كان الرئيس مبارك يجلس فى قصره مطمئنا مرتاح البال لا يعكر صفو أيامه شيء.. فكل الأسماء المطروحة لمنافسته لن تقدر على منافسته لكن راحة البال انقلبت إلى حالة من القلق والاضطراب بعد أن تسربت الأخبار عن نية المشير أبوغزالة ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية.
قلق النظام من ترشيح أبوغزالة نفسه لانتخابات الرئاسة ليس بسبب درجة القبول التى يحظى بها فى الشارع المصرى.. ولكن هناك تأكيدات أن معاونى أبوغزالة حصلوا حتى الآن على تأييد 82 عضوا من أعضاء مجلس الشعب.. هذا فى الوقت الذى يتطلب التقدم للترشيح موافقة 65 عضوا من المجلس.. وهؤلاء الأعضاء كان وراء تأييدهم لأبوغزالة مبارك نفسه حيث أعلن منذ فترة عن استبعاد الحزب الوطنى ل 120 عضوا من الترشيح فى انتخابات مجلس الشعب المقبلة.. انقلب هؤلاء على حزبهم وبدأوا فى ترتيب مصالحهم مع ما يساندهم لا من يستبعدهم!.
هذا الخطأ الذى وقع فيه مبارك يدل على عدم حنكته السياسية.. فهو لم يتعلم الدرس من كمال الشاذلى الذى كان يعد الجميع بأنه سيرشحهم على اسم الحزب الوطنى وقبل ساعات من الموعد المحدد لإغلاق باب الترشيح يعلن الشاذلى قائمة المرشحين فيقعون فى حيرة وفى الغالب كان المستبعدون ينزلون الانتخابات كمستقلين ثم بعد ذلك ينضمون للحزب بعد دخول البرلمان.. أما الآن فقد استبعدهم جمال مبارك بعد أن قرر تقريب رجال الأعمال منه وإحاطة نفسه بهم باعتبارهم رجاله ومعاونيه.
انقلاب أبوغزالة على أمريكا
كان أبوغزالة رجل أمريكا الأول فى مصر.. كان هذا واضحا للغاية.. فقد ساعدت واشنطن على تأكيد وضع أبوغزالة منذ يونيو 1986.. حيث لم يتم استقباله عند زيارته للولايات المتحدة بواسطة وزير الدفاع كاسبارواينبرجرو حده وإنما أيضا وزير الخارجية ومستشار الأمن القومى وبوش نائب رئيس الجمهورية وعدد من أعضاء مجلس النواب والشيوخ كما أنه لم يبحث تخفيض فوائد الدين العسكرى فحسب وإنما ناقش قضايا اقتصادية عامة.. بينما ترك الأعضاء الوفد المصرى من المدنيين ومن بينهم وزير التخطيط والتعاون الدولى كمال الجنزورى ووزير المالية صلاح حامد ووزير الدولة لشئون مجلس الوزراء عاطف عبيد بحث المسائل الفنية بعد أن توصل أبوغزالة ومجموعة ريجان إلى الاتفاق حول المبادئ العامة.
عمل الرئيس مبارك منذ هذه اللحظة على تحجيم دورأبوغزالة.. لكنه لم يستطع أن يفعل شيئا ملموسا فى ذلك.. ففى نوفمبر من العام نفسه عاد أبوغزالة إلى واشنطن لاستئناف المباحثات وكانت رحلة مبارك لنفس الغرض قد تم تأجيلها فلم ترغب واشنطن فى استقباله قبل الاتفاق على الإصلاحات الاقتصادية.
لم يكن أبوغزلة يعمل خلال علاقته الجيدة مع أمريكا لمصلحة الأمريكان.. ولذلك عندما تعارضت هذه المصلحة مع مشروعاته تجاوزها تماما.. حيث قرر الحصول على مادة تطوير الصواريخ العراقية، ولأنه كان يعرف أن أمريكا لن توافق على طلبه، فقد قرر أن يهرب هذه المادة بعملية خاصة نجحت بنسبة مائة فى المائة، والمفاجأة أن الرئيس مبارك لم يكن يعرف شيئا عن تفاصيل هذه العملية التى بسببها انقلبت أمريكا على أبوغزالة بشكل كامل.
لم تتردد أمريكا فى الإطاحة بأبوغزالة.. فعندما كان مبارك يزور أمريكا فى عام 1989 أخذه بوش الأب إلى حديقة البيت الأبيض وأخذا يمشيان ثم سأله فجأة أخبار عبدالحليم أبوغزالة إيه؟ فرد الرئيس مبارك مندهشا.. ما هو ده الراجل بتاعكم.. فرد بوش بحسرة: لا ده مش الراجل بتاعنا ومن الأفضل أن يترك منصبه فى أسرع وقت.
