الإخبار بموعد الإمساك والإفطار
الشيخ أحمد الجمّال الحموي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :
الشيخ أحمد الجمّال الحموي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة...) وعملاً بهذا التوجيه النبوي الكريم اكتب هذه الفتوى نصيحة لإخواني الذين يفطرون عند غياب الشمس عن عيني احدهم قبل التحقق من غيابها وقبل التاكد من دخول الليل محتجين بأن تعجيل الفطر سنة. وكذلك يأتي هؤلاء بعض المفطرات بعد اذان الفجر الصادق والحجة هي عدم رؤية ضوء الفجر الا بعد ان يرفع الاذان بأكثر من ربع ساعة.ويعتقد هؤلاء أن توقيت الاذان غير صحيح والحقيقة أن ما يفعلونه باطل وغير صحيح. وقبل الدخول في المسألة أشير الى عدد من القواعد :
1. أن منهج إنتزاع حديث شريف او قسم من حديث وعزله عن مجموع أدلة كثيرة وردت في مسألة ما ويكون في تلك الأدلة آيات كريمة وليس أحاديث فقط , هذا المنهج غير سليم.بل الواجب النظر في النصوص الواردة في المسألة آيات وأحاديث نظرة شاملة مستوعبة لا الأخذ ببعضها وإغماض العين عن بعضها الآخر.
2. علينا أن نفهم النصوص المجملة او الغامضة فهماً يتفق مع النصوص المفسرة الواضحة. أما أن تصبح النصوص المفسرة تبعا للنصوص المجملة الغامضة فهذا قلب للأمور وخطأ بين.
3. ليس من الصواب الوقوف عند حديث فيه تعبير متشابه نطق به أحد الصحابة الكرام رضي الله عنهم أو احد التابعين وهو مما يمكن فهمه على وجوه عدة والميل الى اختيار اغرب فهم لهذا الكلام المحتمل وربما كان هذا الفهم مصادما للنصوص الثابتة المشهورة ومصادما لما فهمه جمهور العلماء.
4. اذا كان هناك رأيان للسلف او لمن بعدهم من علماء الامة فالاولى الأخذ بالأحوط منهما خاصة في عبادة هي من اركان الاسلام كالصوم.
5. اذا فعل صحابي فعلا أو قال قولا لا ينسجم مع نص ثابت واضح فالواجب النظر بعمق في هذا الفعل وهذا القول. اذ الأصل هو القرآن الكريم والسنة الصحيحة , ويجب رد كل ما عداهما اليهما. والصحابي مع جلالة قدره وعلو منزلته ليس معصوما , وقد يلتبس عليه امر ما وإذا كان هذا هو الموقف مع الصحابي. فإن الموقف مع التابعي مثله من باب أولى.
6. ليس لأحد أن يبتدع فهما للنصوص يخالف ما اتفق عليه جهابذة علماء الأمة المشهود لهم.ولا ريب أن فهمهم هو الذي عليه المعوّل , ولا قيمة لفهم من انفرد وشذّ ,وكذلك لا قيمة لفهم الخلف ممن يبحث عن الغرائب وشذوذ العلم بدعوى احياء السنة. وكأن السلف كانوا على بدعة وضلالة أو أن السنة لم يفهمها أحد غيرهم.
7. التأكيد على التحذير من الآراء الشاذة التي حذر منها كبار علماء الأمة قديما وحديثا.
وأنتقل الى الشرح والمناقشة فأقول وعلى الله توكلي واعتمادي :
قال الله سبحانه وتعالى (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام الى الليل ) سورة البقرة.
هذه الآية الكريمة حوت المسألة محل الدراسة بأوجز بيان وأوضحة فتكلمت عن وقت الامساك وعن وقت الافطار بما لا يدع مجالا للبس والحيرة.
1. وقت الإمساك:
جاء التعبير عن وقت الإمساك مغايراً للتعبير عن وقت الإفطار. قال تعالى في شأن الإمساك: ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) ويمتد الإمساك الى الليل حيث يحل الفطر ( ثم أتموا الصيام الى الليل ) ولم يقل تعالى ثم أتموا الصيام الى أول خيط من الليل بل أتموه الى الليل وليس الى مغيب الشمس فقط.
أما الامساك فيجب أن يبدأ عند أول خيط من الفجر وليس عند الفجر فكلمة (خيط) توحي بان أقل مقدار من ضوء الفجر وهو اللذي يشبه الخيط في دقته وليس الحبل الغليظ , يوجب الامساك ويحرم على المكلف كل مفطّر. وليس في الاية الكريمة كلمة واحدة تفيد اشتراط إنتشار ضوء الفجر وسطوعه لبدأ الامساك. بل إن غاية الأكل والشرب هي ( حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) مهما كان الخيط دقيقاً.
فالآية قاطعة واضحة في الجانبين في جانب الامساك وجانب الإفطار وفي جانب بداية الصوم وفي جانب نهايته
وبالنسبة للفجر لا يشترط أن يرى هذا الخيط كل مكلف على حده , بل قد يراه البعض أو يعرفه بعض المسلمين بوسائل ويخبر غيره.ولا بد من قبول إخباره ولا يجوز تجاهله ورفضه.
وربما وقف بعضهم عند كلمة (يتبين ) من قوله تعالى (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) وظن أن المراد من التبين أن يسطع ضوء الفجر حتى يراه الأعشى وهذا فهم سقيم للنص الكريم فيه تجاهل لبقية الآية التي تعلن وتصرح بأن أدنى خيط من ضوء الفجر يكفي , ولا حاجة لانتشار ضوء الفجر وسطوعه. إضافة الى ما مر قبل قليل من أن هذا الخيط لا يجب أن يراه كل مكلف بمفرده.
ولما ظن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن المراد انتشار الضوء حتى يتمكن من التمييز بين العقال الأبيض والعقال الأسود قال له صلى الله عليه وسلم (إنك لعريض القفا ) منكراً عليه هذا الفهم لما فيه من تعريض الصوم للضياع إذ يتعذر هذا التمييز الا بعد انتشار الضوء لدرجة الإسفار. وليس هذا هو المراد قطعا. والحديث واضح الدلالة في أن أدنى خيط من خيوط الفجر يوجب الإمساك.
وقد جاء في كتب السنة المطهرة أنهم كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يصلون الصبح بغلس ويخرجون من المسجد ولا يعرف أحدهم الآخر. والإمساك إنما يكون قبل الصلاة. فإذا كان أحدهم لا يعرف الآخر بعد الصلاة فهل يعرفه قبلها وهذا يدل على وجوب الإمساك عند أول خيط لا بعد انتشار ضوء الفجر.
والعجب أن بعض الأخوة يريدون أن يروا ضوء الفجر في مدننا الحديثة حتى يمسكوا , ويصرون على الأكل والشرب في تحدٍ لمشاعر المسلمين بعد أذان الفجر الصادق. وكأن هؤلاء لا يعلمون أن ضوء الفجر في المدن الحديثة لايمكن رؤيته في حينه , وربما لم يستطع كثير من الناس أن يميزوه الا بعد طلوعه بحوالي نصف ساعة. فهل نجيز للناس المفطرات حتى يسطع ضوء الفجر في هذه المدن التي يطغى ضوؤها على ضوء الفجر لكن لو خرج هذلاء الاخوة الى البوادي البعيدة عن المدن وأضوائها لثبت عندهم صحة أذان الفجر وخطأ موقفهم.
2. وقت الإفطار :
وقد بينته الاية نفسها أيضا بإعجاز الهي. والآية هي الأصل الأصيل بلا مراء يليها الحديث النبوي الشريف. وقد جاء التعبير في الآية الكريمة دافعا للوهم والظن قاطعا الطريق على التشويش بكلمتين يفهمها كل من يفهم اللغة العربية ولم يكن في قلبه كبر يمنعه من قبول الحق سواء كان عالما أم جاهلا. وهاتان الكلمتان هما ( أتموا ) و(إلى الليل ).
