{من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً}
صدق الله العظيم
الإهداء: إلى شهداء فلسطين الأبية، إلى شهداء الأمة العربية والإسلامية.
توطئة:
في زمنٍ سمتهُ النكوص والرجوع القهقري عن ثوابت النضال الوطني الفلسطيني والقومي العربي عامة، في زمنٍ تتبدل فيه القناعات وتتراجع فيه المبادئ والقيم والأخلاق، بسرعة مذهلةٍ وتنقلب المفاهيم ليغدو التمسك بالوطن والنضال "تطرفاً" والاعتزاز بالأرض "جهالة" والتمسك بالأخلاق الثورية "رجعية"، في حين التفريط بالوطن "واقعية!" والتخلي عن الأرض "تعقلاً ومرونة!" والتحلل والتنصل من الأخلاق الثورية "تقدم وتحضر!".. في زمنٍ كهذا ينبلجُ النهارُ رغمَ العتمة التي تخيم أستارها وظلالها على البشر!
تمهيد:
1- الوضع الدولي:
لقد كان الوضع الدولي في منتصف العام 1987 م ينذر بقدوم العواصف الضاربة باتجاه الوطن العربي، حيث أن المؤشرات الدولية كانت تدل على بداية الخلل في ميزان القوى العالمي وذلك بإطفاء جذوة الحرب الباردة بين القطبين العالميين ودخول العديد من الدول في سياسية السوق الحر ومناقشة قضايا عالمية مثل: تسارع التسلح الدولي والأسلحة النووية والتقدم التكنولوجي والنزاعات الإقليمية والعديد من القضايا في حين كانت القضية المركزية العربية - فلسطين- تأخذ دورها لحل النزاع العربي الصهيوني بعقد التسويات التي في المحصلة النهائية لن تخدم إلا العدو الصهيوني وحلفائه في كل مكان.
2- الوضع العربي والفلسطيني:
أ- العربي: كانت الظروف السياسية العربية ظروفاً سيئةً للغاية؛ حيث خرجت مصر من خندق المواجهة العربية بفعل ارتهان نظام "كامب ديفيد" للسياسة الأمريكية والصهيونية وتساقط معظم الأنظمة العربية في هذا الفخ الأمريكي-الصهيوني، وكذلك فإن الحرب العراقية - الإيرانية لم تكن تصب في الصالح الفلسطيني -لاستنزاف الطاقات العربية والإسلامية في حرب مرسوم لها-.
كذلك شهد العام 1987 م قمماً عربية ناقشت العديد من القضايا من بينها: الحرب العراقية الإيرانية، فك الحصار والعزلة عن نظام "كامب ديفيد السادات" لتمكين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من تعميم "كامب ديفيد" على الساحتين العربية والفلسطينية دون أن يحاول المؤتمرون أن يتطرقوا إلى القضية الفلسطينية فاعتبر ذلك السلوك الرسمي شطباً لقضيتنا المركزية على المستوى العربي الرسمي.
ب- الفلسطيني: بعدَ الاجتياح الصهيوني لبيروت عام 1982 م والذي عرف باسم "سلامة أمن الجليل" الهادف إلى تأمين الحماية للمستعمرات الصهيونية وضرب المقاومة اللبنانية - الفلسطينية وإخراج قوات الثورة الفلسطينية من لبنان.
شهد العام 1982 م العديد من الصور المأساوية حيث كرس السلاح الفلسطيني للاقتتال الداخلي بين إخوة ورفاق الدرب الواحد مما قاد إلى ما يعرف بحرب المخيمات "النهر البارد والبداوي وعين الحلوة وصور.." وحرب طرابلس وغيرها من حروب الفتنة.. في مثل هكذا تشرذم وانسلاخ عن الذات كانت قوات الثورة الفلسطينية قد تقاسمتها الدول العربية: تونس، الجزائر، العراق، سوريا، اليمن، السودان.. إلخ، لإبعادها عن الصراع المباشر ومنع تمركزها في بقعة معينة.
في العام 1982 م وفي المأزق الفلسطيني كان الوقت مناسباً للتحرك الخفي في كواليس الظلام من أجل حبك المؤامرات الممثلة في الاتصالات بين أطراف فلسطينية وصهيونية لإفراز حل بواسطة شرعية "الأمم المتحدة" لا شرعية الميثاق الوطني الفلسطيني - الذي تم إلغاؤه عبر المقررات والمؤتمرات اللا شرعية في م. ت. ف. -، حيث وصل التمادي "الفلسطيني الرجعي" على الثوابت بحد الإعلان عن أن الكفاح المسلح هو أحد أشكال الإرهاب الدولي، كما جاء في إعلان "القاهرة"!
هذهِ هي الأجواء العربية/ الفلسطينية التي يمكن تسميتها بـ: "سياسية التيئيس المبرمجة" من أجل كبح الفعل الثوري وتركيع الجماهير العربية وإبدال القناعات الراسخة عبر أقبية القمم العربية والعالمية.
توقيت العملية:
بتاريخ 25-11-1987 م وفي تمام الساعة العاشرة والنصف مساء من يوم الأربعاء أقلعَ سرب من الطيران الشراعي الفلسطيني من مطارهِ السري الكامن في مكان ما من مساحةٍ الوطن العربي الكبير. أقلع سرب المقاتلين على الطائرات الشراعية متوجهين بدمائهم وبنادقهم صوب الوطن.
