امارة البوناصر العـربية الـكـعـبية
كانت رئاسة القبائل العربية الكعبية المعروفة في جنوب الأحـواز الى عائلة البوناصر وقد اتخذوا مدينة القبان مقرا ومركزا لامارتهم وكان أعظم رجل منهم تولى الامارة هو الشيخ سلمان بن سلطان الكعبي . وفي عام 1160 هـ / 1747 م نقل الشيخ سلمان مركز أمارته من مدينة القبان الى مدينة الفلاحية في منطقة الدورق واتخذها مقرا لامارته ، أسس امارة البوناصر الشيخ ناصر بن محمد الكعبي وهو أول رئيس معروف لبني كعب في امارة البوناصر حيث سميت هذه الامارة ( باسمه امارة البو ناصر ) .
حكم امارة البوناصر من ابيهم كل من الاخوة علي ومحمد وعبدالله ورحمة وسرحان اولاد ناصر مؤسس الامارة وكان ذلك من عام 1690 م - 1722 م .
ومن بعدهم تولى الامارة الشيخ فرج الله بن عبدالله الكعبي عام 1722م وحصلت في ايامه حروب دامية بينه وبين القاجاريين ( ملوك فارس ) وقد حاصرهم محمد حسين خان بجيش قوامه ثلاثون الفا من العجم والاكراد واستطاع رجال كعب ان يفكوا الحصار وفي النهاية انتصر كعب وخسر القاجار .
ويعتبر سلمان بن سلطان بن ناصر من اقوى الامراء العرب الذين حكموا هذه الامارة حيث رأت الامارة في عهده الاصلاح والتقدم والعمران .
فخفر الانهر وشق الترع واقام السدود ونظم الزراعة . كما انشأ الشيخ سلمان الكعبي اسطولا بحريا جاب مياه شط العرب والخليج العربي حيث ارهب اساطيل الانكليز والفرس والعثمانيين .
وفي عام 1747 م تمكن الشيخ سلمان من نقل امارته من القبان الى الفلاحية في الدورق بعد قتال عنيف بينه وبين الغزاة الفرس .
كما ان الشيخ سلمان ارهب باشا بغداد في وقته كما اشتبك أسطوله مع الاسطول البريطاني التابع لشركة الهند الشرقية فدحرها واستولى على سفينتين منها - سالي واليخت - وسحبهما الى القبان .
لقد قضى الشيخ سلمان اكثر سنوات حكمه في تركيز دعائم امارته وحماية استقلالها اضافة الى المنجزات العمرانية والاقتصادية التي نفذها في امارته .
وفي عام 1767 م توفي الشيخ سلمان ، وبعد وفاته تولى الامارة من بعده اولاده واحفاده وكان اخر من تولى هذه الامارة هو الشيخ عبدالله بن عيسى بن غيث بعد وفاة أخيه رحمه بن عيسى بن غيث والذي سار على نهج اخيه في منازعاته مع الشيخ جعفر واستمر الوضع على هذه الحالة حتى عهد الشيخ خزعل اخر واقوى أمراء البوكاسب الذي نازعه على الشيخة الشيخ عبد الحسن بن عبود بن محمد امير الفلاحية الملقب بشيخ المشايخ ولم ينجح حتى توفي .
امارة البوكاسب العـربية الـكـعـبية
بعد ان انتقل البوناصر من مدينة القبان الى الفلاحية في الدورق تخلفت ثلاث اسر كعبية هما النصار ، الدريس ، البوكاسب . وبقوا قاطنين على ضفاف نهر كارون في جزءه الجنوبي وشط العرب فانقسمت بني كعب الى قسمين قسم منهم في الفلاحية والاخر في جزيرة عبادان ومدينة المحمرة .
ومن نتائج هذا الانقسام تلاشت قوة كعب التي لعبت دورا ايجابيا في حكم امارة الاحواز وفي منطقة الخليج العربي ، لكن حل محلها فخذ اخر منها هو قبيلة البوكاسب والتي أسست أمارة المحمرة العربية وكان قيامها هناك ضرورة اقتضتها السيطرة على مدخل نهر كارون الشريان الرئيسي لحياة الامارة الاقتصادية . الذي بدأ الغرب حينئذ يوجه أنظاره اليه لاستغلاله والنفاذ منه الى مشارف الاحواز وماجاورها طمعا في خيراتها وثرواتها الطبيعية .
فكان مرداو عميدا للأسرة الكاسبية التي سكنت ضفاف كارون في مدينة المحمرة والحاج يوسف هو الابن الاكبر لمرداو والذي خلف اياه في رئاسة القبيلة وعلى يده تم عمران مدينة المحمرة عام 1812 م والتي شيدت على انقاض المدينة التاريخية (( بيان )) القديمة وقد كان السبب في ازدهار المحمرة ظهور أهميتها الدولية ، مما جعل بريطانيا متمثلة بشركة الهند الشرقية تفكر باءد خالها ضمن مناطق نفوذها ، كما ثار حول تبعيتها نزاع عثماني فارسي طويل .
يمثل الحاج جابر بن مرداو الذي تولى الرئاسة بعد اخيه يوسف عهدا جديدا في تاريخ الأحواز فهو يعد المؤسس الحقيقي الاول لامارة المحمرة وواضع الحجر الاساسي لكيانها السياسي .
من ابرز ما حدث في المحمرة ايام الحاج جابر بن مرداو هو تعرض المحمرة للهجوم العثماني بقيادة علي رضا عام 1837 م الا انه كان هجوما خاطفا لم يغير شيئا من الكيان السياسي للامارة فتألق فيه نجم الحاج جابر بعد ان خرج العثمانيون منها .
فا
لحاج جابر وابناءه من بعده الشيخ مزعل والشيخ خزعل لم يخضعوا لا للسيادة الفارسية ولا للسيادة العثمانية كما لم يعترفوا بمعاهدة ارضروم الثانية عام 1847 م ، كانت هذه المعاهدة الاستعمارية التوسعية هدفها وضع حد للنزاع الفارسي العثماني وتقسيم الحصص بينهما في الأحواز والعراق ، وبذلت عدة محاولات لتسوية هذا النزاع ، وكان آخرها عقد مؤتمر في أرضروم بين الدولتين العثمانية والفارسية بتوسط كل من بريطانيا وروسيا القيصرية ، وقد تمخض هذا المؤتمر الاستعماري الظالم عن عقد معاهدة مجحفة لا تمثل ارادة شعب الأحواز وتطلعاته نحو الحرية والاستقلال وحقه في تقرير مصيره ، بل هي معاهدة بين دول لاتمثل انتمائها التاريخي والاجتماعي والقومي السياسي لتلك الارض العربية ، بل هم دول استعمار وغزو واحتلال وظلم وطغيان ، فكل مايصد ر عنها باطل وغير شرعي وغير قانوني ، لان صادر من لا يملك الحق الشرعي في الأحواز ، لانهم غرباء عن تلك الارض العربية ولايمتون بصلة لها ولشعبها ولا لتاريخها في والحاضر والمستقبل ، انهم دول استعمار وغزوا واحتلال ، سميت تلك المعاهدة بمعاهدة ارضروم الثانية والتي عقدت في عام (( ( وفضلا عن ذلك فاءن للمراكب الفارسية حق 1847 م . وتنص المادة الثانية من المعاهدة الاستعمارية على ان تعترف الحكومة العثمانية بصورة رسمية بسيادة الحكومة الفارسية على مدينة المحمرة ومينائها وجزيرة خضر . ب بملء الحرية وذلك من مصب شط العرب في البحر الى نقطة اتصال حدود الفريقين )) . . عبادان ) والمرسي والأراضي الواقعة على الضفة الشرقية ( أي الضفة اليسرى ) من شط العرب التي تحت تصرف عشائر معترف بأنها تابعة لفارس الملاحة في شط العرأما باقي مواد المعاهدة فاءنها تبحث بوجه عام في قبائل الحدود وشؤون الزوار وأمور الملاحة والتجارة وقد تم التصديق على المعاهدة الظالمة بعد اتصالات سياسية دامت سنين عديدة .
ان ما يعنينا من هذه المعاهدة النصوص الخاصة بالأحـواز ( عربستان ) ، ولو تأملنا فيها لبرزت لنا أكثر من ملاحظة عليها :
1- قررت المعاهدة مصير شعب ضد ارادته وبدون أن يعطي فرصة للاسهام في تقرير هذا المصير ، اذ تفاوضت أطراف غير معنية على منطقة لم تخضع لأي منها في أي وقت مضى ، فقد كانت مستقلة تماما عن الحكومة الفارسية باعترافها الرسمي هي نفسها ، كما عجز العثمانيون عن تثبيت نفوذهم فيها ، ولكن كلا منهما منحت ما لا تملك للأخرى . وبالرغم من ذلك فاءن الوثائق اللأحقة لهذه المعاهدة تثبت كلها أن عربستان لم تخضع حتى بعد المعاهدة للدولة الفارسية ، وأن هذه اكتفت م عربستان بولاء رمزي فقط .
2- تضم المعاهدة بين أحكامها ونصوصها شروطا غامضة ، مما تسبب في استمرار النزاع على عربستان ، فقد قسمتها المعاهدة الى منطقتي نفوذ جعلت للدولة الفارسية المنطقة التي ( تحت تصرف عشائر معترف بأنها تابعة لفارس ) أما ما عداها فتكون تبعيتها للدولة العثمانية . فالتقسم اذن كان على اساس عشائري قبلي ، وكان من الصعب تطبيقه ، الأمر الذي دفع الدولة العثمانية بعدئذ الى الاحتجاج عليه بمذكرتها الايضاحية للسفيرين البريطاني والروسي التي طلبت فيها تفسيرا عن كيفية اجراء هذا التقسيم .
3- اعتبرت المعاهدة مناطق بني كعب من المناطق المعترف بتبعيتها لفارس ، وهذا ادعاء باطل ، لأن قبيلة بني كعب لم تتنازل عن سيادة أراضيها لفارس ، ولغيرها ، في اي يوم من الأيام ، كما أنها لا تمت لها بأي صلة قومية او بشرية . ويبدو أن الدولة العثمانية عقدت المعاهدة دون أن يكون لديها اقتناع كاف للتنازل الذي التزمت به بموجبها ، وان هذا التنازل كان نتيجة ضغط خارجي من روسيا القيصرية وبريطانيا ، أو منهما معا من أجل تحقيق مصالحهما في المنطقة .
4- اقتصر تنازل الدولة العثمانية في المعاهدة على مدينة المحمرة ومرساها وجزيرة خضر ( عبادان ) ، ولم يمتد هذا التنازل الى الأجزاء الأخرى من عربستان ( الأحـواز ) . وبالرغم من هذا التنازل فاءن عربستان ظلت من حيث الواقع مستقلة عن حكومة طهران التوسعية الاستعمارية ، ولم يعترف شعب الأحـواز ( عربستان ) العربي بالمعاهدة وانما اعترضوا بشدة عليها وعلى بنودها على جميع المستويات والاصعدة وبمختلف الوسائل الحضارية والجهادية النضالية وقاوموا تلك الاتفاقية غير الشريعية التقسيمية التوسعية الاستعمارية .
5- أخذت فارس نفسها تطعن بالمعاهدة بعد توقيعها وادعت بعدم شرعيتها بحجة أنها كانت مفروضة عليها بالقوة والضغط من قبل روسيا وبريطانيا وأنها قبلتها مكرهة وأن المندوب الفارسي تجاوز صلاحياته عند توقيعها ، وأخيرا ان البرلمان الفارسي لم يصدقها .
