صحيفة السياسة الكويتية/إعداد أمل الشريف: عندما اكتشف البرت اينشتاين سر الذرة التي كانت بداية عهد تصنيع القنبلة النووية ذكر مقولته الماثورة (ترى ماذا سيحدث للعالم بعد ان انطلق المارد الذي كان مسجونا في الزجاجة)
ومنذ اسقاط اول قنبلة نووية على مدينة هيروشيما اليابانية انطلق مارد الاسلحة النووية من السيطرة الدولية ومع مرور الوقت لم تعد هناك اسرار حول كيفية تصنيع السلاح النووي لكن الجديد انه لم تعد القوى الكبرى في العالم مسيطرة تماما على ترساناتها المكتظة بالرؤوس النووية كما لا يستطيعون استخدامها وظلت مجرد رادع يرهب الدول المنافسة وورقة ضغط على الساحة السياسية ليظل ميزان القوى لصالح الذين يمتلكون السلاح النووى.
وليس غريبا بعد تفتت الاتحاد السوفياتي السابق وتداعي مؤسساته ومن بينها المفاعلات النووية ان يصبح السلاح النووي مغريا للدول الفقيرة التي تسعى الى تحقيق نوع من التوزان في ميزان القوى الدولى لصالحها باقل تكلفة من خلال تسريب المواد النووية والتقاط العلماء الذين تم تسريحهم بل وشراء تكنولوجيا تصنيع القنبلة النووية من السوق السوداء الممتدة في 10 مدن سوفياتية سابقة شرق وجنوب منطقة الاورال الروسية.
ويشرح الكاتب الاميركي وليام لانجويشيه مؤلف كتاب (السوق النووية.. صعود الدول الفقيرة) شرح كيف سيتسع النادي النووي قريبا ليشمل الدول الفقيرة قائلا(ان انتشار الاسلحة النووية في العالم اصبح حالة عامة لا يمكن تغييرها ومنذ فترة ما بعد الحرب الباردة فان اجزاء كبيرة من العالم الفقير اصبح لها طموحات لامتلاك القنابل النووية سعيا وراء تحقيق المساواة مع القوى الكبرى والتي يصعب ان يحققها الامن خلال امتلاك ترسانات نووية مستقلة للاسلحة النووية.
وذكر احد الخبراء الروس في مجال الطاقة النووية , ان تكنولوجيا السلاح النووي اصبحت اداة مفيدة للقوى الصغيرة لكى تحقق طموحاتها السياسية باقل سعر ممكن.
عشرات المفاعلات السائبة
وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق فان هناك عشرات المفاعلات النووية التي تداعت بعد استقلال الجمهوريات السوفياتية السابقة عن موسكو وهرب الكثير من علماء الطاقة النووية للخارج بحثا عمن يقدر مجهوداتهم, بل ان هناك الان 10 مدن روسية شرق وجنوب منطقة جبال الاورال مازالت تنتج المواد النووية سواء اليورانيوم عالي التخصيب والبلوتونيوم لمن يقدم الثمن دولا كانت او جماعات مسلحة !
ومن جانبه اكد جون اس ولف مساعد وزير الخارجية لشؤون منع انتشار الاسلحة النووية بمجلة وزارة الخارجية الاميركية في مقال بعنوان (اسلحة الدمار الشامل..اطار العمل الستراتيجي الجديد) ان التعامل مع الكميات الكبيرة الفائضة من انظمة اسلحة الدمار الشامل في الاتحاد السوفياتي ومواد صنعها وتقنياتها والخبرات المتعلقة بها يعد اهم التحديات النووية التي نواجهها بالنسبة لمنع انتشار اسلحة الدمار الشامل وان الولايات المتحدة تتابع حاليا مجموعة واسعة من البرامج للتعاون مع روسيا والجمهوريات الاوروبية والاسيوية المستقلة عنه ليس فقط للسيطرة على هذا المخزون من الاسلحة النووية, ولكن ايضا في التخلص من فائض مواد صنع الاسلحة النووية لضمان عدم تسرب خبرات صنع الاسلحة النووية والصواريخ الى الدول والمنظمات الارهابية التي تشكل خطرا.
وتشمل هذه البرامج تسريع برامج حماية المواد النووية في مايقارب من 40 موقعا في الاتحاد السوفياتي السابق كما عززنا الجهود لاقفال ثلاثة مفاعلات نووية روسية لانتاج البلوتونيوم اللازم لصنع الاسلحة النووية كما نتعاون مع كازاخستان لوضع 300 طن من الوقود المستهلك في حالة امنة من بينها 3 اطنان من البلوتونيوم الصالح لصنع الاسلحة النووية في المفاعل رقم بي ان- 350.
وذكر لينتون بروكس مدير ادارة الامن القومى النووي الاميركي ان الولايات المتحدة ادركت مشكلة تداعي المفاعلات الروسية وحاولت مساعدة روسيا والجمهوريات المستقلة عنها لمنع تسريب المواد النووية لكن المراقبين النوويين في هذه الجمهوريات يؤكدون ان ثلث هذه المفاعلات المنتشرة شرق وجنوب الاورال لم يتم تامينها وتحتوي على نصف المخزون الروسي من المواد النووية بل ان 75 في المئة من عمليات تخزين المواد النووية الروسية بلا تأمين حقيقي.
واضاف بروكس وببساطة في ظل ارتفاع تكاليف عمليات تأمين تخزين المواد النووية تجعل معظم هذه الدول تتخلى عنها مما يجعل من السهولة بمكان لاي مغامر ان يصبح من اصحاب الاسلحة النووية.
زبائن السلاح النووى
وعلى صعيد اخر كشفت صحيفة الجارديان البريطانية نقلا عن احد وثائق جهاز الاستخبارات البريطانية »ام اي 5« بعنوان (شركات ومنظمات تثير مخاوف الانتشار النووي) ان هناك قائمة تضم 360 شركة خاصة وجامعة ومنظمة حكومية اغلبها في منطقة الشرق الاوسط تمتلك تكنولوجيا لبناء برامج لانتاج الاسلحة النووية وان هذا الحجم الكبير يشير الى ان حجم سوق تجارة الاسلحة النووية اكبر مما تم الاعلان عنه.
وقد حذرت الوثيقة من خطر الاستمرار في تصدير الخبرة والسلع الحساسة لمنظمات ودول في منطقة الشرق الاوسط ومن اهمها باكستان وايران والهند واسرائيل كما حذرت من سعي مصر والسعودية الحثيث لامتلاك برامج نووية.
كما اوضح الكاتب لانجويشيه في كتابه طبيعة الزبائن المحتملين في سوق الاسلحة النووية اما على مستوى الدول فان هناك علماء مثل عالم المعادن الباكستاني عبد القدير خان الملقب بابو القنبلة النووية الباكستانية الذي اتيح له العمل في شركه هولندية لتصنيع الوقود النووي للاغراض السلمية لسنوات طويلة استطاع خلالها تسريب اسرار تكنولوجيا تصنيع الوقود النووي, بل قدم رسوم تخطيطية لوحدات الطرد المركزي التي تنتج الوقود النووي ومراحل عملية انتاج السلاح النووي لعدة دول بداية من باكستان ثم ليبيا وكوريا الشمالية والبرازيل والعراق وايران وربما سورية.
وظل خان يقدم خدماته في السوق السوداء لفترة طويلة حتى ضيقت الولايات المتحدة واوروبا عليه الخناق وتم وضعه رهن الاقامة الجبرية في اسلام اباد في باكستان حاليا, واذا كان خان يعد عدوا لدودا في نظر العالم الغربي فانه يعد في نظر مواطنيه والعالم الاسلامي بطلا قوميا لانه يمثل اداة لحصول الفقراء على حقهم في الحصول على ذراع نووي.
بن لادن يطلب نموذج مفاعل
لكن الاخطر ان هناك زبائن اخرين محتملين غير الدول يسعون لامتلاك السلاح النووي وعلى رأسها التنظيمات والميلشيات المسلحة فقد ذكر المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الاميركية (سي اي ايه) جورج تينت في كتابه الاخير (في قلب العاصفة) ان تم بالفعل تسريب اسرار بعض الاسلحة النووية الى الجهاديين الذين يسعون الى ضرب اهداف غربية منتقاة.
واضاف تينت ان تنظيمات مثل تنظيم »القاعدة« وغيرها حصل على هذه المعلومات بطريق السرقة لتطوير تكنولوجيا الاسلحة النووية اللازمة لتصنيع قنبلة نووية وسط حالة الفساد المستشرية في الجمهوريات المستقلة حديثا عن الاتحاد السوفياتي السابق كما كشف فيلم وثائقي وثيقة عثر عليها اثر حملة امنية على احد المفاعلات النووية تكشف ان اسامة بن لادن طلب عبر احد رجاله في بروكسل نسخة من اسلوب عمل المفاعل الامر الذي يؤكد ان المارد انطلق من سجنه ولن يعد ابدا الى مكانه كما يقول اينشتاين!
وفي محاولة لتقدير حجم المواد النووية القابلة للتداول في العالم بالسوق السوداء يذكر لانغويشيه (ان العالم اصبح غنيا بمادة اليورانيوم عالي التخصيب المتناثرة في عدة مناطق في العالم حيث ينتشر نحو 2.2 مليون رطل من اليورانيوم المخصب في اكثر من 40 دولة من اشهرها شيلي وغانا وايران وجامايكا كما ان اكثر من نصف مادة البلوتونيوم المنصهر واليورانيوم المخصب توجد في الجمهوريات السوفياتية السابقة, وهي بلاد يتفشى فيها الفساد بحيث تقدم افضل الفرص لمن يدفع اكثر لامتلاك الوقود النووى.
ولعل اشهر مفاعل يتوفر فيه اليورانيوم المخصب مفاعل (ماياك) في مدينة اوزرسك جنوب الاورال الذي يعمل فيه 14 الف عامل لانتاج اليورانيوم المخصب والبلوتونيوم اللازم لتصنيع الرؤوس النووية التي توجد في السوق السوداء على هيئة مساحيق او اقراص او سبائك تتنقل في حاويات بلا حراسة حقيقية بل ان صور هذا الحاويات تعرض علنا على شبكة الانترنت للزبائن!
والعجيب ان هذا المفاعل يعد نموذجا صارخا لضعف مستوى الامن والحماية المنتشرة في مفاعلات الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفياتي, حيث يمتد على مساحة 50 ميلا تحيطه الاسوار الشائكة لكن الحراس الذي يحرسون الكنز النووي مخمورين دائما او يتعاطون المخدرات اثناء نوبات الحراسة واحيانا يقتل بعضهم بعضا اثناء المشاجرات.
وذكر احد الفنيين الاميركيين في برنامج للامن والحماية للمفاعل ماياك (ان اجهزة الانذار الاميركية التي قدمتها واشنطن لهذه الجمهوريات مغلقة عن عمد لحساسيتها الشديدة في بلد مثل اوزرسك بلغ مستوى الاشعاع فيها البحيرة والاسماك بل حتى حقيبة احد العمال اصبحت ملوثة اشعاعيا الامر الذي من شانه ان يؤدى الى انطلاق صافرات الانذار.
واضاف ان الاعجب ان مدراء المفاعل يعيشون في فيلات فخمة مزودة بحمامات السباحة كما ظهر على مسئولى المفاعل الثراء الفاحش بسبب انخراطهم في السوق السوداء للاسلحة النووية بل ان هناك اثنين من العمال في المفاعل حصلا على 5 ملايين دولار لتهريب بعض المواد النووية للخارج وهذا طبيعى في ظل ثقافة (الثراء بدون ابداء اسباب)!
وهكذا يمكن لاية دولة او زبون محتمل ان يستغل حالة الفساد بين موظفي المفاعل وضعف عمليات الحراسة ليحصل على 100 رطل من اليورانيوم المخصب او البلوتونيوم لتبدا رحلة الهروب العظيم.
الهروب العظيم
بعد الحصول على 100 رطل مثلا من اليورانيوم المخصب من احد المفاعلات السوفياتية السابقة تبدا رحلة الهروب عبر المناطق الحدودية الجبلية من جمهورية جورجيا اكثر البلاد فسادا على وجه الارض او اذربيجان الى الحدود التركية مع ايران المعروف تاريخيا باسم (طريق تجارة الحرير) وهو افضل الطرق لتهريب اليورانيوم المسروق.
وتعتبر هذه المنطقة الحدودية الجبلية طريق لتهريب اي شىء, حيث تضعف سلطة الدولة وتظهر سلطة زعماء القبائل من الاكراد الذين يعملون مرشدين على مدى الحدود الشاسعة لمن يدفع الثمن!
وبمجرد عبور الحدود الى تركيا يمكن نقل اليورانيوم المخصب الى مدينة اسطنبول التركية تمهيدا لنقلها الى الزبون (دولة او جماعة) والذي يحتاج الى مفاعل نووي وعدد من الفنيين المتخصصين وفترة من الزمن تصل الى 4 اشهر لتصنيع اول قنبلة نووية .
ومن ناحية اخرى اعترف تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية التابعة للامم المتحدة بوقوع عدة حوادث لتهريب المواد النووية حيث اكد تقرير حوادث التهريب في الفترة ما بين عامي 1993-2000 (انه وقع بالفعل 16 حادثة تهريب لمادتي اليورانيوم المخصب والبلوتونيوم من عدة دول في المانيا وجمهورية التشيك وبلغاريا وروسيا وجورجيا واليونان وفرنسا وليتوانيا واليابان والولايات المتحدة.
وفي بعض الحالات استغل بعض العلماء وضع الحصانة التي يتمتعون بها مثل عبد القدير خان في تسريب التكنولوجيا النووية من الشركات الغربية العاملة في مجال تصنيع الوقود النووي الى من يدفع الثمن بل ان رجالا مثل خان قد لا نعلمهم كانوا السبب الرئيسى في فشل سياسة اوروبا والصين والولايات المتحدة لمنع تسرب اسرار ترساناتها النووية حول العالم.
حق امتلاك السلاح النووى
ولعل الدافع وراء زيادة زبائن السوق النووية العالمية هو محاولة الدول الكبرى حظر امتلاك هذه الاسلحة الا على الانظمة الصديقة الموالية لها والتي لا تخل بميزان القوى الدولي لصالح الاقوياء على حساب الدول الصغيرة في العالم واكدت ذلك دراسة بحثية جديدة صدرت عن معهد كارينجي للسلام الدولي بواشنطن ناقش خلالها جورج بيركوفيتش نائب رئيس برنامج دراسات الامن العالمي والتنمية الاقتصادية التابع للمعهد النظرية الاميركية بأن معيار امتلاك اي دولة للاسلحة النووية يعتمد على درجة ومستوى ديمقراطية هذه الدولة وبالتالي فان تجربة كوريا الشمالية النووية وبرنامج تخصيب اليورانيوم الايراني يعدان دليلا على فشل السياسة الاميركية لمنع انتشار الاسلحة النووية وستراتيجياتها لقصر هذا السلاح على الانظمة الموالية لها مما جعل انتشار هذه الاسلحة اقرب الى الواقع الامر الذي ادى بها الى اتباع ستراتيجية التخلص من الانظمة وبالتالي من الاسلحة النووية التي تمتلكها هذه الدول باعتبارها اساس ستراتيجية الامن القومي الاميركي في عهد الرئيس بوش التي اعلنها في خطابه الشهير (محور الشر 2002).
وتعتمد الولايات المتحدة في ستراتيجيتها لحماية امنها عبر التخلص من انظمة مارقة تمتلك اسلحة الدمار الشامل مثل ايران والعراق وكوريا الشمالية بينما ترى ان القنابل النووية التي تمتلكها الديمقراطيات الحليفة لواشنطن مثل اسرئيل والهند واستراليا تعد قنابل لا باس بها ولا يسري عليها الحظر.
ويرى محمد بن سعيد الفطيسي في مقاله »العالم في مواجهة الارهاب النووي« (وتقدر الوكالات الاميركية حجم القنابل النووية التي تملكها اسرائيل بنحو 100-200 قنبلة نووية مما يجعلها القوة النووية الخامسة في العالم كما انها تمتلك من مادة البلوتونيوم مايكفي لانتاج 100 قنبلة نووية اخرى)
ووفقا لمعايير الستراتيجية الاميركية السابقة فان امتلاك اسرائيل لهذه الترسانة الهائلة من الاسلحة النووية لا تمثل خطرا لانها من الدول الديمقراطية الصديقة لكن سعي ايران لامتلاك برنامج لانتاج الوقود النووي يمثل خطرا على الامن القومي الاميركي ولابد من التخلص من النظام فيها.
ولعل منطق القوى الكبرى للكيل بمكيالين حسب مصالحها وتحالفاتها وميزان القوى الذي تريد فرضه على المجتمع الدولي جعل الدول الصغيرة تندفع نحو السوق السوداء للمواد النووية لتدبير احتياجاتها بنفسها.
ورأى الكاتب وليام لانغويشيه ان هناك فارقا كبيرا في الاهداف اذا ما كان الزبون دولة ام جماعة مسلحة ففي حين ان الجماعة المسلحة مثل تنظيم الجهاد وغيرها تكتفي بامتلاك قنبلة او قنبلتين فان اطماع الدول تتجاوز ذلك بكثير فأي دولة تريد انشاء ترسانة نووية تحتوي على مئات الرؤوس النووية لذلك فهي تحتاج لخدمات رجال مثل عبد القدير خان في كل مكان ليس فقط للحصول على المواد النووية ولكن لتسريب اسرار انشاء وحدات الطرد المركزي وعملية تصنيع الوقود النووي كاملة لتمتلك بدورها مفاعلات مستقلة لتبدأ في الانتاج الضخم الذي يمكنها من مناطحة الدول الكبرى وتحقيق ميزان الرعب.
عجز الدول الكبرى
من هنا تنبأ احد خبراء الطاقة النووية في روسيا انه في وقت ما سيحدث التغيير الذي طالما حرص الكبار على الوقوف في وجهه, وستصبح الدول الكبرى الحريصة على ترساناتها النووية التي تحيطها بكل اشكال السرية والحماية من عمليات التسريب عاجزة عن استخدامها وتصبح هذه الاسلحة يوما ما سلاح الفقراء.
ووفقا لهذه التقديرات فان العالم سوف يدخل مرحلة جديدة من التاريخ يمكن فيها وقوع حروب نووية محدودة ولعل هذا هو الجانب المأساوي من قصة تجارة الاسلحة النووية والتي لا يجرؤ احد على مناقشتها بشكل علني.
واذا كان امتلاك الاسلحة النووية امرا صعبا للتنظيمات المسلحة فانها عملية اكثر سهولة بالنسبة للدول لانها قادرة على استئناف برنامجها النووي وبناء مفاعلات تنتج الوقود النووي ومخازن ضخمة لتخزينها كما انها توفر الحماية السياسية لكل العاملين في هذا القطاع على عكس المليشيات الاسلامية التي تعاني من قيود على حركتها حتى في المدن الشهيرة بالعمليات الانتحارية التي يمكن تجميع القنابل النووية فيها مثل مومباسا وكراتشي ومومباي ومكسيكو سيتي كما ان هذه حكومات هذه الدول تخشى من انتقام الدول التي تعرضت لاي هجوم نووي من قبل هذه الجماعات اذا قامت بتصنيع هذه الاسلحة على اراضيها.
وعلى سبيل المثال فان دولة مثل ايران ليست بحاجة الى سرقة اليورانيوم المخصب لانها لا تحتاج الى 100 رطل فقط من السوق السوداء بل صناعة ضخمة توفر الانتاج الضخم للوقود النووي وهى عملية معقدة لتكون ترسانتها النووية المستقلة.
ولم يعد سرا الان ان ايران استفادت من عبد القدير خان في الحصول على اسرار تصنيع الوقود النووي كما انه لديها فريق من المتخصصين في تشغيل وحدات الطرد المركزى باقصى طاقتها لانتاج مئات الرؤوس النووية في المستقبل والسؤال هل يمكن لاي قوى ان تمنع ايران من وقف برنامجها النووي?
اجاب الكاتب لانغويشيه بالنفي قائلا: (في الواقع فانه لا يستطيع احد منع ايران لانها تمتلك التكنولوجيا فان العقوبات الدولية لا يمكنها سحب هذه التكنولوجيا من عقول الايرانيين كما ان منطق امتلاك الاسلحة النووية الذي يحرك ايران هو نفسه الذي يحرك باقي الدول الصغيرة في العالم.
وما المنطق الذي يحرك هذه الدول ?
امتلاك النووى
ان انتشار الاسلحة النووية وامتلاك دولة او دولتين جديدتين مثل ايران وكوريا الشمالية لهذا السلاح ليست ماساة في حد ذاتها كما يعتقد البعض لكن الماساة تكمن في المناخ الدولي القائم على قمع الفقراء واستباحة اراضيهم وشعوبهم وهضم حرياتهم من خلال شن عدة حروب وقائية كما هو الحال في سلسلة الحروب التي تتزعمها الولايات المتحدة في الشرق الاوسط لان من شانها ان تبرر لكل دولة صغيرة تريد الحفاظ على سيادتها وحريتها السعي لامتلاك السلاح النووي لفرض مبدا المساواة بين الدول كبيرة وصغيرة.. غنية وفقيرة في ميزان القوى الدولي.
وهذا يفسر اصرار دولة مثل ايران على استكمال برنامجها النووي رغم الضغوط الدولية الشديدة التي تتعرض لها من قبل الغرب والمجتمع الدولى فهي دولة طموحة تريد تقوية مركزها في الشرق الاوسط وبالطبع فهي لا تكتفي بانتاج قنبلة او قنبلتين بل تريد ترسانة نووية لتقف في مصاف الدول الكبرى.
وتصر ايران وغيرها على امتلاك السلاح النووي لانه اصبح وسيلة سياسية فعالة وليس من قبيل الصدفة ان الاعضاء الدائمين في مجلس الامن الدولي بالامم المتحدة هي نفسها اساطين النادي النووي (الولايات المتحدة -روسيا- فرنسا - بريطانيا - الصين)
مما جعل دول اصغر تطمح في دخول هذا النادي مثل الهند - باكستان - اسرائيل - جنوب افريقيا ثم تلاها كوريا الشمالية ولعل قريبا تكون ايران ضمن هذا النادى. والغريب ان ظهور دولة نووية جديدة في احد مناطق العالم يضطر الدول المجاورة الى اللهاث وراء امتلاك هذا السلاح فعندما ظهرت الهند لحقتها باكستان ليس فقط للدفاع عن نفسها ولكن لاستخدامها كورقة ضغط سياسي ضد الدول الكبرى اي يمكن تشبيه وضع الاسلحة النووية في العالم بالعقد الذي انفرطت حباته باسقاط الولايات المتحدة اول قنبلة نووية على مدينة هيروشيما اليابانية حيث لحقتها الاتحاد السوفياتي ثم الدول الاوروبية ثم الدول الاصغر والاصغر حتى ظهرت اغنية شهيرة بعد ذلك تقول (من سيأتي بعد ?)
وعلى الاميركيين من الان فصاعدا ان ينظروا الى العالم حولهم بطريقة واقعية وان يقبلوا الحقيقة التي لم يعد ممكنا تغييرها وهى ان السلاح النووي اصبح سلاح الفقراء وان هناك دولا جديدة ستنضم اردنا ام لم نرد الى النادي النووي وعدم الاعتراف بهذه الحقيقة ستجر الولايات المتحدة الى مواجهات عسكرية محتملة ليس فقط مع ايران ولكن مع كوريا الشمالية وغيرها.
وتبقى نقطة اخيرة يجب مناقشتها في تجارة الاسلحة النووية الرائجة الان وهى ان المجتمع الدولى يجب ان يقبل فكرة قيام حروب نووية محدودة بين الدول النووية الجديدة في العالم الثالث مثل باكستان والهند واسرائيل وايران ربما لا تكون حربا عالمية تؤدي الى الابادة الشاملة للعالم ولكن بالتأكيد ستودي بحياة ملايين البشر في مناطق محدودة من العالم وهذه الحقيقة التي صنعناها بايدينا عندما انطلق هذا المارد النووي من عقاله باسقاط قنبلة هيروشيما في الحرب العالمية الثانية.
وسيظل هناك فرضية واحدة تحول بين الدول الفقيرة واستخدام الاسلحة النووية وهى المقولة التي اطلقها الزعيم الصينى ماو تسي تونغ التي تقول ان القنبلة النووية مجرد (نمر من ورق) اي انها سلاح ضخم ولكن لايمكن استخدامه لماذا? ان الدول النووية الجديدة اذا استهدفت مناطق معينة فانها بالضرورة ستصبح هدفا للانتقام وبالتالي ماذا يبقى من هذا السلاح ?
ان يظل مجرد رادع وورقة ضغط على القوى الكبرى ومحاولة من جانب الفقراء لتحقيق ميزان الرعب مع الاغنياء.
http://www.akhbar-libyaonline.com/index.php?option=com_content&task=view&id=10542&Itemid=1
ومنذ اسقاط اول قنبلة نووية على مدينة هيروشيما اليابانية انطلق مارد الاسلحة النووية من السيطرة الدولية ومع مرور الوقت لم تعد هناك اسرار حول كيفية تصنيع السلاح النووي لكن الجديد انه لم تعد القوى الكبرى في العالم مسيطرة تماما على ترساناتها المكتظة بالرؤوس النووية كما لا يستطيعون استخدامها وظلت مجرد رادع يرهب الدول المنافسة وورقة ضغط على الساحة السياسية ليظل ميزان القوى لصالح الذين يمتلكون السلاح النووى.
وليس غريبا بعد تفتت الاتحاد السوفياتي السابق وتداعي مؤسساته ومن بينها المفاعلات النووية ان يصبح السلاح النووي مغريا للدول الفقيرة التي تسعى الى تحقيق نوع من التوزان في ميزان القوى الدولى لصالحها باقل تكلفة من خلال تسريب المواد النووية والتقاط العلماء الذين تم تسريحهم بل وشراء تكنولوجيا تصنيع القنبلة النووية من السوق السوداء الممتدة في 10 مدن سوفياتية سابقة شرق وجنوب منطقة الاورال الروسية.
ويشرح الكاتب الاميركي وليام لانجويشيه مؤلف كتاب (السوق النووية.. صعود الدول الفقيرة) شرح كيف سيتسع النادي النووي قريبا ليشمل الدول الفقيرة قائلا(ان انتشار الاسلحة النووية في العالم اصبح حالة عامة لا يمكن تغييرها ومنذ فترة ما بعد الحرب الباردة فان اجزاء كبيرة من العالم الفقير اصبح لها طموحات لامتلاك القنابل النووية سعيا وراء تحقيق المساواة مع القوى الكبرى والتي يصعب ان يحققها الامن خلال امتلاك ترسانات نووية مستقلة للاسلحة النووية.
وذكر احد الخبراء الروس في مجال الطاقة النووية , ان تكنولوجيا السلاح النووي اصبحت اداة مفيدة للقوى الصغيرة لكى تحقق طموحاتها السياسية باقل سعر ممكن.
عشرات المفاعلات السائبة
وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق فان هناك عشرات المفاعلات النووية التي تداعت بعد استقلال الجمهوريات السوفياتية السابقة عن موسكو وهرب الكثير من علماء الطاقة النووية للخارج بحثا عمن يقدر مجهوداتهم, بل ان هناك الان 10 مدن روسية شرق وجنوب منطقة جبال الاورال مازالت تنتج المواد النووية سواء اليورانيوم عالي التخصيب والبلوتونيوم لمن يقدم الثمن دولا كانت او جماعات مسلحة !
ومن جانبه اكد جون اس ولف مساعد وزير الخارجية لشؤون منع انتشار الاسلحة النووية بمجلة وزارة الخارجية الاميركية في مقال بعنوان (اسلحة الدمار الشامل..اطار العمل الستراتيجي الجديد) ان التعامل مع الكميات الكبيرة الفائضة من انظمة اسلحة الدمار الشامل في الاتحاد السوفياتي ومواد صنعها وتقنياتها والخبرات المتعلقة بها يعد اهم التحديات النووية التي نواجهها بالنسبة لمنع انتشار اسلحة الدمار الشامل وان الولايات المتحدة تتابع حاليا مجموعة واسعة من البرامج للتعاون مع روسيا والجمهوريات الاوروبية والاسيوية المستقلة عنه ليس فقط للسيطرة على هذا المخزون من الاسلحة النووية, ولكن ايضا في التخلص من فائض مواد صنع الاسلحة النووية لضمان عدم تسرب خبرات صنع الاسلحة النووية والصواريخ الى الدول والمنظمات الارهابية التي تشكل خطرا.
وتشمل هذه البرامج تسريع برامج حماية المواد النووية في مايقارب من 40 موقعا في الاتحاد السوفياتي السابق كما عززنا الجهود لاقفال ثلاثة مفاعلات نووية روسية لانتاج البلوتونيوم اللازم لصنع الاسلحة النووية كما نتعاون مع كازاخستان لوضع 300 طن من الوقود المستهلك في حالة امنة من بينها 3 اطنان من البلوتونيوم الصالح لصنع الاسلحة النووية في المفاعل رقم بي ان- 350.
وذكر لينتون بروكس مدير ادارة الامن القومى النووي الاميركي ان الولايات المتحدة ادركت مشكلة تداعي المفاعلات الروسية وحاولت مساعدة روسيا والجمهوريات المستقلة عنها لمنع تسريب المواد النووية لكن المراقبين النوويين في هذه الجمهوريات يؤكدون ان ثلث هذه المفاعلات المنتشرة شرق وجنوب الاورال لم يتم تامينها وتحتوي على نصف المخزون الروسي من المواد النووية بل ان 75 في المئة من عمليات تخزين المواد النووية الروسية بلا تأمين حقيقي.
واضاف بروكس وببساطة في ظل ارتفاع تكاليف عمليات تأمين تخزين المواد النووية تجعل معظم هذه الدول تتخلى عنها مما يجعل من السهولة بمكان لاي مغامر ان يصبح من اصحاب الاسلحة النووية.
زبائن السلاح النووى
وعلى صعيد اخر كشفت صحيفة الجارديان البريطانية نقلا عن احد وثائق جهاز الاستخبارات البريطانية »ام اي 5« بعنوان (شركات ومنظمات تثير مخاوف الانتشار النووي) ان هناك قائمة تضم 360 شركة خاصة وجامعة ومنظمة حكومية اغلبها في منطقة الشرق الاوسط تمتلك تكنولوجيا لبناء برامج لانتاج الاسلحة النووية وان هذا الحجم الكبير يشير الى ان حجم سوق تجارة الاسلحة النووية اكبر مما تم الاعلان عنه.
وقد حذرت الوثيقة من خطر الاستمرار في تصدير الخبرة والسلع الحساسة لمنظمات ودول في منطقة الشرق الاوسط ومن اهمها باكستان وايران والهند واسرائيل كما حذرت من سعي مصر والسعودية الحثيث لامتلاك برامج نووية.
كما اوضح الكاتب لانجويشيه في كتابه طبيعة الزبائن المحتملين في سوق الاسلحة النووية اما على مستوى الدول فان هناك علماء مثل عالم المعادن الباكستاني عبد القدير خان الملقب بابو القنبلة النووية الباكستانية الذي اتيح له العمل في شركه هولندية لتصنيع الوقود النووي للاغراض السلمية لسنوات طويلة استطاع خلالها تسريب اسرار تكنولوجيا تصنيع الوقود النووي, بل قدم رسوم تخطيطية لوحدات الطرد المركزي التي تنتج الوقود النووي ومراحل عملية انتاج السلاح النووي لعدة دول بداية من باكستان ثم ليبيا وكوريا الشمالية والبرازيل والعراق وايران وربما سورية.
وظل خان يقدم خدماته في السوق السوداء لفترة طويلة حتى ضيقت الولايات المتحدة واوروبا عليه الخناق وتم وضعه رهن الاقامة الجبرية في اسلام اباد في باكستان حاليا, واذا كان خان يعد عدوا لدودا في نظر العالم الغربي فانه يعد في نظر مواطنيه والعالم الاسلامي بطلا قوميا لانه يمثل اداة لحصول الفقراء على حقهم في الحصول على ذراع نووي.
بن لادن يطلب نموذج مفاعل
لكن الاخطر ان هناك زبائن اخرين محتملين غير الدول يسعون لامتلاك السلاح النووي وعلى رأسها التنظيمات والميلشيات المسلحة فقد ذكر المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الاميركية (سي اي ايه) جورج تينت في كتابه الاخير (في قلب العاصفة) ان تم بالفعل تسريب اسرار بعض الاسلحة النووية الى الجهاديين الذين يسعون الى ضرب اهداف غربية منتقاة.
واضاف تينت ان تنظيمات مثل تنظيم »القاعدة« وغيرها حصل على هذه المعلومات بطريق السرقة لتطوير تكنولوجيا الاسلحة النووية اللازمة لتصنيع قنبلة نووية وسط حالة الفساد المستشرية في الجمهوريات المستقلة حديثا عن الاتحاد السوفياتي السابق كما كشف فيلم وثائقي وثيقة عثر عليها اثر حملة امنية على احد المفاعلات النووية تكشف ان اسامة بن لادن طلب عبر احد رجاله في بروكسل نسخة من اسلوب عمل المفاعل الامر الذي يؤكد ان المارد انطلق من سجنه ولن يعد ابدا الى مكانه كما يقول اينشتاين!
وفي محاولة لتقدير حجم المواد النووية القابلة للتداول في العالم بالسوق السوداء يذكر لانغويشيه (ان العالم اصبح غنيا بمادة اليورانيوم عالي التخصيب المتناثرة في عدة مناطق في العالم حيث ينتشر نحو 2.2 مليون رطل من اليورانيوم المخصب في اكثر من 40 دولة من اشهرها شيلي وغانا وايران وجامايكا كما ان اكثر من نصف مادة البلوتونيوم المنصهر واليورانيوم المخصب توجد في الجمهوريات السوفياتية السابقة, وهي بلاد يتفشى فيها الفساد بحيث تقدم افضل الفرص لمن يدفع اكثر لامتلاك الوقود النووى.
ولعل اشهر مفاعل يتوفر فيه اليورانيوم المخصب مفاعل (ماياك) في مدينة اوزرسك جنوب الاورال الذي يعمل فيه 14 الف عامل لانتاج اليورانيوم المخصب والبلوتونيوم اللازم لتصنيع الرؤوس النووية التي توجد في السوق السوداء على هيئة مساحيق او اقراص او سبائك تتنقل في حاويات بلا حراسة حقيقية بل ان صور هذا الحاويات تعرض علنا على شبكة الانترنت للزبائن!
والعجيب ان هذا المفاعل يعد نموذجا صارخا لضعف مستوى الامن والحماية المنتشرة في مفاعلات الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفياتي, حيث يمتد على مساحة 50 ميلا تحيطه الاسوار الشائكة لكن الحراس الذي يحرسون الكنز النووي مخمورين دائما او يتعاطون المخدرات اثناء نوبات الحراسة واحيانا يقتل بعضهم بعضا اثناء المشاجرات.
وذكر احد الفنيين الاميركيين في برنامج للامن والحماية للمفاعل ماياك (ان اجهزة الانذار الاميركية التي قدمتها واشنطن لهذه الجمهوريات مغلقة عن عمد لحساسيتها الشديدة في بلد مثل اوزرسك بلغ مستوى الاشعاع فيها البحيرة والاسماك بل حتى حقيبة احد العمال اصبحت ملوثة اشعاعيا الامر الذي من شانه ان يؤدى الى انطلاق صافرات الانذار.
واضاف ان الاعجب ان مدراء المفاعل يعيشون في فيلات فخمة مزودة بحمامات السباحة كما ظهر على مسئولى المفاعل الثراء الفاحش بسبب انخراطهم في السوق السوداء للاسلحة النووية بل ان هناك اثنين من العمال في المفاعل حصلا على 5 ملايين دولار لتهريب بعض المواد النووية للخارج وهذا طبيعى في ظل ثقافة (الثراء بدون ابداء اسباب)!
وهكذا يمكن لاية دولة او زبون محتمل ان يستغل حالة الفساد بين موظفي المفاعل وضعف عمليات الحراسة ليحصل على 100 رطل من اليورانيوم المخصب او البلوتونيوم لتبدا رحلة الهروب العظيم.
الهروب العظيم
بعد الحصول على 100 رطل مثلا من اليورانيوم المخصب من احد المفاعلات السوفياتية السابقة تبدا رحلة الهروب عبر المناطق الحدودية الجبلية من جمهورية جورجيا اكثر البلاد فسادا على وجه الارض او اذربيجان الى الحدود التركية مع ايران المعروف تاريخيا باسم (طريق تجارة الحرير) وهو افضل الطرق لتهريب اليورانيوم المسروق.
وتعتبر هذه المنطقة الحدودية الجبلية طريق لتهريب اي شىء, حيث تضعف سلطة الدولة وتظهر سلطة زعماء القبائل من الاكراد الذين يعملون مرشدين على مدى الحدود الشاسعة لمن يدفع الثمن!
وبمجرد عبور الحدود الى تركيا يمكن نقل اليورانيوم المخصب الى مدينة اسطنبول التركية تمهيدا لنقلها الى الزبون (دولة او جماعة) والذي يحتاج الى مفاعل نووي وعدد من الفنيين المتخصصين وفترة من الزمن تصل الى 4 اشهر لتصنيع اول قنبلة نووية .
ومن ناحية اخرى اعترف تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية التابعة للامم المتحدة بوقوع عدة حوادث لتهريب المواد النووية حيث اكد تقرير حوادث التهريب في الفترة ما بين عامي 1993-2000 (انه وقع بالفعل 16 حادثة تهريب لمادتي اليورانيوم المخصب والبلوتونيوم من عدة دول في المانيا وجمهورية التشيك وبلغاريا وروسيا وجورجيا واليونان وفرنسا وليتوانيا واليابان والولايات المتحدة.
وفي بعض الحالات استغل بعض العلماء وضع الحصانة التي يتمتعون بها مثل عبد القدير خان في تسريب التكنولوجيا النووية من الشركات الغربية العاملة في مجال تصنيع الوقود النووي الى من يدفع الثمن بل ان رجالا مثل خان قد لا نعلمهم كانوا السبب الرئيسى في فشل سياسة اوروبا والصين والولايات المتحدة لمنع تسرب اسرار ترساناتها النووية حول العالم.
حق امتلاك السلاح النووى
ولعل الدافع وراء زيادة زبائن السوق النووية العالمية هو محاولة الدول الكبرى حظر امتلاك هذه الاسلحة الا على الانظمة الصديقة الموالية لها والتي لا تخل بميزان القوى الدولي لصالح الاقوياء على حساب الدول الصغيرة في العالم واكدت ذلك دراسة بحثية جديدة صدرت عن معهد كارينجي للسلام الدولي بواشنطن ناقش خلالها جورج بيركوفيتش نائب رئيس برنامج دراسات الامن العالمي والتنمية الاقتصادية التابع للمعهد النظرية الاميركية بأن معيار امتلاك اي دولة للاسلحة النووية يعتمد على درجة ومستوى ديمقراطية هذه الدولة وبالتالي فان تجربة كوريا الشمالية النووية وبرنامج تخصيب اليورانيوم الايراني يعدان دليلا على فشل السياسة الاميركية لمنع انتشار الاسلحة النووية وستراتيجياتها لقصر هذا السلاح على الانظمة الموالية لها مما جعل انتشار هذه الاسلحة اقرب الى الواقع الامر الذي ادى بها الى اتباع ستراتيجية التخلص من الانظمة وبالتالي من الاسلحة النووية التي تمتلكها هذه الدول باعتبارها اساس ستراتيجية الامن القومي الاميركي في عهد الرئيس بوش التي اعلنها في خطابه الشهير (محور الشر 2002).
وتعتمد الولايات المتحدة في ستراتيجيتها لحماية امنها عبر التخلص من انظمة مارقة تمتلك اسلحة الدمار الشامل مثل ايران والعراق وكوريا الشمالية بينما ترى ان القنابل النووية التي تمتلكها الديمقراطيات الحليفة لواشنطن مثل اسرئيل والهند واستراليا تعد قنابل لا باس بها ولا يسري عليها الحظر.
ويرى محمد بن سعيد الفطيسي في مقاله »العالم في مواجهة الارهاب النووي« (وتقدر الوكالات الاميركية حجم القنابل النووية التي تملكها اسرائيل بنحو 100-200 قنبلة نووية مما يجعلها القوة النووية الخامسة في العالم كما انها تمتلك من مادة البلوتونيوم مايكفي لانتاج 100 قنبلة نووية اخرى)
ووفقا لمعايير الستراتيجية الاميركية السابقة فان امتلاك اسرائيل لهذه الترسانة الهائلة من الاسلحة النووية لا تمثل خطرا لانها من الدول الديمقراطية الصديقة لكن سعي ايران لامتلاك برنامج لانتاج الوقود النووي يمثل خطرا على الامن القومي الاميركي ولابد من التخلص من النظام فيها.
ولعل منطق القوى الكبرى للكيل بمكيالين حسب مصالحها وتحالفاتها وميزان القوى الذي تريد فرضه على المجتمع الدولي جعل الدول الصغيرة تندفع نحو السوق السوداء للمواد النووية لتدبير احتياجاتها بنفسها.
ورأى الكاتب وليام لانغويشيه ان هناك فارقا كبيرا في الاهداف اذا ما كان الزبون دولة ام جماعة مسلحة ففي حين ان الجماعة المسلحة مثل تنظيم الجهاد وغيرها تكتفي بامتلاك قنبلة او قنبلتين فان اطماع الدول تتجاوز ذلك بكثير فأي دولة تريد انشاء ترسانة نووية تحتوي على مئات الرؤوس النووية لذلك فهي تحتاج لخدمات رجال مثل عبد القدير خان في كل مكان ليس فقط للحصول على المواد النووية ولكن لتسريب اسرار انشاء وحدات الطرد المركزي وعملية تصنيع الوقود النووي كاملة لتمتلك بدورها مفاعلات مستقلة لتبدأ في الانتاج الضخم الذي يمكنها من مناطحة الدول الكبرى وتحقيق ميزان الرعب.
عجز الدول الكبرى
من هنا تنبأ احد خبراء الطاقة النووية في روسيا انه في وقت ما سيحدث التغيير الذي طالما حرص الكبار على الوقوف في وجهه, وستصبح الدول الكبرى الحريصة على ترساناتها النووية التي تحيطها بكل اشكال السرية والحماية من عمليات التسريب عاجزة عن استخدامها وتصبح هذه الاسلحة يوما ما سلاح الفقراء.
ووفقا لهذه التقديرات فان العالم سوف يدخل مرحلة جديدة من التاريخ يمكن فيها وقوع حروب نووية محدودة ولعل هذا هو الجانب المأساوي من قصة تجارة الاسلحة النووية والتي لا يجرؤ احد على مناقشتها بشكل علني.
واذا كان امتلاك الاسلحة النووية امرا صعبا للتنظيمات المسلحة فانها عملية اكثر سهولة بالنسبة للدول لانها قادرة على استئناف برنامجها النووي وبناء مفاعلات تنتج الوقود النووي ومخازن ضخمة لتخزينها كما انها توفر الحماية السياسية لكل العاملين في هذا القطاع على عكس المليشيات الاسلامية التي تعاني من قيود على حركتها حتى في المدن الشهيرة بالعمليات الانتحارية التي يمكن تجميع القنابل النووية فيها مثل مومباسا وكراتشي ومومباي ومكسيكو سيتي كما ان هذه حكومات هذه الدول تخشى من انتقام الدول التي تعرضت لاي هجوم نووي من قبل هذه الجماعات اذا قامت بتصنيع هذه الاسلحة على اراضيها.
وعلى سبيل المثال فان دولة مثل ايران ليست بحاجة الى سرقة اليورانيوم المخصب لانها لا تحتاج الى 100 رطل فقط من السوق السوداء بل صناعة ضخمة توفر الانتاج الضخم للوقود النووي وهى عملية معقدة لتكون ترسانتها النووية المستقلة.
ولم يعد سرا الان ان ايران استفادت من عبد القدير خان في الحصول على اسرار تصنيع الوقود النووي كما انه لديها فريق من المتخصصين في تشغيل وحدات الطرد المركزى باقصى طاقتها لانتاج مئات الرؤوس النووية في المستقبل والسؤال هل يمكن لاي قوى ان تمنع ايران من وقف برنامجها النووي?
اجاب الكاتب لانغويشيه بالنفي قائلا: (في الواقع فانه لا يستطيع احد منع ايران لانها تمتلك التكنولوجيا فان العقوبات الدولية لا يمكنها سحب هذه التكنولوجيا من عقول الايرانيين كما ان منطق امتلاك الاسلحة النووية الذي يحرك ايران هو نفسه الذي يحرك باقي الدول الصغيرة في العالم.
وما المنطق الذي يحرك هذه الدول ?
امتلاك النووى
ان انتشار الاسلحة النووية وامتلاك دولة او دولتين جديدتين مثل ايران وكوريا الشمالية لهذا السلاح ليست ماساة في حد ذاتها كما يعتقد البعض لكن الماساة تكمن في المناخ الدولي القائم على قمع الفقراء واستباحة اراضيهم وشعوبهم وهضم حرياتهم من خلال شن عدة حروب وقائية كما هو الحال في سلسلة الحروب التي تتزعمها الولايات المتحدة في الشرق الاوسط لان من شانها ان تبرر لكل دولة صغيرة تريد الحفاظ على سيادتها وحريتها السعي لامتلاك السلاح النووي لفرض مبدا المساواة بين الدول كبيرة وصغيرة.. غنية وفقيرة في ميزان القوى الدولي.
وهذا يفسر اصرار دولة مثل ايران على استكمال برنامجها النووي رغم الضغوط الدولية الشديدة التي تتعرض لها من قبل الغرب والمجتمع الدولى فهي دولة طموحة تريد تقوية مركزها في الشرق الاوسط وبالطبع فهي لا تكتفي بانتاج قنبلة او قنبلتين بل تريد ترسانة نووية لتقف في مصاف الدول الكبرى.
وتصر ايران وغيرها على امتلاك السلاح النووي لانه اصبح وسيلة سياسية فعالة وليس من قبيل الصدفة ان الاعضاء الدائمين في مجلس الامن الدولي بالامم المتحدة هي نفسها اساطين النادي النووي (الولايات المتحدة -روسيا- فرنسا - بريطانيا - الصين)
مما جعل دول اصغر تطمح في دخول هذا النادي مثل الهند - باكستان - اسرائيل - جنوب افريقيا ثم تلاها كوريا الشمالية ولعل قريبا تكون ايران ضمن هذا النادى. والغريب ان ظهور دولة نووية جديدة في احد مناطق العالم يضطر الدول المجاورة الى اللهاث وراء امتلاك هذا السلاح فعندما ظهرت الهند لحقتها باكستان ليس فقط للدفاع عن نفسها ولكن لاستخدامها كورقة ضغط سياسي ضد الدول الكبرى اي يمكن تشبيه وضع الاسلحة النووية في العالم بالعقد الذي انفرطت حباته باسقاط الولايات المتحدة اول قنبلة نووية على مدينة هيروشيما اليابانية حيث لحقتها الاتحاد السوفياتي ثم الدول الاوروبية ثم الدول الاصغر والاصغر حتى ظهرت اغنية شهيرة بعد ذلك تقول (من سيأتي بعد ?)
وعلى الاميركيين من الان فصاعدا ان ينظروا الى العالم حولهم بطريقة واقعية وان يقبلوا الحقيقة التي لم يعد ممكنا تغييرها وهى ان السلاح النووي اصبح سلاح الفقراء وان هناك دولا جديدة ستنضم اردنا ام لم نرد الى النادي النووي وعدم الاعتراف بهذه الحقيقة ستجر الولايات المتحدة الى مواجهات عسكرية محتملة ليس فقط مع ايران ولكن مع كوريا الشمالية وغيرها.
وتبقى نقطة اخيرة يجب مناقشتها في تجارة الاسلحة النووية الرائجة الان وهى ان المجتمع الدولى يجب ان يقبل فكرة قيام حروب نووية محدودة بين الدول النووية الجديدة في العالم الثالث مثل باكستان والهند واسرائيل وايران ربما لا تكون حربا عالمية تؤدي الى الابادة الشاملة للعالم ولكن بالتأكيد ستودي بحياة ملايين البشر في مناطق محدودة من العالم وهذه الحقيقة التي صنعناها بايدينا عندما انطلق هذا المارد النووي من عقاله باسقاط قنبلة هيروشيما في الحرب العالمية الثانية.
وسيظل هناك فرضية واحدة تحول بين الدول الفقيرة واستخدام الاسلحة النووية وهى المقولة التي اطلقها الزعيم الصينى ماو تسي تونغ التي تقول ان القنبلة النووية مجرد (نمر من ورق) اي انها سلاح ضخم ولكن لايمكن استخدامه لماذا? ان الدول النووية الجديدة اذا استهدفت مناطق معينة فانها بالضرورة ستصبح هدفا للانتقام وبالتالي ماذا يبقى من هذا السلاح ?
ان يظل مجرد رادع وورقة ضغط على القوى الكبرى ومحاولة من جانب الفقراء لتحقيق ميزان الرعب مع الاغنياء.
http://www.akhbar-libyaonline.com/index.php?option=com_content&task=view&id=10542&Itemid=1