خطة الإطاحة بأبوغزالة من منصبه
لم تكن مقابلة الرئيس مبارك لبوش الأب وطلبه منه أن يعزل أبوغزالة هى دافع مبارك الوحيد، ففى الملف كانت هناك أوراق كثيرة.. فبعد أن استسلمت إيران التقى مبارك بصدام حسين الذى شكر الرئيس على جهوده وعلى ما قام به أبوغزالة.. وبدأ صدام حسين فى سرد قصة تطوير الصواريخ على مسامع الرئيس مبارك الذى لم يكن يعرف عنها أى شيء. ويبدو أن صدام حسين أدرك أن الرئيس مبارك يسمع الكلام لأول مرة.. فلم يخف اندهاشه وقال لمبارك: سيادة الرئيس اسمح لى أنت رئيس الجمهورية أم عبدالحليم أبوغزالة.. لم يعلق الرئيس مبارك على ما قاله صدام حسين وأخفى الأمر فى نفسه.
كان الرئيس مبارك قد وصلته كذلك دراسة لكاتب أمريكى هو د. روبرت سبرنجورج نشرها عام 1987 فى مجلة ميد ايست ريبورت كان عنوانها الرئيس والمشير.. العلاقات المدنية العسكرية فى مصر اليوم.. كانت بالدراسة مقارنة واضحة بين الرئيس مبارك والمشير أبوغزالة ويمكن إجمال هذه المقارنة فى الآتى:
كان أبوغزالة المرشح النموذجى ليصبح رجل مبارك.. حيث أكد الفارق بينهما فى السن عامان فقط والرتبة سلطة مبارك، ولم يحدث أن كان أبوغزالة ومبارك متنافسين فى القوات المسلحة حيث كان أبوغزالة متخصصا فى المدفعية بينما كان مبارك طيارا حربيا وقد تلقى كل منهما تدريبا فى الاتحاد السوفيتى، ومنذ 1979 بينما كان أبوغزالة ملحقا عسكريا فى واشنطن ومبارك نائبا للرئيس.. عمل الاثنان فى تطوير المعونة العسكرية مع الولايات المتحدة.
رغم أن مبارك وأبوغزالة يمتلكان صفات شخصية متميزة ويشتركان فى الخبرات إلا أن الرجلين فى الواقع مختلفان اختلافا كبيرا. فأبوغزالة شخصية ذات منطق واضح قوى وطموح كما أن مقابلاته غير المسجلة مع الصحفيين الأمريكيين تعطى المشاهد انطباعا بقدرته على مواجهة المسائل مباشرة وبشكل محدد، بعكس مبارك الذى يعطى انطباعا بأنه حمل عناء الرئاسة كرها، وقرر بصرف النظر عن الواجب أداء ا لوظيفة بأفضل ما يمكنه.. ويعطى أبوغزالة انطباعا بأنه يتطلع إلى السلطة ويريد تنفيذ برنامجه.
كان أبوغزالة يتمتع بحسن الطالع فهو يتناوب مع الرئيس فى حضور مباريات كرة القدم المهمة، وقد استمر هذا الارتباط حتى أصبح فى عام 1986 نكتة شائعة وفى صيف تلك السنة فاز الفريق المصرى بمعجزة بكأس إفريقيا بينما كان مبارك يشجعه وأطلق على المباراة فورا لقب كأس مبارك.
تختلف القناعات السياسية والسلوك السياسى لكل من مبارك وأبوغزالة فى الشكل والمضمون.. فمبارك الذى يتمتع بمزاج إدارى سعى لدمج اتجاهات عدة فى السياسة المصرية وإعادة بعض التوازن إلى العلاقات المصرية الخارجية، بينما أبوغزالة يبدو محافظا صريحا شديد العداء للشيوعية وبالمقابل مواليا لأمريكا، وقد أكد على أن أمن مصر لا ينفصل عن أمن الولايات المتحدة وحلف الأطلنطى ونادى بأنه على القوات العربية أن تقوم بالتنسيق مع القيادة المركزية للولايات المتحدة، وهو يؤيد بشدة مشاركة الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات فى الاقتصاد المصرى.
وبينما يفضل مبارك وبشكل واضح العلمانية فقد اكتسب أبوغزالة صورة التدين وهو يتمتع بالشعبية داخل العديد من الدوائر الدينية وترتدى زوجته الحجاب الإسلامى فى المناسبات.