ومعنى الإتمام معروف لا يلتبس على أحد فلا يصح أن تنقص من نهار الصيام شيئا مهما كان قليلا بل عليك أيها المكلف الإتمام. وهذا الإتمام ليس الى أن تغيب الشمس عن عينيك فلربما كان في العينين ضعف أو كانت الشمس مختفية وراء حجاب ولم تختف وراء خط الأفق بعد بل إن الإتمام يجب أن يكون (إلى الليل) وشتان شتان بين إقبال الليل وطلوعه بسواده وظلمته من جهة الشرق، وبين تواري الشمس عن أعين بعض الناس لسبب ما بينما هي لا تزال طالعه.
ونأتي إلى حديث البخاري الذي رواه الفاروق عمر رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغابت الشمس فقد أفطر الصائم ) وفي رواية أبي داوود ( إذا جاء الليل من ها هنا وذهب النهار من ها هنا )
ومعنى قد أفطر الصائم : أي أنه صار في حكم المفطر وإن لم يأكل. وقيل معناه أنه دخل وقت الفطر وجاز له أن يفطر.
وقد ربط سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه هذا حِل الفطر بثلاثة أمور لا بواحد فقط , دفعا لأي فهم خاطئ ولئلا تضيع هذه العبادة العظيمة بتأويلات وفهوم باطلة. وهذه الأمور الثلاثة هي :
أ ـ إقبال الليل من جهة المشرق وهو أول شيء ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو العلامة العظمى على نهاية يوم الصوم.
ب ـ إدبار النهار من جهة المغرب.
ج ـ غياب الشمس وغروبها حقيقة خلف خط الأفق لا خلف عمارة أو جبل أو شجرة.وليت شعري هل يقال إن الشمس قد غربت إذا كانت غائبة عن العين خلف ساتر ما.أفيحل لمسلم بعد هذا البيان الدقيق اللذي نطق به من أوتي جوامع الكلم أن يفطر بمجرد أن تغيب الشمس عن عينيه ؟
إن الذي يستفاد من الآية الكريمة ومن الحديث النبوي الشرف الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما أنه لا بد من إقبال الليل وطلوعه من جهة المشرق وإنما يكون هذا بظهور سواد ينتج عنه ظلمة ثم ينتشر هذا السواد والظلمة مع الأفق في جهة الشرق وترتفع الظلمة شيئا بعد شيء حتى تعم , ولا بد كذلك من ادبار النهار وغروب الشمس غروبا أكيدا غير متوهم علماً بأن الليل لا يأتي إلا بعد الغروب الحقيقي.
وإن علينا أن نفهم النصوص الاخرى على ضوء هذين النصين المحكمين أما الذي يخالفهما حتى لو كان من فعل بعض السلف أو كلامهم فهو مردود , والنصان حاكمان عليه.
وربما يلتبس على بعض الأخوة الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم وأبو داوود عن عبد الله بن أبي أوفى قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهو صائم. فلما غابت الشمس قال لبعض القوم : يا فلان قم فاجدح لنا. فقال : يا رسول الله لو أمسيت. قال : انزل فاجدح لنا. قال يا رسول الله فلو أمسيت. قال : فانزل فاجدح لنا. قال إن عليك نهاراً. قال : انزل فاجدح لنا. فنزل فجدح لهم فشرب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : إذا رأيتم الليل قد أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم ) صحيح البخاري.
وفي رواية أبي داوود ( فلما غربت الشمس قال ( يا بلال انزل فاجدح لنا ) قال : يا رسول الله لو أمسيت قال : ( انزل فاجدح لنا ) قال يا رسول الله إن عليك نهارا.قال : (انزل فاجدح لنا) فنزل فجدح فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : إذا رايت الليل قد أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم. وأشار بإصبعه الى قبل المشرق.
ومعنى اجدح لنا كما قال ابن الاثير في النهاية : الجدح أن يحرك السويق بالماء ويخوض حتى يستوي , وكذلك اللبن ونحوه. والمجدح عود مجنح الرأس تساط به الأشربة أي تحرك لتتجانس, وربما يكون له ثلاث شعب. ولننتبه الى الملاحظات التالية :
أ- في رواية ابي داوود تصريح بإسم الصحابي الذي طلب منه الرسول صلى الله عليه وسلم الجدح وهو بلال رضي الله عنه.
ب- في بعض الروايات الأمر بالنزول والجدح مرتين وفي بعضها الأمر بالنزول والجدح ثلاث مرات.
ت- في بعض الروايات ذكر الأمور الثلاثة :اقبال الليل –إقبال النهار – غروب الشمس وفي بعضها اقبال الليل فقط.
وتفيد الروايتان أمورا أخرى مهمة :
1- أن المستقر في نفوس الصحابة وأن المعروف عندهم هو التأكد من غروب الشمس وانتشار الظلمة وهذا ما دعا بلالاً إلى القول (إن عليك نهاراً) أو (لو أمسيت) وإلا لما قال بلال ما قال وبما أن الواقعة في سفر فإن الإضاءة تبقى مدة حتى بعد طلوع الليل من المشرق فأراد بلال رضي الله عنه زيادة الاحتياط.
2- هناك تصريح في الحديث الشريف بالغروب وغياب الشمس في منطقة لا يحجب الشمس فيها بناء.
3- إن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً بالنزول يدل على أن بلالاً كان راكبا. ويحتاج نزوله وإخراج الزاد وجدح السويق حتى يتجانس الشراب إلى وقت ومعنى هذا أن الإفطار لم يكن حال غروب الشمس وطلوع الليل بل كان بعد مدة إذ ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بلالاً بالنزول الا بعد الغروب بدليل قول الراوي(فلما غابت الشمس قال لبعض القوم) كما في رواية البخاري. و(فلما غربت الشمس) كما في رواية أبي داوود. وفي هذا دليل على أن التأخير اليسير لا يعارض تعجيل الفطر.
4- في بعض الروايات الاقتصار على اقبال الليل لحل الفطر لأن اقبال الليل هو الأصل.
5- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطب بلالاً بقوله ( إذا أقبل الليل من هاهنا ) رداً على قول بلال رضي الله عنه يا رسول الله إن عليك نهاراً. وكأنه صلى الله عليه وسلم يقول أما ترى يا بلال أن الليل قد طلع وأن النهار قد أدبر وأن الشمس قد غربت ونحن صائمون في سفر فلماذا التأخير؟
وربما كان سبب قول بلال يا رسول الله ( إن عليك نهارا ) أنهم في برية لا تظهر فيها الظلمة سريعا. ولعل بلال ظن أن المطلوب إطباق الظلام فبين له صلى الله عليه وسلم أن ذلك ليس بمطلوب وأن شروط حل الفطر قد تحققت. وحاشا أن يظن بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر والليل لم يدخل بعد.
فليس في الحديث أدنى دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر والشمس طالعة بل إن الحديث ينفي ذلك نفيا قاطعا. بل فيه دليل على أنه ليس معنى تعجيل الفطر الإقدام عليه قبل تحقق الأمور الثلاثة. ولا يصح أن يغمض مكلّف عينيه عن الآية الكريمة ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) ولا عن الحديث الشريف الصحيح الذي ينص صراحة على أنه لا بد من طلوع الليل طلوعاً مؤكدا ً حيث لم تذكر الآية الكريمة غيره.
إن تعجيل الفطر أيها الأخوة قبل غروب الشمس وطلوع الليل تضييع للصوم وفيه تعريض المسلم نفسه لسخط الله تعالى.
جاء في السنن الكبرى للبيهقي : باب التغليظ على من أفطر قبل غروب الشمس.
(عن ابي امامة الباهلي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلا وعرا فقالا لي : اصعد. فقلت : إ ني لا أطيقه. فقالا : إنا سنسهله عليك. فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا أنا بأصوات شديدة فقلت : ما هذه الأصوات. قالوا : هذا عواء أهل النادر. ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة ً أشداقهم , تسيل أشداقهم دما. قال قلت : من هؤلاء ؟ قالوا : هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم ).
وقال البيهقي في موضع آخر :هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وقد احتج البخاري بجميع رواته غير سليم بن عامر وقد احتج به مسلم.
وأورده في المستدرك على الصحيحين 1430 عن أبي أمامة أيضاً وقال:هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وأخرجه الطبراني في المعجم بلفظ قريب
وفي صحيح ابن حبان برقم 7491 وقد علق عليه الشيخ شعيب ارناؤوط حفظه الله تعالى بقوله اسناده صحيح.