6- كانت المعاهدة من الضعف بحيث جعلت العثمانيين أنفسهم يتعرضون لها بالنقد والرد . فقد وضع درويش باشا عضو لجنة الحدود تقريرا في عام 1852 م أورد فيه خلاصة السندات المتعلقة بالمحمرة وما يجاورها ، وحذر من بقائها وعبادان تحت السيطرة الفارسية ، وجاء ببعض البنود التي تؤكد على أن بساتين النخيل والمقاطعات الزراعية في عربستان كانت تديرها السلطات العثمانية ، وأثبتت استقلال الحويزة ونفي خضوعها للسيطرة الفارسية .
وقد لجأ الفرس الى أساليب وطرق غير مباشرة عندما فشلوا في السيطرة على الأحواز ( عربستان ) على ارض الواقع .. حيث أصدر ناصر الدين شاه القاجاري مرسوما شاهنشاهيا يعترف بالاستقلال الذاتي للأحواز ( عربستان ) ذلك كان في عام 1857 م ، وبأمارة الحاج جابر عليها ..وقد دامت امارة الحاج جابر على الأحواز اكثر من نصف قرن قضاها في تدعيم استقلاله وبناء كيان امارته السياسي والمحافظة . توفي الحاج جابر عام 1881 م بعد ان تجاوز التسعين من عمره فانتقلت الامارة الى ابنه الشيخ مزعل .
لقد تولى أمارة المحمرة الشيخ مزعل بعد وفاة ابيه الحاج جابر بن مرداو وقد نازعه عليها شقيقه الشيخ محمد بن الحاج جابر الا ان الشعب رجحه على اخيه الاكبر والذي سكن البصرة الى ان وافاه أجله هناك .
وكانت علاقة الشيخ مزعل الخارجية مع المنتفك من آل السعدون في العراق متينة جدا حيث التجأوا اليه عندما طاردتهم السلطات العثمانية وبقوا في رعايته في الأحواز مدة تزيد على السنتين .. كما ان علاقته بشيوخ الكويت جيدة استمرارا للعلاقة الطيبة بينهم وبين أبيه وكثيرا ما ترددوا اليه في مقره في المحمرة.
واخيرا تمكنت بريطانيا من فتح نهر كارون للملاحة التجارية الدولية بعد ان تمكنت من اقناع الشيخ مزعل بان هذا المشروع سوف يطور المنطقة اقتصاديا وهكذا مخرت بواخر ( لنتشي ) صاحبة الملاحة في الرافدين - في كارون وبذلك دخلت الأحواز عهدا جديدا في تاريخ العلاقات الدولية تحت اشراف بريطاني مباشر وفي عام 1890 م تأسست قنصلية بريطانية لهذا الغرض .
دامت امارة الشيخ مزعل ستة عشر عاما نافسه في اواخرها أخوه الاصغر الشيخ خزعل وقد تمكن بعض الحاشية من أغتياله في عام 1897 م عندما كان ينزل الى قصره في الفيلية من قارب صغير يسمى ( بلم - كلمة احوازية وعراقية ايضا تعني قارب صغير ) بجانب القصر كما قتل معه سبعة عشر رجلا احر من حاشيته .
تولى رئاسة امارة المحمرة بعد مصرع الشيخ مزعل أخوه الشيخ خزعل ( 1897 م - 1925 م ) ، ويعد الشيخ خزعل من الشخصيات العربية البارزة في تاريخ العرب الحد يث ، وقد لعب دورا رئيسيا في أحداث منطقة حوض الخليج العربي والأحـواز ( عربستان ) في الربع الاول من القرن العشرين وقد ساهم مساهمة فعالة في أحداثه واحتل مكانة مرموقة بين امراء الجزيرة العربية وهو لا يقل مكانة عن شخصية الشيخ سلمان بن سلطان الكعبي ( 1737 م - 1767 م ) الشخصية البارزة التي حكمت امارة الأحواز ابان القرن الثامن عشر .
الشيخ خزعـل الكعبي أمير امارة الأحواز ( امارة عربستان ) مع المعتمد البريطاني في الخليج العربي
وتأتي أهمية الشيخ خزعل من ان امارته شهدت في ايامه أحداثا غاية في الاهمية فقد شهدت :
1- تفجر النفط في الأحـواز عام 1908 م مما ادى ذ لك الى التكالب الفارسي والبريطاني والغربي على مد يد السيطرة عليها واستغلالها وتوسيع النفوذ الاستعماري فيها .
2- تبلور المصالح الاجنبية في منطقة الخليج العربي .
3- نشوب الحرب العالمية الاولى عام 1914 م فكان موقع أمارته الاستراتيجي خطيرا ابانها .
4- كما شهدت انهيار الحكم القاجاري في فارس ( ايران ) وقيام الحكم البهلوي مكانة ذلك الحكم الذي غزا عربستان واحتلها في عام 1925 .
وعندما قررت بريطانيا غزو العراق أبان الحرب العالمية الاولى رأت ان تشمل الى جانبها شيوخ الامارات المحلية القائمة على ضفاف الخليج العربي لتؤمن مواصلاتها عبر الخليج الى الهند فاوعد تهم بتعهدات للمحافظة على اماراتهم واوضاعهم الراهنة وضمان حريتهم واعلانهم شيوخا مستقلين تحت الحماية البريطانية فرضى أمراء العرب بهذه التعهدات السياسية البريطانية ، وحصلت صداقة بين بريطانيا وبين البارزين من الامراء كالشيخ خزعل أمير المحمرة وشيخ الكويت .
ولما اندلعت الحرب العالمية الاولى واصبحت الدولة العثمانية في الجانب المضاد لبريطانيا صدرت الاوامر بأرسال قوات بريطانية الى عبادان وقد اعطيت في حينها مبررات لتلك الحملة منها صيانة النفط في الأحواز من اجل الاستهلاك البريطاني .. وقد اشترك الشيخ خزعل مع البريطانيين في الحرب لطرد الاتراك من البصرة وبذلك توفير الامان لامارة الأحواز والتحقت السفن البريطانية الموجودة في نهر كارون بالحملة البريطانية وتم الاتصال بالمحمرة وقد كان الشيخ خزعل في جميع مراحل الاحتلال عونا للأنكليز في حربهم في المنطقة .
كان الشيخ خزعل من جملة المرشحين للملوكية على عرش العراق ولكن رأى الشيخ خزعل ان الدبلوماسية الانكليزية غير متحمسة لترشيحه عندما طلب منه المستر بيل سكرتير الشؤون الشرقية في دار الاعتماد البريطانية في بغداد بالكف عن الخوض في مثل هذا الامر ليفسح المجال أمام الامير فيصل للفوز بالعرش ، ومن جهة ثانية لا تريد بريطانيا فوز الشيخ خزعل لان هذا معناه قيام وحدة طبيعية بين الأحـواز والعراق حيث قد يترتب على بريطانيا مشاكل سياسية معقدة ، وقد تنازل الشيخ خزعل عن ترشيحه لعرش العراق للأمير فيصل .
وليس بخاف على احد ان شخصية الشيخ خزعل التي انضوت تحت سلطتها قوة العرب في المنطقة تلك القوة التي تمثل تيار القومية العربية التي تعاديها الرجعية الفارسية منذ ازدهار الدولة العربية في الاسلام لاسيما وان الشيخ خزعل قد بدأ شأنه في الصعود بعد ترشيحه لعرش العراق ودخوله في معاهدات مع بريطانيا واصبحت له مكانه مرموقة في العلاقات الدولية في المنطقة ومقابل هذا أخذ رضا خان يفكر ويخطط كيف يمكنه القضاء على الشيخ خزعل وجاء هذا في مذكرات رضا شاه نفسه عندما يقول (( من الضروري القضاء على أمير عربستان الذي استمر اعوام طويلة يعيش أميرا مستقلا داخل حدود أمارته ويسانده الاجانب مساندة تامة في اعماله وليس لحكومة طهران اي سلطة عليه )) .
