مستقبل الصراع في أفغانستان

black ops

عضو
إنضم
8 يوليو 2010
المشاركات
1,500
التفاعل
77 0 0
مستقبل الصراع في أفغانستان (الحلقة الأولى) : الدكتور فضل مؤسس «الجهاد» يكتب عن القصة الكاملة لميلاد «القاعدة» في أفغانستان


news1.554311.jpg

حركة طالبان الحاكمة في افغانستان عام 2000 تحتفل باستقلال البلاد مع اظهارها للقوة العسكرية بعرضها لصواريخ «لونا» السوفياتية قصيرة المدى



كان اختيار مجلة «فورين بوليسي» الأميركية لسيد إمام الشريف، الطبيب المصري الذي منحه فكره الجهادي لقبه الأشهر «الدكتور فضل»، في قائمة المفكرين المائة الأكثر تأثيرا في العالم لعام 2009، بمثابة تأكيد على دور الرجل الذي ينسب إليه الدستور الذي قام عليه تنظيم القاعدة من خلال كتابيه «العمدة في إعداد العدة» و«الجامع في طلب العلم الشريف»، وهو ما حاول جاهدا بعد مراجعاته الشهيرة التي انطلقت قبل أكثر من عامين إعادة مناقشة تلك الأفكار الجهادية التي زجت بالإسلام والمسلمين وراء قضبان تهمة تطاردهم أينما حلوا، وهي تهمة «الإرهاب».
جاهد الدكتور فضل في مراجعة أفكاره واجتهد في فضح أكاذيب «القاعدة» ورجلها الثاني، أيمن الظواهري، ونشرت له «الشرق الأوسط» «التعرية لكتاب التبرئة»، و«قميص غزة»، وتنفرد اليوم بنشر حلقات من أحدث كتبه، الذي جاء تحت عنوان «مستقبل الصراع بين طالبان وأميركا في أفغانستان»، والذي انتهى من كتابته قبل عام.
يمثل كتاب «مستقبل الصراع في أفغانستان»، محاولة جديدة من فضل في تسليط الضوء على أمور كثيرة تشغل العالم، منها: أطماع تنظيم القاعدة، ومسؤولية بن لادن عن الاحتلال الأميركي لأفغانستان والعراق، وثمن الغدر في أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وأخيرا تفجيرات مومباي بالهند في نوفمبر (تشرين الثاني) 2008.
ويقول الدكتور فضل، في مقدمة كتابه الجديد: «الباعث لي على الكتابة في هذا هو حزني على شلال الدم المتدفق في أفغانستان - بلد الشعب المسلم البائس - منذ ثلاثين سنة. فمنذ عام 1979 ينزف دم الأفغان يوميًا لأسباب مختلفة:
فمن 1979 وحتى 1989 كان الجهاد الأفغاني ضد الاحتلال السوفياتي الشيوعي (روسيا).
ومن 1989 وحتى 1992 كان الجهاد الأفغاني ضد الحكومة الأفغانية الشيوعية.
ومن 1992 وحتى 1996 كانت الحرب الأهلية بين أحزاب المجاهدين (حكمتيار ضد رباني).
ومن 1996 وحتى 2001 كانت الحرب الأهلية بين طالبان وبين التحالف الشمالي.
ومن 10/2001 حتى الآن 12/2008 كان الجهاد الأفغاني الثاني ضد الاحتلال الأميركي (أميركا وحلفاؤها).
فلم يتوقف القتل والقتال في أفغانستان منذ ثلاثين سنة، ولم يتوقف نزيف الدم فيها. وقد خلف هذا نحو مليون قتيل، ومليون معاق (بعاهات مستديمة)، وعدة ملايين من المهاجرين والأرامل واليتامى.
وقد شاء الله تعالى أن أشارك في تخفيف أوجاع هذا الشعب البائس لمدة عشر سنين (1983 - 1993) في العمل الطبي كجراح عالجت فيها المجاهدين والمهاجرين الأفغان، وقمت فيها بتدريب عدد من الأطباء الأفغان والعرب الذين قدموا للمساعدة، كما قمت فيها بإنشاء الكثير من المستشفيات ومراكز الإسعاف على الحدود، وفي داخل أفغانستان، من أجل تحسين الخدمة الطبية وتقليل الوفيات بين الإصابات.
وفي أثناء هذه الفترة عايشت الجهاد الأفغاني بأحزابه، والمشاركين العرب وجماعاتهم عن قرب، ومن واقع الخبرة والتجربة مع ما منّ الله به على من الدراسة الشرعية مع شيء من الدراسات السياسية والعسكرية أردت أن أبدي رأيي في هذا الصراع الدائر في أفغانستان لعل الله سبحانه أن ينفع به».
وتحت عنوان «أطماع تنظيم القاعدة التي أطاحت بطالبان» يقول أستاذ الظواهري ومنظر تنظيم القاعدة في الفصل الأول من كتابه: «عندما وصلت إلى مدينة بيشاور بباكستان منتصف 1983 كان عدد الإخوة العرب المتصلين بالجهاد الأفغاني لا يتجاوز العشرين، نصفهم يعملون في الأنشطة الإغاثية، ونصفهم يشارك في الجهاد.
وفي عام 1984 ظهر الشيخ عبد الله عزام وأنشأ مكتب خدمات المجاهدين في نفس المدينة، وكثرت الدعاية والتسهيلات لمشاركة العرب في الجهاد فكثروا تدريجيا، وقد ذكرت بعض التقارير أن عدد العرب تجاوز العشرة آلاف أو أكثر، وهذا غير صحيح. وذلك لأن العرب كان بعضهم مقيما في باكستان (بوابة الجهاد الأفغاني) وبعضهم كان عابر سبيل يأتي أسابيع أو شهورا وينصرف وقد يعود مرة أخرى. وكل هؤلاء على مدى كل سنوات الجهاد لا يتجاوز عددهم خمسة آلاف، أما الذين وجدوا في وقت من الأوقات لهذا الغرض في باكستان، وداخل أفغانستان فإن عددهم لم يتجاوز الثلاثمائة. وقد حضرت الأمر إلى آخره.
كان أسامة بن لادن ممن يجمعون التبرعات لمكتب الخدمات، وقد اشتكى إليه بعض الإخوة العرب من تجاوزات بمكتب الخدمات فقرر إنشاء عمل مستقل عن الشيخ عزام، وبدأ ذلك بمعسكر تدريب في منطقة جاجي في أفغانستان قرب الحدود مع باكستان عام 1988، وسموه (مأسدة الأنصار العرب) - والمأسدة هي بيت الأُسود - وقرروا القيام بهجوم على قلعة شيوعية مجاورة (قلعة شاوني)، وكان بينهم جواسيس سربوا الخبر للقلعة، وعند تقدم العرب وجدوا أنفسهم في وسط كمين فقرروا الانسحاب. فعيّرهم بقية العرب بأنهم انسحبوا من أول معركة، فقاموا بتغيير الاسم من (المأسدة) إلى (قاعدة الأنصار العرب) التي عرفت اختصارا باسم (القاعدة).
كان بن لادن يتردد على الساحة بين الحين والآخر قادما من السعودية، وترك إدارة شؤون (القاعدة) لأفراد (جماعة الجهاد المصرية): أبو عبيدة البنشيري. وأبو حفص المصري مع آخرين، قاموا بإنشاء المعسكرات ووضع برامج التدريب وتنفيذها، أما التوجيه الشرعي بالمعسكرات فقد سلّمه بن لادن لأصحابه من (الإخوان المسلمين) ومنهم: أبو هاجر العراقي (اسمه ممدوح سليم، مسجون الآن في أميركا)، وأبو إبراهيم العراقي، ثم أبو حفص الموريتاني.
كانت الأموال التي تنفق على (القاعدة) تصل إلى باكستان عن طريق أحد مكاتب المساعدات الانسانية في بيشاور، يسلمها للإخوة حسب تعليمات ابن لادن.
لم يكن للعرب دور عسكري مؤثر في الجهاد رغم مشاركتهم فيه، وإنما كان الغرض الأساسي من وجودهم، تحويل الجهاد الأفغاني من قضية قومية إلى قضية أممية إسلامية، وتشجيع الأفغان على الاستمرار في الجهاد، لأن عدد الأفغان في باكستان ثم إيران بلغ عدة ملايين، في حين لم يشارك منهم في الجهاد إلا عدة ألوف. ولهذا فقد وجد العرب المشاركون في هذا الجهاد تسهيلات غير مسبوقة من كل من باكستان والسعودية، ابتداء من التذاكر المجانية أو المخفضة، إلى الوجود في باكستان دون إقامة قانونية أو بتسهيلات، إلى عبور الحدود من وإلى أفغانستان بمختلف الأسلحة ودون أي قيود.
في عام 1989 حدثت نقلة نوعية في (القاعدة) فقد تحولت من مكتب خدمات مواز لمكتب عبد الله عزام إلى تنظيم، وحتى ذلك الوقت كان كل من المكتبين يجمع العرب حول قضية (الجهاد الأفغاني ضد الشيوعية) وليس حول شخص. ثم رأى بن لادن في 1989 أن ينشئ جهادا ضد الشيوعية في اليمن الجنوبي فطلب من الناس البيعة لنفسه وتحولت (القاعدة) بذلك من مكتب خدمات إلى تنظيم.
ولأسباب ليس هذا محل ذكرها لم يحدث شيء في اليمن الجنوبي ولا في غيره، وفي منتصف عام 1992 وافقت الحكومة الشيوعية في كابل برئاسة دكتور نجيب الله على تسليم الحكم لأحزاب المجاهدين بشروط وبوساطة الأمم المتحدة، وتسلم المجاهدون أفغانستان بعد تشكيل حكومة رئيسها برهان الدين رباني، ورئيس الوزراء قلب الدين حكمتيار، ووزير الدفاع أحمد شاه مسعود. وطلبت الحكومة من أحزاب الجهاد تسليم أسلحتها لوزارة الدفاع فرفض حكمتيار تسليم سلاحه إلى عدوه اللدود أحمد شاه مسعود، فاندلعت الحرب الأهلية بين الطرفين بعد شهر واحد من دخولهم كابل: رباني ومسعود ضد حكمتيار، وعمت الفوضى جميع أنحاء أفغانستان. وفي مطلع 1993 طلبت باكستان من العرب مغادرة أراضيها وقالت إن هذه تعليمات من أميركا وخلفها بعض الدول العربية.
وانصرف العرب: منهم من بقي في أفغانستان مستقلا أو داعما لأحد طرفي الحرب الأهلية، ومنهم من ذهب للجهاد في البوسنة أو الشيشان، ومنهم من دخل في صدامات في بلاده مثل مصر والجزائر، ومنهم من عاد إلى بلده، خصوصا السعوديين واليمنيين، ومنهم من لجأ سياسيا إلى أوروبا، ومنهم من ذهب للإقامة في السودان واليمن وكانتا لا تلزمان العرب بتأشيرة دخول أو إذن إقامة.
في منتصف عام 1992 جاء بن لادن من السعودية إلى باكستان بعدما علم بقرب صدور قرار لمنعه من السفر، وكان قد عزم على الذهاب للإقامة في السودان، ونصحته وقتها بالعودة إلى السعودية وأن يساعد القضايا الإسلامية قدر الاستطاعة كما ساعد الجهاد الأفغاني، إلا أنه كان قد رتب أموره مع السلطات السودانية.
عدد أفراد تنظيم (القاعدة) ما بين ثلاثمائة إلى خمسمائة، تفرقوا مع الخروج من باكستان، معظمهم عادوا إلى بلادهم، وبقي عدد قليل في المعسكرات في أفغانستان، وذهب بضع عشرات مع بن لادن إلى السودان: بعضهم عمل في أعمال زراعية أو تجارية أو إنشائية خاصة بابن لادن، وبعضهم ذهب إلى الصومال لتدريب أفراد (الاتحاد الإسلامي) في الصومال عن طريق كينيا، وفي تلك الفترة أنشأوا علاقات مع مجموعات إسلامية في شرق أفريقيا.
عندما بدأت (القاعدة) في التحول من مكتب خدمات للمجاهدين إلى تنظيم، وذلك عندما طلب بن لادن البيعة لنفسه من الناس عام 1989، قال له أحد من تعاونوا معه في الجهاد الأفغاني (وهو الأخ أبو مصعب السوري): إنه لا يوجد تنظيم له بيعة دون منهج واضح على أساسه يبايع الناس، وطلب من بن لادن تحديد منهج عقائدي وفقهي مع أهداف واضحة (للقاعدة)، فرفض بن لادن بشدة، وحدثت قطيعة بينه وبين أبو مصعب. وظل بن لادن يأخذ البيعة من أتباعه على الجهاد حسب ما يرى بن لادن. وصارت (القاعدة) تجمعا حماسيا عاطفيا حول شخص (بن لادن) وفكرة عامة (الجهاد بحسب ما يرى بن لادن). وفي هذه الفترة قال أحد الإخوة العرب لابن لادن (من الأحسن أن تغير اسمها من «القاعدة» إلى «شركة بن لادن للجهاد»).
ولهذا فمن الخطأ نسبة (القاعدة) إلى التيار الجهادي السلفي، (فالقاعدة) لا منهج لها وليست لها كتب خاصة بها، وإنما هي تستعين بكتب محسوبة على هذا التيار في أمور معينة تخدمها، وإن كنت أنا ضد هذه التقسيمات التي تفرق المسلمين، قال تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج 78)، وقال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران 103)، ولم يقل: وأنتم سلفيون أو جهاديون ونحوها. التقسيم الوحيد الجائز شرعا بعد الإسلام هو أهل السنة في مقابل أهل البدع، كما روى الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة (صحيحه) عن محمد بن سيرين رحمه الله (توفي 110 هـ) قال: (لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سمّوا لنا رجالكم، فيُنظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم).
والحاصل: أن (القاعدة) صارت تنظيما مرتبطا بشخص لا بمنهج، وأصر بن لادن على عدم وضع منهج لهم لتكون له مساحة واسعة من الحرية في تغيير الأهداف والتحالفات والخطط. وصار أتباعه مرتبطين بشخصه ينفذون ما يراه. والغالبية من أتباعه سعوديون ويمنيون (عدة مئات) ثم باكستانيون (عدة عشرات) ثم جنسيات أخرى: مصريون وغيرهم (أفراد قلائل). ولـ(القاعدة) ارتباط وتنسيق مع تنظيمات وجماعات إسلامية في دول شتى من أيام الجهاد الأفغاني ضد الشيوعية.
كان من أسوأ ما أفرزته مرحلة الجهاد الأفغاني: سيطرة المال على كل شيء، سواء على مستوى الأحزاب الأفغانية أو العرب، إلا من رحم ربي، وأصبح المال هو سيد القرار، ولا صوت يعلو فوق صوت المال بالنسبة للحركات الإسلامية».
ويحكي الدكتور فضل عن تجربة أسامة بن لادن في السودان قائلا: «مع إقامة بن لادن في السودان من منتصف 1992م حدثت عدة تطورات بالنسبة لابن لادن و(القاعدة) منها:



هذه أهم التطورات التي حدثت لابن لادن و(القاعدة) في مرحلة الإقامة بالسودان: عداء سافر مع السعودية، وبداية الصراع مع أميركا، وبداية السعي في الحصول على أسلحة دمار شامل لتعويض النقص في العدد والقدرات ولترتقي قوة التنظيم إلى مستوى طموحاته.
زادت الضغوط على السودان فأبعد بن لادن في مايو (أيار) 1996، فرحل إلى أفغانستان بعد ترتيب الأمور له هناك، وقام السودان بعمل أكثر من خطة تمويه لتأمين سفر بن لادن الذي وصل إلى منطقة جلال آباد في أفغانستان، وهناك دخل في حماية الشيخ يونس خالص (أحد قادة أحزاب المجاهدين) ثم لم تلبث (طالبان) أن زحفت من قندهار (غرب أفغانستان) إلى جلال آباد (شرق) ثم إلى كابل (شمال غربي جلال آباد) وذلك في النصف الأخير من 1996.
من صفات بن لادن أنه لا يستطيع أن يعيش أو يعمل إلا في حماية جهة أخرى، ففي فترة الجهاد الأفغاني كان يتحرك ويعمل بتنسيق كامل مع السلطات السعودية والباكستانية ومع بعض أحزاب الجهاد داخل أفغانستان. ثم من منتصف 1992 إلى منتصف 1996 دخل في حماية السلطات السودانية، وفي تلك الفترة عمل في الصومال بتحالف مع (الاتحاد الإسلامي)، ثم في النصف الأخير من 1996 دخل في حماية الشيخ يونس خالص في جلال آباد، ثم من 1997 حتى 11/9/2001 دخل في حماية طالبان بعدما بايعهم كما بايعهم يونس خالص، وجلال الدين حقاني (في باكتيا)، ثم بعد 11/9/2001 دخل في حماية الذين يؤونه الآن، فتعود بن لادن أن يحتمي بجهة أقوى».
وعن أطماع بن لادن يقول الدكتور فضل: «رحل بن لادن إلى أفغانستان ومعه طموحاته في الصدام مع أميركا لأجل الوصول إلى زعامة الأمة الإسلامية. كانت طموحات جمال عبد الناصر متواضعة، وهي مجرد الوصول إلى زعامة الأمة العربية التي لم يتجاوز عددها وقتئذ 150 مليونا، فانتهى الأمر إلى هزيمة مروعة لكل الجيوش العربية أمام إسرائيل في 1967، واحتلالها للجولان في سورية والضفة الغربية مع القدس الشرقية في فلسطين وسيناء. أما صدام حسين فكانت طموحاته أكثر تواضعا: مجرد الاستيلاء على الكويت فجلب الخراب على الكويت والدمار على العراق. وكلاهما (عبد الناصر وصدام) اتخذ من مناطحة أميركا ورفع قميص فلسطين شعارا له. وعلى نفس الطريق سارت (القاعدة) لتصل إلى زعامة الأمة الإسلامية بعددها الذي تجاوز المليار نسمة. ولأن الطموحات أكبر فلا بد أن تكون الكوارث أعظم. وفي بيان طموحاتهم وشعاراتهم قال أيمن الظواهري في كتابه (فرسان تحت راية النبي صلى الله عليه وسلم) الذي كتبه قبل 11/9/2001، قال في صفحة 183 و184 (والشعار الذي تفهمه جماهير الأمة المسلمة جيدا وتتجاوب معه منذ خمسين عاما هو شعار الدعوة إلى جهاد إسرائيل، وفي هذا العقد أصبحت الأمة معبأة - بالإضافة إليه - ضد الوجود الأميركي في قلب العالم الإسلامي وأظهرت تجاوبها مع الدعوة لجهاد أميركا.. إن الحقيقة التي يجب التسليم بها هي أن قضية فلسطين هي القضية التي تلهب مشاعر الأمة المسلمة منذ خمسين عاما من المغرب إلى إندونيسيا.. واستطرادا في هذا السياق يجب علينا أن نؤكد على الأهمية البالغة لقضية تحرير الحرمين لدى الأمة المسلمة.. لذا يجب على الحركة الإسلامية المجاهدة أن ترفع شعار تحرير المقدسات الإسلامية الثلاثة: الكعبة المشرفة، والمسجد النبوي الشريف، والمسجد الأقصى المبارك، بهذا تجتمع لها أَزِمّة قيادة الأمة المسلمة، وتلتف حولها قلوب المسلمين في بقاع الأرض) و(أَزِمّة) جمع (زمام)».
ويصف فضل التفاوت الضخم بين أطماع «القاعدة» وقدراتها بالمعادلة الصعبة الأولى التي واجهت بن لادن وتنظيمه. ويكمل موضحا: «الهدف هو الوصول إلى قيادة الأمة المسلمة، ولكنه مطمع كبير في مقابل القدرات المحدودة لـ(القاعدة)، فكيف توصلوا إلى حل هذه المعادلة الصعبة؟ توصلوا إلى حلها عن طريق الاعتماد على قدرات الجماهير المسلمة من المغرب إلى إندونيسيا، فكيف يحركون هذه الجماهير؟ يحركونها بالحزمة التالية:


مع استقرار أمور بن لادن في أفغانستان بدخوله في حماية طالبان من 1997، بدأ في الإعداد للصراع مع أميركا وأراد تحويل هذه القضية إلى قضية كل الأمة الإسلامية بثلاث وسائل:



1- دخول بن لادن في عداء سافر مع الحكومة السعودية، وكان للحكومة السودانية دور بارز في إشعال هذا العداء، عاصرته بنفسي. 2- تصريح بن لادن لأتباعه بعزمه على الدخول في صراع مع أميركا، وترجموا هذا عمليا في تلك الفترة في أمرين، الأول: الدخول في مناوشات مع القوات الأميركية في الصومال قبل انسحابها، والثاني: جمع معلومات عن الأهداف الأميركية، وبدأ هذا في دول شرق أفريقيا عام 1993 ثم توسع إلى دول أخرى، وكان من نتائج ذلك تفجير السفارتين الأميركيتين في كينيا (نيروبي) وتنزانيا (دار السلام) في 8/1998. إلا أنهم لم يدخلوا في مواجهة مع الأميركيين في الصومال عام 1993، وإنما الذي فعل ذلك هو القائد الصومالي (محمد فارح عيديد). 3- التطور الثالث: هو بداية تفكير (القاعدة) في الحصول على أسلحة دمار شامل (نووية، وكيماوية، وبيولوجية). وكان الدافع لذلك أمرين، الأول: تعويض النقص العددي لدى (القاعدة)، فالتنظيم عدده قليل (عدة مئات) والذين يعتمد عليهم فيهم أقل القليل (عدة عشرات) ومعظمهم أميون غير متعلمين، فأرادوا تعويض ذلك بالأسلحة المدمرة، خصوصا مع تفرق التنظيم وعودة معظمهم إلى بلادهم بعد إبعاد باكستان للعرب في 1993، والأمر الثاني: الذي دعا إلى التفكير في الحصول على هذه الأسلحة هو تفكك الاتحاد السوفياتي في 1990 وكثرة الشائعات عن توفر هذه الأسلحة في السوق السوداء وتوفر الخبراء فيها كذلك. إلا أنه وحتى 11/9/2001 لم تحقق (القاعدة) أي تقدم في هذا الجانب سواء بقدراتها الذاتية أو بالشراء. والفشل في الحصول على أسلحة دمار شامل هو الذي جعل (القاعدة) تلجأ إلى استخدام الطائرات - بما فيها من كميات وقود ضخمة - كصواريخ في تفجيرات 11 سبتمبر. أما ما تروجه أميركا عن امتلاك (القاعدة) أسلحة دمار شامل فمجرد شائعات لا حقيقة لها تغطي بها أميركا على فشلها المخابراتي وتضخم بها قدرات عدوها (القاعدة)، لأن هذا في مصلحة سياستها. 1- رفع الشعارات التي تلهب مشاعر الجماهير كما قال الظاهري: وهي شعارات (جهاد أميركا وإسرائيل) و(تحرير المقدسات الإسلامية الثلاثة). 2- تنفيذ بعض العمليات الاستعراضية ضد أهداف أميركية ويهودية، لإثبات أن (القاعدة) هي الجديرة بزعامة الأمة الإسلامية لأنها ضربت أعظم الأعداء، بحسب قولهم. ويدخل في هذه العمليات: تفجيرات نيروبي 1998، وضرب المدمرة الأميركية (كول) في عدن 10/2000، وتفجيرات 11/9/2001. 1- ترويج شعار إن أميركا هي سبب مصائب المسلمين، وقد بينت فساد هذا الشعار في مذكرة (التعرية) وغيرها، فالله سبحانه يقول: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)، أما بن لادن فيقول: وما أصابكم من مصيبة فبسبب أميركا. 2- أخذ بن لادن في جمع فتاوى من مشايخ في باكستان وأفغانستان بوجوب جهاد أميركا بناء على الشعار السابق: وما أصابكم من مصيبة فبسبب أميركا. وذكر بعض هؤلاء المشايخ: الظواهري في صفحة 40 من كتابه (التبرئة). 3- قام بن لادن بتتويج ما سبق بإعلان جبهته المشئومة التي سماها (الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين) في فبراير (شباط) 1998، وأصدروا - مع تأسيس هذه الجبهة - فتوى بأن (قتل الأميركان وحلفائهم، مدنيين وعسكريين، فرض عين على كل مسلم أمكنه ذلك في كل بلد تيسر فيه) من (صحيفة القدس العربي) 23/2/1998. وأشرك بن لادن معه بعض الجماعات الإسلامية في باكستان وبنغلاديش واشترك معه الظواهري بالمخالفة لقرار جماعته (جماعة الجهاد المصرية). ولتبرير اشتراكه في هذه الجبهة كتب الظواهري كتابه (فرسان تحت راية النبي صلى الله عليه وسلم)».

يتبع ..
..
 
التعديل الأخير:
رد: مستقبل الصراع في أفغانستان

مستقبل الصراع في أفغانستان : (الحلقة الثانية) الدكتور فضل: أسامة بن لادن مسؤول شخصيا عن الاحتلال الأميركي لأفغانستان والعراق


أجمع المسلمون على أن المقتول مات في أجله المقدر له، إلا أنهم قد أجمعوا أيضا على أن القاتل يجب القصاص منه.. والمقتول هنا هو الشعبان الأفغاني والعراقي، والقاتل هو أسامة بن لادن.. هكذا يشرح الطبيب الجراح سيد إمام عبد العزيز الشريف - المعروف بلقب الشيح فضل - بمشرطه عريضة دعواه ضد أسامة بن لادن، متهما قائد تنظيم القاعدة بمسؤوليته الشخصية عما حدث في أفغانستان والعراق، واصفا بعض أتباع بن لادن ممن حاولوا تبرئته من هذه الجريمة بالحمقى، وشبه مقولتهم «إن أميركا كانت لديها خطط لاحتلالهما حتى لو لم تحدث تفجيرات 11/9» بالاحتجاج الفاسد بالقدر، فهم كمن قتل مريضا ثم قال «لو لم أقتله لكان قد مات أيضا بمرضه».
يكمل الدكتور فضل في حلقة اليوم حديثه عن المعادلة الصعبة الأولى التي واجهت أطماع تنظيم القاعدة قائلا «تكلم بعض المختصين عن التفكير العسكري لـ«القاعدة»، ولما لم يجدوه متفقا مع أنواع الحروب وقواعدها، وصفوا تصرفات «القاعدة» بأنها حرب غير تقليدية، وهذا الكلام غير دقيق. فـ«القاعدة» ليس لها منهج من الأصل لا من الناحية الشرعية ولا السياسية ولا العسكرية. بن لادن رفض هذا كله من الأيام الأولى لإنشاء «القاعدة»، وطرد كل المتخصصين الذين نصحوه بوضع مناهج وسياسة وخطط، وتفرد هو بكل القرارات لأنه جالب المال، وقد سبق أن ذكرت أن المال قد صار سيد القرار في الحركات الإسلامية. قال لي أحد الإعلاميين إنه قابل أبو حفص المصري وبعض أفراد «القاعدة» في قندهار (غرب أفغانستان) قبيل أحداث 11/9، وقال لهم إنه يريد عمل تحقيق صحافي بعنوان «رجال حول بن لادن»، فقال له أبو حفص «لا رجال حول بن لادن، و(القاعدة) هي بن لادن لا غير»، وهذا كلام موجز معبر عن الحقيقة. أما السياسة العسكرية لابن لادن فهي تتلخص في كلمة واحدة وهي »انتهاز الفرصة للقيام بعملية استعراضية ضخمة».
عملية «11/9» كانت كذلك، فرصة قدمها خالد شيخ محمد لابن لادن على طبق من ذهب، ولم يكن خالد عضوا بـ«القاعدة»، بل كانت بينهما قطيعة منذ 1991، ليس هنا محل ذكرها، وظل خالد مترددا في إدخال بن لادن في عملية «11/9» لعلمه بفوضوية «القاعدة» وعشوائيتها، لكنه اضطر لحاجته إلى أموال وأفراد لتنفيذ عملية «11/9»، وهو ما قدمه له بن لادن.
كان بن لادن يهدف من العمليات الاستعراضية إلى تحريك الشعوب الإسلامية ضد حكوماتها وضد أميركا وإسرائيل، لتسقط الزعامة الإسلامية في حِجره بعد ذلك، كما قال الظواهري «فعبر العمليات على أعداء الأمة من اليهود والأميركان أساسا تستعيد الأمة أملها في العزة وثقتها في نفسها، وتبدأ في المشاركة في التصدي للظلم والظالمين، وكنا نتوقع، وهو ما حدث اليوم بالضبط، أننا بتصدينا للأميركان واليهود ستهب هذه الأنظمة الفاسدة المفسدة لتدافع عنهم، وهنا تنكشف عمليا أمام شعوبها» (صـ193 من كتابه «التبرئة»). وكلام الظواهري هذا - الذي كتبه أوائل عام 2008 - فيه كذب وسوء تقدير للأمور، ويظهر مدى استخفافهم بالناس عامة وبالمسلمين خاصة - الذين جعلوهم مجرد حيوانات تجارب لأفكارهم لحل معادلتهم الصعبة الأولى (كيف يحققون أطماعا ضخمة بقدرات ذاتية محدودة)؟. فقوله إنهم تصدوا للأميركان واليهود كذب، بل قتلوا الضعفاء، وهربوا من أمام الأقوياء، وأدخلوا أميركا لأفغانستان ثم هربوا من أمامها وتركوا مهمة قتالها للأفغان، أما في العراق فقد قتلوا مئات الآلاف من الشعب العراقي، وأشعلوا الحرب الطائفية المذهبية، وكان في سجون أميركا في العراق 21000 سجين لم يفلحوا في تحرير إنسان منهم لأنهم لا يهاجمون المناطق العسكرية وإنما يهاجمون الأسواق والمساجد، حتى حدث عكس ما توقعه الظواهري، فثار الشعب العراقي ضدهم بسبب وحشيتهم، وفضل الأميركان عليهم. وقد وصف أحد العراقيين (اسمه: عمر ناصف - 32 سنة) سبب تحوله من إطلاق النار على الأميركيين إلى العمل معهم ضد «القاعدة» فقال «رأيت أحد عناصر (القاعدة) يقطع رأس طفلة تبلغ الثامنة من العمر بأم عيني. نريد الدعم الأميركي لأننا نقاتل التنظيم الأكثر شرا في العالم هنا» (من صحيفة «الشرق الأوسط» 6/9/2007 صـ12). والذي حدث في العراق في العامين الماضيين لم يحدث له مثيل في حركات المقاومة ضد المحتل، فقد انقلب الناس ضد أفراد «القاعدة» - شركائهم في الإسلام والعروبة ومقاومة المحتل - وفضلوا عليهم المحتل بسبب الإجرام الذي لم يسبق له مثيل الذي ارتكبته «القاعدة» ضد شعب العراق من القتل والنسف بالجملة إلى الخطف وطلب الفدية إلى فرض ضرائب قسرية باهظة إلى السرقة إلى تحريم الحلال وفرض عقوبات ما أنزل الله بها من سلطان، وكانوا كلما تعقبهم الجيش الأميركي في منطقة هربوا منها.
وحاصل هذه المسألة أن «القاعدة» لم تفلح في حل المعادلة الصعبة الأولى: وهي معضلة التفاوت الضخم بين الأطماع (زعامة الأمة الإسلامية) والقدرات الذاتية المحدودة لـ«القاعدة» سواء من جهة العدد أو من جهة التسليح. فأرادوا أن يسدوا هذا العجز بجعل غيرهم يخوض المعركة نيابة عنهم، وهو ما سموه «تحريك الجماهير»، ولجأوا إلى انتهاز الفرص للقيام بعمليات استعراضية ضخمة وسهلة تضخم حجمهم أمام الآخرين على أمل تشجيع الجماهير على التحرك بعد ذلك بحفنة من الشعارات كما نادى بن لادن «يا أمة الإسلام ثوري على الظلم والطغيان.. السعي لحشد الأمة للخروج بمظاهرات شعبية وعصيان مدني حتى سقوط الحكومات الخائنة، السعي للخروج على أئمة الكفر والنفاق الذين ارتدوا عن دينهم وخانوا أمتهم وقتلهم» (من كلمة له في قناة «الجزيرة» 4/1/2004 - «دليل الحركات الإسلامية»، صـ229، ط «الأهرام» 2006). وقال الظواهري في كتابه «التبرئة» صـ39 «أصدر بن لادن بيانا لتحريض الأمة على الجهاد لتحرير الكعبة والمسجد الأقصى» (أ.هـ). هذه هي حصيلة أربعين سنة من العمل الإسلامي للظواهري، وحصيلة الخبرة العسكرية لـ«القاعدة» على مدى عشرين سنة: حفنة شعارات وبيانات حماسية وعدة عمليات استعراضية تؤدي إلى تحريك الأمة كلها للثورة لإسقاط الأنظمة الحاكمة لتسقط الزعامة بسهولة في حجر بن لادن والظواهري. وهذا باختصار هو ما يسمى بـ«الفهلوة»، وهي كلمة شعبية تعني الحصول على أكبر المكاسب بأقل مجهود على حساب خسائر الآخرين وغشهم وخداعهم. وسوف يأتي في الفصل الثالث من كتابي هذا موجز لما سببه بن لادن والظواهري وتنظيمهما «القاعدة» من خسائر وأضرار إن شاء الله بسبب هذه «الفهلوة».
ينتقل الدكتور فضل في هذا الجزء من كتابه إلى المعادلة الصعبة الثانية، ويطرح سؤالا جديدا عن إمكانية تحقيق أطماع «القاعدة» التي ذكرها بدون الإضرار بطالبان.. ويشرع في الإجابة قائلا «عاش تنظيم (القاعدة) وكل قياداته في أفغانستان قبل 11/9/2001، في حماية حكومة طالبان التي عانت من الحصار الدولي الخانق بسبب اعتقادها أن حماية من لجأ إليها من المسلمين واجب ديني. وقد أدى الحصار إلى وضع اقتصادي في غاية البؤس مات بسببه مئات الأطفال بسبب الجوع والبرد.
وكان السبب المباشر لهذا الحصار الذي فرضته الأمم المتحدة: رفض طالبان تسليم بن لادن للمحاكمة لدوره في تفجير السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام في أغسطس (آب) 1998، فطلبوا من طالبان أن تطرده فرفضت. وطلب الملا محمد عمر (أمير إمارة طالبان الإسلامية) من بن لادن ألا يصطدم بأميركا، وأنه لا طاقة لطالبان بهذا الصراع، وأن طالبان لم تبسط سيطرتها على كل أفغانستان (إذ كانت المناطق الشمالية تحت سيطرة أحمد شاه مسعود وحلفائه). وهذه التحذيرات نفسها قالها لابن لادن قدامى الإخوة المجاهدين العرب المقيمين في أفغانستان وغير المنتمين لـ(القاعدة) مثل أبو مصعب السوري وأبو عبد الرحمن الكندي. إلا أن بن لادن لم يبال بهذا كله ولا ببيعته للملا محمد عمر التي توجب عليه طاعته، كما لم يبال بالحصار المفروض على أفغانستان ولا بالأطفال الذين يموتون بسببه والذين لم يقدم لهم أي معونة، واستمر في التجهيز لتفجيرات 11/9 التي انتهت بالاحتلال الأميركي لأفغانستان بعد ثلاث سنين من إعلان جبهته المشؤومة من أرض أفغانستان التي زعم أنها لجهاد الصليبيين، فجلبت الاحتلال الصليبي لأفغانستان وهرب هو وكل تنظيمه من أمام الصليبيين.
وبدلا من أن يقوم بن لادن نحو طالبان التي آوته وحمته بما أمر به النبي (صلى الله عليه وسلم) في قوله (من صنع إليكم معروفا فكافئوه)، كان مذهب بن لادن وأصحابه مع طالبان هو: من صنع إليكم معروفا فدمروه. والذي حمل بن لادن وأصحابه على ذلك: الأطماع السابقة.. فهم لم يقتنعوا بدولة طالبان، وأرادوا أن تكون لهم دولتهم الخاصة في قلب العالم الإسلامي (أي في المنطقة العربية)، وحتى لا تمنعهم أميركا من ذلك - بحسب نظريتهم - أرادوا استعراض قوتهم أمامها بالضربات المتكررة كلما سنحت الفرصة، حتى ضربوها في عقر دارها في 11/9، فارتدت الضربة على طالبان وعلى كل الأمة الإسلامية، وتركوهم يدفعون الثمن وهربوا. فكانت طالبان - بالرغم من كل ما قدمته وعانته بسبب (القاعدة) - ما هي إلا مجرد وسيلة استغلوها لتحقيق أطماعهم.
وقد أفصح الظواهري عن هدفهم هذا في كتابه (فرسان) الذي كتبه قبل 11/9/2001 فقال في صـ189 (لا شك أن دعم ومساندة أفغانستان والشيشان والدفاع عنهما باليد واللسان والرأي هو واجب الوقت، لأنهما رأس مال الإسلام في هذا الزمان.. إلا أننا لا يجب أن نكتفي بالمحافظة عليهما فقط، بل يجب أن نسعى لنقل ميدان المعركة إلى قلب العالم الإسلامي الذي يمثل ميدان المعركة الحقيقي ومسرح المعارك الكبرى دفاعا عن الإسلام، وفي هذا الصدد فإن هاتين القلعتين الصامدتين قد لا تساعداننا كثيرا نظرا لظروف كثيرة وضغوط هائلة وضعف ظاهر، لذا يجب أن نحل المشكلة بأنفسنا بعيدا عن تعريضهما للضغط والضرب، وقد تكون هذه من معضلات الحركة الجهادية، ولكن حلها ليس مستحيلا، بل هو على صعوبته ممكن بعون الله (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) (الطلاق 2) أ.هـ.
فلا قناعة لديهم بدولة طالبان، ويريدون دولة في قلب العالم الإسلامي، ومعركة تخوضها الجماهير نيابة عنهم. وفى كلامه السابق أنهم يعلمون جيدا أن تخطيطهم لذلك من أرض طالبان سيعرضها للضرب، حتى إنه سماها معضلة، وقد جاءت الضربة لطالبان عقب 11/9، ولم يستطيعوا حل المعضلة لأنهم لم يتقوا الله، ولو اتقوه لأطاعوا أميرهم الملا محمد عمر الذي أمرهم بعدم الصدام مع أميركا - وطاعته كانت واجبة عليهم بالشرع وأكدوها بالبيعة - لكنهم لم يطيعوه ولم يتقوا الله، فلم يجعل الله لهم مخرجا، وتمزقوا ومزقوا معهم غيرهم كما سيأتي في الفصل الثالث إن شاء الله. وهذا كله من شؤم بن لادن والظواهري وجبهتهما على الإسلام والمسلمين، فأضاعوا ما وصفوه بأنه رأس مال الإسلام في هذا الزمان بمغامراتهم الفاشلة، بعدما حولوا الأمة الإسلامية إلى حقل تجارب لأفكارهم، وهم دائما يهربون من المواجهة ويتركون غيرهم يدفع الثمن، وهم لهم الصراخ في وسائل الإعلام والشهرة وجمع التبرعات المالية».
ينتقل الكاتب في الفصل الثاني من كتابه إلى الحديث عن مسؤولية بن لادن الشخصية عن الاحتلال الأميركي لأفغانستان فيقول «قبيل الثلاثاء 11/9/2001 أرسل بن لادن بعض أصحابه لقضاء مصالح في باكستان، وأكد عليهم بضرورة العودة إلى أفغانستان قبل الثلاثاء 11/9. وفي صباح ذلك الثلاثاء قال بن لادن لأصحابه (من يأتني بخبر مفرح اليوم سأعطيه ألف دولار). فعكفوا على أجهزة الراديو، ولما جاء خبر تفجيرات نيويورك وواشنطن هرولوا إليه ليخبروه فوجدوه يسجد سجود الشكر لله. إلا أنه أنكر أي علاقة له بتلك الأحداث التي ظلوا يجهزون لها لمدة عامين قبل وقوعها. ففي أول بيان له بعد تفجيرات 11/9، قال بن لادن في 24/9/2001 (بعد التفجيرات الأخيرة التي شهدتها الولايات المتحدة الأميركية توجهت بعض أصابع الاتهام الأميركية إلينا، واتهمتنا بالوقوف وراءها، وقد عودتنا الولايات المتحدة على مثل هذه الاتهامات في كل مناسبة يقوم فيها أعداؤها الكثر بتسديد ضربة إليها. وبهذه المناسبة فإنني أؤكد أنني لم أقم بهذا العمل الذي يبدو أن أصحابه قاموا به بدوافع ذاتية عندهم. أما أنا فإنني أعيش في إمارة أفغانستان الإسلامية، وقد بايعت أمير المؤمنين على السمع والطاعة في جميع الأمور، وهو لا يأذن بالقيام بمثل هذه الأعمال من أفغانستان) من (تقرير لجنة 11/9) صـ36، ط مؤسسة (الأهرام) بمصر، 2007.
لم يخطر ببال بن لادن أو تنظيمه (القاعدة) ولا حتى ببال طالبان أن تقوم أميركا بغزو أفغانستان بسبب تفجيرات 11/9، ولهذا لم تكن لديهم أي خطط دفاعية ولا خطط انسحاب منظم، ومع الغزو انسحبوا عشوائيا فوقعت لهم خسائر جسيمة. كل ما توقعوه قصف صاروخي أوسع مما نفذته أميركا عقب تفجيرات نيروبي 1998. إلا أن الغزو الأميركي قد وقع، وبعد ست سنين من كلامه السابق وهو يرى دماء الأفغان تنزف يوميا وديارهم تخرب بسببه، طالب بن لادن الدول الأوروبية بسحب قواتها من أفغانستان، وأكد أن الحرب الدائرة هناك ليست عادلة لأنها تودي غالبا بحياة نساء وأطفال.. وقال (الحقيقة كما ذكرت سابقا أن أحداث مانهاتن كانت ردا على قتل التحالف الأميركي الإسرائيلي لأهلنا في فلسطين ولبنان، فإنني أنا المسؤول عنها، وأؤكد أن جميع الأفغان حكومة وشعبا لا علم لهم البتة بتلك الأحداث) من (الشرق الأوسط) 1/12/2007، صـ15.وخلاصة كلام بن لادن هذا:
1 - أنه رجل كذاب، وإن جاز الكذب على العدو فلا يجوز على أميره.
2 - أنه خان أميره محمد عمر ونكث بيعته فدمر دولته، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له) الحديث رواه مسلم. فقد اعترف بأن أميره لا يأذن بذلك ومع ذلك فقد عصاه وفعلها.
3 - اعترف بن لادن بأنه مسؤول شخصيا عن الاحتلال الأميركي لأفغانستان بكل تبعاته.
4 - وصف بن لادن الحرب في أفغانستان بأنها غير عادلة لأنها تقتل نساء وأطفالا، وهو بذلك قد حكم على نفسه بتجريم عملياته في نيروبي و11/9 وغيرها: إنها غير عادلة بل لا أخلاقية وضد الشريعة لما فيها من الخيانة والغدر وقتل من لا يجوز قتلهم من النساء والأطفال وغيرهم.
5 - ومن عجيب أمر بن لادن - ومثله الظواهري - أنهم يصنعون الكوارث ثم يتباكون عليها ويستثمرونها دعائيا وإعلاميا وفي جمع التبرعات، فمن الذي تسبب في احتلال أفغانستان وقتل شعبها ونسائها وأطفالها؟.. ومن الذي تسبب في سجن المسلمين في غوانتانامو وأبو غريب وغيرهما؟. وهل هذا وغيره إلا من آثار عملية 11/9 المشؤومة».
وأما مسؤولية بن لادن عن احتلال أميركا للعراق عام 2003 فيقول عنها فضل «فمن وجهين.. الأول: أن ما فعله بن لادن بأميركا من أرض أفغانستان جعل أميركا تتبنى مبدأ الحرب الوقائية الاستباقية، فضربت العراق قبل أن يخرج منها من يضربهم في أميركا، وكرر الرئيس الأميركي بوش الابن قوله (نقتلهم في بلادهم قبل أن يقتلونا في بلادنا). والوجه الثاني: أن بعض أفراد (القاعدة) سربوا أخبارا كاذبة لأميركا عن علاقة بين صدام حسين و(القاعدة)، وعن امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل. وبهذا أيضا بررت أميركا ضربها للعراق.
ولهذا قلت إن أسامة بن لادن مسؤول شخصيا عن الاحتلال الأميركي لأفغانستان والعراق، بل ومسؤول أيضا عن كل تبعات تفجيرات 11/9 والتي سيأتي موجز لها في الفصل الثالث إن شاء الله، هو مسؤول عن هذا كله: مسؤولية تاريخية ومسؤولية دنيوية وأخروية، فيالها من تبعات رهيبة، وتلك هي عاقبة الطمع.
وقد حاول بعض الحمقى من أتباع بن لادن تبرئته من مسؤوليته عن احتلال أميركا لأفغانستان والعراق، فقالوا إن أميركا كانت لديها خطط لاحتلالهما حتى لو لم تحدث تفجيرات 11/9. وهذا نوع من الاحتجاج الفاسد بالقدر، وهذا كمن قتل مريضا ثم قال لو لم أقتله لكان قد مات أيضا بمرضه، يريد أن يبرئ نفسه من قتل المريض، وما يدريه؟. وقد أجمع المسلمون على أن المقتول مات في أجله المقدر له، إلا أنهم قد أجمعوا أيضا على أن القاتل يجب القصاص منه».
ينتقل فضل إلى الفصل الثالث من كتابه والذي جاء تحت عنوان «ثمن الغدر في 11/9» قائلا «في كتابي (الجامع في طلب العلم الشريف) الذي كتبته عام 1993، ثم في (وثيقة ترشيد العمل الجهادي) في عام 2007، ثم في (مذكرة التعرية لكتاب التبرئة) عام 2008، في كل هذه ذكرت أن المسلم إذا دخل بلاد غير المسلمين بإذنهم ولو بخداع منه لهم فلا يحل له أن يخونهم في دمائهم أو أموالهم، لأن هذا غدر وهو من الكبائر، إذ قد صار بدخوله بلادهم بإذنهم معاهدا لهم، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (إنا لا يصلح في ديننا الغدر). والغادر لا يجد رائحة الجنة أي لن يدخلها، ويرفع له لواء الغدر عند استه يوم القيامة ليفتضح أمام الخلق جميعا، وقد ثبت هذا كله في الأحاديث الصحيحة عن النبي (صلى الله عليه وسلم).
حتى لو دخل المسلم بلاد غير المسلمين وهو آمن منهم كما سبق، واعتدوا على غيره من المسلمين فلا يحل له أن يغدر بهم، لأن حذيفة بن اليمان عاهد كفار قريش على ألا يقاتلهم في غزوة بدر وأمره النبي (صلى الله عليه وسلم) بالوفاء لهم بالرغم من خروجهم لقتال النبي (صلى الله عليه وسلم) نفسه. ولهذا قال الشافعي رحمه الله إن المسلم المستأمن في بلاد العدو لا يحل له أن يغدر بهم ولو اعتدوا على مسلمين آخرين وأسروهم. (الأم) 4/165 و189. وهذا مستفاد من قول الله تعالى: (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الأنفال 72. فالوفاء بالعهد مع الكفار مقدم على نصرة المسلمين، هذا دين الإسلام بخلاف ضلالات (القاعدة).
ذكرت في صدر هذا الفصل أنني تكلمت عن هذه المسألة في كتابي (الجامع) عام 1993، وكان الباعث لي على ذلك وقتها أنه كان قد وفد بعض الشباب المسلم من أوروبا للمشاركة في الجهاد الأفغاني أو للتدريب، وطلبوا مقابلتي للسؤال عن بعض المسائل الدينية، ففوجئت بأن كل أسئلتهم تدور حول استحلال أموال الأوروبيين باعتبارهم غير مسلمين بصور شتى كالسرقة والاحتيال على شركات التأمين وترك المنازل دون دفع الإيجار وتسديد الفواتير وغيرها، وقد أجبتهم بأن هذا حرام للأدلة السابقة. إلا أن الاحتيال والاستحلال قد تطور إلى مدى أبعد على يد بن لادن وأصحابه حتى نفذوا تفجيرات 11/9 وأخواتها. ونظرا لما اشتملت عليه هذه الأحداث من الغدر ونقض العهد فقد نزلت بـ(القاعدة) وبحليفتها طالبان العقوبة الإلهية القدرية لمثل هذا الذنب والتي ذكرها النبي (صلى الله عليه وسلم) في قوله (ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم) الحديث رواه الطبراني في (الكبير) عن ابن عباس، وسنده قريب من الحسن وله شواهد كما قال المنذري (الكبائر) للذهبي صـ37، و264، وهذا الحديث رواه محمد بن الحسن الشيباني موقوفا على ابن عباس (السير الكبير) 4/59. فوقع الأمر كما أخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) في هذا الحديث، وسلط الله أميركا على (القاعدة) وطالبان وغيرهم ممن دفعوا ثمن غدر بن لادن بغير جريرة ارتكبوها».
 
رد: مستقبل الصراع في أفغانستان

مستقبل الصراع في أفغانستان (الحلقة الثالثة) : الدكتور فضل يقدم كشف حساب مختصرا لإجرام بن لادن والظواهري وغدرهما


يقدم الدكتور فضل في حلقتي اليوم وغد، كشف حساب مختصرا لإجرام بن لادن والظواهري وغدرهما، وهو أيضا كشف حساب لإنجازات جبهتهما المشؤومة التي أعلناها عام 1998 زورا تحت اسم «الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين» وذلك بحسب تعبيره في فصله الثالث من كتاب «مستقبل الصراع في أفغانستان»، ويقسم المؤلف كشف حسابه إلى مستويات متعددة فيبدأ بالمستوى الأميركي قائلا: «ضرب بن لادن أميركا في نيروبي ودار السلام عام 1998 فردّت بعدة صواريخ على أفغانستان لم تصبهم بضرر يُذكر، بل استفادوا من بيع الصواريخ التي سقطت ولم تنفجر. ثم ضربها بن لادن في مدمرتها (كول) عام 2000 فلم ترد أميركا بشيء، حتى كاد مسؤول مكافحة الإرهاب فيها (ريتشارد كلارك) يشد شعر رأسه من لا مبالاة وتخبط الأجهزة الأمنية الأميركية وقال لهم: (هل تنتظرون سقوط آلاف القتلى من الأميركيين كي تتحركوا؟) (تقرير لجنة 11/9). ولمّا لم ترد أميركا على ضرب (كول) تجرأ بن لادن على تنفيذ تفجيرات 11/9، وبالفعل لم تتحرك أميركا للرد إلا بعد سقوط آلاف القتلى من شعبها داخل أرضها.
بعد خسائرها البشرية والمادية والمعنوية في 11/9/2001، استفادت أميركا من تلك الأحداث على النحو التالي:
1- المجاهرة بما لم تجرؤ عليه من قبل، فأعلنت مبدأ الحرب الاستباقية (الوقائية)، ونفّذته بضرب أفغانستان في 7/10/2001 ثم ضرب العراق في 20/3/2003. وكان من الثمار الخبيثة لجبهتهم المشؤومة التي أعلنوها لجهاد الصليبيين أن احتل الصليبيون بلدين من بلاد المسلمين (أفغانستان والعراق).
2- المجاهرة بالحرب الصليبية التي أعلنها الرئيس الأميركي بوش الابن عقب 11/9، وفي مقابلها كان رد الفعل في العالم الإسلامي ضعيفا.
3- المجاهرة بمبدأ عدم احترام سيادة الدول، والدخول إلى أراضيها دون إذنها لتصفيه المخالفين أو خطفهم، ونفذت أميركا ذلك في عشرين دولة (صحيفة الأهرام) 11/11/2008. وفي هذا انهيار للنظام الدولي المعاصر القائم على مبدأ احترام سيادة الدول وحدودها، والذي أرسته معاهدة (وستفاليا) عام 1648م بعد حرب الثلاثين عاما في أوروبا.
4- إحياء الحلف الإنجيلي اليهودي، والمجاهرة به بالقول والفعل.
5- تولي المحافظين المتعصبين للسلطة كمنقذ لأميركا من الإرهاب.
6- أدمجت أميركا الدين في السياسة، على الرغم من أن دستورها ينص صراحة على علمانية الدولة (أي فصل الدين عن السياسة)، واعتبرت كل من يخالفها شيطانا.
7- تدخُّل أميركي غير مسبوق في شؤون الدول الأخرى وإجبارها على فتح ملفاتها الأمنية باسم التعاون المخابراتي وتبادل المعلومات، فبعد 9 أيام فقط من 11/9 ألقى الرئيس الأميركي خطابا أمام الكونغرس في 20/9/2001 قال فيه: (كل دولة في كل منطقة عليها الآن أن تتخذ قرارا، إما أن تكون معنا أو مع الإرهابيين). وقد انحنت معظم الدول أمام هذه العاصفة (معنا أو ضدنا) فقدمت نوعا من التعاون أو التسهيلات لأميركا.
8- وتَكوّن التحالف الدولي (الحرب العالمية) ضد الإرهاب، فتكونت قوة ما يُسمَّى بحفظ الأمن في أفغانستان من تحالف 40 دولة تقودهم أميركا لاحتلال أفغانستان، وقدمت نحو 100 دولة تسهيلات أرضية أو جوية لأميركا لضرب أفغانستان.
9- العودة إلى النموذج القديم (التقليدي) للاستعمار، بالاحتلال المباشر لأفغانستان والعراق.
10- ظهور مبدأ الفوضى الخلاقة، وتطبيقه في العراق من أجل تقسيمه إلى دويلات.
11- اكتسبت القوات الأميركية خبرات عسكرية ميدانية لم تحصل عليها منذ نهاية حرب فيتنام عام 1975، فالأجيال الجديدة من صغار العسكريين الأميركيين لم تخض حروبا حقيقية طويلة، فجاءتها هذه الفرصة في أفغانستان والعراق، فجربت فيها حروب العصابات والمدن والجبال والصحراء، وكانت الضحية شعوب هذه البلاد.
12- جربت أميركا أسلحتها وقنابلها الحديثة في شعبين مسلمين في أفغانستان والعراق.
13- قررت أميركا على لسان قادتها مشروعية ضرب المدنيين في الحرب، عندما قتلت تسعين أفغانيا مدنيا في أسبوع واحد. وهذا رد على ما أباحه بن لادن لتنظيمه من قتل المدنيين في الحرب. وقد ذكرت من قبل ما قاله مسؤول مكافحة الإرهاب في أميركا عن ترددها في اتخاذ إجراء ضد بن لادن، وكان سبب ترددهم هو خوفهم من سقوط قتلى مدنيين في أفغانستان في حال توجيه ضربة لابن لادن و(القاعدة) فيها، بحسب ما ورد في (تقرير لجنة 11/9)، وكان ذلك قبل 11/9. فلما ضربهم بن لادن وأسقط منهم آلاف القتلى (3000) في أميركا من المدنيين والنساء والأطفال، لم تجد أميركا حرجا بعد ذلك في قتل المدنيين في بلاد المسلمين فقد منحهم بن لادن شرعية ذلك من باب (المعاملة بالمثل)، وما زال الأفغان تأتيهم هدايا بن لادن بعد سبع سنين من الاحتلال.
14- اعتقلت أميركا وحدها نحو 25 ألف مسلم عقب 11/9، منهم 21 ألفا في سجونها في العراق، ونحو ألف في غوانتانامو في كوبا، ونحوهم في سجن باغرام وغيره في أفغانستان، ومثلهم في سجون باكستان، هذا بخلاف السجون السرية التي تديرها وكالة المخابرات المركزية الأميركية في بلدان أخرى. مع حرمان هؤلاء المعتقلين من أبسط الحقوق المقررة في مواثيقهم الدولية والإنسانية، فضلا عن تعذيبهم بوسائل شتى دفعت الكثيرين للانتحار. فهل كانت هذه السجون موجودة قبل عملية 11/9 المشؤومة؟ وهل سعى بن لادن والظواهري في تحرير هؤلاء الأسرى، أم أنهما هربا بنفسيهما حتى عن إخوانهم وأهل بيوتهم؟
15- عقب 11/9 حدث تمييز عنصري غير مسبوق ضد المسلمين والعرب في أميركا ثم أوروبا، وصل إلى حد قتل بعضهم في الشوارع كرد فعل على تفجيرات 11/9، مع انتهاك حرياتهم وحقوقهم.
16- اضطُرّت إيران وليبيا والسودان واليمن إلى مواقف مهادنة أو متعاونة مع أميركا:
أما إيران: فقد أعلن رئيسها محمود أحمدي نجاد أن (إيران ساعدت أميركا في حربها في أفغانستان والعراق) ([الشرق الأوسط] 27/9/2008 ص13).
وأما ليبيا: فكشفت عن برنامجها النووي وتخلت عنه، وأعلنت مسؤوليتها عن إسقاط الطائرات الغربية (حادثة لوكيربي وغيرها) ودفعت التعويضات.
وأما السودان: فقدم تنازلات لحل مشكلة الجنوب (اتفاقية ماساكوش في 8/2002) ستؤدي إلى انفصال الجنوب، بل السودان كله آيل إلى التقسيم، كما عرض السودان المساعدة في استدراج بن لادن واعتقاله، وقدم لأميركا تعاونا مخابراتيا غير مسبوق.
وأما اليمن وعلاقته بتنظيم (القاعدة) وطريقته الفريدة في التعامل مع أميركا فقد أكتب فيها كتابا مستقلا إن شاء الله، لأن دهاليزه كثيرة وقد عشت معظمها».
وينتقل المؤلف إلى المستوى الأفغاني في كشف حسابه قائلا: «أعلن بن لادن تأسيس جبهتهم المشؤومة لجهاد اليهود والصليبيين من أرض أفغانستان في 2/1998، فلم تمض إلا ثلاث سنين وجاءه الصليبيون في تحالف من أربعين دولة تقودهم أميركا واحتلوا أفغانستان في 7/10/2001، فهل قاتلهم بن لادن وأصحابه؟ لا، فقد هربوا من أمام الصليبيين، حتى كان منهم من هرب متخفيا في ثياب النساء. وبرر أيمن الظواهري انضمامه إلى هذه الجبهة بأن قتال العدو البعيد (أميركا) هو الأَولى (بما يعني أن دفعه بإخوانه للعمليات ثم المشانق والسجون في مصر كان خطأ)، فجاءه الأميركان إلى باب بيته في أفغانستان، فهل جاهدهم الظواهري؟ لا، بل هرب من أمامهم وترك لهم زوجته وأولاده فقتلوهم. وسقطت دولة (إمارة) طالبان الإسلامية، التي وفرت الملاذ الآمن لابن لادن وأصحابه، وبقدر ما دافع عنهم أميرهم الملا محمد عمر بدافع من ديانته وشهامته، كان بن لادن يخدعه حتى دمّر دولتهم وقتل شعبهم بدافع من قلة ديانته وعدم مروءته.
عمّ الدمار والخراب أفغانستان، وأصيبت محاولات إعادة الإعمار بالشلل، وازدهرت زراعة المخدرات وتجارتها وبلغت ذروتها خلال سنوات الاحتلال بعدما توقفت تماما عام 2000 خلال حكم طالبان.
مع بدء الاحتلال الأميركي لأفغانستان قُتل آلاف من العرب والمسلمين من جنسيات مختلفة غير الأفغان من الذين هاجروا بدينهم إلى إمارة طالبان الإسلامية، فسقطوا بين قتيل وأسير وطريد في حين أرسل بن لادن زوجاته وأولاده إلى الملاذ الآمن مع بدء الخطر، وترك الآخرين يدفعون ثمن خيانته لأميره وغدره بعدوه وتركهم للهلاك المحتوم. وستأتي إشارة إلى هؤلاء المهاجرين لأفغانستان في (خامسا) إن شاء الله».
أما على مستوى العراق فيقول الدكتور فضل: « كعادتهم في الجهاد عبر الميكروفون والإنترنت حرضوا الشباب على الجهاد في العراق وأرسلوا بعض أفراد (القاعدة) من وزيرستان (باكستان) لقيادة هؤلاء، فما كان منهم إلا أن قتلوا الشعب العراقي بالآلاف وبمختلف وسائل القتل وفي كل مكان، وأقاموا السجون ومارسوا أبشع أنواع التعذيب، وطبقوا على الناس مبدأ أميركا (من ليس معنا فهو ضدنا)، ونهبوا أموال الناس وخطفوهم مقابل دفع الفدية، وفرضوا الإتاوات عليهم، وتزوجوا بنات العراق بالإكراه، ومن رفضن منهن قتلوهن، وأجبروا النساء والأطفال على القتال، وفجّروا الأطفال والمتخلفين عقليا، حتى جثث الموتى لم يقيموا لها حُرمة ففجّروها في الجنازات، وأشعلوا فتيل الحرب الطائفية بين السنة والشيعة، وفجروا المساجد وقتلوا المصلّين، ثم استداروا على من خالفهم من طائفة السنّة فكفروهم وقتلوهم، ونقلوا الأموال التي نهبوها من العراق إلى قادة (القاعدة) في وزيرستان بباكستان، وكانوا كلما تعقبهم الجيش الأميركي في منطقة بالعراق هربوا من أمامه. فكان أمرهم كما ذكرت من قبل أنهم تخصصوا في قتل الضعفاء والهروب من الأقوياء، وهؤلاء هم الذين وصفهم الظواهري بأنهم (الطليعة المجاهدة للأمة) ص 74 بكتابه (التبرئة) فكان جهادهم قتل المسلمين والضعفاء بالجملة والسلب والنهب بالإكراه.
ولا تعجب إذا برّر أيمن الظواهري كل هذا الإجرام في كتابه (التبرئة) لأن أموال النهب بالعراق كانت تتدفق إليهم في وزيرستان ولْيذهب شعب العراق إلى الجحيم. ولم يتوانَ أسامة بن لادن هو الآخر عن تبرير إجرام أتباعه في العراق والدفاع عنهم، فوصف كل هذا الإجرام البشع بأنه مجرد سقطات لا يتكلم عنها إلا من في قلبه مرض ([الشرق الأوسط] 23/10/2007 ص 3). وكأن النبي (صلى الله عليه وسلّم) كان في قلبه مرض عندما أنكر على أسامة بن زيد (رضي الله عنه) قتل رجل واحد، وقال له: (أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟). وعندما أنكر على خالد بن الوليد (رضي الله عنه) وقال (صلى الله عليه وسلم): (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد). هذا هو علم بن لادن بالدين، يعتبر قتل الآلاف مجرد سقطات، والنبي (صلى الله عليه وسلم) يستنكر قتل رجل واحد، بل وقد أنزل الله سبحانه في هذه الحادثة قرأنا يُتلى إلى آخر الزمان يأمر فيه بالتبيّن حال الجهاد والقتال، وكرر وجوب التبين، وهذا بخلاف مذهب بن لادن في القتل والتفجير بالجملة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (النساء 94).
فلا تعجب بعد هذا الإجرام أن يستنجد أهل العراق بالعدو الأميركي لينقذهم من بطش (القاعدة) بهم، حتى انقلب عليهم الذين تعاونوا معهم من قبل وهم طائفة السنة بالعراق، ونقلتُ من قبلُ قولَ أحد العراقيين (عمر ناصف - 32 سنة) عن سبب تحوله من إطلاق النار على الأميركيين إلى العمل معهم ضد (القاعدة) فقال: (رأيت أحد عناصر القاعدة يقطع رأس طفلة تبلغ الثامنة من العمر بأم عيني. نريد الدعم الأميركي لأننا نقاتل التنظيم الأكثر شرا في العالم هنا).
فلم تكتفِ (القاعدة) بما جلبته على أفغانستان وشعبها من الأوجاع، فأتت إلى العراق لتذيقه من ويلاتها. كان بن لادن قبل 11/9 يبرر عداءه لأميركا بأنها أماتت أطفال العراق بسبب الحصار، فجاء أتباعه فقتلوا أطفال العراق بالرصاص. ولقد أضرت أفعال (القاعدة) بكل جماعات المقاومة العراقية وشوهت صورتها، وقدمتهم أميركا للعالم على أنهم شيء واحد. ولقد رأيت بعض المعجبين (بالقاعدة) في السجون المصرية إذا سمعوا بمقتل جندي أميركي في أفغانستان أو العراق فرحوا وهللوا وتبادلوا التهاني، وفي نفس اليوم تنقل الأخبار مقتل العشرات من الأفغان أو العراقيين فيخرسون ولا ينطقون بكلمة، وكأن الأفغان والعراقيين شعوب من الحشرات، في حين قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): (مسلمٌ واحد أحب إليّ من فتح مدينة من مدائن المشركين)».
أما على مستوى قضية فلسطين فيقول فضل: «وصف بن لادن قضية فلسطين بأنها (أم القضايا الإسلامية)، ولما لم تكن له مساهمة واضحة لخدمة هذه القضية - لأسباب ذكرت بعضها في مذكرة (التعرية) - فقد اعتذر له أصحابه بأن بن لادن (يخدم قضية فلسطين بتصديه للمصالح الأميركية، لأن إسرائيل تعتبر إحدى ولاياتها في البلاد الإسلامية، ولا فرق بين أميركا وآل صهيون) ص 218 و223 من (دليل الحركات الإسلامية) ط الأهرام 2006، فكيف خدم بن لادن فلسطين؟ وكيف أثرت تفجيرات 11/9 على قضيتها؟
1- تم تصنيف المنظمات الفلسطينية (حماس والجهاد وغيرهما) وكذلك حزب الله في لبنان على أنها منظمات إرهابية، ويسري هذا على التعامل مع أفرادها وأموالها.
2- اعتبار جمع التبرعات وتقديمها للشعب الفلسطيني وأسر الشهداء تشجيعا للإرهاب. وهذا وما قبله يجرّم المقاومة ويخنقها، ويجعل مقاومة الاحتلال غير شرعية.
3- عرضت الدول العربية القبول بحدود 1967 والتطبيع مع إسرائيل مقابل قيام الدولة الفلسطينية (المبادرة العربية في 2002) ورفضت إسرائيل.
4- إطلاق المجتمع الدولي يد إسرائيل في فلسطين دون إدانة باعتبارها تحارب منظمات إرهابية، وذلك تمهيدا للاستيلاء على كامل أرض فلسطين.
5- إعلان يهودية الدولة العبرية (إسرائيل) بما يعني إسقاط حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، بل وطرد عرب 1948 بعد ذلك، ثم طرد كل الفلسطينيين.
6- زيادة الاستيطان الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية زيادة فاحشة، خصوصا في الضفة الغربية، بما يجعل إقامة دولة فلسطينية غير ممكن عمليا.
7- زيادة الحفريات الإسرائيلية تحت المسجد الأقصى بما يهدده بالانهيار.
8- بناء إسرائيل للجدار العازل - بدعوى حماية شعبها - فاقتطع المزيد من أراضي الفلسطينيين وحوّل الضفة الغربية إلى سجن كبير.
9- حصار ياسر عرفات (أبو القضية الفلسطينية) حتى موته أو قتله، وكذلك قتل الشيخ أحمد ياسين (أبو حماس). فإذا فعلت إسرائيل هذا مع الآباء فكيف مع الأبناء؟
10- فرض الحصار الدولي على المناطق الفلسطينية بعد فوز حماس في الانتخابات، وشاركت الدول العربية والجامعة العربية في هذا الحصار المؤدي إلى تجويع الشعب الفلسطيني وحرمانه من العمل والعلاج بما ينتهي بالموت البطيء.
11- كل ما سبق أصاب كبار المسؤولين الفلسطينيين باليأس من إقامة دولة فلسطينية وطالبوا - على لسان كبير المفاوضين الفلسطينيين أحمد قريع (أبو علاء) - بالانضمام إلى إسرائيل كدولة ديمقراطية ثنائية القومية (للعرب واليهود) مع تساويهم في الحقوق والواجبات، وحتى هذا العرض رفضته إسرائيل ([الشرق الأوسط] عدد 12/8/2008 ص7، وعدد 2/9/2008 ص13). وصرّح رئيس الدبلوماسية العربية الأمين العام لجماعة الدول العربية (عمرو موسى) بأن إقامة دولة فلسطين مجرد وهم وسراب ([الشرق الأوسط] 17/10/2008 ص10).
12- تمارس إسرائيل القتل اليومي للفلسطينيين، فضلا عن الجرحى والأسرى، ويوجد في سجون إسرائيل 11 ألف أسير فلسطيني.
أما على مستوى العالم الإسلامي:
1- تَسبّب غدر بن لادن في 11/9 في الإساءة إلى الإسلام والمسلمين ككل، إذ نسبوا غدره إلى الدين نفسه، حتى وصلت الإساءة إلى إهانة النبي (صلى الله عليه وسلم). وظهرت في العالم الغربي مصطلحات: الإسلاموية والفاشية الإسلامية والإسلامو فوبيا. وهذه ردود فعل للغدر ونقض العهد حذّرنا الله سبحانه منها في قوله تعالى: «وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» (النحل 94)، وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: (ثم حذّر عباده عن اتخاذ الأيمان دخلا أي خديعة ومكرا - إلى قوله - لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به لم يبقَ له وثوق بالدين فانصدّ لسببه عن الدخول في الإسلام، ولهذا قال: «وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ») (تفسير ابن كثير 2/585). وهذا ما حدث بعد 11/9، تطاول الناس في أوروبا وأميركا على الإسلام والنبي (صلى الله عليه وسلم) وعلى المسلمين، وعلى الرغم من ذلك فإن بن لادن وأصحابه لا يستحيون ويزعمون أنهم ينصرون الإسلام والمسلمين.
2- بخلاف 25 ألف مسلم من مختلف الجنسيات اعتقلتهم أميركا بنفسها بعد 11/9 كما أسلفْت، فقد جرى اعتقال آلاف أخرى في مختلف بلدان العالم تحت شعار التعاون الدولي ضد الإرهاب، مع حرمانهم من أبسط حقوق الإنسان، ولقد رأيت بنفسي من انتحر من هؤلاء في سجون اليمن من 2001 إلى 2003، فضلا عمن انتحر في سجن غوانتانامو وغيره. فماذا قدم لهم بن لادن؟ جلب لهم السجن والتنكيل.
3- جرى تسليم مسلمين مهاجرين بدينهم من مختلف أنحاء العالم إلى بلدانهم، ليواجه بعضهم التعذيب والهلاك بما لم يحدث مثله في أبشع عصور الظلم والظلمات. فقد قصّ الله علينا كيف أن موسى (عليه السلام) بمجرد أن عبر حدود مصر الشرقية وخرج من سيناء إلى أرض مدين في جنوب فلسطين فرارا من بطش فرعون، قال له الرجل الصالح بمدين «لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» (القصص 25). أما في هذا الزمان فلا نجاة ولو ذهبت إلى أقصى أطراف الأرض، فقد جرى تسليم مسلمين من ماليزيا وتايلاند شرقا، ومن البرازيل وإكوادور في أميركا الجنوبية غربا، ومن السويد في شمال أوروبا ومن جنوب أفريقيا فما بين ذلك من مختلف الدول إلى مصر، وذلك بعد إعلان بن لادن جبهته المشؤومة في 1998 وبعد 11/9.
4- فقد آلاف المسلمين الذين هاجروا إلى أفغانستان وقت حكم طالبان دار الهجرة الآمنة التي وفرتها لهم طالبان، وهؤلاء لم يكونوا أعضاء في (القاعدة)، ومنهم مجموعات كانت في مرحلة إعداد جهادي، وقد خرّب عليهم بن لادن كل شيء. فسقط مئات منهم قتلى مع بدء القصف الأميركي لأفغانستان في 7/10/2001، ومئات أسرى، ومئات سُلموا أو عادوا إلى بلادهم ليُسجنوا فيها، وتشتت الآلاف بنسائهم وأطفالهم، وبقى بعضهم يقاتل مع طالبان ضد أميركا في معركة فرضها بن لادن على الجميع دون مشورتهم وهرب. وكان هؤلاء قادمين من كل الدول العربية تقريبا، ثم من الدول غير العربية: من باكستان وكشمير، ومن أوزبكستان وطاجيكستان وتركستان (غرب الصين) وداغستان وتركيا وبنغلاديش ومن ماليزيا وإندونيسيا ومن مسلمي أوروبا ومن غيرها من بلاد الأرض.
5- من 11/9/2001 وحتى 2008 أُغلقت 40 مؤسسة خيرية إسلامية في عدة دول، بدعوى دعمها للإرهاب، وتم وقف أنشطتها وتجميد أموالها بما أدى إلى الإضرار بآلاف الأرامل واليتامى والجياع والفقراء الذين كانت ترعاهم هذه المؤسسات.
6- اضطُرّ ملايين المسلمين إلى الهجرة من أراضيهم بسبب ضراوة القتال في أفغانستان والعراق ووزيرستان.
7- ضغطت أميركا لتغيير مناهج تدريس الدين الإسلامي في بعض بلدان المسلمين باسم تجفيف منابع الإرهاب.
8- دعمت أميركا أنظمة حكم مستبدة في بعض بلدان المسلمين، كانت تطالب بتغييرها من قبلُ، بدعوى أن هذه الأنظمة أقدر على مواجهة التطرف والإرهاب، بل واستعانت ببعضها في إنشاء السجون السرية التي أشرت إليها من قبل.
9- تصفية قضية الشيشان: فقد أطلقت أميركا يد روسيا وغضت الطرف عما تفعله في الشيشان مقابل تعاون روسيا معها في ضرب أفغانستان بعد 11/9، فقامت روسيا بحرب إبادة في هذا الإقليم - الواقع في جنوبها - أدت إلى نقص عدد سكانه من مليوني مسلم وقت حكم الزعيم الشيشاني جوهر دوداييف (1994م) إلى أن أصبح عددهم الآن ثمانمائة ألف، كما نصبت روسيا حكومة موالية لها في هذا الإقليم. وقد سبق أن نقلت كلام الظواهري من كتابه (فرسان) ص189 الذي كتبه قبل 11/9، وقال فيه إن أفغانستان والشيشان هما رأسمال الإسلام في هذا الزمان ويجب الدفاع عنهما مع السعي لنقل المعركة إلى قلب العالم الإسلامي دون تعريضهما للضرب. وقد انتهت جبهتهم المشؤومة ومغامراتهم الاستعراضية في 11/9 بالإطاحة بطالبان والشيشان وهربوا وتركوا غيرهم يدفع الثمن.​
 
رد: مستقبل الصراع في أفغانستان

مستقبل الصراع في أفغانستان (الحلقة الرابعة) : الدكتور فضل: حماقة بن لادن والظواهري أطاحت بطالبان شرقا وصدام حسين غربا


قال الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله: «مَن عَبَد اللهَ بجهل، كان ما يُفسد أكثر مما يُصلح». وتلك كانت هي محصلة أعمال «القاعدة» على مدى عشرين سنة (1988 - 2008) وثمرة جبهتهم المشؤومة على مدى عشر سنين (1998 - 2008): إفساد وحصاد مُر بلا إصلاح ولا صلاح.
نستكمل اليوم مع الدكتور فضل كشف حسابه مع تنظيم القاعدة، وينتقل إلى إيران قائلا: «إيران هي الدولة الشيعية التي تكفرها (القاعدة) كما نص على ذلك صاحبهم مؤلف كتاب (إدارة التوحش) في ص 100. وكتاب (إدارة التوحش) هو دستور الإجرام العملي الخاص بـ(القاعدة)، والذي نفذت تعاليمه الوحشية الإجرامية في العراق والسعودية ولبنان والجزائر وباكستان، وحاولوا تنفيذه في سيناء بمصر وفي غيرها. ولقد قدّم بن لادن بحماقاته لإيران من الهدايا الثمينة ما لم يقدمه لها إنسان في تاريخها من قبل.
في عام 1988 قرأت كتابا للرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون عنوانه (1999م نصر بلا حرب)، توقع فيه أن تنتصر أميركا (زعيمة المعسكر الغربي الرأسمالي) على الاتحاد السوفياتي (زعيم المعسكر الشرقي الشيوعي) في عام 1999م دون حرب، إلا أن الاتحاد السوفياتي انهار وتفكك قبل ذلك بعشر سنين، وذلك في عام 1990 بعد 45 عاما (1945 - 1990) من الحرب الباردة التي بدأت بينهما عقب الحرب العالمية الثانية، وبعدما أنفقت أميركا تريليونات الدولارات لتهزمه دون حرب. وإذا كانت أميركا قد حققت نصرا بلا حرب بعد تكاليف باهظة خلال العقد الأخير من القرن العشرين الميلادي، فإن إيران هي صاحبة أعظم نصر بلا حرب في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والذي أهدى إليها هذا النصر هو بن لادن، فقد هزمت إيران كل أعدائها بلا حرب، بل وبلا نفقات، وسقط النصر في حجرها سهلا رخيصا وثمينا بسبب حماقة بن لادن في 11/9، وتحقق لها:
1 - تمت الإطاحة بأعداء إيران: طالبان من شرقها، وصدام حسين من غربها.
2 - سقط في يد إيران مائة عضو بـ(القاعدة) يشكلون معظم الجهاز العسكري والإداري والقوة الضاربة لـ(القاعدة)، فعقب 11/9 ومع بدء القصف الأميركي لأفغانستان في 7/10/2001 ذهب رئيس اللجنة الشرعية بـ(القاعدة)، وهو أبو حفص الموريتاني، إلى مدينة زاهدان الإيرانية (عند التقاء حدود أفغانستان وباكستان مع إيران) وعقد اتفاقية مع المخابرات الإيرانية تسمح لهم باللجوء إليها، وقد فعلوا.
3 - قامت في جنوب العراق شبه دولة شيعية موالية لإيران على الحدود الشمالية للكويت والسعودية، بعدما ظلت بعض الدول العربية تدعم العراق 8 سنين (1980 - 1988) في حربه ضد إيران لكبح جماحها ومنعها من تصدير ثورتها، فجاءت أميركا وأدخلت إيران إلى العراق من عام 2003، فالأحزاب الشيعية التي تولت السلطة عقب سقوط صدام حسين (مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وحزب الدعوة) كلها خرجت من إيران.
4 - وإن كانت أميركا مطوقة لإيران بوجودها في أفغانستان والعراق والخليج، إلا أن هذا أيضا قد جعل القوات الأميركية في مرمى النيران والصواريخ الإيرانية.
5 - تقوم إيران بحرب استنزاف وإنهاك وإشغال ضد أميركا بتوريطها في المستنقعين الأفغاني والعراقي، بأقل مجهود إلا تقديم بعض الدعم للمقاومة في هذين البلدين وغض الطرف عن المتسللين، خصوصا أن إيران لا تضع أختامها على جوازات سفر الأجانب الداخلين إليها إذا طلبوا ذلك.
6 - أصبحت في يد إيران أوراق سياسية إقليمية ودولية كثيرة جعلت أعداءها عاجزين عن اتخاذ إجراءات رادعة ضدها، ومن هذه الأوراق:
* الأحزاب الموالية لها في الحكومتين العراقية والأفغانية.
* حزب الله في لبنان (كفزاعة لإسرائيل).
* في فلسطين لها صلات بحماس والجهاد الإسلامي وصغار فتح.
* وفي اليمن لها الحوثيون في شمالها.
* وسورية حليفتها.
* وفي يدها مائة من قيادات (القاعدة).
* وتدعم عدوها اللدود (طالبان) لإنهاك أميركا في أفغانستان، وليكون لها دور في حل مشكلات أفغانستان كما في العراق مقابل الثمن المناسب.
7 - أسرعت إيران في تطوير برنامجها النووي وهي آمنة من حرب مع أميركا المنهكة عسكريا وماليا، وتستغل في ذلك أوراقها السياسية وقدراتها العسكرية، التي تعتبر مصدر إزعاج لأميركا. ومن ذلك (اعتبر نائب الرئيس الإيراني رضا أغا زاده أن بدء مفاوضات مع المجتمع الدولي بشأن الملف النووي الإيراني قد تؤدي إلى حل الكثير من المشكلات، مثل العراق ولبنان وأفغانستان أو أسعار النفط. وأوضح أغا زاده أنه إذا انطلقت المفاوضات سيتم إيجاد حلول لكثير من المشكلات مثل العراق ولبنان أو أسعار النفط) ([الشرق الأوسط] 25/7/2008 ص 3). ولهذا فإن إيران تسعى لإطالة أمد النزاع وخلق المشكلات في العراق وأفغانستان ولبنان حتى لا تفقد هذه الأوراق.
أما سورية فيقول عنها الكاتب: أن لها مشكلاتها الكثيرة مع أميركا والغرب، منها: مشكلتها مع إسرائيل والجولان المحتل، ووضعها في لبنان والمحكمة الدولية في قضية اغتيال رفيق الحريري وغيره، ومشكلة وجودها ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، ومشكلة تطبيع العلاقات مع الغرب. ولهذا فإن سورية - كإيران - تحاول الإمساك بعدة أوراق سياسية لحل مشكلاتها، منها: حزب الله، والجهاد الإسلامي، وحماس، وعلاقتها مع إيران، إلا أن أهم ورقة سقطت في حجرها كانت المقاومة ضد الاحتلال الأميركي في العراق، والتي تشارك فيها (القاعدة). وعلى الرغم من أن سورية من أعتى الدول في محاربة الحركات الإسلامية فإنها غضت الطرف عن مرور المتطوعين عبر أراضيها لإنهاك أميركا في العراق، بل وقدمت لهم التسهيلات. ومن أين لسورية أو غيرها أن تأتي بالانتحاريين (طلاب الموت) لإزعاج أميركا؟
ومن المعلوم لأهل الخبرة أن حرب العصابات لا تستمر في بلد إلا بدعم من دولة أو دول مجاورة لها مصلحة في ذلك. ولهذا فإنه عندما تعاونت سورية في وقف تدفق المقاتلين إلى العراق (هبط العنف في العراق ثمانين في المائة) ([الشرق الأوسط] 4/10/2008 ص 15). ولكن ماذا كان ثمن هذا التعاون السوري؟.
ويلخص فضل نتائج جرائم بن لادن والظواهري قائلا: «إن (القاعدة) قد صارت بوعي أو دون وعي مجرد بندقية للإيجار وألعوبة في يد أنظمة هي تكفّرها، وصارت تخوض حروبا مجانية بالوكالة لخدمة إيران وسورية وغيرهما. وصارت تتاجر بأرواح الشباب الذين استجابوا لتحريضها (خصوصا السعوديين) لتدفع بهم في عمليات انتحارية لخدمة إيران وسورية، وكل هذا بغير فائدة تعود على الإسلام والمسلمين، ولهذا فقد قدمت هاتان الدولتان تسهيلات غير مسبوقة للمقاتلين في العراق».
أما على مستوى تنظيم «القاعدة» ذاته فيقول الدكتور فضل في ختام كشف حسابه: «لم تقتصر أضرار تفجيرات 11/9 على مستوى (القاعدة) على الأضرار المادية، ولكن هناك مصيبة أعظم: وهي مصيبة (القاعدة) في دينها وجنايتها على دين الإسلام نفسه، بما أدخله قادتها عليه من تحريفات لتبرير إجرامهم، وهذه هي المصيبة الحقيقية التي يبقى خطرها في الدنيا والآخرة. أما الخسائر المادية فمن الممكن تعويضها لأن معظمها من الموارد المتجددة: فما زالت النساء يلدن الشباب، وما زال الأغنياء يدفعون الزكاة والتبرعات. وأي تنظيم إنما هو زعيم وفكرة ومال ورجال.
وسوف أذكر أولا جناية (القاعدة) على دين الإسلام ثم خسائرها المادية:
أ) جناية (القاعدة) على دين الإسلام:
قال قيادي (القاعدة) محمد خليل الحكايمة: (وإننا في هذا الصدد لنؤكد أن منظرو «القاعدة» ومفكروها الأساسيين هما الشيخ أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري ولا أحدا سواهما، وأن ما يصدر منهما من إصدارات وتوجيهات يمثل فكر «القاعدة» ومنهجها) من ([مركز الفجر للإعلام] في 10/6/2007) وذكرت كلامه بما فيه من أخطاء نحوية. وقد أصدر الحكايمة هذا البيان ليقطع الطريق على من ينتقد (القاعدة) من الذين كانوا يحتجون بكلامهم ويدرسون كتبهم من قبل. وهو بكلامه هذا قد أثبت أن (القاعدة) تنظيم فاقد الشرعية الدينية لأن بن لادن والظواهري كلاهما جاهل بالدين، وهما من ناحية الشريعة عوام يجب عليهم استفتاء أهل العلم، لا أن يفتوا غيرهم ويوجهوهم. وقد أدت بهم مخالفاتهم للشريعة إلى تأسيس (مذهب الجهل والإجرام في الجهاد) لتبرير قتل المسلمين وغيرهم بالجملة. وقد ذكرت أركان هذا المذهب وكشفت فسادها في مذكرة (التعرية لكتاب التبرئة) كما في (وثيقة ترشيد العمل الجهادي)، وهذه بعض ضلالات بن لادن والظواهري:
1 - فالله سبحانه يقول: «وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ»
 
رد: مستقبل الصراع في أفغانستان

مستقبل الصراع في أفغانستان (الحلقة الخامسة): الدكتور فضل: أميركا في أفغانستان تحارب الجغرافيا


news1.554892.jpg



يتوقع سيد إمام الشريف المعروف بالدكتور فضل أن تنتصر طالبان وتعود إلى حكم أفغانستان على الرغم من التفوق التكنولوجي لأميركا، ويبرر ذلك بتوافر مقومات حرب العصابات الناجحة لطالبان، يدعمه ما تحظى به طالبان من دعم كامل من قِبل المخابرات الباكستانية وهي العلاقة التي يكشف المؤلف الكثير من أسرارها في حلقة اليوم.
يستهل الدكتور فضل فصله الرابع الذي حمل عنوان كتابه «مستقبل الصراع بين أميركا وطالبان في أفغانستان» بالحديث عن أقسام الحروب ويقسمها إلى خمسة أنواع: الحرب التقليدية - حرب العصابات - الثورة الشعبية - الحرب الأهلية - العمليات الخاصة.
ثم يتحدث المؤلف في الجزء الأول من هذا الفصل عن توفر مقومات حرب العصابات الناجحة لصالح طالبان ضد أميركا قائلا: «وصف بن لادن دولة طالبان قبل 11/9 بأنها (تمثل راية الإسلام)، ووصفها تابعه الظواهري بأنها (رأس مال الإسلام في هذا الزمان). وقد سقطت هذه الدولة (إمارة طالبان الإسلامية) بعد نحو شهر ونصف من بدء القصف الأميركي على أفغانستان في 7/10/2001 كنتيجة مباشرة لتفجيرات بن لادن في 11/9. سقطت طالبان ضحية خيانة بن لادن لأميره وغدره بعدوه.
لم يقتصر إضرار بن لادن بطالبان على تدميرها بسبب 11/9، بل قد أضرها عدة مرات من قبل، منها:
أشار على طالبان برفض مد خط أنابيب بترول، عرضت أميركا مَدّه من آسيا الوسطى جنوبا عبر أفغانستان إلى بحر العرب عبر باكستان. وكانت طالبان في أشد الحاجة إليه إذ كانت ستحصل على أموال ووقود مجاني مع تحسين علاقاتهم الدولية. ولكن بن لادن أشار عليهم برفض هذا العرض من أجل مصلحته الخاصة إذا كان لا يرغب في أن تقترب أميركا من ملاذه الآمن في أفغانستان، وفي المقابل لم يقدم شيئا لطالبان.
ومنها بعد تفجيراته في نيروبي 1998، فرضت الأمم المتحدة عقوبات على طالبان لإيوائها بن لادن، فزادت من المعاناة الاقتصادية للأفغان. ومنها حرص بن لادن على قتل القائد الشمالي أحمد شاه مسعود قبل 11/9، فقتله قبلها بيومين (في 9/9/2001)، وكان يريد بذلك أن يقدم رشوة لطالبان (بقتل زعيم المعارضة الشمالية ضدهم) حتى لا يلوموه على تفجيرات 11/9 التي فعلها دون علمهم وبخلاف تعليماتهم له بعدم الصدام مع أميركا. على الرغم من أن قتل مسعود كان ضد سياسة طالبان التي كانت تعتبره من رموز الجهاد وكانت ترغب في حل مشكلاتها معه بالتفاوض. وكان بن لادن لا يتوقع احتلالا أميركيا لأفغانستان، وقد أثار قتل مسعود ثائرة أتباعه الذين ساعدوا أميركا وانتقموا من العرب ومن طالبان أبشع الانتقام مع بدء الغزو الأميركي لأفغانستان.
هذه هي الأسباب الظاهرة لسقوط طالبان والتي يدركها المسلم وغير المسلم، إلا أن الأسباب الحقيقية لهذا السقوط لا يدركها إلا أولو العلم وهى الأسباب الكونية القدرية كالمذكورة في قوله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) (القصص 59)، وسيأتي شيء من الكلام في ذلك في المسألة الثالثة بهذا الفصل إن شاء الله.
والحاصل أن طالبان قد سقطت وذهبت دولتها بنهاية عام 2001، ضحية لمغامرات بن لادن الذي هرب هو وأصحابه وتركها تدفع ثمن كرم الضيافة. ثم لملمت طالبان شتاتها وبدأت هي وغيرها من الأفغان - مثل حكمتيار - في خوض حرب عصابات ضد المحتلين (أميركا وحلفائها) في أقل من عام من بدء الاحتلال. والمتوقع أن تنتصر طالبان وتعود لحكم أفغانستان على الرغم من التفوق التكنولوجي للمحتلين نظرا إلى توفر مقومات حرب العصابات الناجحة لطالبان ضد المحتلين، والتي هي إجمالا: دعم الشعب الأفغاني (الجماهير) لطالبان، ودعم دول مجاورة لها مصالح مشتركة مع العصابات (طالبان)، وطبيعة أرض المعركة (أفغانستان). هذا إجمالا. أما على التفصيل فإن العوامل التي في صالح طالبان، منها:






- منها ما ذكره أبو عبد الرحمن بن خلدون رحمه الله في الفصل السادس عشر من (المقدمة) قال: (في أن الأمم الوحشية أقدر على التغلب ممن سواها: اعلم أنه لما كانت البداوة سببا في الشجاعة كما قلناه في المقدمة الثالثة، لا جرم كان هذا الجيل الوحشي أشد شجاعة من الجيل الآخر، فهم أقدر على التغلب وانتزاع ما في أيدي سواهم من الأمم) (المقدمة ص125، ط دار الشعب).
- ومنها أنه لا توجد في أفغانستان أي منشآت أو معالم حضارية يُخشى عليها الخراب والتلف، معظمها جبال شاهقة ترتفع ما بين ثلاثة وستة آلاف متر، ولا تؤثر فيها القنابل الذرية. وأيام الجهاد الأفغاني الأول قال سياف: (روسيا تحاربنا بالتقدم ونحن نحاربها بالتخلف، لقد جربوا فيها كل أسلحتهم الحديثة إلا القنبلة الذرية).
- ومنها أن الأفغان حياتهم بسيطة وقليلة التكاليف، ومعظمهم ليس لديه ما يخسره، كما أنه شعب ذو جَلَد وصبر، ولقد مارست روسيا ضدهم لفترة سياسة الأرض المحروقة فدمرت قرى بأكملها لطرد المجاهدين منها، وقد تحملوا ذلك وصبروا عليه، وقد عاصرت هذا كله، وكان الأفغان يصبرون ويموتون في صمت.






وباكستان لها سياستان مع أميركا:
سياسة ظاهرة ودّية: وهي التعاون في مكافحة الإرهاب للحصول على مساعدات وشهادة حُسن سير وسلوك من أميركا والمجتمع الدولي.
وسياسة باطنة عدائية: هدفها إذلال أميركا والانتقام منها بتوريطها في أفغانستان وغيرها عن طريق دعم طالبان وحلفائها لإطالة أمد الحرب لإنهاك أميركا، حتى تحصل باكستان على ما تريد.
أيام الجهاد الأفغاني ضد الشيوعية كنا نتعجب من بطء تقدم المجاهدين على الرغم من أنه كان بإمكانهم حسم الصراع مع الاتحاد السوفياتي في مدة وجيزة، فقال لنا بعض قادة المجاهدين: إن إطالة مدة الحرب مقصودة لذاتها لإنهاك روسيا، وكانت باكستان تزودهم بصواريخ وتأمرهم بإطلاقها على كابل في أوقات معينة لتحقيق أهداف سياسية، وكثيرا ما كان ضباط الجيش الباكستاني يشرفون بأنفسهم على المجاهدين داخل أفغانستان خصوصا عندما يزودونهم بسلاح جديد، وقد عاصرت هذا كله.
والسياسة الظاهرة لباكستان مع أميركا يديرها الساسة، والباطنة يديرها جهاز المخابرات الباكستانية العسكرية وهو الحاكم الفعلي لباكستان منذ نشأتها كدولة استقلت عن الهند عام 1947. وهذه المخابرات ليست جهازا واحدا وإنما عدة أجهزة ذات توجهات مختلفة وإن كانت بينها قواسم وثوابت مشتركة. وهذه المخابرات هي التي حذرت بن لادن من ضربة أميركية وشيكة على معسكراته في أفغانستان بعد تفجيرات نيروبي 1998، فخرج بن لادن منها وأقام قرب كابل.
أما السياسة العدائية الباكستانية نحو أميركا فسببها الثأر وتعارض المصالح:
فمن الثأر والانتقام: أن أميركا فرضت عقوبات على باكستان أدت إلى عدم تسليمها صفقة طائرات متقدمة دفعت باكستان ثمنها مقدما على الرغم من تعاون باكستان مع أميركا ضد الاتحاد السوفياتي. ثم فرض الكونغرس الأميركي عقوبات أخرى على باكستان بعد تجربتها النووية في 1998. وقبل ذلك قامت أميركا بإفلاس بنك الاعتماد والتجارة لما أشيع عن دوره في تمويل البرنامج النووي الباكستاني. ثم ضغطت أميركا على باكستان لتحاكم عبد القدير خان (أبو القنبلة الذرية الباكستانية) رغم أنه بطل قومي في باكستان. ولم تفعل أميركا شيئا من ذلك ضد الهند (العدو التاريخي لباكستان) رغم مشروعها النووي المتقدم بل عقدت أميركا اتفاقية تعاون نووي مع الهند عام 2008 ورفضت أن تعقد مثلها مع باكستان فلجأت إلى الصين.
ومن تعارُض المصالح أن أميركا أطاحت بطالبان الموالية لباكستان التي لا تقبل بحكومة أفغانية غير موالية لها - حتى لو كانت من البشتون مثل كرزاي - حتى لا ينكشف ظهر باكستان من الغرب كما هي مكشوفة شرقا أمام الهند. ولهذا دعمت باكستان حكمتيار (الرجل المفضل لدى المخابرات الباكستانية) ضد برهان الدين رباني الذي تقارب مع الهند فور توليه رئاسة أفغانستان عام 1992. ثم كانت المخابرات الباكستانية واقعية عندما تخلت عن رجلها الأول (حكمتيار) لصالح دعمها لطالبان التي أثبتت مقدرتها على ضبط أحوال أشد الشعوب شراسة في العالم (الأفغان) ومقدرتها على إعادة الأمن والاستقرار لأفغانستان في فترة وجيزة بعدما فشل حكمتيار في حسم النزاع مع رباني خلال أربع سنوات من الحرب الأهلية الطاحنة (1992 - 1996). وما زالت طالبان وحلفاؤها الورقة الرابحة التي تلعب بها المخابرات الباكستانية مع أميركا. وكأن هذه المخابرات بدعمها لطالبان وبإطالتها أمد الحرب في أفغانستان ترسل رسالة ضمنية لأميركا: والمطلوب حل ملفات باكستان المعقدة مع أميركا - لا مجرد دفع الملايين أو المليارات - لتستقر الأمور في أفغانستان.
وعلى الرغم من أن اسمها (جمهورية باكستان الإسلامية) فإنها لم تكن إسلامية أبدا منذ نشأتها، بالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة. وإنما هي دولة علمانية تستغل الإسلام كقومية سياسية توحد أعراقها المختلفة في مواجهة القومية الهندوسية في الهند. وعلى الرغم من مظهرها الديمقراطي فإنها دولة تحكمها المخابرات. ولباكستان ثلاثة ثوابت سياسية استراتيجية لن تتخلى عنها من أجل أميركا، لأنها بالنسبة إلى باكستان مسألة حياة أو موت، ويقوم على رعاية هذه الثوابت الجيش الباكستاني وتحديدا جهاز المخابرات العسكرية، وهذه الثوابت الثلاثة هي:
الأول: العداء مع الهند: حتى عام 1947 كانت الهند وباكستان وبنغلاديش دولة واحدة هي الهند، التي استعمرتها بريطانيا لمدة نحو مائة عام، وكانت قبل احتلالها تتكون من عشرات الإمارات التي يحكمها الملوك المغول المسلمون الذين ما زال مسلمو باكستان يفخرون بهم ويتسمّون بأسمائهم (مثل أورنجزيب، وشاه جيهان، وأكبر خان، وجيها نجير، وغيرهم). ودعمت بريطانيا الهندوس ضد المسلمين - لأن المسلمين خاضوا جهادا طويلا ضد بريطانيا - فسلمت بريطانيا المناصب الحكومية للهندوس، وشيئا فشيئا شعر المسلمون بالاضطهاد والتهميش، ومع ظهور دعاوى استقلال الهند عن بريطانيا طالب المسلمون بدولة مستقلة لهم عن الهندوس.
وصاحب هذه الفكرة الشاعر محمد إقبال ودعمه فيها أبو الأعلى المودودي، واختار المسلمون المناطق الهندية ذات الأغلبية المسلمة لإنشاء دولتهم في شمال شرق الهند (وهي باكستان الشرقية التي استقلت باسم بنغلاديش - أي بلاد البنغال - في 1971) وفي شمال غرب الهند (وهي باكستان الغربية أو باكستان منذ 1971 بعد استقلال بنغلاديش). ومعنى باكستان الأرض النقية (للمسلمين ونقية من الهندوس). ومع الاستقلال عن بريطانيا عام 1947 حدثت هجرة واسعة من مسلمي الهند إلى باكستان ومن الهندوس في المناطق الإسلامية إلى الهند، وحدثت بين الطرفين مذابح بشعة في أثناء الهجرة سقط فيها مئات آلاف القتلى. وأول رئيس لباكستان وهو محمد علي جناح الملقب بالقائد الأعظم كان إسماعيليا (وهي طائفة مرتدة من فرق الشيعة). ونظرت الهند إلى باكستان على أنها دولة انفصالية مارقة يجب أن تعود إلى الوطن الأم، ووقعت بينهما 3 حروب، والهند هي التي ساعدت بنغلاديش على الانفصال عن باكستان في 1971. وبقي مسلمون في الهند عددهم كعدد مسلمي باكستان، ونظروا إلى مسلمي باكستان على أنهم خذلوهم وأضعفوهم بالاستقلال. وبقيت المشكلة المزمنة بين الهند وباكستان وهي مشكلة كشمير التي تسكنها أغلبية مسلمة في أقصى شمال الهند، وكان المفروض أن تكون جزءا من باكستان إلا أن الهند استولت على نصفها الشرقي وانضم نصفها الغربي (كشمير الحرة) إلى باكستان. وما زالت باكستان تطالب بكشمير الهندية التي غيرت الهند تركيبتها السكانية ونقلت إليها كثيرا من الهندوس. ويوجد الكثير من الجماعات المقاتلة في كشمير الهندية تدعمها المخابرات الباكستانية إما مباشرة وإما بواسطة جماعات إسلامية في باكستان (وبخاصة الجماعة الإسلامية التي أسسها المودودي والتي تُعتبر الواجهة الإسلامية للمخابرات الباكستانية).
تتكون باكستان من أربعة أعراق وهي قابلة للتقسيم إلى أربع دويلات: العِرق السندي جنوب شرق باكستان، والبنجابي شمال شرق، والبشتون شمال غرب، والبلوش جنوب غرب، والذي يُبقي على هذه الأعراق غير المتجانسة موحدة هو التوحد ضد العدو الخارجي وهو الهند المخالفة في القومية والدين. والذي يُبقي على العداء مع الهند مستمرا هو النزاع على كشمير. فالإسلام وقضية كشمير ما هما إلا أوراق سياسية مهمة لوحدة باكستان. الثابت الثاني لباكستان: هو السلاح والبرنامج النووي، الذي تعارضه أميركا، فالسلاح النووي قضية كرامة وطنية لباكستان ويحقق لها توازن الرعب مع الهند الأكثر عددا والأقوى اقتصاديا وعسكريا.
والثابت الثالث لباكستان: هو وجود حكومة موالية لها في أفغانستان حتى لا يلعب أحد في فنائها الخلفي. وتعتبر هذا حقا طبيعيا لها. فلا يوجد عاقل يرى النيران تشتعل في بيت الجيران ولا يتدخل. وأميركا نفسها لم تسكت على لعب روسيا (الاتحاد السوفياتي) في فنائها الخلفي في أزمة الصواريخ الكوبية 1962، بل لا تسمح أميركا لأحد باللعب في أميركا الوسطى والجنوبية. وباكستان تعلم أن وجود حكومة غير موالية لها في أفغانستان معناه دخول الهند إليها، لتحيط بها الهند من شرقها وغربها (كماشة)، وقد حدث ذلك في ظل حكومة كرزاي أنشأت حين الهند - في وقت ما - قنصليات لها في مدن جنوب أفغانستان على حدودها مع باكستان، ومنها دعمت حركات تمرد انفصالية في إقليم بلوشستان بغرب باكستان ردا على دعم باكستان لمقاتلي كشمير ضد الهند. فوجود الهند في أفغانستان يجعل وجود باكستان كدولة مهدَّدا وفي مهب الريح. وإذا دخلت الهند مكانا تبعتها حليفتها إسرائيل. وإسرائيل موجودة الآن في كشمير الهندية، وهي تريد أن تضرب المنشآت النووية الباكستانية كما ضربت مثيلتها في العراق عام 1981. وفي الجملة فإن باكستان لن تقبل إلا بحكومة موالية لها في أفغانستان ولا يصلح لهذا الآن إلا طالبان، ويجب أن تدرك أميركا هذا وتفكر بعقلها لا بعضلاتها، ولا يُنتظر أن تتخلى باكستان عن طالبان، وتُعتبر (القاعدة) ورقة أخرى لدى باكستان لإزعاج أميركا. أما ما تقوم به باكستان من حملات على مناطق القبائل بين الحين والآخر فهو لترضية أميركا ولنزع فتيل غضبها ولإظهار التعاون معها في مكافحة الإرهاب. وقبل وصول أي حملة إلى منطقة الهدف ترسل تحذيرات للمستهدفين بوجوب سرعة إخلاء المكان عن طريق رجالها في القبائل. هذا بعض ما يتعلق بدعم باكستان لطالبان بالإيواء والتسليح والمعلومات كعامل في صالح طالبان في صراعها مع أميركا في أفغانستان.
1- عامل الدين: أي حركة جهادية أو إسلامية لا تسبقها وتصاحبها حركة إصلاح ديني فمصيرها إلى الفناء أو الانحراف أو السرقة بواسطة العلمانيين. وقد سبق إنشاء دولة طالبان وصحبها حركة إصلاح ديني، وبهذا تمكنت من السيطرة على معظم أنحاء أفغانستان وفرضت الأمن والنظام وحاربت الجريمة وكثيرا من المنكرات فيها ما بين 1996 و2001، وتمكنت طالبان من وقف زراعة الأفيون بفتوى واحدة من الملا محمد عمر عام 2000 على الرغم من الحصار الدولي وحاجتها إلى المال حينئذ. ولمّا كان الدين هو أساس نشأة حركة طالبان (ومعناها طلاب المدارس الدينية) فقد حرصت الحركة على إنشاء المدارس الدينية بكثرة داخل أفغانستان فور توليها السلطة، فضلا عن المدارس التي تعلم فيها قادة الحركة في باكستان من قبل. وكلاهما يمد الحركة بالأتباع والجنود، وسيستمر هذا لزمن طويل. فكان الدين سبب قيام طالبان وسبب استمرارها في الحكم وسبب استمرارها في المقاومة حتى الآن ضد عدو مخالف في الدين من السهل حشد الشعب ضده في مجتمع يسيطر عليه المولوية. في حين أن أحزابا مثل أحزاب سياف ورباني لم تصمد قبل ذلك لأنها قامت أساسا على المال والولاء القبلي. 2- عدالة قضية طالبان: فهي تقاوم عدوا محتلا، وهذا مشروع حتى في قوانين الأمم المتحدة والدول الغربية، فقد حاربت أميركا بريطانيا حتى طردتها واستقلت عنها عام 1776م، وحاربت فرنسا المحتل الألماني والحكومة الفرنسية الموالية له (حكومة فيشي) حتى طردتهم في الحرب العالمية الثانية، وفي نفس الحرب حاربت أستراليا والصين وغيرهما المستعمر الياباني، وأمثلة المقاومة المشروعة ضد الاحتلال كثيرة. 3- الرابطة القبَلية: فالبشتون هم أعلى النِّسب من سكان أفغانستان ويشترك معهم في العِرق بشتون باكستان (الباتان) في المنطقة الشمالية الغربية من باكستان، ويعتبر البشتون على جانبَي الحدود أنفسهم شعبا واحدا، ويقولون [نحن باكستانيون من ستين سنة (أُنشئت دولة باكستان عام 1947)، ونحن مسلمون من 1400 سنة، وبشتون من آلاف السنين]، وولاء بشتون باكستان لبشتون أفغانستان أعظم من ولائهم لحكومتهم في إسلام آباد، ولديهم استعداد لدعمهم بلا حدود. وعلى الرغم من أن رئيس أفغانستان الحالي (حميد كرزاى) بشتوني فإنهم يرون أنه جاء على ظهر دبابة أميركية، فهو منبوذ وليس له سند ديني. 4- تعاون الشعب: معظم الشعب الأفغاني - وللعوامل السابقة - متعاون مع طالبان ويوفر لها المأوى والدعم ويمدها بالمعلومات ويضلل العدو عنهم، حتى إن قطاعات كبيرة من الجيش والشرطة الحكومية في أفغانستان تتعاون مع طالبان. 5- طبيعة الأرض: أرض أفغانستان مثالية لحرب العصابات، فهي شاهقة معقدة، وفيها مناطق كثيرة لا يمكن الوصول إليها بالسيارات وإنما بالدواب، وهي سلسلة جبال الهندكوش التي هي امتداد لسلسلة جبال الهيمالايا، ومعظمها يغطيها الثلج الذي يقطع الطرق في فصل الشتاء، وفي الجملة: الجبال تمثل قواعد آمنة مثالية للعصابات، فالجغرافيا في أفغانستان في صالح طالبان وهى أدرى بها. ويمكن القول إن أميركا في أفغانستان هي في الحقيقة تحارب الجغرافيا، ومن يحارب الجغرافيا فهو مهزوم. في القرن الثامن عشر حاولت السويد غزو روسيا من جهة الغرب ففشلت، وفي القرن التاسع عشر كرر نابليون نفس الخطأ فحاول غزو روسيا من جهة الغرب ففشل، وفي القرن العشرين كرر هتلر نفس المحاولة ففشل، فهم لا يتعلمون من أخطاء غيرهم رغم دراستهم للتاريخ العسكري. روسيا لا يصلح غزوها إلا من جهة الشرق كما غزاها القائد المغولي تيمورلنك في القرن الرابع عشر الميلادي، واستوطنها التتار من وقتها وما زالوا يشكلون أقلية مسلمة محافِظة في روسيا إلى اليوم. فمن يحارب الجغرافيا فهو مهزوم. 6- التخلف والبدائية: التخلف الحضاري الذي عليه الشعب الأفغاني يصب في ترجيح كفة طالبان في صراعها مع المحتلين من عدة نواحٍ: 7- اتساع جبهة الحرب: الصراع بين طالبان والمحتلين في أفغانستان اليوم ليس محصورا في حرب بين جيشين على الحدود، أو في تمرد أهل قرية أو مدينة. وإنما هي حرب ممتدة في معظم أرض أفغانستان التي تعجز قوات الاحتلال عن الانتشار فيها مهما زادت من عددها وعدتها، وكلما زاد انتشار قوات الاحتلال زادت نفقاتها وخسائرها. في حين أن طالبان لديها القدرة على الانتشار دون تكلفة تُذكَر وهي صاحبة الأرض وأعلم بها. 8- عامل الزمن والقدرة على تحمل الخسائر: كلاهما في صالح طالبان، وليس لديهم سقف للخسائر خصوصا في الأرواح، ويتقبلون الموت بلا ضجر خصوصا في الجهاد، وقد رأيت ذلك بنفسي حين عملت في الخدمة الطبية في أثناء الجهاد الأفغاني ضد الشيوعية لمدة عشر سنين (1983 - 1993). أما أميركا وحلفاؤها فلديهم سقف لاحتمال الخسائر بحسب قوانين الحرب، وكل يوم يمر عليهم يعني مزيدا من الخسائر في الأرواح والأموال خصوصا مع طول خطوط الإمداد (الدعم اللوجستي) للمحتلين بما يجعل الإمداد في ذاته مكلفا ومهددا. 9- العمليات الانتحارية التي ينفذها الأفغان ضد المحتلين تعوّض نقص التسليح لديهم. 10- الخبرة المتراكمة لدى الأفغان: فقيادات الجهاد الأفغاني ضد أميركا الآن قد مارسوا الجهاد وحرب العصابات عمليا ولسنوات طويلة ضد روسيا من قبل، فلديهم خبرات حربية ومعرفة جيدة بالأرض، مثل الملا محمد عمر وجلال الدين حقاني وحكمتيار وغيرهم. 11- السوابق التاريخية: لم تفلح دولة أجنبية في احتلال أفغانستان لا بريطانيا - وقتما كانت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس - في القرن التاسع عشر، ولا الاتحاد السوفياتي على جبروته وقربه من أفغانستان في القرن العشرين. و(العادة محكّمة). وأميركا تكرر المحاولة الآن وهي محكوم عليها بالفشل كمن سبقها. 12- دعم باكستان لطالبان: لا يمكن أن تستمر حرب عصابات أو أن يختفي زعيم تمرد لسنوات إلا بدعم قوي من دولة أو دول لها مصالح مشتركة، وهذه من البديهيات، ولها أمثلة كثيرة. وكما استمر الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفياتي لسنوات بدعم واضح من باكستان ومن ورائها أميركا، فكذلك قتال طالبان ضد أميركا مستمر اليوم بدعم باكستاني أيضا.
 
