خطوات رائدة نحو مستقبل آلي للإنسان!

night fury

عضو
إنضم
23 مارس 2008
المشاركات
4,508
التفاعل
1,268 1 0
الدولة
Jordan
ظهر مصطلح (الروبوت – Robot) للمرة الأولى في مسرحية للكاتب التشيكي (كارل تشوبئك) عام 1921م. القصة كانت حول آلات مُسخرّة للقيام بالمهام الشاقة عوضاً عن أسيادها البشر، واللفظة كانت مشتقة من الكلمة التشيكية (Robota) والتي تعني (عامل السخرة) أو (المُستعبد).
لاحقاً، التقط عظيم أدب الخيال العلمي (إسحاق عظيموف) الفكرة والمصطلح، وصيّرت أعماله القصصية من كلمة (روبوت) مصطلحاً دارجاً وحلماً تحمس العلماء ليأتوا به من عالم الخيال المستقبلي.

في العربية، ظهرت ترجمات عدة للكلمة لعل أشهرها عبارة (الإنسان الآلي) والتي نحتت منها لفظة (الإنسالة) للتعريف بالآلة التي تمتلك هيئة وخصائص إنسانية وهو ما يعرف بالـ (هيومنويد – Humanoid) أو الـ (آندرويد – Android) تحديداً. وتُعرَّف (الإنسالة) في صورتها النهائية بكونها آلة ذاتية التشغيل آدمية الهيئة تتمتع بالذكاء وذات قدرة على الاستجابة للأوامر بتجرد من الشعور. ويغذي هذا التعريفُ جهوداً علمية وهندسية لم تزل تتقدم ببطء منذ نصف قرن، وتتحد في سبيله علوم الذكاء الاصطناعي والشبكات العصبية وبرمجيات اللغات الحية وتقنيات الإبصار الآلي والتخليق المخبري للأنسجة.
إلا أن مشروع (الإنسالات) ما زال يعاني فشلاً يتجرع الوسط العلمي مرارته. ويتحمل تخصص (الذكاء الاصطناعي) تحديداً مسؤولية تأخر إنجاز مشروع (الإنسالة) حتى الآن. فعلى الرغم من البدايات المشجعة في تصنيع الأجزاء الميكانيكية للإنسالة كالأذرع والمفاصل واستغلالها في تطبيقات صناعية جمة، إلا أن محاكاة الذكاء البشري والقدرة على تزويد الآلة (بعقليتها) المستقلة لم تزل أحلاماً مقيدة بالتطور المحدود في هندسة الحاسبات وبرمجيات الذكاء الاصطناعي. ويقر العلماء بعجز الرياضيات الحديثة عن تكوين فهم قاطع للذكاء البشري مع التفوق النحدود لتطبيقات الذكاء الاصطناعي الموجودة حالياً على العقل الآدمي في بعض مجالات أنشطة الدماغ. وهي ما تزال أبعد ما تكون عن القدرة على مسايرة العقلية البشرية في التحليل والاستنباط و سعة الذاكرة وحسن التقدير. لكن العملء يتوقعون، قياساً على مدى التطور الحالي الذي تعيشه صناعة الحاسبات، ظهور أول (إنسان آلي) مستقل التفكير والتوجيه خلال الأربعين عاماً القادمة بهدف تزويد البشرية بخدم آليين ينظفون البيوت وينقلون البريد ويعملون في المناجم ويجهزون العشاء على ضوء الشموع لأن “السيد يحب ذلك”!

(آزمو).. خطوة على الطريق
يمثل الإنسان الآلي (آزمو – ASIMO) أبرز نتائج جهود تطوير الإنسالة الذكية. وهو يعتبر أول إنسان آلي يستطيع السير على قدمين كما البشر على نحو حر كميزة أدخلته التاريخ واشتق منها اسمه الذي يمثل عبارة: (Advanced Step in Innovative Mobility) أو ما يمكن ترجمته إلى (خطوة متقدمة في أساليب التنقل الرائدة).
ويحمل (آزمو) شعار شركة (هوندا) اليابانية الشهيرة التي باتت تتفاخر بتعدي مجالات إبداعها نطاق السيارات. ظهرت أول نماذج هذا المشروع عام 1986م، ثم كان أول ظهور علني لإنسالة (هوندا) هذه عام 1993م فأثار ضجة عالمية وإبهاراً بسبب قدرة الآلة على السير وصعود السلالم لوحدها، الأمر الذي عد وقتها قفزة في مجال التطور (الميكانيكي) للإنسالات. إلا أن (آزمو) لم يزل يبهر الجمهور منذ ذلك الحين وتتمتع كل نسخة مطورة منه بميزات متفوقة عن سابقتها. ويعد آخر تطوير رئيسي حظي به (آزمو) أواخر عام 2004م بتزويده بقدرات ذكاء اصطناعي محدودة تمكنه من التعرف على الوجوه المألوفة وتقبل التعليمات الصوتية من أصحابها. إذ يستطيع (آزمو) الآن فهم الإشارات الصامتة بالأيدي والأصابع ليتحرك في الاتجاه الذي يشير له (سيده) بإصبعه أو ليرتد على عقبه مبتعداً فيما لو لَوّح له سيده مودعاً. كما يتميز الطراز الأخير من (آزمو) بكونه أصغر حجماً بارتفاع 130 سم وأخف وزناً (54 كلغ)، وهي نقطة جديرة بالاعتبار فيما لو قدر للآلة بأن تستغل منزلياً أو تطلق بين جموع البشر، وهو ذو تصميم أكثر جاذبية. كما يتميز الشكل الأخير أيضاً بتطوير قدرته على (الركض) بسرعة تصل إلى 3 كلم بالساعة واستغلال أطرافه في عمليات أكثر تعقيداً كركل الكرة واستقبالها وبسهولة تشغيله.
يُعد (آزمو) اليوم شخصية اجتماعية لامعة يتم استدعاؤها غالباً لتدشين المناسبات الرياضية والفنية. وهو بذلك لا يمثل فتحاً تقنياً فحسب وإنما هو يمهد الطريق لتقبل الجمهور لفكرة (الإنسان لآلي) ويعطي للمهتمين أشارات بالغة الأهمية حول الصورة التي ستتعامل بها العامة مع هذه التقنية الحديثة التي يؤمل أن تقتحم كل بيت يوماً ما.

(آيبو): رمز الوفاء.. الإلكتروني
لا يقتصر الأمر عند الحديث عن الآلة الذكية على محاكاة الصورة الآدمية منها. ففكرة (الحيوان- الآلة) هي الأخرى مطبقة في (الكلب الآلي) الذي انتجته شركة (سوني) عام 1999م وأسمته (آيبو – AIBO) بغرض تحقيق مكاسب تسويقية جمة ولتجريب تطبيقات حاسوبية واعدة تم تطويرها مسبقاً بمعهد ماساتشوستس للتقنية MIT الرائد لنموذج روبوتي آخر اسمه (Cog) استخدمها (آيبو) للتعرف على الأجسام وتعقبها، كمتابعته للكرة أينما اتجهت على سبيل المثال.
ولا يزال (آيبو) – أو (الرفيق) باليابانية- يتمتع بشعبية ساحقة بين هواة المنتجات التقنية في الغرب و اليابان. وهو يحظى عند الكثيرين بإيثار على الكلاب الحقيقية قد لا يفتقدها في مجتمعاتنا سيما وهو يقدم مخرجاً شرعياً لهواة تربية الكلاب الحقيقية. طرحت ثلاث أجيال مختلفة من هذا الكائن الآلي حتى الآن. بيعت جميع نسخ الجيل الثاني منها حول العالم خلال 20 دقيقة من لحظة توفرها بالأسواق. والنسخة الأحدث (ERS-7) متوفرة بسعر 1600دولار للوحدة. وهي تتميز بقدرات من قبيل التنقل ذاتياً وتفادي العوائق من أثاث وبشر، والتفاعل مع صوت صاحبها تحديداً وتعابير وجهه كذلك، وتنفيذ حركات أكثر تعقيداً وإبهاراً من الجيلين السابقين، مع إمكانية برمجتها لتهاجم الغرباء، وقيامها بذاتها بإعادة شحن بطارياتها عند انخفاض مستوى الطاقة بها عن طريق بحثها ذاتياً على جهاز الشحن الكهربائي وجلوسها عليه حتى تتم إعادة تغذيتها بالطاقة. ويتمتع هذا الحيوان الآلي بقدرات ذكاء اصطناعية ومميزات تقنية تجعل منه أكثر من مجرد لعبة. فهذا الجهاز الأليف يعيش عبر أربع مراحل مختلفة تبدأ بالطفولة وتنتهي بالبلوغ يطور خلالها مهارات (عقلية) وحركية مختلفة. وهو يتطور من مرحلة إلى أخرى اعتماداً على مقدار الوقت الذي يمضيه صاحبه معه (100 ساعة في المتوسط). ويستطيع (آيبو) تلقي التعليمات عبر وسائل حسية مختلفة. وهو يفهم معنى الضرب والتوبيخ ليرتدع عن فعل ما كما ويُقّدر التربيت على ظهره والملاطفة ليواظب على فعل آخر. ويمكن برمجته ليرقص على الإيقاعات كما تتوافر له ألعاب خاصة به من دراجات وزلاجات بوسعه التنقل خلالها عبر المنزل، كما يقوم هذا الروبوت الأليف بالتعبير عن مشاعر الغضب والفرح عبر لون المصابيح المثبتة في عينيه وعبر إصدار تعابير صوتية، وكل ذلك ذاتياً. وأخيراً فقد تم تزويد الطراز الأحدث من هذه اللعبة بالقدرة على التواصل لاسلكياً مع الأجهزة الأخرى كالحاسبات الآلية والهواتف النقالة مما يعني قدرته على التقاط الصور الرقمية مثلاً وإرسالها لاسلكياً عبر البريد الالكتروني لحاسوب صاحبه.. أو تنبيه صاحبه في حالة وجود حريق أو طارئ بإرسال رسالة لهاتفه الجوال أو حتى الاتصال بالشرطة عند الضرورة.. مما يضمن مستقبلاً واعداً لهذه (اللعبة) في المهام الأكثر جدية.

(كِسمِت): روبوت ذو مشاعر!
إذا كان المثالان السابقان يمثلان حوانب في التطور الذي تعيشه الإنسالات ميكانيكياً، فثمة جانب ثالث بين الاثنين يتناول قدرة الإنسالة على التعبير للإنسان عما تعانيه من (مشاعر) إلكترونية. وهو جانب قد لا بيدع فيه (آزمو) ولا (آيبو) لكن تغطيه باقتدار إنسالة طورتها ( سينثيا بريزيل- Cynthia Breazel) بمعهد (MIT) كأطروحة لنيل الدكتوراه، وأعطتها اسم (كِسمِت- Kismet).
تتلقى هذه الإنسالة، والتي ليست سوى رأس اصطناعي ذي ملامح هزلية، البيانات عبر آلة تصوير بالعينين وعبر التقاط التعابير اللغوية وملاحظة حالة الطقس أو طبيعة الأثاث في الغرفة وما إلى ذلك، وتقوم بتحليلها عبر عقل إلكتروني مكون من خمسة عشر حاسوباً لتعطي في النهاية تعابير وجه ملائمة للجو المحيط. وتستطيع (كِسمِت) التعبير عن سبع حالات نفسية مختلفة كالسعادة والدهشة والاهتمام والاشمئزاز عبر حركات عينيها وحاجبيها واذنيها وشفاهها الاصطناعية. وهي تمثل بدورها تطوراً ملموساً في مسيرة الإنسالات فهي تفتح الباب أمام وسائل جديدة (لتعليم) الإنسالة كيف تكون أكثر آدمية، ولها تطبيقات أخرى شتى لا سيما في علاج الأطفال المتخلفين عقلياً وتدريبهم على التعبير عن ذواتهم نطقاً.
يمثل (كِسمِت) الذي تم تطويره عام 1997 محاولة لهم التفاعل الاجتماعي البشري وحجم الجزء اللشعوري في تعاملنا مع بعضنا كبشر. قبل محاولة تمثيل هذا الفهم عبر تطبيق آلي متطور.وتتمثل الميزة الأساسية لهذا الابتكار في الطريقة التي يمثل بها مشاعر من قبيل (السأم) أو (الوحدة) التي تحرك سلوكيات وعواطف آلية معينة، لكنها ما تزال بعيدة كل البعد عن القدرة الحقيقية على التفكير واتخاذ القرار.

نحو ربط الدماغ بالآلة
لعل درة الإنجاز العلمي في هذا الصدد تتمثل في تحقيق الحلم الذي طالما راود اللأطباء والمهندسين في ربط نسيج المخ البشري بالمُعالج الحاسوبي وإنتاج ما يمكن اعتباره وسيلة التحكم والسيطرة الأعظم على الإطلاق بإذن الله. ويعتقد كثير من الباحثين بأن التقنيات البيولوجية و علوم الهندسة الوراثية ستتقدم لدرجة تمكننا من كشف كامل أسرار شفرة الحمض النووي مما سيتسح تشفيرها واستخدامها ككود برمجي لتبادل المعلومات بمعدلات غير مسبوقة. يعمل الباحثون حالياً على محاكاة الشفرة الوراثية في توليف المعلومات والنبضات الكهربائية أو الضوئية لزيادة طاقة تشغيل الحاسبات ومضاعفة سرعتها مما سيمثل خطوة هامة في سبيل إيجاد نظام يربط الدماغ البشري بالحاسب الآلي مباشرة، إما عضوياً أو ذهنياً. ويعيش الوسط العلمي حالياً فرحة تجربتين تبشران بنجاح عريض. ففي التجربة الأولى قام العلماء بإنشاء خط اتصال سلكي مباشر بين المخ الحي والحاسوب مما يتيح تخيل مستقبل يجلس فيه الإنسان إلى حاسوبه ليفكر في كتابة رسالة بالبريد الإلكتروني لصديقه فتنتقل الحروف ذهنياً وبشكل تلقائي دون الحاجة للوحة مفاتيح من المخ إلى شاشة الحاسوب مباشرة. وهو مجرد مثال يوضح شكل الهيمنة المطلقة الذي قد يشكله هذا التحالف بين العقلين، الآدمي والالكتروني لتحقيق إنجازات مذهلة من قبيل التحكم بالسيارت والطائرات ذهنياً وتشغيل آليات المستشفيات والمصانع عن بعد واستكشاف أغوار المحيطات وأجواز الفضاء عن طريق عقول آدمية متصلة لاسلكياً .. وربما نفسياً.. بحواسيب تشغل بدورها مركبات استكشاف غير مأهولة. وتهتم وكالة الأبحاث العلمية DARPA التابعة لوزارة الدفاع الأميركية تحديداً بتمويل هذه البحوث بحوال 24 مليون دولار سنوياً أملاً في نتائج قد تعين جنود المستقبل على تشغيل معداتهم الحربية ذهنياً عن بعد وبدون أن ينالهم شيء من غبار ميادين المعارك. أما مجموعة التجارب الثانية فهي تحاول ترجمة إشارات المخ الممثلة للأحاسيس والأفكار الشائعة التي تشكل الذاكرة المشتركة بين الناس إلكترونياً وصياغتها في شكل منطقي يمكن للحاسب فهمه، والهدف هو زرع هذه الذاكرة في الحاسوب لتحقق نوع من المعرفة المتبادلة بين الحاسب والإنسان تقوم على الخبرات الجمعية مشتركة بين الاثنين لفتضفي مزيداً من السلاسة والألفة في استخدام التطبيقات والبرامج المثبتة على الحاسوب وتجعله يقدم خدماته للمستخدم بشكل أكثر ذكاء. أجريت تجارب في هذا الصدد على نحو منفصل على مجموعات من القردة والفئران في جامعتي (براون – Brown) و (وديوك – Duke). حيث كانت قردة المعامل تجلس أمام الحواسيب وتمارس على شاشتها لعبة تتدحرج فيها الكرة من أعلى إلى أسفل ليتحول أحد المربعات عليها إلى اللون الأحمر مع قفزات الكرة. وقد نجحت القردة في ممارسة هذه اللغبة ذهنياً بدون أن تلمس زراً واحداً.
جرى الاستناد في تصميم هذه التجربة على أساس أن الناس يفكرون في المكان الذي يريدون أن يضعوا فيه أيديهم عبر جزء من خلايا المخ العصبية التي تقوم بهذه الوظيفة بسرعة فائقة قبل بدء تحريك اليدين، وحينما تمارس هذه الخلايا وظيفتها فإنها تصدر نبضات كهربية ذات خصائص معينة، هذه النبضات ترسم وتحدد في النهاية حركة اليد واتجاهاتها والأماكن التي ستتوجه إليها. فكر الفريق العلمي في أنه إذا ما تم تحديد هذه الخلايا بدقة ورصد أو استراق السمع إلى ما تصدره من نبضات أو إشارات كهربية في لحظة اتخاذ العقل قراره بتحريك اليد في اتجاه أو شكل ما، ثم نقل هذه الإشارات عبر كابل يتم توصيله بالحاسب لتقوم برامج متخصصة بترجمتها إلى الحركات التي كان يقصدها المخ، فربما أمكن نقل أوامر المخ إى الحاسب ذهنياً، وليس عبر حركة اليد أو النقر على لوحة المفاتيح. ولاختبار هذه الفرضية، قام الفريق بعمل أبحاث مكثفة لتحديد وتوصيف هذه الخلايا المسؤولة عن وظائف الحركة في مخ ثلاثة من القردة، وبعد النجاح في تحديدها قام الباحثون بعمل فتحات محسوبة في جماجم القردة الثلاثة ثم ثبتوا 100 قطب كهربي في الجزء من المخ حيث توجد الخلايا المسؤولة عن السيطرة على الكيفية التي تتحرك بها الأذرع، ثم قاموا بتوصيل هذه الأقطاب الكهربية بأسلاك ومرروها عبر الفتحات التي صنعوها بالجمجمة قبل أن يوصلوا تلك الأسلاك بالحاسوب. كان الباحثون قبل ذلك قد قاموا بتدريب القردة على ممارسة لعبة الكرة والدبابيس حتى تكون جاهزة عند بدء التجربة التي استهدفت إنشاء علاقة مباشرة بين عقل القرد والحاسب في التجربة. حينما يقوم القرد بلعب مباراة الكرة والدبابيس على الحاسب تقوم بعض الخلايا العصبية بتوليد الإشارات الكهربية ذات المواصفات الخاصة، وعلى الفور يتم التقاط نبضاتها التي تنطلق بالقرب من الأقطاب الكهربائية. قام الفريق بكتابة برنامج حاسوبي يترجم هذه الإشارات إلى أوامر يتلقاها الحاسب، وفي تلك التجربة وجدوا أن المسار البديل الذي تم إنشاؤه بالأسلاك بين مخ القرد وجهاز الحاسب جعل من الممكن أن تتم الحركة المطلوبة دون أن تستعين القردة بأذرعها. وتقوم تجارب مشابهة بجامعة ديوك علىالتقاط نبض أفكار الحيوانات وتسخيرها لتحريك أذرع روربوتية ميكانيكية بنجاح.

أنسنة الحاسوب.. أهي ممكنة؟
هكذا أثبتت التجربة أنه بالإمكان إنشاء خط اتصال سلكي مباشر بين المخ والحاسب بعيداً عن اليدين، فإن هذه الفكرة أصبحت أكثر نضجاً من الخيال العلمي، و إن كانت تحتاج بحوثاً أعمق. وتجدر الإشارة إلى أن أهم تطبيقات هذه الأبحاث ستعين المشلولين يوماً على استخدام أفكارهم في السيطرة على بعض الوظائف لدى أعضاء الجسم أو من أجل كتابة بريد إلكتروني أو التجول عبر الشبكة العنكبوتية العالمية للاتصالات والمعلومات.
ثمة تجارب أخرى تتعلق بما يعرف بـ (الميموم البشري – Human Memome Project) أو شيفرة الذاكرة البشرية وصاحبها هو (دوغ لينات – Doug Lenat) عالم الذكاء الاصطناعي الذي يهدف مشروعه إلى (حوسبة الأحاسيس) عبر تشفير محتوى الذاكرة الإنسانية وزرعها في الحاسب على شكل رموز يمكنه قراءتها. ويطمح (لينات) لأن يُنشئ شيفرة خاصة للذاكرة المشتركة بين الناس التي تمثل وعيهم الجمعي المتداول منذ أكثر من 50 ألف عام مضت والتي تتكون من حقائق ومعلومات ومفاهيم مصطلحات تشكل ذاكرة الفرد التي يتعامل بها مع المجتمع من حوله ووضع هذه الشفرة في قاعدة معرفية يمكن للحواسيب التعامل معها لتكون مورداً يُغذي أي تطبيق أو برنامج حاسوبي. ما تحقق للآن في عملية حوسبة الأحاسيس يشمل فهرسة وتشفير ثلاثة ملايين قاعدة أو حقيقة من تلك التي يلم بها الشخص العادي بالإضافة إلى 300 ألف مصطلح من المفاهيم كمفهوم (اللقاء الأول) أو قاعدة مثل (الناس يكونون أكثر تأدباً في اللقاء الأول عنهم في اللقاء التاسع).
وتوقع أن يشكل المجال الأول لتطبيقات هذه الدراسات برامج تأمين شبكات المعلومات ضد المخترقين (Hackers). فقد جرى الربط بين نظم وبرمجيات التأمين والقاعدة المعرفية العريضة التي تشكل الذاكرة البشرية والتي تم وضعها داخل الحسابات. وفي هذا النموذج تستثمر برمجيات التأمين مخزون الذاكرة البشرية الموضوع في هذه القاعدة لكي تُحلل وتتنبأ بسلوك المهاجمين وأساليب وتوقيت هجماتهم ثم تخرج بوسائل في الحماية جد فعالة. بل إن قاعدة الذاكرة البشرية جعلت بإمكان هذه البرمجيات القيام بعمليات محاكاة أكثر واقعية لهجمات القراصنة من خلال شن وصد هجمات افتراضية مطابقة لما يحدث في الواقع بدون الحاجة لانتظار وقوع محاولات اختراق حقيقية.
ويخطط (لينات) لأن تصبح القاعدة المعرفية للميموم البشري متاحة للجميع حول العالم بعد إصداره لنسخة من هذه القاعدة تضم 5 آلاف مفهوم و50 ألف حقيقة من الحقائق الثابتة حول هذه المفاهيم. كما يتيح موقع على (الإنترت) وضع ما لدى الناس من معارف وحقائق تساعد في بناء الذاكرة البشرية عن العالم من حولهم في شتى المجالات. ويتوقع أن توفر الإضافات التي سيتلقاها مشروع الميموم البشري أكثر من مائة مليون حقيقة ومعلومة وإحساس في غضون خمس سنوات.

تساؤلات حول الحياة الآلية
بالرغم من الإثارة التي تطلقها فكرة إنتاج الإنسالة، إلا أن هناك مخاوف مشتركة نفوس مؤيدي ومعارضي فكرة (الإنسالة) على حد سواء. فالدافع وراء تصنيع (الإنسان الآلي) سواء أكان الترف العلمي المحض أو الرغبة الفعلية في تيسير الحياة على بني البشر، فأنه لا ينفي خطورة تزويد آلة صماء بقدر من (الذكاء) وإطلاقها بين بني البشر لتتعامل معهم وفق النظم الاجتماعية الإنسانية. ومدى قدرة الآلة على (حسن التقدير) مهم لفهم كيفية تعاملها مع (العواطف الاصطناعية) التي يقتضيها ولا شك وجود عقليتها الآلية. كيف ستتعامل (الإنسالة) مع ردود الفعل التي تستوجب الحزن أو الغضب؟ هل ستُطور الآلة المُسخرة للعمل مشاعر تمرد ورفض؟ وهل ستكون هناك قصص حب ومصحات نفسية للإنسالات مستقبلاً؟ تلك الأسئلة وإن بدت هزلية في ظاهرها فهي تحمل معانٍ فلسفية عميقة تعكس حيرة الإنسان ذاته في فهم كنه نفسيته هو. وهي أسئلة تناولتها أعمال أدبية وسينمائية شتى.
ماذا لو أمكن تصميم إنسان آلي مزود بوحدة مشاعر بشرية؟ هل يخضع ثمة كائن لمواد القوانين البشرية بناءاً عل ما سيظهره من (أخلاقيات) بشرية؟ أم يتم اعتباره مجرد مسخ آلي يمكن قطع الطاقة عنه في أي وقت؟ هل يجوز إنهاء حياة آلة ذكية تدرك كينونتها؟ وهل يصح تصنيع ثمة آلات في الأساس؟ ألا يبرر حفظ حياة الجنود في الحروب وسلامة العمال في المناجم في باطن الأرض والمستكشفين في أعماق البحار وتحقيق أحلام ريادة الفضاء في رحلات قد تستغرق مئات السنين إنتاج مثل هذه الآلات الذكية القادرة على التعبير عن (مشاعر) بشرية والتصرف بحنكة بشرية؟ ثم هل سيؤدي بنا كل هذا الحماس للدمج بين الذكاء والقوة للانهزام أمام أجيال من الآليات سيقودها ذكاؤها الاصطناعي لاستناج مفاده أنها أولى منا بالسيطرة على هذا الكوكب وأقدر على الحفاظ على موارده بل وصيانة أرواحنا التي نفرط نحن فيها بحروبنا وأطماعنا المادية ونخسرها دون حول لضعفنا أمام الشيخوخة والمرض؟ كل علامات الاستفهام تلك تشكل مقدمة لكتاب الآلة الذكية التي تسعى فرق من العلماء لكتابة سطوره عبر جهود دؤوبة يتم بذلها في أنحاء متفرقة من العالم المتقدم تهدف لفهم سر الذكاء من ناحية.. ولبث وهم الحياة في برودة الحديد من ناحية أخرى.

أعلام سايبرنتية:
لعل أي باحث في دراسات الربط ما بين الإنسان والآلة سيواجه مصطلحات من قبيل (البيونية) و (الذكاء الإصطناعي) و (السايبرنتية). والأخيرة مفردة منحوتة عن كلمة (Cybernetics) الإنجليزية تختصر بذاتها كل العلم المعني بأساليب التحكم والاتصال بين النسيج الحي والآلة الصماء بأبعادها الهندسية والرياضية والاجتماعية والنفسية وتمثل مدخلاً لما توصلت له البشرية حتى الآن في مجال أنسنة الآلة أو تدعيم الجسم البشري بمكونات آلية. هذا المصطلح العلمي ثقيل العيار تمت صياغته وتقديمه للمجتمع العلمي من قبل رجل واحد يمثل حالة فريدة في العبقرية وتعدد المواهب هو الفيلسوف والرياضي الأميركي (نوربِت وينر - Norbert Wiener).
كالكثيرين من المميزين سواه، دان (وينر) بمعظم الفضل لوالده الذي كان مهاجراً يهودياً ذا أصل روسي اشتغل بتدريس اللغات السلافية مع امتلاكه خلفيات في الطب والهندسة وإلماماً عميقاً بالرياضيات. وقد عمل هذه الوالد على تلقين ابنه (نوربرت) مستوى عالياً من التعليم المنزلي جعل من الصعب على الصبي أن ينتظم في المدارس العادية نظراً للبون الشاسع في المستوى التحصيلي بينه وبين أقرانه. أهّل مستوى التعليم المنزلي العالي هذا الفتى للالتحاق بإحدى الكليات بدون الحاجة لشهادة مدرسية ليحصل على درجة جامعية في الرياضيات وهو بعد في الرابعة عشرة ثم يلتحق بجامعة )هارفارد( العريقة ليواصل دراسته العليا هناك. قرر (نوربرت) أن يدرس علم الحيوان.. لكنه عدل عن اختياره ذاك وحصل على بعثة لدراسة الفلسفة في جامعة (كورنيل) المرموقة ثم عاد إلى )هارفارد( ليحصل منها على الدكتوراه في الفلسفة الرياضية والمنطق عام 1913 وهو لم يتجاوز الثامنة عشرة. عند تلك السن الفتية واصل الدكتور (وينر) سعيه للتحصيل فارتحل إلى جامعة (كامبريدج) البريطانية ليتتلمذ على أساطين الفلسفة وعلم المنطق في ذلك الزمن مثل (برتراند رسل (الذي حثه على مزيد تعمق في فهم الرياضيات، وأمثال (هاردي) و(هلبرت) و (لانداو). وقد تعلم منهم أن الرياضيات ليست مجرد علم تطبيقي بقدر ماهي فكر تجدر مناقشته وفلسفة حياة. وقد انضم وينر للمدرسة التي فسرت ظواهر الحياة وماوراءها عبر النظريات الرياضية. عاد ويتر عقب جولته الأوروبية ليدرّس الفلسفة في هارفارد ثم ينضم لشركة جنرال الكتريك قبل أن يعمل لفترة مع طاقم الموسوعة الأميركية Encyclopedia Americana لكنه في النهاية قبل وظيفة كمدرس للرياضيات في معهد ماساتشوستس للتقنية وهناك قدم أفضل أبحاثه المتعلقة بتحليل النظريات الرياضية الهامة. وقد تميز وينر بقدرة فذة على تعديل مجال اهتمامه حسب ما يقتضيه نشاطه البحثي، فكانت كل ورقة علمية يقدمها تقوده لسبر أغوار فرع آخر جديد من الرياضيات لا يلبث أن يبرع فيه ويكشف المزيد من أسراره. وقد أدى اتصاله برياضيي أوروبا لوضع نظريات هامة في مجال ميكانيكا الكم كذلك. تميزت أبحاث وينر بصعوبة قراءتها، فهو كان يقصّر في شرح أفكاره الجديدة التي كان يراها بديهية ويسهب أحياناً في شرح أفكار لا تحتاج كثير إيضاح. لكن أسلوبه الصعب لم يقلل من الأهمية العلمية لأعماله التي شغلت الأوساط البحثية. وقد استمد وينر مادة أبحاثه من الأسئلة التي كان يتلقاها من زملائه المتخصصين في الهندسة والتي رأى أن الرياضيات تقدم الحلول لها جميعاً. شملت اهتمامات وينر طيفا غطى فيزياء الكم ونظريات الاتصال والنظرية السايبرنتية التي ابتكر هو اسمها ابتكاراً مشتقاً إياه من الإغريقية ليعكس ماهية العلم المهتم بتطوير الوظائف الحيوية للكائنات الحية عبر ربطها بالتقنيات الآلية وتحليل جوانب هذا الربط النفسية والاجتماعية والهندسية كذلك. ويمكن اعتبار (وينر) على هذا الأساس مؤسساً متفرداً لهذا الفرع العلمي عبر بحثه المنشور عام 1948 والذي انكشف لاحقاً عن علم الدراسات البيونية المهتم بتطوير الأعضاء الاصطناعية وربطها عصبياً بوسائل تحكم حيوية.
تلقى وينر العديد من الجوائز ومظاهر التكريم قبل وفاته عام 1964م ، وهناك جائزتان علميتان باسمه تقدمان في مجالي الرياضيات التطبيقية وتسخير تطبيقات الحاسوب لأجل خدمة المجتمع.. وهي كلها مجالات تعكس اهتمام الرجل بجعل الرياضيات والتطبيقات التقنية وسيلة لفهم أعمق لهذه الحياة وتطويراً لقدرات البشر على تسخير مظاهرها.
على خطى (وينر) سار (كيفن واريك) (Kevin Warwick)، الذي يشغل حالياً منصب الأستاذية بقسم العلوم (السايبرنتية) في جامعة (ريدنغ) بالمملكة المتحدة. وقد كان لاسمه دوي ووقع في العام 1998م حين أعلن عن قيامه بزرع رقاقة إلكترونية (يُشاهد حاملاً إياها في الصورة أعلاه) داخل ذراعه اليسرى لتتيح له إمكانية الاتصال اللاسلكي مع بعض الأجهزة الإلكترونية الأخرى في قسمه الجامعي، وليُعد بذلك أول إنسان يطبق فكرة (السايبورغ – Cyborg) أو (الإنسان نصف الآلي) على الإطلاق.
ويعبتر الدكتور (واريك) منذ ذلك الحين أباً روحياً للمهتمين بفكرة (السايبورغ) وتطبيقاتها. ويدفعه في تجاربه مزيج من هوسه الشخصي في تخليق نموذج الإنسان- الآلة ومن إدراكه للحاجة الماسة في تطوير التقنيات الطبية للأجهزة التعويضية. وفي تجربته الأولى تم عبر عملية جراحية بسيطة غرس رقاقة سليكون إلكترونية محفوظة داخل انبوب زجاجي دقيق في ذراعه اليسرى. وخلال أيام ثمان كانت هي مدة التجربة، أبهر الدكتور (واريك) المراقبين بتنقله في أرجاء مختبره لتُفتح له الأبواب وتُضاء الأنوار ذاتياً بمجرد اقترابه منها، مع تجاوب برنامج حاسوبي خاص مع الإشارات التي تبعثها الرقاقة المزروعة ليعلن رسالة ترحيبية به و يشغل تطبيقات (واريك) الخاصة ما أن يقترب الرجل من جهاز الحاسب بمسافة معينة. وقد كان الغرض من التجربة هو تطبيق فكرة وصل جسم الإنسان بهذه الشبكة من الآلات وكأنه واحد منها، من جهة، والتأكد من مستوى التأثيرات الجانبية التي قد تصيب الجسم البشري من جراء ثمة عمليات من جهة أخرى.
وقد عُدت تلك التجربة ناجحة، وأتبعها الفريق العلمي بأخرى في شهر مارس من عام 2002م. تم خلالها زرع رقاقة جديدة بمعصم يده وتم وصل هذه الرقاقة بجهازه العصبي لتتواصل لاسلكياً مع جهاز كمتيوتر خاص. ويؤمل أن تفيد هذه التجربة في تطوير تقنيات لمساعدة ضحايا الشلل من جراء إصابات العمود الفقري عبر توفيرها لفهم أعمق لطريقة انتقال الإشارات العصبية. ولا تزال التجربة قيد الدراسة حتى الآن، ويأمل (واريك) في أن يطورها ليتمكن من التحكم بالآليات الأخرى بواسطة شرائح ألكترونية قد تثبت في دماغه هو أوجهازه العصبي لاحقاً، وقد أعلن في وقت ما عن مشروع تجربة أكثر إثارة ينوي فيها الرجل زرع رقاقة لاسلكية في جسد زوجته ليدرس احتمال ارتباطهما عصباً وإلكترونياً كذلك!
أصدر الدكتور (كيفن واريك) كتاباً عنوانه (أنا، النصف آلي – I, Cyborg) بين فيه المزيد من خبايا تجاربه التي تبشر بمستقبل ثوري للعديد من التطبيقات الطبية ووسائل العلاج الحالية. وشريكاه الرئيسيان في أبحاثه عالمان في مجال جراحة الأعصاب والهندسة الطبية الحيوية، وهي كلها تخصصات تعد بتغيير وجه الطب كما نعرفه اليوم.
 
عودة
أعلى