وفي عام 1921 م أصبح رضا خان قائدا عاما للقوات المسلحة الفارسية بعد ان اطاح بوزارة ضياء الدين الطباطبائي ثم رئيسا للوزراء وفي عام 1925 م نصب نفسه ملكا على فارس .
وهنا غير رضا شاه المقبور سياسته تجاه روسيا وفي هذا الاثناء تحسنت العلاقات بين موسكو وطهران ، خصوصا وان السوفيت فوجئوا مفاجأة سارة عندما تولى رضا شاه الحكم في فارس لاعتقادهم بانه يرأس حركة وطنية ثورية وعلى أعتبار بان انقلابه هذا حدث تاريخي يدشن بداية عهد جديد كما خيل لهم ان الدكتاتورية العسكرية ستكون مرحلة انتقالية نحو نظام جمهوري وقد تمخضت العلاقات الحسنة بينهما الى ابرام معاهدة عام 1921 م التي اعترفت باستقلال فارس التام وتنازلت روسيا عن كل مالديها من المقاطعات الفارسية كما تنازلت عن جميع الديون التي كانت لها على فارس ، وبهذا أرادت روسيا ان يبقى الجو صافيا لها لكي يمكنها الوصول الى المياه الدافئة في الخليج العربي للقضاء على نفوذ بريطانيا الاستعمارية ومصالحها البترولية والتجارية في المنطقة .
فوجد ت بريطانيا من مصلحتها وحكمه سياستها ان تستمر في شد أزر رضا شاه ليتمكن من الوقوف أمام التيار الشيوعي من جهة ومن اجل بسط سيطرتها على سياسة فارس سيطرة تضمن لها استمرار وحفظ مصالحها في فارس الخليج العربي.
فأنتهز رضا خان هذا الاتجاه من بريطانيا وطلب منها ان تتخلى عن حماية أمارة الأحواز وعن أميرها ليمكنه احتلال عربستان عسكريا وضمه الى مملكته فاستجابت له بريطانيا ومهدت له القضاء على الحكم العربي في الأحـواز حيث سهلت له القضاء على الشيخ خزعل في 20 / 4 / 1925 م .
ولما علم الشيخ خزعل ان رضا خان ملك فارس ينوي غزو واحتلال الأحواز أخذ يعد العدة للوقوف بوجه الخطر الفارسي الداهم وكان يطمح من الانكليز بالايفاء بتعهداتهم السياسية لحماية الأحواز وتقديم المساعدات العسكرية له .. فهنا نقضت بريطانيا عهدها مع الشيخ خزعل ولم تحرك ساكنا لنجد ته ولعبت دورا دبلوماسيا ضده حين مهدت سبل المفاوضات بين الشيخ خزعل والحكومة الفارسية من جهة وحشد الجيوش الفارسية على حدود الأحواز ( عربستان ) من جهة اخرى .