وفي صحيح ابن خزيمة برقم 1986 وقال محققه الأعظمي (إسناده صحيح) وفي هذا الحديث معجزة نبوية وهي إخباره صلى الله عليه وسلم عن غيب لم يكن حاصلا في أيامه وهو أنه سيكون في أمته من يعجل الفطر تعجيلا يفسد الصوم من أساسه.
إن هؤلاء الإخوة بإقدامهم على الأكل والشرب قبل رفع أذان المغرب وبعد أذان الفجر الصادق يثيرون فتنة يجب ألا تثار، ويجرحون مشاعر المسلمين إذ أن الحس الإسلامي يرفض هذا التصرف ويأباه.وهذا الرفض أحد أدلة بطلان عملهم وانحرافه.
إن من فوائد الصوم وحكمه الإمساك الموحد والإفطار الموحد في مظهر رائع من مظاهر الوحدة الذي يجب المحافظه عليه وعدم التفريط فيه.وصدق عليه الصلاة والسلام إذ يقول (يد الله على الجماعه) ويد الله مع الجماعه.
ولربما ظن هؤلاء أنه يجب الاعتماد على العين ولا يجوز الاعتماد على أذان المساجد، وكأن الإسلام في رأي هؤلاء يحرّم الاستفادة من معطيات العلم ويوجب علينا ألا نأخذ بشيء منها.وهذا ظلم للإسلام وتشويه له.
فالدراسات الحديثة جعلت مواقيت الصلاة أدق مما كانت عليه في الماضي.
نعم إن الإسلام يقرر الشيء المتاح في كل زمان ومكان وهو رؤية العين لكنه لا يحول بين المسلم وبين الاستفادة من الجديد النافع الذي يخدم الإسلام أو يخدم البشرية بل يشجع عليه.
ومع هذا نقول لهؤلاء الإخوة إذا أردتم الإعتماد على أعينكم فلا تنسوا الآية الكريمة والحديث الصحيح والأمور الثلاثة التي ذكرها الحديث النبوي ولا تقفوا عند أمرٍ واحد من هذه الأمور
ومن المفارقات الطريفة أنه لو كان هناك مجموعة من هؤلاء في حي واحد، فلربما أفطر كل واحد منهم في بيته في وقت غير الوقت الذي أفطر فيه صاحبه، لأنه ليس هناك ضابط ولا قاعدة صحيحة يعتمدون عليها،بل يفطر كل حسب رأيه ومزاجه.
ولوأن هذا التصرف حدث في منطقة جبلية بيوتها موزعة متفرقة وليس عند أهلها أدوات ووسائل تعينهم على معرفة الأوقات لهان الأمر، أما أن يحدث هذا في المدن وفي ظل توقيت دقيق فهذا مرفوض وممقوت.
ولنفرض جدلاً أن الأذان يتأخر قليلاً عن غياب الشمس وطلوع الليل فهل يفسد صوم من أخّر فطوره حتى يرفع الأذان؟ والجواب عند العلماء المحققين أنه لا يفسد لكن يفسد صوم من أكل أو شرب قبل أن يتأكد من غروب الشمس ودخول الليل ثم ظهر أن الليل لم يدخل بعد.
ومن المعروف أن الاحتياط مطلوب خاصة في العبادات. جاء في موطأ مالك(أن مالك بن أنس بلغه أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما كانا يصليان المغرب حين ينتظران الليل الأسود قبل أن يفطرا، ثم يفطران بعد الصلاة وذلك في رمضان) فلننظر إلى فعل هذين الصحابيين الكريمين المبشرين بالجنة ولنقتد به.
أما إذا ثبت ثبوتاً أكيداً أن مؤذناً يؤخر أذان المغرب في شهر رمضان خمس دقائق مثلاً فلا حرج على المسلم أن يفطر بعد التحقق من دخول الوقت إذ العبرة في هذا والأذان إنما هو للإعلام فحسب.
فيا أيها الإخوة اتقوا الله في أنفسكم،وفي وحدة المسلمين،واجتنبوا هذه التصرفات التي تضر ولا تنفع، وتفكروا في عاقبة هذه الآراء ونتائجها. والحمدلله رب العالمين.
عن رابطة أدباء الشام
التعديل الأخير: