اللواء نبيل أبو النجا صاحب مهمه مستحيله فى قلب صفوف العدو + صور
حاوره: أحمد الشريف
تحتفل مصر هذه الأيام بالذكرى الـ37 لنصر أكتوبر المجيد على قوات العدو الإسرائيلي فى حرب 1973.
ولم تكن الحرب اشتباكات وخطط ومواجهات فقط، بل كانت أيضا قصصاً وحكايات أشبه بالخيال، وبطولات ستظل مضيئة للأبد تنير طريق الإنتماء والتضحية.
وبهذه المناسبة ينشر موقع "مصراوي"، أحد أروع القصص البطولية التي حدثت في حرب أكتوبر، والتي تنشر تفاصيلها بالكامل ..إنها قصة أبو النجا، البطل المصري الذى استطاع السير 70 كيلو مترًا خلف خطوط العدو، ومعه عدد من الجمال تحمل مؤنًا وذخيرة لكتيبة صاعقة في رأس سدر.
البطل المصري العميد نبيل أبوالنجا حمل روحه علي يديه وقاد المهمة المستحيلة بنجاح، ووصل بالجمال عندما تعذر الوصول بالطائرات أو المدرعات والعربات الحربية.
مهمة أبو النجا، كانت الوصول إلي رجال من قوات الصاعقة المصرية خلف خطوط العدو لإمدادهم بالمؤن.. خطورتها الحقيقية أن الحرب كانت علي أشدها أيام 10 و11 و12 أكتوبر عام 1973 وبدون غطاء.
فمن هو هذا البطل؟ وكيف استطاع إنجاز مهمته المستحيلة بنجاح ليسجل اسمه بحروف من نور في سجل أبطال أكتوبر؟
"مصراوي"التقى بالعميد نبيل أبوالنجا قائد المهمة المستحيلة والذي قال:"التحقت بالصاعقة في بداية شهر ديسمبر عام 1967 بعد التخرج من الكلية الحربية برتبة ملازم والتحقت بإحدي الكتائب ب"أنشاص"، وكانت قادمة توًا من رأس العين ببورسعيد، وهي أول وحدة مصرية تقوم بعمليات خاصة ضد قوات العدو شرق القناة بعد النكسة، وجدت نفسي وسط الرجال الذين يحملون علي صدورهم أنواط الشجاعة ويتحدثون عن عملية "رأس العش"بفخر، وكيف دمروا قوات العدو التي حاولت التقدم إلي مدينة بورفؤاد فشعرت بالفخر وأنا أنظر لهؤلاء الرجال وأنواط الشجاعة تتدلي علي صدورهم".
وأضاف أبوالنجا:"في الكتيبة كان الملازم أول فتحي عبدالله لا يفارقني، وهو من أبطال معركة رأس العش، كنت أستمع له في اعجاب وفخر وأحلم باليوم الذي سيتم تكليفي بعمليات مشابهة".
بعدها انتقل الضابط أبوالنجا إلي إحدي مجموعات الصاعقة بقيادة العقيد أركان الحرب السيد الشرقاوي الذي بهرت شخصيته ووطنيته وعلمه الضابط الشاب وكان الشرقاوي القدوة والمثل الأعلي في كل شيء، وعين أبوالنجا رئيساً لإحدي أفرع الإستطلاع بداية من شهر يناير عام 1973، وأصبح العمل يجري علي قدم وساق ويبذل الجميع كل جهد ممكن في التدريب إستعدادًا لمعركة الكرامة ويقول:"من أبرز سمات هذه الفترة التدريب الراقي المتقدم بإستخدام الذخيرة الحية، وتم إنشاء وحدة تدريب بوحدات الصاعقة التي كانت مكلفة بمهمة عمل الكمائن للعدو في الأراضي الجبلية".
