منكروا (السنة النبوية ) ونكرانهم لآية القرآن (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ)
وديعة عمراني
وديعة عمراني
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.
أما بعد، في هذا الحديث، سنحاول أن نعالج قضية – ذات نوع من الأهمية والخطورة– على مسار عقيدتنا وفكر العامة، حيث تنهض أحياناً بعض النداءات والشعارات الضالة لجماعات تنادي بمحاربة (السنة النبوية )، وهجرها وتطليقها نهائياً والاكتفاء فقط ( بالقرآن الكريم )، والجماعة يطلق عليها جماعة ( القرآنيون ).
تتكئ أفكار وحجج تلك ( الجماعة ) على عدد من الآيات في القران الكريم التي تبين (على حسب تفسيرهم)، أنَّ القرآن حمل معه (بيان كل شيء)، مصداقاً لقوله تعالى،(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) [ النحل :89]، ومن ثَمَّ يدعون أنْ لا داعي إطلاقاً والرجوع إلى السنة النبوية !!
وطبعا نحن نؤمن ونسلم أنَّ القران الكريم – الكتاب المبين- فيه بيان كل شيء، وأنَّ الآية الكريمة ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ) أمر الهي حق من الله تعالى..
ولكن العجيب !!.. أنَّ تلك الجماعة ( القرآنيون ) منكروا السنة النبوية، هم أول من أنكروا بيان تلك الآية( التي يعتمدون عليها كحجة قوية في حواراتهم )، وأنكروا ما حملت من أمر الهي عظيم وخطير!!
سيسألني الآن سائل، ويقول : ولكن كيف ؟! وتكون الإجابة بعرض بعض الأمثلة لتقريب الفهم على تلك الجماعة ( لعل الله تعالى ينير بصيرتهم ويهديهم للحق).
المثال :
خد – مثلاً- أبا أراد السفر في غياب مؤقت عن أسرته وأولاده، فنادى الأولاد ليلقِّنهم بعض النصائح قبل السفر يلتزمون بها.
ونأخذ -مثلاً - من ضمن تلك الإرشادات والنصائح التي بيَّنها ووجهها لأولاده هي :
- عدم التأخير خارج البيت فوق صلاة العشاء.
- الالتزام بمواعيد دراستكم وتحصيلكم العلمي.
- اهتمامكم بزيارة جدتكم وتلبية طلباتها إن احتاجت لشيء.
- مساعدة أمكم في قضاء الحوائج خارج البيت.
- لا تنسوا وقت تسديد فاتورة الكهرباء وباقي الفاتورات الشهرية للمنزل، وحافظوا على المال لا تبذروه في مصاريف فائضة.
- وأخيرا.. استمعوا إلى كل توجيهات والدتكم عند غيابي، فهي أمكم لها خبرة تربيتكم والخوف على مصالحكم والحرص عليكم رحمة ورأفة بكم.
ما سطرنا يعتبر في مفهوم- العقل والمنطق - مجموعة من البيانات التي صدرت على شكل نصائح وأوامر لا بد أن تُتبع، لقَّنها الأب لأبنائه.
ولعل – يتضح لنا مفهوم وصيغة ذلك (الأمر) جيدا في آخر (بيان) وضعه الأب على طاولة الأبناء حين أمرهم بالامتثال لكل نصيحة وأمر من (والدتهم ).
فهل سيكون الأبناء امتثلوا لـ ( بيان ) والدهم إذا طبقوا كل نصائحه،ولكنهم لم يمتثلوا للأمر الأخير ( المتعلق بإتباع توجيهات والدتهم ) !! طبعا.. الجواب هو.. لا!!
فلن يكون الامتثال امتثالا ( كاملاً ).. إلا بإتباع كل أوامر الأب.
أظن أنَّ هذا المثال، مثال سهل ميسر وواضح لكل ذي عقل وفهم.
ولكنه ما علاقته – بموضوعنا- وقضيتنا..؟!
سنجيب ونقول ( ولله المثل الأعلى ) فان هذا المثال يشرح شرحاَ وافياً مستفيضاً ما يقوم به القرآنيون بالضبط، فهم كأولئك الأبناء ( ولله المثل الأعلى ) الذين امتثلوا لبعض أوامر الله تعالى ولكنهم رفضوا (لب ) الامتثال لأهم وأعظم (أمر) لا يقوم إيمان إلا به ومعه، لأنه (لا اله إلا الله محمد رسول الله) .
فهم شهدوا أن (لا اله الا الله ).. ولكنهم وتركوا الامتثال لشهادة ( الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام) بعيداً عن مجال ( تطبيقاتهم )..وإسلامهم.
فحين يقول رب العزة ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ) [ النحل :89]، فتلك الآية- يا إخوتي في الله - ما معناها ؟! أليس معناها أنَّ الحق تعالى أنزل في هذا القران الكريم :
- بيان كل آية.
- وتفصيل كل أمر ( نضع ألف سطر أحمر تحت هذا المعنى : تفصيل كل أمر ).
فلماذا – إذن - لم يمتثل( القرآنيون ) لقول الحق تعالى ( وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) [الحشر:7] ؟!
أم أنَّ الآية الكريمة المستشهد بها – الآن– ليست من أوامر الله تعالى وليست من( تبيان كل شيء ) وشرح كل واجب و تفصيل كل أمر.
أم يعتقد أولائك القرآنيون أنَّ ( التبيان ) خاص فقط ببعض الآيات الكونية والعقائدية، وانَّ الأوامر الإلهية المنصوص عليها في بيان ( الذكر الحكيم ) لا تدخل إطلاقاً في نص ( كل شيء).
وبذلك يكونون هم أول من أنكروا الآية الكريمة ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ )،التي يعتمدون عليها كحجة في إثبات أقوالهم الضالة !! بنكرانهم نص أمر الله تعالى في بيان آيته الكريمة ( وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) [الحشر:7] .
وبنكرانهم أيضاً قوله عز وجل ( قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ )[ آل عمران : 32]. وقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ) [الأحزاب : 36 ].
فطاعة الرسول هي من طاعة الله تعالى، فمن يشاق ( الله ورسوله ) فلقد شاق ( الله تعالى ) مصداقاً لقول عز وجل ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) [ الحشر :4].
وبالنتيجة إن المنادين بشطب (السنة النبوية )، والاعتماد كلياً على القرءان إنما يشطبون بذلك الوظيفة التخصصية للنبوة ويبقون على الوظيفة التخصصية للرسالة، وفي تلك الصفة عبث خطير بالإسلام، وبأركان الإسلام، وبمنظومة الإسلام.
والغريب والعجيب في الأمر أنَّ كل الآيات الكريمات التي ذكرت ( أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ) و ( تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ) ( قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ )و ( فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا ) تشير كلها إلى مغبة عدم الامتثال لأوامر الله تعالى فكيف لا يمتثل القرآنيون لتلك الأوامر، ويرفضون الآية الكريمة ( وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) [الحشر:7] .
ندرج في النهاية – هذه التذكرة– نص تلك الآيات للبينة :
- يقول الحق تعالى ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ(117) ) [الأنعام ].
- يقول الحق تعالى ( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)) [سورة النحل ].
يقول الحق تعالى ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)) [الأنعام ].
- يقول الحق تعالى ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (14))[ الإسراء : 12-14].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله.
مراجع :
- ظهر منكروا السنة (القرآنيون) وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم (بقلم فراس نور الحق)
http://quran-m.com/container.php?fun=artview&id=983
- تفسير القرآن الكريم ( موقع الإسلام )
http://quran.al-islam.com/arb/
عن موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة