هو يزيد بن القعقاع الإمام أبو جعفر المخزومي المدني القارئ، أحد القرّاءة العشرة تابعي مشهور كبير القدر، ويقال اسمه جندب بن فيروز وقيل فيروز...
مَوْلِدُهُ:
35 هـ ، 655 م في المدينة المنورة
شُيُوخُهُ:
روى عن مولاه وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس وجابر وزيد بن أسلم وهو من أقرانه ودخل على أم سلمة وهو صغير فمسحت على رأسه.
تَلَامِيذُهُ:
روى القراءة عنه نافع بن أبي نعيم وسليمان بن مسلم بن جماز وعيسى بن وردان وأبو عمرو وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وإسماعيل ويعقوب ابناه وميمونة بنته، وحدّث عنه الإمام مالك...
أشهر تلاميذ أبي جعفر:
أبو الحارث عيسى بن وردان المدني القارئ ( ت160هـ، 777 م ) وقد قرأ على أبي جعفر القارئ وشيبة بن نصاح، ثم عرض على نافع بن أبي نعيم. وروى عنه القراءة عرضاً إسماعيل بن جعفر المدني وغيره...
ابن جمّاز
هو أبو الربيع سليمان بن مسلم بن جماز المدني ت 170هـن 786 م.
قال ابن الجزري في متن الدرّة:
أبو جعفر عنه ابن وردان ناقل كذاك ابن جماز سليمان ذو العلا
ثَنَاءُ العُلَمَاءِ عَلَيهِ:
قال يحيى بن معين: كان إمام أهل المدينة في القراءة فسمي القارئ بذلك وكان ثقة قليل الحديث.
وقال ابن حاتم: سألت أبي عنه فقال صالح الحديث.
وقال يعقوب بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري: كان إمام الناس بالمدينة أبو جعفر.
وقال ابن مجاهد حدثوني عن الأصمعي عن أبي الزناد قال: لم يكن أحد اقرأ للسنة من أبي جعفر وكان يقدم في زمانه على عبد الرحمن ابن هرمز الأعرج.
وقال مالك: كان أبو جعفر رجلاً صالحاً يقرئ الناس بالمدينة.
وقال سبط الخياط: وروى ابن جماز عنه أنه كان يصوم يوماً ويفطر يوماً وهو صوم داود عليه السلام واستمر على ذلك مدة من الزمان فقال له بعض أصحابه في ذلك فقال إنما فعلت ذلك أروّض به نفسي لعبادة الله تعالى.
قال أبو عبد الرحمن النائي: يزيد بن القعقاع ثقة.
وقال محمد بن القاسم المالكي: أبو جعفر يزيد بن القعقاع مولى أم سلمة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
وَفَاتُهُ:
قال سليمان بن مسلم: شهدت أبا جعفر وقد حضرته الوفاة جاءه أبو حازم الأعرج في مشيخة من جلسائه فأكبوا عليه يصرخون به فلم يجيبهم، فقال شيبه وكان ختنه على ابنة أبي جعفر: ألا أريكم عجباً قالوا بلى، فكشف عن صدره فإذا دوارة بيضاء مثل اللبن فقال أبو حازم وأصحابه: هذا والله نور القرآن.
عاش الإمام أبو جعفر رحمه الله ما يزيد على التسعين سنة وتوفي سنة 130 هـ 748 م رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
من مراجع البحث:
غاية النهاية في طبقات القرّاء........................... ابن الجزري
معرفة القرّاء الكبار................................... ابن الجزري
ذكر الإمام الجزري عن الشيباني قال: قال رجل ممن قرأ على نافع أن نافعاً كان إذا تكلم يشمّ من فِيهِ رائحة المسك فقلت له يا أبا عبد الله أو يا أبا رويم تتطيب كلما قعدت تقرئ الناس قال ما أمس طيباً ولا أقرب طيباً ولكني رأيت فيما يرى النائم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ في فيّ فمن ذلك الوقت أشمّ من فيّ هذه الرائحة، وهذا ما أشار إليه الإمام الشاطبي في البيت المذكور آنفًا، وقال المسيبي قيل لنافع ما أصبح وجهك وأحسن خلقك قال فكيف لا أكون كذلك وقد صافحني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه قرأت القرآن يعني في النوم، وقال قالون كان نافع من أطهر الناس خلقاً ومن أحسن الناس قراءة وكان زاهداً جواداً صلى في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ستين سنة...
شُيُوخُهُ
أخذ القراءة عرضاً عن جماعة من تابعي أهل المدينة عبد الرحمن بن هرمز الأعرج وأبي جعفر القارئ وشيبة بن نصاح ويزيد بن رومان ومسلم بن جندب وصالح بن خوات والأصبغ بن عبد العزيز النحوي وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق والزهري، قال أبو قرة موسى بن طارق سمعته يقول قرأت على سبعين من التابعين قلت - أي الإمام الجزري -: وقد تواتر عندنا عنه أنه قرأ على الخمسة الأول...
تَلَامِيذُهُ:
ظل الإمام نافع - رحمه الله - إمامًا للقراءة مدة طويلة، فكان تلاميذه الذين تلقوا عنه القراءة من الكثرة بمكان، فممن روى القراءة عنه عرضاً وسماعاً من أهل المدينة:
عيسى بن مينا قالون وهو الراوي المشهور صاحب الرواية المعروفة، وإسماعيل بن جعفر وعيسى بن وردان وسليمان بن مسلم بن جماز ومالك بن أنس وهم من أقرانه، وإسحاق بن محمد وأبو بكر وإسماعيل ابنا أبي أويس ويعقوب بن جعفر أخو إسماعيل وعبد الرحمن ابن أبي الزناد وغيرهم...
وممن روى عنه من أهل مصر:
عثمان بن سعيد ورش وهو صاحب الرواية المشهورة - رواية ورش عن نافع - وموسى ابن طارق أبو قرة اليماني عبد الملك بن قريب الأصمعي وخالد بن مخلد القطواني وأبو عمرو بن العلاء وأبو الربيع الزهراني روى عنه حرفين وخارجة بن مصعب الخراساني وخلف بن نزار الأسلمي الليث بن سعد وأشهب بن عبد العزيز وحميد بن سلامة وغيرهم...
وممن روى عنه من أهل الشام:
عتبة بن حماد الشامي وأبو مسهر الدمشقي والوليد بن مسلم روى عنه حرفاً واحداً وأرجلكم بالرفع وقيل جميع القرآن وعراك بن خالد وخويلد بن معدان...
كما روى عنه الكثير غير من ذُكر...
وقد أشار الإمام الشاطبي - رحمه الله - إلى قالون وورش اللذين رويا عن نافع في قوله بعد ان ذكر نافعًا:
وَقَالُونُ عِيسى ثُمَّ عُثْمَانَ وَرْشُهُم بِصُحْبَتِهِ الْمَجْدَ الرَّفِيعَ تَأَثّلَا
مَنْهَجُهُ فِي القِرَاءَةِ:
يقول الشيخ عبد الفتاح القاضي أحد أعلام علم القراءات المعاصرين:
قراءة نافع متواترة، وليس أدل على تواترها من أنه تلقاها عن سبعين من التابعين، وهي متواترة في جميع الطبقات. ولا يقال: إنها أحادية بالنسبة للصحابة؛ لأنه ليس معنى نسبة القراءة إلى شخص معين ـ أن هذا الشخص لا يعرف غير هذه القراءة، ولا أن هذه القراءة لم ترو عن غيره، بل المراد من إسناد القراءة إلى شخص ما أنه كان أضبط الناس لها، وأكثرهم قراءة وإقراء بها، وهذا لا يمنع أنه يعرف غيرها، وأنها رويت عن غيره.
ـ فقراءة نافع رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير من الصحابة ـ وإن أسندت لبعض الأفراد منهم لما تقدم ـ ورواها عن الصحابة كثير من التابعين، ثم روتها أممٌ إلى أن وصلت إلينا، وهذا التقرير يقال في جميع قراءات الأئمة العشرة.... هـ
ثَنَاءُ العُلَمَاءِ عَلَيهِ:
قال الليث بن سعد: حججت سنة ثلاث عشرة ومائة وإمام الناس في القراءة بالمدينة نافع.
وقال الأعشى: كان نافع يسهل القرآن لمن قرأ عليه إلا أن يقول له إنسان أريد قراءتك.
وقال الأصمعي: قال لي نافع تركت من قراءة أبي جعفر سبعين حرفاً.
وقال مالك لما سُئِل عن البسملة: سلوا عن كل علم أهله ونافع إمام الناس في القراءة.
وقال يحيى بن معين: ثقة.
وقال النسائي: لا بأس به.
وقال أبو حاتم: صدوق.
وقال فيه ابن مجاهد: كان عالما بوجوه القراءات متبعًا لآثار الأئمة الماضين ببلده.
وقال أحمد: كانت تؤخذ عنه القراءة وليس بشئ في الحديث.
وقال الذهبي: وثقه غير واحد، وليس له رواية في الكتب الستة.
وقال عنه الإمام ابن كثير: انتهت إليه رئاسة القراءة في المدينة، أقرأ الناس دهرا طويلًا، وكان أسود اللون حالكا صبيح الوجه حسن الخلق.
وقال عنه ابن خلّكان: كان إمام أهل المدينة والذي صاروا إلى قراءته ورجعوا إلى اختياره، وهو من الطبقة الثالثة بعد الصحابة، رضوان الله عليهم، وكان محتسباً فيه دعابة.
وَفَاتُهُ:
عن محمد بن إسحاق قال: لما حضرت نافعاً الوفاة قال له أبناؤه: أوصنا قال: اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين، وكانت وفاته سنة 169 هـ ، 785 م، رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عن المسلمين خير الجزاء.
من مراجع البحث:
غاية النهاية في تاريخ القرّاء/ ابن الجزري
وفيات الأعيان/ ابن خلّكان
البداية والنهاية/ ابن كثير
هو أبو بكر عاصم بن بهدلة أبي النَّجُود الأسدي مولاهم الكوفي شيخ الإقراء بالكوفة وأحد القراء السبعة، ويقال أبو النجود اسم أبيه لا يعرف له اسم غير ذلك وبهدلة اسم أمّه وقيل اسم أبي النَّجُود عبد الله...
مَوْلِدُهُ:
لم يتعرض أحد ممن روى تاريخ الإمام عاصم الكوفي لسنة مولده.
البَلَدُ التي وُلِدَ فِيهَا:
من الواضح أن الإمام عاصم قد ولد ونشأ وتوفي بالكوفة،وقد أشار الإمام الشاطبي إلى أن الإمام عاصم كان يقيم بالكوفة، فقال في مقدمة الشاطبية:
وَبِالْكُوفَةِ الْغَرَّاءِ مِنْهُمْ ثَلاَتَةٌ أَذَاعُوا* فَقَدْ ضَاعَتْ شَذاً وَقَرَ نْفُلاَ
فَأَمَّـا أَبُو بَكْرٍ وَعَاصِـمٌ اسْمُهُ* فَشُعْبَةُ رَاوِيهِ المُبَرِّزُ أَفْضَـلاَ
قال الشارح:
الغرّاء يعني المشهورة البيضاء المنيرة بكثرة العلماء بها ، منهم يعني من السبعة ثلاثة هم عاصم وحمزة والكسائي أذاعوا أي أفشوا العلم بها وشهروه ونشروه والضمير في ضاعت للكوفة أو للقراءة أي فاحت رائحة العلم بها والشذا كسر العود والقرنفل معروف...
وهذا هو البدر الخامس أبو بكر عاصم بن أبي النجود أحد السادة من أئمة القراءة والحديث ... أثنى الشيخ الشاطبي على عاصم بأن من جملة الرواة عنه شعبة الذي برز في الفضل وهو باب من أبواب المدح معروف فكم من تابع قد زان متبوعه وكم من فرع قد شرف أصله...
شُيُوخُهُ:
روى حماد بن زيد عن عاصم قال: كنا نأتي أبا عبد الرحمن أي السلمي ونحن غلمة أيفاع.
وقال أبو بكر بن عياش قال لي عاصم: ما أقرأني أحد حرفا إلا أبو عبد الرحمن وكان أبو عبد الرحمن قد قرأ على علي رضي الله عنه فكنت أرجع من عنده فأعرض على زرّ وكان زر قد قرأ على عبدالله رضي الله عنه فقلت لعاصم لقد استوثقت رواها يحيى بن آدم عنه. وروى جماعة عن عمرو بن الصباح عن حفص الغاضري عن عاصم عن أبي عبد الرحمن عن علي رضي الله عنه بالقراءة.
وذكر عاصم أنه لم يخالف أبا عبد الرحمن - أي السلمي - في شيء من قراءته وأن أبا عبد الرحمن لم يخالف عليا في شيء من قراءته. وروى أحمد بن يونس عن أبي بكر بن عياش قال كل قراءة عاصم قراءة أبي عبد الرحمن إلا حرفا.
قال الذهبي:
وقرأ القرآن على أبي عبدالرحمن السلمي، وزرّ بن حبيش الاسدي، وحدث عنهما، وعن أبي وائل، ومصعب بن سعد، وطائفة من كبار التابعين، وروى فيما قيل عن الحارث بن حسان البكري، ورفاعة بن يثربي التميمي، أو التيمي، ولهما صحبة، وهو معدود في صغار التابعين.
تَلَامِيذُهُ:
أشهر تلاميذ الإمام عَاصِم الكُوفِيّ:
1 - أبو بكر ( شعبة ) وقد ولد سنة 95 هـ، 714 م وتوفي في جمادى الأولى سنة 193 هـ، 809 م وكان إماماً علماً كبيراً عالماً عاملا حجة من كبار أئمة السنة ولما حضرته الوفاة بكت أخته، فقال لها ما يبكيك؟ انظري إلى تلك الزاوية فقد ختمت فيها ثمان عشرة ألف ختمة.
2 - الروي الثاني لعاصم هو حفص وقد ولد سنة 90 هـ، 709 م وتوفي سنة 180هـ، 796 م، وكان أعلم أصحاب عاصم بقراءة عاصم، وكان ربيب عاصم ابن زوجته، قال يحيى بن معين: الرواية الصحيحة التي رويت من قراءة عاصم رواية حفص وقال ابن المنادى: كان الأولون يعدونه في الحفظ فوق ابن عياش ويصفونه بضبط الحروف التي قرأ على عاصم أقرا الناس دهراً وقال الحافظ الذهبي: أما في القراءة فثقة ثبت ضابط بخلاف حاله في الحديث.
وقد أشار إليهما الإمام الشاطبي بقوله:
وَذَاكَ ابْنُ عَيَّاشٍ أَبُو بَكْرٍ الرِّضَا وَحَفْصٌ وَبِاْلإتْقَانِ كانَ مُفضَّلاَ
قال حفص: قال لي عاصم: ما كان من القراءة التي أقرأتك بها فهي القراءة التي قرأت بها على أبي عبد الرحمن السلمي عن علي، وما كان من القراءة التي أقرأتها أبا بكر بن عياش فهي القراءة التي كنت أعرضها على زر ابن حبيش عن ابن مسعود...
وقال الذهبي:
حدّث عنه عطاء بن أبي رباح، وأبو صالح السمان، وهما من شيوخه، وسليمان التيمي، وأبو عمرو بن العلاء، وشعبة، والثوري، وحماد بن سلمة، وشيبان النحوي، وأبان بن يزيد، وأبو عوانة، وأبو بكر بن عياش، وسفيان بن عيينة وعدد كثير.
وتصدر للاقراء مدة بالكوفة، فتلا عليه أبو بكر أي شعبة، وحفص بن سليمان...
مَنْهَجُهُ فِي القِرَاءَةِ:
يقول الشيخ عبد الفتاح القاضي عن منهج الإمام عاصم الكوفي في القراءة:
1 - يبسمل بين كل سورتين إلا بين الأنفال وبراءة فله السكت والوصل.
2 - يقرأ المدين المتصل والمنفصل بالتوسط بمقدار أربع حركات.
3 - يميل شعبة عنه ألف " رمى " في ولكن الله رمى " بالأنفال " وألف أعمى في موضعي الإسراء " ومن كان في هذا أعمى فهو في الآخرة أعمى " وألف نآى في " ونآي بجانبه " في الإسراء ، وألف ران في "كلا بل ران" في المطففين وألف في " شفا جرف هار " في التوبة ، ويميل حفص عنه الألف بعد الراء في " مجريها ".
4 - يفتح من رواية شعبة ياء الإضافة في " من بعدي اسمه أحمد "في الصف ويسكنها من رواية شعبة أيضاً في "أومى إلهين" في المائدة و"أجرى إلا" في جميع المواضع، و"وجهي لله" في آل عمران والإنعام.
و "بيتى" في "ولمن دخل بيتي" بنوح ، "ولى دين" في الكافرون.
5 - يحذف الياء الزائدة وصلاً ووقفاً من رواية شعبة في "فما آتان الله خير" في النمل.
6 - يقرأ من رواية شعبة "من لدنه" بالكهف بإسكان الدال مع إشمامها ، ومع كسر النون والهاء وإشباع حركتها.
ثَنَاءُ العُلَمَاءِ عَلَيهِ:
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي عن عاصم فقال: رجل صالح ثقة خير
وقال عنه الإمام ابن الجزري: هو الإمام الذي انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد أبي عبد الرحمن السلمي في موضعه جمع بين الفصاحة والاتقان والتحرير والتجويد وكان أحسن الناس صوتاً بالقرآن...
وقال أبو بكر بن عياش: لا أحصي ما سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول ما رأيت أحداً أقرأ للقرآن من عاصم بن أبي النجود.
وقال يحيى بن آدم عن حسن بن صالح: ما رأيت أحداً قط كان أفصح من عاصم...
وقال ابن عياش: قال لي عاصم: مرضت سنتين فلما قمت قرأت القرآن فما أخطأت حرفاً.
وقال حماد بن سلمة: رأيت حبيب بن الشهيد يعقد الآي في الصلاة ورأيت عاصم بن بهدلة يعقد ويصنع مثل صنيع عبد الله بن حبيب.
وروى حماد بن سلمى وأبان العطار عن عاصم أن أبا وائل ما قدم عليه إلا قبَّل كفه.
وقال حفص: كان عاصم إذا قرىء عليه أخرج يده فعد.
وروى أبو بكر بن عياش عنه أنه كان يبدأ بأهل السوق في القراءة.
وقال أبو حاتم: محله الصدق
من كلماته:
- من لم يحسن من العربية إلا وجهًا واحدًا لم يحسن شيئًا.
وَفَاتُهُ:
قال ابن عياش دخلت على عاصم وقد احتضر فجعل يردد هذه الآية يحققها حتى كأنه في الصلاة: ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق.
وقد توفي الإمام عاصم سنة 127 هـ، 745 م رحمه الله رحمةً واسعة.
من مراجع البحث:
غاية النهاية في طبقات القراء/ ابن الجزري
النشر في القراءات العشر/ ابن الجزري
إبراز المعاني من حرز الأماني/ أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل
سير أعلام النبلاء/ الذهبي
ما نسب للشيخ عبد الفتاح القاضي من مـوقـع طريق القرآن
هو الإمام الحبر القدوة، شيخ القراءة، أبو عمارة حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل أبو عمارة الكوفي التيمي مولاهم وقيل من صميمهم، الزيات، أحد القراء السبعة، وإنما قيل له " الزيات " لأنه كان يجلب الزيت من الكوفة إلى حلوان - وهي مدينة في أواخر سواد العراق مما يلي بلاد الجبل- ويجلب من حلوان الجبن والجوز إلى الكوفة، فعرف به.
مَوْلِدُهُ:
ولد بالكوفة سنة 80 هـ، 700 م ، وأدرك الصحابة بالسن فيحتمل أن يكون رأى بعضهم.
أَهَمُّ مَلَامِح شَخْصِيتِهِ وَأَخْلَاقِهِ
إمامته في علم القراءات:
كان الإمام حمزة رحمه الله أحد الأئمة الكبار في القراءات، وقد أخذ عنه الإمام الكسائي، قال أسود بن سالم: سألت الكسائي عن الهمز والادغام، ألكم فيه؟ قال: نعم، حمزة كان يهمز ويكسر، وهو إمام، لو رأيته لقرت عينك من نسكه. وانعقد الإجماع على تلقي قراءته بالقبول...
قال حمزة: نظرت في المصحف حتى خشيت أن يذهب بصري.
وعن شعيب بن حرب قال أم حمزة الناس سنة مئة قال ودرس سفيان الثوري على حمزة القرآن أربع درسات، وقال أبو عمر الدوري حدثنا أبو المنذر يحيى بن عقيل قال كان الأعمش إذا رأى حمزة قد أقبل قال هذا حبر القرآن...
علمه بعمله وطلبه للأخرة
لم يكن الإمام حمزة رحمه الله يأخذ على تعليم الناس القرآن أجرًا وإنما كان يحتسب ذلك عند الله عز وجل، قال أحمد بن عبدالله العجلي حدثنا أبي قال: حمزة سنة يكون بالكوفة وسنة بحلوان فختم عليه رجل من أهل حلوان من مشاهيرهم فبعث إليه بألف درهم فقال لابنه: قد كنت أظن لك عقلا أنا آخذ على القرآن أجرًا؟!! أرجو على هذا الفردوس.
وقال حسين الجعفي ربما عطش حمزة فلا يستقي كراهية أن يصادف من قرأ عليه، وذكر جرير بن عبد الحميد قال مر بي فطلب ماء فأتيته به فلم يشرب مني لكوني أحضر القراءة عنده، وقال عنه الحافظ الذهبي: وكان من الائمة العاملين.
وقال عبيد الله بن موسى: كان حمزة يقري القرآن حتى يتفرق الناس ثم ينهض فيصلي أربع ركعات ثم يصلي مابين الظهر إلى العصر وما بين المغرب والعشاء.
