كيف سيتعامل العراق مع المرحلة الجديدة، بعد أن سحبت الولايات المتحدة ألويتها القتالية؟ هل من فرصة لتحقيق الأمن في بغداد ومحافظات البلاد المختلفة؟ وماذا عن دول المنطقة وفرص مساهمتها في استقرار العراق؟
التقنية أو الاستنزاف البشري
إن بلاد الرافدين -ومعها كافة دول المنطقة- تقف اليوم على مفترق طرق تاريخي، فإما أن تعبره بسلام، من حيث يتعافى العراق وينجز أمنه واستقراره، أو تنزلق جميعا إلى حيث المجهول.
إن الجميع أمام تحدّ، وعليهم أن يستجيبوا له بإدراك أن شعوب هذه المنطقة في حالة ترقب، عينها وقلبها على العراق، فهو ساحة الاختبار التي سيتحدد فيها مستقبل أمنها. بالطبع، ليس مطلوبا من أحد اليوم إرسال جيوش لحماية العراق، كما ليس من المنطق الدعوة إلى وقف خطط الانسحاب الأميركي. إن البديل عن ذلك يتمثل في تعزيز قدرات العراق الأمنية، وخاصة تلك المرتبطة بمقاربة أمنه الداخلي، وإن البعد الأهم على هذا الصعيد هو ذلك المتصل بقدراته التقنية واللوجستية كما ونوعا. إن بلاد الرافدين -ومعها كافة دول المنطقة- تقف اليوم على مفترق طرق تاريخي، فإما أن تعبره بسلام، من حيث يتعافى العراق وينجز أمنه واستقراره، أو تنزلق جميعا إلى حيث المجهول.
إن أي محلل يمكنه ببساطة أن يدرك أن الكثير من الهجمات التي تقع في المناطق العراقية المختلفة يستحيل تماما وقوعها لو أن لدى العراق حدا أدنى من تقنية الحماية والاحتراز الأمني، إن على مستوى مؤسسات الدولة أو الأماكن العامة حيث يحتشد الناس.ولقد حان الوقت لأن يسعى العراق لبناء مقاربة لأمنه الداخلي ترتكز على نحو حاسم على التفوق التقني، وليس على العنصر البشري الذي بات يستنزف على نحو لا نظير له.
إنه لا أحد يمكنه توجيه اللوم إلى القوى الأمنية العراقية، ما دامت هذه القوى تفتقر إلى الوسائل الكافية التي تمكنها من الدفاع عن نفسها، والسعي لحماية شعبها على نحو فعّال ومضمون.
إن أولويات البلاد الأمنية يجب أن تنصبّ على التسليح والإعداد التقني المتجه لحماية الأمن الداخلي، وليس إلى التسليح الدفاعي العام، فهذا الأخير يمكن تأجيل الكثير من بنوده لسنوات.
وعلى النواب العراقيين وهم يبحثون موازنات الأجهزة الأمنية، أن يضعوا هذه المسألة نصب أعينهم.
مصفوفة رادارية حول بغداد
إذا أردنا الحديث على نحو أكثر تحديدا فيما يرتبط باحتياجات العراق التسليحية ذات الصلة بأمنه الداخلي، فإنه بحاجة إلى مروحيات استطلاع قادرة على تغطية كافة مناطقه الساخنة وحدوده الدولية.
كما تلزمه منظومة استطلاع وتعقب موحدة على مستوى العاصمة كحد أدنى، وهو بحاجة -من جهة ثالثة- إلى أجهزة تشخيص وكشف حراري متطوّرة، يُمكن استخدامها على نحو مكثف بسلاسة وبصورة غير معرقلة للحياة العامة.
يمكن للعراق أن يبدأ اليوم ببناء مصفوفة رادارية مدمجة في منظومة دفاع وتعقب للعاصمة بغداد، ترتبط بها دوريات في البر والجو والمياه النهرية، بحيث يكون بإمكانها رصد الأجسام المتحركة ومتابعتها والتعامل معها، من خلال غرفة عمليات موحدة.
وفي هذا الإطار، ثمة حاجة لتوفر دوريات مجهزة تجهيزا متقدما لدى مختلف تشكيلات قوى الأمن النظامية. هذه الدوريات يجب أن تكون خفيفة ومصفحة في ذات الوقت، وأن تحتوي بالضرورة على أجهزة بصرية عالية وأجهزة رؤية ليلية وإلكترونيات خاصة باستراق السمع ومجسات لكشف المتفجرات من على مسافة "أمان"، وأدوات اشتباك ومعالجة نيران متقدمة.
وهذا النوع من الدوريات متوفر لدى العديد من المصنعين حول العالم، ويلزم العراق على نحو آني ما بين ثلاثة إلى خمسة آلاف دورية بهذه المواصفات.
وفي الجو، يحتاج العراق إلى مروحيات استطلاع ومروحيات هجومية ومتعددة المهام، وأخرى خاصة بالنقل والطوارئ لا يقل مجموعها عن مائة مروحية عسكرية كحد أدنى.
وعلى الصعيد البحري، يحتاج العراق إلى ما بين 10 و15 زورق خفر سريع مزودة بمنظومات رادارية حديثة وأنظمة معالجة نيران غزيرة وذات مديات متقدمة، كما يحتاج إلى بضعة زوارق برمائية خفيفة الحركة.
إن ما سبق ذكره لا يرتبط بالمواجهة، بل بالسعي إلى تجنبها، إذ المطلوب هو حماية المدنيين وإدامة السلم الأهلي، لا توسيع رقعة الاشتباك.
وخير سبيل إلى ذلك هو جعل استهداف حياة الناس أمرا عصيا، أو غير ممكن التحقق.
الإسناد العسكري الإقليمي
من ناحيتها، فإن أقطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية معنية بدعم جهود العراق لتجهيز منظومة أمنه الداخلي، لأن ذلك يعد من ضرورات أمنها الإقليمي، بل وإحدى متطلباته الشرطية.
ويمكن أن يتجسد هذا الدعم في صورة تمويل شراء لبعض المعدات ذات الصلة بأمنه الداخلي، أو توفير مظلة ائتمانية لشراء هذه المعدات، أو تزويده ببعض ما هو متاح في مخازن المنطقة، خاصة أن بعض الأجهزة والمعدات الموجودة لدينا في الخليج يتقادم عليها الزمن وهي في مخازنها، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى التبرع بها في وقت متأخر أو بيعها بثمن بخس. ومن الراجح أن يزود العراق ببعض هذه الأجهزة وهي في بداية عهدها.
بموازاة ذلك، يمكن لهذه الأقطار العمل على تشكيل قوة إسناد عسكري، تخصص لدعم العراق عند الضرورة وبناء على طلبه.
وهذه الخطوة تعد ضرورية في الأصل للتعامل مع الظروف الطارئة غير المتوقعة التي قد تتدفق فيها أعداد كبيرة من النازحين باتجاه الحدود الإقليمية.
إن دول مجلس التعاون يمكن أن تشكل سوية هذه القوة التي قد تكون في حجم لواء بري، على أن تبقى مرابطة قرب الحدود العراقية، مع السعودية أو الكويت.
ويحتاج هذا اللواء إلى وسائل نقل برية وجوية، وإلى قدرات تكتيكية كأجهزة الاتصالات، فضلا عن احتياجات ميدانية كالمستشفيات المتنقلة والمروحيات ووسائل إخلاء الجرحى.
وإن الجاهزية العملياتية لهذا اللواء يجب تأكيدها فقط بعد سلسلة من المناورات التي تثبت فيها القوات وضعها.
بعد ذلك، يجب أن تكون القوات قادرة على بدء الانتشار خلال أيام، وأن تؤمّن احتياجاتها ذاتيا خلال العمليات التي تستمر شهرا أو أكثر في حال إعادة تجهيزها مرة أخرى.
ورغم ذلك فإن الجاهزية العملياتية قد لا تكون السمة الأبرز في هذا اللواء لأسباب كثيرة أهمهما عامل الزمن المطلوب للإعداد.
إن السمة الأبرز يجب أن تتمثل في قدرات هذا اللواء التسليحية المتقدمة وتطوّر إمكانياته اللوجستية، وخاصة في الجوانب غير المتاحة لدى الجيش العراقي، بحيث يمكن أن توضع هذه الإمكانات تحت تصرفه متى احتاج إليها.
وعمليا، فإن هذا البعد هو البعد المتاح والمضمون بالنسبة لدول الخليج، لكونها تمتلك مقومات التمويل الضرورية.
إن لواء الإسناد الإقليمي سيُمثل في حال تشكيله نوعا من تقاسم الأعباء بين دول المنطقة، ويُعد في الوقت ذاته شكلا ضمنيا من أشكال الأمن الجماعي.
أولويات التسليح بعيدة المدى
على المديين المتوسط والبعيد، يحتاج العراق إلى تطوير قدراته الدفاعية العامة بفروعها البرية والجوية والبحرية، فضلا عن الدفاع الجوي.
إنه لا أحد يمكنه توجيه اللوم إلى القوى الأمنية العراقية، ما دامت هذه القوى تفتقر إلى الوسائل الكافية التي تمكنها من الدفاع عن نفسها، والسعي لحماية شعبها على نحو فعّال ومضمون.
إن أولويات البلاد الأمنية يجب أن تنصبّ على التسليح والإعداد التقني المتجه لحماية الأمن الداخلي، وليس إلى التسليح الدفاعي العام، فهذا الأخير يمكن تأجيل الكثير من بنوده لسنوات.
وعلى النواب العراقيين وهم يبحثون موازنات الأجهزة الأمنية، أن يضعوا هذه المسألة نصب أعينهم.
مصفوفة رادارية حول بغداد
إذا أردنا الحديث على نحو أكثر تحديدا فيما يرتبط باحتياجات العراق التسليحية ذات الصلة بأمنه الداخلي، فإنه بحاجة إلى مروحيات استطلاع قادرة على تغطية كافة مناطقه الساخنة وحدوده الدولية.
كما تلزمه منظومة استطلاع وتعقب موحدة على مستوى العاصمة كحد أدنى، وهو بحاجة -من جهة ثالثة- إلى أجهزة تشخيص وكشف حراري متطوّرة، يُمكن استخدامها على نحو مكثف بسلاسة وبصورة غير معرقلة للحياة العامة.
يمكن للعراق أن يبدأ اليوم ببناء مصفوفة رادارية مدمجة في منظومة دفاع وتعقب للعاصمة بغداد، ترتبط بها دوريات في البر والجو والمياه النهرية، بحيث يكون بإمكانها رصد الأجسام المتحركة ومتابعتها والتعامل معها، من خلال غرفة عمليات موحدة.
وفي هذا الإطار، ثمة حاجة لتوفر دوريات مجهزة تجهيزا متقدما لدى مختلف تشكيلات قوى الأمن النظامية. هذه الدوريات يجب أن تكون خفيفة ومصفحة في ذات الوقت، وأن تحتوي بالضرورة على أجهزة بصرية عالية وأجهزة رؤية ليلية وإلكترونيات خاصة باستراق السمع ومجسات لكشف المتفجرات من على مسافة "أمان"، وأدوات اشتباك ومعالجة نيران متقدمة.
وهذا النوع من الدوريات متوفر لدى العديد من المصنعين حول العالم، ويلزم العراق على نحو آني ما بين ثلاثة إلى خمسة آلاف دورية بهذه المواصفات.
وفي الجو، يحتاج العراق إلى مروحيات استطلاع ومروحيات هجومية ومتعددة المهام، وأخرى خاصة بالنقل والطوارئ لا يقل مجموعها عن مائة مروحية عسكرية كحد أدنى.
وعلى الصعيد البحري، يحتاج العراق إلى ما بين 10 و15 زورق خفر سريع مزودة بمنظومات رادارية حديثة وأنظمة معالجة نيران غزيرة وذات مديات متقدمة، كما يحتاج إلى بضعة زوارق برمائية خفيفة الحركة.
إن ما سبق ذكره لا يرتبط بالمواجهة، بل بالسعي إلى تجنبها، إذ المطلوب هو حماية المدنيين وإدامة السلم الأهلي، لا توسيع رقعة الاشتباك.
وخير سبيل إلى ذلك هو جعل استهداف حياة الناس أمرا عصيا، أو غير ممكن التحقق.
الإسناد العسكري الإقليمي
من ناحيتها، فإن أقطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية معنية بدعم جهود العراق لتجهيز منظومة أمنه الداخلي، لأن ذلك يعد من ضرورات أمنها الإقليمي، بل وإحدى متطلباته الشرطية.
ويمكن أن يتجسد هذا الدعم في صورة تمويل شراء لبعض المعدات ذات الصلة بأمنه الداخلي، أو توفير مظلة ائتمانية لشراء هذه المعدات، أو تزويده ببعض ما هو متاح في مخازن المنطقة، خاصة أن بعض الأجهزة والمعدات الموجودة لدينا في الخليج يتقادم عليها الزمن وهي في مخازنها، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى التبرع بها في وقت متأخر أو بيعها بثمن بخس. ومن الراجح أن يزود العراق ببعض هذه الأجهزة وهي في بداية عهدها.
بموازاة ذلك، يمكن لهذه الأقطار العمل على تشكيل قوة إسناد عسكري، تخصص لدعم العراق عند الضرورة وبناء على طلبه.
وهذه الخطوة تعد ضرورية في الأصل للتعامل مع الظروف الطارئة غير المتوقعة التي قد تتدفق فيها أعداد كبيرة من النازحين باتجاه الحدود الإقليمية.
إن دول مجلس التعاون يمكن أن تشكل سوية هذه القوة التي قد تكون في حجم لواء بري، على أن تبقى مرابطة قرب الحدود العراقية، مع السعودية أو الكويت.
ويحتاج هذا اللواء إلى وسائل نقل برية وجوية، وإلى قدرات تكتيكية كأجهزة الاتصالات، فضلا عن احتياجات ميدانية كالمستشفيات المتنقلة والمروحيات ووسائل إخلاء الجرحى.
وإن الجاهزية العملياتية لهذا اللواء يجب تأكيدها فقط بعد سلسلة من المناورات التي تثبت فيها القوات وضعها.
بعد ذلك، يجب أن تكون القوات قادرة على بدء الانتشار خلال أيام، وأن تؤمّن احتياجاتها ذاتيا خلال العمليات التي تستمر شهرا أو أكثر في حال إعادة تجهيزها مرة أخرى.
ورغم ذلك فإن الجاهزية العملياتية قد لا تكون السمة الأبرز في هذا اللواء لأسباب كثيرة أهمهما عامل الزمن المطلوب للإعداد.
إن السمة الأبرز يجب أن تتمثل في قدرات هذا اللواء التسليحية المتقدمة وتطوّر إمكانياته اللوجستية، وخاصة في الجوانب غير المتاحة لدى الجيش العراقي، بحيث يمكن أن توضع هذه الإمكانات تحت تصرفه متى احتاج إليها.
وعمليا، فإن هذا البعد هو البعد المتاح والمضمون بالنسبة لدول الخليج، لكونها تمتلك مقومات التمويل الضرورية.
إن لواء الإسناد الإقليمي سيُمثل في حال تشكيله نوعا من تقاسم الأعباء بين دول المنطقة، ويُعد في الوقت ذاته شكلا ضمنيا من أشكال الأمن الجماعي.
أولويات التسليح بعيدة المدى
على المديين المتوسط والبعيد، يحتاج العراق إلى تطوير قدراته الدفاعية العامة بفروعها البرية والجوية والبحرية، فضلا عن الدفاع الجوي.
لدى العراق في المجمل نحو 665 ألف جندي في تشكيلات ومؤسسات الجيش، ونحو نصف مليون فرد من منتسبي وزارة الداخلية من الشرطة وقوات المغاوير، يضاف إليهم مئات الآلاف من المسلحين الآخرين، في قوات الحماية والقوات شبه النظامية، ليصل العدد الإجمالي للقوة المسلحة العراقية إلى أكثر من مليون مسلح تابع لمؤسسات الدولة.
ووفقا لمؤشرات العام 2010، يمتلك العراق 149 دبابة قتال رئيسية، بينها 77 دبابة من طراز "تي72"
. وكان عدد هذه الدبابات لدى الجيش العراقي قد بلغ عام 1990 إلى 5100 دبابة, إضافة إلى 2300 قطعة من مركبات المشاة المدرعة، و6800 من مركبات القتال. وكانت هناك في الوقت ذاته أكثر من ألف دبابة قتال رئيسية لدى الحرس الجمهوري.
وقد جرى الاتفاق في يوليو/تموز 2008 على صفقات تسليح بلغت قيمتها نحو 10.7 مليارات دولار، وتضمنت ما قيمته 2.16 مليار دولار لشراء دبابات "أبرامز". وتحديداً سيشتري العراق 140 من هذه الدبابات و400 مركبة مجنزرة من عربات المشاة القتالية الحديثة "سترايكر".
على الصعيد الجوي، توجد لدى القوات العراقية ست طائرات حربية من طراز "أي.سي-208 بي"
، فضلا عن 29 مروحية ليس بينها مروحية هجومية. وهناك طائرتا استطلاع من طراز "أس.بي7 أل-360"
وست أخرى من طراز "سيسنا 208 بي" وثمان من طراز "سي.أتش-2000". والعراق أكثر دول الخليج بعد سلطنة عمان حيازة لطائرات الاستطلاع، ويسعى حاليا لشراء 36 مقاتلة من طراز "أف-16 آي"،
كما سيشتري ست طائرات نقل من شركة لوكهيد مارتن. على الصعيد البحري، يوجد لدى العراق في الوقت الراهن 38 زورقا قديما من زوارق الدورية، ولا توجد لديه زوارق قتال صاروخية أو أية زوارق قتال رئيسية أخرى.
وقد تعاقدت البحرية العراقية على أربع سفن دورية حديثة من زنة 450 طنا إيطالية الصنع.
وبصفة عامة، يعاني العراق انكشافا إستراتيجيا، وتنقصه الذراع الجوية والبحرية على حد سواء، كما أن تجهيزاته البرية ما زالت محدودة.
كذلك لا توجد لدى العراق أنظمة دفاع جوي حديثة قريبة أو متوسطة المدى. ومن الصعب على أنظمته الحالية صد هجوم جوي تتعرض له البلاد بالطائرات أو الصواريخ.
بالطبع، هذا وضع لا بد أن يتغيّر، وهذه مهمة الغد بالنسبة للمؤسسة العسكرية العراقية، وذلك بعد استتباب الأمن والاستقرار الداخلي الذي يجب أن توجه إليه كافة الجهود المحلية والإقليمية