إنه مسجد "بارباروسا" ، أحد المساجد الصغيرة الواقعة في الحوش الخلفي لإحدى البنايات القديمة نسبيا ً في قلب مدينة كولونيا الألمانية. هذا هو ثاني أقدم مـُـصلــّى في ألمانيا وقد بُـنِـي في السيتينيات، كما يقول يوسف ابن المسؤول عن المسجد وأحد أبناء الجالية التركية في ألمانيا. يحاول المسلمون المتطوعون من العرب والأتراك في "يوم المسجد المفتوح" تقديم بعض المعلومات عن دينهم إلى المواطنين الألمان من غير المسلمين. يصل عدد الزوار الألمان في مثل هذا اليوم إلى هذا المسجد الصغير أربعين زائرة ً وزائراً. تقدر أعداد المساجد في ألمانيا بحوالي ثلاثة آلاف مسجد وقاعة للصلاة، ويتوقع أن يكون زارها اليوم مائة ألف شخص في "يوم المسجد المفتوح".
في المسجد مسلمون وغير مسلمين، منهم من يجلس على كراسي، وقلة ٌ على الأرض، مـُـشكـِّـلين شبه حلقه. شابات ألمانيات جئن مع أصدقائهن للتعرف أكثر على الثقافة الأخرى. إنهن غير مـُــلزمات بارتداء الحجاب في المساجد الألمانية. ويحتد النقاش حول مواضيع قد لا تتفق فيها العقلية الألمانية مع العقلية المسلمة.
يقول ألكسندر، وهو من مدينة زولينغن الألمانية حيث يعمل مغنيا ً وعازفا ً على الغيتار، إن هناك الكثير من الأجانب والمسلمين في مدينته، وقد تصادف وجوده اليوم في مدينة كولونيا. ويتابع عن سبب حضوره إلى هذا المسجد: "أعتقد أن معرفة الثقافات الأخرى يساعد الألمان على فهم ثقافتهم، فالأجانب أصبحو جزءاً لا يتجزّأ من الثقافة الألمانية". إنه يشعر بمقدار سرور المسلمين العرب والأتراك في هذا المسجد بقدوم ضيوفهم الألمان ويستطرد " مثل هذه المناسبات تتيح الفرصة لغير المسلمين بالتعرف على المسلمين، وأعتقد أنه من المهم أن يعتني المسلمون والألمان بمثل هذه اللقاءات بحيث تكون يومية لكي يتسنى التفاهم المشترك بينهم". ألكسندر لم يكن لديه خوف من المساجد من قبل. ويعتقد أنه في بلد حر ّ كألمانيا ينبغي القبول بكل دين وينبغي عدم الخوف من أي ّ دين.
الألماني هاوك، طالب وممثل، من مدينة بريمن يستهويه الجلوس المريح على سجـّاد المسجد والزخارف الموجودة على الجدران وعلى صفحات النـُــسَـخ القرآنية. كان هاوك قد جاء في نهاية الأسبوع لزيارة صديقته الألمانية نينا، طالبة العلوم الاجتماعية في جامعة فرنسية، والمتواجدة الآن في إطار تدريب بمنظمة إنسانية في مدينة كولونيا. وبينما كانا يمشيان خارج المسجد دعاهما منظمو يوم المسجد المفتوح، فدخلا بشكل عفوي ومكثا فيه لبضع ساعات. الشاب هاوك وصديقته تشد اهتمامها النقاشات والمواضيع المختلفة كتعدد الآراء والمذاهب الإسلامية وقضايا مثل موقف الإسلام من زواج المسلمة بمسيحي.
الضيوف يحتسون الشاي المصنوع على الطريقة التركية. هذا المسجد تابع لجمعية إسلامية تركية اسمها "ميللي غوروش" . تنظم الجمعية كغيرها من الجمعيات الإسلامية الأخرى في ألمانيا إعلانات ودعوات الزيارة في الشوارع وفي الإنترنت والراديو قبل أسابيع عديدة من تاريخ "يوم المسجد المفتوح".
جيران المسجد من المسلمين والقائمون عليه يتبرعون بالحلويات والشاي. ويقومون بخدمة الضيوف أثناء النقاشات.
على الطاولة المجاورة نــُـسَخ ٌ قـُرآنية باللغة الألمانية وكتبٌ تعريفية بالإسلام وأخرى تحكي تجارب ألمان اعتنقوا الإسلام، ويبدو على الطاولة كتاب أصفر عنوانه "من قناة إم تي في الغنائية إلى مكة المكرمة" لمذيعة الموسيقى السابقة الألمانية كريستينا باكار التي اعتنقت الإسلام في تسعينيات القرن الماضي .
طالب الطب اليمني حسين تطوّع للمشاركة في هذا اليوم. إنه يُجيبُ على أسئلة الزوار الألمان ومن ضمنهم الألمانية باربارا التي ربما لا تزال تعتبر أن الحجاب يمثل نوعا ً من الضغط الاجتماعي على المرأة المسلمة. ويقول حسين:" نحاول تحطيم الأحكام المسبقة والفهم الخاطئ عن الإسلام والمسلمين. نحاول إقامة تقارب بيننا وبين الألمان لكي نصبح مجتمعاً واحداً بدون فوارق". حسين يتناول مصحفاً ويُسلــِّمه إلى باربارا بعد نقاش طويل في يوم المسجد المفتوح. بابارا تأخذ النسخة القرآنية مبتسمة. ربما لم تقتنع باربارا بوجهة النظرالإسلامية بخصوص مكانة المرأة، لكنّ شعورها بالتحفظ والغرابة تجاه المسلمات المتحجبات يبدو أنه لم يعد قويا كما كان من قبل.
وبعد انتهاء يوم المسجد المفتوح يقول المنظمون للزوار الألمان : " المسجد مفتوح كل يوم لكم، فلكم أن تجيئوا متى شئتم وأن تسألوا ما أردتم".
الكاتب: علي المخلافي
مراجعة: عبد الرحمن عثمان
المصدر