الضربات الجوية وتقييم المهمة الأفغانية
جاءت نتائج التقارير الصادرة خلال الشهر الجاري حول الدور الذي تلعبه الضربات الجوية في دفع قادة «طالبان» إلى طاولة المفاوضات لتؤكد مرة أخرى أن الوقت ربما قد حان لمراجعة السياسة المثيرة للجدل والداعية إلى الحد من تلك الضربات الجوية.
ولا شك أن المعطيات الجديدة التي تكشف عنها الدراسات والتقارير التي أجريت حول الموضوع تحتم الإسراع في إعادة تقييم سياساتنا للوقوف عند الإسهام الحقيقي للقصف الجوي في تعطيل مسيرة «طالبان»، فمنذ الإعلان عن تقييد الضربات الجوية في العام 2009 وعدد القتلى الأميركيين في ارتفاع متزايد وصل حسب آخر الإحصاءات إلى نسبة 31 مقارنة نسبة القتلى في الأعوام السابقة، ومع الأسف امتدت الإصابات إلى صفوف أفراد الجيش الأميركي والقوات الدولية المرابطة في أفغانستان بعدما بلغت نسبة القتلى من الجنود إلى مستويات قياسية في الشهور الأخيرة، هذا في الوقت الذي تتزامن فيه سياسة تقليص الضربات الجوية مع تراجع خطير، وفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، في الوضع الأمني داخل أفغانستان وتقدم «طالبان» على العديد من الجبهات.
والحقيقة أن كل فرصة ضائعة بسبب التقييد المعلن عنه في عدد الضربات الجوية تؤدي إلى إفلات المزيد من قادة «طالبان» و»القاعدة» وبقائهم أحياء لقتل عدد أكبر من المدنيين الأفغان العزل واستهداف القوات الأميركية، ومعها حلفاؤنا في أفغانستان، وليستمر أيضاً خطر الإرهاب في تهديد أمن المنطقة، بل حتى الأمن القومي الأميركي.
ومع أن سقوط ضحايا أبرياء في صفوف المدنيين أمر غير مقبول ويتعين تفاديه بكل السبل لما يخلفه من آلام ومرارة لدى الأهالي، إلا أن الأبحاث والدراسات تؤكد أن الضربات الجوية نادراً ما تكون السبب.
فحسب دراسة رعتها الولايات المتحدة وأجراها المكتب القومي للبحث الاقتصادي والصادر في شهر يوليو الماضي لم تسهم الضربات الجوية في سقوط سوى 6 في المئة من إجمالي القتلى في صفوف النساء والأطفال التي تحملت مسؤوليتها القوات الدولية بأفغانستان.
وهي نتائج تنسجم مع النسبة المتدنية التي كشفت عنها دراسة أعدتها دورية «نيو إنجلاند» الطبية في العام 2009 حيث أكدت أن عدد القتلى المدنيين الذين سقطوا في العراق بسبب الضربات الجوية هو أقل مقارنة بمن يسقط جراء العمليات العسكرية الأخرى، وبعبارة أخرى ليست الضربات الجوية هي المسؤولة عن النسبة الأكبر من القتلى المدنيين سواء في العراق أو في أفغانستان منذ 11 سبتمبر 2001، بل إن المكتب القومي للبحث الاقتصادي أظهر بأن عدد القتلى الأفغان من النساء والأطفال الذين قضوا في حوادث سير عادية هو أكبر بمرة ونصف من ضحايا القصف الجوي الذي تقوم به الطائرات الأميركية وتستهدف من خلاله عناصر بارزة في تنظيم «طالبان».
وفي نفس السياق علينا ألا نصدق كل المزاعم التي تقول إن سقوط القتلى المدنيين يؤدي تلقائياً إلى تنامي العداء للقوات الدولية، فـ»طالبان» نفسها كذبت هذا الإدعاء، إذ رغم وقوف المتمردين وراء سقوط 76 في المئة من القتلى المدنيين، حسب الإحصاءات، إلا أنه ومع ذلك ما فتئت شعبية «طالبان» في الصعود، بل إن تقرير المكتب القومي للبحث الاقتصادي ينفي أي انعكاسات سلبية واجهت «طالبان» من جراء قتلها للمدنيين، وهو ما أكده أيضا في شهر أبريل الماضي الصحفي «بين أرنولدي» عندما قال إنه «لا توجد مؤشرات» تثبت معاناة «طالبان» من ردود أفعال قوية بسبب قتلها المدنيين.
والأكثر من ذلك صرح «جيرمي شابيرو»، الخبير في الشؤون الأفغانية من معهد بروكينجز، في محاضرة ألقاها أمام جمهور عريض في الخريف الماضي أنه رغم لجوء الحكومة الأفغانية إلى إثارة موضوع القتلى المدنيين للتأثير على القوات الدولية، فإن القادة الأفغان المحليين «لا يميلون إلى الانزعاج كثيراً من هذا الموضوع»، معتقداً أنه «في الوقت الذي تتفاعل فيه مسألة القتلى المدنيين الذين يسقطون من جراء الضربات الجوية في الولايات المتحدة وأوروبا، فإن الأفغان لا ينظرون إليها من نفس الزاوية»، ومهما يكن الأمر لا يمكن أبداً تبرير سقوط الضحايا المدنيين سواء من قبل أميركا، أو غيرها، كما أنه لا يمكن للقوة الجوية أن تكون الحل الوحيد لمكافحة التمرد، لكن مع ذلك يمثل إخضاع المتمردين الذين يقتلون المدنيين أنفسهم إلى ضغط جوي قد يساعد في كسر شوكتهم ودفهم إلى التفاوض أمراً ضرورياً، ولعل الأهم من الضربات الجوية التي تتعرض لانتقادات واسعة وتسعى جهات معينة إلى لجمها هو التواجد البري للقوات الأجنبية في أفغانستان غير المرغوب فيه من قبل الأفغان، وهو ما أكدته العديد من استطلاعات الرأي التي أجريت في المحافظات الأفغانية مثل قندهار وهيلمند، وبما أن استراتيجيتنا العسكرية تقوم على الزيادة في عدد الجنود على الأرض سيبقى العداء الشعبي للقوات الأميركية التي يُنظر إليها كقوات محتلة مستفحلا، فما يغضب الأفغان ليس سقوط الضحايا المدنيين بقدر ما يزعجهم رؤية القوات المسلحة، أما الضربات الجوية فهي بالعكس تقلص الحاجة إلى إرسال المزيد من الجنود إلى ساحة المعركة في أفغانستان، هذا بالإضافة إلى فعاليتها في ضرب المتمردين دون أن يعني ذلك خرقنا للقانون الدولي أو عدم بذلنا قصارى جهدنا لتفادي قصف المدنيين العزل.
لكن وفي جميع الأحوال إذا كنا فعلا نريد خفض عدد القتلى في صفوف الأبرياء وتقليص استهداف قواتنا يتعين على إدارة أوباما إعادة تقييم السياسة الأفغانية بأن نعيد النظر في الحكمة من تقييد السلاح الأكثر فتكاً الذي يرتعب منه المتمردون والمتمثل في القوة الجوية.
تشارلز دونلاب (جنرال متقاعد
في القوات الجوية الأميركية)
واشنطن بوست الاميركية
http://www.alrai.com/pages.php?news_id=364738
جاءت نتائج التقارير الصادرة خلال الشهر الجاري حول الدور الذي تلعبه الضربات الجوية في دفع قادة «طالبان» إلى طاولة المفاوضات لتؤكد مرة أخرى أن الوقت ربما قد حان لمراجعة السياسة المثيرة للجدل والداعية إلى الحد من تلك الضربات الجوية.
ولا شك أن المعطيات الجديدة التي تكشف عنها الدراسات والتقارير التي أجريت حول الموضوع تحتم الإسراع في إعادة تقييم سياساتنا للوقوف عند الإسهام الحقيقي للقصف الجوي في تعطيل مسيرة «طالبان»، فمنذ الإعلان عن تقييد الضربات الجوية في العام 2009 وعدد القتلى الأميركيين في ارتفاع متزايد وصل حسب آخر الإحصاءات إلى نسبة 31 مقارنة نسبة القتلى في الأعوام السابقة، ومع الأسف امتدت الإصابات إلى صفوف أفراد الجيش الأميركي والقوات الدولية المرابطة في أفغانستان بعدما بلغت نسبة القتلى من الجنود إلى مستويات قياسية في الشهور الأخيرة، هذا في الوقت الذي تتزامن فيه سياسة تقليص الضربات الجوية مع تراجع خطير، وفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، في الوضع الأمني داخل أفغانستان وتقدم «طالبان» على العديد من الجبهات.
والحقيقة أن كل فرصة ضائعة بسبب التقييد المعلن عنه في عدد الضربات الجوية تؤدي إلى إفلات المزيد من قادة «طالبان» و»القاعدة» وبقائهم أحياء لقتل عدد أكبر من المدنيين الأفغان العزل واستهداف القوات الأميركية، ومعها حلفاؤنا في أفغانستان، وليستمر أيضاً خطر الإرهاب في تهديد أمن المنطقة، بل حتى الأمن القومي الأميركي.
ومع أن سقوط ضحايا أبرياء في صفوف المدنيين أمر غير مقبول ويتعين تفاديه بكل السبل لما يخلفه من آلام ومرارة لدى الأهالي، إلا أن الأبحاث والدراسات تؤكد أن الضربات الجوية نادراً ما تكون السبب.
فحسب دراسة رعتها الولايات المتحدة وأجراها المكتب القومي للبحث الاقتصادي والصادر في شهر يوليو الماضي لم تسهم الضربات الجوية في سقوط سوى 6 في المئة من إجمالي القتلى في صفوف النساء والأطفال التي تحملت مسؤوليتها القوات الدولية بأفغانستان.
وهي نتائج تنسجم مع النسبة المتدنية التي كشفت عنها دراسة أعدتها دورية «نيو إنجلاند» الطبية في العام 2009 حيث أكدت أن عدد القتلى المدنيين الذين سقطوا في العراق بسبب الضربات الجوية هو أقل مقارنة بمن يسقط جراء العمليات العسكرية الأخرى، وبعبارة أخرى ليست الضربات الجوية هي المسؤولة عن النسبة الأكبر من القتلى المدنيين سواء في العراق أو في أفغانستان منذ 11 سبتمبر 2001، بل إن المكتب القومي للبحث الاقتصادي أظهر بأن عدد القتلى الأفغان من النساء والأطفال الذين قضوا في حوادث سير عادية هو أكبر بمرة ونصف من ضحايا القصف الجوي الذي تقوم به الطائرات الأميركية وتستهدف من خلاله عناصر بارزة في تنظيم «طالبان».
وفي نفس السياق علينا ألا نصدق كل المزاعم التي تقول إن سقوط القتلى المدنيين يؤدي تلقائياً إلى تنامي العداء للقوات الدولية، فـ»طالبان» نفسها كذبت هذا الإدعاء، إذ رغم وقوف المتمردين وراء سقوط 76 في المئة من القتلى المدنيين، حسب الإحصاءات، إلا أنه ومع ذلك ما فتئت شعبية «طالبان» في الصعود، بل إن تقرير المكتب القومي للبحث الاقتصادي ينفي أي انعكاسات سلبية واجهت «طالبان» من جراء قتلها للمدنيين، وهو ما أكده أيضا في شهر أبريل الماضي الصحفي «بين أرنولدي» عندما قال إنه «لا توجد مؤشرات» تثبت معاناة «طالبان» من ردود أفعال قوية بسبب قتلها المدنيين.
والأكثر من ذلك صرح «جيرمي شابيرو»، الخبير في الشؤون الأفغانية من معهد بروكينجز، في محاضرة ألقاها أمام جمهور عريض في الخريف الماضي أنه رغم لجوء الحكومة الأفغانية إلى إثارة موضوع القتلى المدنيين للتأثير على القوات الدولية، فإن القادة الأفغان المحليين «لا يميلون إلى الانزعاج كثيراً من هذا الموضوع»، معتقداً أنه «في الوقت الذي تتفاعل فيه مسألة القتلى المدنيين الذين يسقطون من جراء الضربات الجوية في الولايات المتحدة وأوروبا، فإن الأفغان لا ينظرون إليها من نفس الزاوية»، ومهما يكن الأمر لا يمكن أبداً تبرير سقوط الضحايا المدنيين سواء من قبل أميركا، أو غيرها، كما أنه لا يمكن للقوة الجوية أن تكون الحل الوحيد لمكافحة التمرد، لكن مع ذلك يمثل إخضاع المتمردين الذين يقتلون المدنيين أنفسهم إلى ضغط جوي قد يساعد في كسر شوكتهم ودفهم إلى التفاوض أمراً ضرورياً، ولعل الأهم من الضربات الجوية التي تتعرض لانتقادات واسعة وتسعى جهات معينة إلى لجمها هو التواجد البري للقوات الأجنبية في أفغانستان غير المرغوب فيه من قبل الأفغان، وهو ما أكدته العديد من استطلاعات الرأي التي أجريت في المحافظات الأفغانية مثل قندهار وهيلمند، وبما أن استراتيجيتنا العسكرية تقوم على الزيادة في عدد الجنود على الأرض سيبقى العداء الشعبي للقوات الأميركية التي يُنظر إليها كقوات محتلة مستفحلا، فما يغضب الأفغان ليس سقوط الضحايا المدنيين بقدر ما يزعجهم رؤية القوات المسلحة، أما الضربات الجوية فهي بالعكس تقلص الحاجة إلى إرسال المزيد من الجنود إلى ساحة المعركة في أفغانستان، هذا بالإضافة إلى فعاليتها في ضرب المتمردين دون أن يعني ذلك خرقنا للقانون الدولي أو عدم بذلنا قصارى جهدنا لتفادي قصف المدنيين العزل.
لكن وفي جميع الأحوال إذا كنا فعلا نريد خفض عدد القتلى في صفوف الأبرياء وتقليص استهداف قواتنا يتعين على إدارة أوباما إعادة تقييم السياسة الأفغانية بأن نعيد النظر في الحكمة من تقييد السلاح الأكثر فتكاً الذي يرتعب منه المتمردون والمتمثل في القوة الجوية.
تشارلز دونلاب (جنرال متقاعد
في القوات الجوية الأميركية)
واشنطن بوست الاميركية
http://www.alrai.com/pages.php?news_id=364738