شُيُوخُهُ:
أخذ القراءة عرضا عن سليمان الأعمش وحمران بن أعين وأبي إسحاق السبيعي ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وطلحة بن مصرف ومغيرة بن مقسم ومنصور وليث بن أبي شليم وجعفر بن محمد الصادق وقيل بل قرأ الحروف على الأعمش ولم يقرأ عليه جميع القرآن قالوا استفتح حمزة القرآن من حران وعرض على الأعمش وأبي إسحاق وابن أبي ليلى وكان الأعمش يجود حرف ابن مسعود وكان ابن أبي ليلى يجود حرف علي وكان أبو إسحاق يقرأ من هذا الحرف ومن هذا الحرف وكان حمران يقرأ قراءة ابن مسعود ولا يخالف مصحف عثمان يعتبر حروف معاني عبد الله ولا يخرج من موافقة مصحف عثمان وهذا كان اختيار حمزة...
تَلَامِيذُهُ:
وأخذ عنه القرآن عدد كثير: كسليم بن عيسى، والكسائي، وعابد بن أبي عابد، والحسن بن عطية، وعبد الله بن صالح العجلي...
وحدث عنه: الثوري، وشريك، وجرير، وابن فضيل، ويحيى بن آدم، وبكر بن بكار، وحسين الجعفي، وقبيصة، وخلق...
وأشهر رواة الإمام حمزة خلف وخلّاد...
يقول الإمام الشاطبي بعدما ذكر الإمام حمزة:رَوَى خَلَفٌ عَنْهُ وَخَلاَّدٌ الَّذِي رَوَاهُ سُلَيْمٌ مُتْقِناً وَمُحَصِّلاَ
قال الشارح:
اعتمد في هذا الإطلاق على معرفة ذلك واشتهاره بين أهله وهو أن سليما قرأ على حمزة وأن خلفا وخلادا أخذا قراءة حمزة عن سليم عنه وظاهر نظمه لا يفهم منه هذا فإنه لا يلزم من كونهما رويا الذي رواه سليم أن يكون أخذهما عن سليم لاحتمال أن يكون سليم رفيقا لهما ومتقنا ومحصلا حالان من الهاء في رواه أو من الذي وكلاهما واحد ، وسليم هذا هو سليم بن عيسى مولى بني حنيفة ، مات سنة ثمان أو تسع وثمانين ومائة وقيل سنة مائتين ، وأما خلف فهو صاحب الاختيار وهو أبو محمد خلف بن هشام البزار آخره راء ، مات ببغداد سنة إحدى أو ثمان أو تسع وعشرين ومائتين ، وأما خلاد فهو أبو عيسى ويقال أبو عبد الله خلاد بن خالد الأحول الصيرفي الكوفي ويقال خلاد ابن خليد ويقال ابن عيسى ، توفي سنة عشرين أو ثلاثين ومائتين...
مُؤَلَفَاتُهُ:
له من المؤلفات كتاب الفرائض وكتاب القراءة.
مَنْهَجُهُ فِي القِرَاءَةِ:
يقول الشيخ عبد الفتاح القاضي عن منهج الإمام حمزة في القراءة:
1- يصل آخر كل سورة بأول تاليتها من غير بسملة بينهما.
2- يضم الهاء وصلاً ووقفاً في الألفاظ الثلاثة : ( عليهم ، إليهم ، لديهم ).
3- يقرأ بالإشباع في الْمَدَّين المتصل والمنفصل بمقدار ست حركات.
4- يسكن الهاء في : يؤده إليك ، وقوله ( ما تولى ونصله جهنم ) نؤته منها ، فألقه إليهم.
5- يقرأ بالسكت على أل وشيء ويقرأ من رواية خلف بالسكت على المفصول نحو ﴿ عذاب أليم ﴾.
6- يغير الهمز عند الوقف سواء كان في وسط الكلمة نحو يؤمنون ، أم في آخرها نحو ينشئ على تفصيل في ذلك.
7- يدغم من رواية خلف ذال إذ في الدال والتاء ، ومن رواية خلاد في جميع حروفها ما عدا الجحيم ، ويدغم من الروايتين دال قد في جميع حروفها ، وتاء التأنيث في جميع حروفها ، ويدغم لام هل الثاء ﴿ هل ثوب الكفار ﴾ في المطففين ، ولام بل في السين في ﴿ بل سولت لكم ﴾ بيوسف وفي التاء نحو ﴿ بل تأتيهم ﴾ ويدغم الباء المجزومة في الفاء نحو وإن تعجب فعجب ، وهذا من رواية خلاد ، ويدغم الذال في التاء في ( عذت ، واتخذتم ، فنبذته ) والثاء في التاء في ﴿ أورثتموها ﴾، وفي لبث كيف وقع.
8 - يميل الألفات من ذوات الياء والألفات المرسومة ياء في المصاحف نحو ( الهدى ، اشترى ، النصارى ) ، ويميل الألفات في ( خاب ، خافوا ، طاب ، ضاقت ، وحاق ، زاع ، جاء ، شاء ، وزاد ) ، ويقلل الألفات الواقعة بين راءين ثانيهما متطرفة مكسورة نحو ( إن كتاب الأبرار ، من الأشرار ) .
9- يسكن ياءات الإضافة في ﴿ قل لعبادي الذين آمنوا بإبراهيم ﴾، ﴿ يا عبادي الذين أسرفو ﴾، بالزمر ونحو ذلك وقد حصرها العلماء.
10 - يثبت الياء الزائدة في ﴿ اتمدونن بمال ﴾ في النمل، ﴿ ربنا وتقبل دعاء ﴾ بإبراهيم.
ثَنَاءُ العُلَمَاءِ عَلَيهِ:
قال عنه الإمام الشاطبي في مقدمة متن الشاطبية:
وَحَمْزَةُ مَا أَزْكاهُ مِنْ مُتَوَرِّعٍ إِمَاماً صَبُوراً لِلقُرانِ مُرَتِّلاَ
وقال عنه الصفدي: كان عديم النَّظير في وقته علماً وعملاً، وكان رأساً في الورع.
وقال عنه الثوري: ما قرأ حمزة حرفا إلا بأثر.
وقال عنه الإمام ابن الجزري: كان إماما حجة ثقة ثبتا رضي قيما بكتاب الله بصيرا بالفرائض عارفا بالعربية حافظا للحديث عابدا خاشعا زاهدا ورعا قانتا لله...
وعن أبي المنذر يحيى بن عقيل قال: كان الأعمش إذا رأى حمزة قد أقبل قال: هذا حبر القرآن.
وعن مندل قال: إذا ذُكّر القرّاء فحسبك بحمزة في القراءة والفرائض.
وقال أبو حنيفة لحمزة: شيآن غلبتنا عليهما لسنا ننازعك فيهما القرآن والفرائض.
وقال يحيى بن معين: حمزة ثقة، وقال أيضًا: سمعت محمد بن فضيل يقول: ما أحسب أن الله يدفع البلاء عن أهل الكوفة إلا بحمزة.
وقال سفيان الثوري: غلب حمزة الناس على القرآن والفرائض.
وقال عبدالله بن موسى: ما رأيت أحدًا أقرأ من حمزة.
وَفَاتُهُ:
عاش الإمام حمزة 76 سنة ومات بحلوان في العراق سنة 156 هـ، 773 م، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته .
من مراجع البحث
غاية النهاية في طبقات القراء/ابن الجزري
معرفة القرّاء الكبار/ابن الجزري
إبراز المعاني من حرز الأماني/ أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل
سير أعلام النبلاء/ الذهبي
وفيات الأعيان/ابن خلّكان
هدية العارفين/ الباباني
ما نسب للشيخ عبد الفتاح القاضي من موقع طريق القرآن
هو علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز الأسدي مولاهم وهو من أولاد الفرس من سواد العراق كذا قال أبو بكر بن أبي داود السجستاني، أبو الحسن الكسائي الإمام الذي انتهت إليه رئاسة الاقراء بالكوفة بعد حمزة الزيات...
قال الإمام ابن الجزري: واختلف في تسميته بالكسائي فالذي رويناه عنه أنه سئل عن ذلك فقال لأني أحرمت في كساء وقيل غير ذلك...
قال الشاطبي رحمه الله:
أخذ القراءة عرضاً عن حمزة أربع مرات وعليه اعتماده وعن محمد بن أبي ليلة وعيسى بن عمر الهمداني وروى الحروف عن أبي بكر بن عياش وإسماعيل ويعقوب ابني جعفر عن نافع ولا يصح قراءته على نافع كما ذكره الهذلي بل ولا رآه وعن عبد الرحمن بن أبي حماد وعن أبي حيوة شريح بن يزيد في قول وقيل بل شريح...
تَلَامِيذُهُ:
روى عنه القراءات أبو عمر الدوري وأبو الحارث الليث بن خالد ونصير بن يوسف وقتيبة بن مهران وأحمد بن سريج وأبو عبيد ويحيى الفراء وخلف بن هشام وغيرهم.
وأما راوياه فهما الليث وحفص الدوري:
قال الشاطبي رحمه الله بعد أن ذكر الكسائي:
رَوَى لَيْثُهُمْ عَنْهُ أَبُو الْحَارِثِ الرِّضاَ وَحَفْصٌ هُوَ الدُّورِيُّ وَفيِ الذِّكْرِ قَدْ خَلاَ
قال الشارح:
ليثهم مثل ورشهم هو أبو الحارث الليث بن خالد، مات سنة أربعين ومائتين، والرضى أي المرضى أو على تقدير ذي الرضى وحفص هو الدوري الراوي عن اليزيدي ولهذا قال في الذكر قد خلا أي سبق ذكره فيما ذكرناه من النظم.
مُؤَلَفَاتُهُ:
للكسائي مؤلفات كثيرة منها:
كتاب اختلاف العدد.
كتاب قصص الأنبياء.
كتاب كتاب الحروف.
كتاب العدد.
كتاب القراءات.
كتاب المصادر.
كتاب النوادر الأصغر.
كتاب النوادر الأكبر.
كتاب النوادر الأوسط.
كتاب الهجاء.
مختصر في النحو.
معاني القرآن.
مقطوع القرآن وموصوله.
كتاب الحروف. وغير ذلك من المؤلفات...
مَنْهَجُهُ فِي القِرَاءَةِ:
يقول الشيخ عبد الفتاح القاضي عن منهج الكِسائي في القراءة:
1 - يبسمل بين كل سورتين إلا بين ( الأنفال والتوبة ) فيقف أو يسكت أو يصل.
2 - يوسط المدين المتصل و المنفصل بمقدار أربع حركات.
3 - يدغم ذال إذ فيما عدا الجيم، ويدغم دال وتاء التأنيث ولام هل وبل في حروف كل منها، ويدغم الباء المجزومة في الفاء نحو ﴿ قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ ﴾، ويدغم الفاء المجزومة في الباء في ﴿ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ﴾ في سبأ. ودغم من رواية الليث اللام المجزومة في الذال ( في يفعل ذلك )، حيث وقع هذا اللفظ ويدغم الذال في التاء في ﴿ عذتُ ﴾، ﴿ فنبذته ﴾، ﴿ اتخذتم ﴾، ﴿ أخذتم ﴾ ويدغم الثاء في التاء في ( أورثتموها، لبثت، لبثتم ).
4 - يميل ما يميله حمزة من الألفات ويزيد عليه إمالة بعض الألفاظ كما وضح في كتب القراءات.
5 - يميل ما قبل هاء التأنيث عند الوقف نحو رحمة، الملائكة بشروط مخصومة.
6 - يقف على التاءات المفتوحة نحو ( شجرت، بقيت، جنت بالهاء ).
7 - يسكن ياء الإضافة في ﴿ قل لعبادي الذين آمنو ﴾ بإبراهيم، ﴿ يا عبادي الذين ﴾، بالعنكبوت والزمر
8 - يثبت الياء الزائدة في ﴿ يوم يأت ﴾ في هود، ﴿ وما كنا نبغ ﴾ في الكهف، في حال الوصل.
ثَنَاءُ العُلَمَاءِ عَلَيهِ:
أثنى عليه الشافعي في النحو وقال ابن الأنباري كان أعلم الناس بالنحو والعربية والقراءات وكانوا يكثرون عليه في القراءات فجمعهم وجلس على كرسي وتلى القرآن من أوله إلى آخره وهم يستمعون ويضبطون عنه حتى الوقف والابتداء.
وقال إسحاق بن ابراهيم سمعته يقرأ القرآن مرتين وقال خلف بن هشام كنت احضر قراءته والناس ينقطعون مصاحفهم على قراءته...
قال أبو عبيد في كتاب القراءات: كان الكسائي يتخير القراءات فأخذ من قراءة حمزة ببعض وترك بعض. وليس هناك أضبط للقراءة ولا أقوم بها من الكسائي.
وقال ابن مجاهد: اختار الكسائي من قراءة حمزة ومن قراءة غيره متوسطة غير خارجة عن آثار من تقدم من الأئمة وكان إمام الناس في القراءة في عصره.
وقال إسماعيل جعفر المدني وهو من كبار أصحاب نافع: ما رأيت أقرأ لكتاب الله تعالى من الكسائي.
قال أبو بكر بن الأنباري: اجتمعت في الكسائي أمور كان أعلم الناس بالنحو، وأوحدهم في الغريب، وأوحد الناس في القرآن، فكانوا يكثرون عنده فيجمعهم ويجلس على كرسي ويتلو القرآن من أوله إلى آخره وهم يسمعون ويضبطون عنه حتى المقاطع والمبادئ.
وقال يحيى بن معين: ما رأيت بعينى هاتين أصدق لهجة من الكسائي.
وَفَاتُهُ:
عاش الكسائي 70 سنة وتوفي بالري - جنوب شرقي طهران - سنة 189 هـ - 805م.
من مراجع البحث:
غاية النهاية في طبقات القراء/ ابن الجزري
هدية العارفين/ الباباني
إبراز المعاني من حرز الأماني/ أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل
تهذيب التهذيب/ابن حجر
ما نسب للشيخ عبد الفتاح القاضي من موقع طريق القرآن
من علماء القراءات
الإمام المقرئ عبد الله بن كثير
اسمه ونسبه:
هو أبو معبد عبد الله بن كثير الطائي مولاهم، الفارسي الأَصل، الداري العطّار، مولى عمرو بن علقمة الكناني، ويقال له الداري العطار، نسبة إلى دارين، وقال البخاري: هو قرشي من بني عبد الدار، وقال أبو بكر بن داود: الدار بطنٌ من لخمٍ، منهم تميم الداري.
مولده:
لقي الإمام ابن كثير بمكة عبد الله ابن الزبير، وأبا أيوب الأنصاري، وأنس بن مالك، ومجاهد بن جبر، ودرباس مولى عبد الله بن عباس وروى عنهم، وأخذ القراءة عرضًا عن عبد الله بن السائب، فيما قطع به الحافظ أبو عمرو الداني وغيره، وضعف الحافظ أبو العلاء الهمذاني هذا القول وقال: إنه ليس بمشهور عندنا. قلت -أي الإمام الجزري-: وليس ذلك ببعيد، فإنه قد أدرك غير واحد من الصحابة وروى عنهم.
وقد روى ابن مجاهد من طريق الشافعي -رحمه الله- النص على قراءته عليه، وعرض أيضًا على مجاهد بن جبير.
تلاميذه:
أشهر تلاميذه راوياه: قنبل؛ وهو محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خالد بن سعيد بن جرجة المكي المخزومي، توفي سنة 291هـ/ 904م، وله ست وتسعون سنة.
وراويه الآخر البزّي، وهو أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بزة بشار الفارسي، كنيته أبو الحسن، توفي سنة 270هـ/ 883م وله ثمانون سنة.
وقد أشار إلى ذلك الإمام الشاطبي بعدما ذكر ابن كثير في مقدمة الشاطبية، فقال:
وروى القراءة عنه أيضًا إسماعيل بن عبد الله القسط، وإسماعيل بن مسلم، وجرر بن حازم، والحارث بن قدامة، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وخالد بن القاسم، والخليل بن أحمد، وسليمان بن المغيرة، وشبل بن عباد، وابنه صدقة بن عبد الله، وطلحة بن عمرو، وعبد الله بن زيد بن يزيد، وعبد الملك بن جريج، وعلي بن الحكم، وعيسى بن عمر الثقفي، والقاسم بن عبد الواحد، وقزعة بن سويد، وقرة بن خالد، ومسلم بن خالد، ومطرف بن معقل، ومعروف بن مشكان، وهارون بن موسى، ووهب بن زمعة، ويعلي بن حكمي، وابن أبي فديك، وابن أبي مليكة، وسفيان بن عيينة.
وفاته:
عاش الإمام ابن كثير 75 سنة، وتوفي في مكة سنة 120هـ/ 738م. قال سفيان بن عيينة: حضرت جنازة ابن كثير الداري سنة عشرين ومائة.
ثناء العلماء عليه:
قال عنه الإمام الجزري: كان فصيحًا بليغًا مفوهًا، أبيض اللحية طويلاً جسيمًا، أسمر أشهل العينين، يخضب بالحناء، عليه السكينة والوقار.
وقال الأصمعي: قلت لأبي عمرو: قرأت على ابن كثير؟ قال: نعم، ختمت على ابن كثير بعدما ختمت على مجاهد، وكان ابن كثير أعلم بالعربية من مجاهد.
وقال ابن مجاهد: ولم يزل عبد الله -أي ابن كثير- هو الإمام المجتمع عليه في القراءة بمكة حتى مات.
المراجع:
- العبر في خبر من غبر ... الذهبي.
- الوافي بالوفيات ... الصفدي.
- وفيات الأعيان ... ابن خلكان.
- غاية النهاية في طبقات القرّاء ... ابن الجزري.
من علماء القراءات
الإمام عبد الله بن عامر الدمشقي
اسْمُهُ وَنَسَبُهُ:
هو الإمام عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة أبو عمران على الأصح وقيل أبو عامر وقيل أبو نعيم...
مَوْلِدُهُ:
8 هـ، 629 م
البَلَدُ التي وُلِدَ فِيهَا:
قال خالد بن يزيد: سمعت عبد الله بن عامر اليحصبي يقول: ولدت سنة ثمان من الهجرة في البلقا بضيعة يقال لها رحاب وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولي سنتان وذلك قبل فتح دمشق وانقطعت إلى دمشق بعد فتحها ولي تسع سنين.
وقد أشار الإمام الشاطبي في مقدمة الشاطبية إلى أن عبد الله بن عامر قد سكن الشام وقد طابت به فقال:
وصفه الناظم بأن دمشق طابت به محللًا أي طاب الحلول فيها من أجله أي قصدها طلاب العلم للرواية عنه والقراءة عليه.
شُيُوخُهُ:
ثبت سماعه من جماعة من الصحابة منهم معاوية بن أبي سفيان والنعمان بن بشير وواثلة بن الأسقع وفضالة بن عبيد...
تَلَامِيذُهُ:
روى القراءة عنه عرضاً يحيى بن عامر وربيعة بن يزيد وجعفر بن ربيعة وإسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر وسعيد بن عبد العزيز وخلاد بن يزيد بن صبيح المري ويزيد بن أبي مالك..
وأشهر تلاميذ الإمام ابن عامر هما:
هشام وذكوان وقد أشار الإمام الشاطبي إليهما بقوله:
قال الشارح:
هذان راويات أخذت عنهما قراءة ابن عامر اشتهر بذلك وكل واحد منهما بينه وبين ابن عامر اثنان فهذا معنى قوله بالإسناد عنه تنقلا أي نقلا القراءة عنه بالإسناد شيئا بعد شيء فتنقل من باب تفهم وتبصر ، أما هشام فهو أبو الوليد هشام بن عمار بن نصير السلمي خطيب دمشق أحد المكثرين الثقات ، مات سنة خمس أو ست وأربعين ومائتين ، قرأ على أيوب بن تميم التميمي وعراك بن خالد المري ، وقرأ على يحيى بن الحارث الذماري ، وقرأ يحيى على بن عامر ، وأما ابن ذكوان فهو عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان القرشي الفهري ، قرأ على أيوب بن تميم أيضا وكان يصلي إماما بجامع دمشق سوى الجمعة ومات سنة اثنتين وأربعين ومائتين أي هشام وعبد الله تنقلا عن ابن عامر القراءة بالإسناد...
مَنْهَجُهُ فِي القِرَاءَةِ:
يقول الشيخ عبد الفتاح القاضي عن منهج الإمام ابن عامر في القراءة:
1 - له ما بين كل سورتين ما لأبي عمرو.
2 - له التوسط في المدين المتصل والمنفصل.
3 - له الهمزة الثانية من الهمزتين الملتقيتين في كلمة (التسهيل والتحقيق) مع الإدخال إذا كانت مفتوحة ، وله التحقيق مع الإدخال إذا كانت مكسورة أو مضمومة . وهذا كله لهشام أما ذكوان فيقرأ كحفص.
4- يغير الهمزة المتطرفة عند الوقف على تفصيل في ذلك يعلم من محله وهذا لهشام وحده.
5 - يدغم من رواية هشام ذال إذ في بعض الحروف نحو (إذ تبرأ الذين أتُّبعُوا) ويدغم من الروايتين الدال في الثاء نحو (ومن يرد ثواب) ، والثاء في التاء (لبثت) و(لبثتم) ، حيث وقعا ، والذال في التاء في (أخذتم) و(أخذت) و(اتخذتم) كيف وقعت.
6 - ويميل من رواية هشام ألف إناه في (غير ناظرين إناه) في الأحزاب ، وألف (ومشارب) في يس ، وألف (عابدون) و(عابد) في الكافرون وألف آنية في (تسقى من عين آنية في الغاشية).
7 - يقرأ من رواية هشام لفظ (إبراهيم) في بعض المواضع بفتح الهاء وألف بعدها.
8 - يميل من رواية ابن ذكوان الألف في الألفاظ الآتية : (جاء) ،(شاء) ، (زاد) حيث وقعت وكيف وردت ، (حمارك) ، (المحراب) ، (إكراههن) ، (كمثل الحمار) ، (والإكرام) ، (عمران).
9 - يقرأ من رواية ابن ذكوان (وإن إلياس) في الصافات بوصل الهمزة.
ثَنَاءُ العُلَمَاءِ عَلَيهِ:
قال أبو علي الأهوازي: كان عبد الله بن عامر إماماً عالماً ثقة فيما أتاه حافظاً لما رواه متقنا لما وعاه عارفاً فهما قيما فيما جاء به صادقاً فيما نقله من أفاضل المسلمين وخيار التابعين وأجله الراوين لا يتهتم في دينه ولا يشك في يقينه ولا يرتاب في أمانته ولا يطعن عليه في روايته صحيح نقله فصيح قوله عاليا في قدره مصيباً في أمره مشهوراً في علمه مرجوعاً إلى فهمه ولم يتعد فيما ذهب إليه الأثر ولم يقل قولا يخالف فيه الخبر...
