بدايات العدوان الاسباني قبل وصول النجدة التركية:
احتلال المرسى الكبير:
عندما صح العزم من الملك الاسباني جلاد مسلمي الاندلس فرناندو على غزو شمال افريقيا لاشغال المسلمين ببلادهم ومنعهم من التفكير في العودة الى اسبانيا مرة أخرى، لم تكن الخزينة الاسبانية تسمح حالتها بتجهيز الجيش فتكفل الكاردينال خمينيس بتوفير النفقات اللازمة من أموال الكنيسة.
يثبت تقرير اسباني مترجم الى الفرنسية بواسطة المؤرخ الفرنسي بيليسي:
غادر الاسطول الاسباني ميناء مالقة يوم 29/08/1505، وكان يضم 45 سفينة بقيادة الدون ريموند دي قرطبة، وعلى متنه 5000 جندي بقيادة الدون دييغو فرنانديز دي قرطبة.
وصل الاسطول الى ميناء المرسى الكبير بالغرب الجزائري يوم 11 سبتمبر، أين لم تتمكن الحامية المشكلة من 500 جندي من صد الانزال الاسباني المفاجئ رغم معركة غير متكافئة استمرت ثلاثة ايام متواصلة وبعد سقوط الميناء وقلعته قرر سكان المدينة الانسحاب منها بعد ان توصلوا الى اتفاق مع القائد الاسباني يسمح لهم بمغادرتها في سلام في مهلة ثلاث ساعات فقط، وفور دخول الاسبان المدينة تم تحويل جامعها الى كنيسة سميت باسم كنيسة القديس مخائيل.
من جهته المؤرخ دوغرامون في كتابه تاريخ مدينة الجزائر العثمانية يؤكد ان المقاومة استمرت لمدة 55 يوما قبل سقوط المدينة وان السفن الاسبانية كانت تضع على مقدمتها اكياس الصوف حتى لا تتأثر بمدفعية الحصن الجزائري، وأن قوة المدفعية الاسبانية هي التي حسمت المعركة في الاخير.
غير ان المحزن في الامر انه بعد يوم واحد فقط من سقوط المدينة وصل الجيش الزياني وكان قوامه 22 الف رجل وشن الجيش فور وصوله هجوما عنيفا شرسا على اسوار المدينة الا ان الجندي الاسباني كما ظهر في هذه المعركة والمعارك التي ستليها بمجرد ان يتحصن بجدار فانه يصبح جزءا منه لا يستسلم الا في النادر الاقل مفضلا الموت على ذلك.
شكلت هذه المعركة يوم 11/09/1505 بداية الحرب الجزائرية الاسبانية التي ستستمر لمدة ثلاثة قرون متوالية الى غاية تحرير مدينة وهران سنة 1792.
ماكاد خبر الاستيلاء على المرسى الكبير تصل الى اسبانيا حتى عمت الافراح واعلن العيد لمدة سبعة ايام متوالية وصدر منشور بابوي يعطي لملك اسبانيا السلطة على الجزائر وتونس واعطى البرتغال السلطة على المغرب الاقصى.
الانتصار الجزائري العظيم في مسرغين:
في السهل الممتد شمالي بحيرة وهران الكبرى توجد قرية مسرغين، التي كانت تقطنها قبيلة عربية هي قبيلة الغرابة من بني تميم.
أراد القائد الاسباني دون دييغو ان يجرب حظه في فك الحصار المضروب على المرسى الكبير والحصول على بعض الغنائم والاسلاب من هذه القرية فتسلل جيشه عبر الجبال المحيطة بمدينة وهران مشكلا ما يعرف بالقطر الهندي أي رجل خلف اخر لصعوبة المسلك الذي لم يكن له خيار فيه فلايوجد غيره وفغير الطريق الساحلي المار مباشرة تحت حصون مدينة وهران.
ففي يوم 06/06/1507 غادر الجيش الاسباني مدينة المرسى الكبير متسللا كما اشرنا الى قرية مسرغين الغنية وفاجؤوها عند الفجر تماما وبادروها بالهجوم المفاجئ، غير انهم قوبلوا بمقاومة يائسة وعنيفة لم تجد نفعا اما السلاح الاسباني الحديث فقد أخذت البندقية تحل شيئا فشيئا محل السهم والسيف في المعارك فاستشهد كل المسلمين القادرين على القتال في المعركة وأخذ الاسبان النساء سبايا وغنموا جميع ما في القرية من ثروة، وأخذوا في الانسحاب قافلين الى المرسى الكبير.
غير أن باقي ارفاد القبيلة وماجاورهم من القبائل فور وصول الانباء الاولى عن الغارة الاسبانية حتى سارعوا الى قطع الطيق على الجيش الاسباني المنسحب عبر الطريق الجبلي الذي سيصير مقبرة له وماهي الا ساعة منم النهار حتى التحم الجيشان من جديد ولم يستطع الاسبان استعمال اسلحتهم النارية هذه المرة بسبب وعورة المسلك وضيقه، ووصلت بعد ذلك حامية مدينة وهران فتم حصار الجيش الاسباني من كل جهة واستمرت المعركة لحوالي الثلاث ساعات تم خلالها ابادة الجيش الاسباني بالكامل بحيث لم ينج منه الا قائده دون دييغو واربعة جنود معه وسقط اكثر من ثلاثة الاف علج اسباني صرعى واسر مايزيد عن الثمانمائة.
حاولت حامية مدينة وهران استثمار النصر بسرعة فتحركت فورا الى المرسى الكبير الا ان المدفعية الاسبانية تمكنت من صد هجومها وردتها على اعقابها.
نكبة مدينة وهران:
اتم الكاردينال الاسباني الجسور استعدادات حملته الجديدة التي ابحرت يوم 16/05/1509 وتحت قيادته 15000 جندي اسباني وارست الحصار على مدينة وهران يوم 17 ماي 1505 واستعد الحامية الباسلة للدفاع عن المدينة، غير ان الخيانة كان لها رأي اخر.
فقد اشترى القائد الاسباني ذمة اليهودي شطروا الذي لجأ الى المدينة في الاصل هاربا من بطش الاسبان في الاندلس وتسلم جمارك المدينة، نقول اشترى ذمته بذهب وفير وتم الاتفاق على ان يفتح للجيش الاسباني احد ابواب المدينة ففتح اليهودي باب لامونا للاسبان الذين تفقوا من خلاله على المدينة واعملوا السيف في رقاب اهلها الى الحد الذي سقطت معه دموع القائد الاسباني نفسه اما هول المجازر التي لحقت بأهل المدينة المسلمين الذين قتل منهم مايزيد على الاربعة الاف فرد واسر مايزيد عن الثمانية الاف سيقوا عبيدا الى اسبانيا.
وكانت الغنائم الاسبانية تقدر بالعملة الجزائرية الحالية بما يوازي اربعة ملايير دينار جزائري، فالمدينة كانت جمهورية تجارية حقيقية على شاكلة البندقية الايطالية وغنية من التجراة مع موانئ مرسيليا وبرشلونة فغنم الاسبان كل ذلك.
تقع مدين ة وهران داخل الخليج الذي يحمل اسمها على خط العرض 30.34 وعلى خط الطول 2.59 ويبلغ عرض خليجها 21 كيلومترا.
كانت في الاصل مستعمرة رومانية سميت باسم كيزا وكان المرسى الكبير يدعى حينها المرسى الالهي وهو الى الان احد اعظم الموانئ المتوسطية تحصينا ومناعة.
واعاد القائد الاموي خضر ايام الخليفة عبد الرحمن الثالث بناء المدينة وتبحرت في العمران وعدت من مدن المغرب الاوسط التي لا تدافع.
نكبة بجاية:
هي مدينة صلدة القرطاجية، واعاد تاسيسها الملك الحمادي الناصر لدين الله سنة 1076 ميلايدة ووسعها الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي سنة 1152 وكانت تسمى بمكة الصغرى لكثرة فقهائها ومدارسها وجوامعها، وكانت ميناءا هاما يصدر الحبوب والزيزت والصوف والشمع والجلود الى اوروبا.
جهز الكاردينال خمينيس جيشه واسند قيادته الى بيدرو نافارو فاتح وهران وجلادها، واقلع على متن اسطول يضم 20 فينة وعشرة الاف مقاتل الى بجاية يوم 01/01/1510، وبعد تبادل قصف مدفعي عنيف مع الحامية المسلمة تمكن الجيش
الاسباني من انزال وحداته الى البر واحتل المدينة بعد ان انهارت جميع تحصيناتها وتم ذبح اربعة الاف ومائة مسلم من اهلها.
بعد هذه الكاثة سارعت مدينة الجزائر الى عقد اتفاق سلام مع اسبانيا تعهدت بموجبه بدفع الفدية السنوية مقابل عدم الاعتداء عليها واشترط الأسبان بناء حصن اسباني على جزيرة اسطفلة مقابل المدينة لضمان وفاء المدينة بالعهد.
وصول النجدة التركية:
لايوجد شخص يحتل مكانة مرموقة في التاريخ الجزائري وفي قلوب الشعب الجزائري الى اليوم تضاهي مكانة الاخوين عروج وخير الدين بربروس الا الامير عبد القادر.
فرغم مرور القرون لازال الجزائريون ينظرون بكثير من التبجيل والاحترام والتقدير لقرصانين تركيين مسلمين بطلين ارسيا دعائم الدولة الجزائرية الحديثة، العزيزة والمرهوبة الجانب والتي بسطت سيادتها بعد ذلك على البحر المتوسط لمئات السنين وحملت لواء الجهاد عاليا خفاقا ضد الصليبية المسيحية الاوروبية حتى سميت بدار الجهاد والمحروسة والبهجة.
والى الان يلفظ الجزائريون اسم القائد البطل الشهيد عروج بلفظ بابا عروج فقد كان فعلا أبا حانيا ومنقذا بطلا فرحم الله سعيه وسعي اخوته ورفعه عاليا في عليين الى جانب الشهداء والصديقين.
ولد البطل بابا عروج، وعروج بضم العين والراء وليس كما ينطقها البعض خطأ بفتح العين والراء، في جزيرة مدلي لأبيه يعقوب وسيدة اندلسية فاضلة فجمع الدم الاندلسي والدم التركي في عروقه وكان ثاني أخوته الأربعة خسرف ومحمد الياس واسحاق، ونشا الاولاد نشأة اسلامية صلبة وترعرعوا في حجر الجهاد وركب بابا عروج البحر وهو دون العشر سنين وذاق فيه الحلو والمر فقد اسر مرة وعمل عبدا مجذفا لسفن النصارى سنتين حتى اذا حاذت سفينته الساحل المصري حتى القى نفسه في البحر وفر الى الساحل سباحة ومن هناك عاد الى تركيا اين اكرمه كوركود ابن السلطان بايازيد وحهز له سفينة استعملها في الغزو والقرصنة في البحر واسر بها سفينتين بابويتين وسفينتين تابعتين لجمهورية جنوا وسار بهما الى ميناء الاسكندرية اين باع اسراه كعبيد ودفع الخمس لبيت المال وكون اسطولا من خمس سفن صار يجوب بها البحر الابيض المتوسط واختار جربة التونسية كقاعدة له، اين التحق به اخوه خسرف الذي صا مثله على راس عمارة بحرية صغيرة اين اقترح عليه بعض فضلاء الاندلسيين اين يغير اسمه فاصبح خير الدين.0
من هناك صار الاخوين يغيران على الموانئ الاسبانية في جزر البالير وصقلية وبرشلونة ، وادت أعمالهما البطلة بالسلطان الحفصي ابو عبد الله محمد ان يمنحهما ميناء تونس حلق الواد مقابل ان يدفعا له خمس الغنائم وذلك سنة 1510.
المحاولة الاولى لانقاذ بجاية:
وصلت سمعة المجاهدين الاتراك مسامع اهل بجاية المنكوبين، لإارسلوا سنة 1512 وفدا الى الاخوين في تونس بقيادة أمير قسنطينة السلطان ابو بكر وارسل اليهما ايضا العلماء والاعيان والاهالي مستصرخين مستنجدين، فتوكل الاخوين على الله وقررا المضي لانقاذ المغرب الاوسط*الجزائر الحالية* من الخطر الاسباني واعلما اهالي بجاية بقودمهما .
ففي سنة 1512 غادر الاسطول ميناء حلق الوادي وعلى متنه السلاح والرجال والمدافع في نحو ثلاثة الاف رجل ولما وصل بجاية اشتبك مع الاسطول الاسباني المكون من 15 سفينة فتم الاستيلاء على سفينة واغرقت الاخرى وانهزمت باقي السفن على كثرتها.
فقرر القائد بابا عروج النزول الى البر والتقدم مباشرة الى الاسوار على خلاف راي اخوه خير الدين الذي كان يرى محاصرة المدينة بحرا ويتكفل الجزائريون بمحاصرتها برا الى ان تسقط غير ان باب عروج اصر على رايه وهاج الاسوار اين اصيب برصاصة اسبانية ادت بالاطباء الى بتر يده.
اظطر بابا عروج الى العودة الى تونس بعد اصابته، الا ان الاتصال الاول مع الارض الجزائرية ساعداه على كسب مودة الاهالي كما اوضح له نقطة ضعفه التي كانت تتمثل في بعده عن مسرح العمليا فقرر القيام بتحرير مدينة جيجل التي لا تبعد عن بجاية الا 100 كلم وجعلها قاعدة لعملياته في الجزائر.
تحرير جيجل وانقاذها من الاحتلال الاسباني: