06 تشرين الثاني 2010 الوف بن - "هآرتس" الاسرائيلية
باراك أوباما فشل لانه لم يحافظ على علامته التجارية السياسية. السياسيون، مثل المنتجات الاستهلاكية، السيارات والافكار، يمتحنون بمسألة «ماذا أنت» وليس «من أنت». بقدر ما تكون هويتهم اكثر وضوحا، هكذا يكون مضمونا نجاحهم لزمن طويل. وبقدر ما يتشوش جوهرهم، هكذا يفقدون الاصوات واجزاء من السوق.
نجاح اوباما الجارف في السباق الى البيت الابيض نبع من العلامة التجارية السياسية المذهلة التي خلقها، كثوري جاء لانقاذ أميركا الغارقة. فالخارجي الاسود ذو الجذور والطفولة في العالم الثالث، الخطيب المسقع والكاتب الالمعي الذي جاء من اللامكان وحقق الحلم الأميركي، السناتور الشاب الذي لم يتسخ بالسياسة الصغيرة لواشنطن، رجل العائلة مع الزوجة الساحرة. لا يمكن لاي كاتب رواية أو سيناريو أن يخلق شخصية مركبة بهذا القدر عرضت رسالة بسيطة، قابلة للاستيعاب وواضحة لكل شخص: «التغيير».
ولكن من اللحظة التي صعد فيها الى الحكم، فقد اوباما هويته وسرعان ما أصبح سياسيا آخر من السياسيين الصغار الذين تجاوزهم في الطريق الى الاعلى. لعله عشق رموز البهاء فصعدت له الى الرأس. لعل انضباط الحملة وهن. لعله خاب أمله من أن يكتشف بان الرئيس ليس كلي القدرة، وأن الواقع يجعل من الصعب عليه الايفاء بالوعود مثل اغلاق معتقل غوانتانامو وانهاء «صدام الحضارات» بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي. اصلاحاته الصحية اقرت في الكونغرس، ولكن فقط بعد أن اصبحت جملة بيروقراطية متعددة البنود والانظمة. النتيجة كانت أن اوباما فقد الرسالة ولم يجد لها بديلا.
وهكذا انتقل تعريف العلامة التجارية «اوباما» الى خصومه من حركة «حفلة الشاي» الذين عارضوه كوحش. فقد وصفوه بانه مشكوك بأميركيته وانه مسلم متخفٍ، شيوعي متطرف يريد ان يضعضع النظام الاجتماعي ويحطم المؤسسة الاخلاقية لأميركا، وان يأخذ منا ليعطيهم. البعد العنصري في الحملة ضد اوباما، والتي اخفيت تحت غلاف دقيق من السلامة السياسية، عزز رسالة المعارضة: نحن نكافح في سبيل البيت لانقاذه من الغازي الاجنبي. تحت علم كهذا من السهل تجنيد المؤيدين.
ابداع «حفلة الشاي» كان في توجيه رسالة اوباما ضده. عنصر الخارجي المروج له والذي لعب في صالحه في الانتخابات الرئاسية، اصبح سلاحا بيد خصومه. اوباما اخطأ بالاستخفاف بالعدو ولم يقدم رسالة مضادة وتمترس فقط باقناع ذاته بان سياسته صحيحة وانهم لا يفهمونه. وحتى في خطاب الهزيمة التي القاها أول أمس، والتي أخذ فيها المسؤولية عن هزيمة الديمقراطيين في الانتخابات للكونغرس، أصر اوباما على أن قراراته كانت صحيحة، ولكن الناخبين خاب أملهم من النتائج الاقتصادية. حسب نهجه فانه محق والاقتصاد هو المذنب.
السوق السياسة شخصت بسرعة الفارق بين المرشح المثير للحماسة والرئيس مخيب الامال. الرسوم البيانية التي تتابع الرئاسة يوميا، والتي ينشرها معهد الاستطلاعات «رسموسان» تبدو كالمنزلقات في حديقة الترفيه للاطفال، التي تؤدي بالمنزلق بقوة حادة الى الارضية. في الاشهر الاخيرة، منذ اذار من هذا العام، نجح اوباما في أن يوقف الهبوط ولكنه بقي عالقا تحت الـ 50 في المائة في شعبيته، ومع فارق 16 في المائة في صالح خائبي الامل منه.
«نظرية السوق الناجعة» في الاقتصاد تعتقد ان ثمن السوق يجمع كل المعلومات التي في حوزة المشترين والبائعين. عندما يكون من المتوقع للشركة أن تسجل خسائر فان السهم سيهبط حتى قبل ان تنشر التقارير المالية. هذا صحيح في السياسة ايضا ويشرح ضعف اوباما في الشرق الاوسط. زعماء اسرائيل والفلسطينيين الذين حتى قبل بضعة اسابيع كانوا يخافون من كلمة تصدر عن الرئيس، فقدوا الخوف من هيبته في اللحظة التي استوعبوا الهزيمة المتوقعة لحزبه في انتخابات منتصف الولاية. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رفض تمديد تجميد المستوطنات والرئيس الفلسطيني، محمود عباس، اوقف محادثات السلام. كلاهما عادا الى مواقفهما الاولى ? توسيع المستوطنات ورفض المفاوضات ? التي تخليا عنها من قبل تحت ضغط اوباما.
والآن جاء «اليوم التالي»، ونتنياهو يسافر الى أميركا كي يعيد تقدير وضعه حيال الادارة. انتصار الجمهوريين في مجلس النواب جيد لنتنياهو. فلا شيء أكثر حبا لديه من المناورات في السياسة الأميركية، وأوضاع الكونغرس المناكف للادارة مريحة لمثل هذه المناورات. اوباما، الذي يسافر ليواسي نفسه في آسيا، لن يلتقي هذه المرة رئيس الوزراء، ولكن مع عودته سيتعين عليه أن يقرر الى أن سينطلق من هنا.
السياسة الخارجية كانت منذ البداية ملجأ الرؤساء الأميركيين الذين تعرضوا للضربات في انتخابات منتصف الولاية. «وزير الدفاع» ومستشار نتنياهو المقرب، ايهود باراك، يقدر بان اوباما سيعمل بكل قوته على اقامة دولة فلسطينية في الصيف القريب المقبل. هذا هو ما وعد به، هذا ما يتوقعه العالم منه، وهذا يناسب ايمانه الداخلي واحساسه بالعدل. وحسب هذا النهج، سيسعى اوباما الى اقامة فلسطين وسيتجاهل الثمن السياسي الداخلي.
ولكن هذا ليس الخيار الوحيد. الانباء الافضل التي قرأها نتنياهو هذا الاسبوع جاءت في مقال دافيد برودر، كبير المحللين السياسيين في أميركا، يوم الاحد في «واشنطن بوست». اذا استمر الركود، فلن يتمكن اوباما من ان يعاد انتخابه، كما قضى برودر ? الذي غطى كل الحملات الانتخابية في الخمسين سنة الاخيرة. ولكن للرئيس يوجد تأثير هامشي فقط على حجم الاعمال التجارية. كيف يمكنه مع ذلك أن يؤثر؟ «الجواب واضح من تلقاء ذاته ولكن آثاره مخيفة. الحرب والسلام يؤثران على الاقتصاد»، كتب برودر وذكر كيف أن فرنكلين روزفلت انقذ بلاده من الازمة الكبرى، فقط عندما دخل الى الحرب العالمية الثانية.
استنتاج برودر: على اوباما أن يسعى الى مواجهة مع ايران. هذا فقط ستنقذه من الافول السياسي. الكونغرس الجمهوري والجمهور سيؤيدونه، والاستعدادات للحرب ستحفز من جديد الاقتصاد الأميركي. «اذا ما صد أوباما التطلعات النووية لايران، فان العالم سيكون أكثر أمنا وهو سيذكر كأحد الرؤساء الناجحين في التاريخ»، قضى برودر. وهذا بالضبط ما قاله نتنياهو لاوباما في لقائهما الاول: «التاريخ سيحاكمك حسب نجاحك في صد التهديد الايراني».
برودر ليس رجلا يمينيا تواقا للحروب، بل صوت المركز الأميركي، الذي أيد اوباما ولا يزال يؤمن بقوته لاعادة بناء نفسه. اذا ما أنصت الرئيس له ستنشأ الظروف لصفقة تاريخية مع اسرائيل: احباط التهديد الايراني مقابل استقلال للفلسطينيين وتفكيك المستوطنات في الضفة. ايتمار مقابل نتناز، ليفنغر وكتسوفار مقابل احمدي نجاد وخمينئي.
اوباما ونتنياهو متشابهان. كلاهما كانا رجلي حملة كبار في المعارضة، والعلامة التجارية السياسية لهما تشوشتا مع صعودهما الى الحكم. اعتبارهما سيكون في التغلب على ضعف الشخصية، رواسب الماضي والخلافات بينهما. وتصميم المسار الذي سيصمم من جديد الشرق الاوسط. اذا ما نجحا، سيتركان وراءهما إرثا ? بل وسيفوزان في الانتخابات.
http://www.elnashra.com/articles-1-24041.html
باراك أوباما فشل لانه لم يحافظ على علامته التجارية السياسية. السياسيون، مثل المنتجات الاستهلاكية، السيارات والافكار، يمتحنون بمسألة «ماذا أنت» وليس «من أنت». بقدر ما تكون هويتهم اكثر وضوحا، هكذا يكون مضمونا نجاحهم لزمن طويل. وبقدر ما يتشوش جوهرهم، هكذا يفقدون الاصوات واجزاء من السوق.
نجاح اوباما الجارف في السباق الى البيت الابيض نبع من العلامة التجارية السياسية المذهلة التي خلقها، كثوري جاء لانقاذ أميركا الغارقة. فالخارجي الاسود ذو الجذور والطفولة في العالم الثالث، الخطيب المسقع والكاتب الالمعي الذي جاء من اللامكان وحقق الحلم الأميركي، السناتور الشاب الذي لم يتسخ بالسياسة الصغيرة لواشنطن، رجل العائلة مع الزوجة الساحرة. لا يمكن لاي كاتب رواية أو سيناريو أن يخلق شخصية مركبة بهذا القدر عرضت رسالة بسيطة، قابلة للاستيعاب وواضحة لكل شخص: «التغيير».
ولكن من اللحظة التي صعد فيها الى الحكم، فقد اوباما هويته وسرعان ما أصبح سياسيا آخر من السياسيين الصغار الذين تجاوزهم في الطريق الى الاعلى. لعله عشق رموز البهاء فصعدت له الى الرأس. لعل انضباط الحملة وهن. لعله خاب أمله من أن يكتشف بان الرئيس ليس كلي القدرة، وأن الواقع يجعل من الصعب عليه الايفاء بالوعود مثل اغلاق معتقل غوانتانامو وانهاء «صدام الحضارات» بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي. اصلاحاته الصحية اقرت في الكونغرس، ولكن فقط بعد أن اصبحت جملة بيروقراطية متعددة البنود والانظمة. النتيجة كانت أن اوباما فقد الرسالة ولم يجد لها بديلا.
وهكذا انتقل تعريف العلامة التجارية «اوباما» الى خصومه من حركة «حفلة الشاي» الذين عارضوه كوحش. فقد وصفوه بانه مشكوك بأميركيته وانه مسلم متخفٍ، شيوعي متطرف يريد ان يضعضع النظام الاجتماعي ويحطم المؤسسة الاخلاقية لأميركا، وان يأخذ منا ليعطيهم. البعد العنصري في الحملة ضد اوباما، والتي اخفيت تحت غلاف دقيق من السلامة السياسية، عزز رسالة المعارضة: نحن نكافح في سبيل البيت لانقاذه من الغازي الاجنبي. تحت علم كهذا من السهل تجنيد المؤيدين.
ابداع «حفلة الشاي» كان في توجيه رسالة اوباما ضده. عنصر الخارجي المروج له والذي لعب في صالحه في الانتخابات الرئاسية، اصبح سلاحا بيد خصومه. اوباما اخطأ بالاستخفاف بالعدو ولم يقدم رسالة مضادة وتمترس فقط باقناع ذاته بان سياسته صحيحة وانهم لا يفهمونه. وحتى في خطاب الهزيمة التي القاها أول أمس، والتي أخذ فيها المسؤولية عن هزيمة الديمقراطيين في الانتخابات للكونغرس، أصر اوباما على أن قراراته كانت صحيحة، ولكن الناخبين خاب أملهم من النتائج الاقتصادية. حسب نهجه فانه محق والاقتصاد هو المذنب.
السوق السياسة شخصت بسرعة الفارق بين المرشح المثير للحماسة والرئيس مخيب الامال. الرسوم البيانية التي تتابع الرئاسة يوميا، والتي ينشرها معهد الاستطلاعات «رسموسان» تبدو كالمنزلقات في حديقة الترفيه للاطفال، التي تؤدي بالمنزلق بقوة حادة الى الارضية. في الاشهر الاخيرة، منذ اذار من هذا العام، نجح اوباما في أن يوقف الهبوط ولكنه بقي عالقا تحت الـ 50 في المائة في شعبيته، ومع فارق 16 في المائة في صالح خائبي الامل منه.
«نظرية السوق الناجعة» في الاقتصاد تعتقد ان ثمن السوق يجمع كل المعلومات التي في حوزة المشترين والبائعين. عندما يكون من المتوقع للشركة أن تسجل خسائر فان السهم سيهبط حتى قبل ان تنشر التقارير المالية. هذا صحيح في السياسة ايضا ويشرح ضعف اوباما في الشرق الاوسط. زعماء اسرائيل والفلسطينيين الذين حتى قبل بضعة اسابيع كانوا يخافون من كلمة تصدر عن الرئيس، فقدوا الخوف من هيبته في اللحظة التي استوعبوا الهزيمة المتوقعة لحزبه في انتخابات منتصف الولاية. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رفض تمديد تجميد المستوطنات والرئيس الفلسطيني، محمود عباس، اوقف محادثات السلام. كلاهما عادا الى مواقفهما الاولى ? توسيع المستوطنات ورفض المفاوضات ? التي تخليا عنها من قبل تحت ضغط اوباما.
والآن جاء «اليوم التالي»، ونتنياهو يسافر الى أميركا كي يعيد تقدير وضعه حيال الادارة. انتصار الجمهوريين في مجلس النواب جيد لنتنياهو. فلا شيء أكثر حبا لديه من المناورات في السياسة الأميركية، وأوضاع الكونغرس المناكف للادارة مريحة لمثل هذه المناورات. اوباما، الذي يسافر ليواسي نفسه في آسيا، لن يلتقي هذه المرة رئيس الوزراء، ولكن مع عودته سيتعين عليه أن يقرر الى أن سينطلق من هنا.
السياسة الخارجية كانت منذ البداية ملجأ الرؤساء الأميركيين الذين تعرضوا للضربات في انتخابات منتصف الولاية. «وزير الدفاع» ومستشار نتنياهو المقرب، ايهود باراك، يقدر بان اوباما سيعمل بكل قوته على اقامة دولة فلسطينية في الصيف القريب المقبل. هذا هو ما وعد به، هذا ما يتوقعه العالم منه، وهذا يناسب ايمانه الداخلي واحساسه بالعدل. وحسب هذا النهج، سيسعى اوباما الى اقامة فلسطين وسيتجاهل الثمن السياسي الداخلي.
ولكن هذا ليس الخيار الوحيد. الانباء الافضل التي قرأها نتنياهو هذا الاسبوع جاءت في مقال دافيد برودر، كبير المحللين السياسيين في أميركا، يوم الاحد في «واشنطن بوست». اذا استمر الركود، فلن يتمكن اوباما من ان يعاد انتخابه، كما قضى برودر ? الذي غطى كل الحملات الانتخابية في الخمسين سنة الاخيرة. ولكن للرئيس يوجد تأثير هامشي فقط على حجم الاعمال التجارية. كيف يمكنه مع ذلك أن يؤثر؟ «الجواب واضح من تلقاء ذاته ولكن آثاره مخيفة. الحرب والسلام يؤثران على الاقتصاد»، كتب برودر وذكر كيف أن فرنكلين روزفلت انقذ بلاده من الازمة الكبرى، فقط عندما دخل الى الحرب العالمية الثانية.
استنتاج برودر: على اوباما أن يسعى الى مواجهة مع ايران. هذا فقط ستنقذه من الافول السياسي. الكونغرس الجمهوري والجمهور سيؤيدونه، والاستعدادات للحرب ستحفز من جديد الاقتصاد الأميركي. «اذا ما صد أوباما التطلعات النووية لايران، فان العالم سيكون أكثر أمنا وهو سيذكر كأحد الرؤساء الناجحين في التاريخ»، قضى برودر. وهذا بالضبط ما قاله نتنياهو لاوباما في لقائهما الاول: «التاريخ سيحاكمك حسب نجاحك في صد التهديد الايراني».
برودر ليس رجلا يمينيا تواقا للحروب، بل صوت المركز الأميركي، الذي أيد اوباما ولا يزال يؤمن بقوته لاعادة بناء نفسه. اذا ما أنصت الرئيس له ستنشأ الظروف لصفقة تاريخية مع اسرائيل: احباط التهديد الايراني مقابل استقلال للفلسطينيين وتفكيك المستوطنات في الضفة. ايتمار مقابل نتناز، ليفنغر وكتسوفار مقابل احمدي نجاد وخمينئي.
اوباما ونتنياهو متشابهان. كلاهما كانا رجلي حملة كبار في المعارضة، والعلامة التجارية السياسية لهما تشوشتا مع صعودهما الى الحكم. اعتبارهما سيكون في التغلب على ضعف الشخصية، رواسب الماضي والخلافات بينهما. وتصميم المسار الذي سيصمم من جديد الشرق الاوسط. اذا ما نجحا، سيتركان وراءهما إرثا ? بل وسيفوزان في الانتخابات.
http://www.elnashra.com/articles-1-24041.html