كيف يأخذ المسلمون بأسباب النصر؟
وكيف يرجعون إلى دينهم؟
لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر، واشتغلتم بالزرع أو بالضيعة، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه أو لا يضعه حتى ترجعوا إلى دينكم }.
إذاً: فلا بد أن نفكر كيف نرجع إلى ديننا، وكيف نأخذ بالأسباب التي ننتصر بها على أعدائنا، ومن هذه الأسباب:
الضراعة إلى الله تبارك وتعالى
قال تعالى في قصة قوم يونس:
فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا
[يونس:98] فهم آمنوا فكشف الله تبارك وتعالى عنهم العذاب، عندما خرجوا وتضرعوا إلى الله، بأطفالهم ونسائهم ومواشيهم أيضاً، فتضرعوا إلى الله تعالى، كما ذكر المفسرون من السلف أربعين ليلة، بعد أن واعدهم يونس عليه السلام عذاب الله، وذهب مغاضباً وقال لهم: سيأتيكم العذاب بعد ثلاث، فعلموا أنه نبي، وأن النبي لا يكذب؛ فتضرعوا إلى الله، فكشف عنهم العذاب، ومتعهم إلى حين.
فالضراعة سبب عظيم لا يجوز أن نغفله ولا أن ننساه، ولنعلم أن الضراعة ليست هي مجرد الدعاء، وليس التضرع -فقط- أن ندعو الله تبارك وتعالى، ولكن الدعاء هو أول ما يدخل في مسمى وفي مدلول التضرع.
التوبة من الذنوب
يجب علينا أن نتوب إلى الله تبارك وتعالى من كل ذنب، وأن نعد العدة لدفع أسباب هذا البلاء، فإن كان عدواً فلنعد العدة لجهاده، وإن كان -أيضاً- جدباً أو قحطاً فلنزرع الأرض، ونعد العدة لها، ونأخذ بالأسباب..... وهكذا، فالمقصود أن التضرع ليس هو مجرد الدعاء، وإنما هو المدخل للتوبة والإنابة والاستغفار، وما ذكرناه من مراجعة النفس ومحاسبتها، وكل بحسبه وكل في موقعه.
تحكيم شرع الله
يجب على الحكام والأمراء أن يراجعوا أنفسهم، ويحكموا الناس بشرع الله ليذهب الله تسلط الأعداء علينا كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث: {وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله إلا سلط الله عليهم عدواً يأخذ بعض ما في أيديهم
}.
إذا فالقضاة، والأمراء، والمدراء، والرؤساء، وكل من ولاه الله تبارك وتعالى أمراً يجب عليه أن يتقي الله فيه، وأن يكون كما أمر الله تبارك وتعالى:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ
[النحل:90] وقال تعالى:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ
[النساء:58]، فلنراجع أنفسنا، ولنتلاف كل تقصير فينا.
تذكر واجب العلماء
العلماء واجبهم عظيم، وهم -كما نص السلف الصالح - من أولي الأمر، الذين أوجب الله تبارك وتعالى طاعتهم، قال تعالى:
أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ
[النساء:59] وقد ذكر شَيْخ الإِسْلامِ أنهم الأمراء والعلماء، فالعلماء هم -أيضاً- ولاة على الأمة في أمر عظيم. لأنهم الحارس والرقيب؛ ولأنهم الأمين والمؤتمن على كل ما يتعلق بالأمة.
إن لدى الدول الجاهلية والوضعية برلمانات ومجالس شيوخ ومجالس نواب؛ من أجل هذه الرقابة، إضافة إلى السلطة الشوروية أو التشريعية أو الرقابية..... إلى غير ذلك، كما يسمونه في القوانين الوضعية. أما أمة الإيمان والإسلام والتوحيد، فعندها العلماء، الذين أمرهم الله تبارك وتعالى، فقال:
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ
[آل عمران:187]، وإن كان بعض العوام أو بعض الناس من المقصرين، لا يريد بيان ذنوبه وعيوبه. التي يجب عليه أن يتركها، ولكن يجب على العلماء أن يبينوا الحق كما ذكر الله تبارك وتعالى فقال:
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
[النحل:125] فواجب العلماء أن يقودوا الأمة -أيضاً- في أي موقف، وأعظم المواقف هي مواقف الجهاد، فقد كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقود المعارك بنفسه وهو نبي الله ورسوله وأكرم الخلق على الله، وكان صحابته من بعده كذلك.
ومن المعلوم أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أقسم أنه لولا أهل الأعذار لما تخلف عن سرية تخرج في سبيل الله قط، وكذلك أبو بكر وعمر لم يمنعهما من الخروج؛ إلا أن يكونوا فئة للمسلمين يتحيز إليها كل جيش يجابه من هنالك، وليمددوا المؤمنين، وقد أراد عمر -رضي الله عنه-، أن يخرج لقتال فارس، فقيل له: يا أمير المؤمنين! ابعث إليهم وابق هنا، فإن أصيبوا فأنت فئة لهم، ولكن إن أصبت ذهب الإسلام فكان رضي الله عنهم هذا شأنهم.
كذلك شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية شارك بنفسه في بيان ضلال التتار وكفرهم وخروجهم عن الشريعة، وشارك بنفسه في المعركة، فواجب العلماء عظيم، والحمد لله الذي منَّ علينا في هذه البلاد الطيبة الطاهرة بهؤلاء العلماء الذين هم على منهج السلف الصالح -ولله الحمد- دعوة، وعملاً، وعقيدة، وعلماً، وجهاداً، فهذا من فضل الله تبارك وتعالى علينا.
ولكن بقي واجبنا نحن طلبة العلم، ونحن عامة المسلمين، وهو أن نشد من أزرهم وأن يكون المسلمون جميعاً يداً واحدة وقيادة واحدة، وهدفاً واحداً وغاية واحدة، فلا مجال لمن يندس، ولا مجال للدخيل، ولا مجال لمن يبث الفرقة فيما بيننا، فالهدف للجميع واحد، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله
} فالغاية هي هذه، والوسيلة واحدة وإن تنوعت وسائطها، فلنكن في الجهاد في سبيل الله ومقاومة أعداء الله صفاً واحداً، كأننا بنيان مرصوص، كما أمر الله تبارك وتعالى.
وحدة الصف
إنَّ الصف يجب أن يكون واحداً، فيما نسميه نحن اليوم "الجبهة الداخلية"، وتعتبر ضرورتها أكيدة، فوحدة الجبهة الداخلية واجتماعها، وإقناعها بحقيقة المعركة وتصوير الأمر لها على حقيقته؛ لتقف صفاً واحداً متراصاً خلف العلماء، وخلف القيادة المؤمنة، فهذه -أيضاً- ضرورة لا بد منها.
ومن هنا كان الواجب علينا أن نُبصِّر المسلمين جميعاً -خاصتهم وعامتهم- بما فيهم من خلل وخطأ وتقصير، فعندما يتهافت العامة على الطعام والشراب في وقت كان الواجب عليهم فيه أن يفكروا في حمل السلاح والجهاد في سبيل الله ودفع المعتدين المجرمين، فهذا دليل على نقص وخلل عندهم، والواجب علينا -نحن طلاب العلم والدعاة- أن نصلحه، لأن فينا الخطيب أو الداعية أو المدرس أو الواعظ أو الإمام.
لا بد أن نقوم بواجبنا -نحن- في تماسك هذه الجبهة، من أجل ألا يكون فيها من يعذبنا الله -تبارك وتعالى- أو يُسَلِّطْ علينا بسببه، حتى لو كان الجيش يقوده رسول، كما كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكما كان موسى، حيث وجد الغلول في الجيش: وهو الأخذ من الغنيمة، وهذا مما يسبب ويجلب الهزيمة، وكذلك إذا وجدت الخيانة والزنا أو الفساد، فإنه يسلط علينا الأعداء نسأل الله العفو والعافية.
وقد ذكر المفسرون في قصة موسى أمراً عظيماً، وهو أن الذنوب يجب أن يتطهر الجيش والناس منها، فالذين يسمون الجبهة الداخلية لابد أن يتطهر كل فرد منهم من هذه المعاصي ومن أدران الذنوب، ويجعل ولاءه خالصاً لله عز وجل، وهدفه إعلاء كلمة الله تبارك وتعالى، ويكون الجميع قيادة وعلماء ودعاة وجيشاً وعامة يداً واحدةً -كما أمر الله تبارك وتعالى- على كل كافر وفاجر وظالم ومعتد.
فإذا أخذنا بهذه الأسباب، وأحكمنا -فعلاً- هذه الجبهة الداخلية، وجمعناها على الحق، وجعلناها يداً واحدة، وتمسكنا جميعاً بكتاب الله تبارك وتعالى واعتصمنا بحبله، فسوف نجد أننا في موقف لا يستطيع أي معتد أو مجرم أو غاصب أن يمني نفسه بهذه البلاد؛ بل بأية بقعة من بقاع العالم الإسلامي؛ لأنه يعلم أن للحمى حرّاساً أشداء.
جهاد الطلب
إن واجبنا كما أمر الله تبارك وتعالى ليس فقط جهاد الدفع، بل هو جهاد الطلب، وهو أن يطارد الكفار والمرتدون والمجرمون ويغزون في عقر دارهم؛ لينضموا تحت راية لا إله إلا الله وتحت كلمة الحق، حتى تكون كلمة الله هي العليا، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، فإذا لم نحرك مشاعر الأمة، ونستحثها بهذه الغاية العظيمة فإننا سنظل مقصرين في هذا الجانب.
إن الأمم الكفرية أو المرتدة، أو الضالة خلقت لمتاع الدنيا، فتتنافس في الدنيا، وتجد أن اقتصادها في زينتها وفي زخارفها، أما أمة الإسلام فغرضها وعملها الأساس هو الجهاد، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { وجعل رزقي تحت ظل رمحي } فهذه الأمة يبني أعداؤها ويشيدون ويجمعون ويتحضرون كما يشاءون، ثم يجعلهم الله تبارك وتعالى غنيمة للمسلمين، فمثلاً: الحضارة الرومانية ظلت ألف سنة أو أكثر وهي تبنى فجعلها الله غنيمة للمسلمين، وكذلك الحضارة الفارسية ظلت أكثر من ذلك، فجعلها الله تبارك وتعالى غنيمة للمسلمين.
وكذلك جيش فارس، فقد كانت الرتب العسكرية ليست كحال الناس اليوم، يصنعونها من المعادن؛ إنما كانت الرتب العسكرية في جيشهم من اللؤلؤ، وبقدر ثمن اللؤلؤة التي يضعها القائد على التاج -على رأسه- تكون رتبته، فالقادة الكبار مثل ماهان ورستم وجابان ، كان ثمن لؤلؤة كل واحد منهم مائة ألف دينار، وثمن لؤلؤة من يليهم عشرة آلاف دينار، فكانت رتبهم بهذا الترف والبطر، ولما جاءهم أمر الله تبارك وتعالى، وجاء جيش التوحيد، أخذوا بتيجانهم وعروشهم.
وكانوا كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز وجل } ثم فتحت كنوز كسرى وقيصر وأنفقت على جهاد الصين وجهاد بلاد ما وراء النهر ، حتى إن موسكو -التي هي عاصمة روسيا اليوم- ظلت قروناً تدفع الجزية للمسلمين، وهذا من فضل الله -تبارك وتعالى-.
وكذلك الروم بنوا في مصر وفلسطين وبلاد الشام الطرق الرومانية الشهيرة، وبنوا المدن والمآثر الرومانية المعروفة في التاريخ مثل مدينة دمشق ، وغيرها من المدن العظيمة، فعندما جاء جيش الإيمان والتوحيد ملكوها والحمد لله وملكوا مزارعها، وضربوا عليهم فيها ما أمر الله تبارك وتعالى به من الجزية، أو من الخراج، بحسب الأحكام الشرعية المعروفة، وكانوا لقمة سائغة لهذه الأمة والحمد لله، فبنوا وشادوا وأعدوا، فجعلهم الله تبارك وتعالى غنيمة للمسلمين وأورثهم أرضهم وديارهم.
لقد خرجوا من هذه الجزيرة ومن هذه الصحراء التي جعلها الله في كل العصور -ولله الحمد- حصناً منيعاً ترتد عليه رماح المعتدين على أعقابهم خاسرين، خرجوا منها حفاة عراة، وإذا بهم يستوطنون الأندلس ، وأواسط آسيا ، وشمالالهند التي يقال فيها جنة الدنيا لما فيها من الجمال. فكل ما في هذه الدنيا من خير ونعمة أوتوه -ولله الحمد- بالتقوى وبالإيمان، قال تعالى:
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ
[الأنبياء:105]، فهذا وعد من الله لعباده الصالحين أنه سوف يورثهم الأرض في هذه الدنيا والله على كل شيء قدير.
المخاطب -طبعاً- في هذه الأبيات تعرفونه جميعاً أو سوف تعرفونه كما تحدثنا:
طلعة المجد في رباك تجول وسنا الحق في ذراك يصول
في مدار الأفلاك تعرج والشرق والغرب تهافت وأفول
الرسالات من ربوعك قامت ولخير الهداة أنت الرسول
عجز الشعر عن ثنائك والدهر إذ الشعر فيك شأن يطول
هذه المعجزات أتعبت العدُ وعاد التأريخ وهو ذهول
فاسأل الدردنيل واسأل بواتيه وروما فما تراها تقول
تلك أطلالهم تماثيل شؤم شاحبات فما تعد الطلول
كل عرش في قبضتيك أسير كل كنز إلى يديك يئول
فاهطلي أيها السحابة هنداً أو على الصين ليس منك غلول
سيفك الحق في الوهاد صريخ ليس في معمع القتال نكول
كلما در شارق يتهادى طلب العتب منك مجد أثيل
كلما خر كوكب يتهاوى بين جفنيك حلم عز طويل
أنت فوق الورى ورأس الذرى وأنت الإصرار والمستحيل
تعبد الله وحده وتعالى أذن الحق فاخرسي يا طبول
قل لمن أرجفوا مماتك زوراً أو ما يعتري الجواد الذهول
أو ما تخفق الشواهب للأرض وإن كان في السماء تجول
لا تلمني في ساعة الفر إلا إن تراخى من بعد كر يهول
فاعصفي يا رياح بالدرب هولاً أو تأني فعزمتي لا تزول
يرعب الراجمات مقلاع طفلي وشراعي يهابه الأسطول
عز للسيف نبوة في جهاد سنة للكماة هذا الرسول
أنت أنشودة الحياة وملحمة الدهر فماذا عليك إن لم يقولوا
أنت إن قمت غير عابئ شيء فالطواغيت كلهن هزيل
وإذا الحق سل منك حساماً فالشعارات كلهن قتيل
أنجبتك البطحاء وهي ولود وغدتك الشام وهي بتول
كلهم سوف يغلبون جميعاً كلهم عن حماك سوف يزول
رب فوج يقود للروع فوجاً وخيول تجرهن خيول
موكبٍ ترهب المنايا سراه رابط الجأش للدماء نهول
هذه الصافنات أورين قدحاً فالنواصي شهيدة والذيول
وأدتها رمالنا البيد وأمست نعوشهن التلول
كلما أظلمت من الرهج البيد أضاء السماء سيف صقيل
وطئت بالسنابك الصم أحلام هولاكو وأودى الصليب والمستطيل
أنت أوثقت من جبابرة الكفر قروماً فكلهن ذليل
ما عتاب الكريم إن عثر الجد زماناً ولم يجد من يقيل
إن تكن غضبة فصفح جميل أو تكن محنة فصبر جميل
والحمد لله رب العالمين
___________________
المصدر موقع الشيخ الدكتور سفر الحوالي
وكيف يرجعون إلى دينهم؟
لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر، واشتغلتم بالزرع أو بالضيعة، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه أو لا يضعه حتى ترجعوا إلى دينكم }.
إذاً: فلا بد أن نفكر كيف نرجع إلى ديننا، وكيف نأخذ بالأسباب التي ننتصر بها على أعدائنا، ومن هذه الأسباب:
الضراعة إلى الله تبارك وتعالى
قال تعالى في قصة قوم يونس:
فالضراعة سبب عظيم لا يجوز أن نغفله ولا أن ننساه، ولنعلم أن الضراعة ليست هي مجرد الدعاء، وليس التضرع -فقط- أن ندعو الله تبارك وتعالى، ولكن الدعاء هو أول ما يدخل في مسمى وفي مدلول التضرع.
التوبة من الذنوب
يجب علينا أن نتوب إلى الله تبارك وتعالى من كل ذنب، وأن نعد العدة لدفع أسباب هذا البلاء، فإن كان عدواً فلنعد العدة لجهاده، وإن كان -أيضاً- جدباً أو قحطاً فلنزرع الأرض، ونعد العدة لها، ونأخذ بالأسباب..... وهكذا، فالمقصود أن التضرع ليس هو مجرد الدعاء، وإنما هو المدخل للتوبة والإنابة والاستغفار، وما ذكرناه من مراجعة النفس ومحاسبتها، وكل بحسبه وكل في موقعه.
تحكيم شرع الله
يجب على الحكام والأمراء أن يراجعوا أنفسهم، ويحكموا الناس بشرع الله ليذهب الله تسلط الأعداء علينا كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث: {وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله إلا سلط الله عليهم عدواً يأخذ بعض ما في أيديهم
إذا فالقضاة، والأمراء، والمدراء، والرؤساء، وكل من ولاه الله تبارك وتعالى أمراً يجب عليه أن يتقي الله فيه، وأن يكون كما أمر الله تبارك وتعالى:
تذكر واجب العلماء
العلماء واجبهم عظيم، وهم -كما نص السلف الصالح - من أولي الأمر، الذين أوجب الله تبارك وتعالى طاعتهم، قال تعالى:
إن لدى الدول الجاهلية والوضعية برلمانات ومجالس شيوخ ومجالس نواب؛ من أجل هذه الرقابة، إضافة إلى السلطة الشوروية أو التشريعية أو الرقابية..... إلى غير ذلك، كما يسمونه في القوانين الوضعية. أما أمة الإيمان والإسلام والتوحيد، فعندها العلماء، الذين أمرهم الله تبارك وتعالى، فقال:
ومن المعلوم أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أقسم أنه لولا أهل الأعذار لما تخلف عن سرية تخرج في سبيل الله قط، وكذلك أبو بكر وعمر لم يمنعهما من الخروج؛ إلا أن يكونوا فئة للمسلمين يتحيز إليها كل جيش يجابه من هنالك، وليمددوا المؤمنين، وقد أراد عمر -رضي الله عنه-، أن يخرج لقتال فارس، فقيل له: يا أمير المؤمنين! ابعث إليهم وابق هنا، فإن أصيبوا فأنت فئة لهم، ولكن إن أصبت ذهب الإسلام فكان رضي الله عنهم هذا شأنهم.
كذلك شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية شارك بنفسه في بيان ضلال التتار وكفرهم وخروجهم عن الشريعة، وشارك بنفسه في المعركة، فواجب العلماء عظيم، والحمد لله الذي منَّ علينا في هذه البلاد الطيبة الطاهرة بهؤلاء العلماء الذين هم على منهج السلف الصالح -ولله الحمد- دعوة، وعملاً، وعقيدة، وعلماً، وجهاداً، فهذا من فضل الله تبارك وتعالى علينا.
ولكن بقي واجبنا نحن طلبة العلم، ونحن عامة المسلمين، وهو أن نشد من أزرهم وأن يكون المسلمون جميعاً يداً واحدة وقيادة واحدة، وهدفاً واحداً وغاية واحدة، فلا مجال لمن يندس، ولا مجال للدخيل، ولا مجال لمن يبث الفرقة فيما بيننا، فالهدف للجميع واحد، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله
وحدة الصف
إنَّ الصف يجب أن يكون واحداً، فيما نسميه نحن اليوم "الجبهة الداخلية"، وتعتبر ضرورتها أكيدة، فوحدة الجبهة الداخلية واجتماعها، وإقناعها بحقيقة المعركة وتصوير الأمر لها على حقيقته؛ لتقف صفاً واحداً متراصاً خلف العلماء، وخلف القيادة المؤمنة، فهذه -أيضاً- ضرورة لا بد منها.
ومن هنا كان الواجب علينا أن نُبصِّر المسلمين جميعاً -خاصتهم وعامتهم- بما فيهم من خلل وخطأ وتقصير، فعندما يتهافت العامة على الطعام والشراب في وقت كان الواجب عليهم فيه أن يفكروا في حمل السلاح والجهاد في سبيل الله ودفع المعتدين المجرمين، فهذا دليل على نقص وخلل عندهم، والواجب علينا -نحن طلاب العلم والدعاة- أن نصلحه، لأن فينا الخطيب أو الداعية أو المدرس أو الواعظ أو الإمام.