أحس مبارك بالخطر فقرر تنحية أبوغزالة.. وبينما كان المشير خارجا من بيته فى أحد أيام ربيع 1989 وكان مرتديا زيه العسكرى متجها إلى وزارة الدفاع، طلبه اللواء جمال عبدالعزيز سكرتير الرئيس وقال له: سيادة الرئيس عاوز حضرتك النهارده بس ياريت تكون بالملابس المدنية، سأله المشير: تعرف ليه يا جمال، فرد عليه قائلا: خير يا أفندم إن شاء الله.. فرد ضاحكا: لكن لابد من حكاية الملابس المدنية دى.. فقال له جمال عبدالعزيز: الأوامر كده يا أفندم.
عاد أبوغزالة إلى بيته وارتدى الزى المدنى واتجه إلى القصر الجمهورى قابلوه هناك وأدخلوه غرفة وأغلقوا عليه الباب وفى الساعة الثانية إلا ربع فتح الباب.. وبعد حوالى عشر دقائق مر الرئيس مبارك وكأنه فوجئ بوجود أبوغزالة فى القصر الجمهورى.. فقال له: الله.. أنت هنا يا محمد، فرد المشير، أيوه يا أفندم حضرتك اللى طلبتنى.. فقال له: آه.. أنا عايزك تحلف اليمين علشان عينتك مساعد لى.. وبعد أن حلف المشير أبوغزالة اليمين أعطاه الرئيس مبارك مظروفا مغلقا وقال له:اعطه للرئيس صدام حسين.. فقد أراد مبارك أن يرد بشكل عملى على سؤال صدام حسين.. عن الرئيس فى مصر هل هو مبارك أم عبدالحليم أبوغزالة؟.
منافسة مبكرة بين الرئيس والمشير
ترشيح عبد الحليم أبوغزالة لنفسه لمنصب الرئيس أو نيته فى ذلك لن تكون أول منافسة بين المشير والرئيس على المنصب الكبير.. والقصة طويلة وتعود إلى أكتوبر 1981.. لقد كانت العلاقة بين المشير عبدالغنى الجمسى أثناء وجوده فى وزارة الدفاع والنائب حسنى مبارك متوترة ومشدودة للغاية.. وكان الرئيس السادات يحاول أن يلطف الجو بينهما فيرضى هذا الطرف مرة. ويرضى الطرف الثانى مرة ثانية.. ثم جاء كمال حسن على وزيرا للدفاع خلفا للجمسى والذى كان صديقا لمبارك ولذلك فلم تحدث بينهما أى توترات فى العلاقة بينهما.
لكن التوتر عاد مرة ثانية وبصورة أشد عندما تولى أحمد بدوى وزارة الدفاع. ووصل الأمر إلى أن المشير أحمد بدوى ذهب غاضبا للرئيس السادات ليشكو له من تدخل النائب حسنى مبارك فى أعمال وزارة الدفاع، كان بدوى يتصور أن هذا التدخل بناء على توجيهات من الرئيس السادات.. إلا أنه فوجئ باستنكار السادات لهذا الاسلوب.. بل كان واضحا أن السادات فوجئ تماما وترك بقية الأمور التى جاء بدوى من أجلها وركز حديثه عن مظاهر تدخل النائب فى الجيش. طلب السادات من فوزى عبدالحافظ سكرتير الرئيس الخاص أن يطلب كمال حسن على وإحضاره فورا.
انتهت مقابلة أحمد بدوى وحضر كمال حسن على وسأله السادات عما قاله بدوى، حاول كمال حسن على أن يرد على الرئيس السادات بدبلوماسية شديدة.. إلا أن السادت كان شديد اللهجة ووجه له سؤالا محددا طلب منه الإجابة عنه وهو: هل تدخل حسنى مبارك فى شئون بعض الضباط بالقوات المسلحة، وحاول كمال حسن على أن يشرح الموقف فكرر السادات سؤاله وقال له قل لى آه ولا لا مش عاوز إجابة غير كده يا كمال.. آه. ولا لا.. فوجئ كمال حسن على بلهجة السادات فقال له: أيوه يا سيادة الرئيس حصل.
