حرب البلوبونيز
هذه قصة مدينتين قصة حرب برية وبحرية وعداء مرير وطويل، قصة حرب بين أكثر الولايات تنظيمًا وقوة عسكرية في العالم القديم، كانت الحرب بينهما شرسة ووحشية.
قبل 455 سنة قبل ميلاد السيد المسيح -عليه الصلاة والسلام- كان هناك قوتان كبيرتان في اليونان القديمة مركز العالم المعروف في ذاك الوقت، هذه الأيام في فترات أكثر سلامًا يتأمل السياح هذه البقايا الناعسة من دون أن يدركوا تاريخها الدموي، هاتان القوتان الإغريقيتان كانتا "أثينا" و"اسبرطة".
كانت كلاهما مدينة تنظر إلى الأخرى بشك كبير، كل واحدة كانت تثق بأن عليها استخدام كل سلطتها، وكما نعرف جميعًا لابد من وجود قائد واحد، ويقال: إن من يتجاهل الماضي محكوم عليه بتكرار أخطائه، وكم هذا صحيح في هذه الحالة، كانت "أثينا" و"اسبرطة" تعرفان أن الحرب ستؤدي إلى تدمير وإذلال واحدة منهما، لكن مَن مِن الاثنتين؟
لقد سبق أن تحاربتا عدة مرات، لكن معاهدة عقدت عام 455 قبل الميلاد فرضت السلام، يشبه هذا الوضع وضع القوى الأوروبية قبل نشوب الحرب العالمية الأولى فقد كان السلام الطويل استراحة تسبق الحرب.
طوال عشرين سنة عقدت "أثينا" و"اسبرطة" سلسلة تحالفات من أجل دعم مواقعهما في الحرب، وعلى مثال أحداث عام 1914 كان نظام التحالفات المعقدة سببًا لتسريع نشوء الحرب.
تلاشى السلام الهش عندما ساندت "أثينا" أحد حلفائها عسكريًا، كان هذا خرقًا واضحًا للمعاهدة، ما دفع "اسبرطة" للإجابة بإنذار مهذب، ردت "أثينا" بجواب لا يقبل المناقشة، وأدرك "الإسبرطيون" أن هناك عملاً واحدًا يقومون به؛ الحرب.
كان "الاسبرطيون" و"الأثينيون" خائفين من التداعيات الاقتصادية التي ستنتج عن الحرب بينهما، ورغم السيئات المحتملة على المدنيين في "اسبرطة" و "أثينا" كانت كلتاهما مع الحرب.
من الجيد أن بعض خطابات تلك الفترة قد حُفظت، هذه المنافسة الحادة حثت الشعب على الوقوف إلى جانب الحرب، كانت الكراهية مختفية تحت السطح في كلا المدينتين، حتى في زمن السلم لم يكن مفاجئًا أن ترتفع خطابات ملتهبة في كلا الجانبين؛ لتجديد الجهد وإثارة الشعب، ومجددًا نجد ما يتشابه مع أحداث في الحرب الكبرى السلام دام طويلاً جدًا، الشعب يريد الحرب، والسياسيون كانوا سعداء بإعطائه هذا الخيار.
قيل وقتها: فلنطرح عنا الكلام عن التريث، إنه عمل المسيئين، وليس مطلوب من المُساء إليهم أن يفكر مرتين، يجب أن تصوتوا الآن وكاسبرطيين حقيقيين مع الحرب، لا تدعو "أثينا" تصبح أهم، لا تتخلوا عن حلفائنا، هيا بنا نهاجم. هذا ما قاله السياسي الإسبرطي "ستاني ليدس"، خطابات نارية كهذه ساعدت في كسب القضية ضد مجلس الملك "أركي داموس" الساعي للسلام، إذن الحرب لم تعد بعيدة.
لم يكن "الاسبرطيون" وحدهم يفكرون في الحساب الأخير، في "أثينا" أطلق "بيريكلس" الحاكم المستبد الكلام الناري نفسه: علينا أن ندرك أن هذه الحرب مفروضة علينا، وكلما كان قبولنا للتحدي بإرادتنا كان خصومنا أقل توقًا لمهاجمتنا، علينا أن نقاوم عدونا بكل الطرق ونحاول أن نترك لمن يأتي بعدنا "أثينا" أزهى من أي وقت مضى، الكلام في "أثينا" آنذاك شبيه بكلام "هتلر" في "ألمانيا" في القرن الماضي.
عام 435 قبل الميلاد كانت ساعة عصيبة عند بدء حرب "البلوبونيز" كانت بشعة أبشع حرب على الإطلاق، بدأت الحرب بسبب التجارة، سارت "أثينا" غنية، في الحقيقة كانت كذلك دائمًا، وكانت تعيش الديمقراطية، وكان عندها الكثير من الفنانين والنجارين والتجار من بلدان أخرى، وكل هذا أثمر في مدينة "أثينا"، كان لـ"أثينا" لمعان فني، وغارت "اسبرطة" منها كثيرًا فأرادت الحرب مع "أثينا".
كانت "اسبرطة" تمثل "بلوبونيزا" يحكمها بضعة أشخاص، وكانت "أثينا" تمثل الديمقراطية ويحكمها قرار الأكثرية، "اسبرطة" كانت مثال القتال البري، و"أثينا" مثال القتال البحري. شكلت "اسبرطة" وحلفاؤها المفترض أن يكون لهم حق الكلام والقرار في حلف "اسبرطة"، لكنهم في الحقيقة قل ما كان لهم القرار، كان "الأثينيون" هم الإمبراطورية والسلطة.
مع اقتراب الحرب المنتظرة طويلاً استعد لها الجانبان، في الفترة الأخيرة كانت "أثينا" تنمو قوة وسلطة، لقد انتهكت حقوق وحريات دويلات صغيرة عدة، و"اسبرطة" فازت بقلوب وعقول الدول المحايدة.
كتب المؤرخ الإغريقي "توسي ديدس" مطولاً عن الاستعداد للحرب فقال: لا شيء في تصميمهم كان صغيرًا أو متوسط الحجم، كلا الطرفين وضعا كل قدراتهما في المجهود الحربي، في الدول الأخرى كانت مشاعر الناس تميل إلى الاسبرطيين، لقد أعلنوا أن هدفهم هو تحرير "هيلاس" وكان الشعور العام ضد "أثينا" من الذين يطيقون للإفلات من سلطتها، والذين يخافون من الوقوع تحت سيطرتها.
قوات "الأثنيين" و"الاسبرطيين" كانت متساوية على البر عند اندلاع العنف، لكن "الاسبرطيين" يتفوقون دائمًا بفضل نظامهم العسكري الخاص، من هنا أخذت كلمة "سبارتن" مكانها في اللغة الإنجليزية.
"اسبرطة" مكان يطرد الغرباء عادة، مكان يعتمد فقط على الأغنياء، ويُبقي أكثرية سكانه تحت نظام قاسٍ جدًا، كانت مشهورة بحرية الخطاب وبرزانتها، وبغياب الترف وبقواتها العسكرية المدربة، "أثينا" بحسب أقوال "بيريكلس" كانت ناجحة جدًا عسكريًا، لكن نجاحها كان نتيجة حبها لحريتها، وحب شعبها أكثر من تكتيكاتها العسكرية.
تفوق "الاسبرطيين" بتدريبهم ونظامهم جعلهم من دون شكل متفوقين على البر، في عرض البحر كان الأمر يختلف كانت "أثينا" معروفة بأنها أهم قوة بحرية في العالم. كان أسطول "أثينا" مؤلفًا من أكثر من 300 سفينة قادرة، وما كانت أية دولة أخرى تجاريها بهذه القدرة.
عالم البحرية "الأثينية" كان غريبًا، إن تصميم السفينة الثلاثية المجاديف مثل سفن "روما" كان يُسيِّرها الرقيق، في الحقيقة كان ثمة رجال أحرار يجذفون فيها لقاء أتعاب مدفوعة، لكن ظروف العمل كانت غير مرضية، مع هذا فإن ثلاثيات المجاديف "الأثينية" و"الاسبارطية" لم تكن تبيت في المحيطات، كانت تعود إلى المرافئ كل ليلة حتى يعود الرجال إلى البر، فهؤلاء لم يكونوا رقيق "روما" المسخرين، بل كانوا مواطنين أحرارًا وبحارين محترفين.
كانت ثلاثية المجاذيف من أهم أنواع السفن الحربية، وكانت مصنوعة من الخشب بطول 150 قدمًا، وعرض 150، ويحركها 170 مُجذفًا، والطاقم الكامل يصل إلى 200 رجل، كانت مزودة بمجاذيف في المقدمة، الحكمة من هذا أن تهزم السفن المعادية أو تغرقها، وكان لـ"أثينا" ما بين 300 و 400 سفينة منها.
الحالة على متن السفينة كانت بائسة، السفن الأثينية كانت تُحدث تشنجًا للمجذف؛ لأن الناس كانوا طاقة التسيير ويعملون في أصغر مساحة ممكنة، لأن المساحة الصغيرة تساعد على التحكم أكثر للسفينة، وكانت المجاذيف مثبتة بعضها فوق بعض، وفي ثلاثة صفوف من المجاذيف، والرجال يجذفون كالمجانين من أجل تسيير السفينة، وكما قد تتخيلون العدد الكبير من الرجال في مساحة ضيقة ليس مريحًا إطلاقًا.
رغم تفوق البحرية الأثينية كان "الاسبرطيون" يدركون أن الحرب يتم الفوز بها على البر، في البداية سيتلقون الأثينيين في البحر، لكن في حزيران يوليو عام 434 قبل الميلاد اكتملت التحضيرات، اجتاح الجيش الاسبرطي "أتيكا" قلب الدولة الأثينية، لكن الأثينيين كانوا يتوقعون تحركًا كهذا فقد سحبوا كل مقتنياتهم من الريف وحصنوا أنفسهم خلف جدران "أثينا" فجاءت الهجمة من دون ثمار.
أول هجوم في الحرب كان معركة خيالة صغيرة وثانوية، وقد جرت في ميدان غبار خارج "أثينا" وكانت غير حاسمة. أحدث "الاسبرطيون" دمارًا في الأرض ومن ثم رحلوا، انتهت المرحلة الأولى من الحرب، وبقيت المدينتان.
قابلت "أثينا" اجتياح أرضها بالمثل وبطريقة عادية بالنسبة إليها، استخدمت أسطولها للقيام بهجوم على جزيرة "إيجينيا" وغزت الأراضي الاسبرطية مرات متكررة وبعنف، لم تستطع "اسبرطة" الدولة ذات القوة البرية أن تقابل هذا التحدي، وإن رغبت فعلاً في النصر ستحتاج بالضرورة إلى مجاراة "الأثينيين" بالخبرة البحرية خصوصًا باستعمال السفن الإغريقية.
انطلقت قوة الأثينيين من عقالها، كل المدن حول الساحل "البيلوغونزي" شعرت سريعًا بغضب الأثينيين عندما انطلقت 200 سفينة بحمولتها من الجنود، لقد قاموا بغزوات أحرقوا خلالها الغلال والأبنية ونشروا الذعر حيثما حلوا.
كان "بريكلس" بنفسه مسئولاً عن هذه الحملة الأخيرة، ونظرًا لتفوق "الاسبرطيين" على البر كان ذكيًا في اختياره لهذا التكتيك، تفادى "بريكلس" المعارك الضارية واستبدلها بحرب بحرية خاطفة تعتمد الضرب والهرب.
عام 429 قبل الميلاد بدَّل "الاسبرطيون" تكتيكات اعتداءاتهم، وحاصروا حليفة "أثينا" "بلاتيا"، وعلى مثال أسوار "أثينا" حمت الأسوار "بلاتينا" من "الاسبرطيين". في سابقة مخيفة لما سيحل بـ"أثينا" تحول الحصار الطويل إلى حصار شامل، وسيصل الأمر بسكان "بلاتيا" إلى الحقد على أسوارهم.
بنا "الاسبرطيون" سورًا كاملاً حول المدينة لا يخرج منه فأر، وانتظروا حتى يجوع السكان ويستسلموا، بسبب الفترة الزمنية الطويلة التي تفصلنا عن ذلك التاريخ، نجد هذه الأحداث بعيدة وغريبة، إن الذي عاش منا حياته بسلام، لا يستطيع أن يفهم ما معنى أن تعيش المدينة حصارًا كهذا، لكن الألم والمعاناة يتجاوزان الأجيال.
عندما تضاءل الطعام لجأ السكان إلى أكل الفئران والماء المغلي بجلد أحذيتهم، سوء التغذية والأمراض والجوع اجتاحت الشوارع، هذا الألم وهذه المعاناة كانتا أشبه بأخبار التلفاز اليوم عن مناطق الحروب، بالنسبة إليهم كانت الحقيقة عنيفة مرة تكسر القلوب، وراقبت الأمهات الأطفال الضعفاء يموتون.
كانت حقيقة الحصار للمحاصرين كما حقيقة الحرب البحرية للمشاركين فيها بائسة إلى أقصى الحدود، كانوا محجوزين في مكان صغير؛ لأن الإغريق ما كان عندهم مدن كثيرة التحصين، كانوا محبوسين في مكان صغير لا يسمح بإنبات الطعام الكافي، وكان خصومهم واثقين من عدم وصول الطعام إليهم من الجوار، كانت قضية تجويع، ما حصل في الحصار هو محاولة لإجهاد الشعب، ويمنعون عنهم الفرج بمنع الجيش من مساندتهم، كل ما يمكن أن يطمحوا إليه هو الاستسلام والأسر وبعد ذلك الموت.
السور الذي رفعه "الاسبرطيون" حول "بلاتيا" كان جدارين من الخشب تفصل بينهما مسافة 16 قدمًا، الممر الداخلي بينهما مغطًى بأكواخ يتمركز فيها المحاصرون، وكان ثمة أبراج مراقبة عالية على مسافات منتظمة كانت تشبه بصمتها أبراج معسكر الاعتقال، كانت تطل على المعاناة البشرية الكبيرة، من خلف الحزام الخلفي الخانق أطلق "الاسبرطيون" هجومهم، تحصينات "بلاتيا" الخشبية أبقتهم في الخارج، ولكن إلى متى؟
قرر "الاسبرطيون" بعد ذلك أن يقيموا استحكامات عند أسوار المدينة، تمكنهم من تخطي السور ارتفاعًا، حاول المدافعون الأثينيون أن يتصدوا للأمر بطريقتين: أولاً: زادوا أسوار مدينتهم ارتفاعًا، وفي الداخل كانوا مهددين من الاستحكامات، ثانيًا: حفروا في الأرض خنادق تمر تحت الاستحكامات عبر أسوار المدينة على أمل أن تنهار.
بعد نجاح "الاسبرطيين" في توقيف "الأثينيين" بهذه الطريقة حاولوا تنفيذ تكتيك آخر، الحصار بالأسلحة، وبدأ استعمال آلة دك الأسوار، لكن الأثينيين استطاعوا منعه بربط جذوع والإدلاء بها خارج السور، وبأرجحة هذه الجذوع يتم تكسير آلة الدك، وبالفعل تم صد "الاسبرطيين"، ثالثًا: كان الحريق آخر عمل لهم، أقاموا متاريس داخل مدينة "أثينا" وأشعلوا النار خارجها، هذا كان مفترضًا أن ينجح لو لم تخذله الريح، فقد أطفأت عاصفة ماطرة النيران.
وعدت "أثينا" "بلاتيا" بالفرج، لكنها كانت تفتقر إلى قيادة حاسمة وعد بها "بريكلس"، لكن المساعدة الأثينية لم تتجسد على أرض الواقع، أخيرًا حل صيف 427 قبل الميلاد واضطرت مدينة "بلاتيا" إلى الاستسلام.
عندما استسلمت تمنى المدافعون المحاصرون لو أنهم لم يستسلموا، ويلات الحصار ما كان شيئًا بالمقارنة مع الآتي من الأيام، أُخذت النساء جاريات، وقُتل كل الرجال، ثم تم إحراق المدينة وتهديمها.
في حين كانت الأمور تسير سيئة بالنسبة إلى "أثينا" وحليفاتها على البر كانت البحرية الأثينية تثبت فعاليتها، في معركة بحرية في خليج "باتري" واجه أسطول "أثيني" من عشرين سفينة أسطولاً "بلوبونيزًا" من 47 سفينة، ورغم هذا لم يدخل الخوف قلوب الأثينيين.
يروي "توسيديدس" ما حصل بعد ذلك فيقول: " تشابك السفن مع بعضها البعض، وصار من الضروري فصلها بواسطة القوائم ومع الصراخ والسباب المتبادل بين سفينة وأخرى كان من المستحيل أن يسمع أحد أوامر القبطان وما يرغب في تنفيذه، بغياب الخبرة عندهم ما استطاعوا تخليص المجاذيف في البحر الهائج، صارت السفن صعبة القيادة بالنسبة إلى مدير الدفع، في هذه اللحظة بالذات أعطى "فورنيوا" الأوامر للأثينيين بالهجوم، دمروا كل السفن التي صادفوها من دون مقاومة تذكر، وفرت السفن الاسبرطية الأخرى".
رغم النجاح البحري لم يستطع الأثينيون التحكم بالحرب البرية، لقد انحصر القتال ولم يستطع أي من الطرفين إحراز النصر الحاسم، لكن في عام 424 قبل الميلاد بدأت الدفة تميل عندما انهزم الأثينيون في "ديليوم".
كانت "ديليوم" مكان وجود هيكل لـ"أبولوا" كان الجنرال والفيلسوف الأثيني "أبو قراط" قائدًا للقوات الأثينية، لكنه سيثبت أنه فيلسوف قبل أن يكون جنديًا، خلال يوم من مغادرة "أثينا" وصل "أبو قراط" العصبي إلى "ديليوم" من غير إبطاء وأقام تحصينات، وعندما أمَّن الموقع العسكري ترك للطوارئ 300 من الخيالة كمدافعين, وبدأ مسيرة اضطرارية عائدًا إلى "أثينا"، وفي ميدان على بعد ميل واحد شرق "ديليوم" إلتقى بجيش من حلفاء "اسبرطة" "البويد جيان".
كان لدى "البويد جيان" هدف واحد الانتقام لتدنيس معبدهم، وكانوا مستعدين للانقضاض الفوري، وصلت قوات من المنطقة كلها للمشاركة في المعركة، وتجمعت خلف تلة تفصل بين الجيشين.
في ساعة متقدمة من بعد الظهر وقد جهز "البويد جيان" تشكيلاتهم للمعركة ظهروا عند أعلى التلة، كان الخيالة من الجانبين مع القوات الخفيفة وكان بينهم 3000 مقاتل من "تيبا" كانوا مرصوصين في 25 صفًا، وهؤلاء كانوا من أمهر وأخطر المقاتلين النظاميين في العالم القديم.
كان "أبو قراط" قد نظم مشاته في صفوف من ثمانية رجال عمقًا ووضع وحدات الخيالة عند الجانبين، وقبل الهجوم توجه "أبو قراط" لمخاطبة رجاله فقال: إذا انتصرنا فلن يستطيع "الاسبرطيون" من دون دعم "البويد جيان" اجتياح أرضنا من جديد، وبمعركة واحدة نستطيع أن نربح المنطقة ونحرر مدينتنا، إلى الأمام إذن، ولنواجههم بحس مواطنية المدينة التي هي بكل فخر الأولى في اليونان، توقف "البويد جيان" لأداء أناشيدهم الحربية، بعد ذلك تقدم الجيشين والتحما في معركة شرسة، لكنها انتهت بكارثة بالنسبة إلى الأثينيين، هلاك مدينة كبيرة كان على بعد خطوات.
كانت معركة "ديليوم" هزيمة برية كبرى مُني بها "الأثينيون" في النصف الأول من الحرب، كانت جزءًا من خطة أثينية لاحتلال أراضي جيرانهم "البويد جيان" كانت الخطة تضم ثلاثة هجومات متزامنة في اليوم نفسه، من الشرق والجنوب والشمال الشرقي، حيث تقع "بويدجيا"، مع الأسف تسربت الخطة إلى "بويدجيا" كان التوقيت خاطئًا، فبدأ القتال في الهجوم الجنوبي والغربي قبل وصول الأثينيين إلى "بويدجيا" مما لفت النظر إلى جيش "أثينا"، عندها ظن الأثينيون بأن الأمور فسدت وكادوا ينسحبون.
خسر "الأثينيون" الكثير من قواتهم الخفيفة السلاح، وقد أعيدوا إلى مدينتهم، وبقي الجيش المؤلف بأكثره من المشاة الثقيلي السلاح، وكان هذا الأمر ضد مصلحة الأثينيين المواجهين من جانب واحد، لكن سكان "بويدجيا" كانوا متطورين في التكتيكات المكوكية مع القتال الثقيل السلاح، لقد استطاعوا هزيمة الأثينيين بجمع جيشهم في جهة واحدة، وخرق المدافعين الأثينيين مما جعل الأثينيين ينعطفون فارين.
ترك "أبو قراط" نفسه في ميدان القتال في "ديليوم" مع ألف أثيني من المشاة الأشداء، خسارة القوة البشرية كان صفعة لأثينا إضافة إلى كلفة الحرب المتزايدة.
كانت المشكلة أن "الأثينيين" يصرفون مالاً، هذا أدى إلى أزمتين: الأولى: كلفة طلب أسطول وإبقائه عائمًا طوال شهر، كان الأثينيون يرسلون في السنة الواحدة 100 سفينة تبقى ثلاثة أو أربعة أشهر في البحر، كان هذا استنزاف لها، والأسوأ أن عمليات الحصار كانت مكلفة جدًا، الأزمة الأخرى: حصار "بوباديوا" في بداية الحرب الذي كلف "الأثينيين" ليس أقل من ألفي "طالن" من أجل حصار مدينة صغيرة، كان "الأثينيون" يصرفون ما يمكن أن يكفي ألفي نسمة، نظرًا إلى شح الموارد بسبب ثورة الاسبرطيين على حلفاء "أثينا"، وتوقف المساهمة الإمبراطورية ستعاني "أثينا" من مشاكل خطرة.
بدأت أمواج الحرب تنقلب على "أثينا"، لكن المدينة الكبيرة لم تسقط بعد، عام 426 قبل الميلاد وجد "ديموستينوس" الأثيني طريقه إلى الشهرة المعاصرة، كان جنديًا عنيدًا أنقذت أعماله "أثينا" في مناسبات عديدة، وكان هناك بعد البحرية الأثينية الخبيرة التي تمارس تفوقها في البحر، في محاولة لهزيمة سيطرة "أثينا" البحرية حاول "الاسبرطيون" السيطرة على القواعد البحرية عند مدخل خليج "كورنيت"، وبعد أن هزمهم "ديموستينوس" و"نوباكتوس" واجهوا "أولبي" متحالفين مع "إمبراكيوت"، لكن تكتيكات "ديموستينوس" الجديدة ردتهم على أعقابهم، وها هو أخيرًا الجنرال الأثيني القادر على إحراز النصر على البر.
لم يكن "ديموستينوس" شديدًا في ميدان القتال فقط، كان فعالاً أيضًا على طاولة المفاوضات، وإثر هذه المعركة اشترى "الاسبرطيون" سلامهم مقابل خدعة، وهذا لم يكن غريبًا على ما وصلت إليه الحرب من عمق.
قام اتفاق سري بين الاسبرطيين والأثينيين سمح للاسبرطيين بالنجاة من الميدان تاركين الأمبراكيوت تحت سيطرة المنتصرين، فر "الاسبرطيون" وحلت المجزرة بالأمبراكيوت على الفور.
عام 425 قبل الميلاد أثبت "ديموستينوس" قدرته من جديد، في طريقه إلى "صقلية" قاده الجو العاصف إلى ميناء "بيلوس" على الساحل البلوبينزي، لم يدع "ديموستينوس" الوقت واغتنم هذا الحادث المؤسف مستفيدًا منه لبناء دفاعات، ذعر "الاسبرطيون" من وصول القوات الأثينية إلى مسافة قريبة منهم فأمروا الجيش والأسطول بالتوجه إلى شبه الجزيرة.
عام 421 قبل الميلاد بعد الميلاد بعد عشر سنوات من الحروب غير الحاسمة وما سماه المؤرخين حروب "الأرشدميين" بدأ الطرفان يشعران بأن الوقت حان لإحلال السلام، عقدت معاهدة وافق عليها الطرفان، ومن دون أي شك تنفس الشعب الصعداء في كلتا المدينتين، ووافق على ما قاله الروائي الإغريقي "أريستوفان" في روايته المناوئة للحرب على لسان بطلته "ليسس ستراتا" قال: أتمنى من الله أن لا نُضيّع الطريق ونخوض هذه المغامرة، لكن هذا لم يحدث وسرعان ما تجدد بناء التحالفات، عقدت "أثينا" اتفاق دفاع مع "أرجوس" وعرف بالتحالف الرباعي.