لا بد أن نقوم بواجبنا -نحن- في تماسك هذه الجبهة، من أجل ألا يكون فيها من يعذبنا الله -تبارك وتعالى- أو يُسَلِّطْ علينا بسببه، حتى لو كان الجيش يقوده رسول، كما كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكما كان موسى، حيث وجد الغلول في الجيش: وهو الأخذ من الغنيمة، وهذا مما يسبب ويجلب الهزيمة، وكذلك إذا وجدت الخيانة والزنا أو الفساد، فإنه يسلط علينا الأعداء نسأل الله العفو والعافية.
وقد ذكر المفسرون في قصة موسى أمراً عظيماً، وهو أن الذنوب يجب أن يتطهر الجيش والناس منها، فالذين يسمون الجبهة الداخلية لابد أن يتطهر كل فرد منهم من هذه المعاصي ومن أدران الذنوب، ويجعل ولاءه خالصاً لله عز وجل، وهدفه إعلاء كلمة الله تبارك وتعالى، ويكون الجميع قيادة وعلماء ودعاة وجيشاً وعامة يداً واحدةً -كما أمر الله تبارك وتعالى- على كل كافر وفاجر وظالم ومعتد.
فإذا أخذنا بهذه الأسباب، وأحكمنا -فعلاً- هذه الجبهة الداخلية، وجمعناها على الحق، وجعلناها يداً واحدة، وتمسكنا جميعاً بكتاب الله تبارك وتعالى واعتصمنا بحبله، فسوف نجد أننا في موقف لا يستطيع أي معتد أو مجرم أو غاصب أن يمني نفسه بهذه البلاد؛ بل بأية بقعة من بقاع العالم الإسلامي؛ لأنه يعلم أن للحمى حرّاساً أشداء.
جهاد الطلب
إن واجبنا كما أمر الله تبارك وتعالى ليس فقط جهاد الدفع، بل هو جهاد الطلب، وهو أن يطارد الكفار والمرتدون والمجرمون ويغزون في عقر دارهم؛ لينضموا تحت راية لا إله إلا الله وتحت كلمة الحق، حتى تكون كلمة الله هي العليا، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، فإذا لم نحرك مشاعر الأمة، ونستحثها بهذه الغاية العظيمة فإننا سنظل مقصرين في هذا الجانب.
إن الأمم الكفرية أو المرتدة، أو الضالة خلقت لمتاع الدنيا، فتتنافس في الدنيا، وتجد أن اقتصادها في زينتها وفي زخارفها، أما أمة الإسلام فغرضها وعملها الأساس هو الجهاد، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { وجعل رزقي تحت ظل رمحي } فهذه الأمة يبني أعداؤها ويشيدون ويجمعون ويتحضرون كما يشاءون، ثم يجعلهم الله تبارك وتعالى غنيمة للمسلمين، فمثلاً: الحضارة الرومانية ظلت ألف سنة أو أكثر وهي تبنى فجعلها الله غنيمة للمسلمين، وكذلك الحضارة الفارسية ظلت أكثر من ذلك، فجعلها الله تبارك وتعالى غنيمة للمسلمين.
وكذلك جيش فارس، فقد كانت الرتب العسكرية ليست كحال الناس اليوم، يصنعونها من المعادن؛ إنما كانت الرتب العسكرية في جيشهم من اللؤلؤ، وبقدر ثمن اللؤلؤة التي يضعها القائد على التاج -على رأسه- تكون رتبته، فالقادة الكبار مثل ماهان ورستم وجابان ، كان ثمن لؤلؤة كل واحد منهم مائة ألف دينار، وثمن لؤلؤة من يليهم عشرة آلاف دينار، فكانت رتبهم بهذا الترف والبطر، ولما جاءهم أمر الله تبارك وتعالى، وجاء جيش التوحيد، أخذوا بتيجانهم وعروشهم.
وكانوا كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز وجل } ثم فتحت كنوز كسرى وقيصر وأنفقت على جهاد الصين وجهاد بلاد ما وراء النهر ، حتى إن موسكو -التي هي عاصمة روسيا اليوم- ظلت قروناً تدفع الجزية للمسلمين، وهذا من فضل الله -تبارك وتعالى-.
وكذلك الروم بنوا في مصر وفلسطين وبلاد الشام الطرق الرومانية الشهيرة، وبنوا المدن والمآثر الرومانية المعروفة في التاريخ مثل مدينة دمشق ، وغيرها من المدن العظيمة، فعندما جاء جيش الإيمان والتوحيد ملكوها والحمد لله وملكوا مزارعها، وضربوا عليهم فيها ما أمر الله تبارك وتعالى به من الجزية، أو من الخراج، بحسب الأحكام الشرعية المعروفة، وكانوا لقمة سائغة لهذه الأمة والحمد لله، فبنوا وشادوا وأعدوا، فجعلهم الله تبارك وتعالى غنيمة للمسلمين وأورثهم أرضهم وديارهم.
لقد خرجوا من هذه الجزيرة ومن هذه الصحراء التي جعلها الله في كل العصور -ولله الحمد- حصناً منيعاً ترتد عليه رماح المعتدين على أعقابهم خاسرين، خرجوا منها حفاة عراة، وإذا بهم يستوطنون الأندلس ، وأواسط آسيا ، وشمالالهند التي يقال فيها جنة الدنيا لما فيها من الجمال. فكل ما في هذه الدنيا من خير ونعمة أوتوه -ولله الحمد- بالتقوى وبالإيمان، قال تعالى:
المخاطب -طبعاً- في هذه الأبيات تعرفونه جميعاً أو سوف تعرفونه كما تحدثنا:
طلعة المجد في رباك تجول وسنا الحق في ذراك يصول
في مدار الأفلاك تعرج والشرق والغرب تهافت وأفول
الرسالات من ربوعك قامت ولخير الهداة أنت الرسول
عجز الشعر عن ثنائك والدهر إذ الشعر فيك شأن يطول
هذه المعجزات أتعبت العدُ وعاد التأريخ وهو ذهول
فاسأل الدردنيل واسأل بواتيه وروما فما تراها تقول
تلك أطلالهم تماثيل شؤم شاحبات فما تعد الطلول
كل عرش في قبضتيك أسير كل كنز إلى يديك يئول
فاهطلي أيها السحابة هنداً أو على الصين ليس منك غلول
سيفك الحق في الوهاد صريخ ليس في معمع القتال نكول
كلما در شارق يتهادى طلب العتب منك مجد أثيل
كلما خر كوكب يتهاوى بين جفنيك حلم عز طويل
أنت فوق الورى ورأس الذرى وأنت الإصرار والمستحيل
تعبد الله وحده وتعالى أذن الحق فاخرسي يا طبول
قل لمن أرجفوا مماتك زوراً أو ما يعتري الجواد الذهول
أو ما تخفق الشواهب للأرض وإن كان في السماء تجول
لا تلمني في ساعة الفر إلا إن تراخى من بعد كر يهول
فاعصفي يا رياح بالدرب هولاً أو تأني فعزمتي لا تزول
يرعب الراجمات مقلاع طفلي وشراعي يهابه الأسطول
عز للسيف نبوة في جهاد سنة للكماة هذا الرسول
أنت أنشودة الحياة وملحمة الدهر فماذا عليك إن لم يقولوا
أنت إن قمت غير عابئ شيء فالطواغيت كلهن هزيل
وإذا الحق سل منك حساماً فالشعارات كلهن قتيل
أنجبتك البطحاء وهي ولود وغدتك الشام وهي بتول
كلهم سوف يغلبون جميعاً كلهم عن حماك سوف يزول
رب فوج يقود للروع فوجاً وخيول تجرهن خيول
موكبٍ ترهب المنايا سراه رابط الجأش للدماء نهول
هذه الصافنات أورين قدحاً فالنواصي شهيدة والذيول
وأدتها رمالنا البيد وأمست نعوشهن التلول
كلما أظلمت من الرهج البيد أضاء السماء سيف صقيل
وطئت بالسنابك الصم أحلام هولاكو وأودى الصليب والمستطيل
أنت أوثقت من جبابرة الكفر قروماً فكلهن ذليل
ما عتاب الكريم إن عثر الجد زماناً ولم يجد من يقيل
إن تكن غضبة فصفح جميل أو تكن محنة فصبر جميل
والحمد لله رب العالمين
___________________
المصدر موقع الشيخ الدكتور سفر الحوالي