وعندما وصل الجنرال زاهدي قائد جيش الفرس في زيارة الى المحمرة لحل الخلافات حلا سلميا وعن طريق التفاوض مع الشيخ خزعل . وقد لعب الجنرال الفارسي زاهدي دورا دبلوماسيا موفقا الى ان تحين نقطة الصفر لاختطاف الشيخ خزعل وحاول زاهدي ان يقنع الشيخ خزعل بالسفر معه الى طهران فلم يوافق الشيخ خزعل على السفر عندئذ طلب الجنرال زاهدي اقامة حفلة ساهرة لوداعه فلبى الشيخ طلبه وأوعز الى ابنه عبد الحميد بالحضور من البصرة ليهىء لتلك الحفلة كل ما لذا وطاب والتي أعتبرها حفلة النصر فاقامها في يخته الخاص الراسي في شط العرب مقابل قصره في الفيلية لكي لا يشيع خبرها ولم يدع لها سوى ابنائه عبد الحميد وعبدالله وعبد المجيد وأحد اقربائه يدعى موسى الشيخ يوسف وسكرتيره الخاص عبد الصمد وذلك احتراما لليلة السابع والعشرين من شهر رمضان التي أقيمت فيها الحفلة وبعد ان عرضت بعض الرقصات واستمعوا الى جانب من الغناء وحيث أرخى الليل سدوله صعدت شلة من الجيش الفارسي التي كانت ترافق الجنرال زاهدي الى الباخرة وعلى رأسهم المدعو مصطفى خان وقاموا بأسر الشيخ خزعل و ابنه عبد الحميد وسيقوا من الفيلية الى المحمرة ومنها الى مدينة الاحواز ليلا ، ومنها أرسلوا الى طهران وفي حينها دخلت الجيوش الفارسية عربستان وأحتلته احتلالا عسكريا وسيطرت على زمام الامور في جميع انحاء الامارة العربية السليبة كان ذلك في ليلة 19 علىيوم 20 نيسان 1925. واحتجز في طهران عاصمة الغدر والخيانة وقامت المخابرات الفارسية بخنقه في 26 آذار 1936 م . وبذلك زالت آخر امارة عربية في عربستان . وقد علق الكاتب الفرنسي بيري على ذلك بقوله : (( وكان ذ نبه - أي الشيخ خزعل - أن اماراته قائمة في مكان استراتيجي في عالم البترول الذي لا يحفظ حقا ولا ذمة )) . راجع كتاب الخليج العربي للمؤلف جان جاك بيريبي في صفحة 111.
وقد اصدرت الحكومة الفارسية بعد احتلال الأحواز واثناء اسر الشيخ خزعل في طهران أصدرت بيانا ادعت فيه أن الشيخ خزعل هو الذي أصدره بعد وصوله طهران ، وقد جاء في البيان ما يأتي :
1- يتنازل أمير عربستان الشيخ خزعل المحيسن عن الحكم الى ابنه جاسب المحيسن .
2- يحق للدولة الايرانية أن تشرف على الحكم الداخلي في عربستان .
3- تقطع عربستان علاقاتها الخارجية مع الدول الأخرى التي كانت قد عقدت معها معاهدات تجارية أو أقامت معها علاقات سياسية .
ويمكننا القول ان أسباب هذه النكبة في بلدنا عاملان ، عامل داخلي وعامل خارجي .
فالعامل الداخلي : متمثل في ضعف بنية ابناء الأحواز بما أصابهم من فقر وجهل ومرض وانخفاض مستوى المعيشة وانعدام الوعي السياسي والاجتماعي في زمن أمارة البوكاسب الكعبية وعدم الشعور بالمسؤولية نتيجة النفوذ الاجنبي من جهة ، والحيف الذي لحقهم من حكم الشيخ خزعل وغلمانه من جهة اخرى .
أما العوامل الخارجية : فقد تظافرت عدة عوامل للأطاحة بأمارة الأحواز العربية ، ومن أهم هذه العوامل :
1- ظهور النفط في الأحواز سنة 1908 م .
2- وصول الشيوعيين بقيادة لينين الى السلطة في روسيا عام 1917، مما يشكل ذلك تهد يدا لمصالح الغرب في الأحواز ومنطقة الخليج العربي .
3- ظهور رضا خان بهلوي في السلطة في فارس والذي يمثل العنصرية الفارسية المعادية للقومية العربية حيث عمل ما بوسعه لازالة كل أثر عربي في الأحواز ( عربستان ) كما فصم كل الروابط والوشائج العربية التي تربط الأحـواز بالوطن العربي .
4- تأييد الانكليز للا حتلا ل الفارسي لقطر الأحواز حيث ساهم الى حد كبير في نكبة العرب في الأحواز وقد اعترف بذلك الانكليز أنفسهم .
5- الموقف المتفرج الذي وقفه الحكام العرب لامارة الأحواز ( عربستان ) بسبب السيطرة البريطانية وهذا يعتبر مساهمة غير مباشرة في نكبة الأحواز .