سبق القرآن الكريم في علوم الفلك وهندسة الفضاء الحلقة الثانية طبقات الغلاف الجوي وحفظها لسماء وجو الأرض
يقسم العلماء الغلاف الجوي (سماء الأرض أو السماء الأولى) إلى عدة طبقات، وكل واحدة مسؤولة عن حماية الأرض من خطر معين، أما من دقائق الكون الذرية، أو من الإشعاعات المختلفة كالسينية وغاما وألفا وفوق البنفسجية وغيرها، أو لإعادة بخار الماء لتكين السحب أو إنزال المطر
يقسم العلماء الغلاف الجوي (سماء الأرض أو السماء الأولى) إلى عدة طبقات، وكل واحدة مسؤولة عن حماية الأرض من خطر معين، أما من دقائق الكون الذرية، أو من الإشعاعات المختلفة كالسينية وغاما وألفا وفوق البنفسجية وغيرها، أو لإعادة بخار الماء لتكين السحب أو إنزال المطر.
إن طاقة الشمس المنبعثة منها تحتوي الكثير من الإشعاعات المميتة للمخلوقات الأرضية ولو وصلت تلك الأشعة إلى الأرض لانعدمت الحياة عليها. إن الأشعة فوق البنفسجية القادمة مع أشعة الشمس عند اصطدامها بالأوكسجين الجوي تحوله إلى طبقة أيونية تمتص تلك الإشعاعات وتصنع غلافاً يحيط الكرة الأرضية حافظاً للحياة. أنظر قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ), (الأنبياء: 32)، أي حافظاً للحياة وطبقة الأوزون الغازية الواهية التي تحيط بالأرض حدثت فيها تصدعات قليلة ربما تهدد البشرية بكارثة.. فكيف إذا أنشق هذا الغلاف الواهي أي أصبحت الأرض معرضة وبشكل مباشر إلى كل إشعاعات الشمس فلابد أنها القيامة.
يقول الله تعالى: ( وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) (الانبياء:32)... ويقول تعالى: ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ) (الطارق:11) .
السماء لغة كل ماعلاك كما ذكرنا في الفقرة السابقة, والسقف في اللغة كما أورده الإمام الرازي في صحاحه: (السقفُ) للبيت والجمع سقوف، و(سُقُف) بضمتين عن الأخفش كرهن ورُهُن وقرئ ( سُقُفاً من فضة ) إنما هو جمع سقيف كثيب وكُثيب. و(سَقَفَ) البيت من باب قَصَر، و(السَّقْف) السماء و(السَّقَف) بفتحتين طول في انحناء يقال رجل (اسقف) قال ابن سكيت ومنها اشتق (اسقُف) النصارى لأنه يتخاشع وهو رئيس من رؤسائهم في الدين.
لفظ السماء ومنها السماء الدنيا في القرآن الكريم يختلف عن لفظ السماوات, فالأول يعني الغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض, وأحيانا يعني سماء المنظومة الشمسية. بينما السماوات والسماوات العلا تعني الطبقات الأعلى والأعلى. يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره:
وقوله جعلنا السماء سقفاً محفوظا أي على الأرض وهي كالقبة عليها كما قال (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ )، (الذريات:47).. وقال ( وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا )، (الشمس:5).. وقال أيضاً ( أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ )، (قّ:6). والبناء هو نصب القبة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((بني الإسلام على خمس)) أي خمس دعائم وهذا لا يكون إلا في الخيام كما تعهده العرب "محفوظا" أي عاليا محروسا ان ينال, وقوله ( وهم عن آياتها معرضون )، كقوله ( وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ )، (يوسف:105). أي لا يتفكرون فيما خلق الله فيها من الاتساع العظيم والارتفاع الباهر وما زينت به من الكواكب الثوابت والسيارات في ليلها ونهارها من هذه الشمس التي تقطع الفلك بكماله في يوم وليلة فتسير غاية لا يعلم قدرها إلا الله الذي قدرها وسخرها وسيرها.
يقول القرطبي رحمه الله في تفسيره للآية الكريمة, أي محفوظاً من أن يقع ويسقط على الأرض دليله قوله تعالى ( ...وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ )، (الحج: من الآية65). وقيل محفوظاً بالنجوم من الشياطين، قال الفراء دليله قوله تعالى وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ), (الحجر:17). وقيل محفوظاً من الهدم والنقص، وعن أن يبلغه أحد بحيلة وقيل: محفوظاً فلا يحتاج إلى عماد. وقال مجاهد: مرفوعاً. وقيل: محفوظا من الشرك والمعاصي وَهُمْ "يعني الكفار" عن آياتها معرضون. قال مجاهد يعني الشمس والقمر. أضاف الآيات إلى السماء لأنها مجعولة فيها، وقد أضاف الآيات إلى نفسه في مواضع، لأنه الفاعل لها بين أن المشركين غفلوا عن النظر في السموات وآياتها، من ليلها ونهارها، وشمسها وقمرها، وأفلاكها ورياحها وسحابها، وما فيها من قدرة الله تعالى، إذ لو نظروا واعتبروا لعلموا أن لها صانعا قادرا فيستحيل أن يكون له شريك.
وفي قوله تعالى ( وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ), (الطور:5). يقول ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره ما نصه: قال سفيان الثوري وشعبة وأبو الاحوص عن سماك عن خالد بن عرعرة عن علي ( والسقف المرفوع )، يعني السماء قال سفيان ثم تلا ( وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون)، وكذا قال مجاهد وقتادة والسدي وابن جرير وابن زيد واختاره ابن جرير وقال الربيع بن انس هو العرش يعني انه سقف لجميع المخلوقات وله اتجاه وهو مراد مع غيره كما قاله الجمهور..