وَفَاتُهُ:
عاش الإمام عبد الله بن عامر الدمشقي مائة وعشر سنوات وتوفي بدمشق سنة 118 هـ، 736 م رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
من مراجع البحث:
غاية النهاية في طبقات القراء/ ابن الجرزي
معرفة القراء الكبار/ الذهبي
إبراز المعاني من حرز الأماني./ أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل
ما نسب للشيخ عبد الفتاح القاضي من مـوقـع طريق القرآن
هو الإمام العلم أبو محمد خلف بن هشام بن ثعلب بن خلف الأسدي ويقال خلف بن هشام ابن طالب بن غراب البزار بالراء البغدادي، أصله من فم الصِلح بكسر الصاد - على بعد سبعة فراسخ من مدينة واسط العراقية - وهو أحد القراء العشرة وأحد الرواة عن سليم عن حمزة....
مَوْلِدُهُ:
150 هـ، 767 م
البَلَدُ التي وُلِدَ فِيهَا:
ولد في فم الصِلح - بكسر الصاد - على بعد سبعة فراسخ من مدينة واسط العراقية.
أَهَمُّ مَلَامِح شَخْصِيتِهِ وَأَخْلَاقِهِ:
حرصه على العلم منذ صغره وبراعته في القراءة:
قال عنه الإمام ابن الجزري: حفظ القرآن وهو ابن عشر سنين وابتدأ في الطلب وهو ابن ثلاث عشرة وكان ثقة كبيراً زاهداً عابداً عالما، روينا عنه أنه قال أشكل عليَّ باب من النحو فأنفقت ثمانين ألف درهم حتى حفظته أو قال عرفته وروينا عنه أيضاً أنه كان يكره أن يقال له البزار ويقال ادعوني المقري...
وقال الإمام خلف: أتيت سليم بن عيسى لأقرأ عليه، وكان بين يديه قوم وأظنهم سبقوني، فلما جلست قال: بلغني أنك تريد الترفع في القراءة فلست آخذ عليك شيئاً، قال: فكنت أحضر المجلس أسمع ولا يأخذ علي شيئاً، فبكرت يوماً في الغلس، وخرج فقال: من ها هنا يتقدم ويقرأ، فتقدمت واستفتحت بسورة يوسف وهي من أشد القرآن إعراباً، فقال لي: من أنت فما سمعت أقرأ منك فقلت: خلف، فقال لي: فعلتها ما يحل لي أن أمنعك، فكنت أقرأ عليه حتى بلغت يوماً "حم المؤمن" - سورة غافر - فلما بلغت إلى قوله تعالى: (ويستغفرون للذين آمنوا). بكى بكاءً شديداً ثم قال لي: يا خلف ألا ترى ما أعظم حق المؤمن تراه نائماً على فراشه والملائكة يستغفرون له.
شُيُوخُهُ:
له اختيار أقرأ به وخالف فيه حمزة، قرأ على سليم عن حمزة وسمع مالكًا وأبا عوانة وحمّاد بن زيد وأبا شهاب عبد ربه الحناط وأبا الأحوص وشريكًا وحماد بن يحيى الأربح وطائفة، وقرأ أيضًا على أبي يوسف الأعمش لعاصم وأخذ حرف نافع عن إسحاق المسيبي وقراءة أبي بكر عن يحيى بن آدم قرأ عليه أحمد بن يزيد الحلواني وأحمد بن إبراهيم وراقة ومحمد بن يحيى الكسائي الصغير وإدريس بن عبد الكريم الحداد ومحمد بن الجهم وسلمة بن عاصم وخلق سواهم وحدث عنه مسلم في صحيحة وأبو داود في سننه وأحمد بن حنبل وأبو زرعة الرازي وأحمد بن أبي خيثمة ومحمد بن إبراهيم بن أبان السراج وأبو يعلى الموصلي وأبو القاسم البغوي وعدد كثير...
تَلَامِيذُهُ:
وروى القراءة عنه عرضاً وسماعاً أحمد بن إبراهيم وراقه وأخوه إسحاق بن إبراهيم وإبراهيم بن علي القصار وأحمد بن يزيد الحلواني وإدريس بن عبد الكريم الحداد وأحمد بن زهير وأحمد بن محمد البراثي وسلمة بن عاصم وعبد الله بن عاصم شيخ الغضايري وعلي بن الحسين بن سليم ومحمد بن إسحاق شيخ ابن شنبوذ ومحمد بن الجهم ومحمد بن مخلد الأنصاري ومحمد بن عيسى و الفضل بن أحمد الزبيدي وعلي بن محمد بن نازك وإبراهيم بن إسحاق ومحمد بن إبراهيم ومحمد بن سعيد ابن عطاء وموسى بن عيسى وأبو الوليد عبد الملك بن القاسم وعمر بن فايد فيما ذكره الهذلي، قال ابن أشتة كان خلف يأخذ بمذهب حمزة إلا أنه خالفه في مائة وعشرين حرفاً قلت - أي ابن الجزري - : يعني في اختياره...
وأشهر تلاميذ الإمام خلف: إسحاق وإدريس
1 - إسحاق بن إبراهيم بن عثمان بن عبد الله بن المروزي ثم البغدادي الوراق وكنيته أبو يعقوب وهو راوى خلف في إختياره. قرأ على خلف اختياره ، وقام به بعده.
وتوفي 280 هـ، 893 م
2 - إدريس بن عبد الكريم الحداد البغدادي وكنيته أبو الحسن.
قرأ على خلف البزار روايته واختياره ، وعلى محمد بن حبيب الشموني وهو إمام متقن ، سئل عنه الدارقطنى فقال : هو ثقة وفوق الثقة بدرجة، وتوفي 292 هـ، 905 م
مَنْهَجُهُ فِي القِرَاءَةِ:
يقول الشيخ عبد الفتاح القاضي عن منهج الإمام خلف بن هشام في القراءة:
1 - يصل آخر السورة بأول التالية من غير بسملة كحمزة.
2 - يقرأ بتوسط المدين المتصل والمنفصل
3 - يقرأ بنقل حركة الهمزة إلى السين قبلها مع حذف الهمزة في لفظ فعل الأمر من السؤال حيث وقع وكيف ورد إذا كان قبل السين واو نحو ﴿ وسألوا الله من فضله ﴾ أو فاء نحو ﴿ فاسألوا أهل الذكر ﴾.
وعلى جملة قراءته لا تخرج عن قراءة حمزة الكسائي في جميع القرآن إلا في قوله تعالى : ﴿وحرام على قرية ﴾ في الأنبياء فإنه قرأ (وحرام) كحفص. أ. هـ
قال ابن الجزري في متن الدرّة مشيرًا إلى أن القرّاء الثلاثة يتبع كل منهم واحدًا من القرّاء السبعة:
أبو جعفر عنه ابن وردان ناقـل * كذاك ابن جماز سـليمان ذو العلا
ويعقوب قل عنه رويس وروحهم * وإسحاق مع إدريس عن خلف تلا
لثان أبـو عمرو والاول نافـع * وثالثـهم مـع أصلـه قد تأصـلا
ثَنَاءُ العُلَمَاءِ عَلَيهِ:
وثّقة ابن معين والنسائي وقال الدارقطني: كان عابدا فاضلا وقال الحسين بن فهم: ما رأيت أنبل من خلف بن هشام كان يبدأ بأهل القرآن ثم يأذن للمحدثين وكان يقرأ علينا من حديث أبي عوانة خمسين حديثا وورد أن خلفا كان يصوم الدهر...
وقال عنه الزركلي صاحب الأعلام: كان عالما عابدا ثقة.
وَفَاتُهُ:
عاش الإمام خلف بن هشام 79 سنة وتوفي سنة 229 هـ، 844 م، قال يحيى الفحام: رأيت خلف بن هشام في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي.
من مراجع البحث:
غاية النهاية في طبقات القراء/ ابن الجزري
النشر في القراءات العشر/ابن الجزري
الأعلام/. الزركلي
وفيات الأعيان/ ابن خلكان
هو زبان بن العلاء بن عمار بن عبد الله بن الحصين بن الحارث ينتهي إلى معد بن عدنان التميمي المازني المقرئ النحوي أحد القراء السبعة وقيل اسمه العريان وقيل غير ذلك، وقد اختلف في اسمه على عشرين قولاً...
مَوْلِدُهُ:
اختلف في سنة مولده فقيل: سنة ثمان وستين وقيل سنة سبعين وقيل سنة خمس وستين وقيل سنة خمس وخمسين.
البَلَدُ التي وُلِدَ فِيهَا:
ولد ابو عمرو البصري بمكة ونشأ بالبصرة، وتوجه مع أبيه لما هرب من الحجاج فقرأ بمكة والمدينة ، وقرأ بالكوفة و البصرة على جماعات كثيرة...
شُيُوخُهُ:
ليس في القرّاء السبعة أكثر شيوخاً منه، وقد حدّث باليسير عن أنس بن مالك رضي الله عنه، ويحيى بن يعمر، ومجاهد، وأبي صالح السمان، وأبي رجاء العطاردي، ونافع العمري، وعطاء بن أبي رباح، وابن شهاب، وقرأ القرآن على سعيد بن جبير، ومجاهد، ويحيى بن يعمر، وعكرمة، وابن كثير، وطائفة، وورد أنه تلا على أبي العالية الرياحي، وقد كان معه بالبصرة.
تَلَامِيذُهُ:
العباس بن الفضل، وعبد الوارث بن سعيد، وشجاع البلخي، وحسين الجعفي، ومعاذ بن معاذ، ويونس بن حبيب النحوي، وسهل بن يوسف، وأبو زيد الانصاري سعيد بن أوس، وسلام الطويل وعدة.
وحدث عنه: شعبة، وحماد بن زيد، وأبو أسامة، والاصمعي، وشبابة بن
سوار، ويعلى بن عبيد، وأبو عبيدة اللغوي، وآخرون.
وأما أشهر تلاميذه فقد أشار إليهم الإمام الشاطبي بعد أن ذكر شيخَهم أبا عمرو فقال:
أَفَاضَ عَلَى يَحْيَى الْيَزيدِيِّ سَيْبَهُ فَأَصْبَحَ بِالْعَذْبِ الْفُرَاتِ مُعَلَّلاَ
هو أبو محمد يحيى بن المبارك العدوي التميمي وعرف باليزيدي لأنه كان منقطعا إلى يزيد بن منصور خال المهدي يؤدب ولده فنسب إليه ثم اتصل بالرشيد فجعل المأمون في حجره يؤدبه ومات في أيامه سنة اثنتين ومائتين ، ومعنى أفاض أفرغ والسيب العطاء والعذب الماء الطيب والفرات هو العذب ووجه الجمع بينهما التأكيد أراد به صدق العذوية وكمالها.
ثم ذكر الراوي الآخر فقال:
أَبُو عُمَرَ الدُّورِي وَصَالِحُهُمْ أَبُو شُعَيْبٍ هُوَ السُّوسِيُّ عَنْهُ تَقَبَّلاَ
ذكر اثنين ممن قرأ على اليزيدي ، أحدهما أبو عمر حفص بن عمر الأزدي الدوري الضرير نسبة إلى الدور موضع ببغداد بالجانب الشرقي مات سنة ست وأربعين ومائتين ، والثاني أبو شعيب صالح بن زياد السوسي نسب إلى السوس موضع بالأهواز ومات بالرقة سنة إحدى وستين ومائتين في المحرم.
مُؤَلَفَاتُهُ:
قيل: كانت دفاتره ملء بيت إلى السقف، ثم تنسّك فأحرقها.
قال أي: وهذا البدر الثالث أبو عمرو بن العلا البصري المازني من بني مازن بن مالك بن عمرو بن تميم بن مر ، والصريح هو الخالص النسب وليس في السبعة من أجمع على صراحة نسبه غيره.
وقال عنه ابن معين: ثقة.
وقال أبو حاتم: ليس به بأس.
وقال الشيخ شمس الدين: أبو عمرو قليل الرواية للحديث وهو صدوق حجة في القراءة.
وقال أبو عبيدة: أبو عمرو أعلم الناس بالقراءات والعربية والشعر وأيام العرب.
وقال الأصمعي: كان لأبي عمرو كل يوم فلسان فلس يشتري به ريحاناً وفلس يشتري به كوزاً فيشم الريحان يومه ويشرب في الكوز يوومه فإذا أمسى تصدق بالكوز وأمر الجارية أن تجفف الريحان وتدقه في الأشنان ثم يستجد غير ذلك في كل يوم.
وقال عنه الذهبي: برز في الحروف - أي القراءات - وفي النحو، وتصدر للافادة مدة، واشتهر بالفصاحة والصدق وسعة العلم.
وقال أبو عمرو الشيباني: ما رأيت مثل أبي عمرو.
وأورد الإمام الجزري عن الأخفش قال: مرّ الحسن بأبي عمرو وحلقته متوافرة والناس عكوف فقال من هذا فقالوا أبو عمرو فقال لا إله إلا الله كادت العلماء أن تكون أرباباً كل عز لم يؤكد بعلم فإلى ذل يؤول.
من كراماته:
عن الإمام عبد الوارث: قال حججت سنة من السنين مع أبي عمرو بن العلاء وكان رفيقي فمررنا ببعض المنازل فقال قم بنا فمشيت معه فأقعدني عند ميل وقال لي لا تبرح حتى أجيك وكان منزل قفر لا ماء فيه فاحتبس عليّ ساعة فاغتممت قفمت أقفيه الأثر فإذا هو في مكان لا ماء فيه فإذا عين وهو يتوضأ للصلاة فنظر إليّ فقال يا عبد الوارث أكتم علي ولا تحدث بما رأيت أحداً فقلت نعم يا سيد القراء قال عبد الوارث فو الله ما حدثت به أحداً حتى مات.
وعن سفيان بن عيينة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت يا رسول الله قد اختلفت على القراءات فبقراءة من تأمرني أن أقرأ؟ فقال: اقرأ بقراءة أبي عمرو بن العلاء.
وعن أبي عبيد القاسم بن سلام قال: حدثني شجاع بن أبي نصر وكان صدوقاً قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فعرضت عليه أشياء من قراءة أبي عمرو فما رد علي إلا حرفين...
مَنْهَجُهُ فِي القِرَاءَةِ:
يقول الشيخ عبد الفتاح القاضي عن منهج الإمام أبي عمرو البصري في القراءة:
1 - له بين كل سورتين البسملة ، السكت ، الوصل ، سوى الأنفال وبراءة فله القطع ، السكت ، الوصل ، وكل منها بلا بسملة .
2 - له من رواية السوسي إدغام المتماثلين نحو الرحيم ملك ، والمتقاربين نحو وشهد شاهد ، والمتجانسين نحو ربكم أعلم بكم بشروط خاصة.
3 - له في المد المتصل التوسط من الروايتين ، وله في المد المنفصل القصر والتوسط من رواية الدوري ، والقصر فقط من رواية السوسي.
4 - يسهل الهمزة الثانية من الهمزتين الواقعتين في كلمة مع إدخال ألف بينهما.
5 - يسقط الهمزة الأولى من الهمزتين الواقعتين في كلمتين المتفقتين في الحركة وبغير الهمزة الثانية من المختلفتين كما يغيرها ابن كثير.
6 - يبدل الهمزة الساكنة من رواية السوسي نحو { المؤمنون }، { الذنب }، { اطمأننتم }، سوى ما استثناه له أهل الأداء.
7 - يدغم ذال إذ في حروف مخصوصة نحو { إذ دخلوا } ، ودال في حروف معينة نحو { فقد ظلم }، وتاء التأنيث في بعض الحروف نحو {كذبت ثمود} ، ولام هل في { هل ترى من فطور } بالملك،{ هل ترى لهم من باقية } بالحاقة ، ويدغم بعض الحروف الساكنة في بعض الحروف القريبة منها في المخرج نحو {نبذتها} ، {عذت} ، {ومن يرد ثواب}.
8 - يقلل الألفات من ذوات الياء إذا كانت الكلمة التي فيها الألف على وزن فعلى بفتح الفاء نحو { السلوى } ، أو كسرها نحو { سيماهم } ، أوضحها نحو { المثلى } ، ويميل الألفات من ذوات الياء إذا وقعت بعدراء نحو {اشترى} ، {الذكرى}، {النصارى} ويميل الألفات التي وقع بعدها راء مكسورة متطرفة نحو {على أبصارهم} ، {من ديارهم} . ويميل الألف التي وقعت بين راءين الثانية منهما متطرفة مكسورة نحو { إن كتاب الأبرار } { من الأشرار }. ويميل ألف لفظ الناس المجرور من رواية الدوري.
9 - يقف على التاءات التي رسمت في المصاحف تاء بالهاء نحو { بقيت الله خير لكم } { إن شجرة الزقوم }.
10 - بفتح ياءات الإضافة التي بعدها همزة قطع مفتوحة نحو إني أعلم أو مكسورة نحو { فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده } ، والتي بعدها همزة وصل مقرونة بلام التعريف نحو { لا ينال عهدي الظالمين }، والتي بعدها همزة وصل مجردة عن لام التعريف نحو { هارون أخي أشدد } . على تفصيل يعلم من كتب الفن.
11 - يثبت بعض ياءات الزوائد وصلاً نحو { أجيب دعوة الداع إذا دعان } { ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام }.
مِنْ كَلِمَاتِهِ الخَالِدَةِ:
- كن على حذر من الكريم إذا أهنته، ومن اللئيم إذا أكرمته، ومن العاقل إذا أحرجته، ومن الاحمق إذا مازحته، ومن الفاجر إذا عاشرته.
- ليس من الادب أن تجيب من لا يسألك، أو تسأل من لا يجيبك، أو تحدث من لا ينصت لك.
وَفَاتُهُ:
عاش الإمام أبو عمرو البصري حوالي 85 سنة وتوفي بمكة سنة 154 هـ، 771 م.
قال أبو عمرو الأسدي: لما أتى نعي أبي عمر أتيت أولاده فعزيتهم عنه فأني لعندهم إذ أقبل يونس بن حبيب فقال نعزيكم وأنفسنا بمن لا نرى شبها له آخر الزمان والله لو قسم علم أبي عمرو وزهده على مائة إنسان لكانوا كلهم علماء زهاداً والله لو رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم لسره ما هو عليه.
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
من مراجع البحث:
غاية النهاية في طبقات القراء/ ابن الجزري
سير أعلام النبلاء/ الذهبي
الوافي بالوفيات/ الصفدي
إبراز المعاني من حرز الأماني/ أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل
ما نسب للشيخ عبد الفتاح القاضي من مـوقـع طريق القرآن
هو يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق، أبو محمد الحضرمي مولاهم، البَصْرِيُّ، أحد القُرَّاء العشرة، وإمام أهل البصرة. وُلِد بالبصرة سنة (117هـ/ 735م).
شيوخه:
إسناده في القراءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قرأ يعقوب الحضرمي على سلام بن سليمان الطويل، وقرأ سلام على عاصم بن أبي النجود، وقرأ عاصم على أبي عبد الرحمن السلمي، وقرأ أبو عبد الرحمن على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقرأ عليٌّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقرأ أيضًا على أبي الأشهب العطاردي، ومهدي بن ميمون، وشهاب بن شُرْنُفَة، وسمع من حمزة الزيات، وشعبة، وهارون بن موسى النحوي، وسليم بن حيان، وهمام بن يحيى، وزائدة، وأبي عقيل الدَّوْرَقِيِّ، والأسود بن شيبان، وبرع في الإقراء.
تلاميذه:
قرأ عليه رَوْحُ بن عبد المؤمن، ومحمد بن المتوكل رُوَيْسٌ، والوليد بن حسان، وأحمد بن عبد الخالق المكفوف، وأبو حاتم السِّجِسْتاني، وأبو عمر الدُّوري، وخلق سواهم. وممن حدَّث عنه أبو حفص الفَلاَّس، وأبو قلابة الرَّقاشي، وإسحاق بن إبراهيم شاذان، ومحمد بن يونس الكُدَيْمِيُّ.
مؤلفاته:
كتاب (الجامع)، قال الزبيدي: "جمع فيه عامة اختلاف وجوه القرآن، ونسب كل حرف إلى مَن قرأه". و(وجوه القراءات)، وكتاب (وقف التمام).
وفي المخطوطات الإسلامية بمكتبة كمبردج (276) تهذيب قراءة أبي محمد يعقوب بن إسحاق - مخطوط في 30 ورقة.
منهجه في القراءة:
يقول الشيخ عبد الفتاح القاضي عن منهج يعقوب الحضرمي في القراءة:
1- له ما بين كل سورتين ما لأبي عمرو من الأوجه.
2- يقرأ من رواية رويس لفظ ( الصراط ) كيف وقع في القرآن معرفًا أو منكرًا بالسين.
3- قرأ بضم هاء كل ضمير جمع مذكر إذا وقعت بعد الياء الساكنة نحو: (فيهم، عليهم)، وبضم كل هاء ضمير جمع مؤنث إذا وقعت بعد الياء الساكنة نحو: (عليهن، فيهن). ويقرأ من رواية رويس بضم هاء ضمير الجمع إذا وقعت بعد ياء ساكنة ولكن حذفت الياء لعارض جزم أو بناء، نحو: { أوَ لم يكفهم }، { فاستفتهم }.
4- يقرأ الإدغام كالسوسي في بعض الحروف المتماثلة نحو: { والصاحب بالجنب } بالنساء، { لا قبل لهم بها } بالنمل، { أتمدونن بمال } بالنمل.
5- يقرأ من رواية رويس باختلاس هاء الكناية - أي النطق بالهاء مكسورة كسرًا كاملاً من غير إشباع - في لفظ { بيده } حيث وقع.
7- يقرأ من رواية رويس بتسهيل ثاني الهمزتين من غير إدخال ألف.
8- يقرأ من رواية رويس بتسهيل ثاني الهمزتين من كلمتين متفقتين في الحركة، أما المختلفتان فيها فيقرأ بتغيير ثانيهما كما يقرأ عمرو.
9- يقف على هذه الألفاظ بهاء السكت: ( فيم، عم، مم، لم، بم، هو، هي، عليهن، لدى، إلى، يا أسفى، يا حسرتا، ثم).
10- يسكن بعض ياءات الإضافة، ويفتح بعضها.
11- يثبت الياءات الزائدة في رءوس الآي وصلاً ووقفًا نحو: { فلا تفضحون }، { فلا تستعجلون }. كما يثبت غيرها مما لم يكن في رءوس الآي.
12- يقرأ { أن القوة لله جميعًا }، { وأن الله شديد العذاب } بكسر همزة (إن) في الموضعين.
13- يقرأ { نرفع درجات من نشاء } بالياء في (يرفع، يشاء) بدلاً من النون فيهما.
14- يقرأ { فيسبوا الله عَدْوًا } في الأنعام بضم العين والدال وتشديد الواو المفتوحة.
15- يقرأ { من قبل أن يُقْضَى إليك وحيُه } في طه بالنون المفتوحة في موضع الياء المضمومة، مع كسر الضاد ونصب الياء في ( نَقْضِيَ )، ونصب الياء في ( وحيَه ).
16 - يقرأ { وكلمةُ الله هي العليا } في (التوبة) بنصب التاء.
ثناء العلماء عليه:
قال أبو حاتم السجستاني: "يعقوب بن إسحاق من أهل بيت العلم بالقرآن والعربية وكلام العرب والرواية الكثيرة والحروف والفقه، وكان أقرأَ القُرَّاء، وكان أعلم من أدركنا ورأينا بالحروف والاختلاف في القرآن وتعليله، ومذاهب أهل النحو في القرآن، وأروى الناس لحروف القرآن وحديث الفقهاء". وقال ابن أبي حاتم: "سُئِل أحمد بن حنبل عنه فقال: صدوق". وقال ابن الجزري: "وكان يعقوب من أعلم أهل زمانه بالقرآن والنحو وغيره، وأبوه وجَدُّه".
وفاته:
عاش الإمام يعقوب الحضرمي 88 سنة، وتُوفِّي بالبصرة سنة (205هـ/ 821م). رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته.
المراجع:
- غاية النهاية في طبقات القراء.. ابن الجرزي.
- معرفة القراء الكبار.. الذهبي.
- إبراز المعاني من حرز الأماني.. أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل.
هو أبو محمد القاسم بن فيرة بن أحمد الشاطبي الرعيني (نسبة إلى ذي رعين أحد أقيال اليمن). والشاطبي: بفتح الشين المعجمة وبعد الألف طاء مكسورة مهملة وبعدها باء موحدة، هذه النسبة إلى شاطبة، وهي مدينة كبيرة ذات قلعة حصينة بشرق الأندلس، خرج منها جماعة من العلماء، استولى عليها الفرنج في العشر الأخير من شهر رمضان، سنة خمس وأربعين وستمائة.
ولد عام 538 هـ في مدينة شاطبة بالأندلس،كف بصره صغيرًا، وعنيت به أسرته، فحفظ القرآن الكريم، وتعلم طرفًا من الحديث والفقه، واتجه إلى حلقات العلم التي كانت تعقد في مساجد شاطبة، ومالت نفسه إلى علم القراءات، فتلقاها على أبي عبد الله محمد بن أبي العاص النفزي، ثم شد رحاله إلى بلنسية وكانت من حواضر العلم في الأندلس. وممن كناه أبا القاسم كالسخاوي وغيره، لم يجعل له اسماً سواها. والأكثرون على أنه أبو محمد القاسم.
قرأ الشاطبي على ابن هزيل، وسمع الحديث منه ومن أبي عبد الله محمد بن أبي يوسف بن سعادة، وأبي محمد عاشر بن محمد بن عاشر، وأبي محمد عبد الله بن أبي جعفر المرسي، ودرس كتاب سيبويه، والكامل للمبرد وأدب الكاتب لابن قتيبة على أبي عبد الله محمد بن حميد، ودرس التفسير على أبي الحسن بن النعمة، صاحب كتاب "ري الظمآن في تفسير القرآن".. واستقر الشاطبي بالإسكندرية فترة من الزمن تلقى فيها الحديث عن الحافظ السلفي.
رحيل الشاطبي إلي القاهرة:
رحل الإمام الشاطبي إلى الحج، وهو في طريقه إلى الأراضي الحجازية نزل الإسكندرية، حيث الحافظ أبي طاهر السلفي، وكانت شهرته في الحديث قد عمت "الآفاق" ويشد إليه العلماء الرحال من الشرق والمغرب يتتلمذون على يديه، فاستقر الشاطبي بالإسكندرية فترة من الزمن تلقى فيها الحديث عن الحافظ السلفي، ثم استكمل طريقة إلى الحجاز لأداء مناسك الحج، وفي طريق العودة دخل مصر وكانت تحت حكم الأيوبيين؛ فأكرم "القاضي الفاضل" وفادته وأحسن استقباله وعرف مكانته، وأنزله مدرسته التي بناها بدرب الملوخية بالقاهرة، وجعله شيخًا لها.
طابت للشاطبي الحياة بالقاهرة فاستوطنها واستقر بها، وجلس للإقراء والتعليم، فطارت شهرته في الآفاق، وأقبل عليه الطلاب من كل مكان، وكان الشيخ إمامًا متقنًا في علمه، متبحرًا في فنه، آية في الفهم والذكاء، حافظًا للحديث بصيرًا باللغة العربية، إمامًا في اللغة، مع زهد ودين وورع وإخلاص، زاده هيبة وإجلالا، وأسبغ عليه الاشتغال بالقرآن نورًا كسا وجهه وألقى محبة له في القلوب.
ولما فتح الله على الناصر صلاح الدين الأيوبي باسترداد مدينة بيت المقدس -رد الله غربتها- سنة (583هـ= 1187م) توجه إليها الشاطبي فزاره سنة (589هـ= 1193م)، ثم رجع فأقام بالمدرسة الفاضلية وأقام بها يقرئ الناس ويعلمهم.
تلامذته:
ظل الشاطبي في القاهرة يقيم حلقته في مدرسته، ويلتف حوله تلاميذه النابهون من أمثال أبي الحسن على بن محمد السخاوي، وكان أنبغ تلاميذه، وانتهت إليه رئاسة الإقراء بعد شيخه، وأبي عبد الله محمد بن عمر القرطبي، وأبي عمرو عثمان بن عمر بن الحاجب وغيرهم كثير.
وقد حدث عنه: أبو الحسن بن خيرة، ومحمد بن يحيى الجنجالي، وأبو بكر بن وضاح، وأبو الحسن علي بن الجميزي، وأبو محمد بن عبد الوارث قارئ مصحف الذهب.
وقرأ عليه بالسبع: أبو موسى عيسى بن يوسف المقدسي، وعبد الرحمن بن سعيد الشافعي، وأبو عبد الله محمد بن عمر القرطبي، والزين أبو عبد الله الكردي، والسديد عيسى بن مكي، والكمال علي بن شجاع، وآخرون.
تعود شهرة الشاطبي رحمه الله إلى منظومته "حزر الأماني ووجه التهاني" في القراءات السبع، وهي قراءات نافع إمام أهل المدينة، وابن كثير إمام أهل مكة، وأبي عمرو بن العلاء بن العلاء إمام أهل البصرة، وعاصم وحمزة والكسائي أئمة أهل الكوفة، وابن عامر إمام أهل الشام. وجاء عنه قال: لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلا وينفعه الله، لأنني نظمتها لله.
ومتن الشاطبية، ذلك النظم المدهش، نجد الشاطبي لم يكتف بالقراءات فحسب، بل ضمن منظومته العديد من الفوائد النحوية، واللغوية، والإشارت الوعظية، والاقتباسات الحديثية.
والشاطبية قصيدة لامية اختصرت كتاب "التيسير في القراءات السبع" للإمام أبي عمرو الداني المتوفى سنة (444هـ= 1052م)، وقد لقيت إقبالا منقطع النظير، ولا تزال حتى يومنا هذا العمدة لمن يريد إتقان القراءات السبع، وظلت موضع اهتمام العلماء منذ أن نظمها الشاطبي رواية وأداء، وذلك لإبداعها العجيب في استعمال الرمز وإدماجه في الكلام، حيث استعمله عوضًا عن أسماء القراء أو الرواة، فقد يدل الحرف على قارئ واحد أو أكثر من واحد، وهناك رموز ومصطلحات في المنظومة البديعة، لا يعرفها إلا من أتقن منهج الشاطبي وعرف مصطلحه، وقد ضمّن في مقدمة المنظومة منهجه وطريقته، ومن أبياتها:
جزى الله بالخيرات عنا أئمة لنا *قلوا القرآن عذبًا وسلسلا
فمنهم بدور سبعة قد توسطت*سماء العلا والعدل زهر وكُمَّلا
لها شهب عنها استنارت فنورت* واد الدجى حتى تفرق وانجلا
ولم يحظ كتاب في القراءات بالعناية التي حظيت بها هذه المنظومة، حيث كثر شُراحها وتعددت مختصراتها، ومن أشهر شروح الشاطبية:
• فتح الوصيد في شرح القصيد لـ "علم الدين السخاوي"، المتوفى سنة (643هـ= 1245م
• وإبراز المعاني من حرز التهاني لـ "أبي شامة"، المتوفى (665هـ= 1266م.
• وكنز المعاني في شرح حرز الأماني ووجه التهاني لـ "الجعبري"، المتوفى سنة (_732هـ=1331م.
• وسراج القارئ المبتدئ وتذكار المقرئ المنتهي لـ "ابن القاصح"، المتوفى (801هـ= 1398م
• وتقريب النفع في القراءات السبع للشيخ "علي محمد الضياع"، شيخ عموم المقارئ المصرية.
وقد حصر أحد الباحثين المغاربة أكثر من مائة عمل ما بين شرح للشاطبية وحاشية على الشرح. وللشاطبي منظومتان معروفتان هما:
• عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد، وهي في بيان رسم المصحف.
• وناظمة الزهرة في أعداد آيات السور.
كان الشاطبي رحمه الله إماماً ثبتاً حجةً في علوم القرآن والحديث واللغة كما كان آية من آيات الله في حدة الذهن، وحصافة العقل، وقوى الإدراك، وكان مثلاً أعلى في الصبر والاستسلام لله تعالى والخضوع لحكمه، وكان إذا سئل عن حاله لا يزيد على أن يقول: العافية
. وكان عالما بكتاب الله تعالى قراءة وتفسيرا، وبحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مبرزا فيه، وكان إذا قرئ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ تصحح النسخ من حفظه، ويملي النكت على المواضع المحتاج إليها، وكان أوحدا في علم النحو واللغة، عارفا بعلم الرؤيا، حسن المقاصد، مخلصا فيما يقول ويفعل.
وقرأ القرآن الكريم بالروايات على أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد بن أبي العاص النفزي المقري وأبي الحسن علي بن محمد بن هذيل الأندلسي، وسمع الحديث من أبي عبد الله محمد بن يوسف بن سعادة وأبي عبد الله محمد بن عبد الرحيم الخزرجي وأبي الحسن ابن هذيل والحافظ أبي الحسن ابن النعمة البلنسي، وغيرهم وانتفع به خلق كثير، وأدركت من أصحابه جمعا كثيرا بالديار المصرية.
وكان يجتنب فضول الكلام ولا ينطق إلا على طهارة في هيئة حسنة وتخشع واستكانة، وكان يعتل العلة الشديدة فلا يشتكي ولا يتأوه، وإذا سئل عن حاله قال: العافية، لا يزيد على ذلك. وكان يتوقد ذكاءً. له الباع الأطول في فن القراءات والرسم والنحو والفقه والحديث، وله.
كان الإمام الشاطبي كثيرالفنون، واسع العلوم، متبحرًا في علوم الشريعة واللسان العربي، فقد كان الشاطبي إمامًا في القراءات والتفسير ـ كما ذكرنا ـ وكذالك في النحو واللغة، والحديث، والتفسير، كما كان أديبًا شاعرً... وعمومًا فقد أخذ الشاطبي ـ رحمه الله ـ من كل فن بطرف وشارك في أغلب علوم عصره، وكان رحمه الله قد اجتمعت فيه مقومات الاجتهاد الفقهي الخاص، إذا كان حافظًا مقرئًا نحويًا فقيهً، ومع ذلك فقد انتسب إلى أحد المذاهب الفقهية السنية، وقد اختلف المؤرخون والعلماء في مذهب الشاطبي، فذكر ابن الصلاح، وتاج الدين الأسنوي أنه كان شافعيً، وقد وضعوه في طبقات الشافعية، لكننا وجدناه عند (ابن فرحون) يذكره في طبقات المالكية، وابن الملقن..، ونحن أمام هذا التعارض لا يسعنا إلا التوفيق بين الرأيين، فنقول أنه كان في أول أمره مالكيًا ( وذلك في فترة حياته بالأندلس)، أما بعد قدومه مصر فقد سلك المذهب الشافعي..
وهذا على عكس مذهبه العقدي، إذ على الرغم من أن أحدًا ممن ترجم له لم يفصل الأمر في عقيدته، إلا أن هناك إشارات في طبقات الشافعية تظهر أنه كان أشعريً، وانتساب الشاطبي إلى الأشاعرة ليس مستغربً، فمذهب أبي الحسن الأشعري كان قد انتشر في المغرب على يد
( القلانسي ) في تلك الفترة، كما انتشر بعد ذلك في مصر في عهد صلاح الدين الأيوبي، بعد إسقاطه الحكم الشيعي فيه.
آراء العلماء فيه:
هذا وقد أفاض العديد من العلماء في الحديث عنه: فنجد ابن خلكان يتحدث عنه في وفيات الأعيان فيذكر عنه: صاحب القصيدة التي سماها حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات، وعدتها ألف ومائة وثلاثة وسبعون بيتا، ولقد أبدع فيها كل الإبداع، وهي عمدة قراء هذا الزمان في نقلهم، فقل من يشتغل بالقراءات إلا ويقدم حفظها ومعرفتها، وهي مشتملة على رموز عجيبة وإشارات خفية لطيفة، وما أظنة سبق إلى أسلوبها، وقد روي عنه أنه كان يقول: لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلا وينفعه الله عز وجل بها، لأني نظمتها لله تعالى مخلصا في ذلك. ونظم قصيدة دالية في خمسمائة بيت من حفظها أحاط علما بكتاب التمهيد لابن عبد البر.
وللذهبي في ( سير أعلام النبلاء): الشيخ الإمام، العالم العامل، القدوة، سيد القراء، أبو محمد، وأبو القاسم القاسم بن فيره بن خلف بن أحمد الرعيني، الأندلسي، الشاطبي، الضرير، ناظم الشاطبية والرائية.
وذكره أبو عمرو بن الصلاح في طبقات الشافعية.
وتلا ببلده بالسبع على أبي عبد الله بن أبي العاص النفري، ورحل إلى بلنسية، فقرأ القراءات على أبي الحسن بن هذيل، وعرض عليه التيسير، وسمع منه الكتب، ومن أبي الحسن ابن النعمة، وأبي عبد الله ابن سعادة، وأبي محمد بن عاشر، وأبي عبد الله بن عبد الرحيم، وعليم بن عبد العزيز. وارتحل للحج، فسمع من أبي طاهر السلفي، وغيره.
قال الأبار: تصدر بمصر، فعظم شأنه، وبعد صيته، انتهت إليه رياسة الإقراء، وتوفي بمصر في الثامن والعشرين من جمادى الآخرة سنة تسعين وخمس مائة.
قلت: وله أولاد رووا عنه منهم أبو عبد الله محمد.
وكان إذا قرئ عليه الموطأ والصحيحان، يصحح النسخ من حفظه، حتى كان يقال: إنه يحفظ وقر بعير من العلوم.
قال ابن خلكان: قيل: اسمه وكنيته واحد، ولكن وجدت إجازات أشياخه له: أبو محمد القاسم. وكان نزيل القاضي الفاضل فرتبه بمدرسته لإقراء القرآن، ولإقراء النحو واللغة، وكان يتجنب فضول الكلام، ولا ينطق إلا لضرورة، ولا يجلس للإقراء إلا على طهارة.
المقري ( نفح الطيب): " كان إمامًا عالمً، ذكيًا كثير الفنون، منقطع القرين، رأسًا في القراءات، حافظًا للحديث "
و قال ابن الصلاح في طبقاته: " كان أحد القراء المجودين، والعلماء المشهورين، والصلحاء الورعين، صنف هذه القصيدة التي لم يُسبق إلى مثلها، ولم يلحق بما يقاربه، (يقصد المنظومة )، قرأ عليه الأعيان والأكابر،ولم يكن بمصر في زمنه مثله في تعدد فنتونه وكثرة محفوظه "
ـ كما ذكره الحموي فقال: " كان رجلاً صالحًا صدوقًا في القول، مجدًا في الفعل، ظهرت عليه كرامات الصالحين.."
ورثاه الجعبري ( عن كنز المعاني في شرح حرز الأماني ) فقال:
إمامٌ فريد بارع متورع... صبورٌ طهورٌ ذي عفاف مؤيـد
زكا علمه فاختاره الناس قدوةً... فكم عالم من دره متقلد
هنيئًا ولي الله بالخلد ثاويُ... بعيش رغيد في ظلال مؤبد
عليك سلام الله حيًا وميتً.... وحييت بالإكرام يا خير مرشد
ـ وعن مؤلفاته، قال ابن الجزري: " ومن وقف على قصيدته علم مقدار ما آتاه الله في ذلك، خصوصًا اللامية ( يقصد حرزالأماني) التي عجز البلغاء من بعده عن معارضتها،فإنه لا يعرف مقدارها إلا من نظم على منوالها ( نظم ابن الجزري على منوالها ) أو قابل بينها وبين ما نظم على طريقه، ولقد رزق هذا الكاتب من الشهرة والقبول ما لاأعلمه لكاتب غيره في هذا الفن، فإنني لا أحسب أن بلدًا من بلاد الإسلام يخلو منه. بل لا أظن أن بيت طالب علم يخلو من نسخة به "
كان الإمام الشاطبي كثير الفنون، واسع العلوم، متبحرًا في علوم الشريعة واللسان العربي، فقد كان الشاطبي إمامًا في القراءات والتفسير ـ كما ذكرنا ـ وكذالك في النحو واللغة، والحديث، والتفسير، كما كان أديبًا شاعرً... وعمومًا فقد أخذ الشاطبي ـ رحمه الله ـ من كل فن بطرف وشارك في أغلب علوم عصره، وكان رحمه الله قد اجتمعت فيه مقومات الاجتهاد الفقهي الخاص، إذا كان حافظًا مقرئًا نحويًا فقيهً، ومع ذلك فقد انتسب إلى أحد المذاهب الفقهية السنية، وقد اختلف المؤرخون والعلماء في مذهب الشاطبي، فذكر ابن الصلاح، وتاج الدين الأسنوي أنه كان شافعيً، وقد وضعوه في طبقات الشافعية، لكننا وجدناه عند (ابن فرحون) يذكره في طبقات المالكية، وابن الملقن..، ونحن أمام هذا التعارض لا يسعنا إلا التوفيق بين الرأيين، فنقول أنه كان في أول أمره مالكيًا ( وذلك في فترة حياته بالأندلس)، أما بعد قدومه مصر فقد سلك المذهب الشافعي..
وهذا على عكس مذهبه العقدي، إذ على الرغم من أن أحدًا ممن ترجم له لم يفصل الأمر في عقيدته، إلا أن هناك إشارات في طبقات الشافعية تظهر أنه كان أشعريً، وانتساب الشاطبي إلى الأشاعرة ليس مستغربً، فمذهب أبي الحسن الأشعري كان قد انتشر في المغرب على يد ( القلانسي ) في تلك الفترة، كما انتشر بعد ذلك في مصر في عهد صلاح الدين الأيوبي، بعد إسقاطه الحكم الشيعي فيه.
وله ـ رحمه الله ـ شعر كثير، يدور في الحكمة، وإن كان من الشعر الجزل الصعب، الذي يحتاج إلى بصر وحسن استخراج واستنباط، كما قال الحموي ( معجم الأدباء) عن شعره: " عقد صعب لا يكاد يفهم! "
ظل الشاطبي في القاهرة يقيم حلقته في مدرسته، ويلتف حوله تلاميذه النابهون من أمثال أبي الحسن على بن محمد السخاوي، وكان أنبغ تلاميذه، وانتهت إليه رئاسة الإقراء بعد شيخه، وأبي عبد الله محمد بن عمر القرطبي، وأبي عمرو عثمان بن عمر بن الحاجب وغيرهم كثير. ولم تطل بالشاطبي الحياة، حيث تُوفي وعمره اثنان وخمسون عامًا في (28 من جمادى الآخرة 590هـ= 20 من يونيو 1194م)، ودفن في تربة القاضي الفاضل بالقرب من سفح جبل المقطم بالقاهرة. رحمه الله وجزاه عما قدم لهذا العلم خير الجزاء.
المصادر:
ابن الجزري: غاية النهاية في طبقات القراء ـ تحقيق ج برحستراسر ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ (1402 هـ= 1982م).
شمس الدين الذهبي: معرفة القراء الكبار ـ تحقيق بشار عواد معروف وآخرين ـ مؤسسة الرسالة بيروت ـ بدون تاريخ.
عبد الوهاب السبكي: طبقات الشافعية الكبرى ـ تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو، ومحمود محمد الطناجي ـ هجر للطباعة والنشر والتوزيع ـ القاهرة ـ (1413 هـ= 1992م).
ابن خلكان: وفيات الأعيان ـ تحقيق إحسان عباس ـ دار صادر ـ بيروت ـ (1398هـ= 1978م).
الإسنوي: طبقات الشافعية ـ تحقيق عبد الله الجبوري ـ رئاسة ديوان الأوقاف ـ بغداد ـ 1391م.
أحمد اليزيدي: الجعبري ومنهجه في كنز المعاني في شرح حرز الأماني ـ وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية ـ الرباط ـ (1419هـ= 1998م).
شوقي ضيف: عصر الدول والإمارات (مصر ـ سوريا) دار المعارف ـ القاهرة ـ 1984م.
الإمام الشاطبي.. (سيد القراء) ـ إبراهيم الجرمي ـ سلسلة أعلام المسلمين ـ دار القلم دمشق ـ 2000.