بقلم/ صهيب الحسن
مهمة معقدة تكشف مئات العملاء ..!!
صوت طلق ناري يدوّي في أرجاء المنزل أفزع القاطنين فيه ليندفعوا صوب مصدر الصوت، ليتبين أنه قد خرج من غرفة ياسر شقيق المتخابر يونس، والذي تم إلقاء القبض عليه في وقت سابق وتم إعدامه لاحقاً..
ياسر الذي يبلغ من العمر 27 عاماً لم يرتضي لنفسه العيش مع هذه المأساة والواقع العلقمي نتيجة تخابر أخيه مع الاحتلال والذي انعكس بالسلب على سمعة العائلة، ولكن لا مناص فلا يمكن الفرار من الحقيقة، لتضيق به الدنيا ويدفعه الكمد والغضب لمحاولة الانتحار، وحين دلف الأهل على الغرفة وجدوه مضرجاً بدمائه، لكنه في طور أنفاسه الأخيرة، ليسرعوا بإسعافه نحو المشفى وقد استطاع الأطباء استدراك الإصابة، والتي تبين أنها لم تخترق الجمجمة وقد اخترقت غشاء الرأس بشكل عجيب، وعناية فائقة من الله عز وجل ..
خرج الطبيب من العناية المركزة ليتجمهر حوله أهل ياسر، متقدماً إيّاهم والده قلقاً، والدموع تنهمر من عينيه مستفسراً : طمئني أيها الطبيب على حالة ياسر الصحية ؟
ربّت على كتفه بتودة وحنان قائلاً: الحمد لله، اطمئن يا عمّ، الإصابة لم تخترق الجمجمة، ولكنه سيبقى في العناية تحت الملاحظة، وكل الفحوصات والمؤشرات تدلل على أنه سيخرج سليماً معافى بإذن الشافي عز وجل .
سُعد الجميع وابتهجوا بهذا الخبر لولا لوثة من حزن تراءت أمامهم فيه صورة يونس البشعة بكل مكنوناتها وما تحمله من آسى وعار !
ربّت على كتفه بتودة وحنان قائلاً: الحمد لله، اطمئن يا عمّ، الإصابة لم تخترق الجمجمة، ولكنه سيبقى في العناية تحت الملاحظة، وكل الفحوصات والمؤشرات تدلل على أنه سيخرج سليماً معافى بإذن الشافي عز وجل .
سُعد الجميع وابتهجوا بهذا الخبر لولا لوثة من حزن تراءت أمامهم فيه صورة يونس البشعة بكل مكنوناتها وما تحمله من آسى وعار !
يصعب على المرء سماع نبأ عمالة شقيقه للاحتلال، ناهيك عن التعايش مع هذه الحقيقة بصورتها المهينة، ولكن لا مفر فهذه سنة الحياة، عندما ينظر إليك العالم، وتتغير طبائع البشر تجاهك، بصورة مريبة، في تحول يدفع المرء للانتحار للتخلص من هذا الواقع البائس، فتفكر في وضع رصاصة في رأسك فتنتهي المشكلة، هكذا يظنّ المرء ليكتشف أنه كان مخطئاً يوم العرض على الواحد الديّان ..!
كانت الأفكار والهموم تتوارد تباعاً في تدافع يقلق راحة عقل ياسر، أثناء نومه في المشفى، تجربة مريرة يخوضها مكافحاً لمجرد البقاء، ناهيك عن البحث عن سبيل للخروج من هذا المأزق، محنة صعبة خاصّة إذا كان هو ذاته الذي اكتشف عمالة أخيه، وعلاوة على ذلك قام بتدبير حادثة إعدامه انتقاماً لما اقترف بحق دينه ووطنه وشعبه المناضل.
