فلما رأى عمه الحكم بن أبى العاص صلابته وتمسكه بدينه ؛ تركه وشأنه.
وكان سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه من الذين هاجروا إلى الحبشة فارًا بدينه مع زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم هاجر إلى المدينة،
وواصل مساندته للنبي صلى الله عليه وسلم بكل ما يملك من نفس ومال.
ولما خرج المسلمون إلى بدر لملاقاة المشركين تمنى سيدنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أن يكون معهم ،
ولكن زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضت
فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبقى معها ليمرضها ، وبعد أن انتصر المسلمون في المعركة أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في توزيع الغنائم ،
، فجعل لسيدنا عثمان بن عفان نصيبًا منها ، ولكن زوجته رقية - رضي الله عنها - لم تعش طويلاً ، فماتت في نفس السنة التي
انتصر فيها المسلمون في غزوة بدر.
وبعد وفاة رقية زوَّج الرسول - صلى الله عليه وسلم - سيدنا عثمان بن عفان من ابنته الأخرى أم كلثوم ،
ليجتمع الفضل العظيم لسيدنا عثمان بن عفان بزواجه من ابنتي الرسول صلى الله عليه وسلم فلقب بذي النورين.
ثم شهد سيدنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه -مع النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا من المشاهد ، وأرسله النبي إلى مكة حينما أرادوا أداء العمرة ليخبر قريشًا
أن المسلمين جاءوا إلى مكة لأداء العمرة، وليس من أجل القتال ، ولكن المشركين احتجزوا عثمان بعض الوقت ، وترددت
إشاعة أنهم قتلوه ، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ، ودعاهم إلى بيعته على قتال المشركين ، فسارع الصحابة بالبيعة ، وعرفت تلك
البيعة ببيعة الرضوان ، وعاد سيدنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وكان صلح الحديبية.
وفي المدينة رأى سيدنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - معاناة المسلمين من أجل الحصول على الماء في المدينة ؛ حيث كانوا يشترون
الماء من رجل يهودي يملك بئرًا تسمى رومة، فقال النبي "من يشتري بئر رومة فيجعل دلاءه مع دلاء المسلمين بخير له منها
في الجنة" [الترمذي].
فذهب سيدنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - إلى ذلك اليهودي وساومه على شرائها، فأبى أن يبيعها كلها ، فاشترى نصفها باثني عشر ألف
درهم ، ثم خصص لنفسه يومًا ولليهودي يومًا آخر ، فإذا كان يوم عثمان أخذ المسلمون من الماء ما يكفيهم يومين دون أن
يدفعوا شيئًا ، فلما رأى اليهودى ذلك جاء إلى عثمان ، وباع له النصف الآخر بثمانية آلاف درهم ، وتبرع سيدنا عثمان بن عفان بالبئر كلها
للمسلمين.
وفي غزوة تبوك حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على الإنفاق لتجهيز الجيش الذي سمي بجيش العسرة لقلة المال والمؤن وبعد
المسافة وقال: "من جهز جيش العسرة فله الجنة" [الترمذي].
فبعث سيدنا عثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف دينار ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقبلها ويدعو عثمان ويقول: "غفر الله لك يا عثمان ما أسررت
وما أعلنت ، وما أخفيت وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ، وما يبالي عثمان ما عمل بعد هذا"
[ابن عساكر والدارقطني].
وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو راض عن عثمان فقال: "لكل نبي رفيق ورفيقي (يعني في الجنة) عثمان" [الترمذي].
وكان سيدنا عثمان بن عفان نعم العون لسيدنا أبي بكر الصديق في خلافته ، ومات وهو عنه راض ، وكان كذلك مع سيدنا عمر بن الخطاب حتى لقى
سيدنا عمر بن الخطاب ربه وقد اختاره عمر ضمن الذين رشحهم لتولي الخلافة من بعده ، وبعد مشاورات بينهم تم اختياره ليكون الخليفة الثالث