.
الكفاح العربي : 23 نشرين الثاني 2010
أوباما ـ إسرائيل: «التغيير» المستحيل
كتب: جاد بعلبكي
هل ان الولايات المتحدة هي التي تغيرت أم انه اوباما؟ استطراداً: هل ان اوباما 2011 يشبه من قريب او بعيد اوباما النصف الاول من الولاية، وهل ان الالتصاق الكامل باسرائيل الذي كان قدر الرؤساء الاميركيين الذين يتطلعون الى تجديد ولايتهم، هو بالتالي قدر الرئيس الاميركي الحالي، في اعقاب انتخابات الكونغرس الأخيرة، وكيف؟
القصة لم تعد سراً، والقصة تقول إن الولايات المتحدة (اي اميركا الاوبامية) أبرمت مع اسرائيل (اسرائيل نتنياهو) مؤخراً صفقة تتضمن هدية ونصف هدية. الهدية هي 20 طائرة من طراز «اف – 35» من شأنها تمكين الدولة العبرية من شن حروب جديدة على امتداد الشرق الاوسط، اما نصف الهدية فهو 20 طائرة اخرى من الطراز نفسه يحسم ثمنها من إجمالي المساعدات العسكرية السنوية لاسرائيل (المكلف الاميركي هنا هو الذي يسدد الثمن وليس الشعب الاسرائيلي).
والمسألة تبدو، على مستوى الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، وكأن اسرائيل تستخدم صاروخاً عابراً للقارات من أجل مطاردة عصفور هو في حجم قبضة اليد، اما على المستوى الاقليمي فالامر مختلف لأن «أف – 35» أقوى مرتين من «اف – 18» وهي من الجيل الرابع للطائرات المقاتلة (بعد «اف – 15» و«اف – 16» و«اف 8» و«يوروفايتر»)، خفية لا تلتقطها الرادارات، وفائقة التطور. وفي مواصفاتها التقنية انها قادرة على حمل 6،8 اطنان من الاسلحة والذخائر، بما في ذلك صواريخ جو – جو وجو – ارض والقنابل الذكية. بكلام آخر هي تحيل الأجيال الثلاثة السابقة من طائرات الفانتوم الى التقاعد.
لماذا الهدية؟
«الحجة» المعلنة هي وقف الاستيطان في الضفة الغربية (لا في القدس الشرقية) لمدة 90 يوماً، على أمل ان تستأنف المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية المباشرة لترسم حدود الدولة الفلسطينية المرتقبة، لأن مفاوضات السنين العشرين الاخيرة لم تؤدِّ الى رسم هذه الحدود. هذا في العلن، اما السبب الحقيقي فهو تمكين اسرائيل، مرة اخرى، من السيطرة على أجواء المنطقة، بما فيها الأجواء الايرانية إذا لزم الامر، لأن استراتيجية العقوبات كانت مجرد فاصل زمني قصير في المواجهة مع ايران.
والمسألة في النهاية ليست مسألة «تجميد» او تفاوض، انها رشوة مفضوحة يقصد منها التوفيق بين الاستراتيجيتين في التعامل مع الفلسطينيين كما مع ايران. الاولى تقضي بمنع العملية السياسية من الانهيار ومنع العرب من التوجه الى مجلس الأمن للمطالبة بالاعتراف بدولة فلسطينية من طرف واحد. والثانية تقضي بمواصلة سياسة العقوبات ومنع اسرائيل من تنفيذ هجمة على المواقع الايرانية النووية بقرار انفرادي... علماً ان الفلسطينيين لم يتسلموا رسمياً اي قرار بوقف الاستيطان ولو جزئياً لمدة 90 يوماً مقابل هذه «الرشوة».
وقيمة الهدية الجديدة (3 مليارات دولار) ليست سوى نقطة في بحر المساعادات الاميركية للدولة العبرية، وآخر التقديرات (كما أوردتها صحيفة كريستيان ساينس مونيتور) تقول انها بلغت منذ العام 1973 ما يقارب 1،6 تريليون دولار اي 1600 مليار، وهذا يعني ان كل مواطن اميركي دفع او تبرع – بارادته او من دون ارادته – 5700 دولار من جيبه لاسرائيل، والرقم يمثل ضعف تكلفة حرب فيتنام، هذا اذا لم نحتسب المساعدات غير المعلنة التي تجمعها المنظمات الخيرية اليهودية في اميركا والتي تصل بدورها الى 60 مليار دولار في خلال 40 سنة، والقروض التجارية التي تقدر بمليارات الدولارات سنوياً، والمشاريع المشتركة لتطوير الطائرة المقاتلة «ليفي» وصاروخ «أرو» الاسرائيليين.
اي اوباما؟
نعود الى اوباما الذي خسر نصف اكثريته البرلمانية واحتفظ بالنصف الثاني، ويتهيأ لخوض معركة انتخابية جديدة على أمل تجديد ولايته. الرجل يقف اليوم في منتصف الطريق بين «نعم نستطيع التغيير» التي حملته الى البيت الابيض، و«لا نستطيع التغيير» التي قد تضعه خارج الحكم. ماذا في نيته أن يفعل؟
السؤال تطرق اليه فريق من الخبراء العرب الاميركيين في ندوة شهدتها واشنطن مباشرة بعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، والهاجس الذي كان الاول في الندوة هو: ماذا يعني تقليص الاغلبية الديمقراطية في مجلس النواب كما في مجلس الشيوخ، وما هو اثره على السياسة الخارجية الاميركية، وبالتحديد على مستوى الصراع العربي – الاسرائيلي؟ والجواب عن السؤال جاء كالآتي:
«حتى قبل أن يحدث الانقلاب الشعبي ضد أوباما، فإنه بدا متراجعا عن مواقفه المـعلنة من الاستيطان وسمح لنتنياهو بزحْـزحته ودفعه إلى استجداء تجميد المـستوطنات لعدة أشهر، أما وقد نجح الجمهوريون في انتزاع الأغلبية في مجلس النواب وقيادة لجان المجلس، فانهم سيتمكَّـنون من شلّ قدرة أوباما على طرح أي مبادرة أميركية للسلام، كما كان مـنتظرا منه إذا خرج من انتخابات التجديد النصفي منتصِـرا، وسيختار الجمهوريون من مشاريع القرارات ما يُـظهِـر مساندتهم لإسرائيل، كأن يطرحوا الربط بين حصول السلطة الفلسطينية على المساعدات الأميركية وقـبولها مطلب إسرائيل بالاعتراف بها كدولة لليهود».
والجواب كان ايضاً أن التأييد لمِـثل هذا النوع من القرارات، لن يقتصر على الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب، بل سيشمل الكثير من الأعضاء الديمقراطيين. لأن اللـوبي الموالي لإسرائيل والمُـسمى بلجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية المعروفة باسم «إيباك»، احتفل بعد إعلان النتائج بالنجاح في تحقيق الفوز للمرشحين الذين يؤيـدهم، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
والاقتناع السائد هو ان فريقا من أشدّ أنصار إسرائيل في مجلس النواب من الجمهوريين، سيلعبون اعتبارا من كانون الثاني (يناير) المقبل، أدوارا رئيسة حاسـمة للضغط على أوباما لصالِـح إسرائيل، ومنهم مَـن هو معروف بعدائِـه العَـلَـني للعرب، مثل العضو البارز إيريك كانتور، الذي وعد بِـما وصفه بتصحيح مسار الجهود الأميركية في عملية السلام والحيْـلولة دُون التفهـم الذي يُـبديه الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون للمخاوف الفلسطينية، من ممارسات إسرائيل في الأراضي المحتلّـة. والدليل ان النائبة اليهودية الأميركية إيلينا روزلتناين، المعروفة بعدائها الشديد للفلسطينيين وتبرير مواقف إسرائيل، مهما كانت متعنـتة، أصبحت المرشحة لترؤس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، وبذلك سيُـواجه أوباما مصاعِـب جمّـة، إذا هو حاول تنفيذ وعده بحلّ الدولتين على أساس حدود العام 1967.
والى جانب الرأي القائل بأن نتائج الانتخابات أضعَـفت قدرة الرئيس أوباما على طرح أي مبادرات جَـسورة في مجال التسوية السلمية، يؤكـد خبراء الأمن القومي الأميركي أنها تصب في المصلحة القومية الأميركية، هناك انطباع يتزايد هو أن اوباما ، سيكون كالبطة العرجاء فيما تبقّى من فترته الرئاسية الأولى والأخيرة، وسوف يتعرّض لضغوط من الجمهوريين للسماح لإسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران وكي يـعطيها التسهيلات والأسلحة الخاصة، التي تمكنها من القضاء على البرنامج النووي الإيراني. والدليل ان 36 عضوا من الجمهوريين وجهوا رسالة إلى إسرائيل يطالِـبونها بشنِّ مثل ذلك الهجوم.
وقد اتفق الخبراء في ندوة مركز الحوار، على أن الانقلاب الذي نجح الجمهوريون في تدبيره على الرئيس أوباما، قلَّـص كثيرا من فُـرص إعادة ترشيحه لفترة رئاسية ثانية في العام 2012، إلا إذا تمكَّـن من إحداث معجـزة اقتصادية تعيد الانتعاش إلى الاقتصاد الأميركي المريض، أو إذا واصل الجمهوريون، بعد اقتسام السلطة في الكونغرس، إعاقتهم كل محاولات الإصلاح التي سيقوم بها والتي تظهر للناخب الأميركي أنه ليس للجمهوريين خطّـة عمل أو رؤى مفيدة، وأنهم لا يجيدون إلا الكلام، خصوصاً إذا واصل أعضاء حركة «حفل الشاي» السيطرة على توجُّـهات الحزب الجمهوري ودفعه نحو مواقِـف يمينية متطرِّفة لا تروق للناخب الأميركي العادي، ناهيك عن عدم وجود شخصية كاريزمية من الحزب الجمهوري مرشَّـحة لخوْض الانتخابات الرئاسية المقبلة ضد أوباما.
لكن...
في موازاة هذه الاجتهادات هناك من يقول ان التعايش بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي صعب لكنه ليس مستحيلاً، والتجربة التي عرفها كل رؤساء الولايات المتحدة تقريباً، من روزفلت الى ريغان الى كلينتون وصولاً الى بوش الابن معروفة. ومنذ روزفلت (1903) يشترك الرؤساء المصابون بخيبة الامل غداة اعلان نتائج انتخابات الكونغرس النصفية في مسألة واحدة: جولات خارجية لامتصاص الصدمة الداخلية على قاعدة ان «النتائج كانت متوقعة».
وكما بات معروفاً فإن السبب الاقتصادي كان وراء خيبة أمل أوباما الأخيرة، ذلك ان اجراءات الدفع الاقتصادي التي أقرها لم تؤت أكلها بعد، وهذا طبيعي. فالبطالة لا تتراجع هكذا نتيجة لبعض الأعمال الحكومية بل إن هذا التراجع ينتظر نجاح الإجراءات المتعلقة بالنمو وبتوزيع حسناته على القطاعات الإنتاجية والشرائح الاجتماعية، وهذا النجاح، إن حصل، لا يظهر في اليوم التالي لاتخاذ الإجراءات المناسبة. وقد خاض أوباما معارك سياسية وتشريعية أفضت الى إقرار مشاريعه المتعلقة بالضمان الصحي وبوضع قواعد ضابطة لوول ستريت وشركات المضاربة وغيرها. وفي سنتين اثنتين لا أكثر يمكن القول إن الرجل فعل الكثير لكن نتائج ما فعل لا تبدأ بالظهور إلا بعد فاصل زمني معين. وقد أظهر الناخبون قدراً ضئيلاً من الصبر فصوتوا تصويتاً احتجاجياً فهمه الرئيس الذي وعد ببذل الجهود في مجال الاتصال والتسويق لإبراز قيمة الإنجازات المتحققة.
وفور إعلان النتائج وعد نواب جمهوريون قياديون بالسعي لإعاقة عمل الرئيس وتعطيل مشاريعه بل والعودة إلى القوانين التي تم إقرارها مثل قانون الإصلاح الصحي العزيز على قلبه بغية إلغائه . وتسرب قول للزعيم الجديد للأغلبية الجمهورية في مجلس النواب بأنه سيسعى إلى شل عمل الرئيس بغية إلحاق الهزيمة به في الانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2012، وهذا يعني أن السنتين المقبلتين من ولاية أوباما سوف تشهدان تركيزاً على الأوضاع الداخلية في معركة رئاسية مضمرة بدأت منذ اللحظة بين الحزبين الكبيرين. أما السياسة الخارجية في كل ذلك فهي غائبة، أولاً لأنها ليست هي التي تسببت بهزيمة الرئيس أو فوز الحزب الجمهوري. وثانياً لأنها لم تظهر قط على لوائح الوعود الانتخابية للفائزين أو المهزومين من الحزبين، وثالثاً لأنه ليس ثمة من خلافات جوهرية بين الحزبين في هذا المضمار تجعل المعركة الانتخابية وكأنها بين رؤيتين للسياسة الخارجية لا سيما في الشرق الأوسط.
وينبغي ألا ننسى أن النظام السياسي في الولايات المتحدة رئاسي، وأن السياسة الخارجية يقودها الرئيس. هذا الأخير يحتاج إلى الكونغرس في حال قرر شن الحرب، وفي تمويل هذه الحرب أو غيرها من السياسات التي يقرها، صحيح. لكن غالب الظن أنه لن يحتاج إلى الكونغرس لأنه لن يشن حرباً على أحد في المستقبل القريب. وفي المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية لم تكن طبيعة الكونغرس الديمقراطية هي التي تسببت بعدم تقدمها بل تعنت بنيامين نتنياهو الذي سبق أن واجه بيل كلينتون في العام 1998 فأفشل مفاوضات شيبرزتاون وهدد بـ”إحراق واشنطن” ثم ذهب إليها للقاء زعماء “الإيباك” من دون مقابلة الرئيس الأميركي. وها هو نتنياهو نفسه اليوم يرفض التعاون مع أوباما أقله في تجميد الاستيطان بغية إنقاذ المفاوضات.
إذاً، ليس الكونغرس الديمقراطي هو من شجع أوباما على القطيعة مع سياسة سلفه بوش لجهة دفع عملية السلام المتوقفة، ولن يكون الكونغرس الجمهوري هو من يقنعه بوقف هذه العملية. جل ما في الأمر أن الأصوات المتشددة ستعلو من الآن وصاعداً أكثر مما فعلت في السنتين الاخيرتين، وأن الرئيس سيكون أقرب إلى الاقتناع بأن ملف السلام العربي -الإسرائيلي أكثر تعقيداً مما كان يعتقد وأن عليه التركيز في السنتين المقبلتين على الأوضاع الداخلية والتعاون مع مجلس النواب الجديد بأقل قدر ممكن من التكاليف. أما في السياسة الخارجية فبات على اوباما أن يتفادى استفزاز أنصار إسرائيل من دون أن يسير بالضرورة في الاتجاه الذي يقررونه. بتعبير أوضح سوف يشعر بأن عليه أن يمارس الضغوط المشددة على إيران وأنصارها في لبنان وغزة، لكن من دون الذهاب إلى الحرب، وهذه سياسة بدأت تطل برأسها قبل انتخابات الكونغرس النصفية. ومن سوء طالع الفلسطينيين والعرب عموماً أن هناك انتخابات كل عامين في الولايات المتحدة، وأن اللوبي المناصر لإسرائيل قادر على التأثير فيها. كذلك كان من سوء طالع أوباما أنه وصل إلى البيت الأبيض في وقت وصلت فيه إلى الحكم في إسرائيل حكومة متطرفة بزعامة نتنياهو- ليبرمان. وهكذا فان السياسة الشرق- أوسطية لإدارة أوباما سوف تصاب بالشلل في الفترة المقبلة مع الاستمرار في تقديم الدعم اللامتناهي لإسرائيل، كما حرصت أن تفعل كل الإدارات السابقة في ما أضحى تقليداً لا يجرؤ أن يخرقه رئيس، ولو كان اسم أبيه حسين بل تحديداً
الكفاح العربي : 23 نشرين الثاني 2010
أوباما ـ إسرائيل: «التغيير» المستحيل
كتب: جاد بعلبكي
هل ان الولايات المتحدة هي التي تغيرت أم انه اوباما؟ استطراداً: هل ان اوباما 2011 يشبه من قريب او بعيد اوباما النصف الاول من الولاية، وهل ان الالتصاق الكامل باسرائيل الذي كان قدر الرؤساء الاميركيين الذين يتطلعون الى تجديد ولايتهم، هو بالتالي قدر الرئيس الاميركي الحالي، في اعقاب انتخابات الكونغرس الأخيرة، وكيف؟
القصة لم تعد سراً، والقصة تقول إن الولايات المتحدة (اي اميركا الاوبامية) أبرمت مع اسرائيل (اسرائيل نتنياهو) مؤخراً صفقة تتضمن هدية ونصف هدية. الهدية هي 20 طائرة من طراز «اف – 35» من شأنها تمكين الدولة العبرية من شن حروب جديدة على امتداد الشرق الاوسط، اما نصف الهدية فهو 20 طائرة اخرى من الطراز نفسه يحسم ثمنها من إجمالي المساعدات العسكرية السنوية لاسرائيل (المكلف الاميركي هنا هو الذي يسدد الثمن وليس الشعب الاسرائيلي).
والمسألة تبدو، على مستوى الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، وكأن اسرائيل تستخدم صاروخاً عابراً للقارات من أجل مطاردة عصفور هو في حجم قبضة اليد، اما على المستوى الاقليمي فالامر مختلف لأن «أف – 35» أقوى مرتين من «اف – 18» وهي من الجيل الرابع للطائرات المقاتلة (بعد «اف – 15» و«اف – 16» و«اف 8» و«يوروفايتر»)، خفية لا تلتقطها الرادارات، وفائقة التطور. وفي مواصفاتها التقنية انها قادرة على حمل 6،8 اطنان من الاسلحة والذخائر، بما في ذلك صواريخ جو – جو وجو – ارض والقنابل الذكية. بكلام آخر هي تحيل الأجيال الثلاثة السابقة من طائرات الفانتوم الى التقاعد.
لماذا الهدية؟
«الحجة» المعلنة هي وقف الاستيطان في الضفة الغربية (لا في القدس الشرقية) لمدة 90 يوماً، على أمل ان تستأنف المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية المباشرة لترسم حدود الدولة الفلسطينية المرتقبة، لأن مفاوضات السنين العشرين الاخيرة لم تؤدِّ الى رسم هذه الحدود. هذا في العلن، اما السبب الحقيقي فهو تمكين اسرائيل، مرة اخرى، من السيطرة على أجواء المنطقة، بما فيها الأجواء الايرانية إذا لزم الامر، لأن استراتيجية العقوبات كانت مجرد فاصل زمني قصير في المواجهة مع ايران.
والمسألة في النهاية ليست مسألة «تجميد» او تفاوض، انها رشوة مفضوحة يقصد منها التوفيق بين الاستراتيجيتين في التعامل مع الفلسطينيين كما مع ايران. الاولى تقضي بمنع العملية السياسية من الانهيار ومنع العرب من التوجه الى مجلس الأمن للمطالبة بالاعتراف بدولة فلسطينية من طرف واحد. والثانية تقضي بمواصلة سياسة العقوبات ومنع اسرائيل من تنفيذ هجمة على المواقع الايرانية النووية بقرار انفرادي... علماً ان الفلسطينيين لم يتسلموا رسمياً اي قرار بوقف الاستيطان ولو جزئياً لمدة 90 يوماً مقابل هذه «الرشوة».
وقيمة الهدية الجديدة (3 مليارات دولار) ليست سوى نقطة في بحر المساعادات الاميركية للدولة العبرية، وآخر التقديرات (كما أوردتها صحيفة كريستيان ساينس مونيتور) تقول انها بلغت منذ العام 1973 ما يقارب 1،6 تريليون دولار اي 1600 مليار، وهذا يعني ان كل مواطن اميركي دفع او تبرع – بارادته او من دون ارادته – 5700 دولار من جيبه لاسرائيل، والرقم يمثل ضعف تكلفة حرب فيتنام، هذا اذا لم نحتسب المساعدات غير المعلنة التي تجمعها المنظمات الخيرية اليهودية في اميركا والتي تصل بدورها الى 60 مليار دولار في خلال 40 سنة، والقروض التجارية التي تقدر بمليارات الدولارات سنوياً، والمشاريع المشتركة لتطوير الطائرة المقاتلة «ليفي» وصاروخ «أرو» الاسرائيليين.
اي اوباما؟
نعود الى اوباما الذي خسر نصف اكثريته البرلمانية واحتفظ بالنصف الثاني، ويتهيأ لخوض معركة انتخابية جديدة على أمل تجديد ولايته. الرجل يقف اليوم في منتصف الطريق بين «نعم نستطيع التغيير» التي حملته الى البيت الابيض، و«لا نستطيع التغيير» التي قد تضعه خارج الحكم. ماذا في نيته أن يفعل؟
السؤال تطرق اليه فريق من الخبراء العرب الاميركيين في ندوة شهدتها واشنطن مباشرة بعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، والهاجس الذي كان الاول في الندوة هو: ماذا يعني تقليص الاغلبية الديمقراطية في مجلس النواب كما في مجلس الشيوخ، وما هو اثره على السياسة الخارجية الاميركية، وبالتحديد على مستوى الصراع العربي – الاسرائيلي؟ والجواب عن السؤال جاء كالآتي:
«حتى قبل أن يحدث الانقلاب الشعبي ضد أوباما، فإنه بدا متراجعا عن مواقفه المـعلنة من الاستيطان وسمح لنتنياهو بزحْـزحته ودفعه إلى استجداء تجميد المـستوطنات لعدة أشهر، أما وقد نجح الجمهوريون في انتزاع الأغلبية في مجلس النواب وقيادة لجان المجلس، فانهم سيتمكَّـنون من شلّ قدرة أوباما على طرح أي مبادرة أميركية للسلام، كما كان مـنتظرا منه إذا خرج من انتخابات التجديد النصفي منتصِـرا، وسيختار الجمهوريون من مشاريع القرارات ما يُـظهِـر مساندتهم لإسرائيل، كأن يطرحوا الربط بين حصول السلطة الفلسطينية على المساعدات الأميركية وقـبولها مطلب إسرائيل بالاعتراف بها كدولة لليهود».
والجواب كان ايضاً أن التأييد لمِـثل هذا النوع من القرارات، لن يقتصر على الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب، بل سيشمل الكثير من الأعضاء الديمقراطيين. لأن اللـوبي الموالي لإسرائيل والمُـسمى بلجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية المعروفة باسم «إيباك»، احتفل بعد إعلان النتائج بالنجاح في تحقيق الفوز للمرشحين الذين يؤيـدهم، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
والاقتناع السائد هو ان فريقا من أشدّ أنصار إسرائيل في مجلس النواب من الجمهوريين، سيلعبون اعتبارا من كانون الثاني (يناير) المقبل، أدوارا رئيسة حاسـمة للضغط على أوباما لصالِـح إسرائيل، ومنهم مَـن هو معروف بعدائِـه العَـلَـني للعرب، مثل العضو البارز إيريك كانتور، الذي وعد بِـما وصفه بتصحيح مسار الجهود الأميركية في عملية السلام والحيْـلولة دُون التفهـم الذي يُـبديه الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون للمخاوف الفلسطينية، من ممارسات إسرائيل في الأراضي المحتلّـة. والدليل ان النائبة اليهودية الأميركية إيلينا روزلتناين، المعروفة بعدائها الشديد للفلسطينيين وتبرير مواقف إسرائيل، مهما كانت متعنـتة، أصبحت المرشحة لترؤس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، وبذلك سيُـواجه أوباما مصاعِـب جمّـة، إذا هو حاول تنفيذ وعده بحلّ الدولتين على أساس حدود العام 1967.
والى جانب الرأي القائل بأن نتائج الانتخابات أضعَـفت قدرة الرئيس أوباما على طرح أي مبادرات جَـسورة في مجال التسوية السلمية، يؤكـد خبراء الأمن القومي الأميركي أنها تصب في المصلحة القومية الأميركية، هناك انطباع يتزايد هو أن اوباما ، سيكون كالبطة العرجاء فيما تبقّى من فترته الرئاسية الأولى والأخيرة، وسوف يتعرّض لضغوط من الجمهوريين للسماح لإسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران وكي يـعطيها التسهيلات والأسلحة الخاصة، التي تمكنها من القضاء على البرنامج النووي الإيراني. والدليل ان 36 عضوا من الجمهوريين وجهوا رسالة إلى إسرائيل يطالِـبونها بشنِّ مثل ذلك الهجوم.
وقد اتفق الخبراء في ندوة مركز الحوار، على أن الانقلاب الذي نجح الجمهوريون في تدبيره على الرئيس أوباما، قلَّـص كثيرا من فُـرص إعادة ترشيحه لفترة رئاسية ثانية في العام 2012، إلا إذا تمكَّـن من إحداث معجـزة اقتصادية تعيد الانتعاش إلى الاقتصاد الأميركي المريض، أو إذا واصل الجمهوريون، بعد اقتسام السلطة في الكونغرس، إعاقتهم كل محاولات الإصلاح التي سيقوم بها والتي تظهر للناخب الأميركي أنه ليس للجمهوريين خطّـة عمل أو رؤى مفيدة، وأنهم لا يجيدون إلا الكلام، خصوصاً إذا واصل أعضاء حركة «حفل الشاي» السيطرة على توجُّـهات الحزب الجمهوري ودفعه نحو مواقِـف يمينية متطرِّفة لا تروق للناخب الأميركي العادي، ناهيك عن عدم وجود شخصية كاريزمية من الحزب الجمهوري مرشَّـحة لخوْض الانتخابات الرئاسية المقبلة ضد أوباما.
لكن...
في موازاة هذه الاجتهادات هناك من يقول ان التعايش بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي صعب لكنه ليس مستحيلاً، والتجربة التي عرفها كل رؤساء الولايات المتحدة تقريباً، من روزفلت الى ريغان الى كلينتون وصولاً الى بوش الابن معروفة. ومنذ روزفلت (1903) يشترك الرؤساء المصابون بخيبة الامل غداة اعلان نتائج انتخابات الكونغرس النصفية في مسألة واحدة: جولات خارجية لامتصاص الصدمة الداخلية على قاعدة ان «النتائج كانت متوقعة».
وكما بات معروفاً فإن السبب الاقتصادي كان وراء خيبة أمل أوباما الأخيرة، ذلك ان اجراءات الدفع الاقتصادي التي أقرها لم تؤت أكلها بعد، وهذا طبيعي. فالبطالة لا تتراجع هكذا نتيجة لبعض الأعمال الحكومية بل إن هذا التراجع ينتظر نجاح الإجراءات المتعلقة بالنمو وبتوزيع حسناته على القطاعات الإنتاجية والشرائح الاجتماعية، وهذا النجاح، إن حصل، لا يظهر في اليوم التالي لاتخاذ الإجراءات المناسبة. وقد خاض أوباما معارك سياسية وتشريعية أفضت الى إقرار مشاريعه المتعلقة بالضمان الصحي وبوضع قواعد ضابطة لوول ستريت وشركات المضاربة وغيرها. وفي سنتين اثنتين لا أكثر يمكن القول إن الرجل فعل الكثير لكن نتائج ما فعل لا تبدأ بالظهور إلا بعد فاصل زمني معين. وقد أظهر الناخبون قدراً ضئيلاً من الصبر فصوتوا تصويتاً احتجاجياً فهمه الرئيس الذي وعد ببذل الجهود في مجال الاتصال والتسويق لإبراز قيمة الإنجازات المتحققة.