رد: مستقبل الصراع في أفغانستان

مستقبل الصراع في أفغانستان (الحلقة السادسة): الدكتور فضل: التفاوض المباشر مع طالبان هو مفتاح الحل في أفغانستان


يبدو المشهد في أفغانستان ونحن في بداية العام الجديد 2010 أكثر ارتباكا، وتبدو الحلول الحاسمة أبعد ما تكون عن أجندة الرئيس الأميركي باراك أوباما وإدارته، ويحذر مراقبون من خطورة بقاء الوضع على ما هو عليه، خاصة مع ازدياد أعمال العنف اليومي ضد أميركا وحلفائها. وإذا كان الدكتور فضل قد حذر من الجغرافيا، فإن تحذيرات التاريخ أكثر وضوحا، وهذا هو الجزء الأهم من رسالة هذا الكتاب الذي يستند مؤلفه على كل تجارب الماضي لعل الراغبين في صنع المستقبل أن ينتبهوا.
ويكمل فضل حديثه عن توفر مقومات حرب العصابات الناجحة لصالح طالبان ضد أميركا، ويختتم بالنقطة الأخيرة وهي «دعم إيران» قائلا: «يأتي هذا في المرتبة الثانية بعد باكستان. فإيران لها أيضا عدة ملفات مع أميركا تريد حلها. وتسعى إيران لتكثير عدد أوراقها السياسية كما قلت في الفصل الثالث، وقد قدمت لها (القاعدة) هدايا ثمينة في هذا المجال. إيران تساعد عدوها اللدود (طالبان) لإنهاك عدوها الآخر (أميركا) وذلك بإطالة أمد الحرب في أفغانستان. فإيران لا تريد لطالبان أن تموت ولا أن تنتصر لتبقى ورقة تلعب بها، ولهذا فإيران تعارض أي تقارب بين أميركا وطالبان يحل النزاع في أفغانستان ليكون لها دور في الحل ونصيب من المكاسب. وقد صرح الساسة الإيرانيون بذلك، فقد (اعتبر نائب الرئيس الإيراني رضا أغا زادة أن بدء مفاوضات مع المجتمع الدولي بشأن الملف النووي الإيراني قد تؤدي إلى حل الكثير من المشكلات مثل العراق ولبنان وأفغانستان أو أسعار النفط) من («الشرق الأوسط») 25/7/2008 ص3. أما الملفات التي تريد إيران حلها؛ فمنها على المدى القريب: ألا يتدخل أحد أو يعترض على برنامجها النووي، ورفع أي عقوبات دولية عنها، ورفعها من الدول الراعية للإرهاب، وأن يكون لها دور إقليمي خاصة في العراق ومنطقة الخليج، وعلى المدى البعيد: دور عالمي.
وكل من باكستان وإيران تدعم طالبان وحلفاءها: بالإيواء والسلاح وتسهيل الحركة والاتصالات والإمداد بالمعلومات عن العدو، وغير ذلك من صور الدعم، حتى تصمد طالبان، ولإطالة أمد الحرب لعل أميركا تفهم وترضخ وتقدم تنازلات لهما. ولكن من الذي يدفع ثمن إطالة زمن الحرب؟ إنه الشعب الأفغاني البائس الذي تنزف دماؤه كل يوم.
كانت تلك هي العوامل التي في صالح طالبان وترجح كفتها في صراعها مع أميركا في أفغانستان.
فما الأوراق التي مع أميركا في هذا الصراع؟ منها:
1 - التسليح والتكنولوجيا المتقدمة.
2 - التحالف الدولي الذي يقلل الخسائر الأميركية، بجعل الحلفاء يتحملون شيئا من الخسائر البشرية والمادية.
3 - تعاون بعض الأفغان مع المحتلين (أميركا وحلفاؤها).
4 - إرهاب أميركا للدول المجاورة كي لا تتدخل في الصراع، ولهذا فإن هذه الدول مثل باكستان وإيران لها سقف في التدخل وأحيانا من وراء ستار».
ينتقل المؤلف إلى الجزء الثاني من فصله الرابع، ويتحدث فيه عن المخرج من هذا الصراع الدائر في أفغانستان: «يتضح مما سبق أن الشعب الأفغاني والتاريخ والجغرافيا كلها تعمل في صالح طالبان بالإضافة إلى دعم باكستان وإيران. وقد أدى ذلك إلى قدرة طالبان على الصمود، بل وعلى إحراز تقدم على الأرض على مدى سنوات القتال.
ومن المعلوم أن حرب العصابات الناجحة تمر بثلاث مراحل:
الأولى: مرحلة (اضرب واهرب): وفيها لا تحتفظ العصابات بالأرض وإنما تضرب العدو ثم تهرب إلى قواعد آمنة، وهي مرحلة إنهاك العدو (حرب البرغوث والكلب).
والثانية: (مرحلة التوازن): وفيها تحتفظ العصابات بالأراضي التي تطرد منها العدو، حتى تسيطر على الأطراف والريف، ويبقى العدو مسيطرا على العاصمة والمدن الهامة، وهي مرحلة الندّية للعدو.
والثالثة: (مرحلة الانتصار): وفيها تستولي العصابات على العاصمة والمدن الهامة؛ إما بالقضاء على العدو أو بالتفاوض معه.
والمراقب لما يجري على الأرض في أفغانستان اليوم يجد أن طالبان قد قطعت شوطا كبيرا من المرحلة الثانية (التوازن) واقتربت من مرحلة (الانتصار)، فهي تسيطر - حسب التقارير - على ما يقرب من 70% من أراضي أفغانستان واقتربت من العاصمة كابل، بل وتنفذ عمليات قتالية بداخلها أحيانا.
وينبغي أن تكون أميركا واقعية وتفكر بعقلها لا بعضلاتها فتتخلى عن حميد كرزاي لصالح طالبان، كما كانت باكستان واقعية من قبل عندما تخلت عن حكمتيار (رجلها الأول) لصالح طالبان الأقدر على ضبط أمور أفغانستان، خاصة أن طالبان إنما هي ضحية حماقات ومغامرات أسامة بن لادن، كما لم تكن طالبان معادية لأميركا، بل قد نهى الملا محمد عمر، بن لادن عن الصدام مع أميركا عدة مرات، ولكن بن لادن خدعه، وقد كانت أميركا تدعم طالبان عند نشأتها من أجل استقرار أفغانستان، فقد قال الأخ أبو عبد الرحمن الكندي (أحمد سعيد خضر، وابنه عمر خضر يحاكم الآن في غوانتانامو) رحمه الله، وكان مسؤولا عن (هيئة الإغاثة الكندية) أيام الجهاد الأفغاني الأول وحتى 2001؛ قال الكندي إن (السفير الأميركي في إسلام آباد عقد اجتماعا لهيئات الإغاثة العاملة في أفغانستان وطلب منهم توجيه أنشطتهم إلى الأماكن التي تسيطر عليها طالبان) وكان ذلك عام 1995 قبل استيلاء طالبان على كابل. واستمرت علاقة أميركا بطالبان حتى عام 2000.
كما ينبغي أن تحترم أميركا خصوصيات الشعوب ودياناتها، فأفغانستان ليست هي البلد الذي يتقبل النموذج الغربي ولو على ظهر دبابة كما حدث مع اليابان وكوريا الجنوبية، أفغانستان بلد القبيلة والمولوية، وهذه أمور لا تزيدها الحروب إلا شدة. أما أن تظن أميركا أنها ستفرض الديمقراطية على أفغانستان بالدبابة - كما فرضتها على اليابان بالقنبلة الذرية - أو أن المرأة الأفغانية ستخلع التشادور، فهذه حماقة.
وما صرح به الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما من عزمه على إرسال مزيد من القوات إلى أفغانستان، فهذا يعني أن أميركا لم تتعلم الدرس بعد، وأنها ما زالت تفكر بعضلاتها لا بعقلها، وليست كل الأمور تحسم بالعضلات. إرسال مزيد من القوات معناه: مزيد من الخسائر البشرية لأميركا وحلفائها ومزيد من النفقات، ومعناه: مزيد من قتل المدنيين الأفغان، وهذا يزيد سخط الأفغان على حكومة كابل (حميد كرزاي) وحلفائها المحتلين، ويزيد من دعم الشعب لطالبان، مما يعجل بانتصارها وسقوط حكومة كرزاي.
ومعظم الحروب - مهما طالت - تنتهي بمفاوضات واتفاقيات، إلا إذا رغبت أميركا في خوض حرب فناء في أفغانستان، ستنتهي بها إلى انسحاب مهين كما انسحبت من سايجون (فيتنام) عام 1975، وهذا ما يتمناه كثير من الدول.
وهناك دول لها مصالح في أفغانستان غير باكستان وإيران، منها:
* الهند: التي لا ترحب بانتصار طالبان ولا بتأمين مصالح باكستان في أفغانستان، فقد كانت طالبان هي مركز التدريب الأساسي للحركات الكشميرية المقاتلة التي كان منها ما يعمل تحت إشراف المخابرات الباكستانية العسكرية، ومنها ما كانت صلته بابن لادن مباشرة وهم الذين كانوا لا يثقون بالمخابرات الباكستانية.
* والصين: لا ترحب بالوجود الأميركي على حدودها الغربية في أفغانستان، وهي حليف تقليدي لباكستان.
* وروسيا: لا ترغب أيضا في الوجود الأميركي في أفغانستان، وهي حليف للهند وإيران. خاصة أن روسيا ترى حلف الأطلنطي يحاصرها من كل جهة ويقترب من حدودها.
ومفتاح الحل في أفغانستان هو في التفاوض المباشر مع طالبان، لتفويت الفرصة على الدول المحيطة ذات المصالح، وإلا فمع ضمان مصالح هذه الدول».
يطرح الدكتور فضل سؤالا حرجا: «لماذا يدمر الرب أفغانستان؟» ويجتهد بحثا عن إجابة قائلا: «الإيمان بالقدر هو الركن السادس من أركان الإيمان كما ورد في حديث جبريل عليه السلام (ما الإسلام... ما الإيمان... ما الإحسان؟).
والقدر: هو أفعال الله سبحانه في ملكه وفق علمه القديم، فكل شيء يقع في الكون قد علم الله به منذ الأزل وكتبه في اللوح المحفوظ، فإذا أراد الله وقوعه في وقته المعلوم أوجده الله وخلقه. قال تعالى: «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ. وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ» (القمر49 ـ 50)، وقال تعالى: «اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ..» (الزمر62)، وقال تعالى: «وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ» (الصافات96). فكل ما يقع في الكون من الميلاد والخلق إلى الموت وما بينهما من الرزق والنصر والخذلان والمصائب والحروب وكل شيء هو من خلق الله، قال تعالى: «مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا..» (الحديد22). والعباد فاعلون لأفعالهم حقيقة ولهذا سيحاسبهم الله عليها كما قال سبحانه: «فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (الحجر 92 - 93)، ولكنهم لا يفعلون شيئا إلا بإذن الله ومشيئته وتمكينه لهم من الفعل، قال تعالى: «وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ...» (الإنسان30)، وقال تعالى: «..كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ» (آل عمران40)، وقال تعالى: «وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ» (الصافات96). فلا يرفع إنسان يده ولا ينقل قدمه ولا ينطق بكلمة إلا بإذن الله وبتمكين الله له بالقوة التي يمنحه إياها، وهذا معنى (لا حول ولا قوة إلا بالله) قال ابن القيم رحمه الله، في هذه العبارة: (وقد أجمع المسلمون على هذه الكلمة وتلقيها بالقبول، وهي شافية كافية في إثبات القدر) من كتابه (شفاء العليل) ص262، ط (دار الحديث) 1997.
والله سبحانه يخلق ويفعل كل شيء بالكلام، بكلمة (كُن)، ولهذا فقد كان الله ولا يزال متكلما حكيما، قال تعالى: «قُل لَّوْ كَانَ البَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا» (الكهف109)، ومثلها آية سورة لقمان27. فإذا قال الله لشيء (كُن) كذا، يكون كما قال في لمح البصر.
وفي هذه المسألة؛ موضوع الحرب والصراع:
*فإن الله سبحانه هو الذي يأتي بالأعداء، كما قال سبحانه: «..وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ..» (النساء90).
*وهو سبحانه الذي يصرف الأعداء ويكف أذاهم، كما قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ..» (المائدة11).
*وهو سبحانه الذي يقتل العدو في الحرب، قال تعالى: «فَلَمْ تَقْتُلُوَهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى..» (الأنفال17).
*وهو سبحانه الذي يأتي بالنصر على الأعداء، قال تعالى: «..وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ» (آل عمران126)، وقال تعالى: «وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّة..ٌ» (آل عمران123). ومعنى (أذلة) أي: قليلو العدد والعدة.
وقد جعل الله للنصر أسبابا إن وجدت تنزل النصر، وهي الإيمان: وهو ليس مجرد كلمة تنطق (الشهادتان) وإنما هو مركب من واجبات كثيرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (الإيمان بضع وستون شعبة) الحديث رواه البخاري، وبقدر نصيب العبد من الإيمان يكون نصيبه من وعد الله بالنصر، كما قال سبحانه: «..وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ» (الروم47)، وقال سبحانه: «إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ» (غافر51).
فإذا نقص حظ العبد من شعب الإيمان - بترك واجب أو فعل محرّم - نقص نصيبه من الوعد بالنصر، وقد يعقبه الخذلان والدمار عقوبة من الله على التقصير، وهو سبحانه الذي يفعل هذا كله إذا وجدت أسبابه التي أخبرنا بها.
فإذا نزل الدمار والخراب ببلد أو بقوم دلّ ذلك على ذنوب عظيمة، قال تعالى: «..وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي القُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ» (القصص59)، وقال تعالى: «..فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا» (الإسراء16).
وهـذا هـو الحـال في أفغانسـتان منـذ ثلاثـين سنة منذ بدء الاحتلال السوفياتي وإلى الآن (1979 - 2008) دمار وهلاك وخراب وقتلى بمئات الآلاف وجرحى وأرامل ويتامى ومهجرين بالملايين، والله خالق كل شيء وفاعله، وقد أنزل الله بهم هذا لذنوب عظيمة ومعاص هم يعلمونها ولا يسعون في تغييرها، قال تعالى: «وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ..» (الشورى30)، وقال تعالى: «..وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ..» (النساء79)، وقال سبحانه: «أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ..» (آل عمران165)، فالمصائب بسبب النفس لا بسبب روسيا أو أميركا وإسرائيل كما يروج له بن لادن لمصلحته. هذه أسباب ظاهرة، أما السبب الحقيقي الذي جعل الله يسلط العدو الظاهر فهو سبب داخلي، ولن يتغير الحال إلا بإصلاح الداخل والنفس، كما قال سبحانه: «..إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ..» (الرعد11).
أيام الجهاد الأفغاني الأول ضد الشيوعية كثر الكلام عن المنكرات المتفشية بين الأفغان، وكان معظم الأفغان والعرب متفقين على السكوت عن إنكارها بحجة عدم تنفير الناس وعدم تعطيل الجهاد، وما نزل بهم العدو إلا بسبب المنكرات ولا يرتفع العدو إلا بتغييرها، وقد كانت لي محاولات معهم في الإصلاح، فلما لم أجد سامعا ولا مجيبا كتبت ما أريد في باب (الإعداد الإيماني للجهاد) بكتابي (العمدة). وقدِم بعض المشايخ واطلعوا على أحوال الأفغان، وقد اشتد إنكار أحد المشايخ عليهم حتى قال لهم (والله لا ينصركم الله أبدا إلا كما ينصر المظلوم على الظالم أحيانا)، وكان هذا عام 1986م (1406هـ).
فبماذا انتهى الجهاد الأفغاني الأول - الذي جعلوه قميصا للسكوت عن المنكرات - ؟ انتهى بحرب أهلية طاحنة بين رباني وحكمتيار (1992 - 1996)، ثم حرب أهلية بين طالبان وتحالف الشمال (1996 - 2001)، فقتلوا بعضهم بعضا.
وجاءت طالبان فغيرت بعض المنكرات وتركت ما هو أعظم، فأزال الله دولتها على يد بن لادن وأميركا. وما زالت الدماء تنزف في أفغانستان ومنذ ثلاثين سنة، ولم نسمع دعوات من داخل الأفغان تعزو ما حدث إلى ذنوبهم وتدعو إلى إصلاح حالهم، في حين سمعنا هذا من نصارى أميركا، فمنهم من قال (إن أحداث 11/9/2001 كانت درسا من الله لأميركا تستحقه بسبب غضبه عليها) وقائل هذا هو القس جيري فلولويل رئيس جامعة فرجينيا، ومثله القس بوب جونز، وهؤلاء يستنكرون تفشي الزنا والشذوذ والإجهاض والخمور والقمار والتعري والإباحية وفصل الدين عن الدولة، ويرون أن هذا كله من أعمال الشيطان، وأن هذا سوف يدمر أميركا، وهؤلاء لهم أتباع في أميركا بالملايين. فاعتبر النصارى بما نزل بهم من الكوارث ولم يعتبر المسلمون، لا الأفغان ولا بن لادن ولا غيرهم، بل قد اعتبر بن لادن كل ما ارتكبه أصحابه من إجرام بالعراق (مجرد سقطات لا ينكرها إلا من في قلبه مرض) («الشرق الأوسط») 23/10/2007.
وإذا انتهى الصراع الدائر في أفغانستان اليوم بخروج أميركا وحلفائها، فستتكرر الدائرة نفسها: حروب أهلية ودمار وخراب، ما لم يغير الأفغان من حالهم. وهذا الكلام ليس خاصا بالأفغان دون غيرهم، بل هو عام لجميع البشر، فأحكام الله القدرية عامة ولا تحابي أحدا، وإذا تأملت في أحوال البلاد والعباد وما هم فيه من النعمة أو البلاء تجد ذلك صحيحا. قال تعالى: «إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا..» (الإسراء7)، وقال تعالى: «..إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ» (الرعد11)، وقال سبحانه: «ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ..» (الأنفال53).
قال ابن تيمية رحمه الله (ت728هـ): (وإذا كان في المسلمين ضعف وكان عدوهم مستظهرا عليهم كان ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم، إما لتفريطهم في أداء الواجبات باطنا وظاهرا، وإما لعدوانهم بتعدي الحدود باطنا وظاهرا) وذكر الآيات السابقة (مجموع الفتاوى) 11/645.
وقال تلميذه ابن القيم رحمه الله: (والله سبحانه إنما ضمن نصر دينه وحزبه وأوليائه القائمين بدينه علما وعملا، ولم يضمن نصر الباطل ولو اعتقد صاحبه أنه محق، وكذلك العزة والعلو إنما هما لأهل الإيمان الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه، وهو علم وعمل وحال، قال تعالى: «..وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ» (آل عمران139). فللعبد من العلوّ بحسب ما معه من الإيمان - إلى قوله - وكذلك النصر والتأييد الكامل: إنما هو لأهل الإيمان الكامل، قال تعالى: «إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ» (غافر51)، وقال تعالى: «..فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ» (الصف14). فمن نقص إيمانه نقص نصيبه من النصر والتأييد، ولهذا إذا أصيب العبد بمصيبة في نفسه أو ماله أو بإدالة عدوه عليه فإنما هي بذنوبه؛ إما بترك واجب، أو فعل محرّم، وهو من نقص إيمانه) من (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان).
ومن قبل ابن القيم وشيخه بقرنين من الزمان؛ لما استولى نصارى أوروبا (الصليبيون) على ساحل الشام وبيت المقدس (القدس) وقتلوا خلقا كثيرا من المسلمين وخربوا البلاد، تصدى لجهادهم بعض أمراء المسلمين ومنهم صلاح الدين الأيوبي، الذي كان لا يفعل شيئا إلا بمشورة القاضي الفاضل، فكتب إليه القاضي فيما نقله ابن كثير، رحمهم الله، قال: (وكان القاضي الفاضل بمصر يدبر الممالك بها ويجهز للسلطان ما يحتاج إليه من الأموال وعمل الأسطول والكتب السلطانية، فمنها كتاب ذكر فيه أن «سبب هذا التطويل في الحصار: كثرة الذنوب وارتكاب المحارم بين الناس، فإن الله لا يُنال ما عنده إلا بطاعته، ولا يفرج الشدائد إلا بالرجوع إليه وامتثال أمره، فكيف لا يطول الحصار والمعاصي في كل مكان فاشية وقد صعد إلى الله منها ما يُتوقع بعده الاستعاذة منه»، وفيه أنه قد بلغه أن «بيت المقدس قد ظهرت فيه المنكرات والفواحش والظلم في بلاده ما لا يمكن تلافيه إلا بكلفة كثيرة»، ومنها كتاب يقول فيه «إنما أُتينا من قِبل أنفسنا ولو صدقنا لعجل الله لنا عواقب صدقنا، ولو أطعناه لما عاقبنا بعدونا، ولو فعلنا ما نقدر عليه من أمره لفعل لنا ما لا نقدر عليه إلا به، فلا يختصم أحد إلا نفسه وعمله، ولا يرجُ إلا ربه، ولا يغتر بكثرة العساكر والأعوان ولا فلان الذي يُعتمد عليه أن يقاتل وفلان، فكل هذه مشاغل عن الله ليس النصر بها، وإنما النصر من عند الله، ولا تأمن أن يكلنا الله إليها، والنصر به واللطف منه، ونستغفر الله من ذنوبنا، فلولا أنها تسد طريق دعائنا لكان جواب دعائنا قد نزل وفيض دموع الخاشعين قد غسل، ولكن في الطريق عائق») من (البداية والنهاية) ط (دار التقوى) 1999. وكلام القاضي الفاضل هذا ينبغي أن يكتب بماء الذهب، وقد كان هذا هو حال السلف الصالح؛ إذا وقعت المصائب أو نزل العدو تذكروا الذنوب وبادروا بالاستغفار مع دفع العدو قدر الطاقة.
قال الله عز وجل: «ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» (الروم41)، وقال تعالى: «وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا» (الجن16)».
 
