معارك الحرس الجمهوري العراقي المدرعة
وقد تم تأسيس هذا التشكيل المنتخب IRG"" Iraqi Republican Guardsعام 1980 وكان أول تشكيل له يضم لواء مدرع هو اللواء العاشر الذي أصبح فيما بعد نواة فرقة الحرس الجمهوري المدرعة التي سميت "المدينة المنورة"
فقوات الحرس الجمهوري تصنف على أنها قوات احتياط استراتيجي وهي قوات تدخل سريع دائم التنقل ، تتقن التخفي و الخداع و التضليل وفق مبدأ التقنيع الروسي "الماسكورڤكا" لتباغت بالظهور المفاجئ وتعتمد على عاملين جوهرين في تكتيكها القتالي المناورة الحركية في الكر و الفر وكثافة ودقة النيران المباشرة والإسنادية أثناء الهجوم لقلب موازين المعركة أو لحسم المعركة في حالة تعزر ذلك على تشكيلات الجيش النظامي.
ولتحقيق هذا المبدأ أو المفهوم القتالي ، وقع الاختيار على الجيل الأول من دبابات T-72 السوفيتية عام 1979 لتشكل اللواء المدرع العاشر حيث خاض هذا اللواء معركة نموذجية ضد الفرقة المدرعة الذهبية 16 مفخرة قوات الباستدران "حرس الثورة الإيراني" التي تم تدميرها بالكامل تقريباً وفاق عدد الدبابات الإيرانية المدمرة أكثر من 200 دبابة و التي على الأغلب كانت من نوع M-60 Patonالأمريكية المسلحة بمدافع من عيار 105 ملم وربما يكون ذلك سبب في عدم مواجهة هذا النوع من الدبابات لدبابات الحرس الجمهوري في عاصفة الصحراء عام 1991.
كان ذلك أثناء معارك الخفاجيه سوسنكرد عام 1981 لتكون آخر معارك الدبابات النموذجية في حرب الخليج الأولى أو ما أسماها العراقيين بقادسية صدام .
وهو ما شجع العراقيين نتيجة هذا النجاح على استحواذ نماذج أحدث من دبابة T-72 عام 1982 كان أخرها دبابة T-72M1 Tamiya التي كانت معززة بنظام تصويب وقائس مسافة ليزري من نوع TPD-K1 بدل النظام ألتطابقي أو التناظري TPD-2-49 في الجيل السابق وهو ما زاد مدى النيران حتى مدى 3000 متر .
رغم ديكتاتورية النظام العراقي في ذلك الحين ورغم التشابه بين شخصية صدام والسفاح الشيوعي "جوزيف ستالين" إلا أن صدام حسين كان له ميزة إيجابية نتمناها في كل حاكم عربي وهي دعمه اللامحدود للبحث العلمي وعلى وجه الخصوص في المجال العسكري ومن ثم استقطابه للكوادر المبدعة المحلية و العربية و الأجنبية .
لذلك وبعد انتهاء حرب الخليج الأولى انكبت مركز البحوث العلمية على تطوير آلة الحرب العراقية وكان أحد أوجه هذا التطوير دبابة القتال الرئيسية العراقية "أسد بابل" و التي كان مقرر أن ينتج منها العراق 3000 دبابة إلا أنه اكتفى بإنتاج 1800 دبابة حتى عام 2003 لم يظهر منها للعيان سوى 750 دبابة و الباقي لم يعثر عليه حتى الآن ؟!.
(معارك الحرس الجمهوري عام 1991)
كان الأمر ممتعاً وخصوصاً لأطقم دبابات الأبرامز 1 Abrams M1A1 HA التي كان أول استخدام لها في هذه الحرب و التي كانت مزودة بقذائف طاقة حركية KE تسمى الطلقة الفضية Silver Bullet كانت تمرق في الدروع العراقية المركبة كما يمرق السهم بالرمية ، ولكن سوء الأحوال الجوية عقد الموقف القتالي وعطل بهجة الصيد عند أطقم الدبابات وفتح المجال أمام كل من اللواء المدرع التاسع و التاسع و العشرين التابعين لفرقة الحرس الجمهوري الميكانيكية "توكلنا على الله" التابعة لفيلق الحرس الجمهوري العام الأول "الله أكبر" ، للخروج من مخابئها الكرونكيتية المدعمة بأكياس الرمل و المغطاة أو المخفية بالتراب أو الرمل عندما اشتدت الريح و الغبار الكثيف والمطر .
تم إرشاد ألوية "توكلنا" المدرعة من قبل عناصر إشارة متقدمة من سلاح المغاوير "القوات الخاصة العراقية" التابعين للواء المظلي 26 ووفقاً لعقيدة رجال الحرس الجمهوري في سلاح الدبابات تم فتح النيران بالطاقة القصوى مع مراعاة التباعد بين الدبابات وسرعة الاندفاع وكان التركيز على دبابات الأبرامز وكان الانقضاض من جانبين روعي أن يكونا من محاور خلفية ما أمكن لتأخير ردة الفعل وزيادة الإرباك واقتناص النقاط الضعيفة ومنها مؤخرة الهيكل و البرج إضافة إلى الجوانب في دبابة الأبرامز وكان الهدف ضرب الفوج المدرع الأول و الثاني في جناحي الفرقة المدرعة الثالثة الأمريكية ، ورغم أن العراقيين استخدموا بدبابات "تاميا" T-72M1 قذائف حرارية HE جوفاء سرعة السيالة الحرارية فيها 3000 م/ث وحرارتها تبلغ 2000 درجة مئوية إلا أنها كانت كمن ينحت بالصخر أمام دروع الأبرامز الأمريكية المركبة من أربع طبقات و المعززة بقميص خارجي من سبائك اليورانيوم الذي يزيد بكثافته عن الفولاذ بأكثر من 2.4 ضعف ورغم أن عدد دبابات فرقة "توكلنا" كان 150 دبابة وكانت ترمي من مسافة بدأت من 3 كم بالمعدل أربعة قذائف بالدقيقة ثم زاد معدل الرماية دون تصحيح أو تغير للتهديف أي لزاوية اتجاه سبطانة المدفع الرئيسي عيار 125 ملم بالطاقة القصوى للملقم الآلي حتى معدل 10 قذائف بالدقيقة مع التنويع باستخدام قذائف أغراض عامة مدمرة HEAT بل أن هذا الهجوم دعم بقصف مدفعي مركز من أفواج المدفعية العراقية التابعة للجيش و الحرس الجمهوري.
ومع ذلك لم تتمكن الألوية المدرعة في فرقة "توكلنا" إلا أن تعطب وتعطل وتدمر سوى 16 دبابة أبرامز رغم كثافة النيران المضادة وأجبرت أطقم 21 دبابة أخرى على مغادرة دباباتهم بعد أن التهب نتيجة إصابتها بقنابل أغراض عامة شديدة الانفجار أطلقتها مدافع الإسناد الميداني "الهوتزر" أو أطلقتها دبابات "تاميا" التي كتب عليها "أسد بابل" بغرض التأثير السيكولوجي فقط و التضليل من ناحية أخرى إذا ما وقعت بالأسر من أجل الحروب المستقبلية وهذا ما حدث بالفعل مع تشكيل قوات "توكلنا ".
ولكن سرعان ما بدأت القوات الأمريكية المستهدفة بتنظيم صفوفها القتالية بعد أن استنزفت ألوية "توكلنا" عامل الصدمة وفقدت زمام المبادرة .
لتتحرك كرأس حربة ضارب مكون من فوج الفرسان الأول مع لواء مدرع من قوات واجب Taskforces كان مجهز بوصلات ارتباط DATA Role لاستقبال معلومات الرصد الجوي الرادارية في طائر "جوينت ستارز" Jestars من طراز بوينغ 707 و التي كانت تدير نيران خمسة كتائب مدفعية هاوتزر من نوع M109 Paladin عيار 155 ملم التي كانت ترد على المدفعية العراقية بمعدل ستة قذائف مقابل كل قذيفة تطلقها المدفعية العراقية المستهدفة وهو ما سرع من عملية إخماد نيران المدفعية العراقية رغم أن هذه الأخيرة كانت متحصنة جيداً وتم استهداف وتشتيت ألوية فرقة توكلنا براجمات الصواريخ MLRS M270 وكان عددها 27 راجمة .
رسم يوضح طريقة عمل قذائف TERM المباعدة
والتي تعمل وفق مبدأ قذائف STAFF XM943 الانقضاضية الذكية أي بدون متابعة أو تغير لزاوية برج الدبابة أو توجيه للقذيفة وفق مفهوم أطلق وأنسى Fire & Forget و الفعالة حتى مدى 4 كم.
قذيفة التهديف الذكي النشط أطلق وأنسى Smart Target Activated Fire & Forget "STAFF"
وهنا تحركت كتيبة ميكانيكية تابعة للواء النصر "مغاوير صدام" التي تشبه في تشكيلها قوات "ويفين" SS Waffen الحرس الشخصي النازي تحركت لمؤازرة ألوية فرقة "توكلنا" كانت معززة بمدرعات تحمل صواريخ مضادة للدروع ومدافع "مورترز" كي تتمكن من تنظيم صفوفها مرة أخرى وتطور هجومها من جديد أو تتخذ وضع دفاعي مناسب أو تنسحب وفقاً لمعطيات المعركة .
ولكن سوء الحظ لعب دور هنا بتحسن الأحوال الجوية ليأتي دور دبابات الجو المتمثلة بحوامات الأباتشي AH-64A Apache حيث دمرت 8 دبابات و19 مدرعة وشتت باقي الكتيبة .
هنا انضمت الفرقة المدرعة الأولى فرسان إلى الفرقة الثالثة و قوات واجب لحسم الموقف ضد فرقة "توكلنا" التي صمدت بشكل أسطوري أمام الفارق الساحق الأمريكي بالكم و النوع ليصبح عدد الدبابات هو أكثر من 5 إلى 1 ضد مدرعات الحرس الجمهوري وعاد الغطاء الجوي للقوات الأمريكية.
كان هذا التلاحم الحقيقي الوحيد لقوات الحرس الجمهوري أما باقي القوات من هذه النخبة فقد تركت مدرعاتها وآلياتها لتنسحب وتتجمع في منطقة الأهوار شمال البصرة ومنطقة الفرات الجنوبية الغربية وكان من أصل كل سبعة آليات متخندقة وراء ساتر آلية مأهولة واحدة وذلك حفاظاً على العامل البشري ذو الكفاءة القتالية العالية في الحرس الجمهوري .
ولم يتنبه الجيش الأمريكي لهذا التكتيك أثناء المعارك وابتلع الطعم فقد أعادت قوات الحرس الجمهوري تشكيل صفوفها وانتشارها في منطقة الفرات و الأهوار.
وفوجئ من جديد تشكيلات الفيلق المدرع الأمريكي السابع فرسان بهجوم مدرع نفذه لواء حرس جمهوري مدرع تابع لفرقة "حمورابي" المدرعة كان الهجوم معززة بلواء مشاة حرس جمهوري تابع لفرقة "عدنان طلفاح" لم تتطور هذه الكتلة المدرعة من قوات الحرس هجومها بل اندحرت أمام وابل نيران التشكيلات الأمريكية المدرعة نحو الأهوار لتقع بالكمين حيث تمكن كل من بقايا الفرقة الميكانيكية "توكلنا على الله " وفرقة "عدنان طلفاح" مشاة راجلة وكل من فرقة "حمورابي" و "المدينة المنورة" المدرعتين وكل من لواء "النصر" و"الفداء" و "الصمود" من فرقة مغاوير واجبات خاصة "واجبات" بمعنى أخر معظم تشكيلات فيلق "الله أكبر" والذي كان مجهزة بعدد كبير من دبابات "أسد بابل" بلغ عددها 750 دبابة خرجت من مخابئها في الأقنية المائية و المستنفعات و المخابئ الكرونكيتية لتلعب دورها القتالي الأول مطلقة قذائفها المدمرة بلا هوادة نحو آليات العدو وكانت الفاجعة بالضربة الأولى التي أطلق فيها مئات القذائف الحرارية المدمرة والتي كانت تحوي مكثف أكسيد الإثيلين Ethylene Oxide وهو شكل من أشكال وقود التفجير الهوائي FAE.
فقد كان لدى المخابرات العسكرية العراقية معلومة مفادها أن دروع دبابات الأبرامز رغم متانتها المفرطة كانت تعاني من ارتفاع سريع وكبير للحرارة إذا ما تعرض جزء كبير من تدريعها لحرارة كبيرة ومفاجأة بوقت واحد وقد أكد ذلك مغاوير الرصد والإشارة أثناء معركة فرقة "توكلنا على الله" لأنهم لاحظوا أن أطقم 21 دبابة أبرامز تركوا دباباتهم بمجرد إصابتها بقذائف شديدة الانفجار دون أن يتأكد تدمير هذه الدبابات.
وقد دارت في شمال البصرة معركة شرسة جداً بعد تمكن الحرس الجمهوري من تطويق طليعة الفيلق المدرع الأمريكي ، تكبد خلالها الطرفين خسائر فادحة وانتهت بقرار وقف الحرب من قبل الأمريكان ، وقد وافق العراقيين على وقف الحرب لثلاثة أسباب الأول ظهور التمرد المدني و العسكري في الجنوب العراقي والثاني أن استمرار المعارك سوف يؤدي إلى فناء الكتلة العسكرية العراقية وخاصة قوة النخبة المتمثلة بالحرس الجمهوري بسبب التفوق النوعي و الكمي المعادي ، وأخيراً معرفة العراقيين أن مدفعية الفيلق المدرع الأمريكي السابع كانت مجهزة بقذائف نووية تكتيكية مصغرة كانت على الأغلب من النوع النيوتروني من عيار 203 ملم أعدت كخيار أخير في حالة استمرت المعركة وتعاظمت الخسائر الأمريكية وكان المانع الغربي من استخدام هذه القنابل الإشعاعية كون المعركة الأخيرة من النوع التلاحمي يصعب فيها تدخل سلاح الجو أو استخدام أسلحة حسم إشعاعية لما يسبب من أضرار كبيرة بالطرف الصديق إضافة إلى الخوف من دقة المعلومات الإستخباراتية حول امتلاك العراق لقنابل إشعاعية بدائية تقتل بالأشعة تصنف ضمن القنابل الإشعاعية القذرة Dirty Bomb وبالفعل كشف مفتشين الأمم المتحدة في ما بعد عن هذه القنابل في أبو غريب ضمن مشروع قنبلة الصِدام Alsedam .
القذيفة المدفعية عيار 203 ملم التي تحمل الرأس الحربي W79 النووي التكتيكي