أما القرطبي رحمه الله تعالى فيفسرها بقوله: يعني السماء سماها سقفاً لأنها للأرض كالسقف للبيت؛ بيانه: ( وجعلنا السماء سقفا محفوظا ) (الأنبياء: 32), وقال ابن عباس: هو العرش وهو سقف الجنة..
إذن بين المفسرون رحمهم الله تعالى أن المساوات هي كالقبة الحامية والسقف الواقي للأرض وهو ما تبين لنا من اكتشافاتنا الحديثة كما نبين أدناه.
رأي العلم الفلكي الحديث في هذا الإعجاز القرآني فهو قوله تعالى في سورة (الأنبياء: 32) ( وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتها معرضون ). الغلاف الجوي سبب رئيسي للحياة على وجه الأرض بالنسبة لجميع الكائنات الحية، حتى تلك التي توجد في أعماق البحار. وهو الذي تظهر فيه القبة الزرقاء صافية عندما يفسره ضوء الشمس أثناء النهار... فإذا سلبه الله تعالى منا لظهرت السماء سوداء ليلاً ونهاراً، ولما استطعنا أن نراها حمراء عند غروب الشمس، ولا وردية الأطراف عند الفجر ... وهو (الغلاف الجوي) سبب رئيسي لحدوث الرياح، والسحب والأمطار ... وهو أيضاً سبب لوجود النار، التي لا بد لحدوثها من وجود غاز الأوكسجين الذي هو من مكونات الغلاف الجوي... والهواء هو الوسط الذي تنتقل عبره اهتزازات الصوت وموجاته، لتلامس طبلة أذن السامع فيسمع، فإذا سلبه الله تعالى منا ما استطاع أحد على وجه الكوكب الأرضي أن يسمع شيئاً...!!
أما قول الله تبارك وتعالى (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ), (الطارق: 11)... فيمكن أن نفهمه علمياً، إذا علمنا أن السماء هي السقف الذي يظل الرائي، أي أن كل ما علانا في هذا الكون سماء، و "الرجع" في اللغة هو إعادة الشيء إلى مكانه أو إلى ما كان عليه. ويؤكد علماء الأرصاد الجوية أن طبقة التروبوسفير (وهي الطبقة الدنيا في الغلاف الجوي، والتي تلامس سطح الأرض) ذات الرجع، إذ تعكس ما يتصاعد إليها من بخار ماء، كما أن الطبقة الأعلى منها (ستراتوسفير) أيضاً ذات رجع، ويحدث فيها معظم عمليات إنزال المطر، ويعود فيها غاز الأوزون بتأثير الأشعة فوق البنفسجية إلى غاز الأوكسجين، والطبقتان العلويتان (أيونوسفير، وسيزوسفير) ذواتا رجع أيضاً، لأنهما تعكسان وتردان موجات الراديو الطويلة، والمتوسطة وبعض الموجات القصيرة المتأينة، الصاعدة إليها من سطح الأرض. كما تعكس هاتان الطبقتان أيضاً مثل هذه الموجات الساقطة على الغلاف الجوي من الفضاء الخارجي، وتعيدها إليه.
الشكل (2): المجال المغناطيسي الأرضي وأحزمة فان إلن التي تحفظ الأرض من الدقائق الكونية
كهربائية الغلاف الجوي - ما عدا الذي له علاقة بالشحنات في السحب والبرق – تنتج من ألأيونية الحاصلة في هذا الغلاف من الإشعاع الشمسي وحركة الغيوم المشحونة بسبب تيارات الهواء في طبقات الغلاف الجوي والتي تحصل أصلاً جاذبيات الشمس والقمر, وهي تشبه المد والجزر للمحيطات فتتغير يومياً. هذا التأين ومن نتيجته الموصلية الكهربائية للغلاف الجوي قرب سطح الأرض قليل ويزداد بازدياد الارتفاع كما أنه يتغير خلال أوقات اليوم. تكون طبقة الأيونوسفير - (40-400) كم فوق سطح الأرض – قشرة هوائية ذي توصيل كهربي ممتاز, فتقوم بعكس الأمواج الراديوية إلى الأرض, وتمتص الإشعاعات الكهرومغناطيسية القادمة من الفضاء الخارجي وتمنعها من الوصول إلى الأرض.
الشكل (3): كهربائية سطح الأرض وكهربائية الغلاف الجوي
وإذن من معاني قوله تعالىوَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ), أن سماءنا الدنيا (الغلاف الجوي) سقفاً محفوظاً حقاً.
تتميز الطبيعة الفريدة لجو الأرض بكونها تحتوي على تركيز عال من الأوكسجين الجزيئي مقارنة بالأجرام الأخرى. ومن المعروف عند تزايد الأوكسجين الجزيئي المتجمع في طبقة الستراتوسفير (15-100كلم) فإن تركيز الأوكسجين الثلاثي (الأوزون O3) يزداد أيضاً بشكل تدريجي، وبهذا يحمي الأرض من الأشعة فوق البنفسجية المؤذية والشكل يوضح طبقات الجو من فوق سطح الأرض إلى ارتفاع أكثر من (500كم).
الشكل ( 4):ظاهرة الشفق القطبي الناجمة من حماية طبقات الغلاف الجوي عن طريق أحزمة فان إيلن وتحلزن الدقائق الشمسية حولها لتتحول إلى القطبين بشكل دقائق ملونة جميلة وتمنع الهلاك عن سكان الأرض