وفور إعلان النتائج وعد نواب جمهوريون قياديون بالسعي لإعاقة عمل الرئيس وتعطيل مشاريعه بل والعودة إلى القوانين التي تم إقرارها مثل قانون الإصلاح الصحي العزيز على قلبه بغية إلغائه . وتسرب قول للزعيم الجديد للأغلبية الجمهورية في مجلس النواب بأنه سيسعى إلى شل عمل الرئيس بغية إلحاق الهزيمة به في الانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2012، وهذا يعني أن السنتين المقبلتين من ولاية أوباما سوف تشهدان تركيزاً على الأوضاع الداخلية في معركة رئاسية مضمرة بدأت منذ اللحظة بين الحزبين الكبيرين. أما السياسة الخارجية في كل ذلك فهي غائبة، أولاً لأنها ليست هي التي تسببت بهزيمة الرئيس أو فوز الحزب الجمهوري. وثانياً لأنها لم تظهر قط على لوائح الوعود الانتخابية للفائزين أو المهزومين من الحزبين، وثالثاً لأنه ليس ثمة من خلافات جوهرية بين الحزبين في هذا المضمار تجعل المعركة الانتخابية وكأنها بين رؤيتين للسياسة الخارجية لا سيما في الشرق الأوسط.
وينبغي ألا ننسى أن النظام السياسي في الولايات المتحدة رئاسي، وأن السياسة الخارجية يقودها الرئيس. هذا الأخير يحتاج إلى الكونغرس في حال قرر شن الحرب، وفي تمويل هذه الحرب أو غيرها من السياسات التي يقرها، صحيح. لكن غالب الظن أنه لن يحتاج إلى الكونغرس لأنه لن يشن حرباً على أحد في المستقبل القريب. وفي المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية لم تكن طبيعة الكونغرس الديمقراطية هي التي تسببت بعدم تقدمها بل تعنت بنيامين نتنياهو الذي سبق أن واجه بيل كلينتون في العام 1998 فأفشل مفاوضات شيبرزتاون وهدد بـ”إحراق واشنطن” ثم ذهب إليها للقاء زعماء “الإيباك” من دون مقابلة الرئيس الأميركي. وها هو نتنياهو نفسه اليوم يرفض التعاون مع أوباما أقله في تجميد الاستيطان بغية إنقاذ المفاوضات.
إذاً، ليس الكونغرس الديمقراطي هو من شجع أوباما على القطيعة مع سياسة سلفه بوش لجهة دفع عملية السلام المتوقفة، ولن يكون الكونغرس الجمهوري هو من يقنعه بوقف هذه العملية. جل ما في الأمر أن الأصوات المتشددة ستعلو من الآن وصاعداً أكثر مما فعلت في السنتين الاخيرتين، وأن الرئيس سيكون أقرب إلى الاقتناع بأن ملف السلام العربي -الإسرائيلي أكثر تعقيداً مما كان يعتقد وأن عليه التركيز في السنتين المقبلتين على الأوضاع الداخلية والتعاون مع مجلس النواب الجديد بأقل قدر ممكن من التكاليف. أما في السياسة الخارجية فبات على اوباما أن يتفادى استفزاز أنصار إسرائيل من دون أن يسير بالضرورة في الاتجاه الذي يقررونه. بتعبير أوضح سوف يشعر بأن عليه أن يمارس الضغوط المشددة على إيران وأنصارها في لبنان وغزة، لكن من دون الذهاب إلى الحرب، وهذه سياسة بدأت تطل برأسها قبل انتخابات الكونغرس النصفية. ومن سوء طالع الفلسطينيين والعرب عموماً أن هناك انتخابات كل عامين في الولايات المتحدة، وأن اللوبي المناصر لإسرائيل قادر على التأثير فيها. كذلك كان من سوء طالع أوباما أنه وصل إلى البيت الأبيض في وقت وصلت فيه إلى الحكم في إسرائيل حكومة متطرفة بزعامة نتنياهو- ليبرمان. وهكذا فان السياسة الشرق- أوسطية لإدارة أوباما سوف تصاب بالشلل في الفترة المقبلة مع الاستمرار في تقديم الدعم اللامتناهي لإسرائيل، كما حرصت أن تفعل كل الإدارات السابقة في ما أضحى تقليداً لا يجرؤ أن يخرقه رئيس، ولو كان اسم أبيه حسين بل تحديداً