جرائم فرنسا في الجزائر للأستاذ سعدي بزيان بقلم:أ. محمد سيف الإسلام بوفـلاقـة
تاريخ النشر : 2010-07-05
قراءة في كتاب:
«جرائم فرنسا في الجزائر»
للأستاذ سعدي بزيان
بقلم:أ. محمد سيف الإسلام بوفـلاقـة
يُعد الأستاذ سعدي بزيان واحداً من كبار الكتّاب والصحافيين الجزائريين ،فقد درس في معهد الإمام عبد الحميد بن باديس بمدينة قسنطينة، وبجامع الزيتونة في تونس، وفي العديد من الدول العربية بدمشق والقدس، وبغداد،عمل في جريدة الشعب الجزائرية مراسلاً لها من باريس مدة ما يربو عن ثلاثٍ وعشرين سنة ، وفي جُملة من كُبريات الصحف والمجلات الجزائرية والعربية ،وقد صدر له العديد من المؤلفات ،من بينها نذكر:«أحاديث ممتعة»، «الإسلام والمسلمون في أوربا الغربية»،«الصراع حول قيادة الإسلام في فرنسا»،«معركة الحجاب الإسلامي في فرنسا:أصولها وفصولها»، وغيرها
وفي كتابه هذا الموسوم ب:«جرائم فرنسا في الجزائر»،يُميط اللثام عن كثير من الجرائم الشنيعة التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في الجزائر ،ويُقدم طروحات غاية في الأهمية كما يُفند جُملة من الأباطيل التي نشرها جنرالات فرنسا وهدفوا من خلالها إلى تزييف حقائق الجرائم المرتكبة،كما يُورد شهادات حية لشخصيات وكتّاب وسياسيين وأناس عايشوا الجرائم واكتووا بنارها
في المقدمة يتحدث المؤلف عن الدواعي التي جعلته يؤلف الكتاب ،فيتطرق إلى الضجيج الإعلامي الذي أُثير في فرنسا عن الجرائم التي ارتكبها الجيش الفرنسي بهدف القضاء على ثورة نوفمبر 1954م،والاحتفاظ بالجزائر الفرنسية داخل الامبراطورية الكبرى والتي ما فتئت تتهاوى وتنهار بعد هزيمتها في الفيتنام على يد الجنرال جياب ، وذلك قبل شهور قليلة من اندلاع الثورة الجزائرية،وهو الأمر الذي لم يهضمه جنرالات فرنسا الذين سعوا بكل ما أوتوا من قوة من أجل وقف تيار التاريخ في الجزائر،والإبقاء على هذا البلد تحت قبضتهم وجعله جزءاً لا يتجزأ من ترابهم ،وتحت هذا الشعار صرح الجنرال دوغول:«من دانكيرك إلى تامنراست بلد واحد هي فرنسا»، وأكد في أحد حواراته:«إنه مادام هناك دوغول فلن يرتفع علم جبهة التحرير على الجزائر أبداً»،ولم يكن يتصور جنرالات فرنسا وقادتها السياسيون أن ما حدث في الفيتنام سيتكرر في الجزائر،وأنها ستُفلت من بين أيديهم ،وكان الهدف الرئيس لقادة فرنسا من سياسيين وعسكريين هو الإبقاء على الجزائر فرنسية،وفي سبيل ذلك فإن جميع الأعمال تهون ،ومن هنا انطلقت سيول الدماء،ومسلسلات الجرائم الشنعاء التي مورست ضد الشعب الجزائري ،فكانت جرائم الجنرالات: ماسو،وسالان،وجوهر،وبيجار،وأوساريس، وموريس بابون،وهلم جراً.
يُوجه المؤلف انتقادات لاذعة لثقافة النسيان التي خيمت على الساحة الجزائرية في السنوات الأخيرة ،ويُورد الكثير من الحوادث والمفارقات العجيبة،حتى أن أحد المسؤولين سئل عن الصمت المطبق على الجدل القائم في فرنسا حول الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي،فأجاب قائلاً:«إنها قضية فرنسية فرنسية ولا تعنينا نحن» ،كما يستعرض أحاديث لبعض الشخصيات الفرنسية المنصفة في قول الحقيقة ،ومن بين هؤلاء الفيلسوف الفرنسي فرانسيس جانسون صديق جان بول سارتر ،الذي استغرب من الذين يتساءلون عما حدث في الجزائر من طرف فرنسا،هل هي جرائم حرب،أو جرائم ضد الإنسانية؟،وأجاب قائلاً:«أنا لا أفهم لماذا نطرح اليوم سؤالاً عن التعذيب بدون أن نتساءل عن الحرب الاستعمارية ،والسؤال الذي ينبغي طرحه بحق هو: لماذا قُمنا نحن بالحرب ضد الشعب الجزائري وباسم أية مصلحة ولفائدة من..؟ ».
جرائم فظيعة...من الجنرال بيجو إلى الجنرال أوساريس
ستعرض المؤلف شلال الدماء ومسلسل الجرائم الفرنسية المرتكبة ابتداءً من سنة:1830م، إلى غاية1962م، فجرائم فرنسا لم تبدأ مع ثورة نوفمبر،أو مع ما يُسميه المؤرخون الفرنسيون«معركة الجزائر»،تلك المعركة التي تزعمها الجنرال بول أوساريس،تحت قيادة الجنرال ماسو سنة:1957م،وقد أدت إلى إلقاء القبض على الشهيد العربي بن مهيدي ،والمناضل ياسف سعدي،وأسفرت عن مقتل عدد كبير من الشهداء،من بينهم: علي لابوانت، وعلي بومنجل،وغيرهم،بل هي سلسلة متواصلة من الجرائم ضد الإنسانية خلال قرن وربع،وما تلاها من جرائم ارتكبها الاستعمار الفرنسي في مستعمرات عديدة.
