الحرب في الإسلام.. دعوة/محمد صفوت نور الدين

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,784
التفاعل
17,901 114 0
الحرب في الإسلام.. دعوة

محمد صفوت نور الدين

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على خير خلقه، محمد وآله وصحبه.. وبعد:

فالإسلام دين الله القويم، الذي بعث به خير الخلق أجمعين، وأتمه ورضيه لعباده المؤمنين دينا، ولا يقبل دينا سواه، فأحكم الله سبحانه شرعه وجعله في كل تفاصيله وجزئياته دعوة لخلقه، فالأذان والصلاة والزكاة والجهاد كله دعوة تبين محاسن الإسلام وتيسر على الناس الدخول فيه؛ لذا أردت أن أجمع كلمات من بعض غزوات المسلمين في غزو الروم والفرس في حياة الصديق والفاروق تبين تلك الكلمات هدف هذه الحروب، وإن الحديث الذي صح عن أبي هريرة وجابر عند البخاري ومسلم من قوله صلى الله عليه وسلم: " الحرب خدعة " يطبق في بعض الحروب، إلا أن هدف الدعوة يتضح من كل جزئيات وتفاصيل وأعمال وسلوك المجاهدين في حربهم؛ لذا كانت الحقيقة أن "الحرب دعوة".

وهذا تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لجيشه في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه: عن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّرَ أميرا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله عز وجل ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: " اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا فلا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال - أو خلال – فأيتهّن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك، فلهم ما للمهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه صلى الله عليه وسلم، فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا ".

عبادة المجاهدين في الميدان:

قال ابن كثير: أصيب من المسلمين رجال لا يعلمهم إلا الله ، فإنه بهم عالم، كانوا يُدوون بالقرآن إذا جن عليهم الليل كدوي النحل، وهم آساد في النهار، لا تشبههم الأسود، ولم يفضل من مضى منهم من بقي إلا بفضل الشهادة التي لم تكتب لهم.
ووصف رجل من النصارى حال المسلمين؛ يُحدّث بذلك بطْريق الروم، وقد أرسله ينظر حالهم، فقال: جئتكم من عند رجال دقاق، يركبون خيلا عتاقا، أما الليل فرهبان، وأما النار ففرسان، يريشون بالنبل ويبرونها ويثقفون القنا، لو حدثت جليسك حديثا ما فهمه عنك لما علا من أصواتهم بالقرآن والذكر، فلما سمع بطْريق الروم ذلك قال لأصحابه: أتاكم منهم ما لا طاقة لكم به.

بين خالد وجرجة:

خرج جرجة أحد أمراء الجند الكبار من الصف يوم اليرموك واستدعى خالد بن الوليد، فجاء إليه حتى اختلفت أعناق فرسيهما، فقال جرجة: يا خالد، أخبرني فأصدقني ولا تكذبني، فإن الحر لا يكذب، ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع المسترسل بالله، هل أنزل الله على نبيكم سيفا من السماء فأعطاكه فلا تسله على أحد إلا هزمتهم؟ قال: لا، قال: فبم سميت سيف الله؟ قال: إن الله بعث فينا نبيه فدعانا فنفرنا منه ونأينا عنه جميعا، ثم إن بعضنا صدقه وتابعه، وبعضنا كذبه وباعده، فكنت فيمن كذبه وباعده، ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به وبايعناه، فقال لي: "أنت سيف من سيوف الله سله الله على المشركين"، ودعا لي بالنصر، فسميت سيف الله بذلك، فأنا من أشد المسلمين على المشركين. فقال جرجة: يا خالد، إلامَ تدعون؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، والإقرار بما جاء به من عند الله عز وجل، قال: فمن لم يجبكم؟ قال: فالجزية ونمنعهم. قال: فإن لم يعطها، قال: نؤذنه بالحرب، ثم نقاتله. قال: فما منزلة من يجيبكم ويدخل في هذا الأمر اليوم؟ قال: منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا، شريفنا ووضيعنا وأولنا وآخرنا. قال جرجة: فلمن دخل فيكم اليوم من الأجر ما لكم من الأجر والذخر؟ قال: نعم وأفضل. قال: وكيف يساويكم وقد سبقتموه؟ فقال خالد: إنا قبلنا هذا الأمر عنوة وبايعنا نبينا وهو حي بين أظهرنا، تأتيه أخبار السماء ويخبرنا بالكتاب ويرينا الآيات، وحق لمن رأي ما رأينا، وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج، فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونية كان أفضل منا ؟ فقال جرجة: بالله لقد صدقتني ولم تخادعني؟ قال: تالله لقد صدقتك، وإن الله ولي ما سألت عنه.
فعند ذلك قلب جرجة الترس ومال مع خالد وقال: علمني الإسلام، فمال به خالد إلى فسطاطه، فشن عليه قربة من ماء، ثم صلى به ركعتين. وحملت الروم مع انقلابه إلى خالد وهم يرون أنها منه حملة، فأزالوا المسلمين عن مواقفهم إلا المحامية عليهم عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام، فركب خالد وجرجة معه والروم خلال المسلمين، فتنادى الناس وثابوا وتراجعت الروم إلى مواقفهم وزحف خالد بالمسلمين حتى تصافحوا بالسيوف، فضرب فيهم خالد وجرجة من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب. وصلى المسلمون صلاة الظهر وصلاة العصر إيماء، وأصيب جرجة رحمه الله ولم يصل لله إلا تلك الركعتين مع خالد رضي الله عنهما.

خالد وماهان:

ذُكر أن ماهان طلب خالدا ليبرز إليه فيا بين الصفين فيجتمعا في مصلحة لهم، فقال ماهان: إنا قد علمنا أنما أخرجكم من بلادكم الجهد والجوع، فهلموا إليَّ أن أعطي كل رجل منكم عشرة دنانير وكسوة وطعاما وترجعون إلى بلادكم، فإذا كان من العام المقبل بعثنا لكم بمثلها، فقال خالد: إنه لم يخرجنا من بلادنا ما ذكرت، غير أنَّا قوم نشرب الدماء، وأنه بلغنا أنه لا دم أطيب من دم الروم، فجئنا لذلك.
فهذا خالد كان مع الكريم أكثر كرما وأطيب قولا، ومع اللئيم أشد صلابة وأجرأ قولا.

حوار في الميدان:

بعث رستم إلى سعد بن أبي وقاص أن يرسل إليه برجل عاقل عالم بما يسأله عنه، فبعث إليه المغيرة بن شعبة رضي الله عنهم جميعا، فلما قدم عليه جعل رستم يقول له: إنكم جيراننا وكنا نحسن إليكم ونكف الأذى عنكم، فارجعوا إلى بلادكم ولا نمنع تجارتكم من الدخول إلى بلادنا، فقال له المغيرة: إنَّا ليس طلبنا الدنيا، وإنما همنا وطلبنا الآخرة، وقد بعث الله إلينا رسولا قال له: إني قد سلطت هذه الطائفة على من لم يَدِن بديني فأنا منتقم بهم منهم ،وأجعل لهم الغلبة ما داموا مقرين به، وهو دين الحق لا يرغب عنه أحد إلا ذل، ولا يعتصم به إلا عز، فقال له رستم: فما هو؟ فقال: أما عموده الذي لا يصلح شيء منه إلا به فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والإقرار بما جاء من عند الله، فقال: ما أحسن هذا؟! وأي شيء أيضا؟ قال: وإخراج العباد من عبادة العباد على عبادة الله، قال: وحسن أيضا، وأي شيء أيضا؟ قال: والناس بنو آدم، فهم إخوة لأب وأم، قال: وحسن أيضا، ثم قال رستم: أرأيت إن دخلنا في دينكم أترجعون عن بلادنا؟ قال: إي والله لا نقرب بلادكم إلا في تجارة أو حاجة. قال: وحسن أيضا. قال: ولما خرج المغيرة من عنده ذاكر رستم رؤساء قومه في الإسلام فأنفوا ذلك وأبوا أن يدخلوا فيه، قبحهم الله وأخزاهم، وقد فعل.
ثم بعث إليه سعد رسولا آخر بطلبه وهو ربعي بن عامر، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرق عامتها، فقالوا: ما جاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدا حتى نفضي إلى موعود الله. قالوا: وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي، فقال رستم: قد سمعت مقالتكم، فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا؟ قال: نعم، كم أحب إليكم؟ يوما ويومين؟ قال: لا، بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا.
فقال: ما سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نؤخر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث، فانظر في أمرك وأمرهم واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل، فقال: أسيدهم أنت؟ قال: لا، ولكن المسلمين كالجسد الواحد يجير أدناهم على أعلاهم، فاجتمع رستم برؤساء قومه، فقال: هل رأيتم قط أعزّ وأرجح من كلام هذا الرجل؟ فقالوا: معاذ الله أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك إلى هذا الكلب، أما ترى إلى ثيابه؟ فقال: ويلكم لا تنظروا إلى الثياب، وانظروا إلى الرأي والكلام والسيرة. إن العرب يستخفون بالثياب والمأكل، ويصونون الأحساب.
ثم بعثوا يطلبون في اليوم الثاني رجلا فبعث إليهم حذيفة بن محصن فتكلم نحو ما قال ربعي. وفي اليوم الثالث المغيرة بن شعبة فتكلم بكلام حسن طويل. قال فيه رستم للمغيرة: إنما مثلكم في دخولكم أرضنا كمثل الذباب رأى العسل، فقال: من يوصلني إليه وله درهمان؟ فلما سقط عليه غرق فيه، فجعل يطلب الخلاص فلا يجده، وجعل يقول: من يخلصني وله أربعة دراهم؟ ومثلكم كمثل ثعلب ضعيف دخل جحرا في كَرْم فلما رآه صاحب الكَرْم ضعيفا رحمه فتركه، فلما سمن أفسد شيئا كثيرا فجاء بجيشه، واستعان عليه بغلمانه فذهب ليخرج فلم يستطع لسمنه فضربه حتى قتله، فهكذا تخرجون من بلادنا ،ثم استشاط غضبا ،وأقسم بالشمس لأقتلنكم غدا، فقال المغيرة: ستعلم. ثم قال رستم للمغيرة: قد أمرت لكم بكسوة، ولأميركم بألف دينار وكسوة ومركوب وتنصرفون عنا، فقال المغيرة: أبعد أن أوهنا ملككم وضعفنا عزكم، ولنا مدة نحو بلادكم ونأخذ الجزية منكم عن يد وأنتم صاغرون وستصيرون لنا عبيدا على رغمكم.
وفي رواية: أن رستم بعث إلى سعد: ابعثوا لنا رجلا من عقلائكم يبيّن لنا ما جاء بكم. فقال المغيرة بن شعبة: أنا، فعبر إليهم فقعد مع رستم على السرير فنخروا وصاحوا، فقال: إن هذا لم يزدني رفعة ولم ينقص صاحبكم، فقال رستم: صدق، وما جاء بكم ؟ فقال: إنا كنا قوما في شر وضلالة، فبعث الله إلينا نبيا فهدانا الله به ورزقنا على يديه، فكان فيما رزقنا حبة تنبت في هذا البلد، فلما أكلناها وأطعمناها أهلينا قالوا: لا صبر لنا عنها أنزلونا هذه الأرض حتى نأكل من هذه الحبة، فقال رستم: إذاً نقتلكم. قال: إن قتلتمونا دخلنا الجنة، وإن قتلناكم دخلتم النار وأديتم الجزية. قال: فلما قال: وأديتم الجزية نخروا وصاحوا، وقالوا: لا صلح بيننا وبينكم. فقال المغيرة: تعبرون إلينا أو نعبر إليكم؟ فقال رستم: نعبر إليكم، فاستأخر المسلمون حتى عبروا فحملوا عليهم فهزموهم.

النعمان بن مقرن وكسرى:

وقد حدثت محاورات بين قادة المسلمين وكسرى ملك الفرس عند فتوحات فارس كان منها لقاء النعمان ومن معه مع قائد أقوى دولة في ذلك الزمن فكان مما قاله النعمان بن مقرن لملك الفرس: "إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولا يدلنا على الخير ويأمرنا به، ويعرفنا الشر وينهانا عنه، ووعدنا على إجابته خير الدنيا والآخرة، فلم يدع إلى ذلك قبيلة إلا صاروا فرقتين؛ فرقة تقاربه، وفرقة تباعده، ولا يدخل معه في دينه إلا الخواص، فمكث كذلك ما شاء الله أن يمكث، ثم أمره أن ينهد إلى من خالفه من العرب ويبدأ بهم، ففعل، فدخلوا معه جميعا على وجهين مكره عليه فاغتبط وطائع إياه فازداد، فعرفنا جميعا فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق، وأمرنا أن نبدأ بمن يلينا من الأمم فندعوهم إلى الإنصاف، فنحن ندعوكم إلى ديننا وهو دين الإسلام، حسّن الحسن وقبّح القبيح كله، فإن أبيتم فأمر من الشر هو أهون من آخر شر منه الجزية فإن أبيتم فالمناجزة ،وإن أجبتم إلى ديننا خلفنا فيكم كتاب الله وأقمناكم عليه على أن تحكموا بأحكامه ونرجع عنكم، وشأنكم وبلادكم، وإن أتيتمونا بالجزية قبلنا ومنعناكم وإلا قاتلناكم.
فتكلم يزدجرد فقال: إني لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عددا ولا أسوأ ذات بين منكم، قد كنا نوكل بكم قرى الضواحي ليكفوناكم، لا تغزوكم فارس ولا تطمعون أن تقوموا لهم، فإن كان عددكم كثر فلا يغرنكم منا، وإن كان الجهد دعاكم فرضنا لكم قوتا إلى خصبكم وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم وملكنا عليكم ملكاً يرفق بكم.. فأسكت القوم.
فقام المغيرة بن شعبة فقال: أيها الملك، إن هؤلاء رءوس العرب ووجوههم، وهم أشراف يستحيون من الأشراف، وإنما يكرم الأشرافَ الأشرافُ، ويعظم حقوق الأشراف الأشرافُ، وليس كل ما أرسلوا له جمعوه لك، ولا كل ما تكلمت به أجابوك عليه، وقد أحسنوا ولا يحسن بمثلهم إلا ذلك، فجاوبني فأكون أنا الذي أبلغك ويشهدون على ذلك، إنك قد وصفتنا صفة لم تكن بها عالما، فأما ما ذكرت من سوء الحال فما كان أسوأ حالا منا، وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع، كنا نأكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات، ونرى ذلك طعامنا، وأما المنازل فإنما هي ظهر الأرض، ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم، ديننا أن يقتل بعضنا بعضا، وأن يبغي بعضنا على بعض، وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأكل من طعامه، وكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرت لك فبعث الله إلينا رجلا معروفا نعرف نسبه ونعرف وجهه ومولده، فأرضه خير أرضنا، وحسبه خير أحسابنا، وبيته خير بيوتنا، وقبيلته خير قبائلنا، وهو نفسه كان خيرنا في الحال التي كان فيها أصدقنا وأحلمنا، فدعانا إلى أمر فلم يجبه أحد، أول ترب كان له الخليفة من بعده فقال وقلنا، وصدق وكذبنا، وزاد ونقصنا، فلم يقل شيئا إلا كان، فقذف الله في قلوبنا التصديق له واتباعه، فصار فيما بيننا وبين رب العالمين، فما قال لنا فهو قول الله، وما أمرنا فهو أمر الله، فقال لنا: إن ربكم يقول: أنا الله وحدي لا شريك لي، كنت إذ لم يكن شيء، وكل شيء هالك إلا وجهي، وأنا خلقت كل شيء وإليّ يصير كل شيء، وإن رحمتي أدركتكم فبعثت إليكم هذا الرجل لأدلكم على السبيل التي أنجيكم بها بعد الموت من عذابي، ولأحلكم داري دار السلام، فنشهد عليه أنه جاء بالحق من عند الحق، وقال: من تابعكم على هذا فله ما لكم وعليه ما عليكم، ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية ثم امنعوه مما تمنعون منه أنفسكم، ومن أبى فقاتلوه فأنا الحكم بينكم، فمن قتل منكم أدخلته جنتي، ومن بقي منكم أعقبته النصر على من ناوأه. فاختر إن شئت الجزية وأنت صاغر، وإن شئت فالسيف، أو تسلم فتنجي نفسك.
فقال يزدجرد: أتستقبلني بمثل هذا؟
فقال: ما استقبلت إلا من كلمني، ولو كلمني غيرك لم أستقبلك به، فقال: لولا أن الرسل لا تُقتل لقتلتكم، لا شيء لكم عندي. وقال: ائتوني بوقر من تراب فاحملوه على أشرف هؤلاء ثم سوقوه حتى يخرج من أبيات المدائن، ارجعوا إلى صاحبكم فأعلموه أني مرسل إليه رستم حتى يدفنه وجنده في خندق القادسية وينكل به وبكم من بعد، ثم أورده بلادكم حتى أشغلكم في أنفسكم بأشد مما نالكم من سابور، ثم قال: من أشرفكم؟ فسكت القوم، فقال عاصم بن عمرو وقام ليأخذ التراب: أنا أشرفهم.
فكان في أخذه التراب فأل حسن أن أخذ الله بلادهم للإسلام.

هذه لمحة من صفحات طويلة؛ لنعلم أن الدعوة للإسلام جلية في كل جزئياته وتشريعاته، حتى في الحرب، وذلك قليل من كثير، وغيض من فيض، والله من وراء القصد.

المصدر : إسلام ويب

عن موقع التاريخ
 
عودة
أعلى