ويضيف بقوله:"تلقت الكتيبة مهمة قتالية لتنفيذ الكمائن في المضائق الجبلية ضد قوات العدو المدرعة واستمر العمل ليل نهار في مناطق وعرة للغاية، وفي ظروف شاقة بإستخدام الذخيرة الحية، وعلي أهداف مشابهة تماما للمعركة المقبلة، وقد كان القادة علي مختلف المستويات يفكرون في كل شيء وفي أدق التفاصيل، وكان مُخططًا أن يدفع بالكتيبة خلف جبل عتاقة بمدينة السويس، علي أن يتم تجميع الكتيبة ليل الخامس من أكتوبر 1973.
في تمام الساعة الثانية وخمس دقائق بعد ظهر 6 أكتوبر، شعر الجميع بأن بركاناً من الحمم يصب علي الضفة الشرقية للقناة والطائرات المصرية تدك المواقع الإسرائيلية.
وعلي الفور أخذ قائد الكتيبة مهمته، وكانت علي النحو التالي في تمام الساعة الرابعة وعشر دقائق عصراً سيهبط عدد من طائرات الهيلكوبتر لتحمل الكتيبة، وتنقلها جواً إلي مضيق رأس سدر شرق القناة وبعمق من 50إلي 70 كيلو مترًا، تحت ستر مظلة جوية من نفس التوقيت، وتقوم الكتيبة بمجرد وصولها للمنطقة الجبلية للمضيق بتنظيم الكمائن من مدخل المضيق المواجه لرأس الطرف المواجهة لمنطقة صدر الحيطان، وذلك لتدمير اللواء المدرع الإسرائيلي ومنعه من التقدم بأي ثمن لإفساد مخطط دفع العدو لهذا اللواء المدرع عبر مضيق سدر لتوجيه ضربة إجهاض للجانب الأيمن للجيش الثالث الميداني.
وكان من ضمن المخطط أيضاً، على حد قول أبوالنجا، بقاء الكتيبة في مواقعها علي المضيق عقب تنفيذ المهمة وتدمير عناصر اللواء المدرع المعادي حتي يتم الإتصال بها عن طريق عناصر من أحد ألوية المشاة المصرية الذي يعمل علي الجانب الأيمن للجيش الثالث الميداني.
وأثناء تتبع أخبار العبور العظيم من الراديو هبطت عدداً من طائرات الهيلكوبتر، لحمل قوات الصاعقة في المكان والتوقيت المحددين، وتعالت الهتافات وبلغت الروح المعنوية عنان السماء، وأقلعت الطائرات الهيلكوبتر التي تحمل قوات الصاعقة لتنفيذ المهمة، وأصدر العقيد سيد الشرقاوي، تعليمات بضرورة تحقيق الاتصال برجال الكتيبة الذين وصلوا بنجاح لمضيق سدر والعمل علي إمدادهم بالمؤن والذخيرة وذلك عن طريق طائرتي هيلكوبتر جهزتا لهذا الغرض.
كانت العملية انتحارية بالفعل لأنها تتم في عمق العدو لكن لم يكن هناك مفر من إتمامها، وقتها اقترح العقيد نبيل شكري مصطفي، دفع دورية بالجمال يتراوح عددها بين 15إلى 20 جملاًَ، محملة بالمؤن والذخيرة بعد تعثر إستخدام الطائرات الهيلكوبتر، وتتوغل الجمال في عمق العدو لمسافة سبعين كيلو مترًا للوصول إلي مواقع الرجال، والعملية بهذا المعني تعد انتحارًا حقيقياً، لكن أبوالنجا وافق بثقة تامة ولأول مرة يلحظ التأثير علي القائد الشرقاوي الذي كان متأكداً أنه لن يري أبو النجا مرة ثانية وأنه في طريقه للإستشهاد.
مهمة أبو النجا المستحيلة نظرياً، كما ييرويها البطل، كانت القيام ومعه أربعة رجال من سلاح الحدود "الهجانة"، وقبائل منطقة سدر بتوصيل المؤن والذخيرة إلي أبطال الصاعقة خلف خطوط العدو في رأس سدر، وبالفعل تم تجهيز 20 جملاً لهذه المهمة وتحميلها بالمؤن بواسطة عناصر الشئون الإدارية للجيش الثالث وبعض أفراد الهجانة والبدو أصحاب الخبرة في إظهار الجمال كأنها تحمل أشياء عادية.