عندما اجتاحت "اسبرطة" "أرجوس" إنما فعلت هذا لتحمي أحد حلفائها، لكن هذا جر "أثينا" إلى الحرب، وفي شتاء 419 و 418 قبل الميلاد عادت أعمال العنف لتتجدد.
لقد حلم "الأثينيون" طويلاً بإمبراطورية أثينية في الغرب، وفي عام 415 قبل الميلاد كان من الضروري رفع معنوياتهم لمنحهم أملاً جديدًا بعد سنوات الحرب الخاسرة، وكان التوسع غربًا أمرًا مغريًا يساور مخيلة الجميع، كان الهدف البديهي "سيركيوس" في "صقلية" التي لطالما أسالت لعاب الأثينيين وجردوا عليها حملات غير ناجحة في الماضي، بحماسة شديدة وافق المجلس الأثيني على إرسال إحدى أكبر الحملات حتى الآن، ولقد روى "توسيديدس" القصة كما يلي:
كانت هذه الحملة بالتأكيد أول حملة مُكلِفة وجيدة المظهر بين الجيوش "الهلِّينية" حتى ذاك الوقت والآتية من مدينة واحدة، بعدد السفن لم تكن تضاهي القوة التي ترأسها "بريكلس" إلى "أبيدورا"، أربعة آلاف من المشاة، ثلاثمائة من الخيالة، مائة سفينة ثلاثية المجاذيف إضافة إلى خمسين سفينة أخرى من "ليسبوس" و"شيوس" وقوات حليفة أخرى.
كل بحار حصل على "دراخما" واحدة في اليوم، والربابنة استنزفوا مصاريف كثيرة على الملبس والمظهر، بالنسبة إلى باقي المدن كان هذا عرضًا لقوة وسيطرة "أثينا" أكثر منه استعدادًا للحرب.
كل بيت في "أثينا" تقريبًا كان أمامه عامود بسيط يعلوه رأس، يقال: إنه رأس "هيرمس"، خلال الليل وأثناء حملة الأثينيين البحرية كان "هيرمس" يقلب على الأرض، وذلك لأنهم كانوا يعتقدون بأن هذا يؤمن الحماية والأمن للمنزل وسكانه.
بعدد يصل إلى 30 ألف رجل انطلق هذا الأسطول إلى عرض البحر سائرًا في البداية في خط واحد من خلال سفن متسابقة إلى "إيجينا"، انطلق الأسطول أولاً نحو جزيرة "كورسيرا" ومن ثم إلى جنوب إيطاليا، حملة "سيركيوس" ستمد على فترة سنتين ثم تتلاشى كما في الحرب في اليونان؛ لتصبح سلسلة هجومات وهجومات مضادة، لم يستطع حتى "ديموستينوس" أن يحولها لمصلحة "أثينا".
ثم عام 413 اقترب الأثينيون جدًا من النصر، إذ أن هناك هجوم ليلي أوصلهم إلى مبسط "أوريالوس" المرتفع، وهناك استطاعوا السيطرة على إحدى قلاع "سيركيوس"، لكن بعض المدافعين هربوا وحذروا العدو قبل أن تندلع معركة على المرتفع، تم رد الأثينيين بخسائر كثيرة، ما يقارب الألفي قتيل كانوا في أرض المعركة بعد انتهاء القتال.
كانت الحملة على "سيركيوس" بنظر البعض مشئومة منذ انطلاقها، وهي حملة كانت يُتوقع لها الفشل منذ البداية، أكثرية الجنود والبحارة المنطلقين فيها لم يعودوا، وذكرى ليلة تشويه "هيرمس" بقيت في أذهان الأثينيين الذين فقدوا إخوة وآباءً وأبناء حتى سنوات طويلة.
لم يكن من خيار آخر سوى ركوب السفن والعودة من الجزيرة، أدرك "نيسياس" أن هذا سيكون بمثابة تهديد لنفوذ "أثينا"، وفي رواية الفرسان لـ"أرسطوفان" نجد كم أن الأثينيين يحترمون سمعتهم.
انصاع "نيسياس" لنصيحة عرافيه عندما أظلم كسوف القمر الليلة المحددة للفرار وقالوا له: الوقت غير مناسب، تأجيل ثلاثة أسابيع أخرى أعطى "السيركسيون" وقتًا ليستعدوا للمعركة التي ستبيد جيش "أثينا"، أعد "جايليبوس" القائد الاسبرطي هجومًا ضخمًا على الأسطول الأثيني، ويذكر "توسيديدس" ما حصل بعد ذلك فيقول: خرج "السيركسيون" بأسطول من 76 سفينة، واستعد لهم الأثينيون بـ 86 سفينة اقتربت منهم وانطلقت تقاتل.
غلب "السيركسيون" وحلفاؤهم في البداية وسط الأثينيين، ثم أخذوا "رايندون" قائد الجناح الأيمن الذي أبحر عند حدود البر من أجل الالتفاف حول العدو، وفي تجويف المرفأ قتلوه ودمروا السفن المرافقة له.
هاجم الأثينيون "السيركسيون" بسفنهم الثقيلة، وأداروا سفنهم لملاقاة الأثينيين وجهًا لوجه، هذا الالتحام دمر وأضر بالكثير من سفن العدو، سفن "السيركسيون" الخفيفة دخلت بين الأثيني الثلاثي المجاذيف، وحطمت شفرة المجاذيف وأطلقت السهام عبر ثقوب المجاذيف على المجذفين.
بعد هذا يقول "توسيديدس": طاردوا الأسطول الأثيني كله وقادوه أمامهم نحو الشاطئ، أجبر الأثينيون على مسيرة طويلة خطرة من أجل الإفلات من مأساتهم على البر، لكن "جايليبوس" استبق الأمر وقدر احتمال حدوث هذا، فتواصلت الهجومات على الأثينيين طوال الطريق.
فصل الإرباك جيش "نيسياس" عن جيش "دوميستينوس" وعندما أكره "دوميستينوس" على الاستسلام تابع "نيسياس" ورجاله المسير إلى المجزرة، رمي الرجال التعساء بالرماح والأسلحة الأخرى خلال مسيرتهم، وعندما توقفوا لإرواء عطشهم عند النهر حوصروا من قِبَل "السيركسيون" وحلفائهم وقتلوا جميعًا، صارت المياه حمراء من الدماء، وتجسد انتقام "السيركسيون" على أرض الواقع، اعتقل "دوميستينوس" الشجاع وقُتل، كان هذا الإنجاز "الهلّيني" الأهم في الحرب.
كتب "توسيديدس" فقال: برأيي إنه الانتصار الهلّيني الأكثر فخرًا للمنتصر والأكثر عارًا على المهزوم، كل شيء دُمر وعاد عدد قليل من الكثيرين الذاهبين للحرب.
في الليل يمكنك أن ترى صراخ الأثينيين من جراء معاناتهم، كان الأمر بشعًا بشعًا جدًا، سوء إدارة طمعًا وغباء، استقبلت "أثينا" كتابات "سوفوكليس" أولاً: بارتياح ثم بيأس، البعض يقول: إنه يبالغ في وصف الكارثة؛ نظرًا إلى أن "أثينا" فقدت 40 ألف رجل، أي نصف ثلثي الأسطول العامل، من السهل أن نصدق أنهم أحسوا بخطر ما يقترب في ذلك الوقت، بالإضافة إلى ذلك فقدوا أكثر أسطولهم في ثورة "سيركيوس" وأضف إلى ذلك مشكلة إرسال "اسبرطة" لجيش إلى "ديكاليا" قرب "أثينا"، هذا جعل الاستفادة من المواد الزراعية ومناجم الفضة أكثر صعوبة من السابق، ثالثًا: اغتنم الفرس هذه الفرصة ليردوا على تدخل "أثينا" في أمور فارس الداخلية، وبدءوا بتمويل أعداء الفرس لبناء أسطول.
كانت هزيمة "سيركيوس" نقطة تحول، أحست المدن الموالية لـ"أثينا" أن قوتها تنهار فمالت لتشجيع القضية الاسبرطية أملاً بالحصول على حريتها، اعتبر الكثيرون منهم أن الحرب لابد من أن تنتهي قريبًا وسيربحون مناصرة "اسبرطة" من دون تقديم خسائر تذكر.
"يوبويوا"، "ليسبوس"، "شيوا"، "أمجوبوليس"، "أريتريا"، و"تاسوس" طردت الأثينيين، وأنهى سكان "لاسديمونيا" حيادهم وناصروا "اسبرطة"، لكن نهاية الحرب كانت لا تزال بعيدة، وعندما انطبقت الشبكة حولها كانت المدينة لا تزال مستعدة للقتال والموت.
ما زال هناك أمل بالنصر ومنت "أثينا" نفسها بالنصر البحري من جديد، جاء هذا النصر في المياه الضيقة عند "هيلسبون" في قتال بين 86 سفينة مثلثة المجاذيف من "اسبرطة" و 76 للأثينيين.
أبحر "الاسبرطيون" تحت قيادة "مينداروس" للمهاجمة محاولين الالتفاف حول السفن الأثينية قرب الساحل الأوروبي، لكن القائد الأثيني "راسيلوس" نشر سفنه بخط طويل في جهد كبير لإعاقة تلك المناورة، وأجبر الأثينيون على إضعاف وسط أسطوله، ما دفع القائد الاسبرطي إلى الهجوم.
كان الهجوم ناجحًا لدرجة أربكت السفن، لكن عندما تخلص الأثينيون من الهجوم على أجنحتهم، بات من السهل عليهم استجماع قواهم والإجهاز على الأسطول "البيلوبونزي" بكامله بعد هذا أثبت انتصار حاسم آخر قرب "سيزيكوس" في معركة برية وبحرية أن الأثينيين يملكون بعد قوة بحرية، لكن الوقت كان يمر.
قد يبدو من الغريب جدًا أنه خلال السنوات الثلاث من هزيمة الأثينيين في "صقلية" وقبل خمس سنوات فقط من الهزيمة النهائية لهم، حاول "الاسبرطيين" إلى الوصول إلى صلح مع الأثينيين الذين رفضوا ذلك، هذا حصل بعد انتصار الأثينيين في معركة "تيتيكوس"، وأظن أن سبب رفضهم كان أولاً: لأنهم كانوا يرون من موقعهم أن الهزيمة لم تكن قريبة منهم، وثانيًا: قد يكون هذا بالنسبة لعدد من الأثينيين السياسيين؛ لأن فكرة السلام مع "اسبرطة" تعني غيابهم عن الساحة السياسية، حققوا نجاحهم بأعمال العنف مع "اسبرطة" وبالنسبة إليهم يبدو الانتصار على "اسبرطة" ممكنًا ومستحبًا، وبدل أن نجد هذا غباءً يجب أن ننظر إليه من وجهة نظر حسابات سياسية وعسكرية، لكنها حسابات خاطئة.
رغم انتصاراتها البحرية كانت الأحداث تعاكس "أثينا" ما كانت تتوقع أن يبقى النصر دومًا إلى جانبها، في صيف 407 قبل الميلاد عُين "ألفي بياديس" قائدًا عامًا للقوى الأثينية وسيكون آخر القادة، كان يقابله في الجانب الاسبرطي "لايساندر" وسيكون من سيسبب سقوط "أثينا" النهائي، كان "لايساندر" من طينة نادرة بين الاسبرطيين، كان سياسيًا حاذقًا كسب ثقة الإمبراطورية الفارسية الضخمة وحصل على مساعدات حكومية سخية، ونتيجة لذلك استطاع بناء أسطول اسبرطي.
عندما محق الأثينيين في المعركة كانت المسألة مسألة وقت وتم الاستعداد للمعركة الحاسمة، جرت هذه في "أيجوست بوتامي" عام 405 قبل الميلاد، وتصرف الأثينيون بعكس ما نُصحوا به من الانسحاب من المعركة، حاولوا خداع "لايساندر" وجره إلى القتال، لكنه أراد أن يختار التوقيت.
بعد أيام عدة بدا للأثينيين أنه لن تقوم معركة فارتاحوا من الحراسة وسمحوا لأكثر بحارتهم بالعودة إلى البر، عندها تحين "لايساندر" الفرصة وهجم. كانت مفاجأة للأثينيين غير المستعدين للمعركة وتم الاستيلاء على 160 من سفنهم، وجمعت بحارتهم وقتل كل الأثينيين من بينهم.
انتهى تفوق "أثينا" البحري، وضربت أمواج الصدمة مدينة "أثينا" كالزلزال، عرف الجميع ما الذي سيحصل بعد هذا، كتب المؤرخ الكبير "زينوفون": "في تلك الليلة لم ينم أي رجل، ليس من الحزن بل من الرعب من المستقبل المحتوم الذي ينتظرهم ثمنًا لما فعلوه هم بـ"الأجنتان" و"الميليان" وغيرهما، تفككت الإمبراطورية الأثينية، وحوصرت "أثينا" بقوة اسبرطية كبيرة برًا وبحرًا وعانت العزلة، صمد الأهالي إلى أن بدءوا يموتون من الجوع، وفي نيسان أبريل 404 قبل الميلاد أُجبرت "أثينا" على الاستسلام.
احتل "لايساندر" و" البلوبونيزيون" الشوارع فيما كان يومًا مدينة كبيرة، تم تجريد "أثينا" من كل سفنها، وما بقي لها سوى 12، جُردت من كل الأراضي التي تملكها، وحال تدخل "لايساندر" شخصيًا دون تدمير المدينة وقتل أهلها.
تحولت "أثينا" إلى حليف تابع لـ"اسبرطة" مقابل الاستسلام، لم تحمى أسوار المدينة الكبيرة، هذه الأسوار التي حمت الأثينيين طوال مائة سنة من أعدائهم كان يجب أن تُهدم الآن.
كان تدمير سور "أثينا" رمزًا لتدمير وجودهم؛ لأن الأثينيين أعالوا أنفسهم بواسطة استيراد الحبوب من الخارج بفضل سيطرتهم على البحر، ولكن الآن وقد هُدمت أسوارهم من قِبَل الاسبرطيين وفقدوا سيطرتهم على المنطقة بين مرفئهم ومدينة "أثينا" نفسها، لم يعودوا قادرين بالتالي على استيراد الحبوب من أجل إطعام الشعب، من هنا فقدوا القدرة على إعالة أنفسهم.
هنا في "أجرا" وهو سوق عصري من السهل أن نتخيل النشاط البالغ في تلك الأيام والشائعات والأخبار التي وصلت إلى حدود الحُمى، غِنَاها ووضعها انعكسا على أبنيتها الكثيرة التي شيدت خلال فترت الازدهار، نشاهد بقايا من هذه الأبنية التي تنتشر في المنطقة في "أثينا" الحديثة اليوم.
كانت الخسائر البشرية والمادية التي مُنيت بها "أثينا" في حربها مع "اسبرطة" ضخمة فادحة، في النهاية يبدو أن حماة "أثينا" تركوا شعبهم، وهكذا طويت صفحة أخرى من صفحات التاريخ، ولقي هؤلاء القوم مصيرهم المحتوم جراء ما اقترفت أيديهم.
الموضوع منقول من :
http://www.startimes.com/f.aspx?t=15022132
الموضوع منقول من :
http://www.startimes.com/f.aspx?t=15022132