عندما سُئل الكاتب والمناضل الفرنسي فرانسيس جانسون ،صاحب كتاب:«الجزائر الخارجة على القانون» ،على التعليق على ما ورد في اعترافات الجنرال بول أوساريس في كتابه:«أجهزة خاصة» أجاب:«إن مسألة التعذيب مرتبطة بالمسألة الاستعمارية،وأعتقد أنه على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة معاً الذهاب إلى الأمام في تصريحاتهم التي سمعناها حتى الآن حول مأساة شعب،وعلى المسؤولين اليوم طلب السماح من أولئك الذين عانوا خلال حرب التحرير،وأقصد بالضبط طلب الاعتذار والسماح من الشعب الجزائري فيما لحقه من جرائم من طرف الاستعمار الفرنسي...».إن الجرائم الفرنسية والقتل الجماعي الذي ارتكب خلال الثورة«1954-1962م»،هو امتداد للجرائم البشعة التي ارتكبت أثناء الاحتلال سنة:1830م،وفي ثورة المقراني سنة:1871م،وما تلاها من ثورات التي لم تتوقف منذ وطئت أقدام الفرنسيين أرض الجزائر ،يتساءل المؤلف: كيف يمكن للشعب الجزائري أن يتناسى جرائم 8مايو1945م والتي راح ضحيتها خمسة وأربعون ألف شهيد، وكيف يمكن نسيان جرائم20أوت1955م في سكيكدة ،والتي كانت تحت إشراف الجنرال أوساريس،وهل يمكن نسيان جرائم 17أكتوبر1961م،التي قام بها موريس بابون في حق الجالية الجزائرية في باريس تحت لواء جمهورية الجنرال دوغول ووزيريه ميشال دوبري رئيس الحكومة، وروجي فري وزير الداخلية ،والتي استشهد في يومها ثلاثمائة مواطن جزائري رُمي جُلّهم في نهر السين بباريس، كما قُتل عدد كبير داخل مراكز الشرطة، وأُغرق العشرات بواسطة الطائرات في البحر، ومما ذكره الأستاذ محمد بن رابح في مقال له بجريدة لوفيغارو :« إن فرنسا خاضت حرباً شرسة ضد الشعب الجزائري منذ الاحتلال سنة:1830م،وكان الجنرال بوجو قد دشن يومئذ حرب الإبادة ضد الشعب الجزائري البالغ عدد سكانه يومئذ ثلاثة ملايين نسمة ،وخلال خمس عشرة سنة تقلص العدد إلى مليونيين».
ومن الذين ارتكبوا جرائم شنعاء العقيد بيليسي الذي أصدر أوامر لجنوده بإضرام النار في مغارة التجأ إليها أفراد من الشعب هروباً من جحيم الاستعمار وفي ظروف مأساوية قلّ نظيرها اختنق هؤلاء في المغارة وماتوا جميعاً . وعن الجنرال بوجو فمنذ أن حلّ بالجزائر سنة:1841م،فقد تبنّى سياسة الحرب الشاملة ضد الشعب الجزائري،وقد كانت الاستراتيجية الأساسة التي اعتمدها هي حرب الإبادة ففي نظره أنها هي وحدها الكفيلة بالقضاء على مقاومة الشعب الجزائري ،وإضعاف قدراته القتالية والنضالية
و مما قاله الأستاذ صلاح العقاد في كتابه :«المغرب العربي:الجزائر-المغرب الأقصى-تونس» الذي صدر سنة:1962م عن المكتبة الأنجلو مصرية :«اكتست الحرب التي شنها الجنرال بيجو ضدَّ الشعب الجزائري بالطابع الإجرامي والعنف إلى حد أن عدد سكان الجزائر تناقص حسب تقرير أحد الضباط الفرنسيين من أربعة ملايين إلى ثلاثة ملايين نسمة في مدى سبع سنوات»،وقد ذكر حمدان خوجة صاحب كتاب المرآة :«إن السكان الجزائريين تناقصوا من عشرة ملايين إلى ثلاثة ملايين نسمة».
ومما صرح به الجنرال سانت أرنو،وهو أحد معاوني الجنرال بوجو،في مذكراته:«لقد كانت حملتنا في الجزائر حملة تدميرية أكثر منها عملاً عسكرياً،ونحن اليوم وسط جبال مليانة لا نطلق إلا قليلاً من الرصاص، وإنما نمضي وقتنا في حرق جميع القرى والأكواخ،وإن العدو يفر أمامنا سائقاً أمامه قطعان غنمه».
وبعد استعراض المؤلف لجملة من الشهادات ،يخلص إلى أن جميع جنرالات فرنسا الذين تعاقبوا على الجزائر منذ الاحتلال إلى الاستقلال يشتركون في مبدأ واحد وهو القضاء على روح المقاومة لدى الشعب الجزائري وتجريده من كل مقومات الحياة،فلا فرق بين :كلوزال، ودوق روفيغو، وبورمون، والماريشال سولت، ودوفال، وغيرهم.
إن الجنرال بول أوساريس ومن خلال اعترافاته في كتاب:«أجهزة خاصة»،جعل باب النقاش مفتوحاً على مصراعيه عن ماضي فرنسا الاستعماري، ومما أكدته الباحثة رفائييل برانش :«إن التعذيب في الجزائر خلال الاستعمار الفرنسي،لم يكن ظاهرة تخص مجموعة من العسكريين،بل هي ظاهرات كانت سائدة خلال حرب الجزائر»،وأضافت:«إن الجيش الفرنسي الذي حارب الشيوعيين في الفيتنام،وتلقى هزيمة شنعاء في ديان بيانفو التجأ في الجزائر إلى القتل والتعذيب انتقاماً من الهزيمة و الإهانة التي لحقته على يد قوات الجنرال جياب، وبالنسبة للجيش الفرنسي فإن جبهة التحرير عبارة عن منظمة تخريبية وتمرُد على غرار ما جرى في الفيتنام ضد فرنسا ».
لقد تبنى الاستعمار الفرنسي سياسة الحرب الشاملة من جميع الجوانب والنواحي، وعمل على ضرورة استئصال العنصر الوطني، فشرع بحرق المداشر بأكملها،وبأهلها ،وحيواناتها، وطفق يصلب رجالها،ويقطع الرؤوس،ويمثل بالجثت،ويبقر بطون الأمهات الحوامل، ويشرد العوائل...
ومما صرح به وزير الحرب الفرنسي جيرار أنه:«لابد من إبادة جميع السكان العرب،إن المجازر والحرائق وتخريب الفلاحة هي في تقديري الوسائل الوحيدة لتركيز هيمنتنا...».
وأما الجنرال بوجو ،فقد صرّح أمام البرلمان الفرنسي،قائلاً:«أينما وُجدت المياه الصالحة والأرض الخصبة،يجب إقامة المعمرين بدون استفسار من أصحاب الأراضي هذه».
وبعد أن استحضر المؤلف العديد من التصريحات الإجرامية لمسؤولين فرنسيين عسكريين وسياسيين،يُشير إلى أن هناك مؤرخاً فرنسياً واحداً خالف جميع المؤرخين الفرنسيين وهو جاك جوركي الذي أكد:« أن الفرنسيين قتلوا منذ الاحتلال مروراً بالثورات والانتفاضات التي قام بها الوطنيون الجزائريون إلى غاية الاستقلال عشرة ملايين شهيد...!!».
مجرم حرب...يتفاخر بجرائمه
بعد استفاضة المؤلف في الحديث عن مجازر 8مايو1945م،بين مصادر الفرنسيين ومصادر الجزائريين،حيث يُدحض أكاذيب العديد من الكتّاب والصحافيين الفرنسيين الذين حاولوا التقليل من شأن الجرائم المرتكبة في ذلك اليوم الأسود،ينتقل بنا للحديث عن مذكرات الجنرال بول أوساريس(وأشير في هذا المقام إلى أن الأستاذ فوزي الشلق قد قدم عرضاً لهذه المذكرات في مجلة العربي الغراء،العدد:546،مايو2004م)،ذلك الجنرال الذي يتفاخر ويتبجح بجرائمه التي يندى لها الجبين،وإن أصدق وصف ينطبق على مذكراته ما وصفها به المؤرخ الفرنسي فيدال ناكي قائلاً:«إنها مذكرات مجرم حرب».
انطلاقاً من جرائمه في مدينة سكيكدة،ثم في معركة الجزائر، بدأ الدور القذر لهذا الجنرال ،فهو يعترفُ بأنه قد قتل أربعة وعشرين شخصاً من سجناء الحرب ،كما أعطى أوامر لتذبيح وقتل المئات من المشتبه بهم دون محاكمة،كما يعترف بأنه أشرف على تعذيب مشبوه جزائري إلى أن مات متأثراً بالتعذيب لأنه رفض الاعتراف، ويذكر بأنه لم يتأثر إطلاقاً لوفاته ،بل إنه يتأسف لموته دون أن يُدلي له بالاعترافات،ويؤكد عدم خجله من ذلك ولا شعوره بالذنب ،كما اعترف بأنه المشرف الشخصي على قتل الشهيد علي بومنجل،حيث ثم رميه من أعلى عمارة في شارع كليمانصو بالأبيار،ومما يذكره أنه قتل خمسمائة مشبوهاً فيهم في مدينة سكيكدة لوحدها،ومما قاله أوساريس إن الأعمال التي قام بها في الجزائر هي أعمال جيدة ، وكل ما قمت به من أجل خدمة مصالح بلدي...!!.
يرى المؤلف أن المتبصر في مذكرات الجنرال أوساريس يجد فيها الكثير من التناقض والجهل بالثقافة السياسية،ويقدم العديد من الأمثلة على ذلك.
ومن بين الأقوال والشهادات التي وردت في المذكرات، ومما ذُكر في مقال بجريدة لوموند تحت عنوان:«الحرب القذرة للجنرال أوساريس» أنه سُئل عن قضية 24000سجين جزائري وُضعوا تحت الإقامة الجبرية،و التي أكد فيها بول تيغان أن من بينهم3024 شخص اختفوا من هذه القائمة وتم التخلص منهم من طرف الجنرال أوساريس،أجاب أوساريس أن كلام تيغان قريب من الواقع،وعندما سُئل عن نيته القيام بطلب السماح والاعتذار عمّا بدر منه،قال:«أنا لا أطلب السماح والاعتذار عمّا بدر مني خلال أدائي مهمتي في الجزائر،اللهم إذا اعترفت جبهة التحرير الوطني الجزائرية من طرفها بما ارتكبته هي الأخرى...!!».
ويتطرق المؤلف إلى الأصداء وردود الفعل التي أحدثتها مذكرات الجنرال أوساريس،فيذكر أنه قد صرح بأن معظم الجنرالات الذين ورد ذكرهم، ومازالوا على قيد الحياة لم يكونوا مرتاحين لها ،ورفضوا الاعتراف بجرائمهم،أما ابنة الجنرال أوساريس هيلان فقد رفضت مشاهدة والدها بعد صدور اعترافاته الإجرامية.
وبعد هذا ينتقل المؤلف للحديث عن جرائم الجنرال راؤول سالان الذي قام بإلقاء قنبلة ساقية سيدي يوسف بتونس،وهو ما أدى إلى مقتل العشرات من التونسيين والجزائريين،كما قام بتعذيب مئات الجزائريين بطرائق إجرامية ،وأما الجنرال ماسو فقد اعترف بأن التعذيب في الجزائر كان أمراً مُشاعاً، وكان يُمارس على نطاق واسع ولاسيما بعد تأسيس مركز التنسيق بين القوات المسلحة ،وعندما سُئل عن رأيه في النداء الذي تقدم به مجموعة من السياسيين والكُتّاب الفرنسيين ،وطالبوا من خلاله الحكومة الفرنسية أن تعترف بوجود تعذيب ضد الجزائريين، أجاب: بأنها فكرة طيبة أخلاقياً فالتعذيب شيء غير حسن، وأما الجنرال دولابورديير فقد وقف موقفاً مشرفاً، حيث رفض سياسة التعذيب والقتل وبعث برسالة طالباً إعفاؤه من منصبه ،وذلك احتجاجاً على التعذيب والجرائم الشنعاء التي يرتكبها الجيش الفرنسي،وعُوقب نتيجة لذلك إلى أن غادر الجيش الفرنسي نهائياً سنة:1960م.
وجوه أخرى لجرائم الجيش الفرنسي
لم تكن الجرائم الفرنسية حكراً على الرجال وحسب، بل إن الكثير من المناضلات الجزائريات تعرضن لجرائم بشعة يعجز اللسان عن وصفها ،فقد كانت عمليات اغتصاب النساء الجزائريات من طرف الجيش الفرنسي ،كما يصفها المؤلف هي الخبز اليومي لهذا الجيش.
ويُورد المؤلف الكثير من القصص الواقعية لنساء جزائريات تعرضن لأهوال من العذاب الجسدي والنفسي،ومن بينهن إحدى النساء البريئات التي تعرضت لآلام مبرحة بالماء والكهرباء،وبعد ذلك تعرضت لعملية اغتصاب متكررة،مما أدى بها إلى فقدان عقلها...!!
ويشير المؤلف إلى أنه لا يمكن معرفة عدد النساء الجزائريات اللاتي تعرضن للاغتصاب، ويذكر أنه في كتاب شاركت في تأليفه الكاتبة الفرنسية سيمون دو بوفوار صديقة جان بول سارتر،تعرضت من خلاله لهذه القضية ،كما تم تقديم العديد من الشهادات،وحسب الأرقام الفرنسية أن هناك حوالي ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف حالة اغتصاب لنساء جزائريات، وذلك بين سنوات:1954-1962م.
مواقف مختلفة
يُلقي المؤلف النور على شتى المواقف وردود الفعل على جرائم فرنسا في الجزائر، وفي البدء يتطرق إلى مواقف الأحزاب الفرنسية ،وفي مقدمة الأحزاب التي تبنت مواقف مشرفة يأتي الحزب الشيوعي الفرنسي،فهو أول من طالب بإنشاء لجنة تحقيق برلمانية حول الجرائم الفرنسية في الجزائر، وقد شارك الحزب بفعالية في «لجنة12» للمثقفين والسياسيين والكتّاب الذين طالبوا الحكومة الفرنسية الاعتراف رسميا بجرائمها في الجزائر،وبعد الحزب الشيوعي يأتي حزب الخضر الذي شجب الجرائم الفرنسية، كما أنه ضم صوته إلى جانب جمعية حقوق الإنسان التي تقدمت بشكوى ضد الجنرال أوساريس،أما الاشتراكيون الفرنسيون فقد رفضوا تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في الجرائم الفرنسية،كما رفضوا الاعتراف بالجرائم المرتكبة،ولا يختلف الديغوليون في مواقفهم عنهم كثيراً ،وقد حذو حذوهم في رفض تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في الجرائم الفرنسية،كما خاض المؤلف في مختلف المواقف الجزائرية الرسمية والشعبية والحزبية،وبعد ذلك يُقدم جُملة من الملاحق ففي الملحق الأول قدم تعاريف مقتضبة لبعض الوجوه التي لعبت دوراً قذراً في حرب الجزائر، وفي الملحق الثاني قدم لمحات عن شخصيات فكرية وقعّت على لائحة تندد بالحرب القذرة ضد الشعب الجزائري،وأما في الملحق الثالث فقد قدم قائمة تتكون من اثني عشر شخصاً طلبت من الحكومة الفرنسية الاعتراف رسمياً بجرائمها في الجزائر،أما الملحق الرابع فقد تناول فيه موقف الرأي العام الفرنسي من جرائم فرنسا في الجزائر ، فهناك ثلاثة من خمسة من الفرنسيين يدينون بشدة جرائم الجيش الفرنسي،وهناك واحد على اثنين يتمنون الملاحقة للذين ارتكبوا الجرائم.
و في الأخير بقي أن نشير إلى أن هذا الكتاب ما هو إلا مجرد غيض من فيض ،سلّط الضوء على الجرائم الفرنسية الشنعاء، والتي إن أُلفت من أجلها الأسفار والمجلدات الضخمة،والموسوعات الجمة،لن تستطيع احتوائها بأكملها،ومع هذا لا تزال فرنسا إلى يومنا هذا ترفض الاعتذار للشعب الجزائري،بل وحتى الاعتراف...!!.
تاريخ النشر : 2010-07-05
قراءة في كتاب:
«جرائم فرنسا في الجزائر»
للأستاذ سعدي بزيان
بقلم:أ. محمد سيف الإسلام بوفـلاقـة
يُعد الأستاذ سعدي بزيان واحداً من كبار الكتّاب والصحافيين الجزائريين ،فقد درس في معهد الإمام عبد الحميد بن باديس بمدينة قسنطينة، وبجامع الزيتونة في تونس، وفي العديد من الدول العربية بدمشق والقدس، وبغداد،عمل في جريدة الشعب الجزائرية مراسلاً لها من باريس مدة ما يربو عن ثلاثٍ وعشرين سنة ، وفي جُملة من كُبريات الصحف والمجلات الجزائرية والعربية ،وقد صدر له العديد من المؤلفات ،من بينها نذكر:«أحاديث ممتعة»، «الإسلام والمسلمون في أوربا الغربية»،«الصراع حول قيادة الإسلام في فرنسا»،«معركة الحجاب الإسلامي في فرنسا:أصولها وفصولها»، وغيرها
وفي كتابه هذا الموسوم ب:«جرائم فرنسا في الجزائر»،يُميط اللثام عن كثير من الجرائم الشنيعة التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في الجزائر ،ويُقدم طروحات غاية في الأهمية كما يُفند جُملة من الأباطيل التي نشرها جنرالات فرنسا وهدفوا من خلالها إلى تزييف حقائق الجرائم المرتكبة،كما يُورد شهادات حية لشخصيات وكتّاب وسياسيين وأناس عايشوا الجرائم واكتووا بنارها
في المقدمة يتحدث المؤلف عن الدواعي التي جعلته يؤلف الكتاب ،فيتطرق إلى الضجيج الإعلامي الذي أُثير في فرنسا عن الجرائم التي ارتكبها الجيش الفرنسي بهدف القضاء على ثورة نوفمبر 1954م،والاحتفاظ بالجزائر الفرنسية داخل الامبراطورية الكبرى والتي ما فتئت تتهاوى وتنهار بعد هزيمتها في الفيتنام على يد الجنرال جياب ، وذلك قبل شهور قليلة من اندلاع الثورة الجزائرية،وهو الأمر الذي لم يهضمه جنرالات فرنسا الذين سعوا بكل ما أوتوا من قوة من أجل وقف تيار التاريخ في الجزائر،والإبقاء على هذا البلد تحت قبضتهم وجعله جزءاً لا يتجزأ من ترابهم ،وتحت هذا الشعار صرح الجنرال دوغول:«من دانكيرك إلى تامنراست بلد واحد هي فرنسا»، وأكد في أحد حواراته:«إنه مادام هناك دوغول فلن يرتفع علم جبهة التحرير على الجزائر أبداً»،ولم يكن يتصور جنرالات فرنسا وقادتها السياسيون أن ما حدث في الفيتنام سيتكرر في الجزائر،وأنها ستُفلت من بين أيديهم ،وكان الهدف الرئيس لقادة فرنسا من سياسيين وعسكريين هو الإبقاء على الجزائر فرنسية،وفي سبيل ذلك فإن جميع الأعمال تهون ،ومن هنا انطلقت سيول الدماء،ومسلسلات الجرائم الشنعاء التي مورست ضد الشعب الجزائري ،فكانت جرائم الجنرالات: ماسو،وسالان،وجوهر،وبيجار،وأوساريس، وموريس بابون،وهلم جراً.
يُوجه المؤلف انتقادات لاذعة لثقافة النسيان التي خيمت على الساحة الجزائرية في السنوات الأخيرة ،ويُورد الكثير من الحوادث والمفارقات العجيبة،حتى أن أحد المسؤولين سئل عن الصمت المطبق على الجدل القائم في فرنسا حول الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي،فأجاب قائلاً:«إنها قضية فرنسية فرنسية ولا تعنينا نحن» ،كما يستعرض أحاديث لبعض الشخصيات الفرنسية المنصفة في قول الحقيقة ،ومن بين هؤلاء الفيلسوف الفرنسي فرانسيس جانسون صديق جان بول سارتر ،الذي استغرب من الذين يتساءلون عما حدث في الجزائر من طرف فرنسا،هل هي جرائم حرب،أو جرائم ضد الإنسانية؟،وأجاب قائلاً:«أنا لا أفهم لماذا نطرح اليوم سؤالاً عن التعذيب بدون أن نتساءل عن الحرب الاستعمارية ،والسؤال الذي ينبغي طرحه بحق هو: لماذا قُمنا نحن بالحرب ضد الشعب الجزائري وباسم أية مصلحة ولفائدة من..؟ ».
جرائم فظيعة...من الجنرال بيجو إلى الجنرال أوساريس
ستعرض المؤلف شلال الدماء ومسلسل الجرائم الفرنسية المرتكبة ابتداءً من سنة:1830م، إلى غاية1962م، فجرائم فرنسا لم تبدأ مع ثورة نوفمبر،أو مع ما يُسميه المؤرخون الفرنسيون«معركة الجزائر»،تلك المعركة التي تزعمها الجنرال بول أوساريس،تحت قيادة الجنرال ماسو سنة:1957م،وقد أدت إلى إلقاء القبض على الشهيد العربي بن مهيدي ،والمناضل ياسف سعدي،وأسفرت عن مقتل عدد كبير من الشهداء،من بينهم: علي لابوانت، وعلي بومنجل،وغيرهم،بل هي سلسلة متواصلة من الجرائم ضد الإنسانية خلال قرن وربع،وما تلاها من جرائم ارتكبها الاستعمار الفرنسي في مستعمرات عديدة.
عندما سُئل الكاتب والمناضل الفرنسي فرانسيس جانسون ،صاحب كتاب:«الجزائر الخارجة على القانون» ،على التعليق على ما ورد في اعترافات الجنرال بول أوساريس في كتابه:«أجهزة خاصة» أجاب:«إن مسألة التعذيب مرتبطة بالمسألة الاستعمارية،وأعتقد أنه على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة معاً الذهاب إلى الأمام في تصريحاتهم التي سمعناها حتى الآن حول مأساة شعب،وعلى المسؤولين اليوم طلب السماح من أولئك الذين عانوا خلال حرب التحرير،وأقصد بالضبط طلب الاعتذار والسماح من الشعب الجزائري فيما لحقه من جرائم من طرف الاستعمار الفرنسي...».إن الجرائم الفرنسية والقتل الجماعي الذي ارتكب خلال الثورة«1954-1962م»،هو امتداد للجرائم البشعة التي ارتكبت أثناء الاحتلال سنة:1830م،وفي ثورة المقراني سنة:1871م،وما تلاها من ثورات التي لم تتوقف منذ وطئت أقدام الفرنسيين أرض الجزائر ،يتساءل المؤلف: كيف يمكن للشعب الجزائري أن يتناسى جرائم 8مايو1945م والتي راح ضحيتها خمسة وأربعون ألف شهيد، وكيف يمكن نسيان جرائم20أوت1955م في سكيكدة ،والتي كانت تحت إشراف الجنرال أوساريس،وهل يمكن نسيان جرائم 17أكتوبر1961م،التي قام بها موريس بابون في حق الجالية الجزائرية في باريس تحت لواء جمهورية الجنرال دوغول ووزيريه ميشال دوبري رئيس الحكومة، وروجي فري وزير الداخلية ،والتي استشهد في يومها ثلاثمائة مواطن جزائري رُمي جُلّهم في نهر السين بباريس، كما قُتل عدد كبير داخل مراكز الشرطة، وأُغرق العشرات بواسطة الطائرات في البحر، ومما ذكره الأستاذ محمد بن رابح في مقال له بجريدة لوفيغارو :« إن فرنسا خاضت حرباً شرسة ضد الشعب الجزائري منذ الاحتلال سنة:1830م،وكان الجنرال بوجو قد دشن يومئذ حرب الإبادة ضد الشعب الجزائري البالغ عدد سكانه يومئذ ثلاثة ملايين نسمة ،وخلال خمس عشرة سنة تقلص العدد إلى مليونيين».
ومن الذين ارتكبوا جرائم شنعاء العقيد بيليسي الذي أصدر أوامر لجنوده بإضرام النار في مغارة التجأ إليها أفراد من الشعب هروباً من جحيم الاستعمار وفي ظروف مأساوية قلّ نظيرها اختنق هؤلاء في المغارة وماتوا جميعاً . وعن الجنرال بوجو فمنذ أن حلّ بالجزائر سنة:1841م،فقد تبنّى سياسة الحرب الشاملة ضد الشعب الجزائري،وقد كانت الاستراتيجية الأساسة التي اعتمدها هي حرب الإبادة ففي نظره أنها هي وحدها الكفيلة بالقضاء على مقاومة الشعب الجزائري ،وإضعاف قدراته القتالية والنضالية
و مما قاله الأستاذ صلاح العقاد في كتابه :«المغرب العربي:الجزائر-المغرب الأقصى-تونس» الذي صدر سنة:1962م عن المكتبة الأنجلو مصرية :«اكتست الحرب التي شنها الجنرال بيجو ضدَّ الشعب الجزائري بالطابع الإجرامي والعنف إلى حد أن عدد سكان الجزائر تناقص حسب تقرير أحد الضباط الفرنسيين من أربعة ملايين إلى ثلاثة ملايين نسمة في مدى سبع سنوات»،وقد ذكر حمدان خوجة صاحب كتاب المرآة :«إن السكان الجزائريين تناقصوا من عشرة ملايين إلى ثلاثة ملايين نسمة».
ومما صرح به الجنرال سانت أرنو،وهو أحد معاوني الجنرال بوجو،في مذكراته:«لقد كانت حملتنا في الجزائر حملة تدميرية أكثر منها عملاً عسكرياً،ونحن اليوم وسط جبال مليانة لا نطلق إلا قليلاً من الرصاص، وإنما نمضي وقتنا في حرق جميع القرى والأكواخ،وإن العدو يفر أمامنا سائقاً أمامه قطعان غنمه».
وبعد استعراض المؤلف لجملة من الشهادات ،يخلص إلى أن جميع جنرالات فرنسا الذين تعاقبوا على الجزائر منذ الاحتلال إلى الاستقلال يشتركون في مبدأ واحد وهو القضاء على روح المقاومة لدى الشعب الجزائري وتجريده من كل مقومات الحياة،فلا فرق بين :كلوزال، ودوق روفيغو، وبورمون، والماريشال سولت، ودوفال، وغيرهم.
إن الجنرال بول أوساريس ومن خلال اعترافاته في كتاب:«أجهزة خاصة»،جعل باب النقاش مفتوحاً على مصراعيه عن ماضي فرنسا الاستعماري، ومما أكدته الباحثة رفائييل برانش :«إن التعذيب في الجزائر خلال الاستعمار الفرنسي،لم يكن ظاهرة تخص مجموعة من العسكريين،بل هي ظاهرات كانت سائدة خلال حرب الجزائر»،وأضافت:«إن الجيش الفرنسي الذي حارب الشيوعيين في الفيتنام،وتلقى هزيمة شنعاء في ديان بيانفو التجأ في الجزائر إلى القتل والتعذيب انتقاماً من الهزيمة و الإهانة التي لحقته على يد قوات الجنرال جياب، وبالنسبة للجيش الفرنسي فإن جبهة التحرير عبارة عن منظمة تخريبية وتمرُد على غرار ما جرى في الفيتنام ضد فرنسا ».
لقد تبنى الاستعمار الفرنسي سياسة الحرب الشاملة من جميع الجوانب والنواحي، وعمل على ضرورة استئصال العنصر الوطني، فشرع بحرق المداشر بأكملها،وبأهلها ،وحيواناتها، وطفق يصلب رجالها،ويقطع الرؤوس،ويمثل بالجثت،ويبقر بطون الأمهات الحوامل، ويشرد العوائل...
ومما صرح به وزير الحرب الفرنسي جيرار أنه:«لابد من إبادة جميع السكان العرب،إن المجازر والحرائق وتخريب الفلاحة هي في تقديري الوسائل الوحيدة لتركيز هيمنتنا...».
وأما الجنرال بوجو ،فقد صرّح أمام البرلمان الفرنسي،قائلاً:«أينما وُجدت المياه الصالحة والأرض الخصبة،يجب إقامة المعمرين بدون استفسار من أصحاب الأراضي هذه».
وبعد أن استحضر المؤلف العديد من التصريحات الإجرامية لمسؤولين فرنسيين عسكريين وسياسيين،يُشير إلى أن هناك مؤرخاً فرنسياً واحداً خالف جميع المؤرخين الفرنسيين وهو جاك جوركي الذي أكد:« أن الفرنسيين قتلوا منذ الاحتلال مروراً بالثورات والانتفاضات التي قام بها الوطنيون الجزائريون إلى غاية الاستقلال عشرة ملايين شهيد...!!».
مجرم حرب...يتفاخر بجرائمه
بعد استفاضة المؤلف في الحديث عن مجازر 8مايو1945م،بين مصادر الفرنسيين ومصادر الجزائريين،حيث يُدحض أكاذيب العديد من الكتّاب والصحافيين الفرنسيين الذين حاولوا التقليل من شأن الجرائم المرتكبة في ذلك اليوم الأسود،ينتقل بنا للحديث عن مذكرات الجنرال بول أوساريس(وأشير في هذا المقام إلى أن الأستاذ فوزي الشلق قد قدم عرضاً لهذه المذكرات في مجلة العربي الغراء،العدد:546،مايو2004م)،ذلك الجنرال الذي يتفاخر ويتبجح بجرائمه التي يندى لها الجبين،وإن أصدق وصف ينطبق على مذكراته ما وصفها به المؤرخ الفرنسي فيدال ناكي قائلاً:«إنها مذكرات مجرم حرب».
انطلاقاً من جرائمه في مدينة سكيكدة،ثم في معركة الجزائر، بدأ الدور القذر لهذا الجنرال ،فهو يعترفُ بأنه قد قتل أربعة وعشرين شخصاً من سجناء الحرب ،كما أعطى أوامر لتذبيح وقتل المئات من المشتبه بهم دون محاكمة،كما يعترف بأنه أشرف على تعذيب مشبوه جزائري إلى أن مات متأثراً بالتعذيب لأنه رفض الاعتراف، ويذكر بأنه لم يتأثر إطلاقاً لوفاته ،بل إنه يتأسف لموته دون أن يُدلي له بالاعترافات،ويؤكد عدم خجله من ذلك ولا شعوره بالذنب ،كما اعترف بأنه المشرف الشخصي على قتل الشهيد علي بومنجل،حيث ثم رميه من أعلى عمارة في شارع كليمانصو بالأبيار،ومما يذكره أنه قتل خمسمائة مشبوهاً فيهم في مدينة سكيكدة لوحدها،ومما قاله أوساريس إن الأعمال التي قام بها في الجزائر هي أعمال جيدة ، وكل ما قمت به من أجل خدمة مصالح بلدي...!!.
يرى المؤلف أن المتبصر في مذكرات الجنرال أوساريس يجد فيها الكثير من التناقض والجهل بالثقافة السياسية،ويقدم العديد من الأمثلة على ذلك.
ومن بين الأقوال والشهادات التي وردت في المذكرات، ومما ذُكر في مقال بجريدة لوموند تحت عنوان:«الحرب القذرة للجنرال أوساريس» أنه سُئل عن قضية 24000سجين جزائري وُضعوا تحت الإقامة الجبرية،و التي أكد فيها بول تيغان أن من بينهم3024 شخص اختفوا من هذه القائمة وتم التخلص منهم من طرف الجنرال أوساريس،أجاب أوساريس أن كلام تيغان قريب من الواقع،وعندما سُئل عن نيته القيام بطلب السماح والاعتذار عمّا بدر منه،قال:«أنا لا أطلب السماح والاعتذار عمّا بدر مني خلال أدائي مهمتي في الجزائر،اللهم إذا اعترفت جبهة التحرير الوطني الجزائرية من طرفها بما ارتكبته هي الأخرى...!!».
ويتطرق المؤلف إلى الأصداء وردود الفعل التي أحدثتها مذكرات الجنرال أوساريس،فيذكر أنه قد صرح بأن معظم الجنرالات الذين ورد ذكرهم، ومازالوا على قيد الحياة لم يكونوا مرتاحين لها ،ورفضوا الاعتراف بجرائمهم،أما ابنة الجنرال أوساريس هيلان فقد رفضت مشاهدة والدها بعد صدور اعترافاته الإجرامية.
وبعد هذا ينتقل المؤلف للحديث عن جرائم الجنرال راؤول سالان الذي قام بإلقاء قنبلة ساقية سيدي يوسف بتونس،وهو ما أدى إلى مقتل العشرات من التونسيين والجزائريين،كما قام بتعذيب مئات الجزائريين بطرائق إجرامية ،وأما الجنرال ماسو فقد اعترف بأن التعذيب في الجزائر كان أمراً مُشاعاً، وكان يُمارس على نطاق واسع ولاسيما بعد تأسيس مركز التنسيق بين القوات المسلحة ،وعندما سُئل عن رأيه في النداء الذي تقدم به مجموعة من السياسيين والكُتّاب الفرنسيين ،وطالبوا من خلاله الحكومة الفرنسية أن تعترف بوجود تعذيب ضد الجزائريين، أجاب: بأنها فكرة طيبة أخلاقياً فالتعذيب شيء غير حسن، وأما الجنرال دولابورديير فقد وقف موقفاً مشرفاً، حيث رفض سياسة التعذيب والقتل وبعث برسالة طالباً إعفاؤه من منصبه ،وذلك احتجاجاً على التعذيب والجرائم الشنعاء التي يرتكبها الجيش الفرنسي،وعُوقب نتيجة لذلك إلى أن غادر الجيش الفرنسي نهائياً سنة:1960م.
وجوه أخرى لجرائم الجيش الفرنسي
لم تكن الجرائم الفرنسية حكراً على الرجال وحسب، بل إن الكثير من المناضلات الجزائريات تعرضن لجرائم بشعة يعجز اللسان عن وصفها ،فقد كانت عمليات اغتصاب النساء الجزائريات من طرف الجيش الفرنسي ،كما يصفها المؤلف هي الخبز اليومي لهذا الجيش.
ويُورد المؤلف الكثير من القصص الواقعية لنساء جزائريات تعرضن لأهوال من العذاب الجسدي والنفسي،ومن بينهن إحدى النساء البريئات التي تعرضت لآلام مبرحة بالماء والكهرباء،وبعد ذلك تعرضت لعملية اغتصاب متكررة،مما أدى بها إلى فقدان عقلها...!!
ويشير المؤلف إلى أنه لا يمكن معرفة عدد النساء الجزائريات اللاتي تعرضن للاغتصاب، ويذكر أنه في كتاب شاركت في تأليفه الكاتبة الفرنسية سيمون دو بوفوار صديقة جان بول سارتر،تعرضت من خلاله لهذه القضية ،كما تم تقديم العديد من الشهادات،وحسب الأرقام الفرنسية أن هناك حوالي ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف حالة اغتصاب لنساء جزائريات، وذلك بين سنوات:1954-1962م.
مواقف مختلفة
يُلقي المؤلف النور على شتى المواقف وردود الفعل على جرائم فرنسا في الجزائر، وفي البدء يتطرق إلى مواقف الأحزاب الفرنسية ،وفي مقدمة الأحزاب التي تبنت مواقف مشرفة يأتي الحزب الشيوعي الفرنسي،فهو أول من طالب بإنشاء لجنة تحقيق برلمانية حول الجرائم الفرنسية في الجزائر، وقد شارك الحزب بفعالية في «لجنة12» للمثقفين والسياسيين والكتّاب الذين طالبوا الحكومة الفرنسية الاعتراف رسميا بجرائمها في الجزائر،وبعد الحزب الشيوعي يأتي حزب الخضر الذي شجب الجرائم الفرنسية، كما أنه ضم صوته إلى جانب جمعية حقوق الإنسان التي تقدمت بشكوى ضد الجنرال أوساريس،أما الاشتراكيون الفرنسيون فقد رفضوا تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في الجرائم الفرنسية،كما رفضوا الاعتراف بالجرائم المرتكبة،ولا يختلف الديغوليون في مواقفهم عنهم كثيراً ،وقد حذو حذوهم في رفض تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في الجرائم الفرنسية،كما خاض المؤلف في مختلف المواقف الجزائرية الرسمية والشعبية والحزبية،وبعد ذلك يُقدم جُملة من الملاحق ففي الملحق الأول قدم تعاريف مقتضبة لبعض الوجوه التي لعبت دوراً قذراً في حرب الجزائر، وفي الملحق الثاني قدم لمحات عن شخصيات فكرية وقعّت على لائحة تندد بالحرب القذرة ضد الشعب الجزائري،وأما في الملحق الثالث فقد قدم قائمة تتكون من اثني عشر شخصاً طلبت من الحكومة الفرنسية الاعتراف رسمياً بجرائمها في الجزائر،أما الملحق الرابع فقد تناول فيه موقف الرأي العام الفرنسي من جرائم فرنسا في الجزائر ، فهناك ثلاثة من خمسة من الفرنسيين يدينون بشدة جرائم الجيش الفرنسي،وهناك واحد على اثنين يتمنون الملاحقة للذين ارتكبوا الجرائم.
و في الأخير بقي أن نشير إلى أن هذا الكتاب ما هو إلا مجرد غيض من فيض ،سلّط الضوء على الجرائم الفرنسية الشنعاء، والتي إن أُلفت من أجلها الأسفار والمجلدات الضخمة،والموسوعات الجمة،لن تستطيع احتوائها بأكملها،ومع هذا لا تزال فرنسا إلى يومنا هذا ترفض الاعتذار للشعب الجزائري،بل وحتى الاعتراف...!!.