في هذا الوقت تلقي أبوالنجا والمجموعة المرافقة له في العملية التعليمات التفصيلية وهي عبور قافلة الجمال من الضفة الغربية للقناة عند كوبري الشط إلي الضفة الشرقية، ويتم التنسيق مع عناصر إستطلاع مصرية بخصوص النقاط التي يمكن التسلل منها بالجمال، والتوغل في العمق بحذر شديد علي أن يكون التحرك ليلاً فقط والاختفاء نهاراً، حتي الوصول لمنطقة مضيق سدر علي بعد نحو70 كيلو مترًا والاتصال برجال الصاعقة.
وعبر أبو النجا ورفاقه وجماله علي المركبات البرمائية وأتموا العبور في الساعة الثالثة والنصف فجر الأربعاء العاشر من أكتوبر بعد معاناة شديدة، وبمجرد أن عبرت الدورية بالجمال الثغرة التي فتحها المهندسون في الساتر بخراطيم المياه سجَد الجميع علي الأرض شكراً وهم يقبلون تراب سيناء، واندفعت الدورية كما هو مخطط لها بمحاذاة شاطئ القناة، ووضعوا في الإعتبار تجنب النقاط القوية التي لم تسقط بعد، وبعد ساعات قليلة رأي الرجال بالقرب منهم معركة شرسة بين وحدات مدرعة إسرائيلية تحاول الدخول للنقطة القوية في لسان بورتوفيق لفك حصارها، وتصدت لها عناصر الجيش المصري مدعمة بأطقم اقتناص الدبابات من الفرقة التاسعة عشر مشاة، إحدي تشكيلات الجيش الثالث الميداني، التي نجحت في تدمير بعض الدبابات وأجهزت قوات الصاعقة علي البقية، وحرص أبو النجا ورجاله طوال الرحلة علي التحصن نهاراً في الحُفر الناجمة عن القصف الصاروخي الجوي والمدفعي، ووسط هذا الخضم الهائل من الأهوال والنيران فقد الرجال 14 جملاً، ورغم ذلك ظل أبو النجا ورجاله يحتفظون بقدر من البأس ورباطة الجأش، وفي تمام الساعة الثانية بعد ظهر الأربعاء العاشر من أكتوبر، شاهد الرجال سيارة مياه تقوم بإمداد عناصر مصرية، وتذكر الجميع أنهم لم يذوقوا طعم النوم أو الطعام أو الشراب منذ الساعة الرابعة عصر الثلاثاء التاسع من أكتوبر، ولكنهم رفضوا أن يشربوا مياهًا من الإمدادات واستعانوا بعصارة نبات السيال الموجود علي امتداد خط السير.
وعند الوصول إلي أحد مراكز قيادة ألوية الجيش، ترك أبوالنجا زملاؤه والجمال في الحفر المتجاورة بالقرب من نقطة عيون موسي وذهب لمقابلة اللواء العقيد صلاح زكي، كما هو مخطط لطلب العون وقدمه له المقدم سامح توفيق رئيس العمليات وقتها، وكان أحد زملاء أبوالنجا في الصاعقة وبالفعل تم إمداد الرجال بالمعلومات اللازمة لمواصلة الرحلة إلي الهدف وكان الخطر الأكبر هو عدم وجود خريطة محدد للألغام في المنطقة خاصة أن العدو كان ينشر الالغاء بكثافة.
وفي تمام الساعة العاشرة مساء الأربعاء العاشر من أكتوبر وصلت الدورية إلي بداية الطريق الإسفلتي المؤدي لرأس سدر وجنوب سيناء وتقدمت بمنتهى الحذر، وبعد دقائق معدودة كان هناك إشتباك بين قوات العدو وعناصر أحد الأولوية المصرية، وحاصرت النيران الرجال من كل جانب ورغم ذلك تقدم أبوالنجا في خط سيره، واجهتهم عربة إسرائيلية بطلقات الهاون نتج عنه فرار الجمال لمنطقة وعرة، وفقدت الدورية جملاً آخر ليصبح العدد خمسة جمال فقط، ولم يجد الرجال حلاً إلا التحرك علي الجانب الأيسر للفريق، وهي منطقة قريبة من عيون موسي، فكانت مخاطرة غير مأمونة العواقب وبالفعل وجدت الدورية نفسها في مواجهة سرية دبابات إسرائيلية، ولكنها تحركت بعيدًا عنها وبسرعة فائقة وكفاءة في التخفي.
ومع أول ضوء ليوم الخميس الحادي عشر من أكتوبر، وفي تمام الساعة السادسة صباحاً، سمع رجال الدورية أثناء إختبائهم أزير طائرات استطلاع العدو الجوي، وعلي الفور هرول أبوالنجا إلي مكان يستطيع منه المراقبة ووجد أحد الجنود يطلق النيران من الطائرة علي المناطق التي مروا منها ومن خلفها طائرة أخري تقوم بإحراق الأراضي بالنابلم، ويركزون علي خط سير الدورية، فأعطي أبوالنجا أوامره للرجال بمغادرة الأماكن المختبئين فيها، ولبس فروة خروف في الأقدام حتي لا تترك أثرًا ولم تمض سوي 15 دقيقة علي مغادرة المكان، حتي قامت طائرات فانتوم بتدميره فتعاطف الرجال وتأكدوا أن العناية الإلهية ترعاهم وبحلول آخر ضوء يوم الخميس الحادي عشر من أكتوبر، أصدر أبوالنجا أوامره للدورية بالاستعداد للتحرك وكان يتبقي علي الوصول للمضيق 23 كيلو مترا.
مرت الليلة هادئة رغم صوت دبابات العدو ومدرعاته وبدا الجبل العملاق الضخم أمام أعين الرجال ولا تفصلهم عن الزملاء الأبطال في المضيف سوي كيلو مترات قليلة.
استمر أبوالنجا طوال يوم الجمعة الثاني عشر من أكتوبر يتابع الموقف ويرصد نشاط العدو في المنطقة ويحاول تحديد ثغرة يمكن للدورية العبور منها نحو الرجال، وعاد إلي الدورية ليجد عددا كبيرًا من الإبل ووجد أمامه أحد شيوخ البدو ومعه إبنه الشاب وبادر أبوالنجا:"إحنا منتظرينك بفارغ الصبر"، واتفق أبوالنجا مع الشيخ وابنه علي الذهاب للمضيق لاستطلاع الموقف مرة أخري، وقرر الانتقال لمكان آخر علي بعد نحو خمسة كيلو مترات في منطقة كثيفة بالشجيرات والأعشاب فربما يتبع العدو البدو أو يتبعوا أثر الأقدم عند أول ضوء في الصباح التالي.
وعاد الشيخ البدوي وطمأن أبوالنجا بأن كل شيء علي ما يرام، فتم تقسيم القافلة نصفين يسلك كل منهما طريقاً منفصلاً وذلك لتوزيع المخاطر، وقبل فجر الأحد الرابع عشر من أكتوبر وصلت الجمال التي كان يقود أحدهما الشيخ السيناوي والأخري إبنه إلي رجال الصاعقة، وأوصلا المؤن والسلاح إلي الرجال ليسجد الجميع شكرا لله، فقد تحققت المعجزة ونجحت الجمال في تحقيق ما تعثرت فيه الطائرات والقوارب السريعة والمدرعات.
مع صور البطل
لاحظوا الجمال المستخدمه فى المهمه المكلف بها
وهو يسلخ ثعبان بأسنانه
وسام النجمه العسكريه من الرئيس السادات
المصدر
حاوره: أحمد الشريف
تحتفل مصر هذه الأيام بالذكرى الـ37 لنصر أكتوبر المجيد على قوات العدو الإسرائيلي فى حرب 1973.
ولم تكن الحرب اشتباكات وخطط ومواجهات فقط، بل كانت أيضا قصصاً وحكايات أشبه بالخيال، وبطولات ستظل مضيئة للأبد تنير طريق الإنتماء والتضحية.
وبهذه المناسبة ينشر موقع "مصراوي"، أحد أروع القصص البطولية التي حدثت في حرب أكتوبر، والتي تنشر تفاصيلها بالكامل ..إنها قصة أبو النجا، البطل المصري الذى استطاع السير 70 كيلو مترًا خلف خطوط العدو، ومعه عدد من الجمال تحمل مؤنًا وذخيرة لكتيبة صاعقة في رأس سدر.
البطل المصري العميد نبيل أبوالنجا حمل روحه علي يديه وقاد المهمة المستحيلة بنجاح، ووصل بالجمال عندما تعذر الوصول بالطائرات أو المدرعات والعربات الحربية.
مهمة أبو النجا، كانت الوصول إلي رجال من قوات الصاعقة المصرية خلف خطوط العدو لإمدادهم بالمؤن.. خطورتها الحقيقية أن الحرب كانت علي أشدها أيام 10 و11 و12 أكتوبر عام 1973 وبدون غطاء.
فمن هو هذا البطل؟ وكيف استطاع إنجاز مهمته المستحيلة بنجاح ليسجل اسمه بحروف من نور في سجل أبطال أكتوبر؟
"مصراوي"التقى بالعميد نبيل أبوالنجا قائد المهمة المستحيلة والذي قال:"التحقت بالصاعقة في بداية شهر ديسمبر عام 1967 بعد التخرج من الكلية الحربية برتبة ملازم والتحقت بإحدي الكتائب ب"أنشاص"، وكانت قادمة توًا من رأس العين ببورسعيد، وهي أول وحدة مصرية تقوم بعمليات خاصة ضد قوات العدو شرق القناة بعد النكسة، وجدت نفسي وسط الرجال الذين يحملون علي صدورهم أنواط الشجاعة ويتحدثون عن عملية "رأس العش"بفخر، وكيف دمروا قوات العدو التي حاولت التقدم إلي مدينة بورفؤاد فشعرت بالفخر وأنا أنظر لهؤلاء الرجال وأنواط الشجاعة تتدلي علي صدورهم".
وأضاف أبوالنجا:"في الكتيبة كان الملازم أول فتحي عبدالله لا يفارقني، وهو من أبطال معركة رأس العش، كنت أستمع له في اعجاب وفخر وأحلم باليوم الذي سيتم تكليفي بعمليات مشابهة".
بعدها انتقل الضابط أبوالنجا إلي إحدي مجموعات الصاعقة بقيادة العقيد أركان الحرب السيد الشرقاوي الذي بهرت شخصيته ووطنيته وعلمه الضابط الشاب وكان الشرقاوي القدوة والمثل الأعلي في كل شيء، وعين أبوالنجا رئيساً لإحدي أفرع الإستطلاع بداية من شهر يناير عام 1973، وأصبح العمل يجري علي قدم وساق ويبذل الجميع كل جهد ممكن في التدريب إستعدادًا لمعركة الكرامة ويقول:"من أبرز سمات هذه الفترة التدريب الراقي المتقدم بإستخدام الذخيرة الحية، وتم إنشاء وحدة تدريب بوحدات الصاعقة التي كانت مكلفة بمهمة عمل الكمائن للعدو في الأراضي الجبلية".
