قال تعالى ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أوَلَو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ) البقرة – 170
ما من شك في أن كل جيل من الأجيال البشرية المتعاقبة على طول التاريخ يتميز بخصائص معينة يختلف فيها عن الأجيال السابقة واللاحقة ، واختلاف الخصائص هذا عائد إلى اختلاف القناعات والأفكار ووجهات النظر ، وإلى طبيعة المعتقد وإلى منحنيات التاريخ وإشكالية التراث وتداخلات الواقع المعاش .
ويبدو ذلك جليا حين نستعرض موقفا متباينا لجيلين متعاقبين في قضية واحدة ، كما هو الحال مثلا في النظرة إلى وجود (اسرائيل ) فقبل نصف قرن من الزمان كان العرب يتسالمون على ضرورة الحرب ، أما الآن وبسبب قضايا يحسبها البعض خارج نطاق قدرة العرب فإنهم يتسالمون على السلام .
ولكي يأخذ البحث حقه من التفصيل ، لا بد من ذكر بعض الآراء والتصورات في علاقة الأجيال ببعضها البعض .
التعاند مثالا .. تتسم العلاقة في بعض الأحيان بين الأجيال بعلاقة التعاند والتناقض حيث يصبح الجيل الجديد متمردا ومتنكرا لكل المسلمات العقلية ، بل وحتى طبيعة السلوك والأخلاق ، ولا شك أن هذا التنكر ردة فعل غير موزونة متأثرة ومنفعلة بالعديد من نقاط الخلاف بين الجيلين .
يعلل البعض لهذا التعاند بالقول ، إن لكل زمان أمة ورجال ، ومعنى ذلك أن كل امة مدعوة إلى صناعة واقعها بيدها بغض النظر عن سائر المؤثرات الأخرى ، ونحن في حقيقة الأمر لا نعارض ذلك على نحو الاطلاق لأن الأمم لا تتغنى بالأمجاد ، ولكننا في الوقت ذاته لا ندعو إلى الانفصال التاريخي لأننا نعتبر أنفسنا من سلالة أمة عريقة في التاريخ ، لا يمكن لنا بأي حال من الأحوال أن تنفصل عن ذلك التاريخ بكل ما يحمل من قيم ومفاهيم ومبادىء .
ومن أكثر المصاديق وضوحا على مثال التعاند (خط التغريب) وهذا الخط هو الذي يصاب بالغربة في العقل والثقافة ، وهذا الخط بعينه هو المتنكر والمتمرد الذي ينظر إلى الأمور بمعايير تختلف عن المعيار الديني ، كما هو حال طه حسين في كتابه الشهير ( مستقبل الثقافة في مصر إلى أين ؟ ) حين قال في صدر الحديث عن الثقافة الأوروبية : ينبغي أن ننظر إلى الأمور كما نظروا إليها وأن نراها كما رأوها . إننا مدعون بالدرجة الأولى إلى الوقوف أمام هذا الخط المتغرب بكل ألوانه وكل أشكاله وهذا يتطلب منا جهدا كبيرا في عملية أخرى مقابلة وهي عملية التأصيل ، والتأصيل يعني الرجوع إلى الأصول بقراءة عصرية لا يتجاوز فيها دلالات ألفاظ الأدلة الشرعية .
علاقة التمثل .. وتعني هذه العلاقة إعادة صياغة للقديم ، وهذا ما يعبر عنه بعلاقة المتابعة ، وهذه العلاقة في حقيقتها غاية في الرومانسية لأنها محاولة لتمثل كامل لأفكار القديم ، ولا شك أن هذا التمثل يصاب بالعديد من التعقيد نظرا للتحولات والتغيرات الحادثة ، فكيف يمكن لهذا التمثل الكامل أن يقع ، ويمثل القرآن الكريم هذه العلاقة بقوله ( قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والانس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها ) الأعراف – 38 إذ مع أن الآية المباركة تتحدث عن مشهد من مشاهد يوم القيامة إلا أن بعض المفسرين يعتبرونها إشارة إلى متابعة الأمم اللاحقة للأمم السابقة كعلاقة التابع بالمتبوع .
وقد أشار تعالى إلى هذه العلاقة بقوله تعالى : (وإذا قيل لهم إتّبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا أوَلَو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون) حيث يستنكر القرآن الكريم منطق المشركين المقدّس للأسبقيات التاريخية ، الذي يحمل في طياته عدم ثقة بإنجازات عقولهم حتى يعودوا إلى تاريخ آبائهم ، ولذا يشير القرآن الكريم موبخاً (أوَلَو كان آباءهم لا يعقلون شيئا) .
إننا مقابل حالة التنكر وعلاقة التماثل ندعو إلى حالة وسط ، تلك هي علاقة التواصل الرشيد ، وحين نقول الرشيد فإننا نشترط ضمن ذلك أمرين أساسيين :
الأمر الأول : إننا أمة نعتز بتاريخنا وبديننا ، وهذا الاعتزاز يفرض علينا تواصلا بذلك الامتداد التاريخي الطويل تبعا لما نعتقده من صحة العقيدة الدينية وبطلان غيرها .
الأمر الثاني : إننا نشترط الرشد في الاقتباس من الأجيال ، فبعد أن رفضنا نظرية الانفصال التاريخي لا يعني ذلك المتابعة حذو القذة بالقذة ، وإنما يعني درجة عالية من الوعي والادراك ، ونضرب على ذلك مثالا في الأجيال بوضعنا السكاني في الخليج ، فقد عاش آباءنا وأجدادنا قبل نصف قرن تقريبا العهد الزراعي ، وما يتبعه من صيد الأسماك والاشتغال بأعمال تتصل بالبحر أيضا ، لا شك أن وضع الأسرة الخليجية في عهد الزراعة اتصف بصفات خاصة ، حيث كانت العائلة تتمتع بحالة قوية من الترابط الأسري ، ولعل ذلك عائد طبعا إلى وحدة العمل بين الأب والأبناء ، بالإضافة إلى كثرة التلاقي بينهما حيث يكون شبه دائمي .
ولا شك أن لهذا الوضع الاقتصادي آثارا تنعكس على قوة العائلة وبالتالي وحدتها ، وأيضا وحدة المجتمع الأكبر ، بسبب هذه العلاقات المترابطة والتي تزامن معها وبسبب طبيعة ذلك الظرف وشفافية خاصة من صفاء النفس وطيب أهل هذه المنطقة عموما .
ولكن بدأت المرحلة الأخرى وهي مرحلة اكتشاف البترول ، حيث تغيرت تبعا لذلك معالم الحياة السكانية أيضا في منطقة الخليج ، فقد تفككت بعض أواصر الأسرة الخليجية ، فمن جهة أصبح الولد يعمل في عمل مغاير لعمل أبيه ، ولا شك أن هذه الطفرة الاقتصادية تحد جديد كشف في جانب من جوانبه ضعف استيعاب منا كأسرة خليجية لهذا المتغيرات .
إننا ندعو إلى تواصل الأجيال بحيث تتواكب مع هذا التطور الاقتصادي ، وفي الوقت ذاته نحافظ على قيمنا ومبادئنا وعاداتنا ، وعلى التلاحم الأسري الذي كنا نتمتع به في عهد الزمن الزراعي والبحري .
وأخيرا لا بد لنا ما إيجاد صيغة متوازنة للحوار بين الأجيال ، لأن القطيعة بينها تعني البدء من الصفر ، بينما محاولات التقريب مع بعض الضوابط تكون مقدمة للتقدم ، وهنا لا بد أن أشير إلى مثال حي على ذلك ، وهو مثال الانطلاق من الماضي ، وهو عبارة عن دراسة مطولة للكاتب الأمريكي ( كارل ن . ديغلر ) يتحدث فيها عن القوى التي شكلت أمريكا الحديثة ، لكنه يؤكد بالدرجة الأولى أن الاتصال بالماضي هو بداية الانطلاق لا الانفصال ، هذه القوة الاقتصادية التي نراها ماثلة أمام أعيننا إنما بدأت من هناك .
أوَلا يكفينا عبرة أن نتحرك إلى المستقبل من خلال ثوابتنا الدينية الأصيلة ، أن نأخذ من كل قرن ، بل من كل جيل ، بل من كل مجتمع نقاط قوته المتوافقة مع ديننا حتى يكون ذخيرة لنا في بناء مستقبلنا .
ما من شك في أن كل جيل من الأجيال البشرية المتعاقبة على طول التاريخ يتميز بخصائص معينة يختلف فيها عن الأجيال السابقة واللاحقة ، واختلاف الخصائص هذا عائد إلى اختلاف القناعات والأفكار ووجهات النظر ، وإلى طبيعة المعتقد وإلى منحنيات التاريخ وإشكالية التراث وتداخلات الواقع المعاش .
ويبدو ذلك جليا حين نستعرض موقفا متباينا لجيلين متعاقبين في قضية واحدة ، كما هو الحال مثلا في النظرة إلى وجود (اسرائيل ) فقبل نصف قرن من الزمان كان العرب يتسالمون على ضرورة الحرب ، أما الآن وبسبب قضايا يحسبها البعض خارج نطاق قدرة العرب فإنهم يتسالمون على السلام .
ولكي يأخذ البحث حقه من التفصيل ، لا بد من ذكر بعض الآراء والتصورات في علاقة الأجيال ببعضها البعض .
التعاند مثالا .. تتسم العلاقة في بعض الأحيان بين الأجيال بعلاقة التعاند والتناقض حيث يصبح الجيل الجديد متمردا ومتنكرا لكل المسلمات العقلية ، بل وحتى طبيعة السلوك والأخلاق ، ولا شك أن هذا التنكر ردة فعل غير موزونة متأثرة ومنفعلة بالعديد من نقاط الخلاف بين الجيلين .
يعلل البعض لهذا التعاند بالقول ، إن لكل زمان أمة ورجال ، ومعنى ذلك أن كل امة مدعوة إلى صناعة واقعها بيدها بغض النظر عن سائر المؤثرات الأخرى ، ونحن في حقيقة الأمر لا نعارض ذلك على نحو الاطلاق لأن الأمم لا تتغنى بالأمجاد ، ولكننا في الوقت ذاته لا ندعو إلى الانفصال التاريخي لأننا نعتبر أنفسنا من سلالة أمة عريقة في التاريخ ، لا يمكن لنا بأي حال من الأحوال أن تنفصل عن ذلك التاريخ بكل ما يحمل من قيم ومفاهيم ومبادىء .
ومن أكثر المصاديق وضوحا على مثال التعاند (خط التغريب) وهذا الخط هو الذي يصاب بالغربة في العقل والثقافة ، وهذا الخط بعينه هو المتنكر والمتمرد الذي ينظر إلى الأمور بمعايير تختلف عن المعيار الديني ، كما هو حال طه حسين في كتابه الشهير ( مستقبل الثقافة في مصر إلى أين ؟ ) حين قال في صدر الحديث عن الثقافة الأوروبية : ينبغي أن ننظر إلى الأمور كما نظروا إليها وأن نراها كما رأوها . إننا مدعون بالدرجة الأولى إلى الوقوف أمام هذا الخط المتغرب بكل ألوانه وكل أشكاله وهذا يتطلب منا جهدا كبيرا في عملية أخرى مقابلة وهي عملية التأصيل ، والتأصيل يعني الرجوع إلى الأصول بقراءة عصرية لا يتجاوز فيها دلالات ألفاظ الأدلة الشرعية .
علاقة التمثل .. وتعني هذه العلاقة إعادة صياغة للقديم ، وهذا ما يعبر عنه بعلاقة المتابعة ، وهذه العلاقة في حقيقتها غاية في الرومانسية لأنها محاولة لتمثل كامل لأفكار القديم ، ولا شك أن هذا التمثل يصاب بالعديد من التعقيد نظرا للتحولات والتغيرات الحادثة ، فكيف يمكن لهذا التمثل الكامل أن يقع ، ويمثل القرآن الكريم هذه العلاقة بقوله ( قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والانس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها ) الأعراف – 38 إذ مع أن الآية المباركة تتحدث عن مشهد من مشاهد يوم القيامة إلا أن بعض المفسرين يعتبرونها إشارة إلى متابعة الأمم اللاحقة للأمم السابقة كعلاقة التابع بالمتبوع .
وقد أشار تعالى إلى هذه العلاقة بقوله تعالى : (وإذا قيل لهم إتّبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا أوَلَو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون) حيث يستنكر القرآن الكريم منطق المشركين المقدّس للأسبقيات التاريخية ، الذي يحمل في طياته عدم ثقة بإنجازات عقولهم حتى يعودوا إلى تاريخ آبائهم ، ولذا يشير القرآن الكريم موبخاً (أوَلَو كان آباءهم لا يعقلون شيئا) .
إننا مقابل حالة التنكر وعلاقة التماثل ندعو إلى حالة وسط ، تلك هي علاقة التواصل الرشيد ، وحين نقول الرشيد فإننا نشترط ضمن ذلك أمرين أساسيين :
الأمر الأول : إننا أمة نعتز بتاريخنا وبديننا ، وهذا الاعتزاز يفرض علينا تواصلا بذلك الامتداد التاريخي الطويل تبعا لما نعتقده من صحة العقيدة الدينية وبطلان غيرها .
الأمر الثاني : إننا نشترط الرشد في الاقتباس من الأجيال ، فبعد أن رفضنا نظرية الانفصال التاريخي لا يعني ذلك المتابعة حذو القذة بالقذة ، وإنما يعني درجة عالية من الوعي والادراك ، ونضرب على ذلك مثالا في الأجيال بوضعنا السكاني في الخليج ، فقد عاش آباءنا وأجدادنا قبل نصف قرن تقريبا العهد الزراعي ، وما يتبعه من صيد الأسماك والاشتغال بأعمال تتصل بالبحر أيضا ، لا شك أن وضع الأسرة الخليجية في عهد الزراعة اتصف بصفات خاصة ، حيث كانت العائلة تتمتع بحالة قوية من الترابط الأسري ، ولعل ذلك عائد طبعا إلى وحدة العمل بين الأب والأبناء ، بالإضافة إلى كثرة التلاقي بينهما حيث يكون شبه دائمي .
ولا شك أن لهذا الوضع الاقتصادي آثارا تنعكس على قوة العائلة وبالتالي وحدتها ، وأيضا وحدة المجتمع الأكبر ، بسبب هذه العلاقات المترابطة والتي تزامن معها وبسبب طبيعة ذلك الظرف وشفافية خاصة من صفاء النفس وطيب أهل هذه المنطقة عموما .
ولكن بدأت المرحلة الأخرى وهي مرحلة اكتشاف البترول ، حيث تغيرت تبعا لذلك معالم الحياة السكانية أيضا في منطقة الخليج ، فقد تفككت بعض أواصر الأسرة الخليجية ، فمن جهة أصبح الولد يعمل في عمل مغاير لعمل أبيه ، ولا شك أن هذه الطفرة الاقتصادية تحد جديد كشف في جانب من جوانبه ضعف استيعاب منا كأسرة خليجية لهذا المتغيرات .
إننا ندعو إلى تواصل الأجيال بحيث تتواكب مع هذا التطور الاقتصادي ، وفي الوقت ذاته نحافظ على قيمنا ومبادئنا وعاداتنا ، وعلى التلاحم الأسري الذي كنا نتمتع به في عهد الزمن الزراعي والبحري .
وأخيرا لا بد لنا ما إيجاد صيغة متوازنة للحوار بين الأجيال ، لأن القطيعة بينها تعني البدء من الصفر ، بينما محاولات التقريب مع بعض الضوابط تكون مقدمة للتقدم ، وهنا لا بد أن أشير إلى مثال حي على ذلك ، وهو مثال الانطلاق من الماضي ، وهو عبارة عن دراسة مطولة للكاتب الأمريكي ( كارل ن . ديغلر ) يتحدث فيها عن القوى التي شكلت أمريكا الحديثة ، لكنه يؤكد بالدرجة الأولى أن الاتصال بالماضي هو بداية الانطلاق لا الانفصال ، هذه القوة الاقتصادية التي نراها ماثلة أمام أعيننا إنما بدأت من هناك .
أوَلا يكفينا عبرة أن نتحرك إلى المستقبل من خلال ثوابتنا الدينية الأصيلة ، أن نأخذ من كل قرن ، بل من كل جيل ، بل من كل مجتمع نقاط قوته المتوافقة مع ديننا حتى يكون ذخيرة لنا في بناء مستقبلنا .