فضائع الاستعمار في الجزائر وعزيمة التحرر

الرياضي

بكل روح رياضية
إنضم
8 فبراير 2010
المشاركات
4,699
التفاعل
939 0 0
بسم الله الرحمن الرحيم

إن الكتابة عن الفظائع الاستعمارية الفرنسية في الجزائر و ما ارتكبته فرنسا من أبشع الجرائم ضد الإنسانية يعجز عنها اللسان و القلم .
إن الجرائم المرتكبة في عهد الاستعمار ما بين 1830 إلى 1962 لا زالت تشهد عنها الأجيال المتتالية و لا زالت آثارها خالدة في هذا القطر الجريح الذي سقت دماء الشهداء كل شبر من أراضيه بحيث انه من المستحيل أن ينكرها التاريخ, و من المستحيل أن يكتب عنها كل المؤرخين و الباحثين.





لقد اعتمد الجيش الاستعماري الفرنسي إستراتيجية الحرب الشاملة و الإبادة و الدمار في تعامله مع الشعب الجزائري لتمكين قادته العسكريين و البرجوازيين الفرنسيين و المرتزقة الأوروبيين


من الاستيطان و السيطرة على أراضي من كانوا يسمونهم بالأهالي. و قد انتهج هؤلاء الغزاة كل أنواع القهر, و الإبعاد, و التهجير, و السجن, و التعذيب, و التقتيل, و النهب, و هدم المؤسسات التعليمية و الاقتصادية و الاعتقادات و المنشآت, و الآثار الدينية.


من المعلوم أن الجزائر منذ قدم الزمان عرفت بمقاومتها لكل أجنبي دخيل عن هذا الوطن, ولم يستطع أي من الدخلاء أن يتركز أو يفرض وجوده بقوته العسكرية, ولو تعددت محاولات ردود الفعل و المقاومة مرات متكررة لفرض العدوان. إلا أن مقاومة هذه البلاد للاحتلال العسكري الفرنسي كانت اشد ضراوة و شراسة و اعنف مما يتصوره الإنسان في كل زمان و مكان.


فاتخذ هذا الرفض للعدوان الفرنسي الصليبي طابع التحدي المتصلب للقرارات و الإجراءات الاستعمارية و النظم الأجنبية ,سواء أن كانت إدارية, أو عسكرية, أو قانونية, أو تربوية,حتى ولو كانت حضارية , كما كان يدعيه الاحتلال الفرنسي الذي أراد فرض الأمر الواقع على شعب الجزائر المسالم.


ذلك لان المعمرين الفرنسيين لم يتسن لهم معرفة المعنى الحقيقي للحضارة إلا في عقولهم الضيقة,و لم يقتصروا في أطماعهم على جانب واحد, بل استعملوا لتحقيق مطامعهم الاستيطانية كل الوسائل الوحشية و السلوك اللاحضاري المتعفن. كل ذلك كان له انعكاسات و تأثيرات على نفسيات الجزائريين الغيورين على وطنهم العزيز,مما كان يؤدي إلى ردود أفعال مضادة للاستيطان و الاستعمار. كلما قررت الإدارة الاستعمارية مشروعا ما ,إلا و تصدى له الشعب الجزائري بشتى الوسائل المضادة لمحاولة إفشاله سواء كانت بطرق سلمية أو عنيفة,و ذلك لإظهار نوع التمرد على هذا الأجنبي دينيا و ثقافيا و حضاريا,وحتى سياسيا.


قد يتساءل أكثر من شخص كيف انه لم تخل فترة من فترات التاريخ الجزائري المعاصر من مقاومة مسلحة أو تمرد, أو انتفاضة في منطقة ما أو قرية , أو دشرة أو مدينة من القطر الجزائري الشاسع إلا و أربك مخططاته و مشاريعه القذرة. مما كان يؤدي هذا التحدي بالمقابل إلى عمليات إبادة قبائل و سكان قرى و مداشر بأكملها بغية تكميم هذا الشعب المتمرد و الاستحواذ على أراضيه و ممتلكاته و توزيعها على المرتزقة الأوروبيين القادمين, ليس من فرنسا الاستعمارية الأم فقط, بل حتى من أنحاء مختلفة من أوروبا تشجيعا للاستيطان الأجنبي .


كما أدت كذلك كل هذه الممارسات اللاإنسانية إلى وضع قوانين استعمارية جائرة خاصة بالسكان, تكرس فيها الاعتداء, و الاضطهاد و التعذيب,و التدمير و النهب , و حتى تزوير الانتخابات المزيفة, و الحيلولة دون تمثيل السكان المسلمين على جميع المستويات بحيث صرح النائب السابق فلوري بأنه يمكن القول أننا لا نطبق فيQuinzaine Coloniale في جريدة (Fleury Raffarinرافاران


الجزائر سوى سياسة تتلخص في كلمات ثلاثة الردع و الإلغاء والجور أننا لا نطبق في Oppression, Répression, Suppression


كما انه أصبحت يوميات و تقارير الفرنسيين أنفسهم لا تخلو دون سرد المذابح و الجرائم التي كان يرتكبها (الكولون) المعمرون. وقد كان قادة و حكام فرنسا من عسكريين ومدنيين الأداة الفعالة في تنفيذ هذه السياسة الوحشية ،مكرسين كل ما لديهم من قوة بطش و سطو و تعذيب و تهجير لترسيخ الاحتلال في هذه البلاد.


و هاهو احد قادة الجيش المحتل يُقرّ في تقرير له قائلا :" أننا دمرنا تدميرا كاملا القرى و الأشجار,و الحقول ,و الخسائر التي ألحقتها فرقتنا بأولئك السكان لا تقدر. إذا تساءل البعض , هل كان عملنا خيرا أم شرا؟ فأنني أجيبهم بان هذه هي الطريقة الوحيدة لإخضاع السكان و حملهم على الرحيل.....»


أثناء عملياته الوحشية عدم احترام الجيش الفرنسي ( Bugeaud) وقد اعترف المرشال بيجو


للقواعد الإنسانية في تعامله مع الجزائريين الو أن احترام هذه القواعد يؤخر عملية الاحتلال. و قد افتخر المارشال سانت ارنو في إحدى رسائله بأنه محق من الوجود عدة قرى و أقام في طريقه جبالا من جثث القتلى.،وعند توبيخ البرلمان بيجو على ما ارتكبه وزيره للحرب سانت أرنو ،رد مدافعا عنه: أنا أرى بأن مراعاة القواعد الإنسانية تجعل الحرب في إفريقيا تمتد إلى مالا نهاية.


و هكذا , كانت المذابح و الجرائم مباحة ومحل تباهي ، ليل نهار من القادة والسفاحين , مثل ما جرى بمذبحة (البليدة )على يد


، ومذبحة غار( الفراشيش ) ( Duc de Rovigo) ومذبحة( العوفية) على يد ( Clauzel) الجنرال كلوزال


في قبائل( الشلف) شهادة أخرى ( Cavaignac) وما ارتكبه كذلك السفاح ( Pélissier) على يد العقيد


حيث أصبحت هذه الأنواع من عمليات الإبادة و المجازر البشعة هواية لكل قائد عسكري فرنسي جاء ( Liberté, Egalité, Fraternité) باسم الحضارة وباسم شعار ثورة فرنسا الشهيرة "حرية ,مساواة و إخوة




كما تم تجريد السكان من ألاف الهكتارات من أراضيهم و أملاكهم التي اتخذت بالقوة و التي كانت تخرب على مرأى و مسمع كل الناس.كما سلبت المساكن و المحلات التجارية و أعطيت لليهود بالدرجة الأولى, وتم تخريب بعض القرى بكاملها تخريبا تاما ,إلى جانب هدم المؤسسات الدينية أو بيعها للمستوطنين الأوربيين الذين هدموها واستبدلوها ببنايات أخرى ,وقد ألحق هذا الضمار اضرارا بالغة بأصحابها


قائلا: " ان الأهالي المجردين من أملاكهم بدون ( DELSPES) بحيث شهد على ذلك أحد الفرنسيين


تعويض بلغ بهم الشقاء إلى حد التسول"
 
رد: فضائع الاستعمار في الجزائر وعزيمة التحرر

وقد ركزت السياسة الاستعمارية محاولة هدمها لكل شئ كان في حوزة الجزائريين سواء المؤسسات الدينية ,وعلى رأسها المساجد والجوامع والمدارس والزوايا، لما لهذه المؤسسات من دور في الحفاظ على مبادئ ومقومات ومعتقدات الشعب الجزائري وانتمائه الحضاري العربي الإسلامي، وقد عبر عن ذلك (جانتي دي بوسي)مدافعا عن هذه السياسة "الحضارية" بقوله:" أخدنا الجزائر فنحن أصحابها بلا منازع وسنعمل فيها كل ما يحلو لنا سواء من ناحية الهدم أو غيره"




ولا غرابة في هدا الافتخار الحضاري لممثلي الحرية والمساواة الدنيئة والحقيرة, إذ لا يمكننا تعداد كل هذه الفظائع الاستعمارية والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في الجزائر التي غالبا ما كانت تتبعها ردود أفعال الشعب الجزائري بالمقاومة و التمرد على الإدارة الاستعمارية .


يقول المحلل السياسي عمار بوحوش في كتابه "التاريخ السياسي للجزائر"3 "إن سياسة فرنسا مثل ما قال منير فيل أول رئيس لمحكمة الجزائر في عهد الاحتلال الفرنسي,كانت تقوم على أساس فكرة أساسية خلاصته هي انه "ينبغي أن يذوب المسلمون في الحضارة الفرنسية لان الشعب القادم من الشمال جاء ليستقر في الجزائر" والمشكل في رأيه انه لا يمكن لمجتمعين مختلفين في كل شئ ,من عقيدة إلى تقاليد أن يندمجا إلا بابتلاع شعب لشعب .ولهذا فلا بد من خلق وتكوين شخصية جديدة للجزائر تختلف عن شخصية ابن البلد الأصلي وغير مشابهة لشخصية الفرنسي الحقيقي المتواجد في فرنسا . وبالتالي فا


الجزائر الجديد هو المهاجر الأجنبي الذي يحافظ على ثقافته و عاداته وتقاليده وثروته و نفوذه و يرفض الاندماج في المجتمع الجزائري الأصلي أو المجتمع الفرنسي الأصلي الموجود في فرنسا ذاتها .


وهذا معناه أن المهاجرين الأوروبيين كانوا يريدون أن يقيموا دولة في الجزائر ويسيطروا عليها, بدلا من الولاء لفرنسا, يضيف بوحوش قائلا: " في الحقيقة إن المشكل الذي كان يزعج هؤلاء المهاجرين الأوروبيين هو انه بالرغم من حصولهم على الجنسية الفرنسية و تمثيلهم في البرلمان الفرنسي هو أن الجزائر التي أصبحوا يسيطرون عليها لازالت عالة على باريس والمجتمع الفرنسي من الناحية المالية , و خاصة بعد انخفاض الضرائب العربية من 21 مليون سنتيم سنة 1887 إلى 15 مليون سنتيم سنة 1910. ففي عام 1889 كان عائدات ميزانية الجزائر تقدر بنسبة 80% من الضرائب العربية في حدود 45 مليون سنتيم، في حين كانت مصاريف الجزائر في تلك السنة 125 مليون سنتيم كوعاء مالي لحكومة تسعى بسط (نفوذها)على أرض عربية ،تتمتع بالاستقلالية المالية والشخصية المدنية, وما على فرنسا إلا أن تقوم بصرف الأموال على الجيش الذي ينحصر دوره في توفير الأمن لهم".


من هنا يتضح-حسب بعض المحللين – إن الحاكم العام كان في الحقيقة عبارة عن شخصية سياسية تمثل الجهاز المركزي الفرنسي في الجزائر لا غير, كان غير منتخب و لا يملك جيشا, وبقاؤه في السلطة المحلية يتوقف على رضا الأوروبيين الذين كانوا في الواقع يسيرون البلاد، فالحاكم العام كان يمثل قرارات النواب الأوروبيين في المجلس التالي الذي أقاموه في الجزائر العاصمة ،حيث كانوا يشرّعون فيه لأنفسهم ويتخذون فيه جميع القرارات المالية التي تخدم مصالحهم , بدون تدخل من باريس, و ذلك بمقتضى قانون 19 ديسمبر 1900, كما كان النفوذ الحقيقي و الأساسي في رؤساء البايات الأوروبيين الذين كانوا يسيطرون على المجالس المحلية المنتخبة و يحكمون محليا في البلاد مثلما (Indignât) يطيب لهم. و بالمقابل كان قانون الأهالي يطبق بكل صرامة على كل مسلم لا يمتثل لأوامر هؤلاء الحكام المحليين ولا يعلن ولاءه لفرنسا وقادتها. كما كانت هناك محاكم خاصة تحاكم المسلمين المخالفين للقانون, واستمر هذا الوضع حتى سنة 1994 حيث تم إلغاؤه.


جدير بالإشارة إلى أن الأقلية الأوروبية في الجزائر كانت تمارس ضغوطات على جميع الحكومات المركزية بباريس حتى سنة 1900 وتفرض خطتها (قسرا) ، و التي اشتملت على ثلاث مراحل رئيسية :


1- المرحلة الأولى : تتمثل في اندماج الجزائر في فرنسا من الناحية القانونية التي تسمح بابتلاع الجزائر وجعلها جزءا لا يتجزآ من فرنسا.


2- المرحلة الثانية: تتمثل في الاستيلاء على الأراضي الخصبة وإعطاء الجنسية لجميع المهاجرين و المقيمين الأجانب في الجزائر و الحصول على دعم مالي من الدولة على تحقيق مصالحهم , فبالنسبة )


(Raymond Aron( للأراضي تشير الإحصائيات الصادرة سنة 1954, حسب ارون


إلى أن فرنسا دعمت 24,900 أوروبي لكي يحصلوا على 2,720,000 هكتار من أخصب الأراضي بحيث كانت نسبة ملكية الأوروبي 109 هكتار للفرد الواحد , في حين كان 532,000 مسلم جزائري يملكون 7,612,000 هكتار أي بمعدل 14هكتار للفرد الواحد.


3- المرحلة الثالثة: إعطاء الجالية الأوروبية حكما ذاتيا يسمح لها باستعمال الغش و المناورات و الدسائس لفرض نفوذها على الجزائريين و التحكم فيهم إلى الأبد, كما يشير الأستاذ بوحوش .


وفيما يتعلق بمسالة جلب المهاجرين و المغامرين الأوروبيين من الخارج وإعطاء الجنسية الفرنسية لليهود حتى يكثر عددهم و يكون لهم الوزن السياسي الكبير و المثير في هذه الأرض العربية المغتصبة, كان يبدو لهؤلاء التغلب بصفة أو بأخرى على الأهالي,و إن اقتضى الأمر تشريدهم و تقتيلهم.


و كانت جنسيات المستوطنين (الكولون )و المغامرين في الجزائر سنة 1855 كالتالي حسب الأرقام التي وردت في كتاب إبراهيم سياسي:


*فرنسيون: 89.969 *بلجيكيون و هلنديون 444


* اسبان: 42.569 *انجليز و ارلنديون: 434


* ايطاليون: 9.082 * بولونيون : 290


* مالطيون: 6.536 * برتغال: 285


* المان: 6.040 * سويسريون: 2.105
 
رد: فضائع الاستعمار في الجزائر وعزيمة التحرر

* إغريق و أجناس أخرى: 963


و في عهد الإمبراطورية الثانية ورغم سياسة الامتيازات- يضيف الأستاذ مياسي-ظلت هجرة الأوروبيين مستمرة لتصل إلى 200,000 نسمة سنة 1866 بعدما لم تكن تتعدى 160,000 نسمة في سنة 1856 .


وهكذا, وبمقتضى بعض القوانين التي سنتها الإدارة الاستعمارية، أمثال قانون 18 افريل 1887 الذي هو – حسب ما يشهد عليه الجميع – اشد عنفا و احتقارا للجزائريين في تحويل الأراضي الجزائرية إلى الأوروبيين,حيث دُعم فيما بعد بقانون 16 افريل 1887 لتنشيط التعمير الرسمي و دفع عمليات النهب و الاستيطان أكثر فأكثر-أضف إلى ذلك مرسوم إلحاق الجزائر إداريا بفرنسا سنة 1881 وبمقتضاه دُعمت سلطة المستوطنين وأصبحوا أسياد البلاد الحقيقيين و بدون منازع.


و الجدير بالذكر أن كل ذلك يسمح للسلطات الفرنسية صرف النظر عما كان يرتكب من ظلم, و سرقة ممتلكات الأهالي, و نهب, وفظائع من طرف المستوطنين الذين كانوا يتصرفون في بلاد مفتوحة, في عالم جديد مثلهم مثل المغامرين رعاة البقر الأمريكيين الذين كانوا يستولون على أراضي الهنود الحمر حيث ما يطيب لهم ذلك, و مثلهم مثل الغزاة الصهاينة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.


ومن جملة ما خطط له النواب و قادة الاستعمار مشروع إنشاء 300 قرية استيطانية جديدة خلال 3 سنوات, ابتداء من سنة 1881، حيث اغتصبت حوالي 300.000 هكتار من أيادي الأهالي لتحقيق مشاريعهم والتي كانوا يعتقدون أنها كانت خالدة في الزمان والمكان. وما هذه إلا عينة من عيينات النهب و السطو و الاستيطان.


و بهذه الطريقة الوحشية تواصلت هذه العمليات اللا إنسانية و الدنيئة قصد الاستيلاء على المزيد من الأراضي تحت ستار تنظيم الملكية العقارية وإقامة الملكية الفردية على أسس فرنسية, لتبلغ مساحة أراضي الاستيطان في 1850 إلى 115.000 هكتار, ثم إلى 765.000 هكتار في سنة 1870 , و 1.682.000 سنة 1900 لتصل في آخر المطاف سنة 1962 ( سنة خروج و طرد هؤلاء المغامرين المستعمرين ) إلى 5 ملايين هكتار


موقف فرنسا من أراضي الأهالي بقوله: "إن سرقة (Marcel Egretaud) ويلخص الكاتب الفرنسي


الأراضي كانت دائما سهلة التنفيذ,، تبدأ بالاستيلاء على الأرضي و إقرار الأمر الواقع ثم يتدخل القانون لتبرير و تغطية ذلك النهب بطبقة من الطلاء الذي يضمن حقوق الملاك الجدد


وما دمنا نتحدث عن الفظائع الاستعمارية ومآسي الدمار الذي لحق بالجزائر المستعمرة, يجدر بنا القول أن الصمت عن جرائم العدو المستعمر من طرف الإدارة الفرنسية ,تخطيط ضمني لتجريد هذا الشعب من ممتلكاته وإلحاقه واستبداله بشعب أجنبي غريب عنه و ليس له أية صلة به.


وإذا حاولنا إعطاء بعض الإحصائيات التي كتب عنها الكثير من المؤرخين و المفكرين عن جرائم الاستعمار الفرنسي,لا يمكننا أن نحصي في هذه العجالة كل ما لدينا من وثائق و شهادات ، يمكننا أن نختار من هذا السجل الأسود ما كتب عنه الدكتور العربي ولد خليفة وما هي إلا عينات فقط لتنوير الراية و المساهمة في تدوينها للتاريخ.


1- وضعية التعليم: كانت نسبة الأمية منخفضة قبل دخول الاحتلال , بل إن الاحتلال هو الذي كرس الجهل عند الجزائريين بعد تجريدهم من المدارس المحلية و المؤسسات الدينية و الثقافية , وذلك حسب ما شهد له جل المؤرخين.


2- وضعية الأراضي: وقد تكلمنا عنها حيث أعطينا بعض الإحصائيات. فبعد عمليات السلب و النهب و الاستيلاء على معظم الأراضي الخصبة, واقتلاع أراضي العرش و الوقوف, "تعرض المجتمع الجزائري إلى خلخلة في العمق –حسب تحليل الأستاذ ولد خليفة-هددت انسجامه, وحطمت بنيته الاجتماعية, وجعلته يعيش غريبا فوق أرضه , و هو الذي يجعله يرى أن الموت أهون من حياة الخزي و العار"


الذي طالب بإصدار حكم (Gabriel Hanotaux ) و في هذا الصدد, يقول الجنرال هانوتو


بالإعدام على الشعب الجزائري أن مسالة العرب قد قبرت نهائيا، لم يبق لهم سوى الموت أو الهجرة، أو قبول خدمة أسيادهم الأقوياء. هل يستيقظون قبل أن تطلق عليهم رصاصة الرحمة. أتمنى لهم ذلك.




( ensauvagement) والتوحيش ( déracinement) 3- التهجير والاستئصال




في التقرير الذي قدمه باسم لجنة التحقيق التي(A. Tocqueville) في هذا الصدد، يقول ألكسي توكفي


زارت الجزائر سنة 1847: " لقد وضعنا أيدينا على أموال الوقف الموجهة لتمويل التعليم والأموال الخيرية، فقضينا على مدارس كانت موجودة، وشتتنا مجامع العلماء، لقد طبق الظلام في كل مكان حللنا فيه"، ويختم تقريره بهذه الخلاصة :" لقد جعلنا المجتمع الإسلامي أكثر توحشا وبربرية مما كان عليه قبل أن يعرفنا "


(Oppression) 4- الاضظهاد: لأسباب سياسية، وعرقية، ودينية


5- استعمال الأسلحة السامة ( الكيماوية والجرثومية وحتى النووية) المحرمة دوليا.


6- تدمير المدن والقرى والمداشر وتخريبها بدون مبرر عسكري أو إداري


7- النهب، التحطيم والأضرار بالمنشآت الدينية أو الخيرية أو المخصصة للتعليم والتربية ( وقد سبق ذكرها بالتفصيل).


8- نهب المعالم الفنية والثقافية والتاريخية وتخريبها ( لقد سبق ذكرها أنفا )


9- النهب والاستيلاء على الممتلكات الخاصة والعامة والتجويع باسم القوانين المفبركة الجائرة.


10- الزج في السجون والتعذيب الجسدي والعقلي، والتقتيل، وانتهاك الأعراض وترويح النساء والأطفال.


، أحد أشهر الأدباء الفرنسيين في نهاية القرن التاسع عشر
frown.gif
Guy de Maupassant) يقول


" لقد بقينا مجرد غزاة متهورين، منغلقين في أفكار مسبقة، يظهر أننا نحن البرابرة، نظامنا الكولونيالي ينحصر في خراب العربي وتجريده من أملاكه"


هذا جانب فقط من المآسي والفظائع الظاهرة بدون ذكر الفظائع والجرائم الباطنية مثل البطالة، والفقر، والجهل، والأمراض، والخروج بدولة .


- وان كانت مستقلة بدون مؤسسات ولا إطارات كافية، ولا جامعات ( كانت هناك جامعة واحدة في العاصمة الجزائرية بأقل من 800 طالب)، مع نسبة الأمية تقترب من 90%، مع أرض محروقة خلفتها إلى غير ذلك من مخلفات الاستعمار، ( OAS) العصابات الكولونيالية أمثال منظمة الجيش السري


والقائمة طويلة، بعدد الضحايا، والجرحى، واليتامى، والنساء الأرامل.


وهكذا، لا نستطيع أن نتجاهل كل هذه الجرائم البشعة، فالتاريخ يشهد علينا وهو أساس الذاكرة التي لا تنسى ولو طويت صفحة مآسي الاستعمار والإستذمار ، فإنها لم تنقطع أبدا، فان كل المذابح الرهيبة التي ارتكبت في حق الشعب الجزائري الصامد سواء في ثورات وانتفاضات أولاد سيدي الشيخ، أو المقراني، وبومعزة، والشيخ الحداد، والشيخ بوعمامة، وسكان عين التركي ومليانة في أفريل 1901، وأحداث عين بسام في سنة 1906، أو انتفاضة بني شقران ومعسكر في سنة 1914، أو سكان الأوراس والهضاب العليا الشرقية في سنة 1916-1917، أو سكان مدينة قسنطينة في أوت 1934، أو أخيرا وليس آخرا أحداث 8 ماي 1945 الخالدة، وهي آخر انتفاضة قبل اندلاع ثورة نوفمبر 1954 المجيدة، وكل هذه المآسي والأحداث الدموية ما هي إلا سلسلة من الخيرات المتتالية لتحضير الثورة الحقيقية التي حررت البلاد نهائيا من الاستعمار الفرنسي الغاشم.


تاريخ ملحمة الجزائر في دراسة نشرها ثلاثين سنةAGERON وقد خلص المؤرخ والباحث الفرنسي


بعد الاستقلال (1992) تحت عنوان : " فشل إنشاء فرنسا الجديدة "، يقول فيها أن فرنسة (Francisation)


الجزائر لم تتحقق، وأن ممارستها لا تشرف فرنسا الجمهورية "


« La francisation de L’Algérie n’a pu être réalisée, et l’utilisation de ses méthodes n’honore guère le France républicaine »


الأكيد هو أن كل هذه المآسي والجرائم البشعة والفظائع الاستعمارية الوحشية كانت حافزا للشعب الجزائري لدفعه نحو نفض الظلم والعار.


و الاحتقار و عزمه على تحرير وطنه استنادا لمقولة شاعر الثورة الشهيد مفدي زكرياء حيث قال:


" و إذا الجزائر بالسلاح استعبدت *** فمصيرها بسلاحها يتقرر"


و هكذا, اثبت الشعب الجزائري انه حان الوقت أن ينفض الغضب و العار بعدما داس الاستعمار كرامته حيث عقد العزم بعدما شعر انه على درجة من الوعي و التنظيم أن يبرهن لنفسه و للعالم عن تمرده على الوضع القائم وان يشعل فتيل ثورة نهائية تخلصه من هذا العدو المتوحش .


بصبره , وانضباطه , ووعيه السياسي , وعزمه على تحرير وطنه, استرجع كرامته و حريته مهما كلف ذلك من تضحيات, رافعا رأس كل جزائري, ومستخلصا كل الدروس القديمة و الحديثة ومؤكدا بان ما اخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة في ثورة موحدة ( في أول نوفمبر 1954) انعكست آثارها الحسنة على كل الشعوب المظلومة و المضطهدة في العالم الثالث وأصبحت نموذجا يقتذى به في العالم بأسره.






الاستاذ محمد ختاوي


أستاذ بجامعة الجزائر










الهوامش:


1- أنظر القائمة في " ثورات الجزائر في القرن 19 و20 " الجزء الثاني المؤرخ بحي بوعزيز، منشورات المتحف الوطني للمجاهد، الجزائر 1996- ص 15-99


AGERON : « les Algériens Musulmans et la France 2- 1919- 1871 "


Paris, PUF, 1968 p 970.


3- عمار بوحش : التاريخ السياسي للجزائر، من البداية ولغاية 1962" دار المغرب الإسلامي، بيروت 2004.


AGERON, idem 4-


5- كان المقصود من ذلك إنشاء" أستراليا جديدة " أو " جنوب افريقيا جديدة " مع إبادة أهالي البلد مشل ماجرى في استراليا مع الأبوريجان، والزولو والبيجمي في جنوب افريقيا


R. ARON : “ les Origines de la Guerre D’Algérie, ed Fayard 6-


7- الاستاذ بوحوش نفس المرجع


8- قانون 1889


Décret Crémieux du 27/10/1870) 9- مرسوم كريتو


10- إبراهيم مياسي " الاستيطان الفرنسي في الجزائر" مجلة المصادر ص,118


AGERON: "L’histoire de L’Algérie Contemporaine"; Paris; PUF 1979-pp.82-83-11




12- د.محمد العربي ولد خليفة: " فظائع سياسة التعذيب و الجريمة المنظمة- مجلة المصادر,الجزائر, 2003 –ص 156-160"


Commission La Sicotiére"1847- 13
 
عودة
أعلى