ويضيف بقوله:"تلقت الكتيبة مهمة قتالية لتنفيذ الكمائن في المضائق الجبلية ضد قوات العدو المدرعة واستمر العمل ليل نهار في مناطق وعرة للغاية، وفي ظروف شاقة بإستخدام الذخيرة الحية، وعلي أهداف مشابهة تماما للمعركة المقبلة، وقد كان القادة علي مختلف المستويات يفكرون في كل شيء وفي أدق التفاصيل، وكان مُخططًا أن يدفع بالكتيبة خلف جبل عتاقة بمدينة السويس، علي أن يتم تجميع الكتيبة ليل الخامس من أكتوبر 1973.
في تمام الساعة الثانية وخمس دقائق بعد ظهر 6 أكتوبر، شعر الجميع بأن بركاناً من الحمم يصب علي الضفة الشرقية للقناة والطائرات المصرية تدك المواقع الإسرائيلية.
وعلي الفور أخذ قائد الكتيبة مهمته، وكانت علي النحو التالي في تمام الساعة الرابعة وعشر دقائق عصراً سيهبط عدد من طائرات الهيلكوبتر لتحمل الكتيبة، وتنقلها جواً إلي مضيق رأس سدر شرق القناة وبعمق من 50إلي 70 كيلو مترًا، تحت ستر مظلة جوية من نفس التوقيت، وتقوم الكتيبة بمجرد وصولها للمنطقة الجبلية للمضيق بتنظيم الكمائن من مدخل المضيق المواجه لرأس الطرف المواجهة لمنطقة صدر الحيطان، وذلك لتدمير اللواء المدرع الإسرائيلي ومنعه من التقدم بأي ثمن لإفساد مخطط دفع العدو لهذا اللواء المدرع عبر مضيق سدر لتوجيه ضربة إجهاض للجانب الأيمن للجيش الثالث الميداني.
وكان من ضمن المخطط أيضاً، على حد قول أبوالنجا، بقاء الكتيبة في مواقعها علي المضيق عقب تنفيذ المهمة وتدمير عناصر اللواء المدرع المعادي حتي يتم الإتصال بها عن طريق عناصر من أحد ألوية المشاة المصرية الذي يعمل علي الجانب الأيمن للجيش الثالث الميداني.
وأثناء تتبع أخبار العبور العظيم من الراديو هبطت عدداً من طائرات الهيلكوبتر، لحمل قوات الصاعقة في المكان والتوقيت المحددين، وتعالت الهتافات وبلغت الروح المعنوية عنان السماء، وأقلعت الطائرات الهيلكوبتر التي تحمل قوات الصاعقة لتنفيذ المهمة، وأصدر العقيد سيد الشرقاوي، تعليمات بضرورة تحقيق الاتصال برجال الكتيبة الذين وصلوا بنجاح لمضيق سدر والعمل علي إمدادهم بالمؤن والذخيرة وذلك عن طريق طائرتي هيلكوبتر جهزتا لهذا الغرض.
كانت العملية انتحارية بالفعل لأنها تتم في عمق العدو لكن لم يكن هناك مفر من إتمامها، وقتها اقترح العقيد نبيل شكري مصطفي، دفع دورية بالجمال يتراوح عددها بين 15إلى 20 جملاًَ، محملة بالمؤن والذخيرة بعد تعثر إستخدام الطائرات الهيلكوبتر، وتتوغل الجمال في عمق العدو لمسافة سبعين كيلو مترًا للوصول إلي مواقع الرجال، والعملية بهذا المعني تعد انتحارًا حقيقياً، لكن أبوالنجا وافق بثقة تامة ولأول مرة يلحظ التأثير علي القائد الشرقاوي الذي كان متأكداً أنه لن يري أبو النجا مرة ثانية وأنه في طريقه للإستشهاد.
مهمة أبو النجا المستحيلة نظرياً، كما ييرويها البطل، كانت القيام ومعه أربعة رجال من سلاح الحدود "الهجانة"، وقبائل منطقة سدر بتوصيل المؤن والذخيرة إلي أبطال الصاعقة خلف خطوط العدو في رأس سدر، وبالفعل تم تجهيز 20 جملاً لهذه المهمة وتحميلها بالمؤن بواسطة عناصر الشئون الإدارية للجيش الثالث وبعض أفراد الهجانة والبدو أصحاب الخبرة في إظهار الجمال كأنها تحمل أشياء عادية.
في هذا الوقت تلقي أبوالنجا والمجموعة المرافقة له في العملية التعليمات التفصيلية وهي عبور قافلة الجمال من الضفة الغربية للقناة عند كوبري الشط إلي الضفة الشرقية، ويتم التنسيق مع عناصر إستطلاع مصرية بخصوص النقاط التي يمكن التسلل منها بالجمال، والتوغل في العمق بحذر شديد علي أن يكون التحرك ليلاً فقط والاختفاء نهاراً، حتي الوصول لمنطقة مضيق سدر علي بعد نحو70 كيلو مترًا والاتصال برجال الصاعقة.
وعبر أبو النجا ورفاقه وجماله علي المركبات البرمائية وأتموا العبور في الساعة الثالثة والنصف فجر الأربعاء العاشر من أكتوبر بعد معاناة شديدة، وبمجرد أن عبرت الدورية بالجمال الثغرة التي فتحها المهندسون في الساتر بخراطيم المياه سجَد الجميع علي الأرض شكراً وهم يقبلون تراب سيناء، واندفعت الدورية كما هو مخطط لها بمحاذاة شاطئ القناة، ووضعوا في الإعتبار تجنب النقاط القوية التي لم تسقط بعد، وبعد ساعات قليلة رأي الرجال بالقرب منهم معركة شرسة بين وحدات مدرعة إسرائيلية تحاول الدخول للنقطة القوية في لسان بورتوفيق لفك حصارها، وتصدت لها عناصر الجيش المصري مدعمة بأطقم اقتناص الدبابات من الفرقة التاسعة عشر مشاة، إحدي تشكيلات الجيش الثالث الميداني، التي نجحت في تدمير بعض الدبابات وأجهزت قوات الصاعقة علي البقية، وحرص أبو النجا ورجاله طوال الرحلة علي التحصن نهاراً في الحُفر الناجمة عن القصف الصاروخي الجوي والمدفعي، ووسط هذا الخضم الهائل من الأهوال والنيران فقد الرجال 14 جملاً، ورغم ذلك ظل أبو النجا ورجاله يحتفظون بقدر من البأس ورباطة الجأش، وفي تمام الساعة الثانية بعد ظهر الأربعاء العاشر من أكتوبر، شاهد الرجال سيارة مياه تقوم بإمداد عناصر مصرية، وتذكر الجميع أنهم لم يذوقوا طعم النوم أو الطعام أو الشراب منذ الساعة الرابعة عصر الثلاثاء التاسع من أكتوبر، ولكنهم رفضوا أن يشربوا مياهًا من الإمدادات واستعانوا بعصارة نبات السيال الموجود علي امتداد خط السير.
وعند الوصول إلي أحد مراكز قيادة ألوية الجيش، ترك أبوالنجا زملاؤه والجمال في الحفر المتجاورة بالقرب من نقطة عيون موسي وذهب لمقابلة اللواء العقيد صلاح زكي، كما هو مخطط لطلب العون وقدمه له المقدم سامح توفيق رئيس العمليات وقتها، وكان أحد زملاء أبوالنجا في الصاعقة وبالفعل تم إمداد الرجال بالمعلومات اللازمة لمواصلة الرحلة إلي الهدف وكان الخطر الأكبر هو عدم وجود خريطة محدد للألغام في المنطقة خاصة أن العدو كان ينشر الالغاء بكثافة.
وفي تمام الساعة العاشرة مساء الأربعاء العاشر من أكتوبر وصلت الدورية إلي بداية الطريق الإسفلتي المؤدي لرأس سدر وجنوب سيناء وتقدمت بمنتهى الحذر، وبعد دقائق معدودة كان هناك إشتباك بين قوات العدو وعناصر أحد الأولوية المصرية، وحاصرت النيران الرجال من كل جانب ورغم ذلك تقدم أبوالنجا في خط سيره، واجهتهم عربة إسرائيلية بطلقات الهاون نتج عنه فرار الجمال لمنطقة وعرة، وفقدت الدورية جملاً آخر ليصبح العدد خمسة جمال فقط، ولم يجد الرجال حلاً إلا التحرك علي الجانب الأيسر للفريق، وهي منطقة قريبة من عيون موسي، فكانت مخاطرة غير مأمونة العواقب وبالفعل وجدت الدورية نفسها في مواجهة سرية دبابات إسرائيلية، ولكنها تحركت بعيدًا عنها وبسرعة فائقة وكفاءة في التخفي.
ومع أول ضوء ليوم الخميس الحادي عشر من أكتوبر، وفي تمام الساعة السادسة صباحاً، سمع رجال الدورية أثناء إختبائهم أزير طائرات استطلاع العدو الجوي، وعلي الفور هرول أبوالنجا إلي مكان يستطيع منه المراقبة ووجد أحد الجنود يطلق النيران من الطائرة علي المناطق التي مروا منها ومن خلفها طائرة أخري تقوم بإحراق الأراضي بالنابلم، ويركزون علي خط سير الدورية، فأعطي أبوالنجا أوامره للرجال بمغادرة الأماكن المختبئين فيها، ولبس فروة خروف في الأقدام حتي لا تترك أثرًا ولم تمض سوي 15 دقيقة علي مغادرة المكان، حتي قامت طائرات فانتوم بتدميره فتعاطف الرجال وتأكدوا أن العناية الإلهية ترعاهم وبحلول آخر ضوء يوم الخميس الحادي عشر من أكتوبر، أصدر أبوالنجا أوامره للدورية بالاستعداد للتحرك وكان يتبقي علي الوصول للمضيق 23 كيلو مترا.
مرت الليلة هادئة رغم صوت دبابات العدو ومدرعاته وبدا الجبل العملاق الضخم أمام أعين الرجال ولا تفصلهم عن الزملاء الأبطال في المضيف سوي كيلو مترات قليلة.
استمر أبوالنجا طوال يوم الجمعة الثاني عشر من أكتوبر يتابع الموقف ويرصد نشاط العدو في المنطقة ويحاول تحديد ثغرة يمكن للدورية العبور منها نحو الرجال، وعاد إلي الدورية ليجد عددا كبيرًا من الإبل ووجد أمامه أحد شيوخ البدو ومعه إبنه الشاب وبادر أبوالنجا:"إحنا منتظرينك بفارغ الصبر"، واتفق أبوالنجا مع الشيخ وابنه علي الذهاب للمضيق لاستطلاع الموقف مرة أخري، وقرر الانتقال لمكان آخر علي بعد نحو خمسة كيلو مترات في منطقة كثيفة بالشجيرات والأعشاب فربما يتبع العدو البدو أو يتبعوا أثر الأقدم عند أول ضوء في الصباح التالي.
وعاد الشيخ البدوي وطمأن أبوالنجا بأن كل شيء علي ما يرام، فتم تقسيم القافلة نصفين يسلك كل منهما طريقاً منفصلاً وذلك لتوزيع المخاطر، وقبل فجر الأحد الرابع عشر من أكتوبر وصلت الجمال التي كان يقود أحدهما الشيخ السيناوي والأخري إبنه إلي رجال الصاعقة، وأوصلا المؤن والسلاح إلي الرجال ليسجد الجميع شكرا لله، فقد تحققت المعجزة ونجحت الجمال في تحقيق ما تعثرت فيه الطائرات والقوارب السريعة والمدرعات.
مع صور البطل
لاحظوا الجمال المستخدمه فى المهمه المكلف بها
وهو يسلخ ثعبان بأسنانه
وسام النجمه العسكريه من الرئيس السادات
المصدر
التعديل الأخير: