رد: الدبابة تاريخها من الالف الى الياء
الجزء الاخير
-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-
القدرة النارية
القدرة النارية للدبابات، تتحدد بمدى قدرة الدبابة على رصد، استهداف، وتدمير أهداف متعددة وبسرعة كافية في ساحة المعركة، فيجب أن يكون لها تسليح قادر على تدمير الهدف، وذخائر تناسب طبيعة كل هدف محتمل بالإضافة لأنظمة تهديف وإدارة نيران ملائمة لساحات القتال الحديثة
التسليح.
الدبابات الحديثة مزودة بمدافع كبيرة العيار كتسليح رئيسي، وتعتبر المدافع من عيار 120 ملم قياسية بالنسبة للدبابات الغربية، بينما المدافع من عيار 125 ملم هي المعتمدة للدبابات الشرقية. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم لم تتزايد أعيرة مدافع الدبابات كثيراً لاعتبارات فنية عديدة، فإن زيادة حجم المدفع الرئيسي سيتطلب بالضرورة مساحة أكبر من البرج تخصص لآلية المدفع، مما يعني إضعافاً لمتانة دروع مقدمة البرج، ما يؤثر سلباً على مستوى الحماية للدبابة، عدا عن أنه سيزيد قوة الإرتداد عند إطلاق النار، وهو عامل آخر يؤثر على ثبات الدبابة وقدرتها على الإشتباك بالنيران أثناء حركتها.
معظم مدافع الدبابات منذ بدايات القرن الماضي وإلى سبيعنياته، اعتمدت سبطاناتٍ محلزنة، لكنها تراجعت كثيرا مع انتشار المدافع ذات السبطانة الملساء. تأمن السبطانة المحلزنة دوراناً للقذيفة حول محورها أثناء طيرانها نحو الهدف مما يعطيها ثباتاً أكبر في مسارها كنتيجة مباشرة للحركة المغزلية، ويساهم في إطالة مدى الرماية. أما السبطانة الملساء فهي التقانة الأوسع انتشارا وتكاد تكون الوحيدة في الإنتاج في الوقت الراهن، فقد حلت بشكل سريع على معظم الدبابات السوفياتية التي دخلت الخدمة العملانية خلال فترة السبعينيات، مثل الدبابة "تي-64" والدبابة "تي-72" بمدفعها القوي من طراز "2آيه.46إم"، قبل حلولها أيضاً على الدبابات الغربية كمدفع "رينمتال-120" المستخدم على دبابة "إم-1 أبرامز" الأمريكية. إن السبطانة الملساء تبقي القذيفة نظيفة من ناحية ديناميكيتها الهوائية خلال عبورها للسبطانة، مما يسهل أكثر الوصول لسرعة فوهة عالية جداً تزيد على 1700 م/ث في عدة تصاميم
مدافع الدبابات الحديثة عدة مميزاتٍ فنية، فهي تزود غالباً بطبقةٍ عازلة حرارياً، فعلى سبيل المثال قد تؤدي الأمطار أو تراكم الثلوج على الجزء العلوي من السبطانة إلى هبوط درجة حرارته بشكل أسرع من القسم السفلي، أو قد يؤدي هبوب الرياح من جهةٍ ما لنتيجةٍ مشابهة، ما يسبب إنحناءاتٍ ميكرووية في السبطانة تؤثر بدورها سلباً على دقة مسار القذائف وبشكلٍ ملحوظ على المديات البعيدة. وتحتوي السبطانات على أسطوانات تصريف الغازات، وهي أسطوانات مدمجة فيها وظيفتها طرد الغازات المتولدة عن احتراق الشحنات الدافعة للقذائف للخارج وبعيداً عن الطاقم. كما تجهز آلية هذه المدافع بمخمدات ارتداد متطورة لتقليص تأثيرات ارتداد السلاح عند إطلاق النار، وبعض المدافع لها ملقم آلي أو نصف آلي يزيد من معدلات الرماية.
وللدبابات تسليح ثانوي، وهو تسليح مساند، فمن المعتاد وجود رشاشات متوسطة من عيار 7.62 ملم كرشاشات محورية بجانب المدفع الرئيسي تستعمل ضد مشاة العدو، أو عرباته الخفيفة التصفيح وغيرها من الأهداف الرخوة، حينما يكون استخدام السلاح الرئيسي يمثل إهداراً للقوة. كذلك للدبابات تسليح ثانوي مضاد للطائرات غالباً ما يكون عبارة عن مدفع آلي من عيار 12.7 ملم نراه بوضوح فوق كوة قائد الدبابة على مختلف الدبابات الشرقية والغربية على السواء، كما من الممكن أن تزود الدبابات بأسلحة أخرى كقاذفات اللهب أو قاذفات الرمانات الآلية.-+
الذخائر
تستخدم الدبابات تشكيلة من الذخائر لمدافعها الرئيسية، وتعتبر الذخيرة الأحادية الكتلة (أي التي تكون فيها مكونات القذيفة في قطعة واحدة) قياسية على الدبابات الغربية. أما الدبابات الشرقية فتستخدم ذخيرة متجزئة (حيث تكون أجزاء الذخيرة مجزئة قبل تلقيمها في المدفع لثلاثة أجزاء وهي المقذوف والشحنة الدافعة وبادئ الإحتراق) شبيهة بتصميم ذخائر مدفعية الميدان. لقذائف الدبابات فئات عديدة تختلف بتصاميمها وفعاليتها حسب نوع الهدف.
قذيفة خارقة للدروع نابذة للكعب مثبتة بزعانف، ويظهر فيها المقذوف مع الكعب المحيط به وبدون الشحنة الدافعة.
ومن أهم فئات ذخائر الدبابات: القذائف المنسحقة، القذائف الشديدة الإنفجار المضادة للدبابات، والقذائف الخارقة للدروع النابذة للكعب. القذائف المنسحقة هي نوع من القذائف التي تصمم بغلاف معدني رقيق عموما حول شحنة من المتفجرات البلاستيكية، مع صاهر مؤخر في قاعدة المقذوف، مما يجعلها تنسحق على شكل قرص بمساحة كبيرة عند الإرتطام بسطح الهدف قبل أنفجارها، وعندئذ تولد موجات إرتجاجية عبر دروع الدبابة كافية للتسبب بتشظي معدن الجدار الداخلي وإصابة طاقمها دون اختراقها، وهذا النوع من القذائف أصبح متقادما ولكنها تبقى فعالة جدا عند استعمالها ضد أفراد العدو المتحصنين خلف الجدران الخرسانية.
القذائف الشديدة الإنفجار المضادة للدبابات، هي نوع من الذخائر مزودة برأس حربية ذات شحنة جوفاء، بمعنى أن الرأس الحربية مشكلة مسبقا بشكل هندسي، وتولد شحنتها الشديدة الإنفجار درجات حرارة مرتفعة جدا يمكن أن تتجاوز 2000 أو 3000 درجة مئوية، كافية لصهر معدن دروع الهدف، بينما يتسبب شكلها الهندسي بتوجيه نفث هذا المزيج المنصهر عميقا عبر الدرع. ونظراً لآلية عمل هذا النوع من المقذوفات فإن فعاليتها لا تتأثر بمدى الرماية كونها تعتمد على الحرارة لا على السرعة لتدمير الهدف، ما يزيد من مداها الفعال.
القذيفة السوفياتية "بي.كيه-14إم" من عيار 125 ملم ذات الحشوة الجوفاء.
أما القذيفة الخارقة للدروع النابذة للكعب، فلها الشعبية الأوسع لدى طواقم الدبابات، حيث أنهم يعتبرونها الأكثر فاعلية في مواجهة الدروع المعادية الحديثة. إن هذه القذيفة لها عيار صغير مقارنة بعيار سبطانة المدفع الذي يطلقها، فهي تتكون من سهم مصنوع من سبائك معدنية عالية الصلابة كالتنغستن أو اليورانوم المنضب، يتراوح قطره بين 30 إلى 40 ملم عموماً، ويحيط به الكعب الذي يثبته عبر السبطانة التي تكون بعيار قد يصل إلى 125 ملم، وهكذا فإن الشحنة الدافعة الكبيرة تركز طاقة هائلة لدفع مقذوف أصغر بكثير من الأنواع الأخرى، وينفصل الكعب فور مغادرة القذيفة للفوهة، محرراً السهم المنطلق بسرعة عالية. مما يقودنا بالتالي لاستنتاج أن هذا النوع من الذخائر يعتمد على السرعة كعامل رئيسي، ولذلك تعرف بمقذوفات الطاقة الحركية.
بعض الدبابات الحديثة، وخاصة سلسلة الدبابات السوفياتية سابقاً أو الروسية حالياً مثل الـ تي-64، تي-72، "تي-80"، وتي-90 على سبيل المثال لها القدرة على إطلاق صواريخ مضادة للدبابات موجهة ليزرياً من مدافعها الرئيسية مثل صاروخ "آيه.تي-8 سونغستر". كما أن هنالك بعض الأنواع المتخصصة من القذائف المضادة للأفراد.
إدارة النيران.
الدبابات في مراحل بداية تاريخها، إعتمدت على أنظمة بدائية للتهديف، فكان تصويب مدافعها يتم بطريقة يدوية، أي باستعمال عجلات تدار يدوياً لتحريك مجموعة من التروس والمسننات، وبمساعدة مناظير مقربة (تلسكوبية) ذات الخطوط المتصالبة وفيها أيضاً علامات التدريج الستاديامترية لتساعد بتقدير المدى، والتي استبدلت لاحقاً بمقدرات المدى التطابقية (السيتروسكوبية). شكلت هذه الوسائل أساس أنظمة التهديف في الدبابات إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى فترة السبعينيات، ومثالاً على ذلك نجد الدبابة السوفياتية "تي-55" أو الأمريكية "إم-48 باتون" استخدمت كغيرها أنظمة مشابهة للتي ذكرت آنفا.لكن ومنذ أواسط السبعينات بدأت مرحلة جديدة، وذلك بدخول جيل أحدث من الدبابات في الخدمة لدى مختلف الجيوش حول العالم، مثل "تي-64" و"تي-72" الشرقية، أو "إم-1 أبرامز" و"ليوبارد-2" في الغرب.
في الدبابة المعاصرة يقوم حاسب الرمي الباليستي بجمع المعطيات المدخلة إليه من عدة أجهزة ومجسات ليجري عملياته الحسابية ومن ثم يستخرج حسابات الرماية وتصويب السلاح. ولتنفيذ ذلك يأخذ الحاسوب قياسات سرعة واتجاه الرياح من مجس الرياح المنصوب على سطح البرج، قراءات درجة حرارة السبطانة من مجس حرارتها، وقراءات مرجع الفوهة ليحدد مدى انحناء السبطانة، معطيات فئة العتاد المجهز للرمي والتي يدخلها مدفعي الدبابة، مدى وسرعة وسمت ووجهة الهدف والتي يحددها مقدر المدى الليزري بعد أخذ علامتين للهدف على الأقل، كما يأخذ قياسات وضعية، سرعة، ووجهة المركبة من الجيروسكوب ووسائل أخرى. وهكذا يستخرج حاسب الرماية معادلات الرمي في أجزاء من الثانية، ويقوم بتصويب السلاح الرئيسي بشكل يضمن مستوىً عالٍ من دقة الإصابة، أي أنه يصوب المدفع بزاوية ارتفاع وسمت يؤدي لسقوط القذيفة في النقطة التي يسدد إليها الرامي آنياً. ولا بد لنا من الإشارة إلى خاصية تثبيت المدفع عمودياً وأفقياً، إذ يمكن للمدفعي اختيار نقطة ما، وجعل المدفع مثبتاً نحوها بغض النظر عن حركة الدبابة، فلو انعطفت الدبابة بأي إتجاه، أو لو سلكت طريقاً وعرة تجعلها تصعد وتهبط وتتمايل بسرعة، فإن المدفع يبقى دوماً مصوباً نحو هدفه، وذلك بفضل حاسب الرماية الذي يصححه بمعدل أجزاء الألف من الثانية أو أكثر، وهو ما يكسب الدبابات القدرة على الرماية خلال المناورة بالحركة.
الحماية
إن حماية الدبابة تتضمن عدة مستويات من قدرتها التخفي لتجنب الكشف والرصد، ويجب أن يتوفر لها الوسائل الهامدة أو النشطة لإعاقة أسلحة الخصم، كالحماية الدخانية والحرارية، وتدريع يكفل لها البقاء في ساحة المعركة لتنفيذ مهامها أو على الأقل حماية طواقمها
التمويه والإخفاء
تراعي الدبابات كغيرها من الأسلحة في الجيوش قواعد الإخفاء والتمويه لتجنب وسائل الكشف والرصد المعادي، وتحاول دوماً التقليل من بصماتها الصوتية والبصرية والحرارية والرإدارية. إن الدبابات لها محركات ذات قدرة عالية ولها بصمة صوتية مميزة، فإن الدبابة حتى وهي ثابتة مع محركٍ دائر، يبقى من السهل سماع ضجيج محركها من مسافاتٍ بعيدة، وملاحظة رائحة الديزل في الهواء لعشرات الأمتار. ويمكن للشخص المتمرس الإنتباه لصواعد الهواء الساخن فوق الدبابات وإن كانت مختفية خلف السواتر الأرضة والتلال، وكذلك أعمدة الغبار الكثيفة التي تخلفها سراف الدبابات خلال حركتها تعتبر واضحة جداً للعيان، كما تترك ورائها خطوطاً طويلة من الآثار البارزة خاصة في الصحارى، مما يجعلها عرضة للكشف من الطائرات.
ولتقليل البصمة البصرية يكون طلائها ملائماً للبيئة التي تعمل فيها، ليجعل لونها مماثلاً قدر الإمكان للخلفية الطبيعية. إن الدبابات في وضعية الثبات غالباً ما تتمركز في حفر خاصة بها، ويتم تغطيتها بشبكات التمويه التقليدية والحرارية. وتتبع الدبابات خلال القتال تكتيكات الإدراع بالأرض، فيتدرب سائقوا الدبابات على إيجاد المنخفضات الأرضية وإدخال دباباتهم فيها في وضعية الهيكل المنخفض، بحيث لا يظهر منها إلا البرج مما يصعب رصدها ويستفاد من التضاريس في تجنب القذائف المعادية. لكن تظل البصمة الحرارية الأصعب من ناحية إخفائها. إن محركات الدبابات تولد قدراً هائلاً من الإنبعاثات الحرارية، تمكن الخصم من رصدها خاصة في الظلام بسهولة كبيرة، حتى أن جسم المركبة المعدني نفسه يمتص كماً كبيراً من الحرارة في ساعات النهار، ولا يبرد هيكل الدبابة بنفس المعدلات كما الأجسام الأخرى في الخلفية الطبيعية، ومع أنك قد لا ترى بالعين المجردة غير السواد الحالك في ليلة مظلمة، إلا أنك سرعان ما تلاحظ بسهولة كيف تظهر لك دبابة معادية في المنظار الحراري مضيئة بشدة من على بعد عدة كيلومترات. ولذلك قد تلجأ طواقم الدبابات لتغطيتها بالشبكات الحرارية عند توقفها لتشتيت انبعاثات الأشعة ما تحت الحمراء قدر المستطاع، كما قد يتم تغطيتها بالطين البارد مثلما فعلت بعض أطقم الدبابات السورية والعراقية في مرتفعات الجولان خلال حرب تشرين عام 1973 م. كما أظهرت حرب الخليج الثانية عام 1991 م قدرة الرادارات المحمولة جواً على كشف الأرتال المدرعة الكبيرة المتحركة، ما حدا بالجيش العراقي لتجنب تحريك دروعه في تشكيلات كبيرة حتى خلال الليل.
الدفاعات السلبية
الدفاعات السلبية للدبابة تشمل وسائل الإخفاء والتمويه أيضاً، كما يمكن أن يعتبر درع الدبابة وسيلة دفاعية سلبية، ولكن تستخدم الدبابات إلى جانب ما ذكر وسائل دفاعية هامدة أخرى. لدى كثير من الدبابات القدرة على حقن رذاذ الوقود مباشرة في عادم المحرك، وباحتراقه تولد هذه الدبابات ذاتياً ستارةً دخانية بيضاء متواصلة تساعدها على التخفي. كما أن الدبابات كغيرها من المركبات القتالية تزود بعدد من قاذفات الرمانات الدخانية، وهي عبارة عن أنابيب تحتوي على رمانات تشكل عند إطلاقها ستارة كثيفة من الدخان الأبيض أو الأسود أمام الدبابة غالباً وخلال ثانية واحدة أو اثنتين، ما يمكن الدبابة من الإنسحاب بسرعة أو التخلص من الإشتباك. إن الستائر الدخانية لا تخفي الدبابة بصرياً فقط، وإنما تحجب الأشعة ما تحت الحمراء وعندما تكون كثيفة بشكل كافٍ فإنها تحد من اختراق أشعة الليزر لها، وهذا ما يتيح للدبابة فرصة التخلص من التتبع الحراري، إلى جانب إعاقة استهدافها بالأسلحة الموجهة ليزرياً. لقد عمدت طواقم الدبابات العراقية بالخبرة خلال حرب الخليج الأولى مع إيران إلى إطلاق أنواع مطورة ميدانياً من العصائف والشهب الحرارية، بعد ملاحظتهم أثرها في التشويش على أنظمة توجيه الصواريخ الإيرانية من طراز "تاو-1" الأمريكية الصنع، ما كان يحرفها عن مسارها. ويذكر أن بعض الدبابات الأحدث مثل "لوكلير" الفرنسية والدبابة الروسية "تي-90" لها أنظمة استشعار وحماية آلية دخانية وحرارية، وبإمكانها إطلاق العصائف الحرارية لتضليل الأسلحة الموجهة بالأشعة ما تحت الحمراء، شبيهة بتلك التي تستخدمها الطائرات المقاتلة. كما زودت الـ"تي-90" بنظام "شتورا-1" وهو نظام دفاع هامد، يبث موجات كهرومغناطيسية للتشويش على وسائل التهديف النصف آلية الشائعة الاستخدام مع الصواريخ المضادة للدبابات.
التدريع.
لقد بدأت الدبابات عهدها كمركبات قتالية بأشكالٍ بدائيةٍ من الدروع الفولاذية التقليدية، وتزايدت سماكة دروع الدبابات من بضعة مليمترات خلال الحرب العالمية الأولى، إلى أن تجاوزت الـ 200 و300 ملم في نهاية الحرب العالمية الثانية وإلى مطلع السبعينات. لكن زيادة كمية الدروع كانت تحد من القدرات الحركية للدبابة، ووصلت حداً من غير العملي تجاوزه، ومن هنا بدأ المهندسون بالبحث عن وسائل لتحسين فاعلية دروع الدبابة بشكلٍ لا يزيد كثيراً في حجمها ووزنها.
وهكذا شاع استخدام الدروع المائلة، حيث أن الدرع المائل يزيد من المسافة العرضية الواجب على الرأس الحربية المعادية قطعها لاختراق دروع الدبابة، ولذلك فعند المقارنة بين درعين من نفس السماكة المقطعية نرى أن الدرع المائل بزاوية 45 درجة على سبيل المثال يأمن زيادة تصل لـ 40% في هذه السماكة الإجمالية مقارنة مع الدرع المستقيم. إن الدرع المائلة لا تزيد فقط من السماكة الإجمالية، ولكنها أيضا وببساطة ترفع من احتمالات نبو القذائف المعادية وانزلاقها عن سطح الدبابة، وخلال الحرب العالمية الثانية أصيب الجنود الألمان بالرعب لرؤيتهم قذائفهم وهي ترتد للأعلى نحو السماء من على سطح الدبابات السوفياتية من طراز "تي-34".
ومع انتشارالأسلحة النووية وخاصة بعد ابتكار الأسلحة النيوترونية أصبحت هنالك متطلبات جديدة لدروع الدبابة. إن القنبلة النيوترونية تعتمد على الإشعاع لقتل الكائنات الحية دون تأئيرٍ كبير على المنشئات والمباني، فهي قادرة على رفع درجة الحرارة داخل الدبابة لمئات الدرجات المئوية دون اختراقها، ولذلك بدأ كل من المعسكرين الشرقي والغربي خلال الحرب الباردة، بتبطين دروعهم بطبقة رقيقة من سبائك معدنية تدخل في تكوينها مادة الرصاص، للحد من تسرب الإشعاع لداخل الدبابة. وبظهور القذائف المنسحقة مرحلة ما بعد الحرب، بدأ تزويد دروع الدبابات بطبقة من اللدائن والمواد اللينة، كما زاد استخدام الدروع المفرغة، لتشتيت الموجات الإرتجاجية التي تسببها هذه القذائف، والدروع المفرغة هي دروع يترك فيها طبقة أو أكثر من التجاويف الفارغة، تزيد من السماكة الإجمالية دون زيادة الوزن، وبطن الدرع بطبقة لينة أيضا لتمتص الشظايا المتناثرة من الدرع الأساسي نحو الطاقم. لقد أثبت الدرع المفرغ فاعليته في مواجهة القذائف المنسحقة.
شكلت القذائف ذات الحشوة الجوفاء خطورة كبيرة على الدبابات، ومع أن الدروع المائلة والمفرغة ساهمت بزيادة كفائة الدروع، إلا أنها لم تكن كافية، فجاء تطوير الدروع المركبة، وكانت التجربة البريطانية الأبرز مع تطوير دروع "تشوبهام" المركبة في أواخر الستينيات من القرن الماضي، والتي استخدمت على الدبابة البريطانية من طراز "تشالنجر-1". والدرع المركبة لا تعتمد بشكل رئيسي في تكوينها على الفولاذ كما في الدرع التقليدية، وإنما تعتمد على مواد ذات خواص حرارية وميكانيكية عالية مثل ألياف الزجاج أو مشتقات السيراميك مثل كربيد السيليكون والكيفلار، وتمتاز هذه المواد بصلابتها العالية بسبب طبيعة تكوين جزيئاتها البلورية، كما أن درجة الإنصهار لها مرتفعة كثيراً مقارنة مع الفولاذ، في حين أن كثافتها قليلة فتمتاز بخفة وزنها. إن مشتقات السيراميك تأمن حماية فعالة ضد الشحنة المجوفة والتي تعتمد على الحرارة العالية لهزم الدروع، وإلى حدٍ ما ضد مقذوفات الطاقة الحركية، إلا أن صلابتها العالية وشكل جزيئاتها البلوري، يؤديان إلى تشظيها وتكسرها تماماً كما يفعل الزجاج عند الإصابة، وهو من عيوبها الرئيسية، فيمكن لقذيفةٍ تخترق الدرع أن تتسبب بتهشيم مساحة كبيرة من هذه المواد وبعيداً حتى عن نقطة الإرتطام، ولهاذا توزع الدرع المركبة على شكل صفائح مضلعة مربعة، مستطيلة، أو مسدسة، ومدعمة بقالب معدني من سبائك الفولاذ أو الألمنيوم أو التيتانيوم، وتحكم خواصها بجعلها في أشكال هندسية غير منحنية ما يفسر الشكل المضلع للدبابات الغربية الحديثة مثل "ليوبارد-2" الألمانية. وتقريباً فإن كل الدبابات حالياً لها دروع مركبة، كما لبعض الدبابات مثل الـ "إم-1 أبرامز" الأمريكية و"تي-80" الروسية دروع مركبة من اليورانيوم المنضب تزيد من فاعليتها في مواجهة مقذوفات الطاقة الحركية.
وجائت النقلة النوعية الأخرى بتطوير الدروع التفاعلية، فقد أجرى المهندسون السوفيات عدداً من التجارب على نماذج معدلة من دبابة "تي-64" خلال فترة السبعينيات، زودت بدروع قافزة، وهي عبارة عن صفائح معدنية مزودة بمفصلات ونوابض ميكانيكية تدفع هذه الدروع الثانوية للقفز بعيداً عن سطح الدبابة بتحفيز من القذيفة المعادية، وبغرض تشتيت طاقتها قبل الإصطدام بالدروع الرئيسية للدبابة، ولكن هذه النماذج لم تصل لمرحلة الإنتاج وإنما حلت محلها نماذج أخرى من الدروع التفاعلية النشطة والهامدة، مثل دروع "كونتاكت-5" المعاكسة والتي زودت بها الدبابات السوفياتية خلال فترة الثمانينيات وحتى اليوم. إن الدروع التفاعلية النشطة تسمى عادة بالدروع الردية أو المعاكسة، وهي عبارة عن صفائح إضافية تثبت على الهيكل الخارجي للدبابة، وهذه الصفائح مكونة من قوالب معدنية تحتوي على طبقة من المتفجرات، فعند اختراق المقذوف لها تتسبب حرارته وطاقته بانفجارها كردة فعل ما يجعل تأثيره يستهلك قبل وصوله للدرع الرئيسية، وهي فعالة جداً في مواجهة مقذوفات الطاقة الحركية كما ضد القذائف ذات الشحنة الجوفاء، إلا أن انفجار الدروع المعاكسة يولد كمية كبيرة من الشظايا والمتناثرات تحد من إمكانية الدبابات على مواكبة وحدات المشاة الصديقة، والعمل في بيئة الأسلحة المشتركة، ولهذا استخدمت دروع تفاعلية هامدة ضمن تدريع دبابة "لوكلير" الفرنسية، وتعتمد الدرع التفاعلية الهامدة على مواد شبيهة بالمطاط، تتفاعل عند الإختراق مع حرارة المقذوف، فتتمدد بشكل يؤدي لتشويه مسار القذيفة وقد يتسبب بإنحنائها، والدروع الهامدة ليست بمستوى فعالية تلك النشطة ولكنها أفضل لسلامة الوحدات الصديقة في الميدان. كما أصبحت الدروع الحديثة وحدية التصميم، أي تكون متجزئة لعدة وحدات، ما يسهل استبدال الأجزاء المعطوبة في الميدان بسرعة كافية دون الحاجة لعمليات القطع واللحام الحرارية والكهربائية التي تستهلك جهداً ووقتاً كبيرين، وتتطلب ورشاً مجهزة لهذا المستوى من عمليات الإصلاح.
الدفاعات الإيجابية.
لقد برزت محاولات كثيرة لرفع مستويات حماية الدبابة، وذهب بعض المصممين بعيداً نحو تطوير وسائل الدفاع الإيجابي للدبابات، ولم يكتفوا بتطوير الدروع والدفاعات السلبية. ويعتبر نظام "دروزد" السوفياتي للدفاع النشط، الأول من نوعه في تاريخ الدبابات، ونشر على عدد من الدبابات السوفياتية خلال حرب أفغانستان فترة الثمانينيات بنجاح كبير حسب المصادر السوفياتية نفسها، قبل أن يتم استبداله بنظام "أرينا" مطلع التسعينيات. وهذين النظامين مثالٌ واضح على أنظمة الدفاع النشطة للمدرعات، ويرتكز تصميمها على رادار دوبلري صغير مثبت على سطح الدبابة، يعمل على الموجة القصيرة، ويقوم برصد وتتبع الصواريخ المقتربة، بينما يقوم حاسب النظام بتحليل المعطيات، واستخراج معادلات الإعتراض، فيستثني الصواريخ التي لا تستهدف الدبابة، ويركز على تلك المستهدفة لها، فيقوم النظام باختيار أحد أنابيبه الخاصة والمثبتة على جوانب البرج، وعند دخول الهدف في مرمى نيران النظام، (وهي دائرة شعاعها بحدود الـ50 م بالنسبة لنظام "أرينا")، يقوم النظام بإطلاق قذيفة صاروخية صغيرة، لتنفجر وترشق الهدف بمئاتٍ من الكرات المعدنية العنقودية، يؤدي لتفجيره أو لحرفه عن مساره، أو حتى لإعطاب آلية صاهر الرأس الحربية فيه.
سلامة الطاقم.
إن الدبابات كغيرها من الوسائط القتالية، وإن كانت مكلفة إلا أنها ليست أكثر كلفة من العنصر البشري، وطواقم الدبابات المدربة والتي تملك خبرة قتالية لا يمكن تعويضها بنفس وتيرة استبدال الدبابات، ولذلك فإن سلامة الطاقم تعتبر الأكثر حيوية لدى مختلف الجيوش. ويدخل في هذا الإطار العديد من الإجراءات والوسائل، فإن تصميم الدبابة يركز على هذه الناحية، بدءاً من اختيار وسائل تعليق ميكانيكية مناسبة، تجعل تنقل المركبة سلساً قدر الإمكان فوق التضاريس الوعرة، كما تحدد سرعاتها القصوى بما يتفادى إصابة طواقمها، وتجهز الدبابات بأنظمة آلية للإنذار والمكافحة الذاتية للحرائق. وصولاً إلى تزويد الطاقم بمجموعة من الواقيات المطاطية داخل الدبابة، كما نرى فوق عينية البريسكوب مثلاً، بالإضافة لتجهزيهم بالخوذ الواقية، والبزات المنسوجة من مواد مقاومة للنيران.
وبعض الدبابات مثل دبابة الـ "ميركافا" الإسرائيلية، صممت بحيث يكون محركها في الجزء الأمامي منها، كما جعلت خزانات وقود الديزل البطيء الإحتراق موزعة حول مقصورة الطاقم، لتشكل معاً طبقة أخرى من الحماية للطاقم بعد التدريع الأساسي للدبابة. كما تعتبر طريقة تخزين العتاد القتالي داخل الدبابة الأهم في هذا المجال، فالدبابة الواحدة قد تحمل عدداً ما بين 40 و60 قذيفة لسلاحها الرئيسي عادة، بالإضافة لآلاف الطلقات لرشاشاتها الثانوية، ففي حال انفجارها، فإنه يكون لها نتائج كارثية أكبر بكثير من تأثر القذائف المعادية، لقد شوهد عدد كبير من الدبابات العراقية المصابة خلال عاصفة الصحراء، وقد طارت أبراجها في الهواء بعد انفجار العتاد بداخلها. ولذلك فإن معظم الدبابات الحديثة تزود بمخازن عتاد معزولة بطبقة سميكة من الدروع، تفصل بين الذخائر ومقصورة القتال، ويتم تخزين الذخائر ضمن مخزن محكم الإغلاق في خلفية البرج، له أبواب آلية يتحكم بها السادن، كما لها قنوات تؤدي لتوجيه دفق الإنفجار في حال حدوثه للخارج وبعيداً عن الطاقم.