رد: مستقبل الصراع في أفغانستان

مستقبل الصراع في أفغانستان (الحلقة السابعة) : الدكتور فضل: عملية مومباي ورسالة بن لادن لأميركا والغرب للتفاوض معه


news1.555120.jpg

عملية مومباي حلقة من سلسلة رسائل بن لادن التي يطلب فيها الهدنة


أدرك أسامة بن لادن المأزق متأخرا وحاول الخروج منه بتلميحات متعددة، أطلقها بنفسه صراحة ورددها مرات معاونه أيمن الظواهري، كلاهما عرض الهدنة على أوربا وأميركا، وجاء الرد الغربي رافضا على الطريقة العربية «سبق السيفُ العذَل». بينما جاء رد فعل الرفض من قبل بن لادن والظواهري على طريقة الأطفال في غضبهم ورغبتهم في لفت أنظار الكبار بتحطيمهم لكل ما تطوله أيديهم، فجاءت تفجيراتهم اليائسة التي نفذها عملاؤهم ضد مدنيين وعلى طريقتهم الاستعراضية بحسب الدكتور فضل، لتعكس حالة الإفلاس الفكري الواضحة التي يعانيها هذا التنظيم وغياب المنهج الشرعي الذي ينتهجه أعضائه. ويلخص الدكتور فضل في فصله الخامس وجهة نظره في «ورطة بن لادن» قائلا: «إنه يريد الآن أن يتراجع عما قرره منذ خمس عشرة سنة وأعلنه للعالم منذ عشر سنين: وهو أن قتال أميركا فرض عين على كل مسلم، كما أعلنه عندما أسس جبهته المشؤومة عام 1998. فهو يريد الآن أن يتراجع عن هذا بطلب الهدنة من أميركا، وهي لا تجيبه، وهذه هي ورطته».
يقارن الكاتب بين «القاعدة» وحزب الله قائلا: «بإمكان أي إنسان أن يبدأ معركة مع الآخرين، ولكن ليس بإمكان أي إنسان أن ينهي المعركة وقتما يريد. فحزب الله دخل في حرب مع إسرائيل في يوليو 2006 بسبب حساباته الخاطئة، بعدما أسَرَ جنودا إسرائيليين ولم يتوقع أن يتسبب ذلك في حرب، وقد أدت تلك الحرب إلى دمار في جنوب لبنان حتى بيروت، اعتذر عنه حزب الله، إلا أنه قد نجح في أمور فشل بن لادن في مثلها.
وبغضّ النظر عن المذهب الديني والتوجه السياسي لحزب الله، فقد أثبت نجاحا على المستوى العسكري، وهذه أول مرة منذ نشأة إسرائيل في 1948م تنجح ميلشيات غير نظامية في ما فشلت فيه بعض الجيوش النظامية. وعلى الرغم من نجاح حزب الله في كل ما فشلت فيه (القاعدة) فقد حمل عليه زعيمها حملة شعواء كما نقلت الأخبار: (وعن لبنان: شن بن لادن هجوما عنيفا على الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله متهما إياه بإدخال قوات الأمم المتحدة التي وصفها بأنها قوات [للتحالف الأميركي - الصهيوني] إلى أرض جنوب لبنان لحماية إسرائيل من تسلل المجاهدين) (من صحيفة [الحياة] 31/12/2007 ص3). وكأن بن لادن يخاطب مغفلين بُلْهًا، فشتّان ما بينه وبين حزب الله عسكريا، نسي بن لادن أنه أدخل أميركا إلى كل أرض أفغانستان والعراق فسقط مئات آلاف القتلى في حين لم تقتل قوات الأمم المتحدة الناس، ما زال بن لادن يلعب بقميص فلسطين التي لم يقدم لها إلا الشعارات حتى أرادوا سرقة هذه القضية من أصحابها الأصليين. ونسي بن لادن أنه فشل في ما نجح فيه حزب الله ألا وهو وقف الحرب التي بدأها وهذه هي ورطته».
يسلط فضل الضوء على عروض «القاعدة» من خلال بن لادن والظواهري للهدنة مع أميركا ويفضح ردود أفعالهم على الرفض قائلا: «في عام 2003 عرض بن لادن الهدنة على الأوروبيين، ليدق إسفينا بينهم وبين أميركا وليفكك تحالفهم ويخفف من بطشهم. فلم يستجيبوا لطلبه.
فقام حلفاؤه في أوروبا بتفجيرات دامية، أهمها: في إسبانيا: سـلسـلة تفجـيرات في 4 قطـارات في مدريد وضواحيها أوقعت 191 قتيلا و1800 جريح في 11 مارس (آذار) 2004. وفي بريطانيا: تفجيرات القطارات أوقعت 53 قتيلا غير الجرحى في 7 يوليو (تموز) 2005. وتتابعت المحاولات بعد ذلك خصوصا في بريطانيا. ولم يستجب الأوروبيون لطلب بن لادن الهدنة رغم التفجيرات والقتلى.
فعرض الهدنة على أميركا مطلع عام 2006 فقال: (ولا مانع لدينا من إجابتكم إلى هدنة طويلة الأمد بشروط عادلة، نفي بها، فنحن أمة حرّم الله علينا الغدر والكذب، لينعم في هذه الهدنة الطرفان بالأمن والاستقرار، ولنبني العراق وأفغانستان اللذين دمرتهما الحرب). وهو غير صادق في كلامه هذا، فما سبّب الدمار الذي يتحدث عنه إلا غدره بأميركا.
ثم عرض تابعه الظواهري التفاوض على أميركا بنهاية نفس العام 2006 فقال: (إنكم لا تتفاوضون مع القوى الحقيقية في العالم الإسلامي، ويبدو أنكم ستخوضون رحلة مؤلمة من المفاوضات الفاشلة ثم ستعودون بإذن الله مكرهين للتفاوض مع القوى الحقيقية، [في إشارة إلى تنظيم القاعدة]). (من صحيفة [الحياة] 21/12/2006). والمشكلة أنهم لا يستحيون: هربوا من أمام أميركا وتخصصوا في قتل المدنيين الضعفاء حتى قتلوا آلاف المسلمين، وتجرأوا على تحريف دين الإسلام نفسه ليبرروا إجرامهم، ويسموا أنفسهم (القوى الحقيقية في العالم الإسلامي).
فلم تستجب لا أميركا ولا أوروبا لطلب بن لادن والظواهري الهدنة، فقام فرع (القاعدة) في الجزائر بعملية انتحارية في أواخر 2007 ضد مصالح أجنبية سقط فيها 62 قتيلا وأكثر من 200 جريح معظمهم من الجزائريين ومن طلاب المدارس، وكان هدفهم من ذلك إرغام الغرب على الرضوخ لمطالب زعيم (القاعدة)، فقد أعلن هذا الفرع أن من أهداف التفجير تذكير الغرب بوجوب (الإصغاء جيدا لمطالب وخطابات شيخنا وأميرنا أسامة بن لادن)، وقد وقع هذا التفجير في 11/12/2007، أي أن دماء الشعب الجزائري المثقل بالجراح أصبحت مجرد رسالة من بن لادن للدول الغربية. ومع ذلك يقول بن لادن: (أريد أن أقول للمسلمين إننا نحاول حماية الأمة من أعدائها ومكافحتهم في كل مكان) (صحيفة [الحياة] 31/12/2007).
وعلى الرغم من عملية الجزائر ضد مصالح غربية لم تستجب أميركا ولا أوروبا لمطالب بن لادن، ونظرا إلى تعرضهم لنقد شديد بسبب سقوط قتلى مسلمين في عملية الجزائر يبدو أنهم خططوا للعملية التالية في بلد غير إسلامي، وهي عملية مومباي».
يرصد الكاتب هذه العملية بمزيد من التفاصيل قائلا: «تعرضت مدينة مومباي (بومباي) عاصمة المال والأعمال في الهند لعدة هجمات على مدى ثلاثة أيام 26 - 29/11/2008، شملت فنادق ومحطة قطارات ومقهى ومستشفى، وسقط فيها نحو 200 قتيل و300 جريح، ربعهم (25%) تقريبا من المسلمين، قام بها مجموعة من المسلحين قُتلوا جميعا إلا واحدا.
وعلى الرغم من أن الأمر قيد التحقيق وقت كتابتي هذه، فإنني ومنذ اللحظات الأولى للعملية أدركت أنها من صنع تنظيم القاعدة، وذلك بنسبة 99%. وأن هذه العملية - بما فيها من القتلى والجرحى والخراب الواسع - ما هي إلا مجرد رسالة على طريقة بن لادن للضغط على أميركا والدول الغربية من أجل التفاوض معه بعد تجاهلهم لعروضه السابقة. فعملية مومباي هي حلقة من سلسلة الضغط من أجل التفاوض، ولهذا فيمكن أن تتكرر إذا جاءت الفرصة في أي مكان.
أما لماذا قلت إن عملية مومباي هي من صنع (القاعدة)، فلأسباب، منها:
1- أنها حلقة في سلسلة الضغط من أجل التفاوض، خصوصا أن المهاجمين لم يكونوا جادّين في التفاوض أو عرض مطالب لإطلاق الرهائن ([الشرق الأوسط] 1/12/2008 ص3). وإنما كان غرضهم القتل، وهذه هي رسالة بن لادن، ومعناها أن التفاوض يكون معه لا مع الجنود.
2- إن عملية مومباي هي من نوع العمليات القتالية الخاصة، وقد ذكرت أن هذا هو نمط عمليات (القاعدة).
3- كما ذكرت في الفصل الأول: إن (القاعدة) في سعيها لسد الفجوة الضخمة بين أطماعها وقدراتها الذاتية المحدودة تلجأ إلى تضخيم نفسها عسكريا أمام الآخرين بوسائل من أهمها: القيام بعمليات استعراضية ضخمة وسهلة (أي ضد أهداف ضعيفة أو عديمة التأمين والحماية) إذا وجدت الفرصة لذلك. وهكذا كانت عملية مومباي.
4- كما ذكرت في كتابي هذا من قبل فإن (القاعدة) تخصصت في قتل المدنيين الضعفاء، وهكذا كانت عملية مومباي. أما أن (القاعدة) في الجزائر تهاجم قوات الأمن فهذا شيء آخر، لأن هذا فرع مستقل يعمل وحده منذ 1992 ضد الحكومة الجزائرية وله أجندته الخاصة، وإنما التحق بـ(القاعدة) عام 2006 من باب زواج المصلحة وتبادل المنافع، ومن وقتها كثر قتله للمدنيين.
5- أن عملية مومباي كانت قتلا عشوائيا بالجملة دون تمييز، وهذه من خصائص (القاعدة).
6- أن عملية مومباي كانت ضرب أهداف متعددة في نفس الفترة، وهذه من خصائص (القاعدة) كما فعلتها في نيروبي ودار السلام 1998، وفي نيويورك وواشنطن 11/9/2001، وكذلك تفجيرات (بالي) في إندونيسيا 2002، والرياض في السعودية 2003 ومدريد 2004، ولندن 2005، كلها كانت تفجيرات متعددة في نفس الوقت، وهذه من خصائص (القاعدة) في الاستعراض لتضخيم الذات كما أكد عليه صاحبهم مؤلف (إدارة التوحش).
7- أن عملية مومباي كان من أهدافها قتل أجانب (قُتل فيها نحو عشرين من أميركا وإسرائيل وبريطانيا وغيرها)، وهذا القسم من القتلى هو الرسالة الموجهة إلى الغرب من أجل التفاوض مع (القاعدة).
8- أن عملية مومباي وقعت في عاصمة المال والأعمال الهندية، كما كانت عملية 11/9 في عاصمة المال والأعمال الأميركية (نيويورك)، ليكون لها صدى عالمي، ولإيقاع أكبر قدر من الخسائر المالية. ومعروف عن بن لادن أنه مولع بالشؤون المالية لدرجة أنه كان يظن أنه يمكن أن يصنع كل شيء بالمال، ولقد ظل يحسب خسائر أميركا المالية المباشرة وغير المباشرة بسبب 11/9 فبلغ بها إلى تريليون دولار.
9- أن عملية مومباي كانت انتحارية بصورة أخرى - غير تفجير النفس - إنما كان الانتحار فيها بالقتل والقتال حتى الموت، وهذه العمليات الانتحارية من خصائص (القاعدة). ونجا أحد المهاجمين بسبب إصابته المبكرة.
10- أن عملية مومباي كانت من تنفيذ باكستانيين من منظمة (عسكر طيبة) المحسوبة ضمن المنظمات الكشميرية المقاتلة للهند. وهذه المنظمة وإن لم تكن تابعة لـ(القاعدة) فهي على صلة وثيقة بها، ولا يلزم أن يعلم المهاجمون بذلك بل يكفي منسّق واحد بينهم وبين (القاعدة) لتنفيذ المطلوب، كما كان هو دور حمبلي في تفجيرات بالي. وفي هذه الحالة تكون (عسكر طيبة) تقوم بحرب وكالة بالنيابة عن (القاعدة). وقد كان لابن لادن دور مهم في دعم حافظ محمد سعيد (مؤسس عسكر طيبة) منذ 1990، وقد حضرت ذلك، إلا أن حافظ سعيد اضطر إلى الابتعاد عن بن لادن وهاجم تفجيرات 11/9 ليحافظ على الدعم المالي الذي يأتيه من السعودية.
هذه عشرة أسباب كلها ترجح أن عملية مومباي هي من صنع (القاعدة)، أما تبنّي بعض المنظمات الوهمية (مجاهدي ديكان) للعملية فهذا يذكّرنا بالإعلان الذي صدر عقب تفجيرات 11/9 ونسبها إلى منظمة تنتقم لضحايا القنبلة الذرية الأميركية في هيروشيما ونغازاكي باليابان عام 1945، هذه بيانات للتضليل والتقاط الأنفاس. ولا ننسَ أن بن لادن لم يعلن مسؤوليته الصريحة عن 11/9 إلا بعدها بسنوات، ولكن الرسالة كانت قد بلغت أميركا من أول يوم، وكذلك في عملية مومباي ينبغي أن تكون الرسالة قد وصلت فالعملية تحمل جميع بصمات (القاعدة)، بل هي علامة مسجلة لـ(القاعدة)».
ويلخص فضل أهداف القاعدة من عملية مومباي في النقاط الخمسة التالية: 1- عملية مومباي هي رسالة من بن لادن لأميركا والغرب للتفاوض معه، وهي حلقة من سلسلة رسائله القولية والعملية التي طلب فيها الهدنة من قبل. وهذا يعني - باختصار - أن العالم كله من المسلمين وغير المسلمين عليهم أن يدفعوا ثمن تحقيق رغبات بن لادن الشخصية، لأنه - وكما أعلن - يعمل لتحقيق مصالح المسلمين، في حين أنه يقتل المسلمين في كل مكان ويعتبرها مجرد سقطات.
2- وعملية مومباي وما رافقها من دعاية أنها ثأر لما تفعله الهند بكشمير تؤدي لأن يكسب بن لادن المزيد من الأتباع من الباكستانيين الذين يعتبرون كشمير قضيتهم الدينية والقومية الأولى. على الرغم من أن هذه العملية تعود بالضرر على مسلمي الهند وكشمير، لكن هذا لا يهم بن لادن. وكسب مزيد من الأتباع في باكستان مهم جدا لابن لادن في هذه المرحلة نظرا إلى تقلص قدرته على تحريك قوته الأساسية (السعوديين).
3- وعملية مومباي مهمة لتمويل (القاعدة). وقد ذكرت في الفصل الأول أن المال أصبح هو سيد القرار في كثير من الجماعات الإسلامية، وكثير من الممولين (المتبرعين) لا يدفعون إلا للعمليات الساخنة، ولهذا فبعض الجماعات تنفذ عمليات فقط بغرض جمع المال. في حين أن فاقد النفقة لا يجب عليه الجهاد - كما ذكرت في (وثيقة ترشيد العمل الجهادي) - إن كان ما يفعلون جهادا.
4- وعملية مومباي بما تسببه من التوتر بين الهند وباكستان يمكن أن تؤدي إلى سحب القوات الباكستانية الموجودة قرب منطقة القبائل الغربية (وزيرستان: وهي مأوى [القاعدة] وطالبان) نحو الحدود الشرقية لباكستان مع الهند، وهذا يخفف الضغط على (القاعدة) ويسمح لها بحرية الحركة.
5- كما ترفع علمية مومباي من أسهم بن لادن لدى حلفائه في المخابرات الباكستانية.
فهذه كلها فوائد مهمة لـ(القاعدة) تستحق تنفيذ عملية مومباي: فهي رسالة استعراضية للتفاوض، وتجلب مزيد من الأتباع للتجنيد ومزيد من الأموال، ويمكن أن تخفف الضغط عنها في وزيرستان.
ويطرح الدكتور فضل سؤالا هاما: هل يمكن أن تتكرر عملية مومباي؟ ويجيب قائلا: «لا شك أنها قابلة للتكرار وبسهولة لأسباب:
- أن الهدف الأساسي منها - وهو التفاوض بين بن لادن والغرب - لم يتحقق بعد، وليست لدى (القاعدة) قدرة على الدخول في حرب مواجهة مكشوفة مع أعدائها، بل كانت تهرب منها دائما وتكمن، ثم تختار الأهداف الضعيفة التأمين لضربها، وتكرر ذلك، ليضطر الغرب إلى التفاوض معها، لأن الأهداف المدنية لا حصر لها في العالم، و(القاعدة) جعلت العالم كله ساحة للمعركة، حتى إنه لم يرحم أهل بلده (السعودية) من هذه المعركة، وتأمين كل الأهداف المدنية في العالم يحتاج إلى تكلفة مالية خيالية، وابن لادن يحسب كل شيء بالمال، وتقديره أن الغرب سيُضطرّ إلى إجابته للهدنة والتفاوض تحت وطأة التكلفة المالية الباهظة.
- أن الأهداف المدنية السهلة الضخمة التي عادة ما تقصدها (القاعدة) في عملياتها كثيرة ومنتشرة في كل مكان، فقط يحتاج الأمر إلى تصوير واستطلاع بدأ التدرب عليه في نيروبي عام 1993. ولدى (القاعدة) الآن في أرشيفها الكثير والكثير من الأهداف المرصودة والجاهزة للضرب إذا جاءت الفرصة.
- أن التكلفة المالية لتنفيذ هذه العمليات الاستعراضية تافهة زهيدة مقارنة بالخسائر البشرية والمادية التي تسببها، فالتمويل ليس مشكلة، كما أن (القاعدة) لا تنقل الأموال بالقنوات المعروفة وإنما تعتمد أساسا على النقل الشخصي (التسليم باليد نقدا).
- أن السلاح الأساسي الذي تعتمد عليه (القاعدة) موجود ومتوفر وبلا تكلفة، وينتقل هذا السلاح بنفسه إلى الهدف دون توجيه من الأقمار الصناعية ولا غيرها. وهذا السلاح هو الشباب المستعدون للموت والانتحار والذين قامت (القاعدة) بعملية (غسل مخ) لهم، فينفذون التعليمات دون معرفة هل هي حلال أم حرام! هؤلاء الشباب هم وقود معركة بن لادن والورقة الرابحة التي يلعب بها، فهو قد أقنعهم بأنه وحده المؤهل للفتوى في شؤون الجهاد رغم جهله بالدين. ولكن أتباعه - وكما ذكرت من قبل - إما جاهل بدينه وإما منتفع بدنياه، وكان بن لادن يطرد على الدوام من يراجعه في أمور الدين أو حتى في أفكاره. ولهذا قال صاحبهم محمد خليل الحكايمة: (وإننا في هذا الصدد لنؤكد أن منظّرَي القاعدة ومفكّرَيها الأساسيَّين هما الشيخ أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري ولا أحد سواهما، وأن ما يصدر منهما من إصدارات وتوجيهات يمثل فكر القاعدة ومنهجها) من (مركز الفجر للإعلام) في 10/6/2007، وهو بهذا جعل (القاعدة) بلا غطاء شرعي وحمّلهما مسؤولية كل جرائم (القاعدة)، ولم ينضم الحكايمة إلى (القاعدة) إلا عام 2006، فهو لا يعرفها جيدا، كما لم ينضم الظواهري إليها إلا في شـهر 6/2001، أمـا مؤسـس (القاعـدة) الذي يعـرفها من الألف إلى الياء وهو أبو حفص المصري فقد قال: (لا رجال حول بن لادن، والقاعدة هي بن لادن فقط)، فما الظواهري إلا مجرد تابع. والحاصل أن بن لادن سيطر على عقول أتباعه لينفذوا ما يريده مقابل دخول الجنة ومنحهم رتبة (الشهيد) وهي أمور لا يملكها، ثم جعلوا من يخالفونهم خوَنة فَسَقة، فجعلوا الجنة مختصة بهم.
ومع تعذر تحريك أتباعه الأساسيين في السعودية واليمن لجأ بن لادن إلى تحريك الباكستانيين ومعظمهم عوام لا علم لهم بالدين وتغلب عليهم الحماسة والعاطفة - يكفي أنهم هتفوا لصدام حسين لما احتل الكويت لمجرد أنه قال إنه سيضرب إسرائيل بالسلاح الكيماوي المزدوج، وهل يهتف لصدام مسلم يعرف دينه - وتحريك الباكستانيين ضد أهداف هندية لنصرة كشمير شيء سهل، وهم لا يدرون أن سبب موتهم وقتلهم للآخرين ليست كشمير وإنما إرسال رسالة إلى الغرب للتفاوض مع بن لادن، تماما كما فعل فرعهم في الجزائر.
وبناء على ما سبق يمكن القول إن عملية مومباي قابلة للتكرار، خصوصا في البلاد التي لابن لادن فيها أتباع أو حلفاء، أو من السهل وصولهم إليها. بل إذا سمحت الفرصة - وسياسة (القاعدة) هي انتهاز الفرص - سيتكرر ما هو أشد من مومباي بسبب طول مدة الحرب وضيق الحصار على بن لادن، وحاجته إلى الخروج من هذه الورطة بالتفاوض المباشر مع أميركا ليحصل على شيء ولو سلامته الشخصية بعد كل الكوارث التي سّببتها جبهته المشؤومة منذ 1998.
وأي عملية ضد أهداف غربية (أوروبية أو أميركية) ترى (القاعدة) أنها تصب في مصلحتها وإن لم تنفذها بنفسها، لأنها تصب في الضغط من أجل التفاوض، ولهذا فقد حرصت (القاعدة) على نشر هذه الفكرة على أوسع مدى، ومن هذا: بث موقع أصولي على الإنترنت إرشادات عن كيفية الانضمام إلى (القاعدة) وتكوين خلايا سرية، وشرح موقع (الثابتون على العهد) الذي يديره محمد خليل الحكايمة... يوم 26 أغسطس (آب) الماضي (2007) كيفية تحديد الأهداف وإجراء الاستطلاع. وقال الموقع: (إن دورنا هو التحريض والدعوة إلى الجهاد، ودور المسلمين هو اختيار الهدف... لا حاجة بك إلى لقاء جهادي آخر لتصبح أنت الآخر مثله... تخيل أن [القاعدة] غير موجودة وتريد الانضمام إلى حركة الجهاد العالمي فما عليك إلا أن تتخير الشباب الصغير السن... لتكوين خلية صغيرة العدد... وأن يعتبر أمير الخلية نفسه أسامة بن لادن بالنسبة إلى بقية الأعضاء من جهة وضع الأهداف)... واستعمل الحكايمة لغة التحريض وهو يحث زوار موقعه على العنف وتساءل: (ما الفرق بينكم وبين محمد عطا زعيم الانتحاريين في هجمات سبتمبر [أيلول]؟) ([الشرق الأوسط] 2/9/2007 ص11). وهذا الكلام هو نفس ما ذكرته في (رابعا) بالفصل الأول من أن (القاعدة) من أجل حل معادلتها الصعبة (أطماع ضخمة وقدرات محدودة) تحاول تحريك الجماهير لتخوض المعارك بالنيابة عنها منذ إعلان جبهتهم المشؤومة في 1998 وهنا الحكايمة يحاول نشر الخلايا الصغيرة لإزعاج الغرب ليتفاوض مع بن لادن فيأمر هذه الخلايا بالسكوت. ومعظم ضحاياهم من المسلمين، حتى إنهم لما قتلوا فرنسيين في السعودية عام 2007، اتضح أنهم مسلمون فرنسيون جاءوا للعمرة. ولهذا فقد قلت في (وثيقة ترشيد العمل الجهادي) إن الجنسية ليست دليل كفر أو إيمان أو استحلال دم ومال، وإنما هي للتعريف بخلاف ما يقوله الجهال أمثال بن لادن والظواهري.
إلا أن هذه الخلايا التي حرّض الحكايمة على تكوينها لا تستطيع تنفيذ عمليات ضخمة مثل مومباي، وإنما غايتها تنفيذ فرقعات للإزعاج. أما عملية مومباي فهي - مثل عملية 11/9 - تحتاج عددا كبيرا نحو ثلاثين فردا ويستغرق الإعداد لها من سنة إلى سنتين، ابتداء من:
- اختيار الهدف المناسب (ضخم، ضعيف الحماية، به أجانب غربيون...).
- إلى الاستطلاع والتصوير.
- إلى التخطيط للعملية.
- إلى اختيار المنفذين المناسبين (من ناحية السن ومعرفتهم باللغة والمكان).
- إلى تدريب المنفذين المهاجمين.
- إلى تجهيز مسرح العمليات.
- إلى التمويه والتنفيذ، وغالبا لا يوجد انسحاب (عملية انتحارية).
هذا يحتاج من سنة إلى سنتين، ولهذا يمكن القول بأن عملية مومباي بدأت كفكرة في النصف الأول من 2007م. ويلاحظ أيضا أن مومباي 2008 هي تكرار موسع لعمليات قديمة سبقت في مومباي، ومن العمليات القديمة تستخلص الدروس المستفادة لتحقق العملية الجديدة أهدافها، وهذا هو نفس ما حدث في تفجير أبراج مركز التجارة العالمي في نيويورك في 11/9/2001، فهو تكرار لما قام به نفس الشخص (خالد شيخ محمد) عام 1993 ولكن بصورة محدودة استفاد منها في تضخيم 11/9 لإيقاع أكبر عدد من القتلى.
و(القاعدة) لديها في أرشيفها أهداف غربية كثيرة في بلدان متعددة جرى استطلاعها من قبل، ابتداء من نيروبي في 1993، ولهذا قلت إن عملية مومباي يمكن أن تتكرر - إذا جاءت الفرصة - في أي مكان بالعالم؛ ألم يقل بن لادن عندما أعلن جبهته المشؤومة في 1998: (قتل الأميركان وحلفائهم مدنيين وعسكريين فرض عين على كل مسلم أمكنه ذلك في كل بلد تيسر فيه)؟ (من صحيفة [القدس العربي] 23/2/1998م). فهو قد جعل كل البلاد ساحة لقتل الأميركان وحلفائهم ولا يفرق بين مدني وعسكري».





 
رد: مستقبل الصراع في أفغانستان

مستقبل الصراع في أفغانستان (الحلقة الثامنة) : الدكتور فضل: ورطة بن لادن في رفض أميركا طلبه الهدنة


news1.555254.jpg



أدرك بن لادن أن حساباته كلها كانت خاطئة، وتوقعاته لم تحدث، وهو نفسه تحول إلى ورقة سياسية ومجرد فزّاعة، وقد طال عليه الحصار، خصوصا أن هناك تعليمات صريحة بقتله إذا أوشكت أميركا أن تأسره، ليموت وتموت معه أسرار اللعبة الخبيثة التي يلعبها، فأراد أن يخرج من الحصار والتهديد وينعم بالأمن والاستقرار الذي حَرَم منه الآخرين فعرض الهدنة على أميركا ليخرج من ورطته.
يستكمل الدكتور فضل حديثه عن ورطة بن لادن وعلاقة «القاعدة» بعملية مومباي، وبعد أن تحدث عن أهدافها من هذه العملية ومدى إمكانية تكرار مثل هذه العمليات، يختتم حديثه قائلا: «قام السودان بطرد الظواهري في 1995 وبن لادن في 1996 بسبب الضغوط عليه، فذهبا إلى أفغانستان وهناك مارسا نفس الدور وتحولا من أوراق في يد السودان إلى أوراق غير رسمية في يد باكستان (نَمرين) لتخويف أميركا والهند وغيرهما، ولتحقيق مصالحها الخاصة كما ذكرت في الفصل الرابع. ومعلوم العلاقة الوثيقة بين المخابرات الباكستانية وبين طالبان و(القاعدة) والجماعات الكشميرية. وقد عقد بن لادن مع هذه المخابرات اتفاقا قبل 11/9 وهو مقيم في أفغانستان. فهذه الأربعة تشكل أضلاع مربع، وبينها تداخل وثيق، ولكنها ليست شيئا واحدا.. فلكل منها أجندته الخاصة. ولأنها أوراق غير رسمية فمن الممكن أن تنفي باكستان صلتها بها، ومن الممكن أن تضيق عليها أو تضربها أحيانا، فقد سلمت باكستان لأميركا بعد 11/9 أكثر من خمسمائة شخص وشكرتها أميركا، ثم اكتشفت أميركا أن معظم هؤلاء ليست لهم صلة (بالقاعدة) وليسوا من المهمين. وأميركا اكتشفت أيضا أن باكستان تراوغها ولهذا لجأت إلى القيام بعمليات بمفردها داخل باكستان. مع العلم بأن المخابرات الباكستانية شيء وحكومة باكستان شيء آخر، فالمخابرات هي الحاكم الفعلي والحكومة واجهة دبلوماسية.
كان كثير من الشباب الباكستاني قد انضموا لـ(القاعدة) مباشرة، لا عن طريق الجماعات الباكستانية أو الكشميرية التي كانوا لا يثقون فيها لأنها تحت سلطة المخابرات (ISI). ولهذا فمن الجائز أن منفذي عملية مومباي لم تكن لهم أي صلة لا بحكومة باكستان ولا بالمخابرات الباكستانية، وإنما صلتهم بـ(القاعدة) إما مباشرة عن طريق أحد المهاجمين الذين قُتلوا، وإما عن طريق وسيط.
واستبعد أن تنفذها جماعة كشميرية لحساب نفسها لأنها ستحسب على المخابرات الباكستانية التي لا أظن أن تغامر بمثل عملية مومباي. في بيشاور عام 1991م.. ذهب أحد المجاهدين العرب لاستطلاع خط القتال في كشمير، بين باكستان والهند، وهو الأخ أبو فراس السوري (ضابط سابق في الجيش السوري) وبعدما عاد قال لي: (لا يمكن أن تطلق رصاصة واحدة هناك إلا بعلم وإذن المخابرات الباكستانية، وأن أحد الضباط الباكستانيين هناك قال إنهم يقدرون خطورة طلقة واحدة).
وبعد عملية مومباي أبدت حكومة باكستان استعدادها للتعاون مع الهند في التحقيقات، إلا أنها احتفظت بأهم ورقة وهي رفضها تسليم أحد من المشتبه فيهم للهند، وإن أدى ذلك إلى حرب بينهما، بل رفضت أن يستجوبهم محققون بريطانيون. فباكستان رفضت أي اتصال بين المشتبه فيهم والهنود أو البريطانيين، لأن ذلك قد يؤدي إلى كشف كل الأوراق وكل أضلاع المربع المتداخلة (مخابرات باكستان وتنظيمات كشمير وطالبان و[القاعدة]). قال وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي: (حتى لو ثبتت التهم الهندية في حقهم لن نسلمهم للهند، سنحاكمهم بأنفسنا بموجب القانون الباكستاني... إننا لا نريد الحرب لكننا مستعدون تماما في حال فرضت علينا). (من [الشرق الأوسط] 10/12/2008 ص10)».
ويتساءل فضل لماذا طلب بن لادن الهدنة من أميركا؟ ويحاول أن يجيب قائلا: «خرج أسامة بن لادن عام 1992 من السعودية وهو عازم على معارضتها وأقام في السودان يصدر بيانات الهجوم والتحريض ضد السعودية، ولما قرر السودان إبعاده عام 1996 تراجع وأرسل رسالة اعتذار عما فعله للسلطات السعودية فلم تقبل اعتذاره ولم ترحب بعودته إليها، فذهب إلى أفغانستان.
وهذا هو نفس ما يفعله اليوم مع أميركا، تمادى في الصدام معها حتى حطم كثيرا من قواعد الدين نفسه ليستحل قتل أكبر عدد من الأميركان وغيرهم من المسلمين وغير المسلمين، ولما وصل إلى طريق مسدود واكتشف أن كل حساباته كانت خاطئة ولم يتحقق ما أراده من الصدام، أراد أن يتراجع فطلب هدنة من أميركا، هذا هو سبب طلبه الهدنة إجمالا، وبشيء من التفصيل:
1- توقع بن لادن أن تنهار أميركا وتهزم سريعا، وكان يردد دائما أن أميركا ضعيفة جدًا - كما كان يصف النظام السعودي بذلك أيضا - وكان تقديره أن أميركا لن تأخذ في يده (غَلْوَة)، وستركع أمامه وتنفذ مطالبه بعد عمليتين أو ثلاث، خصوصا بعد 11/9، ولم يحدث ما توقعه فما زالت أميركا تحارب في أكثر من جبهة لسبع سنين (2001 - 2008)، فكانت توقعاته خيالية وحساباته خاطئة، ودفع ثمنها المسلمون قبل غيرهم قتلا وخرابا.
2- لم يتوقع بن لادن أن تحتل أميركا أفغانستان عقب 11/9، ولكنها احتلتها، ولم يستطع منعها، ولم يتصدوا لها كما كانوا يتمنونه منذ أيام الصومال 1993، ولم يستطع حماية تنظيمه ولا الدفاع عنه ولا عن طالبان وأفغانستان التي آوته، بل هربوا جميعهم هروبا مهينا، وكان في هذا على النقيض تماما من حزب الله الذي ينتقده كما ذكرت في التمهيد في أول هذا الفصل، وفشل بن لادن و(القاعدة) في كل ما نجح فيه حزب الله.
3- توقع بن لادن أن تثور الأمة بعد أحداث 11/9، وتحقق أهداف بن لادن التي عجز عن تحقيقها بقدراته الذاتية، بحسب النظرية التي اخترعوها وذكرها الظواهري في ص193 من كتابه (فرسان)، قال: (إن الجماهير لكي تتحرك تحتاج إلى قيادة... وعدو واضح... وكسر قيد الخوف). فالقيادة: بن لادن، والعدو: أميركا وإسرائيل، وكسر قيد الخوف: بعمليات (القاعدة). وبعد ذلك يجب أن تتحرك الجماهير لتخوض حرب وكالة بالنيابة عن بن لادن، الذي قال لهم: (يا أمة الإسلام ثوري على الظلم والطغيان)، و(أصدر بن لادن بيانا لتحريض الأمة على الجهاد لتحرير الكعبة والمسجد الأقصى). وقال الظواهري في ص193 من كتابه (التبرئة) (تستعيد الأمة أملها في العزة وثقتها في نفسها وتبدأ في المشاركة في التصدي للظلم والظالمين، وكنا نتوقع وهو ما حدث اليوم بالضبط)، أي أن دورهم هو دور السمسار والمقاول الذي يريد أن يكسب من إمكانيات غيره. إلا أن الذي حدث كان عكس ما توقعوه تماما، فأرادوا التراجع بطلب الهدنة من أميركا. فالذي حدث أن الجماهير انقلبت عليهم وساعدت أميركا ضدهم:
* ففي أفغانستان: مع بدء الغزو الأميركي لها في 7/10/2001 بسبب أحداث 11/9، تعاون بعض الأفغان مع أميركا ضدهم، لأنهم رأوا أن (القاعدة) والعرب هم سبب الاحتلال، فوضعوا الشرائح التي ترشد الطائرات الأميركية إلى أماكن وجود العرب، وبهذا قتل أبو حفص المصري ومئات غيره، كما أسروا من أمكنهم أسره من العرب وباعوهم لأميركا الفرد بخمسة وعشرين ألف دولار أو أكثر، وقام عبد الرشيد دوستم (القائد الشمالي، حليف أحمد شاه مسعود) وحده بأسر مائة من العرب وسلمهم لأميركا ثأرا لقتلهم مسعود في 9/9/2001.
* وفي العراق: تعاون السنة مع (القاعدة) في التصدي لأميركا، ثم انقلبوا عليهم وقتلوهم وطردوهم لما رأوا بشاعة إجرامهم، وأنهم يقتلون أهل العراق لا أميركا.
* وفي السعودية: هلل الناس في البداية لابن لادن، فلما وصلتهم هداياه بدءا من تفجيرات الرياض 2003، انقلبوا عليه وأرشدوا السلطات عن أتباعه.
* وفي وزيرستان: لما حل الخراب فيها بسبب وجود (القاعدة) تعاون بعض السكان مع أميركا ضدهم، وبهذه الطريقة تصطادهم الطائرات الأميركية فردا فردا. وهم لا يجرؤون على الظهور في أفغانستان للجهاد، لأن مصيرهم البيع لأميركا بعدما يأسرهم الناقمون عليهم من الأفغان.
الشعوب والجماهير التي يريد بن لادن والظواهري أن يحركاها لتجاهد بالنيابة عنهما ليست غبية، وتميز بين من يعمل لمصلحتها ومن يؤذيها. لقد قتلت (القاعدة) من المسلمين إما مباشرة أو بالتسبب ما لم تقتلهم أميركا أو إسرائيل على مدى ستين سنة (1948 - 2008)، أو نصارى الصرب في البوسنة (1992 - 1995) مجتمعين. بدءا من تفجيرات نيروبي بعد إعلان جبهتهم المشؤومة في 1998 وإلى الآن (آخر 2008). أحد العراقيين قاتل مع (القاعدة) ضد أميركا ثم قاتل (القاعدة) واسمه (عمر ناصف - 32 سنة) تحدث عن سبب تحوله هذا فقال: (رأيت أحد عناصر [القاعدة] يقطع رأس طفلة تبلغ الثامنة من العمر بأم عيني، نريد الدعم الأميركي لأننا نقاتل التنظيم الأكثر شرا في العالم هنا). (من [الشرق الأوسط] 6/9/2007 ص12)، وهذا مجرد مثال. فتحركت الجماهير ضد (القاعدة) لا معها.
فلما خاب ظن بن لادن ولم تتحرك الجماهير، كما توقع، تراجع وأراد أن يحل مشكلته مع أميركا فطلب منها الهدنة الطويلة لينعم فيها بالأمن والاستقرار، كما سبق كلامه في (أولا) من هذا الفصل، بعدما ملأ العالم كله قتلا ودمارا وحرم شعوبا بأكملها من الأمن عاد بن لادن ليبحث لنفسه عن الأمن والاستقرار بعد أقل من عشر سنين من إعلانه جبهته المشؤومة.
1- وطلب بن لادن الهدنة أيضا: لأن عملياته الاستعراضية وتهديده باستعمال أسلحة الدمار الشامل لم تفلح في تضخيم صورته أمام العدو الذي اكتشف - هو والعالم كله - أن (القاعدة) ما هو إلا تنظيم إزعاج لا إنجاز. ولو حصل على أسلحة دمار شامل فلن يتردد في استعمالها والاستعراض بها، فقد حطم بن لادن كل قواعد الدين التي تمنع من ذلك.
2- وطلب بن لادن الهدنة: لأن تنظيمه قد تحطم بسبب مغامرة 11/9، فرأس التنظيم رهينة لدى باكستان، والجهاز العصبي للتنظيم (المدربون والإداريون) رهينة في يد إيران، وجسد التنظيم أصابه الشلل في السعودية.
3- وطلب بن لادن الهدنة: لأنه فقد الملاذ الآمن في أفغانستان عقب 11/9، والملاذ البديل في وزيرستان أصبح مهددا.
4- وتم ضرب المصدر البشري والمالي الأول لابن لادن في السعودية.
5- وتحول تنظيم القاعدة إلى ورقة سياسية تستغلها دول يكفرونها (مثل إيران وسورية كما سبق في الفصل الثالث) لتحقيق مصالحها الخاصة».
وعن دلالات طلب بن لادن الهدنة مع أميركا يقول فضل: «إن طلب بن لادن الهدنة ينسف كل ما قرره بشأن الجهاد منذ إعلانه جبهته المشؤومة التي سماها (الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين) في 1998، فطلب الهدنة يعني:
1- أن تأسيس هذه الجبهة كان لمجرد الشهرة والاستعراض، فإنها لم تصمد ثمان سنين (1998 - 2006) حتى تبنى بن لادن الهدنة التي هي على النقيض تماما من أهداف جبهته التي لم ينجز منها شيئا (جهاد اليهود والصليبيين). فقد هربوا من أمام جنود الصليبيين وتخصصوا في قتل المدنيين الضعفاء للاستعراض ولصنع بطولات رخيصة من دماء الضعفاء. وقد اشتد شر اليهود وأميركا كثيرا عما كانوا عليه عام 1998، فاحتلت أميركا أفغانستان والعراق، وقتلت وأسرت الآلاف من تنظيمه (القاعدة) ومن الأفغان والعراقيين وغيرهم، وقتلت المدنيين بلا هوادة في تلك البلاد، وقامت بتجريم المقاومة في فلسطين، وأعلنت يهودية دولة إسرائيل. فابن لادن أعلن عليها الحرب عام 1998، فلما اشتد عدوانها على المسلمين طلب منها الهدنة، لماذا؟ لأن الأمر ليس أمر دين وجهاد - وإن رفعوا هذه الشعارات - وإنما هو أمر سياسة وشهرة وزعامة. وقد ذكرت في آخر الفصل الثالث أنه منذ أعلن بن لادن جبهته الاستعراضية عام 1998: قدم أعظم الخدمات لأميركا وإسرائيل وإيران وسورية، وسبب أعظم الضرر للمسلمين في كل أنحاء العالم.
2- وطلب الهدنة يعني أن بن لادن أخطأ عندما أفتى بأن جهادهم فرض عين وقتما أسس جبهته. إذ كيف يتراجع عن فرض العين ويطلب الهدنة بعدما ازداد عدوان اليهود والصليبيين على المسلمين. فعندما أعلن جبهته المشؤومة عام 1998 أفتى بأن (قتل الأميركان وحلفائهم، مدنيين وعسكريين، فرض عين على كل مسلم أمكنه ذلك في كل بلد تيسر فيه)، (دليل الحركات الإسلامية - ص85). فكيف يكون جهاد أميركا فرض عين عام 1998، ثم يطلب منها الهدنة بعدما تحتل بلدين من بلدان المسلمين (أفغانستان والعراق) وتقتل أهلهما؟
3- وإذا كان الجهاد فرض عين كما قرره بن لادن ثم أراد أن يتخلى عند بالهدنة فيلزمه حكم التفسيق الذي حكم به على تاركي الجهاد من المشايخ، ويلزم أيضا أن المشايخ كانوا أبعد منه نظرا، وأفقه في الدين، عندما تركوا ما لا طاقة لهم به ولم يخوضوا في بحار الدماء والخراب التي خاض فيها بن لادن بكل أوزارها. قال بن لادن: (كل من يقعد عن الجهاد بغير عذر وصفه في القرآن ظاهر بيّن إنه [الفسق]، الذين يرضون بالقعود مع الخوالف هم لا يفقهون.. وإن أخذوا أكبر الشهادات من أفضل الجامعات، وهم لا يعلمون وإن وجهت إليهم كل أسئلة الفتاوى). وقال بن لادن أيضا: (تجد شابا يأتيك مسرورا أنه التقى الشيخ الفلاني من أئمة الحرم، ما ينبغي أن تبتسم في وجه هذا الفاسق الذي يضل الأمة بأسرها، فإذا لم يحصل هذا الفهم في الصحوة لن نصل إلى مرادنا لإقامة الحق). (ص8 و13 من رسالة [توجيهات منهجية - 1] من موقع: [منبر التوحيد والجهاد]).
بمثل هذا الكلام قام بن لادن بغسل عقول الشباب، فعزلهم عن المشايخ وحصر الفتوى في نفسه، رغم جهله بالدين، (شيوخ الجهاد والجبال والثغور الذين هربوا من أمام جنود أميركا)، فتجرأ الشباب على المشايخ حتى قتلوا كثيرا من أئمة المساجد في العراق، وقتلوا أحد المشايخ في السعودية. ثم تراجع بن لادن عن الجهاد وطلب الهدنة من أميركا لينعم بالأمن والاستقرار.
4- ولماذا يطلب بن لادن الهدنة وهو الذي وصف من يلقي السلاح أمام أميركا بالجهل والنفاق؟ ألا يكون بطلبه الهدنة قد حكم على نفسه بالجهل والنفاق والفسق الذي رمى به المشايخ من قبل؟ قال بن لادن: (فيوم أن تتخذ الولايات المتحدة الأميركية قرارا صادقا بإلقاء الحروب في العالم فهي تعلم قبل غيرها أن ذلك اليوم هو بداية تفكك ولاياتها وانهيارها... فاحذروا كل دعوة لإلقاء السلاح تحت اسم الدعوة للسلام، لأنها في الحقيقة دعوة لتخذيلنا واستسلامنا، ولا يروج لمثل هذه الدعوات إلا جاهل أو منافق). (من كلمته في قناة [الجزيرة] في 4/1/2004)، وبعد عامين من كلامه هذا دعا إلى إلقاء السلاح لينعم بالأمن والاستقرار بطلبه الهدنة في 2006، أليس بهذا قد حكم على نفسه بالجهل والنفاق؟
5- ولماذا يطلب بن لادن الهدنة مع أميركا قبل أن يتحقق الأمن في فلسطين، بل بعدما ازداد شر إسرائيل في فلسطين؟ أليس هو القائل: (أقسم بالله العظيم الذي رفع السماء بلا عمد لن تحلم أميركا ولا من يعيش في أميركا بالأمن قبل أن نعيشه واقعا في فلسطين، وقبل أن تخرج جميع الجيوش الكافرة من أرض محمد صلى الله عليه وسلم). (من كلمته في قناة [الجزيرة] 7 و22/10/2001). هذا كلامه في 2001، فلماذا يعرض الهدنة على أميركا في 2006 ويطلب الأمن لنفسه قبل أن يتحقق الأمن في فلسطين؟ فقضية فلسطين هي مسألة شعارات عند بن لادن كما هو الحال عند بعض حكام الدول وبعض الجماعات الإسلامية التي تعيش وتأكل وتنمو على حساب فلسطين. وقال تابعه، الظواهري: (إن قضية فلسطين هي القضية التي تلهب مشاعر الأمة المسلمة منذ خمسين عاما). (ص182 من كتابه [فرسان])، ففلسطين ضحيتهم التي أكلوا بها، والمهم أمنهم بطلب الهدنة لا أمن فلسطين الجريحة.
أليس بن لادن هو القائل أيضا: (الذين يفرقون بين أميركا وإسرائيل هم أعداء حقيقيون للأمة، هم خونة خانوا الله ورسوله، خانوا أمتهم وخانوا أماناتهم، يخدرون الأمة). (من كلمته في 4/11/2001 نقلا عن [دليل الحركات الإسلامية]). وهو الذي فرق بين أميركا وإسرائيل وحكم على نفسه بأنه من الخونة عندما عرض الهدنة على أميركا بينما تعيث إسرائيل في فلسطين فسادا.
6- وإذا كانت الهدنة مع أميركا جائزة، فالذين انتقدوا أعمال بن لادن و(القاعدة) لم يكونوا خونة يخدمون أميركا ويضرون المجاهدين، كما زعم بن لادن، والظواهري في (التبرئة)، وصاحبهم مؤلف (إدارة التوحش) عندما اتهم من ينتقدهم بأنهم خونة و(أن ما يقومون به يصب في مصلحة أميركا ويضر إضرارا بليغا بالمجاهدين الذين يقفون في وجه عدوانها) (ص7 من كتابه [الخونة]). وهو كاذب في كلامه هذا، فقد هربوا من أمام جنود أميركا وتركوا مهمة جهادهم لطالبان، أما بن لادن و(القاعدة) فتخصصوا في قتل المدنيين الضعفاء للاستعراض وصنع البطولات الرخيصة من دماء الأبرياء، ثم عرضوا الهدنة على أميركا.
بن لادن والظواهري و(القاعدة) ومشجعوهم لديهم مجموعة من القمصان لإرهاب من ينتقدهم، فمنها قميص الجهاد، وفلسطين، ومحاربة أميركا وإسرائيل، وغيرها. وفي النهاية رفعوا الراية البيضاء (قميص الهدنة والتفاوض) أمام أميركا لينعموا بالأمن والاستقرار بعدما خابت توقعاتهم كلها.
7- وإذا كانت الهدنة جائزة لابن لادن مع أميركا، وهو في الملاذ الآمن يصول ويجول هو والظواهري في فضاء الإنترنت، فلماذا يحرمون الهدنة على غيرهم ممن هم في أتون الحرب ويصطلون بنارها يوميا ويتهمونهم بالخيانة؟ كأهل فلسطين مع اليهود، وأهل العراق مع أميركا. لماذا يحلون الهدنة لأنفسهم ويحرمونها على غيرهم؟ في أي دين هذا؟
8- وإذا كانت الهدنة جائزة مع أميركا بعدما اشتد عدوانها على المسلمين، فقد كانت تفجيرات 11/9 الاستعراضية خطأ ولم تكن ضرورة، خصوصا أنها لم تتم إلا بمخالفة أحكام الشريعة من عصيان الأمير (محمد عمر) وخيانته، والغدر بالعدو، مع ما جلبته من الكوارث على المسلمين. إذ كيف تكون أحداث 11/9 ضرورة وتتراجع عنها بالهدنة؟
9- وإذا كان استعراض 11/9 خطأ، فينبغي الاعتذار لطالبان وللشعب الأفغاني، خصوصا أن 11/9 تسببت في إسقاط حكومة طالبان، واحتلال أميركا أفغانستان، وقتل الشعب الأفغاني وتشريده. والعجيب أن بن لادن اعتذر عن مقتل مسلمين في هجمات يشنها تنظيمه (القاعدة) في العراق، وإن اعتبرها مجرد سقطات إلا أنه لم يعتذر لأفغانستان بعد سبع سنين من جريمته في حقها، لأنه يعلم أن هذا الاعتذار ينسف أعظم أمجادهم التي تغنوا بها (جرائم نيويورك وواشنطن اللامباركة). والاعتذار عنها يعني أنه أساء التقدير وغرر بالشباب ولا يصلح لقيادتهم ولا لزعامة الأمة الإسلامية التي يريدها. والاعتذار عن 11/9 يعني أن المنفذين لم يكونوا شهداء كما ظنوا، وهذه هي الحقيقة، فهم أهل غدر وكبائر. والاعتذار للأفغان يعني أن بن لادن يجب أن يدفع لهم التعويضات والغرامات الحربية التي تعصف بثروته وثروة أسرته كلها.
10- وإذا كانت الهدنة جائزة مع أميركا بعدما اشتد عدوانها، فهذا يعني أنه لم تكن ضرورة للصدام معها قبل ذلك، وأن بن لادن غرر بالشباب ودفعهم لصدام هو مستعد للتنازل عنه بالهدنة. وإذا جاز ذلك له لينعم بالأمن والاستقرار فلماذا أرسل الخاطفين ليفجرهم في أميركا في 11/9 من دون إذن أهاليهم، ومنهم خمسة عشر شابا سعوديا؟ هذا سؤال ينبغي أن يسأله أهالي هؤلاء الشباب لابن لادن: لماذا ضحى بأولاد الناس وضنّ بأولاده في مواجهات هو مستعد للتخلي عنها بالهدنة؟ أرسل بن لادن أولاده إلى الملاذ الآمن، وأرسل أولاد الناس يفجرهم في أميركا والعراق في مقابل الجنة. لماذا حَرَم نفسه وأولاده من الجنة التي وَعَد الشباب بها؟ وإذا كان قد قرر من قبل أن الجهاد فرض عين وتاركه فاسق، فلماذا يجعل نفسه وأولاده فساق بترك الجهاد؟ ويجعلهم جهالا ومنافقين كما حكم بنفسه؟
ولماذا لم يتبع بن لادن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فيفجر بعض أولاده في 11/9، كما قدم النبي صلى الله عليه وسلم أهل بيته للمبارزة في أول معركة بينه وبين كفار مكة؟ ولأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له أولاد فقد قدم عمه حمزة وأولاد أعمامه: على بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث، وقتل فيها عبيدة رضي الله عنه. وقد قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب21)، لماذا لم يتبع بن لادن السنة؟ ولماذا ضحى بأولاد الناس وضن بأولاده؟ ثم عاد يطلب الهدنة من عدوه (أميركا) بعدما اشتد عدوانها على المسلمين لينعم بالأمن والاستقرار، كما قال.
11- ولماذا يرفع بن لادن الراية البيضاء ويطلب الهدنة، وقد قال تابعه الظواهري: (إن هذا الواقع الفاسد لن يتغير باللين والمسالمة، ولن يتغير إلا بالقوة)، ووصف الظواهري أي وسيلة أخرى بأنها (سموم العجز والشلل). (من كتابه [التبرئة] ص193 و74)، وقد كشفت فساد فهمه الدين في مذكرة (التعرية). لقد انتقلوا من (القوة) إلى (الهدنة) لينعموا بالأمن والاستقرار.​
 
رد: مستقبل الصراع في أفغانستان

مستقبل الصراع في أفغانستان (الحلقة الأخيرة) : الدكتور فضل: لماذا أعجب بعض الناس بأعمال بن لادن؟


كان اختيار مجلة «فورين بوليسي» الأميركية لسيد إمام الشريف، الطبيب المصري الذي منحه فكره الجهادي لقبه الأشهر «الدكتور فضل»، في قائمة المفكرين المائة الأكثر تأثيرا في العالم لعام 2009، بمثابة تأكيد على دور الرجل الذي ينسب إليه الدستور الذي قام عليه تنظيم القاعدة من خلال كتابيه «العمدة في إعداد العدة» و«الجامع في طلب العلم الشريف»، وهو ما حاول جاهدا بعد مراجعاته الشهيرة التي انطلقت قبل أكثر من عامين إعادة مناقشة تلك الأفكار الجهادية التي زجت بالإسلام والمسلمين وراء قضبان تهمة تطاردهم أينما حلوا، وهي تهمة «الإرهاب».
جاهد الدكتور فضل في مراجعة أفكاره واجتهد في فضح أكاذيب «القاعدة» ورجلها الثاني، أيمن الظواهري، ونشرت له «الشرق الأوسط» «التعرية لكتاب التبرئة»، و«قميص غزة»، وتنفرد اليوم بنشر حلقات من أحدث كتبه، الذي جاء تحت عنوان «مستقبل الصراع بين طالبان وأميركا في أفغانستان»، والذي انتهى من كتابته قبل عام.
إن المطلوب هو القيادة والزعامة، وبن لادن والظواهري ورفاقهما هاربون لا دولة لهم ولا جيش معهم يخوض هذه المعارك، فلتكن الجماهير هي جيشهم، والجماهير تتحرك بالشعارات. هؤلاء هم «فهلوية الحركة الإسلامية»، وهم كأهل آخر الزمان الذين وصفهم النبي (صلى الله عليه وسلم) بقوله (في خِفّة الطير وأحلام السباع).
يبدأ الدكتور فضل حلقة اليوم من كتابه، برصد تراجعات الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، بعد أن ناقش في الحلقة السابقة تراجعات رجلها الأول وطلبه للهدنة من أميركا والغرب، ويقول الكاتب: «وإذا كان بن لادن قد تراجع خطوة من: الجهاد فرض عين ضد أميركا، إلى عرض الهدنة على أميركا، فقد تراجع أيمن الظواهري خطوات كثيرة:
فقد ظل موضوع (الحاكمية) هو محور اهتمام الظواهري لمدة ثلاثين سنة (1968 - 1998)، وقرر الصدام مع الحكومة المصرية، (وفي مقال له بنشرة «المجاهدين» في أبريل 1995 كتب مقالا بعنوان «الطريق إلى القدس يمر بالقاهرة» ورأى فيه أن «فتح القاهرة والجزائر أولا قبل قتال إسرائيل») من (دليل الحركات الإسلامية). وبالرغم من أنني نهيتهم عن هذا الصدام، فقد دفع الظواهري إخوانه لتنفيذ عمليات في مصر بأموال المخابرات السودانية، وقال الظواهري لإخوانه إنهم سيقاتلون في مصر حتى آخر رجل فيهم وآخر دولار معهم، ولكنه لم يفِ بما وعدهم، وهذا من خصال النفاق (إذا وعد أخلف)، وعندما طردهم السودان عام 1995 هرب إلى أفغانستان، ولم يقبل هو أو أخوه ما دفعوا إليه إخوانهم في مصر، فإذا كان الجهاد في مصر واجبا وهربوا منه فهم فُسّاق، وهذا هو حكم من يترك الجهاد الواجب. وإذا لم يكن هذا الجهاد واجبا فقد غشّوا إخوانهم ودفعوهم للمشانق والسجون في مصر في غير واجب، والغش أيضا فسق ومن الكبائر لقول النبي (صلى الله عليه وسلم) «من غشنا فليس منا» الحديث رواه مسلم.
ثم تخلى الظواهري بعد ذلك عن كل موضوع الحاكمية منذ التحق بابن لادن في جبهته المشؤومة عام 1998، وتخلى عن الجهاد في مصر، وبمجرد أن علم بسقوط أخيه في قبضة السلطات المصرية (أبلغ محامي الجماعات الإسلامية في مصر منتصر الزيات أواخر عام 2002 - حسب تصريحاته - بأنه لم يعد يضع في حسبانه تدبير أي أعمال عنف في مصر) من (دليل الحركات الإسلامية).
واكتشف الظواهري بعد ثلاثين سنة أن قتال العدو البعيد (أميركا) هو الواجب والأهم بعدما ملأ السجون والقبور بإخوانه في مصر، وقد غيّر مذهبه ليوافق هوى بن لادن وليحصل على الشعبية والجماهيرية التي يسعى إليها. فكتب الظواهري مقالات فيها (أميركا ووهم القوة... يا أمة الإسلام صفا واحدا في سبيل الله لجهاد أميركا... الوقت قد حان لمنازلة العدو البعيد) (دليل الحركات الإسلامية) ص86، ط الأهرام 2006.
وقال الظواهري - في بيان تخليه عن الحاكمية لصالح شعارات بن لادن (جهاد أميركا وإسرائيل) - في ص 182 - 184 من كتابه (فرسان) قال (لذا يجب على الحركة الجهادية أن تتخلى عن الاقتصار على خوض المعركة تحت شعار الحاكمية والولاء والبراء فقط، فإن هذه الشعارات وللأسف ليست مفهومة لدى جماهير الأمة التي لا تجد نفسها مستعدة للتضحية من أجل شعارات لا تفهمها... والشعار الذي تفهمه جماهير الأمة المسلمة جيدا وتتجاوب معه منذ خمسين عاما هو شعار الدعوة إلى جهاد إسرائيل... مع الدعوة لجهاد أميركا... إن الحقيقة التي يجب التسليم بها هي أن قضية فلسطين هي القضية التي تلهب مشاعر الأمة المسلمة منذ خمسين عاما... يجب علينا أن نؤكد على الأهمية البالغة لقضية تحرير الحرمين لدى الأمة المسلمة... إن هذه القضية سلاح ماض في يد الحركة الإسلامية المجاهدة... لذا يجب على الحركة الإسلامية المجاهدة أن ترفع شعار تحرير المقدسات الإسلامية الثلاثة: الكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف والمسجد الأقصى المبارك، بهذا تجتمع لها أزِمّة قيادة الأمة المسلمة وتلتف حولها قلوب المسلمين في بقاع الأرض). و(أزمة) جمع زمام.
فالذي يبحث عنه الظواهري وبن لادن هو (قيادة الأمة المسلمة) والتفاف الجماهير حولهم، والجماهير لا تفهم موضوع (الحاكمية والولاء والبراء) فيجب التخلي عنه ورفع الشعارات التي تلهب مشاعر الجماهير، وهي:
قضية فلسطين وجهاد إسرائيل وأميركا.
وتحرير المقدسات الإسلامية الثلاثة: الحرمين والمسجد الأقصى.
ولكن خاب ظنهم وساء تقديرهم فلم تتحرك الجماهير، ولم تهزم أميركا، ووجدوا أنفسهم ورقة ورهينة لدى المخابرات الباكستانية كما كانوا ورقة من قبل في يد المخابرات السودانية، فأرادوا الخروج من هذه الورطة بالتفاوض المباشر مع أميركا فرفعوا الراية البيضاء أمامها وعرضوا عليها الهدنة، كما رفع الظواهري الراية البيضاء أمام مصر من قبل بإعلانه (أنه لم يعد يضع في حسبانه تدبير أي أعمال عنف في مصر) وذلك خوفا على أخيه، والآن رفعوا الراية البيضاء أمام أميركا لينعموا بالأمن والاستقرار كما قال بن لادن لأميركا (ولا مانع لدينا من إجابتكم إلى هدنة طويلة الأمد بشروط عادلة، نفي بها، فنحن أمة حرّم الله علينا الغدر والكذب، لينعم في هذه الهدنة الطرفان بالأمن والاستقرار، ولنبني العراق وأفغانستان اللذين دمرتهما الحرب) (الحياة) 20/1/2006. بعدما وثق بهم مئات الشباب وسلّموهم أرواحهم ففجروهم في أميركا والعراق وغيرها، عادوا يبحثون عن الأمن والاستقرار لأنفسهم بالهدنة.
والصحيح أن الذي دمر أفغانستان والعراق مغامرات بن لادن والظواهري، هل كانت أفغانستان أو العراق محتلة قبل 11/9؟. والجواب: لا، بل بعده.
ومَن الذي فوّضهم ليتحدثوا باسم أفغانستان والعراق أو الأمة الإسلامية؟ وهل هذه شعوب من الحشرات، أو ناقصو الأهلية ليتحدث هؤلاء المقامرون نيابة عنهم؟.
كان الكافر في الجاهلية قبل الإسلام يقامر بما يملكه: بماله أو بناقته أو بعبده، وجاء الإسلام فحرّم القمار، ثم بعد أكثر من 1400 سنة جاء بن لادن ليفعل ما لم يفعله كفار الجاهلية، فقامر بما لا يملكه، ولم يقامر بناقة أو عبد، وإنما قامر بدولة كاملة بشعبها وأرضها وبدون إذن أهلها أو حكومتها التي آوته وحمته، وهي أفغانستان، فخسرها واحتلتها أميركا، والأفغان في ذهول مما يجري ولم يعلموا أن بن لادن قامر بهم بدون علمهم.
وقامر بن لادن بتنظيمه (القاعدة) بدون علمه أيضا فدمّره، ثم قامر بدماء العراقيين فسقط منهم مليون قتيل - كما سقط من الأفغان أكثر من مائة ألف قتيل - كل هذا ليُجبر أميركا على الهدنة والتفاوض معه. ثم قامر بدماء الإسبان والبريطانيين، ثم بدماء أهل الجزائر في تفجير 11/12/2007، ثم بدماء الهنود في عملية مومباي 26 - 29/11/2008 - على الراجح عندي - ليجبر أميركا والغرب على التفاوض معه ليخرج من ورطة الحصار الذي وقع فيه، وصار ورقة في يد الذين يحمونه والذين لديهم تعليمات بقتله في أي لحظة تقترب منه أميركا. كل هذا والظواهري يجري خلفه: يهلل له ويبرر له إجرامه، كما قال الظواهري (أكثر من نصف المعركة في الإعلام). يا ويلهم من غضب الله، كم من دماء سُفكت بسببهم، وكم من جرحى ومشردين ومهجّرين ويتامى وأرامل وبيوت خربت بسببهم».
يطرح فضل سؤالا مهما في هذا الجزء من كتابه، وهو: لماذا أعجب بعض الناس بأعمال بن لادن؟ ويجتهد الكاتب في الإجابة على سؤاله من خلال المحاور التالية:
جعل النبي (صلى الله عليه وسلم) (الجهاد ذروة سنام الإسلام)، ولكن ليس كل من جاهد فهو مُثاب وعلى خير، إلا أن يوافق جهاده أحكام الشريعة، فقد حكم النبي (صلى الله عليه وسلم) على مجاهد أنه في النار بسبب سرقته عباءة، وعلى آخر بأنه في النار أيضا - بالرغم من نكايته العظيمة في العدو - لأنه انتحر.
وقد فرّق النبي (صلى الله عليه وسلم) بين هذه الأصناف في قوله (الغزو غزوان: فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة وياسّر الشريك واجتنب الفساد: فإن نومه ونبهه أجر كله، وأما من غزا فخرا ورياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض: فإنه لم يرجع بالكفاف) رواه أحمد وأبو داود. وبن لادن داخل في الصنف الثاني فكل أعماله منذ أعلن جبهته المشؤومة في 1998 كلها معصية.
وما حمل بن لادن على الخيانة والغدر: انتهاز الفرصة وسهولة العملية من أجل الاستعراض الذي يحاول به حل المعادلة الصعبة الأولى التي ذكرتها في رابعا الفصل الأول: أطماع كبيرة يريد تحقيقها بقدرات ذاتية محدودة، فاغتنم كل فرصة تظهره ضخما، وتلاعب بأحكام الشريعة لتبرير مخالفاته لها.
وسهولة ارتكاب المعصية لا يحل ارتكابها، وإنما هذا أمر يبتلي الله به عباده، وقد ذكرته في البند التاسع من (وثيقة ترشيد العمل الجهادي)، ليعلم الله هل يكف العبد نفسه عن المعصية خوفا من الله أم يغتنم الفرصة. وهي مسألة (الابتلاء بتسهيل المعصية) وأدلتها كثيرة منها: قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ» (المائدة 94)، فابتلاهم بسهولة الصيد مع نهيه لهم عنه وهم حُرُم في الآية بعدها. ومنها تسهيل ارتكاب الفاحشة للنبي يوسف (عليه السلام) فكف نفسه عنها بتوفيق الله. ومنها أصحاب القرية من بني إسرائيل الذين نهاهم الله عن الصيد يوم السبت وسهّله لهم بامتلاء البحر بالأسماك في السبت، فالذين عصوا واصطادوا مسخهم الله قرودا (الأعراف 163 - 166). وهكذا فعل بن لادن: بحث عن كل الفرص السهلة المحرمة من أجل الشهرة والاستعراض، ولم يهتم بما تنطوي عليه من الخيانة والغدر وقتل الأبرياء، ثم هرب بن لادن وترك غيره يدفع ثمن غدره على نحو ما ذكرته في الفصل الثالث. وقدّم بمغامراته أعظم المكاسب لأميركا وإسرائيل وإيران وسورية، كما جلب أعظم الخسائر على المسلمين في كل مكان، فلم يقدم خيرا للإسلام لا في العلم ولا في العمل بل قام بتحريف الدين والإضرار بالمسلمين.
فإذا كان هذا هو حال بن لادن، فلماذا أُعجب بأعماله بعض الناس؟
والجواب: أنه إنما أعجب به من لا علم لهم بالدين بسبب الشبهة، وقد ذكرت من قبل أنه لا يتبع بن لادن إلا أحد رجلين: جاهل بدينه أو منتفع بدنياه، فجهلهم بالدين جعلهم لا يتفطنون لما في أعماله من مخالفات شرعية، والشبهة جعلتهم يعجبون بها. فما الشبهة؟
والجواب: الشبهة باطل يشبه الحق أو باطل مخلوط بشيء من الحق. وذلك لأن (الباطل لا يروج عند الناس إلا بخلطه بشيء من الحق)، فيصير الأمر ملتبسا ومشتبها. ومن ذلك ما روته السيدة عائشة (رضي الله عنها) قالت: سأل أناسٌ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الكُهان، فقال (ليسوا بشيء)، فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثوننا أحيانا بشيء فيكون حقا؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقُرُها في أذن وليّه فيخلطون معها مائة كذبة) الحديث متفق عليه. فسبب رواج أمر الكهان - مَن يدّعون معرفة الغيب - عند بعض الناس أنهم يخبرون بشيء من الحق يعرفونه من أوليائهم من الجن فيخلطون الحق بكذب كثير، فيصدقهم الناس بالحق القليل في كلامهم. وقد وردت الأحاديث بالنهي عن إتيانهم أو تصديقهم.
وكذلك سبب رواج أمر بن لادن عند بعض الناس: أنه ينادي بجهاد أميركا وهذا من الحق، ولكنه خلطه بباطل كثير وهي المخالفات الشرعية التي ارتكبها ليتوصل إلى ضرب أميركا، وبسبب هذا الجزء من الحق غض الناس الطرف عن مخالفاته للشريعة وعن جناياته على الإسلام والمسلمين. فكان حال هؤلاء المعجبين بابن لادن كحال الجياع الذي أطعمهم اللص من الحرام فشكروه وسكتوا عن سرقته، بل منهم من برر له السرقة، فالناس جياع لضرب أميركا والانتقام منها، وبن لادن أطعمهم ذلك ولكن بالحرام. وهذا المسلك إن جاز على مذهب (روبن هود) والصعاليك فإنه لا يجوز في دين الإسلام، فهو لص مستحق للعقوبة مهما تصدق، وصدقته غير مقبولة عند الله وإن فرح بها الجياع، لقول النبي (صلى الله عليه وسلم) (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا) الحديث رواه مسلم. وقد كان أشد الناس فرحا بابن لادن أشدهم جوعا وإحساسا بالقهر وهم كثير من سجناء الحركة الإسلامية، الذين نسوا كل مخالفات بن لادن للشريعة وكل ما جلبه على المسلمين من كوارث وهللوا له، وهذا هو حال بعض هؤلاء السجناء يبدأ أحدهم التزامه بالدين بتقديس الله وتعظيم شريعته، وينتهي به الحال إلى تقديس فرد ونسيان القضية الأساسية (تحكيم الشريعة). ولقد رأيت من هؤلاء من يهلل لمقتل جندي أميركي في أفغانستان أو العراق ويخرس إذا قُتل مائة أفغاني أو عراقي كأنهم حشرات. فما قولهم في بحث بن لادن عن الهدنة؟.
ولقد بلغ الجوع للانتقام من أميركا ببعض الناس في يومي هذا أن فرحوا وهللوا عندما رشق صحافي عراقي الرئيس الأميركي بوش الابن بحذاء (جزمة)، أي أن العراق - بعد أكثر من خمس سنين من الاحتلال الأميركي - تمخض فولد (جزمة).. يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.. أغاية فخركم فردتا (جزمة).
فائدة (التوصل إلى حق أو مباح بباطل: باطل):
ومثاله: الصدقة على الفقراء حق، فإذا توصل إليها بباطل (يسرق ليتصدق) فعمله باطل وهو آثم سارق يستحق قطع يده بشروطه.
ومثاله في الجهاد: هو حق، فإذا توصل إليه بباطل من غدر أو خيانة، فعمله باطل وهو خائن غادر، هذا هو حال بن لادن وكل من عاونه أو رضي بفعله.
وكل من توصل إلى حق بباطل، فعمله باطل مردود لا يقبله الله، كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم) (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم.
أميركا أجرمت في حق المسلمين، ويكفي تعهدها بضمان أمن إسرائيل الغاصبة لأرض المسلمين، ولكن الانتقام منها أو من غيرها من الأعداء بما حرّمته الشريعة من الوسائل: حرام ولا يجوز، بل إن هذا مما يجلب سخط الله ويسبب الهزيمة للمسلمين. وفي تفسير قول الله تعالى: «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ» (البقرة 190)، ذكر ابن كثير ما رواه الإمام أحمد عن حذيفة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال (إن قوما كانوا أهل ضعف ومسكنة، قاتلهم أهل تجبر وعداوة، فأظهر الله أهل الضعف عليهم فعمدوا إلى عدوهم فاستعملوهم وسلّطوهم، فأسخطوا الله عليهم إلى يوم القيامة) قال ابن كثير رحمه الله (هذا حديث حسن الإسناد، ومعناه أن هؤلاء الضعفاء لما قدروا على الأقوياء اعتدوا عليهم فاستعملوهم فيما لا يليق بهم أسخطوا الله عليهم بسبب هذا الاعتداء، والأحاديث والآثار في هذا كثير جدا) أ.هـ.
فائدة أخرى (لا يجوز اغتنام الفرصة للانتقام من العدو مع وجود المانع الشرعي) أرسل النبي (صلى الله عليه وسلم) حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) إلى معسكر أحزاب الكفار المحاصرين للمدينة في غزوة الخندق (الأحزاب) ليأتيه بخبرهم وقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) (ائتني بخبر القوم ولا تذعّرهم عَلَي)، فلما ذهب إليهم حذيفة قال (فرأيت أبا سفيان يَصلي ظهره بالنار، فوضعت سهما في كبد القوس، فأردت أن أرميه، فذكرت قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «ولا تذعّرهم علي»، لو رميته لأصبته) الحديث رواه مسلم (4658). وكان أبو سفيان هو زعيم جيوش الكفار في تلك الغزوة، ومعنى (يصلي) أي يدفئ، ومعنى (لا تذعرهم) أي لا تهيّجهم ولا تثرهم. فهنا جاءت الفرصة لحذيفة لقتل زعيم الكفار المحاصرين للمدينة، ولم يغتنم الفرصة - بالرغم من أنهم في حرب دفاعية مصيرية - فلم ينتهز الفرصة لوجود المانع الشرعي وهو نهي النبي (صلى الله عليه وسلم) له عن تهييج الكفار واستفزازهم. فلم ينتهز حذيفة الفرصة خشية العواقب.
أما بن لادن فجاءته الفرصة لضرب أميركا في 11/9، قدمها له خالد شيخ محمد، فانتهزها بالرغم من وجود الموانع الشرعية: ومنها نهي أميره الذي بايعه (الملا محمد عمر) عن الصدام مع أميركا (لا تذعَرهم عَلَي)، ومنها المخالفات الشرعية في عملية 11/9 (كالغدر وقتل من لا يجوز قتلهم). فلم يُبال بن لادن بهذا كله وانتهز الفرصة وذعّرهم فاحتلوا أفغانستان وأطاحوا بطالبان.
فانتهاز الفرصة للانتقام من العدو لا يجوز عند وجود المانع الشرعي، وهذا إن جاز على مذهب نيقولا ميكافيللي (ت1527م) وعلى مذهب بن لادن، فإنه لا يجوز في دين الإسلام، فالغاية لا تبرر الوسيلة.
استرداد كرامة الأمة:
الأمة لن تسترد كرامتها ولن تستعيد عزتها، بل لن تقوم لها قائمة لا بغدر بن لادن ولا بحذاء الصحافي العراقي وإنما بالعودة لاتباع تعاليم الإسلام ولا شيء غير ذلك، الإسلام الذي جاء به النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، لا إسلام بن لادن والظواهري اللذين أفسدا الدين. هذا كلام الله تعالى: «وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ» (آل عمران 139)، وقال تعالى: «مَن كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلَّهِ العِزَّةُ جَمِيعًا» (فاطر 10). وقال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) (إنكم كنتم أذل الناس وأحقر الناس وأقل الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العز بغيره يذلكم الله) ذكره ابن كثير في (البداية والنهاية) 7/64.
سيظل الناس يجربون نظريات الشرق والغرب وأفكار فلان وفلان - الذين يظنون أنهم يعرفون مصالح الناس أكثر من رب الناس - ويدفعون ثمن هذه التجارب: خسائر بعد خسائر وفساد، حتى يدركوا أنه لا نجاة ولا خلاص في الدنيا والآخرة إلا بالإسلام، قال تعالى: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ» (فصلت 53).
تذكير للمعجبين بأعمال بن لادن:
إذا انقشع الضباب من أمام أعينكم، وذهبت الغفلة والسّكرة، وعاد العقل والفكرة، فهناك أسئلة ينبغي أن توجهوها لهؤلاء المقامرين:
بن لادن والظواهري، بعدما تتخلصوا من عقدة روبن هود (اللص والجياع)، منها:
أ) أسئلة لابن لادن:
لماذا ضحيت بدولة طالبان التي وصفتها بأنها (تمثل راية الإسلام) من أجل شيء تراجعت عنه بطلب الهدنة من أميركا؟
لماذا ضحيت بأولاد الناس وضننت بأولادك في تفجيرات 11/9؟
لماذا أعلنت أن قتال أميركا فرض عين، وأن من يدعو إلى إلقاء السلاح معها جاهل ومنافق وفاسق، ثم عرضت عليها الهدنة بعدما اشتد شرها وبعدما احتلت بلدين للمسلمين وقتلت وسجنت الآلاف؟
لماذا تطلب الهدنة وأنت بالملاذ الآمن، وتحكم بالخيانة على من يطلبها من أهل العراق أو فلسطين وهم تحت النيران؟
لماذا...؟ لماذا...؟ لماذا...؟
ب) أسئلة للظواهري:
لماذا بعت إخوانك في جماعة الجهاد للمخابرات السودانية عام 1993 بدون علمهم؟
لماذا دفعت إخوانك للصدام بمصر من عام 1993، وهربت أنت وأخوك؟ وإذا كان الصدام في مصر واجبا لماذا هربتم من الجهاد الواجب؟ وإذا لم يكن واجبا فلماذا علّقت إخوانك على المشانق وحشرت بهم السجون في غير واجب؟
لماذا دفعت إخوانك للصدام بمصر، ثم تخليت عن موضوع الحاكمية كله منذ التحقت بجبهة بن لادن المشؤومة في 1998؟
لماذا أخبرت الحكومة المصرية بنبذك للعنف في مصر عام 2002 لما ظهر أخوك في السجون المصرية، ولم تخبرها قبل ذلك لماذا سجنت أولاد الناس؟
لماذا قررت أن قتل العدو البعيد (أميركا) هو الواجب، ثم هربت من أمامها إلى وزيرستان وعرضت عليها التفاوض بعدما احتلت بلدين؟
لماذا جعلتم الأمة الإسلامية حيوانات تجارب لأفكاركم التي تغيرونها كل فترة، وتتراجعون عنها بعد كل هزيمة؟
لماذا...؟ لماذا...؟ لماذا...؟
وبعد، فقد كانت هذه المسألة في بيان لماذا أُعجب بعض الناس بأعمال بن لادن بالرغم مما خالطها من المخالفات الشرعية وما جلبته من الاحتلال الأميركي والكوارث على المسلمين: إنها عقدة روبن هود (اللص والجياع)، ثم تدهور حال آخرين حتى فرحوا (بجزمة العراق). ولا عزة ولا كرامة إلا بالعودة إلى تعاليم الإسلام، قال تعالى: «وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ» (المنافقون 8).
 
عودة
أعلى