الإسلام والمسيحية والحب والعنف/حسام مقلد

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,784
التفاعل
17,903 114 0
الإسلام والمسيحية والحب والعنف

حسام مقلد

"دخلت الأستاذة (فاطمة) مُدَرِّسَةُ القرآن الكريم حجرة المدرسات فوجدت العاملة الفلبينية (ماريا) تبكي بكاء مريرا فهدأت من روعها، وأخرجت من حقيبتها علبة مناديل وناولتها إياها، ثم انطلقت مسرعة إلى مقصف المدرسة وأحضرت زجاجة مياه باردة وكوبا من عصير الليمون المثلج، وحملته بنفسها وعادت إلى (ماريا) وقدمته لها مصحوبا بابتسامة رقيقة حانية، وربتت برفق على كتفها، ودار بينهما الحوار التالي:
(فاطمة): لماذا تبكين يا (ماريا)؟
(ماريا): أنا مريضة وأعاني آلام الحمل وحدي؛ لأن زوجي غير موجود معي!
(فاطمة): وأين زوجك؟
(ماريا): زوجي يعمل عاملا في شركة بمدينة (أبها) ولا أراه إلا يومين فقط كل ثلاثة أشهر!
(فاطمة): زوجك يعمل في (أبها) وأنت هنا تعيشين في (الرياض)!! لماذا؟!!
(ماريا): لأنه لم يجد عملا هنا، وأنا لم أجد عملا هناك، والحياة لا ترحم، ومطالبها لا تنتهي، ولا بد أن نعمل من أجل أسرتنا وأهلنا وأولادنا في الفلبين!!
(فاطمة): وهل لديك أولاد في الفلبين؟!
(ماريا): نعم عندي ولد عمره 7 سنوات، وبنتان إحداهما عمرها 5 سنوات ونصف، والأخرى عمرها 4 سنوات.
(فاطمة): أمر غريب!! ولِمَ لا يعيشون معكم هنا؟!
(ماريا): هنا أين؟!! الحياة مكلفة جدا هنا وراتبي ألف ريال فقط، وراتب زوجي العامل ألفا ريال، وأنا وهو ننفق هنا نصف هذا المبلغ، ونرسل الباقي لأهلنا وأولادنا.
(فاطمة): ولماذا تبكين الآن؟!
(ماريا): لأنني على وشك الولادة وسوف تكلف ولادتي القيصرية نحو خمسة آلاف ريال ولا أملك منها ريالا واحدا، ولا أعرف ماذا أفعل؟!!
(فاطمة): لا تقلقي سيفرجها ربك من عنده سبحانه وتعالى.
(ماريا): المشكلة هي أنني هنا أجنبية وليس لي تأمين صحي!
(فاطمة): وأنا أيضا أجنبية مثلك وليس لي تأمين صحي، لكن اتركي الأمر لله يدبره كيف يشاء!!
طيبت المدرسة المصرية خاطر العاملة الفلبينية وانطلقت إلى زميلاتها وقصت عليهن القصة، فجادت كل واحدة منهن بما تستطيع، ثم كلمت الأستاذة (فاطمة) إدارة المدرسة وهي مدرسة أهلية (خاصة) فتبرعت بمبلغ هي الأخرى، ثم حملت (فاطمة) قضية زميلتها معها إلى المنزل!! وقصتها على زوجها (محمد) فتأثر جدا وتبرع بما جادت به نفسه، وتطوع ليجمع بعض المال من أصحابه وأهل المسجد الذي يصلي فيه... وهكذا جمعت (فاطمة) هي وزوجها مبلغ أحد عشر ألف ريال، ثم ذهبت إلى (ماريا) وأعطتها المبلغ فتأثرت جدا وأجهشت بالبكاء، وقالت باكية:
(ماريا): ما هذا؟
(فاطمة): إنه مبلغ بسيط لزوم الولادة، هدية لك من زميلاتك!
(ماريا): ولماذا تفعلون هذا؟!
(فاطمة):هذا حقك علينا يا(ماريا) ألست زميلة لنا، ونحن نحبك ونقدرك، وهذا حقك علينا؟!
وهنا انخرطت (ماريا) في بكاء مرير وقالت: أنا لا أحد يحبني في هذه الحياة، ولا حتى زوجي!! أنا خلقت لمعاناة الفقر والوحدة والألم، لم يقدم لي أحد هدية طيلة حياتي، حتى وأنا صغيرة لم يعطف علي أحد، ومنذ كنت في الثامنة من عمري وأنا أعمل، لا أحد يهتم بي، المهم عندهم أن أعمل وأساعد الجميع، في البداية كنت أساعد أهلي وحدهم، والآن أساعد أهلي وزوجي وأولادي، أما أنا فلا أحد يسأل عني، وحتى لو مرضت أتحامل على نفسي وأذهب للعمل حتى لا يُخصم شيءٌ من راتبي، فكل ريال فيه لا نستغني عنه، ولو نقص هذا الريال فسيأتي زوجي إلى هنا ليس ليراني ويطمئن عليَّ!! وإنما ليشتمني ويضربني!!
احتضنت(فاطمة) زميلتها وأشعرتها بالحنان والعطف وقالت: لا بأس عليك، يكفي أنك تساعدين كل هؤلاء الناس لتسعديهم، واصبري وتحملي وأجرك لن يضيع أبدا؛ فالرب يدخره لك.(وكانت فاطمة تظن أنها مسيحية).
وهنا ابتسمت(ماريا) قائلة: على فكرة أنا مسلمة!
فاحتضنتها (فاطمة) وقالت: كلنا بشر وكلنا عبيد لله، ونستحق أن يساعد بعضنا بعضا ويخفف قسوة الحياة عليه!! يكفي الحياة ما فيها من بشاعة وكآبة، ومن الحماقة أن نصنع لأنفسنا ولمن حولنا مزيدا من الآلام والأحزان!!

هذه القصة قصة حقيقية، وقد أخبرني بها زوج الأستاذة فاطمة مُدَرِّسة القرآن الكريم المصرية التي سخرت نفسها لمساعدة زميلة لها وهي امرأة فلبينية مسكينة كانت تظن أنها مسيحية، ودفعها لمساعدتها العواطف الإنسانية المجردة.

وفي ظني أن هذه المرأة المصرية نعم النموذج وخير السفراء لمصر، فلم تتكبر أو تتعالى على العاملة البسيطة، وكانت قمة في الإيجابية والمبادرة، فكان بإمكانها أن تكتفي بالتخفيف عن تلك العاملة ببعض الكلمات عندما رأتها تبكي، وفي أحسن الأحوال كان يمكن لها أن تكتفي بإعطائها المبلغ الذي تجود به من المال، لكنها لم تفعل ذلك، فماذا ستفعل مئة ريال أو مئتا ريال لهذه المسكينة؟! ولذا تصرفت بوعي شديد وإيجابية كبيرة حيث أشركت زميلاتها ومدرَسَتِها، بل وأشركت زوجها أيضا، وهو بدوره أشرك من حوله من أفراد المجتمع، وبتكاتف الجميع استطاعت هذه المرأة العظيمة أن تحل مشكلة زميلتها حلا جذريا، بل وقدمت لها إضافة للمساعدة المادية الكبيرة دعما معنويا هائلا، كانت هذه العاملة المسكينة محرومة منه طوال حياتها، ولعل أكبر مكسب لها في هذا الموقف أنها شعرت بقيمتها الإنسانية كمخلوق يستحق الاحترام والتقدير ويشعر بحب الآخرين له واهتمامهم به وبمشاعره وأحاسيسه.

وهذه القصة الواقعية أقدمها هدية لكل أهلي وأحبابي وإخواني في مصر مسلمين ومسيحيين، أقدمها للناس في إمبابة وعند (ماسبيرو) وفي المساجد والكنائس، وفي الشوارع والحواري، وأقدمها لوسائل الإعلام التي تتفنن في الإثارة والتهييج، فكم بيننا من مسكين ـ مسلما كان أو مسيحيا ـ كهذه العاملة البائسة!! كم من فقير لا يجد ما يسد به رمقه ورمق عياله!! كم من بائس ملتاع لا يشعر بأي نوع من أنواع الدعم والمساندة حتى على مستوى المشاعر والأحاسيس!! فليتنا نكف عن صنع الشقاء لأنفسنا وأوطاننا باسم الدين، والدين من ذلك براء، وليتنا نطبق في حياتنا ما تدعو إليه الأديان من رحمة وتسامح ورفق ومودة، إن ابتسامة رقيقة في وجوه من نلقاهم تحقق كثيراً من الخير، وزيارةً لمريض قد تفعل ما لا تفعله الأدوية والعقاقير، وكلمةً حانية صادقة تخرج من القلب يكون لها وَقْعٌ عجيب على نفوس السامعين.

عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك الرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة " (رواه البخاري في الأدب المفرد).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ أن رجلا سأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أيُّ الإسلام خير؟ فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :" تطعم الطعام، وتقرأ السلام، على من عرفت ومن لم تعرف " (رواه البخاري ومسلم والنسائي).

وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ أن رجلا جاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله أيُّ الناس أحب إلى الله؟ وأيُّ الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل: سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديْنا، أو تطرد عنه جوعا، و لأن أمشي مع أخٍ في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد، (يعني مسجد المدينة) شهرا، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام " (وزاد في رواية: وإن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل) (أخرجه الطبراني وحسنه الألباني).

وفي الإنجيل:"أحبوا أعداءَكم، باركوا لاعِنيكم، أحسنوا إلى مُبغضيكم، وصَلُّوا من أجل الذين يسيئون إليكم"
وفيه أيضاً: "إذا كنتم تحبون من يحبونكم فأي فضل لكم؟"

فأين هذا مما يحدث بيننا الآن؟! أين هذا من مشاعر الحقد والغل والكراهية والاحتقار وأفعال الكيد والتآمر التي يبديها تجاه الآخر بعض المتطرفين من هذه الجهة أو تلك؟!! ولن أسترسل هنا في سرد المزيد من نصوص الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة، ونصوص الإنجيل التي تحث على المحبة والتراحم والتكافل، فالكثيرون منا يعرفون هذه النصوص ويحفظونها عن ظهر قلب، لكن ما نحتاج إليه ليس فقط مجرد حفظ وترديد هذه النصوص، أو إجادة الكلام عن الأخلاق الحسنة والمشاعر النبيلة، وإنما تنفيذها والتطبيق العملي لها في الحياة؛ لنجعلها أكثر بهجة وسعادة!!

عن موقع رابطة أدباء الشام
 
رد: الإسلام والمسيحية والحب والعنف/حسام مقلد

قصه رائعه
واتمنى من يقرائها
ان يتعظ منها

الله يهدي الجميع
 
عودة
أعلى