المكان بين بيروت ودمشق، الزمان تموز 1920، والمتحاربان هما الجيش الفرنسي بمدافعه وفرسانه وضباطه، والمؤلف من أربعين ألف جندي، ومجموعة من العلماء والمجاهدين، ومن فلول الجيش السوري المنحل، وعددهم لا يتعدى الثلاثة آلاف جندي، يقودهم يوسف العظمة وزير الدفاع السوري يومذاك.
:لمحة تاريخية
:يقول الأستاذ محمود شاكر في التاريخ الإسلامي
اجتمع المؤتمر السوري يوم (7/3/1920) وقرر إعلان استقلال سوريا بحدودها الطبيعية: سوريا الحالية، لبنان، فلسطين، الأردن، أي ما نسميه اليوم بلاد الشام، والمناداة بفيصل بن الحسين ملكا عليها. وفي اليوم التالي توج فيصل ملكا في ساحة المرجة بدمشق، وشكلت وزارة برئاسة علي رضا الركابي. وعندما سمعت فرنسا وانكلترا بذلك المؤتمر اجتمعتا في (سان ريمو) في (25/4/1920) وقررتا مايلي
أولا- وضع سوريا ولبنان تحت الإنتداب الفرنسي. على أن يكون لبنان منفصلا عن سوريا
ثانيا- وضع فلسطين والأردن تحت الإنتداب الإنجليزي. مع الإلتزام بوعد بلفور
:وعلى إثر ذلك وجه الجنرال (غورو) القائد الفرنسي انذارا إلى الحكومة السورية يطلب فيه
أولا- تسليم الخط الحديدي (رياق- حلب) للجيش الفرنسي
ثانيا- قبول الإنتداب الفرنسي
ثالثا- إلغاء التجنيد الإجباري، وتسريح الجيش السوري، وتسليم عتاده للفرنسيين
قبل الملك فيصل هذه الشروط، وأصدر قرارا بتسريح الجيش السوري، وأرسل ذلك خطيا للجنرال غورو، الذي تجاهل ذلك وادعى أن الجواب لم يصله وتحرك ليدخل دمشق بالقوة العسكرية .. وزحف بالجيش فاحتل (رياق) وارتقى مجدل عنجر، ويتألف جيشه من عشر كتائب مشاة، وست كتائب فرسان، وسبع كتائب مدفعية، ويضم مزيجا من الفرنسيين، ومن جنود المستعمرات الفرنسية كالصوماليين والجزائريين وغيرهم
أما الشعب فقد تحرك تلقائيا وثار، واتهم الحكومة بالرضوخ، وهاجم قلعة دمشق يريد الحصول على السلاح للمقاومة، وقامت المظاهرات في سوريا، واستقالت الحكومة، وشكلت حكومة جديدة برئاسة هاشم الأتاسي، وكان يوسف العظمة وزيرا للدفاع فيها .. فأعلنت نظام التجنيد الإجباري، واستعدت للدفاع عن سوريا .
واتجهت جموع المتطوعين من دمشق نحو الغرب، وانضم اليهم عدد من أفراد الجيش السوري المسرح، ومنها كتيبة مدفعية، قطعت هذه الجموع ثلاثين كيلومترا باتجاه الغرب ، فالتقت بطلائع الجيش الفرنسي الزاحف نحو الشرق ، وركزت المدفعية أسلحتها بقيادة ملازم أول من الجيش السوري المنحل، وبدأت تقصف الجيش الفرنسي فأوقفته عن التقدم.
…
ثم لم يكن بد من انتصار الجيش الفرنسي على مجموعة من الجنود والمتطوعين، واستشهد معظمهم، مع يوسف العظمة، بعد أن قرروا ألا يمر العدو إلا على أجسادهم، فصمدوا وقابلوا الجيش الفرنسي بقليل من العتاد .. حتى تمكن الفرنسيون من الانتصار عليهم، والدخول الى دمشق، بعد أن مر على أجسادهم الطاهرة. ودخل الجنرال غورو دمشق، وطلب من الملك فيصل مغادرة سوريا، ففعل، وغادرها الى أوروبا
:يوسف العظمة[URL="http://activities.almawakeb.sch.ae:82/hisclub2/shakhsiyat/alathma_files/image002.jpg"][/URL]
يوسف بن ابراهيم بن عبد الرحمن العظمة، ولد في حي الشاغور بدمشق عام (1884) ميلادية الموافق (1301) هجرية، ودرس في المدرسة الحربية في اسطنبول، وتخرج منها ضابطا عام (1903م) الموافق (1324 ) هجرية.
وبعث الى ألمانيا لمدة سنتين، وفي الحرب العالمية الأولى عين رئيسا لأركان الفرقة العشرين، ثم الخامسة والعشرين في بلغاريا ورومانيا، ورجع بعد الحرب الى دمشق، واختاره الملك فيصل مرافقا له، ثم عين وزيرا للحربية عام 1920. كان يتكلم العربية والفرنسية والتركية والألمانية
…
وكان متدينا متمسكا بدينه، مؤديا لصلاته، ومحافظا على شعائر الإسلام
كان يوسف العظمة يعلم أنه لابد من معركة فاصلة مع الفرنسيين، ولم يمنعه من خوضها معرفته أنها معركة خاسرة، لأن مشي فرنسا على جثث المقاومة، واستيلائها على أرض مخربة مدمرة، أفضل وأشرف للشعب السوري من فتح أبواب البلاد للمستعمر يدخلها ويمشي في شوارعها مستعليا متكبرا .
كان رحمه الله ورفاقه مؤمنا بأنه مقدم على الموت لا محالة، ولذا قال لساطع الحصري ( وزير المعارف آنذاك) وهو يودعه قبل انطلاقه لميسلون: إني أرك ابنتي الوحيدة ليلى أمانة في أعناقكم
وفي مساء(23/7/1920) قام يوسف العظمة بجولة على الوحدات المتمركزة في منطقة (عقبة الطين) ، ثم عاد إلى مركز قيادة الفرقة، حيث تناول طعام العشاء مع قائد الفرقة، ثم التحف كل منهما ببطانية رغبة في النوم، ولكن النوم جافاهما حتى منتصف الليل، حيث رقدا حتى الرابعة صباحا، فأديا صلاة الفجر ثم بدأا الاستعداد لمعركة ميسلون.
:سير المعركة
خرج المجاهدون العلماء بقيادة يوسف العظمة للجهاد في سبيل الله، تحت راية موجودة حتى الأن في المتحف الوطني بدمشق، وهي العلم العربي من حيث الشكل والألوان
كتب على اللون الأسود : وجاهدوا في سبيل الله
وكتب على اللون الأبيض: إن الله معنا
وكتب على اللون الأخضر: إنا فتحنا لك فتحا مبينا
وكتب على الوجه اأخر:
على اللون الأسود: لا اله الا الله
على اللون الأبيض: محمد رسول الله
على اللون الأخضر: اللواء الأول مشاة سنة 1338
تحت هذا العلم العربي، وما حمل من شعارات ومعان، جاهد السوريون في ميسلون، وخرجو للقاء الشهادة، وهم يعلمون أن المعركة غير متكافئة أبدا، ولكنهم خاضو المعركة تحت شعار المحافظة على الشرف والكرامة، وليعلم العالم أن دمشق عاصمة الأمويين ما كان لمحتل أن يدخلها إلا على جثث أبنائها المؤمنين
لم تضم القوات السورية أية دبابات أو طائرات أو تجهيزات ثقيلة، واشتبكت مع القوات الفرنسية في صباح يوم (24/7/1920) في معركة غير متكافئة، دامت ساعات، اشتركت فيها الطائرات الفرنسية والدبابات والمدافع الثقيلة.
وتمكن الفرنسيون من تحقيق النصر؛ نظرًا لكثرة عددهم وقوة تسليحهم، وفشلت الخطة التي وضعها العظمة، فلم تنفجر الألغام التي وضعها لتعطيل زحف القوات الفرنسية، وتأخرت عملية مباغتة الفرنسيين، ونفدت ذخائر الأسلحة[URL="http://www.islamonline.net/Arabic/history/1422/01/images/pic40.jpg"][/URL].
وعلى الرغم من ذلك فقد استبسل المجاهدون في الدفاع واستشهد العظمة ومعظم رفاقه في معركة الكرامة التي كانت نتيجتها متوقعة، خاضوها دفاعًا عن شرف بلادهم، ولم يسقط من الجيش الفرنسي سوى 42 قتيلا و 154 جريحا.
ولما سمع فيصل بن الحسين باستشهاد العظمة ومن معه قال : إني أحني رأسي احتراما لجميع هؤلاء الذين ضحو بحياتهمفي سبيل الإحتجاج على اعتداء لم يعرف له التاريخ مثيل
وهكذا دخل الجنرال غورو قائد القوات الفرنسية دمشق ، وأول ما فعله فور وصوله، أنه توجه الى ضريح البطل صلاح الدين الأيوبي، فدخل المقام بكل عنف وتهكم وقال: هانحن قد عدنا يا صلاح الدين
نعم عاد الصليبيون الى دمشق ، ولكن بعد بعد أن مشوا على جثث أبنائها المجاهدين الأبطال رحمهم الله، لقد أبو أن يدخل العدو وطنهم الحبيب سوريا وهم أحياء، ستبقى معركة ميسلون وصمة عار في تاريخ فرنسا، وشمعة مجد لا تنطفئ في تاريخ سوريا
التعديل الأخير بواسطة المشرف: