ماء زمزم لما شرب له
د. نعيم محمد عبد الغني
د. نعيم محمد عبد الغني
ما كانت هاجر زوج إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام تعلم أن الله سيخلد ذكرها في التاريخ بسعيها بين الصفا والمروة سبع مرات في وقت قد يستغرق قرابة ساعة من الزمان تكون طويلة على أم ملتاعة تبحث عن ماء في واد غير ذي زرع أن الله سيخلد ذكرها في التاريخ بكلمتها التي قالتها عن هذه البئر المباركة التي تفجرت من تحت أقدام الرضيع إسماعيل عليه السلام لتخاطب الماء: ذمي ذمي؛ خشية أن ينفد في هذا المكان.
وما كانت تعلم أن هذه هي البداية لماء مبارك قضى الله أن يسقي منه ملاين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على طول الزمان، يسقيهم من هذا الشراب الذي وردت في فضله الآثار، وتحدثت عنه الأعلام والأئمة الكبار.
إنه ماء زمزم طعام طعم وشفاء سقم، وإنه لماء مبارك، وهو لما شرب له، بذلك قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي شق صدره الكريم وغسل بماء زمزم ليملأ من بعد غسله حكمة وإيمانا كما أورد كتب السنة.
إنه ماء زمزم الذي شربه أبو ذر –رضي الله عنه- واغتسل به بعد أن آذته قريش، وعاش عليه ثلاثين يوما لا يذوق شيئا غيره، وهو لا يحس بجوع ولا يشعر بألم، يقول أبو ذر: (فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- هُوَ وَصَاحِبُهُ فَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ ثُمَّ صَلَّى فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ: فَأَتَيْتُهُ وَكُنْتُ أَوَّلُ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلاَمِ فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ». قَالَ فَقَالَ: «مَتَى كُنْتَ هَا هُنَا ؟». قُلْتُ: قَدْ كُنْتَ هَا هُنَا مُنْذُ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَيَوْمًا، قَالَ: «فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ ؟ ». قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلاَّ مَاءُ زَمْزَمَ فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَ عُكَنُ بَطْنِي، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ جُوعٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ، وَشِفَاءُ سُقْمٍ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ»،
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على الشرب من ماء زمزم، وأن تحمل إليه، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِزَمْزَمَ فَاسْتَسْقَى فَأَتَيْتُهُ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وأَرْسَلَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ تُفْتَحَ مَكَّةَ إِلَى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو أَنِ أَهْدِ لَنَا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَلاَ تَتِرُكْ قَالَ فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِمَزَادَتَيْنِ. السنن الكبرى للبيهقي.
وعن عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَحْمِلُ مَاءَ زَمْزَمَ وَتُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَفْعَلُهُ. وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ أَبِى كُرَيْبٍ وَزَادَ فِيهِ: حَمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الأَدَاوَي وَالْقِرَبِ، وَكَانَ يَصُبُّ عَلَى الْمَرْضَى وَيَسْقِيهِمْ السنن الكبرى للبيهقي.
ولقد اقتدى بالنبي –صلى الله عليه وسلم – أناس من أهل العلم والفضل؛ ما جعلهم يعدون ماء زمز أغلى شيء يهدى به؛ ففي طبقات المحدثين عن مجاهد قال: «كان ابن عباس إذا أراد أن يتحف رجلاً بتحفة سقاه من ماء زمزم»
ومن ذلك أيضا ما ورد في حلية الأولياء أن عبدالرحمن بن سعد الجمحي قال: رأيت سفيان بن عيينة قد أتى بماء زمزم فشرب، وسقى الذي عن يمينه، وقال: (ماء زمزم بمنزلة الطيب لا يرد).
وفي طبقات الحفاظ مما كتب به إلى ابن الجزري مع هدية ماء زمزم من نظمه:
ولقد نظرت فلم أجد يهدى لكم ... غير الدعاء المستجاب الصالح
أو جرعة من ماء زمزم قد سمت ... فضلاً على مد الفرات السائح
هذا الذي وصلت له يد قدرتي ... والحق قلت ولست فيه بمازح
أو جرعة من ماء زمزم قد سمت ... فضلاً على مد الفرات السائح
هذا الذي وصلت له يد قدرتي ... والحق قلت ولست فيه بمازح
إن ماء زمزم شربه كثيرون مؤمنين بأنه طعام طعم وشفاء سقم، وشربه كثيرون بنية أن الله جعله سببا من أسباب إجابة الدعاء، فتحقق ذلك كله.
وبنظرة سريعة في كتب التراجم والآثار نرى بعض ما تحقق من إجابة الدعاء بسبب ماء زمزم الذي كان يحرص على شربه العلماء وأهل الفضل حتى لقد صنع أحد علماء القرن الثامن عشر منه الحبر ليدون به العلم، ولقد شرب السيوطي من ماء زمزم لأمور منها أن يصل في الفقه إلى رتبة الشيخ سراج الدين البلقيني، وفي الحديث إلى رتبة الحافظ ابن حجر، فنال ما تمنى ووصلت مصنفاته نحو الستمائة مصنفاً. وقال ابن عديس من علماء القرن الثامن الهجري: (كنت إذا عسر علي الحفظ شربت من ماء زمزم وتوضأت وصليت في الملتزم ودعوت فأحفظ).
أما ابن الجزري فإن أباه كان تاجراً فمكث أربعين سنة لا يولد له ثم حج فشرب ماء زمزم بنية أن يولد له عالم فولد له ابن الجزري بعد صلاة التراويح من ليلة السبت 15 من رمضان سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وهو من هو في القراءة والقراءات.
وورد في تذكرة الحفاظ أن ابن خزيمة سُئل: من أين أوتيت هذا العلم؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ماء زمزم لما شرب له وإني لمّا شربت ماء زمزم سألت الله علما نافعا.
إن فضل زمزم وآثارها وما كتب فيها كثير كثير، حتى دونت فيها أحاديث منكرة وموضوعة رغم ما يكفيها من صحيح القول عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن الصحابة والسلف كما بينا ومن ذلك مثلا ما ورد في تاريخ دمشق حيث نسب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الله تعالى خلق آدم من طين الجابية، وعجنه بماء من ماء الجنة، وقال من ماء زمزم. وقد أورد الألباني هذا الحديث وذكر أنه منكر.
عن رابطة أدباء الشام