هذه الأرض بأن تبقى مقدسة، لا يستمر الفساد فيها وسرعان ما ينقشع، حتى أعتي الجيوش التي خاضت حروباً طاحنة على مر الأزمان لم تستطع تركيع غزة، فكانت على الدوام مقبرة بحق للغزاة، وحين كانت الاستيطان ينخر في جسدها أبت إلا أن تقتلعه من جذوره لتنعم بالانسحاب بجدارة ضربات المقاومة وإمكانياتها البسيطة، مما حذا بالاحتلال والذي يبدو جلياً رفضه الاستسلام واستدراك العبر والعظات فيحاول بث عيونه ومخابراته لتجنيد المزيد لمعرفة أحوال المقاومة التي طردته مُرغماً فخرج خائباً وحسيراً ..
وجد ياسر نفسه في النهاية على مفترق طرق إما أن تكشف المحنة التي مر بها عن معدنه الحقيقي، فيكون هشاً لا يملك تصوراً، ولا قدرة على مواجهة الصبر، ليبيع نفسه لأول مشتر، ويذهب مع الريح، لا يبقي أثراً ولا خبراً، أو يكون أصيلاً يملك عقيدة وقضية ينافح من أجلها، وطاقة كامنة يُحسن استغلالها وتسخيرها فيما يخدم هدفاً سامياً، بزاد الصبر والتحمل والجلد، حتى يستطيع التغلب على ما يوجهه فتعود له الثقة بالنفس، ومن الواضح أنه كان يرغب في المعدن الحقيقي والخيار الثاني ليكون له سنداً يخوض متكئاً عليه في المغامرة القادمة، حين جاءه أحد قادة المقاومة يحمل له نبأ اختياره لتنفيذ مهمة بالغة السرّية التعقيد، خاصّة وأنه تماثل للشفاء، ليسعد بها، والسبب فيما يبدو أنها ستحقق كثير من الأشياء التي يرنو إليها وعلى رأسها الانتقام من هذا العدو اللدود الذي سلبه شقيقه يونس بالتخابر ..
هذه المهمة بذرت في نفس ياسر بذور تنبض بالأمل، نمت معبرة عن نفسها من خلال استعراض تفاصيل الخطة المثيرة للاهتمام، في غمرة اليأس القاتل الذي كاد يفتك به قبل عدة أشهر، ليستطيع بشجاعة الوقوف على قدميه مرة ثانية؛ ويباشر بتنفيذ المهمة التي أسندتها إليه قيادة المقاومة..
مهمة وإن كانت صعبة ومعقدة إلا أنها ستكشف خيوطاً كثيرة، وستفضح مئات بل آلاف العملاء ..
على الجانب الآخر وفي مدينة القدس المحتلة، والاجتماع الأمني المصغر المعتاد، جلس قادة الأجهزة بمختلف مستوياتها الأمنيّة والاستخبارية يناقشون تفاصيل الخطة الجديدة، والتي يُعتقد أنه سيكتب لها النجاح، بعد الفشل الكبير الذي منيت به القيادة في اختطاف القائد القسامي الكبير محمود المبحوح، لتُمنى بسقوط وتهاوي دفع عناصر الموساد للتخبط أدى لاغتياله غدراً، ذراعهم الأخطبوطية تصل إلى كل مكان، تبحث استغلال الغطاء الزمني الممنوح من السلوك السياسي بالمفاوضات، بالإضافة لتعطيل الجهود المبذولة لعقد صفقة التبادل، بعراقيل متعددة، كل ذلك كفيل للبحث عن ثغرة وثقب ما من أجل اقتناص فرصة تسدد فيها ضربة قاسمة لفصائل المقاومة والتي لا زالت حتى اللحظة تحتفظ بالجندي الأسير جلعاد شاليط شريطة الإفراج عن مئات الأسرى من ذوي المحكوميات العالية إلى جانب النساء
والأطفال ..
والأطفال ..
جلس موشي يطرح الخطة الجديدة والتي سينفذها عملاء الموساد والهدف منها هو إسقاط قائد كبير في كتائب القسام بهدف زرعه كجرثومة في الجهاز العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس لانتزاع معلومات مفيدة حول بنية الكتائب وتشكيلها التنظيمي، وقد كانت الخطة ملفتة للنظر لدرجة أن الجميع كان يستمع بشراهة لينعقد حاجب موشي بشكل مفاجئ نتيجة اتصال جاءه من حاييم مسئول وحدة الاستخبارات عن قطاع غزة ..
-أجاب موشي بغضب شديد قائلاً : يجدر بالأمر أن يكون هاماً، وإلا فانتظر عقاباً شديداً لأنك تعرف أنني في خضم اجتماع امني مصغر !!
- بالفعل يا سيدي فالمعلومات تردنا تباعاً من خلال المسافرين عن طريق معبر رفح البرّي والتي تفيد بخروج الهدف بتوقيت مستغرب، والفرصة لإسقاطه في الخارج مواتية أكثر من الداخل نتيجة الصعوبات التي نواجهها ونقص شبكات المتخابرين لدينا في قطاع غزة، بل ستكون نسبة نجاح الخطة كبيرة وبالتالي سيهل بعدها اخذ ما نريده وقد يحقق ذلك لنا انجازات على قضايا كبيرة، لربما تغطي على فشلنا السابق !!
- ماذا تقول ؟ إذا كان هذا صحيحاً فعلى الفور أرسل إشارة لوحدات العاملين لفريقنا في الخارج بالتحرك على الفور..!!
تهلهت أسارير موشي فرحاً وسروراً وقد بدا ذلك واضحاً بعد اتصال حاييم، لينقل الأخبار السارة إلى المجلس والذي ابتهج فذلك يعني تحقيق نجاح مأمول بات قاب قوسين أو أدنى سيكون له أثراً كبيراً على السياسات الخارجية لدولة إسرائيل ..
- بالفعل يا سيدي فالمعلومات تردنا تباعاً من خلال المسافرين عن طريق معبر رفح البرّي والتي تفيد بخروج الهدف بتوقيت مستغرب، والفرصة لإسقاطه في الخارج مواتية أكثر من الداخل نتيجة الصعوبات التي نواجهها ونقص شبكات المتخابرين لدينا في قطاع غزة، بل ستكون نسبة نجاح الخطة كبيرة وبالتالي سيهل بعدها اخذ ما نريده وقد يحقق ذلك لنا انجازات على قضايا كبيرة، لربما تغطي على فشلنا السابق !!
- ماذا تقول ؟ إذا كان هذا صحيحاً فعلى الفور أرسل إشارة لوحدات العاملين لفريقنا في الخارج بالتحرك على الفور..!!
تهلهت أسارير موشي فرحاً وسروراً وقد بدا ذلك واضحاً بعد اتصال حاييم، لينقل الأخبار السارة إلى المجلس والذي ابتهج فذلك يعني تحقيق نجاح مأمول بات قاب قوسين أو أدنى سيكون له أثراً كبيراً على السياسات الخارجية لدولة إسرائيل ..
كانت وجهة ياسر هي مدينة دبي والتي تم اغتيال القائد محمود المبحوح في احد فنادقها، مهمة استخبارية الهدف منها تحقيق خاص تقوم به حماس وذراعها العسكري كتائب القسام كما أعلن ناطقها الرسمي بأن الكتائب لن تسكت على الجريمة وسيكون الرد مزلزلاً، وقد كان كذلك بحقّ، عندما جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن ولكن هذه المرة، كانت السفن إسرائيلية، والشهوة للانتقام قسامية برغم عفوية الخطة وبساطتها والمهمة التي يخوضها ياسر في الطريق إلى دبي، حيث لم يكن يدر في خلده بأن صقور الموساد تحوم حوله هذه المرة لتستهدفه وتتابع تحركاته بشكل دءوب، في مراقبة مستمرة من شارع لشارع ومن فندق لفندق، وبالرغم من ذكاء تلك الأساليب في الاستدراج والإسقاط إلا أنها تبقى تقليدية بالنسبة لمقاوم خرج من بلاد مقدسة، يمتلك الفراسة الكفيلة لاستنباط كل الحيل والمسلكيات الملتوية برغم صورتها الخارجية الجميلة والبسيطة، إلا أن مضمونها لا يخفى على مجاهد صلف كياسر ..
وأثناء جلوسه في الطائرة المتوجهة إلى دولة الإمارات، والتفكير والذاكرة تجوب أروقة عقل ياسر والأمل المعقود والتساؤلات المرسومة في نتائج هذه المهمة وهل ستكون كفيلة بتخفيف العناء والضنك الذي يتعرض ذلك، وخلال ذلك العصف الفكري قاطعه صوت أنثوي رقيق بلغة عربية مكسرة، كانت تلك إحدى المسافرات تطلب إذناً من ياسر بالجلوس في الكرسي المقابل له والحُجّة في ذلك هي حاجتها لشخص تتحدث معه كرفيق يخفف عناء السفر وطوله !
- المعذرة، أرجو ألا أكون قد أزعجتك بجلوسي هنا فكما تعلم فالطريق طويلة إلى دبي وتستغرق عدة ساعات، هل تعلم ذلك ؟
-ردّ ياسر بثقة وحذر: يبدو أن هذه هي المرة الأولى التي تسافرين فيها إلى دبي، أليس كذلك ؟!
-اندهشت وتلعثمت قليلاً ثم قالت: هذا صحيح، غريب كيف عرفت ؟
-ارتسمت على شفاه بسمة مجيباً : كنت أقف خلفكي في مطار القاهرة وسمعت سؤال رجل الأمن لكي حول عدد المرات التي سافرتي فيها إلى هناك !!
- أمر مثير للاهتمام، يبدو جليّاً انك شخص سريع البديهة وذكي، عفواً نسيت أن أقول اسمي جانيت واعمل صحفية، ومدّت يديها لتصافح ياسر !
- فقال لها رافضاً : أهلاً بكي، وطالما أنكي صحفية، فمن البديهي معرفتكي من خلال إطلاع على دين الإسلام الذي يحرم مصافحة النساء الأجنبيات !!
- أعادت يدها بخجل ثم اعتذرت: آسفة على ذلك..
- لا بأس، وبالمناسبة اسمي ياسر وشكرا على المجاملة، واستسمحكي فلدي رغبة بالنوم فأنا مرهق من السفر ..
-ردّ ياسر بثقة وحذر: يبدو أن هذه هي المرة الأولى التي تسافرين فيها إلى دبي، أليس كذلك ؟!
-اندهشت وتلعثمت قليلاً ثم قالت: هذا صحيح، غريب كيف عرفت ؟
-ارتسمت على شفاه بسمة مجيباً : كنت أقف خلفكي في مطار القاهرة وسمعت سؤال رجل الأمن لكي حول عدد المرات التي سافرتي فيها إلى هناك !!
- أمر مثير للاهتمام، يبدو جليّاً انك شخص سريع البديهة وذكي، عفواً نسيت أن أقول اسمي جانيت واعمل صحفية، ومدّت يديها لتصافح ياسر !
- فقال لها رافضاً : أهلاً بكي، وطالما أنكي صحفية، فمن البديهي معرفتكي من خلال إطلاع على دين الإسلام الذي يحرم مصافحة النساء الأجنبيات !!
- أعادت يدها بخجل ثم اعتذرت: آسفة على ذلك..
- لا بأس، وبالمناسبة اسمي ياسر وشكرا على المجاملة، واستسمحكي فلدي رغبة بالنوم فأنا مرهق من السفر ..
ثم تظاهر بالنوم وكسر حاجز تفكيره المسبق سيل عارم من التساؤلات حول مهمته الأصلية، ودخول هذه المرأة المثيرة للشبهات على الخط، هل هي عميلة للموساد ؟ هذا يدل على أنهم يعرفون تفاصيل حياتي الدقيقة .. لربما توهموا أنني استنفدت قدراتي واستهلكت طاقاتي، يريدون استغلالي في غمرة اليأس القاتل الذي انتابني بعد حادثة يونس ..
بدأت هذه التساؤلات والتكهنات تسطع فجأة في رأس ياسر لتقوده إلى خطته الخاصة والتي إن نجحت فسوف تحقق لذاته الكثير، وقد يكون لها الأثر الفاعل أكثر من المهمة الأصلية التي جاء لأجلها ..
- من أي بلد أنت ؟
- فتح عيناه المغمضتين والتي لمعت بفكر ثاقب ليجيب .. من فلسطين !
- كم عمرك ؟
- 27 عاماً
- ولماذا أنت مسافر إلى دبي ؟
- لأبحث عن فرصة عمل هناك، هارباً من البطالة وضنك العيش في قطاع غزة المحاصر.
- هيا حدثني عن طموحاتك وآمالك ؟
- هل هذا تحقيق لسبق صحفي ؟
- لا ولكنه الفضول، ربما لتمضية الوقت أثناء الرحلة ..
- في الحقيقة لدي رغبة ببناء حياتي كي أتمكن من سداد ديوني وتأمين مستقبل كريم لعائلتي، خاصّة في ظل وضع صعب يعيشونه وهو ما يجعل الأمر صعباً بالنسبة لهم ..
- ماذا سيحدث إن لم تجد ما تبحث عنه؟
- سأعود إلى بلدي ..
- فتح عيناه المغمضتين والتي لمعت بفكر ثاقب ليجيب .. من فلسطين !
- كم عمرك ؟
- 27 عاماً
- ولماذا أنت مسافر إلى دبي ؟
- لأبحث عن فرصة عمل هناك، هارباً من البطالة وضنك العيش في قطاع غزة المحاصر.
- هيا حدثني عن طموحاتك وآمالك ؟
- هل هذا تحقيق لسبق صحفي ؟
- لا ولكنه الفضول، ربما لتمضية الوقت أثناء الرحلة ..
- في الحقيقة لدي رغبة ببناء حياتي كي أتمكن من سداد ديوني وتأمين مستقبل كريم لعائلتي، خاصّة في ظل وضع صعب يعيشونه وهو ما يجعل الأمر صعباً بالنسبة لهم ..
- ماذا سيحدث إن لم تجد ما تبحث عنه؟
- سأعود إلى بلدي ..
شعر ياسر بأشياء غريبة من خلال هذه الأسئلة، والتوغل في توثيق العلاقة الشخصية، وإن صدقت التوقعات والحسابات فستكون الفرصة مواتية لينفذ ضربته القاسمة في حق أقوى وأعتى جهاز استخبارات عالمي ..
وحين وصل إلى دبي، قضى عدة أيام في التجوال فيها، يمثل فيه دور شاب يبحث عن العمل، ولم ينفذ التعليمات الخاصة بجمع المعلومات عن تفاصيل معينة تتعلق بقضية اغتيال المبحوح، ولكنه يبحث عن تفاصيل أخرى، شئ مختلف تماماً هذه المرة، مخاطرة قد تكلفه ثمناً باهظاً، ولكن لا بأس فقد اعتاد على ذلك، وأثناء وقوف قبالة إحدى المراكز التجارية للتسوق، شاهد من بعيد جانيت تنظر لبعض الملابس المعروضة، وإذ بشاب يمشي بخطى متسارعة من جانبها، ليخطف حقيبتها ثم يركض بسرعة باتجاه ياسر، وحين اقترب منه لكمه بقبضته القوية على وجهه ليسقطه أرضاً، ثم أخذ الحقيبة وأعادها لجانيت التي وقفت ترقب الموقف مصطنعة العرفان لياسر، والاستغراب في نفس الوقت، وكأنها المصادفة التي جمعتهما من جديد !!
- هذا أنت ؟ ماذا تفعل هنا ؟؟!!
- ما زلت أبحث عن عمل ..
- لن أنسى صنيعك ما حييت، فالحقيبة تحوي أوراقي الثبوتية، وبطاقة إئتماني المصرفية !!
- لا عليكي هذا واجبي ..
- كيف استطيع خدمتك، أنا عاجزة عن الشكر حقاً .. هل لي بدعوتك لتناول طعام الغداء معي .. أرجوك لا ترفض وأكون مسرورة ..
- حسناً لا بأس بذلك ..
ثم جلسا في إحدى المطاعم وتبادلا الحديث لمدة كفيلة .. لتبادر بعرض طلبها المُغري .. أيام عديدة مضت منذ وصولك ولم تجد فرصة عمل واحدة، ما رأيك بفرصة عمل متواضعة كبداية في دولة أجنبية ؟ قد يكون الراتب قليلاً ولكن بالتدرج ستبني نفسك ..
- دولة أجنبية .. ماهي ؟
- موطني استراليا !!
- لم افكر في ذلك من قبل، ولكن هل أنتِ جادّة ..
- بكل تأكيد، سأسافر بعد أسبوع من الآن وحبذا أن تسافر معي وسأدبر لك كل شئ ..
- ما زلت أبحث عن عمل ..
- لن أنسى صنيعك ما حييت، فالحقيبة تحوي أوراقي الثبوتية، وبطاقة إئتماني المصرفية !!
- لا عليكي هذا واجبي ..
- كيف استطيع خدمتك، أنا عاجزة عن الشكر حقاً .. هل لي بدعوتك لتناول طعام الغداء معي .. أرجوك لا ترفض وأكون مسرورة ..
- حسناً لا بأس بذلك ..
ثم جلسا في إحدى المطاعم وتبادلا الحديث لمدة كفيلة .. لتبادر بعرض طلبها المُغري .. أيام عديدة مضت منذ وصولك ولم تجد فرصة عمل واحدة، ما رأيك بفرصة عمل متواضعة كبداية في دولة أجنبية ؟ قد يكون الراتب قليلاً ولكن بالتدرج ستبني نفسك ..
- دولة أجنبية .. ماهي ؟
- موطني استراليا !!
- لم افكر في ذلك من قبل، ولكن هل أنتِ جادّة ..
- بكل تأكيد، سأسافر بعد أسبوع من الآن وحبذا أن تسافر معي وسأدبر لك كل شئ ..
وبالفعل فبعد أسبوع كان ياسر يعمل في أحد المحال التجارية، وصاحبها صديق جانيت، ثم سكن في شقة مستأجرة ومضى على هذه حالة ثلاثة شهور .. متجاهلاً المهمة الحقيقية التي جاء من أجلها، بل والدولة التي انتقل اليها على نحو مفاجئ، ولكن ماذا عن التساؤلات وعلامات الاستفهامات التي تعتري عقول من ارسلوه لهذه المهمة ..!!
وذات مساء، في وقت متأخر من الليل، زارت جانيت ياسر على حين غِرّة، لتطلب الدخول وبالطبع لم يمانع ولكن بحذر وحرص، لتجلس وتبدأ المرحلة المتقدمة من ممارسة الإسقاط بالإغراء بدأت بسرد عدة حجج بأنها ستسافر لدولة وتريد اخذ صورة شخصية لها مع ياسر، وبالفعل اخذت صورة رغماً عنه، ثم حاولت مراودته عن نفسها، وحين وصل الأمر لهذه الدرجة دفعها عنه، قائلاً هل نسيتي المصافحة في الطائرة ..! اخرجي حالاً من الشقة !! كان هذا التصرف بمثابة الصاعقة لجانيت والتي خرجت مسرعة نحو مشرفها الميداني والعميل لدى الموساد الذي كان متابعاً للتفاصيل من بدايتها، وهو صاحب المحل الذي كان يعمل فيه ياسر !!!
- هل نجحتي في إسقاطه وتصويره ؟؟!!
كان هذا سؤالاً وجهه مشرف العملية الضابط دافيد لجانيت عندما جاءته تخبره عن فشلها في اصطياد ياسر ..
- مصيبة يا دافيد، رفض ذلك ولم افلح سوى بتصويره، واعتقد انني سافشل لو حاولت مرة اخرى لانه غضب بشدة، وهذا إن دل فإنما يدل على أنه لن يتخابر معنا وبذلك نحن بحاجة للخطة المساعدة ..
- حسناً يا جانيت دوركي انتهى الى هنا، وسنقوم باختطافه وتسليمه للسفارة ولاحقاً يتم ارساله الى اسرائيل للتحقيق معه !!
كان هذا سؤالاً وجهه مشرف العملية الضابط دافيد لجانيت عندما جاءته تخبره عن فشلها في اصطياد ياسر ..
- مصيبة يا دافيد، رفض ذلك ولم افلح سوى بتصويره، واعتقد انني سافشل لو حاولت مرة اخرى لانه غضب بشدة، وهذا إن دل فإنما يدل على أنه لن يتخابر معنا وبذلك نحن بحاجة للخطة المساعدة ..
- حسناً يا جانيت دوركي انتهى الى هنا، وسنقوم باختطافه وتسليمه للسفارة ولاحقاً يتم ارساله الى اسرائيل للتحقيق معه !!
وعلى الفور أوعز دافيد لاثنين من زملاءه للذهاب لشقة ياسر، وحين فتح الباب هجم احدهما عليه محاولاً وضع مخدر على أنفه، لكن ياسر وبحركة مفاجئة تفادى ذلك مسدداً لكمة قوية لذلك المهاجم، واحتدم عراك لتخرج الأصوات ويتصل الجيران بالشرطة الأسترالية التي قدمت على الفور إلى المكان، ولكنهم لم يجدوا المهاجمين الذين هربوا إلى السفارة الإسرائيلية ..!!
حققت الشرطة مع ياسر وأخذت إفادته، ثم قرر بعدها الرجوع إلى قطاع غزة ليجد مصائب متراكمة ومهولة تنتظره هناك..
وقف فريق الموساد المكلف بإسقاط ياسر مطأطئ الرأس مهزوماً أمام حاييم حين عاد لإسرائيل، ليشرحوا له تفاصيل هزيمتهم أمام رجل واحد لم تستطع كافة المغريات تحطيمه وإذعانه وتركيعه .. حتى محاولة خطفه باءت بالفشل ..رجعوا خائبين وأيديهم خالية الوفاض سوى من بعض الصور الشخصية التي التقطتها جانيت ..
- أيها الحمقى، رجل واحد كل الدراسات والتحليلات النفسية تفيد بأنه مُحبط حتى أنه حاول الانتحار ، يرفض كل المغريات، كيف فشلتم في اسقاطه ؟ ..
تقدم دافيد ليبرر عدم نجاحه قائلاً بحشرجة في صوته : لقد كان تصرفه الأخير مع جانيت مفاجأة بكل المقاييس .. وحين احتدم العراك بيننا عقب صدّه لهجومنا لاختطافه وبعد هروبنا صرخ فينا قائلاً : أنا من دبّرت إعدام شقيقي يونس يا جبناء !!
اتسعت حدقتا حاييم مردداً : ماذا ؟ الهذه الدرجة هذا الرجل قوي وشديد .. حسناً فلينتظر مصيره جزاء سننمار ..
تقدم دافيد ليبرر عدم نجاحه قائلاً بحشرجة في صوته : لقد كان تصرفه الأخير مع جانيت مفاجأة بكل المقاييس .. وحين احتدم العراك بيننا عقب صدّه لهجومنا لاختطافه وبعد هروبنا صرخ فينا قائلاً : أنا من دبّرت إعدام شقيقي يونس يا جبناء !!
اتسعت حدقتا حاييم مردداً : ماذا ؟ الهذه الدرجة هذا الرجل قوي وشديد .. حسناً فلينتظر مصيره جزاء سننمار ..
وفي خضم الحديث، جاءه هاتف من موشي يطلب منه الحضور على الفور إلى مكتبه، وهناك ارتفع صوت موشي بالصراخ والعويل على حاييم ..قائلاً: أيها الفاشل حتى في إسقاط رجل أثبتت كل التقييمات بنسبة كبيرة سقوطه لم تستطع إنجاح هذه العملية بكل الخطط المساعدة..
ردّ حاييم بخوف : لا تقلق يا سيدي دائماً ما توجد خطط بديلة، ولك وعد بأن أفسد عليه حياته وسمعته انتقاماً لما فعله مع فريقنا في استراليا ..
- وماذا ستفعل يا ذكي ؟ بعد خروج العصفور من القفص ..
- افتح شبكة الانترنت يا سيدي وسترى صدق ما أقول..
وبالفعل بعد أن شاهد العجب العجاب اندهش ثم ضحك وأشعل سيجاره وقال : أنت حقاً شيطان كبير يا حاييم .. حقاً أنت كذلك..
ردّ حاييم بخوف : لا تقلق يا سيدي دائماً ما توجد خطط بديلة، ولك وعد بأن أفسد عليه حياته وسمعته انتقاماً لما فعله مع فريقنا في استراليا ..
- وماذا ستفعل يا ذكي ؟ بعد خروج العصفور من القفص ..
- افتح شبكة الانترنت يا سيدي وسترى صدق ما أقول..
وبالفعل بعد أن شاهد العجب العجاب اندهش ثم ضحك وأشعل سيجاره وقال : أنت حقاً شيطان كبير يا حاييم .. حقاً أنت كذلك..
وفي مقر الجوازات الذي كان ياسر يعمل به، دخل على مكتب صديقه أبوعمر يشكوه هول الفاجعة الجديدة التي يواجهها ..
- كارثة.. كارثة .. مع همهمات متلاحقة، أغلق ياسر الباب خلفه،ثم أسنده بظهره ملتقطاً أنفاسه المتلاحقة الصادرة من الأعماق، نفثات نيران لا ينفك يخمدها، لتشتعل من جديد، ليردف بعدها ويكمل قائلاً:
لقد نشروا صوراً لي مع صحفية أجنبية واختلقوا قصة غريبة استندوا فيها على صور منشورة على الانترنت وقصة يونس والصقوا تهمة العمالة بي .. والمصيبة أن الناس صدقت ونشرت قصتي على الألسن والمنتديات والمواقع الإخبارية .. وأخذت تلوك بسمعتي وشرفي هكذا من دون وازع، ولا دليل..ما هذا ..!! أين هم من قول الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، ولقد سمعت الشتائم بأذني .. وهم للأسف لا يدركون الحقيقة ..
ابتسم ابوعمر وقال : أتعلم يا ياسر .. قبل دخولك على مكتبي بسويعات دلف إلى مكتبي احد الشباب يفتح لي احد المواقع مشيراً إلى قصتك التي تملؤ تلك المواقع بتلك الصور .. أتدري ماذا قلت له ؟؟ لقد قلت له إذا كان يونس متخابراً فهو بكل تأكيد ليس الوحيد .. كل من يحذو حذوه بنشر المعلومات من دون توثق وإلمام بكافة جوانب الحقائق فهو مشارك بالعمالة مع الموساد ولو كان ذلك بغير قصد وعقاب المتورط في هذه الجريمة قد لا يكون دنيوياً ولكنه بلا شك سيكون آخروياً..
- صدقت يا أبوعمر التخابر لا يقتصر على التعامل المباشر مع اسرائيل، بل يتجاوزه إلى كل من ينشر معلومة دون أن يستوثق ويتأكد منها، ويبدو لي أن من نشروا قصتي وهم بالمئات بل بالآلاف هم أيضاً بشاركون بالعمالة، لأنهم نشروا تفاصيل لم يكن يتوجب على مسلم نشرها، وهو بذلك السلوك يخرج عن نهج الإسلام الأصيل في التعاطي مع المعلومات الأمنيّة الحساسة وهذه مصيبة بحق.
واستمر يردد قول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ )