيلة أو المعادن السائلة أو الأملاح المصهورة أو الغاز، وتسمى المياه النقية العادية المياه الخفيفة، وتستخدم كمبرد في مفاعلات المياه الساخنة، كما تستخدم المياه الثقيلة كمبرد في المفاعلات التي تستخدم المياه الثقيلة كوسيط ·
6- السيطرة على عمل المفاعل :
أبسط طرق السيطرة على سلسلة التفاعل هي استخدام مادة عالية القدرة على الإمساك بالنيوترونات، ويعد الكادميوم مادة لها هذه القدرة، واستخدمت ألواح الكادميوم في أول مفاعل انشطار متسلسل أُقيم في جامعة شيكاغو عام 1942، ومنذ ذلك الحين يتم وضع قضبان الكادميوم وخفضها داخل المفاعل لتحديد المعدل الذي يتم عليه الانشطار، كما تستخدم قضبان من بورون الصلب غير المغطى بالجرافيت في المفاعلات التي تستخدم الجرافيت كمادة وسيطة، أو يستخدم بورون الصلب المغطى في حالة تعرضه للتآكل، وقد تستخدم قضبان السيطرة من المواد التي توجد في الطبيعة ذات القدرة على امتصاص النيوترونات، وقد تستخدم السوائل في أنابيب القضبان، وفي مثل هذه الحالات تتغير قدرة السيطرة مع تغير مستوى السوائل ·
ومن تقنيات السيطرة الأخرى على المفاعلات استخدام مواد امتصاص النيوترونات الذاتية في مواد التبريد، ومن أمثلة ذلك حمض البوريك الذائب في مياه التبريد، للإبقاء على المفاعل تحت مستوى الحرارة الحرج خلال تغيير عبوة الوقود النووي، ويتم إخراج حمض البوريك من المبرد مع بدء عمل المفاعل، ومن الطرق الأخرى وضع مواد امتصاص النيوترونات داخل الوقود ذاته، بعد فترة من الوقت تصبح المادة أقل قدرة وتأثيراً على امتصاص النيوترونات وهو مايعادل فقد الانشطارية المستهلكة في الانشطار، وتزود بعض المفاعلات بنظام للسيطرة الذاتية بالنظر إلى تأثير الحرارة على فاعلية المفاعل ·
__________________
# تابــع باقى مكونـــــات المفاعلات #
7- نظام الوقاية (التدريع)
يزداد الحجم الكلي للمفاعل النووي مع زيادة الحاجة لحماية العاملين من أضرار >إشعاع جاما< المصاحب للانشطار ومع زيادة الإشعاع التراكمي الناتج عن نواتج الانشطار النووي الذي تزداد فيه أشعة جاما بالإضافة إلى تسرب بعض النيوترونات من المفاعل، حيث لايتم امتصاص النيوترونات السريعة، والأفضل والأسهل تقليل طاقتها الحرارية بإحاطتها بمواد إضافية لامتصاص النيوترونات، وهذه النيوترونات الساخنة يمكن امتصاصها باستخدام كمية من المادة الوسيطة السميكة في مواد بناء المفاعل ·
وتتميز أشعة جاما بقدرتها على اختراق الأجسام، ويمكن امتصاصها بقدرة عالية باستخدام المعادن الثقيلة مثل الرصاص والتنجستين، ولأسباب اقتصادية من المعتاد استخدام الخرسانة المحيطة بالمفاعل بقدر زائد من السمك في البناء ·
وبالنظر إلى التأثير البيولوجي على الإنسان، يحتاج المفاعل البحثي الصغير إلى جدار محيطه ذات سمك يتراوح بين3.7-4.2 متر، وبارتفاع يتراوح بين 4.6 - 6 متر، وتُغطي مساحة المفاعل مابين 80 - 120 هكتاراً مربعاً، حتى أن إنشاءات الوقاية من الإشعاع في مفاعل نووي صغير ينتج 5 ميجاوات، تتكون من طبقات من الخرسانة المسلحة بسمك 8 -10 أقدام (3 أمتار) ومواد أخرى لتقوية الوقاية من الخرسانة والصلب والتي لايمكن اختراقها ·
وتتطلب إقامة المفاعل وجوده بجوار مصدر مياه وفير مثل نهر كبير أو بحيرة أو شاطىء البحر، حيث يحتاج كميات وفيرة من المياه الضرورية لأغراض التبريد ·