كان توقيت العملية توقيتاً صحيحاً يعبر عن فهم إستراتيجي عميق للمرحلة السياسية والظروف الراهنة (آنذاك) فقد تم اختيار الوقت المناسب لإدارة الصراع السياسي والعسكري مع العدو الصهيوني، حيث المناخ العام لتكَ المرحلة يشير إلى اليأس والإحباط والقنوط والتآمر الذي كانَ وللأسف جزءاً من مستقبل الأمة العربية.
لقد جاء توقيت العملية مناسباً لانتشال الجماهير العربية من مأزق السقوط في الهزيمة الداخلية والاستسلام لليأس القادم عبر أقبية المؤتمرات والمؤامرات. جاءت العملية لتقول إن "الدم العربي والفلسطيني" مهرهُ الدم ولا يمكن لأحد تسويتهُ أو السمسرة عليه في المحافل الدولية.
نبذة قصيرة عن سير العملية:
1- قام تشكيل الشهيد الطيار ملازم أول "أبو عمار أدهم" باقتحام معسكر قيادة المنطقة الشمالية للجيش الصهيوني في فلسطين المحتلة، معسكر (غيبور) أو ما يطلق عليه معسكر (الأبطال) من لواء جولاني، وهم من أكثر جنود وقوات وضباط الكيان الصهيوني تدريباً وتسليحاً وكفاءةً وخبرة.
2- أكدت الاتصالات مع التشكيل أن الطائرات الشراعية وصلت بسلام أرض المعركة في الوقت المحدد وحسب الخطة المعدة من قيادة الجبهة، فهبطوا في عدة أمكنة تحيط بالمعسكر، ولحسن حظ الرفاق أنهم هبطوا في مدرج طيران قديم.
3- انقسم التشكيل المقاتل إلى مجموعتين: مجموعة حماية أخذت مكانها حول المعسكر وأطرافه، ومجموعة الاقتحام التي تكون مهمتها داخل المعسكر.
4- في الوقت المحدد بدأ الاقتحام، وبدأت مجموعة الرماية والاقتحام برمي المعسكر بالقنابل على المهاجع والخيم، وقد فوجئ الضباط والجنود وأذهلوا وأفزعتهم المفاجأة.
5- لم يستطع العدو أن يتبادل النيران مع المجموعة قبل مضي 15 دقيقة من بداية المعركة، حيث كان الدمار قد حاق بأكثر من مكان في المعسكر وعدد القتلى والجرحى قد ملأ أرض المعسكر وأمام بواباتهِ.
6- استمرت المعركة ما يقارب الـ 90 دقيقة استشهد خلالها الرفيق الحلبي البطل خالد محمد أكر قائد التشكيل المقاتل.
7- استنجد العدو كعادتهِ الجبانة بقوات من خارج المعسكر وغطت سماء المعركة طائرات مروحية وقذائف الإنارة والإضاءة.
وأثناء عودة المقاتلين بطائراتهم الشراعية أصيبت طائرة الرفيق التونسي البطل: ميلود ناجح بن نومه فسقطت فوق مرتفعات (حلتا) في الجنوب اللبناني الصامد فاضطرت للهبوط وقام المقاتل البطل بالاشتباك مع قوات العدو الصهيوني لإكمال المعركة موقعاً في صفوفهم عدداً من القتلى والجرحى وبقى يقاوم إلى أن نال الشهادة في صباح 26- 11- 1987 م.
8- أكَّدَ الرفاق العائدون على أشرعتهم الطائرة (الرفيق المقاتل أبو ثائر ورفيقهُ أبو الحسن) أنَّ خسائر العدو الصهيوني كانت فادحة حيث قتل وجرح أكثر من 35 عسكرياً صهيونياً من بينهم: ضابط وضابط صف، تدمير ثلاثة مهاجع وحرق خمس خيم، وتدمير وإعطاب أكثر من ست آليات مختلفة، إلا أنَّ العدو الصهيوني اعترفَ فقط بالقتلى الست الذينَ أسقطهم المقاتل الشهيد خالد محمد أكر.
شهداء العملية البطولية:
1- الشهيد الطيار البطل: خالد محمد أكر (أبو رامي) مقاتل حلبي من القطر العربي السوري، انضم إلى صفوف الجبهة الشـعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، عندنا بلغ الرابعةَ عشر من العمر وتدرب على الفنون القتالية المختلفة وأتقنَ قيادة الطائرة الشراعية ونفذ العملية البطولية وهو بعمر 20 عاماً. وتقول قوات العدو أن المقاتل خالد عندما اقتحم معسكراتهم كان يصرخ: "فلسطين عربية والموت لكم يا أوغاد"، وذلك في الوقت الذي كان يوزع فيه خالد أكر صليات نيرانهِ على الجنود وقد تجمعت أغلب إصابات خالد أكر في منطقة (الخصية) ليفقد قادة العدو رجولتهم وفحولتهم حسبما أفادت إذاعة العدو ووكالات الأنباء العالمية.
2- الشهيد الطيار البطل: ميلود ناجح بن نومه من العاصمة تونس في القطر العربي التونسي، انضم إلى صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، وتدرب في صفوفها على مختلف أنواع الأسلحة وخاض عدة دورات عسكرية وقد استشهد أثناء عودتهِ من الغارة الشراعية الجوية في صباح يوم الخميس الموافق 26- 11- 1987 م في قرية حلتا في الجنوب اللبناني.
دلالات ومعاني العملية النوعية:
1- إسقاط وإفشال النتائج السياسية والجهود الرامية إلى شطب القضية الفلسطينية في ذلك الوقت إفشالاً ذريعاً على المستوى الدولي والعربي والفلسطيني:
أ- حيث جاءت العملية أثناء قمة عمان للوفاق والاتفاق العربي أو كما أسماها الشهيد المناضل أبو جهاد خليل الوزير: قمة عمان للنفاق والشقاق العربي والتي ترمي إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر التسوية وتوجيه الصراع إلى إيران بدلاً من أن يكون الصراع موجهاً ضد العدو الصهيوني واستطاعت العملية تحقيق هدفها بإسقاط القمة ومقرراتها.
ب- جاءت العملية ضمن الجهود المتواصلة لإسقاط البرنامج المرحلي القاضي بتسوية قضية الصراع العربي الصهيوني أو الأصح بقتل القضية الفلسطينية على مراحل زمنية ليتحقق بذلك قول جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكية "إن الشعب الفلسطيني سيندثر تحت أقدام الفيلة، وإن الكبار سيموتون وإن الصغار سينسون" إشارةً منهُ إلى دور الزمن في طمس معالم القضية الفلسطينية.
ج- جاءت العملية في ذكرى قرار تقسيم فلسطين لتؤكد من جديد على وحدة الأراضي العربية الفلسطينية.
2- أسهمت العملية في تغيير منحى الصحافة العالمية والعربية في ذلك الحين للحديث عن المقاومة الفلسطينية الباسلة بدلاً من الأحاديث حول تسوية الصراع إذ أظهرت الصحافة اهتماماً بالغاً وشديداً بالعملية ونتائجها ففرضت نفسها بقوة على الرأي العام العالمي ونأخذ هنا مثلاً: تقول صحيفة "الهيرالد ترينيون الأمريكية": (إذا قدر للفلسطينيين أن يفوزوا بدولة لهم فإن أول تمثال يستحقُّ أن يقيموه في الميدان الرئيسي لهذهِ الدولة هو تمثال الطائر الشراعي الفلسطيني خالد الذي عبر الحدود إلى "إسرائيل").
3- إسقاط وإفشال نظرية الأمن الصهيوني الزائفة والمضللة لمستوطنيه، حيث أن الاحتياطات الإلكترونية ونظام الدفاع الأمني لم يستطع منع الفدائي المقاتل من تنفيذ مهماته وواجباته، ومن هنا فإن ما يسمى "عملية سلامة أمن الجليل" والتي انطلقت باجتياح الجنوب اللبناني استطاعت عملية واحدة إسقاطها وإثبات أن لا شيء يقف أمام الفعل المقاوم.
4- التأكيد على قومية المعركة: حيث أن التشكيل الجبهوي المقاتل يتكون من: سوري وتونسي ومقاتلَين من فلسطين وهو الخط العام الذي تنتهجهُ الجبهة في عملياتها لتؤكد أن النضال من أجل فلسطين ليس حكراً على الفلسطينيين بل هو يشمل الأجيال العربية من المحيط إلى الخليج.
5- تأسيس حلقة جديدة من حلقات المقاومة حيث أن العملية انتشلت الجماهير من دوامة اليأس والقنوط كما فعلت معركة الكرامة وتشرين حينما أعادت الثقة للجماهير بإمكانية إلحاق الهزيمة بالعدو الذي قيل إنه (لا يقهر)، فما كان من العملية إلا أن استهدفت أكثر ضباط العدو تدريباً وكفاءة من وحدات (كوماندوس جولاني).
6- إعادة الاعتبار للكفاح الوطني الفلسطيني وابتكار أساليب جديدة للمقاومة.
ردود الفعل:
1- ردود الفعل لدى جماهير أمتنا العربية:
أ- ساهمت العملية في إشعال شرارة الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 م إلى جانب عوامل ستأتي، حيث خرجت الجماهير في الضفة والقطاع بكل إرادة وتحد معلنةً ثورتها ضد الاحتلال الصهيوني هاتفةً بصوتٍ واحد "سته لواحد كريات شمونه" للإشارة إلى الشهيد خالد أكر الذي تمكن وحدهِ من قتل ستة صهاينة، وهذا ما دلل عليه كبار المحللين في العالم - محللين عرب وأجانب- إلى أن الانتفاضة جاءت بعد العملية بأسبوعين، ولا ننسى أنَّ العملية وحدها لا يمكن أن تحرك الشارع لولا وجود جهود جماعية أخرى تمثلت في حرب السكاكين والعبوات الناسفة التي اتبعتها آنذاك الجهاد الإسلامي بجناحها العسكري في بيت المقدس، ولا ننسى أيضاً سقوط أربع عمال فلسطينيين شهداء، ولا ننسى رسائل التحريض التي كانَ يبعثها الشهيد أبو جهاد خليل الوزير إلى مقاتلي ومناضلي فتح.. فكل ذلك إضافة إلى معاناة شعبنا من القهر والقمع والاحتلال.. عوامل قادت إلى تفجير الثورة عام 1987 م.
ب- تأهب كامل لدى كافة الفصائل الفلسطينية في مخيمات جنوب لبنان لصد أي عملية اقتحام للمخيمات.
ج- أعادت العملية زرع الثقة لدى الجماهير العربية ومشاعر الفرح الغامر والأمل والتفاؤل بإمكانية هزيمة العدو؛ حيث خرجت الجماهير في المخيمات ببنادقها تعلن عن فرحتها وهي تطلق النار في السماء وتوزع الحلوى وصور الشهيد الطيار خالد ورفيقه ميلود.
د- أعادت شرعية البندقية في المواجهة والاعتزاز بالكفاح المسلح كإستراتيجية للتحرير.
ه- كشفت العملية زيف ادعاءات وعقم الحجج والذرائع التي تتستر بها أبواق التسوية الأمريكية الصهيونية القائلة حسب اتفاق القاهرة: بأن الكفاح المسلح هو شكل من أشكال الإرهاب الدولي!
و- أعادت الاعتبار للبعد القومي تجاه القضية الفلسطينية.
ز- تحطيم أسطورة الجيش الصهيوني الذي قيل لا يقهر.
ح- لفتت العملية أنظار العالم إلى أن الرقم الفلسطيني رقم صعب عصي على الشطب.
2- ردود الفعل لدى الكيان الصهيوني:
أ- بعد العملية التي قادت إلى زرع الهلع والخوف في قلب الكيان الصهيوني قام الكنيست باجتماع طارئ لمناقشة العملية وإفرازاتها اللاحقة حيث كان القلق يسود الكيان بإمكانية قيام الفصائل الفلسطينية باستهداف مواقع حساسة أخرى كمصفاة النفط أو مواقع حيوية أخرى.
ب- محاكمات طالت العديد من المسؤولين العسكريين في لواء جولاني بسبب تقصيرهم في الدفاع عن أمن الثكنات والمستعمرات في الشمال بالإضافة إلى هروب البعض الآخر إلى أوروبا من مسئولي الكيان تحت ذريعة بداية الحرب حيث كان الغليان الجماهيري ينذر بساعة الصفر لهبوب العاصفة.
ج- إطلاق التهديدات المتبادلة بين الكيان الصهيوني والجبهة الشعبية - القيادة العامة ومعها فصائل المقاومة الفلسطينية، وسبقَ أن نفذ العدو الصهيوني استهداف معسكر الناعمة في بيروت التابع للقيادة العامة حيث أنزلَ العدو قوات كوماندس صهيونية لكنها منيت بالفشل الذريع ساحبةً خلفها من تبقى سليماً من وحداتها، وسقوط أربعة شهداء للجبهة في المواجهات، ولا ننسى الاستهداف المتكرر أيضاً لمواقع الثورة الفلسطينية المختلفة.
د- التعب النفسي الذي أصاب الكيان ومستعمريه نتيجة اختراق كافة الدفاعات الجوية والحواجز الإلكترونية الأمنية.
ه- صار لدى المستعمرين قناعة بأنه حتى المؤسسة العسكرية الصهيونية أصبحت بحاجة إلى حماية نفسها من هجمات المقاتلين الثوار فكيف سيكون حال المستعمرات وسكانها المحتلين.
توضيح لا بد منهُ:
بعد عملية ما يسمى "سلامة الجليل" التي على إثرها اجتاح الكيان الصهيوني بجيشهِ بيروت والجنوب اللبناني عام 1982م، وقف رئيس العدو آنذاك الإرهابي مناحيم بيغن وقال لسكان المستعمرات شمال فلسطين: "الآن آن الأوان كي تنعموا بالهدوء والأمن والاستقرار إلى الأبد وإن أي أذى لن يلحق بكم بعد الآن.."، فكانت عملية قبية النوعية برهاناً لتكذيب مزاعم بيغن وباقي من تبقى من قادة العدو، حيث أن الفوضى والرعب دخل إلى قلب المؤسسة العسكرية الصهيونية.
في الختام: لماذا قبية؟؟
لأن ذاكرة العربي الفلسطيني المقاتل لا تنسى، ولكي يظل الوطن محفوراً في الوجدان والذاكرة ويظل الشهداء ماثلين أمامنا أطفالاً ورجالاً وشيوخاً ونساءً، وحتى لا ننسى تفاصيل قرانا ومدننا وفلسطين الوطن.
حملت عملية الطائرات الشراعية اسم قبية، لتكون قبية تاريخ فجر جديد مشرق بالانتماء لكل فلسطين: الأرض والإنسان، فلسطين هوية الأحرار والمناضلين والاسم الحركي لمناهضة الإمبريالية العالمية وذنبها الكيان الصهيوني.
قبية: قرية تقع في قضاء رام الله وفي تاريخ 14 - 10 - 1953 م من يوم الأربعاء مساءً شن العدو الصهيوني عدواناً إجرامياً بعصاباتهِ ليوقع 51 شهيداً من سكانها و 15 جريحاً وكلهم من المدنيين والمواطنين المسالمين المجردين من السلاح، ثم قامت العصابات بنسف جميع منازل القرية الصغيرة ودمرتها تدميراً شاملاً... وها هو المقاتل العربي الفلسطيني لا ينسى جراح شعبهِ وإن مضى عليها 34 عاماً.
الخلاصة:
بناءً على ما سبق فإنَّ الفعل المقاوم هوَ الطريق لـ تحرير فلسطين، وهوَ ما تحقق سابقاً في قبية العملية وما يتحقق يوميًّاً على يد الثوار والمقاتلين، وكي يكون التحرير قابَ قوسين أو أدنى.
وعلى القوى الثورية الفلسطينية أن تركز جهودها نحوَ التحرير، تحرير الأرض والإنسان، وألا تتبعثر قواها وتتلاشى ضمنَ أكذوبات (وليسَ أطروحات) التسوية الهادفة إلى شطب القضية الفلسطينية - العصية على الشطب.
صدق الله العظيم
الإهداء: إلى شهداء فلسطين الأبية، إلى شهداء الأمة العربية والإسلامية.
توطئة:
في زمنٍ سمتهُ النكوص والرجوع القهقري عن ثوابت النضال الوطني الفلسطيني والقومي العربي عامة، في زمنٍ تتبدل فيه القناعات وتتراجع فيه المبادئ والقيم والأخلاق، بسرعة مذهلةٍ وتنقلب المفاهيم ليغدو التمسك بالوطن والنضال "تطرفاً" والاعتزاز بالأرض "جهالة" والتمسك بالأخلاق الثورية "رجعية"، في حين التفريط بالوطن "واقعية!" والتخلي عن الأرض "تعقلاً ومرونة!" والتحلل والتنصل من الأخلاق الثورية "تقدم وتحضر!".. في زمنٍ كهذا ينبلجُ النهارُ رغمَ العتمة التي تخيم أستارها وظلالها على البشر!
تمهيد:
1- الوضع الدولي:
لقد كان الوضع الدولي في منتصف العام 1987 م ينذر بقدوم العواصف الضاربة باتجاه الوطن العربي، حيث أن المؤشرات الدولية كانت تدل على بداية الخلل في ميزان القوى العالمي وذلك بإطفاء جذوة الحرب الباردة بين القطبين العالميين ودخول العديد من الدول في سياسية السوق الحر ومناقشة قضايا عالمية مثل: تسارع التسلح الدولي والأسلحة النووية والتقدم التكنولوجي والنزاعات الإقليمية والعديد من القضايا في حين كانت القضية المركزية العربية - فلسطين- تأخذ دورها لحل النزاع العربي الصهيوني بعقد التسويات التي في المحصلة النهائية لن تخدم إلا العدو الصهيوني وحلفائه في كل مكان.
2- الوضع العربي والفلسطيني:
أ- العربي: كانت الظروف السياسية العربية ظروفاً سيئةً للغاية؛ حيث خرجت مصر من خندق المواجهة العربية بفعل ارتهان نظام "كامب ديفيد" للسياسة الأمريكية والصهيونية وتساقط معظم الأنظمة العربية في هذا الفخ الأمريكي-الصهيوني، وكذلك فإن الحرب العراقية - الإيرانية لم تكن تصب في الصالح الفلسطيني -لاستنزاف الطاقات العربية والإسلامية في حرب مرسوم لها-.
كذلك شهد العام 1987 م قمماً عربية ناقشت العديد من القضايا من بينها: الحرب العراقية الإيرانية، فك الحصار والعزلة عن نظام "كامب ديفيد السادات" لتمكين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من تعميم "كامب ديفيد" على الساحتين العربية والفلسطينية دون أن يحاول المؤتمرون أن يتطرقوا إلى القضية الفلسطينية فاعتبر ذلك السلوك الرسمي شطباً لقضيتنا المركزية على المستوى العربي الرسمي.
ب- الفلسطيني: بعدَ الاجتياح الصهيوني لبيروت عام 1982 م والذي عرف باسم "سلامة أمن الجليل" الهادف إلى تأمين الحماية للمستعمرات الصهيونية وضرب المقاومة اللبنانية - الفلسطينية وإخراج قوات الثورة الفلسطينية من لبنان.
شهد العام 1982 م العديد من الصور المأساوية حيث كرس السلاح الفلسطيني للاقتتال الداخلي بين إخوة ورفاق الدرب الواحد مما قاد إلى ما يعرف بحرب المخيمات "النهر البارد والبداوي وعين الحلوة وصور.." وحرب طرابلس وغيرها من حروب الفتنة.. في مثل هكذا تشرذم وانسلاخ عن الذات كانت قوات الثورة الفلسطينية قد تقاسمتها الدول العربية: تونس، الجزائر، العراق، سوريا، اليمن، السودان.. إلخ، لإبعادها عن الصراع المباشر ومنع تمركزها في بقعة معينة.
في العام 1982 م وفي المأزق الفلسطيني كان الوقت مناسباً للتحرك الخفي في كواليس الظلام من أجل حبك المؤامرات الممثلة في الاتصالات بين أطراف فلسطينية وصهيونية لإفراز حل بواسطة شرعية "الأمم المتحدة" لا شرعية الميثاق الوطني الفلسطيني - الذي تم إلغاؤه عبر المقررات والمؤتمرات اللا شرعية في م. ت. ف. -، حيث وصل التمادي "الفلسطيني الرجعي" على الثوابت بحد الإعلان عن أن الكفاح المسلح هو أحد أشكال الإرهاب الدولي، كما جاء في إعلان "القاهرة"!
هذهِ هي الأجواء العربية/ الفلسطينية التي يمكن تسميتها بـ: "سياسية التيئيس المبرمجة" من أجل كبح الفعل الثوري وتركيع الجماهير العربية وإبدال القناعات الراسخة عبر أقبية القمم العربية والعالمية.
توقيت العملية:
بتاريخ 25-11-1987 م وفي تمام الساعة العاشرة والنصف مساء من يوم الأربعاء أقلعَ سرب من الطيران الشراعي الفلسطيني من مطارهِ السري الكامن في مكان ما من مساحةٍ الوطن العربي الكبير. أقلع سرب المقاتلين على الطائرات الشراعية متوجهين بدمائهم وبنادقهم صوب الوطن.
كان توقيت العملية توقيتاً صحيحاً يعبر عن فهم إستراتيجي عميق للمرحلة السياسية والظروف الراهنة (آنذاك) فقد تم اختيار الوقت المناسب لإدارة الصراع السياسي والعسكري مع العدو الصهيوني، حيث المناخ العام لتكَ المرحلة يشير إلى اليأس والإحباط والقنوط والتآمر الذي كانَ وللأسف جزءاً من مستقبل الأمة العربية.
لقد جاء توقيت العملية مناسباً لانتشال الجماهير العربية من مأزق السقوط في الهزيمة الداخلية والاستسلام لليأس القادم عبر أقبية المؤتمرات والمؤامرات. جاءت العملية لتقول إن "الدم العربي والفلسطيني" مهرهُ الدم ولا يمكن لأحد تسويتهُ أو السمسرة عليه في المحافل الدولية.
نبذة قصيرة عن سير العملية:
1- قام تشكيل الشهيد الطيار ملازم أول "أبو عمار أدهم" باقتحام معسكر قيادة المنطقة الشمالية للجيش الصهيوني في فلسطين المحتلة، معسكر (غيبور) أو ما يطلق عليه معسكر (الأبطال) من لواء جولاني، وهم من أكثر جنود وقوات وضباط الكيان الصهيوني تدريباً وتسليحاً وكفاءةً وخبرة.
2- أكدت الاتصالات مع التشكيل أن الطائرات الشراعية وصلت بسلام أرض المعركة في الوقت المحدد وحسب الخطة المعدة من قيادة الجبهة، فهبطوا في عدة أمكنة تحيط بالمعسكر، ولحسن حظ الرفاق أنهم هبطوا في مدرج طيران قديم.
3- انقسم التشكيل المقاتل إلى مجموعتين: مجموعة حماية أخذت مكانها حول المعسكر وأطرافه، ومجموعة الاقتحام التي تكون مهمتها داخل المعسكر.
4- في الوقت المحدد بدأ الاقتحام، وبدأت مجموعة الرماية والاقتحام برمي المعسكر بالقنابل على المهاجع والخيم، وقد فوجئ الضباط والجنود وأذهلوا وأفزعتهم المفاجأة.
5- لم يستطع العدو أن يتبادل النيران مع المجموعة قبل مضي 15 دقيقة من بداية المعركة، حيث كان الدمار قد حاق بأكثر من مكان في المعسكر وعدد القتلى والجرحى قد ملأ أرض المعسكر وأمام بواباتهِ.
6- استمرت المعركة ما يقارب الـ 90 دقيقة استشهد خلالها الرفيق الحلبي البطل خالد محمد أكر قائد التشكيل المقاتل.
7- استنجد العدو كعادتهِ الجبانة بقوات من خارج المعسكر وغطت سماء المعركة طائرات مروحية وقذائف الإنارة والإضاءة.
وأثناء عودة المقاتلين بطائراتهم الشراعية أصيبت طائرة الرفيق التونسي البطل: ميلود ناجح بن نومه فسقطت فوق مرتفعات (حلتا) في الجنوب اللبناني الصامد فاضطرت للهبوط وقام المقاتل البطل بالاشتباك مع قوات العدو الصهيوني لإكمال المعركة موقعاً في صفوفهم عدداً من القتلى والجرحى وبقى يقاوم إلى أن نال الشهادة في صباح 26- 11- 1987 م.
8- أكَّدَ الرفاق العائدون على أشرعتهم الطائرة (الرفيق المقاتل أبو ثائر ورفيقهُ أبو الحسن) أنَّ خسائر العدو الصهيوني كانت فادحة حيث قتل وجرح أكثر من 35 عسكرياً صهيونياً من بينهم: ضابط وضابط صف، تدمير ثلاثة مهاجع وحرق خمس خيم، وتدمير وإعطاب أكثر من ست آليات مختلفة، إلا أنَّ العدو الصهيوني اعترفَ فقط بالقتلى الست الذينَ أسقطهم المقاتل الشهيد خالد محمد أكر.
شهداء العملية البطولية:
1- الشهيد الطيار البطل: خالد محمد أكر (أبو رامي) مقاتل حلبي من القطر العربي السوري، انضم إلى صفوف الجبهة الشـعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، عندنا بلغ الرابعةَ عشر من العمر وتدرب على الفنون القتالية المختلفة وأتقنَ قيادة الطائرة الشراعية ونفذ العملية البطولية وهو بعمر 20 عاماً. وتقول قوات العدو أن المقاتل خالد عندما اقتحم معسكراتهم كان يصرخ: "فلسطين عربية والموت لكم يا أوغاد"، وذلك في الوقت الذي كان يوزع فيه خالد أكر صليات نيرانهِ على الجنود وقد تجمعت أغلب إصابات خالد أكر في منطقة (الخصية) ليفقد قادة العدو رجولتهم وفحولتهم حسبما أفادت إذاعة العدو ووكالات الأنباء العالمية.
2- الشهيد الطيار البطل: ميلود ناجح بن نومه من العاصمة تونس في القطر العربي التونسي، انضم إلى صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، وتدرب في صفوفها على مختلف أنواع الأسلحة وخاض عدة دورات عسكرية وقد استشهد أثناء عودتهِ من الغارة الشراعية الجوية في صباح يوم الخميس الموافق 26- 11- 1987 م في قرية حلتا في الجنوب اللبناني.
دلالات ومعاني العملية النوعية:
1- إسقاط وإفشال النتائج السياسية والجهود الرامية إلى شطب القضية الفلسطينية في ذلك الوقت إفشالاً ذريعاً على المستوى الدولي والعربي والفلسطيني:
أ- حيث جاءت العملية أثناء قمة عمان للوفاق والاتفاق العربي أو كما أسماها الشهيد المناضل أبو جهاد خليل الوزير: قمة عمان للنفاق والشقاق العربي والتي ترمي إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر التسوية وتوجيه الصراع إلى إيران بدلاً من أن يكون الصراع موجهاً ضد العدو الصهيوني واستطاعت العملية تحقيق هدفها بإسقاط القمة ومقرراتها.
ب- جاءت العملية ضمن الجهود المتواصلة لإسقاط البرنامج المرحلي القاضي بتسوية قضية الصراع العربي الصهيوني أو الأصح بقتل القضية الفلسطينية على مراحل زمنية ليتحقق بذلك قول جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكية "إن الشعب الفلسطيني سيندثر تحت أقدام الفيلة، وإن الكبار سيموتون وإن الصغار سينسون" إشارةً منهُ إلى دور الزمن في طمس معالم القضية الفلسطينية.
ج- جاءت العملية في ذكرى قرار تقسيم فلسطين لتؤكد من جديد على وحدة الأراضي العربية الفلسطينية.
2- أسهمت العملية في تغيير منحى الصحافة العالمية والعربية في ذلك الحين للحديث عن المقاومة الفلسطينية الباسلة بدلاً من الأحاديث حول تسوية الصراع إذ أظهرت الصحافة اهتماماً بالغاً وشديداً بالعملية ونتائجها ففرضت نفسها بقوة على الرأي العام العالمي ونأخذ هنا مثلاً: تقول صحيفة "الهيرالد ترينيون الأمريكية": (إذا قدر للفلسطينيين أن يفوزوا بدولة لهم فإن أول تمثال يستحقُّ أن يقيموه في الميدان الرئيسي لهذهِ الدولة هو تمثال الطائر الشراعي الفلسطيني خالد الذي عبر الحدود إلى "إسرائيل").
3- إسقاط وإفشال نظرية الأمن الصهيوني الزائفة والمضللة لمستوطنيه، حيث أن الاحتياطات الإلكترونية ونظام الدفاع الأمني لم يستطع منع الفدائي المقاتل من تنفيذ مهماته وواجباته، ومن هنا فإن ما يسمى "عملية سلامة أمن الجليل" والتي انطلقت باجتياح الجنوب اللبناني استطاعت عملية واحدة إسقاطها وإثبات أن لا شيء يقف أمام الفعل المقاوم.
4- التأكيد على قومية المعركة: حيث أن التشكيل الجبهوي المقاتل يتكون من: سوري وتونسي ومقاتلَين من فلسطين وهو الخط العام الذي تنتهجهُ الجبهة في عملياتها لتؤكد أن النضال من أجل فلسطين ليس حكراً على الفلسطينيين بل هو يشمل الأجيال العربية من المحيط إلى الخليج.
5- تأسيس حلقة جديدة من حلقات المقاومة حيث أن العملية انتشلت الجماهير من دوامة اليأس والقنوط كما فعلت معركة الكرامة وتشرين حينما أعادت الثقة للجماهير بإمكانية إلحاق الهزيمة بالعدو الذي قيل إنه (لا يقهر)، فما كان من العملية إلا أن استهدفت أكثر ضباط العدو تدريباً وكفاءة من وحدات (كوماندوس جولاني).
6- إعادة الاعتبار للكفاح الوطني الفلسطيني وابتكار أساليب جديدة للمقاومة.
ردود الفعل:
1- ردود الفعل لدى جماهير أمتنا العربية:
أ- ساهمت العملية في إشعال شرارة الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 م إلى جانب عوامل ستأتي، حيث خرجت الجماهير في الضفة والقطاع بكل إرادة وتحد معلنةً ثورتها ضد الاحتلال الصهيوني هاتفةً بصوتٍ واحد "سته لواحد كريات شمونه" للإشارة إلى الشهيد خالد أكر الذي تمكن وحدهِ من قتل ستة صهاينة، وهذا ما دلل عليه كبار المحللين في العالم - محللين عرب وأجانب- إلى أن الانتفاضة جاءت بعد العملية بأسبوعين، ولا ننسى أنَّ العملية وحدها لا يمكن أن تحرك الشارع لولا وجود جهود جماعية أخرى تمثلت في حرب السكاكين والعبوات الناسفة التي اتبعتها آنذاك الجهاد الإسلامي بجناحها العسكري في بيت المقدس، ولا ننسى أيضاً سقوط أربع عمال فلسطينيين شهداء، ولا ننسى رسائل التحريض التي كانَ يبعثها الشهيد أبو جهاد خليل الوزير إلى مقاتلي ومناضلي فتح.. فكل ذلك إضافة إلى معاناة شعبنا من القهر والقمع والاحتلال.. عوامل قادت إلى تفجير الثورة عام 1987 م.
ب- تأهب كامل لدى كافة الفصائل الفلسطينية في مخيمات جنوب لبنان لصد أي عملية اقتحام للمخيمات.
ج- أعادت العملية زرع الثقة لدى الجماهير العربية ومشاعر الفرح الغامر والأمل والتفاؤل بإمكانية هزيمة العدو؛ حيث خرجت الجماهير في المخيمات ببنادقها تعلن عن فرحتها وهي تطلق النار في السماء وتوزع الحلوى وصور الشهيد الطيار خالد ورفيقه ميلود.
د- أعادت شرعية البندقية في المواجهة والاعتزاز بالكفاح المسلح كإستراتيجية للتحرير.
ه- كشفت العملية زيف ادعاءات وعقم الحجج والذرائع التي تتستر بها أبواق التسوية الأمريكية الصهيونية القائلة حسب اتفاق القاهرة: بأن الكفاح المسلح هو شكل من أشكال الإرهاب الدولي!
و- أعادت الاعتبار للبعد القومي تجاه القضية الفلسطينية.
ز- تحطيم أسطورة الجيش الصهيوني الذي قيل لا يقهر.
ح- لفتت العملية أنظار العالم إلى أن الرقم الفلسطيني رقم صعب عصي على الشطب.
2- ردود الفعل لدى الكيان الصهيوني:
أ- بعد العملية التي قادت إلى زرع الهلع والخوف في قلب الكيان الصهيوني قام الكنيست باجتماع طارئ لمناقشة العملية وإفرازاتها اللاحقة حيث كان القلق يسود الكيان بإمكانية قيام الفصائل الفلسطينية باستهداف مواقع حساسة أخرى كمصفاة النفط أو مواقع حيوية أخرى.
ب- محاكمات طالت العديد من المسؤولين العسكريين في لواء جولاني بسبب تقصيرهم في الدفاع عن أمن الثكنات والمستعمرات في الشمال بالإضافة إلى هروب البعض الآخر إلى أوروبا من مسئولي الكيان تحت ذريعة بداية الحرب حيث كان الغليان الجماهيري ينذر بساعة الصفر لهبوب العاصفة.
ج- إطلاق التهديدات المتبادلة بين الكيان الصهيوني والجبهة الشعبية - القيادة العامة ومعها فصائل المقاومة الفلسطينية، وسبقَ أن نفذ العدو الصهيوني استهداف معسكر الناعمة في بيروت التابع للقيادة العامة حيث أنزلَ العدو قوات كوماندس صهيونية لكنها منيت بالفشل الذريع ساحبةً خلفها من تبقى سليماً من وحداتها، وسقوط أربعة شهداء للجبهة في المواجهات، ولا ننسى الاستهداف المتكرر أيضاً لمواقع الثورة الفلسطينية المختلفة.
د- التعب النفسي الذي أصاب الكيان ومستعمريه نتيجة اختراق كافة الدفاعات الجوية والحواجز الإلكترونية الأمنية.
ه- صار لدى المستعمرين قناعة بأنه حتى المؤسسة العسكرية الصهيونية أصبحت بحاجة إلى حماية نفسها من هجمات المقاتلين الثوار فكيف سيكون حال المستعمرات وسكانها المحتلين.
توضيح لا بد منهُ:
بعد عملية ما يسمى "سلامة الجليل" التي على إثرها اجتاح الكيان الصهيوني بجيشهِ بيروت والجنوب اللبناني عام 1982م، وقف رئيس العدو آنذاك الإرهابي مناحيم بيغن وقال لسكان المستعمرات شمال فلسطين: "الآن آن الأوان كي تنعموا بالهدوء والأمن والاستقرار إلى الأبد وإن أي أذى لن يلحق بكم بعد الآن.."، فكانت عملية قبية النوعية برهاناً لتكذيب مزاعم بيغن وباقي من تبقى من قادة العدو، حيث أن الفوضى والرعب دخل إلى قلب المؤسسة العسكرية الصهيونية.
في الختام: لماذا قبية؟؟
لأن ذاكرة العربي الفلسطيني المقاتل لا تنسى، ولكي يظل الوطن محفوراً في الوجدان والذاكرة ويظل الشهداء ماثلين أمامنا أطفالاً ورجالاً وشيوخاً ونساءً، وحتى لا ننسى تفاصيل قرانا ومدننا وفلسطين الوطن.
حملت عملية الطائرات الشراعية اسم قبية، لتكون قبية تاريخ فجر جديد مشرق بالانتماء لكل فلسطين: الأرض والإنسان، فلسطين هوية الأحرار والمناضلين والاسم الحركي لمناهضة الإمبريالية العالمية وذنبها الكيان الصهيوني.
قبية: قرية تقع في قضاء رام الله وفي تاريخ 14 - 10 - 1953 م من يوم الأربعاء مساءً شن العدو الصهيوني عدواناً إجرامياً بعصاباتهِ ليوقع 51 شهيداً من سكانها و 15 جريحاً وكلهم من المدنيين والمواطنين المسالمين المجردين من السلاح، ثم قامت العصابات بنسف جميع منازل القرية الصغيرة ودمرتها تدميراً شاملاً... وها هو المقاتل العربي الفلسطيني لا ينسى جراح شعبهِ وإن مضى عليها 34 عاماً.
الخلاصة:
بناءً على ما سبق فإنَّ الفعل المقاوم هوَ الطريق لـ تحرير فلسطين، وهوَ ما تحقق سابقاً في قبية العملية وما يتحقق يوميًّاً على يد الثوار والمقاتلين، وكي يكون التحرير قابَ قوسين أو أدنى.
وعلى القوى الثورية الفلسطينية أن تركز جهودها نحوَ التحرير، تحرير الأرض والإنسان، وألا تتبعثر قواها وتتلاشى ضمنَ أكذوبات (وليسَ أطروحات) التسوية الهادفة إلى شطب القضية الفلسطينية - العصية على الشطب.