لم يرد السادات على كمال حسن على لكنه قال لفوزى عبدالحافظ: قل لمبارك يقعد فى بيته ولماأعوزه هابعت له، وذهب حسنى مبارك ليقيم فى قرية مجاويش لمدة أسبوع حتى تهدأ الأمور. وأيامها ردد الكثيرون أن منصور حسن وزير شئون رئاسة الجمهورية، ووزير الإعلام كان مرشحا ليكون نائبا للرئيس السادات بدلا من النائب حسنى مبارك ولم يكن هذا صحيحا.. فقد كان السادات يرى أن منصور حسن لسه عوده طرى لكن بعد مرمطته ممكن يكون رئيس وزراء ناصح.. وكان الرئيس السادات يرى أن منصور حسن لم ينجح فى وزارة الإعلام وأن الناصريين والشيوعيين حطوه فى جيبهم.
أما الحادثة التى قضت على منصور حسن فكانت خاصة بنقابة المحامين التى تحولت إلى مركز رئيسى للمعارضة ضد السادات وسياساته.. وتقدم منصور حسن باقتراح إلى الرئيس السادات وقال له إنه يستطيع حل المشكلة مع المحامين وسأله السادات عن طريق من؟ فرد منصور حسن: عن طريق أحمد الخواجة نقيب المحامين شخصيا.. فرد عليه السادات:أحمد الخواجة مرة واحدة.. ده ياابنى ألعوبان وأنا أعرفه كويس قوى. ده مش هيحل حاجة.. ده هيعقد الأمور أكثر، لكن منصور حسن أصر.. فقال له السادات: طيب طالما أنت مصر كده هاته وتعالى.. وتمت المقابلة بين أحمد الخواجة والرئيس السادات ووصل الكلام إلى النتيجة التى توقعها السادات.. لتنتهى بذلك قصة منصور حسن.
ما حدث فعلا أن الرئيس السادات عرض منصب نائب رئيس الجمهورية على د. مصطفى خليل مرتين.. لكنه كان يرفض فى كل مرة ويوصى الرئيس السادات خيرا بالنائب حسنى مبارك.. كان الرئيس السادات قد قرر تعيين نائبا جديدا وكان أمامه اثنان، الأول هو كمال حسن على الذى تولى المخابرات العامة ثم وزارة الدفاع ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية.. لكن التقارير الطبية التى قدمت للرئيس السادات عن صحة الفريق كمال حسن على أكدت إصابته بالسرطان فتم استبعاده!.
الثانى كان د. عبدالقادر حاتم والذى كان الرئيس السادات قد كلفه برئاسة الوزراء قبل أن يكلف فؤاد محيى الدين، ولكن وبعد أن بدأ د. حاتم فى تشكيل الوزارة طلب منه الرئيس السادات ايقاف المشاورات وقال لمن حوله وقتها، أنا باجهز حاتم لحاجة أكبر من الوزارة.. وفعلا فى 5 أكتوبر كان هناك قراران وقعهما السادات.. الأول تعيين د. عبدالقادر حاتم نائبا لرئيس الجمهورية بدلا من النائب محمد حسنى مبارك والثانى تعيين المهندس حسين عثمان بدرجة نائب رئيس وزراء، وعندما طلب معاونو السادات منه إبلاغ القرار الأول للنائب حسنى مبارك.. قال لهم أبلغوه غدا حتى يتمكن من حضور العرض العسكرى.. فقال لهم السادات: بلاش.. خلوا حسنى يحضر بكره وبعدين بلغوه بالقرار وهو ما لم يحدث حيث تمت عملية الاغتيال.
بعد اغتيال السادات تزعم د. فؤاد محيى الدين حملة لتنصيب النائب حسنى مبارك فى منصب رئيس الجمهورية وكانت وجهة نظر د. صوفى أبوطالب رئيس مجلس الشعب والذى تولى رئاسة الجمهورية مؤقتا وبعض الأطراف الأخرى المؤثرة فى السلطة هو المفاضلة بين النائب حسنى مبارك والفريق عبدالحليم أبوغزالة، ورأى البعض أن ذلك أمر يخص المؤسسة العسكرية ولذلك يجب أن تجتمع رموزها وتختار من تريد من الاثنين.
أدرك فؤاد محيى الدين أن كفة عبدالحليم أبوغزالة من الممكن أن تكون هى الراجحة.. لذلك لجأ إلى حيلة حيث تحدث مع عبدالحليم أبوغزالة أمام الذين يعرف أنهم يميليون إلى ترشيحه وقال له: سيادة الوزير الرأى اجتمع على اختيار النائب حسنى مبارك رئيسا للجمهورية، ويسعدنا سماع وجهة نظرك.. فرد عبدالحليم أبوغزالة: ودى فيها وجهة نظر طبعا الأخ حسنى مناسب جدا ليكون رئيسا للجمهورية
موضوع لا تعليق عليه غير انك تعرف وتتاكد من حقيقة واحدة بس ان المؤامرات والصراعات هى الماء والهواء التى يعيش النظام عليها حتى الان
سلام يا بلد الجدعان:bud[1]:
قلق النظام من ترشيح أبوغزالة نفسه لانتخابات الرئاسة ليس بسبب درجة القبول التى يحظى بها فى الشارع المصرى.. ولكن هناك تأكيدات أن معاونى أبوغزالة حصلوا حتى الآن على تأييد 82 عضوا من أعضاء مجلس الشعب.. هذا فى الوقت الذى يتطلب التقدم للترشيح موافقة 65 عضوا من المجلس.. وهؤلاء الأعضاء كان وراء تأييدهم لأبوغزالة مبارك نفسه حيث أعلن منذ فترة عن استبعاد الحزب الوطنى ل 120 عضوا من الترشيح فى انتخابات مجلس الشعب المقبلة.. انقلب هؤلاء على حزبهم وبدأوا فى ترتيب مصالحهم مع ما يساندهم لا من يستبعدهم!.
هذا الخطأ الذى وقع فيه مبارك يدل على عدم حنكته السياسية.. فهو لم يتعلم الدرس من كمال الشاذلى الذى كان يعد الجميع بأنه سيرشحهم على اسم الحزب الوطنى وقبل ساعات من الموعد المحدد لإغلاق باب الترشيح يعلن الشاذلى قائمة المرشحين فيقعون فى حيرة وفى الغالب كان المستبعدون ينزلون الانتخابات كمستقلين ثم بعد ذلك ينضمون للحزب بعد دخول البرلمان.. أما الآن فقد استبعدهم جمال مبارك بعد أن قرر تقريب رجال الأعمال منه وإحاطة نفسه بهم باعتبارهم رجاله ومعاونيه.
انقلاب أبوغزالة على أمريكا
كان أبوغزالة رجل أمريكا الأول فى مصر.. كان هذا واضحا للغاية.. فقد ساعدت واشنطن على تأكيد وضع أبوغزالة منذ يونيو 1986.. حيث لم يتم استقباله عند زيارته للولايات المتحدة بواسطة وزير الدفاع كاسبارواينبرجرو حده وإنما أيضا وزير الخارجية ومستشار الأمن القومى وبوش نائب رئيس الجمهورية وعدد من أعضاء مجلس النواب والشيوخ كما أنه لم يبحث تخفيض فوائد الدين العسكرى فحسب وإنما ناقش قضايا اقتصادية عامة.. بينما ترك الأعضاء الوفد المصرى من المدنيين ومن بينهم وزير التخطيط والتعاون الدولى كمال الجنزورى ووزير المالية صلاح حامد ووزير الدولة لشئون مجلس الوزراء عاطف عبيد بحث المسائل الفنية بعد أن توصل أبوغزالة ومجموعة ريجان إلى الاتفاق حول المبادئ العامة.
عمل الرئيس مبارك منذ هذه اللحظة على تحجيم دورأبوغزالة.. لكنه لم يستطع أن يفعل شيئا ملموسا فى ذلك.. ففى نوفمبر من العام نفسه عاد أبوغزالة إلى واشنطن لاستئناف المباحثات وكانت رحلة مبارك لنفس الغرض قد تم تأجيلها فلم ترغب واشنطن فى استقباله قبل الاتفاق على الإصلاحات الاقتصادية.
لم يكن أبوغزلة يعمل خلال علاقته الجيدة مع أمريكا لمصلحة الأمريكان.. ولذلك عندما تعارضت هذه المصلحة مع مشروعاته تجاوزها تماما.. حيث قرر الحصول على مادة تطوير الصواريخ العراقية، ولأنه كان يعرف أن أمريكا لن توافق على طلبه، فقد قرر أن يهرب هذه المادة بعملية خاصة نجحت بنسبة مائة فى المائة، والمفاجأة أن الرئيس مبارك لم يكن يعرف شيئا عن تفاصيل هذه العملية التى بسببها انقلبت أمريكا على أبوغزالة بشكل كامل.
لم تتردد أمريكا فى الإطاحة بأبوغزالة.. فعندما كان مبارك يزور أمريكا فى عام 1989 أخذه بوش الأب إلى حديقة البيت الأبيض وأخذا يمشيان ثم سأله فجأة أخبار عبدالحليم أبوغزالة إيه؟ فرد الرئيس مبارك مندهشا.. ما هو ده الراجل بتاعكم.. فرد بوش بحسرة: لا ده مش الراجل بتاعنا ومن الأفضل أن يترك منصبه فى أسرع وقت.
خطة الإطاحة بأبوغزالة من منصبه
لم تكن مقابلة الرئيس مبارك لبوش الأب وطلبه منه أن يعزل أبوغزالة هى دافع مبارك الوحيد، ففى الملف كانت هناك أوراق كثيرة.. فبعد أن استسلمت إيران التقى مبارك بصدام حسين الذى شكر الرئيس على جهوده وعلى ما قام به أبوغزالة.. وبدأ صدام حسين فى سرد قصة تطوير الصواريخ على مسامع الرئيس مبارك الذى لم يكن يعرف عنها أى شيء. ويبدو أن صدام حسين أدرك أن الرئيس مبارك يسمع الكلام لأول مرة.. فلم يخف اندهاشه وقال لمبارك: سيادة الرئيس اسمح لى أنت رئيس الجمهورية أم عبدالحليم أبوغزالة.. لم يعلق الرئيس مبارك على ما قاله صدام حسين وأخفى الأمر فى نفسه.
كان الرئيس مبارك قد وصلته كذلك دراسة لكاتب أمريكى هو د. روبرت سبرنجورج نشرها عام 1987 فى مجلة ميد ايست ريبورت كان عنوانها الرئيس والمشير.. العلاقات المدنية العسكرية فى مصر اليوم.. كانت بالدراسة مقارنة واضحة بين الرئيس مبارك والمشير أبوغزالة ويمكن إجمال هذه المقارنة فى الآتى:
كان أبوغزالة المرشح النموذجى ليصبح رجل مبارك.. حيث أكد الفارق بينهما فى السن عامان فقط والرتبة سلطة مبارك، ولم يحدث أن كان أبوغزالة ومبارك متنافسين فى القوات المسلحة حيث كان أبوغزالة متخصصا فى المدفعية بينما كان مبارك طيارا حربيا وقد تلقى كل منهما تدريبا فى الاتحاد السوفيتى، ومنذ 1979 بينما كان أبوغزالة ملحقا عسكريا فى واشنطن ومبارك نائبا للرئيس.. عمل الاثنان فى تطوير المعونة العسكرية مع الولايات المتحدة.
رغم أن مبارك وأبوغزالة يمتلكان صفات شخصية متميزة ويشتركان فى الخبرات إلا أن الرجلين فى الواقع مختلفان اختلافا كبيرا. فأبوغزالة شخصية ذات منطق واضح قوى وطموح كما أن مقابلاته غير المسجلة مع الصحفيين الأمريكيين تعطى المشاهد انطباعا بقدرته على مواجهة المسائل مباشرة وبشكل محدد، بعكس مبارك الذى يعطى انطباعا بأنه حمل عناء الرئاسة كرها، وقرر بصرف النظر عن الواجب أداء ا لوظيفة بأفضل ما يمكنه.. ويعطى أبوغزالة انطباعا بأنه يتطلع إلى السلطة ويريد تنفيذ برنامجه.
كان أبوغزالة يتمتع بحسن الطالع فهو يتناوب مع الرئيس فى حضور مباريات كرة القدم المهمة، وقد استمر هذا الارتباط حتى أصبح فى عام 1986 نكتة شائعة وفى صيف تلك السنة فاز الفريق المصرى بمعجزة بكأس إفريقيا بينما كان مبارك يشجعه وأطلق على المباراة فورا لقب كأس مبارك.
تختلف القناعات السياسية والسلوك السياسى لكل من مبارك وأبوغزالة فى الشكل والمضمون.. فمبارك الذى يتمتع بمزاج إدارى سعى لدمج اتجاهات عدة فى السياسة المصرية وإعادة بعض التوازن إلى العلاقات المصرية الخارجية، بينما أبوغزالة يبدو محافظا صريحا شديد العداء للشيوعية وبالمقابل مواليا لأمريكا، وقد أكد على أن أمن مصر لا ينفصل عن أمن الولايات المتحدة وحلف الأطلنطى ونادى بأنه على القوات العربية أن تقوم بالتنسيق مع القيادة المركزية للولايات المتحدة، وهو يؤيد بشدة مشاركة الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات فى الاقتصاد المصرى.
وبينما يفضل مبارك وبشكل واضح العلمانية فقد اكتسب أبوغزالة صورة التدين وهو يتمتع بالشعبية داخل العديد من الدوائر الدينية وترتدى زوجته الحجاب الإسلامى فى المناسبات.
أحس مبارك بالخطر فقرر تنحية أبوغزالة.. وبينما كان المشير خارجا من بيته فى أحد أيام ربيع 1989 وكان مرتديا زيه العسكرى متجها إلى وزارة الدفاع، طلبه اللواء جمال عبدالعزيز سكرتير الرئيس وقال له: سيادة الرئيس عاوز حضرتك النهارده بس ياريت تكون بالملابس المدنية، سأله المشير: تعرف ليه يا جمال، فرد عليه قائلا: خير يا أفندم إن شاء الله.. فرد ضاحكا: لكن لابد من حكاية الملابس المدنية دى.. فقال له جمال عبدالعزيز: الأوامر كده يا أفندم.
عاد أبوغزالة إلى بيته وارتدى الزى المدنى واتجه إلى القصر الجمهورى قابلوه هناك وأدخلوه غرفة وأغلقوا عليه الباب وفى الساعة الثانية إلا ربع فتح الباب.. وبعد حوالى عشر دقائق مر الرئيس مبارك وكأنه فوجئ بوجود أبوغزالة فى القصر الجمهورى.. فقال له: الله.. أنت هنا يا محمد، فرد المشير، أيوه يا أفندم حضرتك اللى طلبتنى.. فقال له: آه.. أنا عايزك تحلف اليمين علشان عينتك مساعد لى.. وبعد أن حلف المشير أبوغزالة اليمين أعطاه الرئيس مبارك مظروفا مغلقا وقال له:اعطه للرئيس صدام حسين.. فقد أراد مبارك أن يرد بشكل عملى على سؤال صدام حسين.. عن الرئيس فى مصر هل هو مبارك أم عبدالحليم أبوغزالة؟.
منافسة مبكرة بين الرئيس والمشير
ترشيح عبد الحليم أبوغزالة لنفسه لمنصب الرئيس أو نيته فى ذلك لن تكون أول منافسة بين المشير والرئيس على المنصب الكبير.. والقصة طويلة وتعود إلى أكتوبر 1981.. لقد كانت العلاقة بين المشير عبدالغنى الجمسى أثناء وجوده فى وزارة الدفاع والنائب حسنى مبارك متوترة ومشدودة للغاية.. وكان الرئيس السادات يحاول أن يلطف الجو بينهما فيرضى هذا الطرف مرة. ويرضى الطرف الثانى مرة ثانية.. ثم جاء كمال حسن على وزيرا للدفاع خلفا للجمسى والذى كان صديقا لمبارك ولذلك فلم تحدث بينهما أى توترات فى العلاقة بينهما.
لكن التوتر عاد مرة ثانية وبصورة أشد عندما تولى أحمد بدوى وزارة الدفاع. ووصل الأمر إلى أن المشير أحمد بدوى ذهب غاضبا للرئيس السادات ليشكو له من تدخل النائب حسنى مبارك فى أعمال وزارة الدفاع، كان بدوى يتصور أن هذا التدخل بناء على توجيهات من الرئيس السادات.. إلا أنه فوجئ باستنكار السادات لهذا الاسلوب.. بل كان واضحا أن السادات فوجئ تماما وترك بقية الأمور التى جاء بدوى من أجلها وركز حديثه عن مظاهر تدخل النائب فى الجيش. طلب السادات من فوزى عبدالحافظ سكرتير الرئيس الخاص أن يطلب كمال حسن على وإحضاره فورا.
انتهت مقابلة أحمد بدوى وحضر كمال حسن على وسأله السادات عما قاله بدوى، حاول كمال حسن على أن يرد على الرئيس السادات بدبلوماسية شديدة.. إلا أن السادت كان شديد اللهجة ووجه له سؤالا محددا طلب منه الإجابة عنه وهو: هل تدخل حسنى مبارك فى شئون بعض الضباط بالقوات المسلحة، وحاول كمال حسن على أن يشرح الموقف فكرر السادات سؤاله وقال له قل لى آه ولا لا مش عاوز إجابة غير كده يا كمال.. آه. ولا لا.. فوجئ كمال حسن على بلهجة السادات فقال له: أيوه يا سيادة الرئيس حصل.
لم يرد السادات على كمال حسن على لكنه قال لفوزى عبدالحافظ: قل لمبارك يقعد فى بيته ولماأعوزه هابعت له، وذهب حسنى مبارك ليقيم فى قرية مجاويش لمدة أسبوع حتى تهدأ الأمور. وأيامها ردد الكثيرون أن منصور حسن وزير شئون رئاسة الجمهورية، ووزير الإعلام كان مرشحا ليكون نائبا للرئيس السادات بدلا من النائب حسنى مبارك ولم يكن هذا صحيحا.. فقد كان السادات يرى أن منصور حسن لسه عوده طرى لكن بعد مرمطته ممكن يكون رئيس وزراء ناصح.. وكان الرئيس السادات يرى أن منصور حسن لم ينجح فى وزارة الإعلام وأن الناصريين والشيوعيين حطوه فى جيبهم.
أما الحادثة التى قضت على منصور حسن فكانت خاصة بنقابة المحامين التى تحولت إلى مركز رئيسى للمعارضة ضد السادات وسياساته.. وتقدم منصور حسن باقتراح إلى الرئيس السادات وقال له إنه يستطيع حل المشكلة مع المحامين وسأله السادات عن طريق من؟ فرد منصور حسن: عن طريق أحمد الخواجة نقيب المحامين شخصيا.. فرد عليه السادات:أحمد الخواجة مرة واحدة.. ده ياابنى ألعوبان وأنا أعرفه كويس قوى. ده مش هيحل حاجة.. ده هيعقد الأمور أكثر، لكن منصور حسن أصر.. فقال له السادات: طيب طالما أنت مصر كده هاته وتعالى.. وتمت المقابلة بين أحمد الخواجة والرئيس السادات ووصل الكلام إلى النتيجة التى توقعها السادات.. لتنتهى بذلك قصة منصور حسن.
ما حدث فعلا أن الرئيس السادات عرض منصب نائب رئيس الجمهورية على د. مصطفى خليل مرتين.. لكنه كان يرفض فى كل مرة ويوصى الرئيس السادات خيرا بالنائب حسنى مبارك.. كان الرئيس السادات قد قرر تعيين نائبا جديدا وكان أمامه اثنان، الأول هو كمال حسن على الذى تولى المخابرات العامة ثم وزارة الدفاع ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية.. لكن التقارير الطبية التى قدمت للرئيس السادات عن صحة الفريق كمال حسن على أكدت إصابته بالسرطان فتم استبعاده!.
الثانى كان د. عبدالقادر حاتم والذى كان الرئيس السادات قد كلفه برئاسة الوزراء قبل أن يكلف فؤاد محيى الدين، ولكن وبعد أن بدأ د. حاتم فى تشكيل الوزارة طلب منه الرئيس السادات ايقاف المشاورات وقال لمن حوله وقتها، أنا باجهز حاتم لحاجة أكبر من الوزارة.. وفعلا فى 5 أكتوبر كان هناك قراران وقعهما السادات.. الأول تعيين د. عبدالقادر حاتم نائبا لرئيس الجمهورية بدلا من النائب محمد حسنى مبارك والثانى تعيين المهندس حسين عثمان بدرجة نائب رئيس وزراء، وعندما طلب معاونو السادات منه إبلاغ القرار الأول للنائب حسنى مبارك.. قال لهم أبلغوه غدا حتى يتمكن من حضور العرض العسكرى.. فقال لهم السادات: بلاش.. خلوا حسنى يحضر بكره وبعدين بلغوه بالقرار وهو ما لم يحدث حيث تمت عملية الاغتيال.
بعد اغتيال السادات تزعم د. فؤاد محيى الدين حملة لتنصيب النائب حسنى مبارك فى منصب رئيس الجمهورية وكانت وجهة نظر د. صوفى أبوطالب رئيس مجلس الشعب والذى تولى رئاسة الجمهورية مؤقتا وبعض الأطراف الأخرى المؤثرة فى السلطة هو المفاضلة بين النائب حسنى مبارك والفريق عبدالحليم أبوغزالة، ورأى البعض أن ذلك أمر يخص المؤسسة العسكرية ولذلك يجب أن تجتمع رموزها وتختار من تريد من الاثنين.
أدرك فؤاد محيى الدين أن كفة عبدالحليم أبوغزالة من الممكن أن تكون هى الراجحة.. لذلك لجأ إلى حيلة حيث تحدث مع عبدالحليم أبوغزالة أمام الذين يعرف أنهم يميليون إلى ترشيحه وقال له: سيادة الوزير الرأى اجتمع على اختيار النائب حسنى مبارك رئيسا للجمهورية، ويسعدنا سماع وجهة نظرك.. فرد عبدالحليم أبوغزالة: ودى فيها وجهة نظر طبعا الأخ حسنى مناسب جدا ليكون رئيسا للجمهورية
موضوع لا تعليق عليه غير انك تعرف وتتاكد من حقيقة واحدة بس ان المؤامرات والصراعات هى الماء والهواء التى يعيش النظام عليها حتى الان
سلام يا بلد الجدعان:bud[1]: