"تركت حرب 2006 تداعيات مرعبة بالنسبة للإسرائيليين على مختلف الصعد المتعلقة بالثقة بقياداتهم وجيشهم ومعنوياتهم ومستقبل دولتهم، تداعيات توجت بسلسلة من الاعترافات والشهادات بأن ذلك الجيش الذي لا يقهر، قد قهر وتقهقر وهزم في لبنان"
"لا تزال مصادر إسرائيلية عديدة تتحدث عن المصداقية العالية التي يتمتع بها نصر الله لدى الرأي العام الإسرائيلي، لدرجة أن الإسرائيليين ينتظرون منذ ذلك الوقت خطاباته ويعتبرونها بوصلة لهم لما هو آت"
"إسرائيل بكل مؤسساتها -إضافة إلى الرأي العام- تتابع متابعة حثيثة تحركات وخطابات وتحذيرات وتهديدات نصر الله ببالغ الاهتمام والترقب والتحسب، لأنه يفعل ما يقول"
"إن كان نصر الله يحظى بشعبية ومصداقية عربية إسلامية جارفة على امتداد مساحة الأمة, فإن مصداقيته على مستوى الكيان الصهيوني كبيرة وراسخة ومتزايدة "
أربع سنوات على الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان. وعلى الانتصار التاريخي للمقاومة اللبنانية. أربع سنوات على الهزيمة الإسرائيلية الحارقة التي لم تأت في حساباتهم الإستراتيجية أبدا. أربع سنوات وما تزال تلك الدولة مذهولة لا تصدق ولا تستوعب ما جرى هناك في الميدان اللبناني.
والنتائج التي خرجت بها التحقيقات التي أجراها نحو اثنين وخمسين طاقما عسكريا إسرائيليا في أعقاب الهزيمة الإسرائيلية أمام حزب الله في صيف/2006 كلها أجمعت على التفوق الاستخباري لحزب الله.
وفي إطار هذا التفوق، وبعد كل ذلك القصف المكثف المرعب للضاحية الجنوبية والمواقع الأخرى والتي أخفقت تماما في اصطياد أي قائد من قادة حزب الله، كتب يوسي ملمان المحلل العسكري في هآرتس (1/8/2006) صارخا: أين يختبئ قادة حزب الله بحق الجحيم؟".
ولذلك، شرع الثالوث الاستخباري الإسرائيلي -الاستخبارات العسكرية والموساد والشاباك- عمليا بمهمة لجمع أكبر كم من المعلومات عن قيادات حزب الله استكمالا لاستعداداتهم الحربية. فالمسألة مسألة وقت وتوقيت، والتوقيت بالنسبة لهم رهن -كما أشرنا في مقال سابق- باستكمال أكبر كم من المعلومات الاستخبارية حول خريطة منظومة الصواريخ لدى حزب الله، بل إن مصادر غربية تنبأت بـ"أن إسرائيل ستبدأ الحرب في اللحظة التي يتاح لها اكتشاف مخبأ الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، مهما كانت الساعة أو الظروف أو أي شيء آخر. وعندها تكون ساعة الصفر في المواجهة المفتوحة، التي تعتقد إسرائيل أنه من خلال اكتشاف مكان وجود نصر الله تصبح قادرة على حسم نصف المعركة".
هزيمة لن تنسى على مدى الأجيال وذلك ليس عبثا، ففي حساباتهم الإستراتيجية في المواجهة مع حزب الله، فإن السيد نصر الله كان بمثابة نصف الحرب آنذاك.
فعسكريا بات هناك لديهم منذ 2006 استسلام للحقيقة الصارخة بأن جيشهم الأسطوري قد هزم، ما فرخ بدوره تداعيات مرعبة بالنسبة لهم على مختلف الصعد المتعلقة بالثقة بقياداتهم وجيشهم ومعنوياتهم ومستقبل دولتهم، تداعيات توجت بسلسلة من الاعترافات والشهادات بأن ذلك الجيش الذي لا يقهر، قد قهر وتقهقر وهزم في لبنان، بل أكثر من ذلك فإن النظريات الحربية لذلك الجيش تساقطت، ما كان أكده المحلل العسكري أمير أورن في هآرتس 1/7/2008 حيث قال: "إن نصر الله أفقد إسرائيل أركان نظريتها الأمنية".
فحينما يعلن الجنرال فيلنآي في أعقاب الحرب: "لم نعرف من نقاتل"، ويضيف محلل إستراتيجي إسرائيلي: "أن الصفعة التي تلقيناها من حزب الله أضاعت قوة ردعنا"، ويوثق الجنرال ديسكين: "أن أجهزة السلطة في إسرائيل انهارت بشكل مطلق أثناء الحرب"، ويعززه الباحث ميرون بنفنستي قائلا: "إن الحرب تعيد إسرائيل جيلا كاملا للوراء"، ويشهد الجنرال احتياط بن العيزر بـ"أن الحكومة الإسرائيلية ذهلت من قدرة حزب الله على البقاء"، ليتبعه الجنرال احتياط أوري ساغي مؤكدا: "أن حزب الله أصبح مشكلة إقليمية إستراتيجية"، وليستخلص المؤرخ المعروف توم سيغف: "أن نتائج الحرب على لبنان تحتاج إلى لجنة تحقيق تتألف من مؤرخين".
يضاف إلى ذلك مئات الوثائق والشهادات الإسرائيلية وغيرها في السياق ذاته، فإننا نغدو عمليا أمام حقيقة كبيرة ساطعة تكرست على مستوى الوعي الجمعي الإسرائيلي وهي: "أن"إسرائيل العظمى" منيت عمليا بهزيمة حارقة على يد حزب الله لن تنسى على مدى الأجيال الإسرائيلية"، وأن ذلك "الجيش الذي لا يهزم" قد هزم وتمرغ أنفه وردعه وهيبته في المستنقع اللبناني.
بل إنه كان من المحتمل أن تذهب الهزيمة إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ كتب المحلل العسكري رون بن يشاي في يديعوت أحرونوت 22/8/2006 يقول: "ما حصل للجيش الإسرائيلي في الواقع يشبه الهزيمة التي مني بها الجيش الأميركي في فيتنام، وتلك التي مني بها "الجيش الأحمر" في أفغانستان"، بل وبرأي بن يشاي فإن "وقف إطلاق النار منع وقوع هزيمة أكبر بكثير أمام حزب الله".
فكلهم يعترفون اليوم إذا أن "إسرائيل" هزمت على مستوى الإستراتيجية والاستخبارات ونظرية القتال والاستعداد والتنظيم، والقيادة والسيطرة، غير أن الهزيمة الإسرائيلية الكبرى أيضا كانت على مستوى الحرب الإعلامية السيكولوجية، فإن كان نحمان شاي -الإعلامي العسكري الإسرائيلي المعروف- قد ثبت في صحيفة معاريف: "أن الإعلام ذاته هو ساحة الحرب، وهو وسيلة غير عادية، وإسرائيل تدير أمورها عبر ثلاث وسائل: الجهد العسكري، والسياسي، والإعلامي"، فإن حصيلة الحرب على لبنان، كانت هزيمة "إسرائيل" عسكريا وسياسيا وإعلاميا.
الإسرائيليون ينتظرون خطابات نصر الله
وفي هذا السياق المتعلق بالتأثير الدرامي لشخصية وخطابات السيد نصر الله، تحدثت ولا تزال مصادر إسرائيلية عديدة عن المصداقية العالية التي يتمتع بها السيد نصر الله لدى الرأي العام الإسرائيلي، لدرجة أن الإسرائيليين ينتظرون منذ ذلك الوقت وعلى مدى أربع سنوات خطاباته بفارغ الصبر ويعتبرونها بوصلة لهم لما هو آت.
وتبين من دراسة إسرائيلية عالجت الحرب الإعلامية النفسية المعنوية التي جرت بين "إسرائيل" وحزب الله إلى أي حد وأي مدى نجحت الحرب النفسية المعنوية التي خاضها حزب الله في التأثير على المجريات الحربية وعلى الرأي العام الإسرائيلي الذي منح ثقته للسيد حسن نصر الله على حساب "قادة إسرائيل".
وأشارت إلى "أن الجمهور الإسرائيلي كان ينتظر -خلال الحرب- بفارغ الصبر خطابات الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بسبب صدقيتها أساساً وأن الجمهور يمنح نصر الله علامة أفضل بالمقارنة مع الناطقين باللغة العبرية(النص نقلا عن موقع عرب 48 على الإنترنت 4/9/2006).
وفي إطار الدراسة -التي كان عنوانها "إدارة الإعلام أثناء حرب لبنان الثانية"- طلب من أعضاء ست مجموعات مشاهدة شريط فيديو -عرض فيه الإعلام الإسرائيلي في الداخل والخارج- الإجابة على نماذج أسئلة.
وبحسب أقوال د. ليفل من جامعة بن غوريون -الذي أجرى في السابق عدة دراسات حول الإستراتيجية الإعلامية وعلم النفس السياسي وعلاقات الجيش مع وسائل الإعلام- فإن نتائج البحث أظهرت أنه في حالات كثيرة كان الجمهور يضطر إلى الاعتماد على تصريحات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، ويقول: "مقابل قائد إعلامي مثل نصر الله، كان على المؤسسة الإسرائيلية أن ترد بنفس المستوى على الأقل"، ويضيف: "القائد الإعلامي يمنح المشاهد ثلاثة مرتكزات: تأملات وتأكيد وصدقية"، وبحسب أقواله، فإنه لدى سؤال المشاركين في الدراسة حول من قدم لهم "التأكيد" حول مواصلة الحرب، ولمن ينسبون "الصدقية"، كانت الأجوبة تقول إن الجمهور الإسرائيلي أشار إلى خطابات نصر الله كمن زودته بالعنصرين".
ويستخلص ليفل: "وصلنا إلى وضع جنوني. حالة نفسية لا تخطر ببال أحد، فبدلاً من أن ينتظر الجمهور الإسرائيلي ناطقاً قومياً يوضح له ماذا يحصل في كل يوم، ويقلص الفوضى ويرتسم كصادق، فقد حصل ما لم يحصل من قبل. الجمهور لجأ إلى القائد الذي نحاربه، وجلس بفارغ الصبر ينتظر خطاباته".
صواريخ سيكولوجية عابرة للمعنويات
ولذلك تفوق السيد كما جاء في استطلاع مثير للرأي العام الإسرائيلي أجراه د. شاؤول كمحي من كلية علم النفس في جامعة تل حي، والبروفيسور يوحنان أشيل من جامعة حيفا على قادة "إسرائيل" وجاء أيضا: "أن حسن نصر الله هزم أولمرت -حينما كان رئيسا للوزراء- وفق كافة المعايير. إذ عرض نصر الله كأيديولوجي وصاحب رؤية ويعمل وفق تخطيط بعيد المدى. وقد حصل نصر الله على 5.5 نقاط مقابل 3.9 فقط حصل عليها أولمرت"، ويضيف الباحثان الإسرائيليان "أنه رغم كونه عدوا صعبا إلا أن الإسرائيليين وجدوه أنسب من أولمرت لموقع القيادة خلال الحرب/يديعوت أحرونوت".
وما بين ذلك الوقت واليوم، أي بعد أربع سنوات على الحرب تعززت الاستخلاصات المشار إليها أعلاه على نحو مذهل، فكشف تقرير استخباراتي عسكري "أن السيد حسن نصر الله هو أول "زعيم عربي" يكون لخطبه تأثير على الرأي العام الإسرائيلي منذ الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في الستينيات من القرن الماضي"، ونقلت صحيفة هآرتس 15/7/2010 أن ضابط الاستخبارات الرئيسي في القيادة المركزية للجيس الإسرائيلي قام بدراسة خطب نصر الله خلال حرب لبنان الثانية، وحللت الدراسة عشر خطب له أذيعت خلال الحرب التي استمرت 33 يوما، وقال الضابط –كولونيل رونين-: "إن الخطب كانت إلى جانب الصواريخ التي أطلقت على إسرائيل سلاحا هجوميا في الحرب مع إسرائيل، كما أنها كانت الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن يوصل من خلالها نصر الله رسالته إلى جمهوره على اختلافاتهم".
ويجمع الإسرائيليون اليوم -من الجنرال إلى القائد السياسي إلى الأيديولوجي إلى المواطن العادي- على أن السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله كان نصف الإعلام، ونصف المعركة، ونصف "هزيمة إسرائيل"، وأن خطاباته شكلت صواريخ سيكولوجية عابرة للمعنويات الإسرائيلية.
مصداقية نصر الله في الحرب القادمة
واستتباعا -ونحن اليوم أمام أربع سنوات على العدوان وهزيمتهم- فإن المؤشرات تؤكد أن الكيان يستعد لعدوان جديد على لبنان. والمؤشرات حول النوايا العدوانية الجديدة تتراكم.
فلم يعد سرا أن المؤسسة العسكرية الأمنية السياسية الإسرائيلية تجمع منذ ذلك الوقت على أن "إسرائيل" لا يمكنها أن تتعايش مع حزب الله مدججا بالعقيدة والإرادة والقيادة الفذة والإستراتيجية والتدريب والتنظيم الفولاذي، كما لا يمكنها أن تتعايش على نحو حصري مع ذلك المخزون الصاروخي الهائل بحوزته الذي يطال كافة المدن والأهداف الإسرائيلية على امتداد مساحة فلسطين. والأهم من كل ذلك أنها لا يمكنها أن تتعايش مع قائد كبير فذ صادق تفوق شعبيته -كارزميته- ومصداقيته شعبية ومصداقية أي زعيم عربي أو حتى أممي على الإطلاق.
ولذلك غدت "إسرائيل" بكاملها -مؤسسات عسكرية أمنية استخبارية سياسية أكاديمية بحثية وإعلامية، إضافة إلى الرأي العام الإسرائيلي- تتابع متابعة حثيثة تحركات وخطابات وتحذيرات وتهديدات السيد نصر الله ببالغ الاهتمام والترقب والتحسب، فهو يفعل ما يقول، ويقرن الأقوال بالأفعال على نحو يثير ذهولهم على مختلف انتماءاتهم ووظائفهم وأدوارهم.
ما ينسحب على احتمالات الحرب القادمة
ففي آفاق الحرب القادمة التي تعد"إسرائيل" العدة لها، فعندما يعلن نصر الله على سبيل المثال:" أن إسرائيل يمكن أن تشن حربا على لبنان .. نحن لا نريد هذه الحرب، لكن إذا هجمت إسرائيل علينا.. فإن مقاوتنا ستسحق وتدمر وتشتت جيشها وستضيع فلوله .. وسيتغير وجه المنطقة لأنه إذا حطمنا جيشها (إسرائيل ) وسنحطمه وندمره في لبنان، عندها أي مستقبل لإسرائيل.. عندها سنذهب بالسيارات والباصات إلى بيت المقدس/ السبت 19/ 9 / 2009"، فإن في ذلك دلالات حقيقية ومصداقية يلتقطها الإسرائيليون بلا شك وبلا تردد، بل وبمصداقية عالية.
وحينما يعود ليعلن مرة أخرى:" سنغير وجه المنطقة في أي مواجهة مقبلة مع إسرائيل وسنصنع النصر التاريخي الكبير/الجمعة 15 / 1 / 2010 "، فان ذلك يعني بالنسبة لهم أن حزب الله بات يمتلك المزيد من الأسلحة الإستراتيجية والمفاجآت القادرة على تغيير مجريات الحرب والنتائج والخرائط، وهم أيضا يصدقون السيد في ذلك.
وحينما يعود علينا مرة ثالثة ليعلن:"أن حزب الله سيقصف البنى التحتية في إسرائيل، وهو "يملك الإمكانات لذلك"، فـ"إذا ضربتم مطار الشهيد رفيق الحريري الدولي في بيروت سنضرب مطار بن غوريون في تل أبيب، إذا ضربتم موانئنا سنقصف موانئكم، إذا ضربتم مصافي النفط عندنا سنقصف مصافي النفط عندكم، وإذا قصفتم مصانعنا سنقصف مصانعكم، إذا قصفتم مصانع الكهرباء عندنا سنقصف الكهرباء عندكم/ وكالات- 16/2/2010"، فإنهم هناك في الكيان يفتحون أفواههم ذهولا من هول التهديد.
وليس في ذلك أية مبالغة أبدا..
فإن كان السيد نصر الله يحظى بشعبية ومصداقية عربية إسلامية جارفة على امتداد مساحة الأمة كما تثبت مجسات الرأي العام في كل مكان، فإن مصداقيته على مستوى الكيان الصهيوني كبيرة وراسخة ومتزايدة ومدعمة باقتران أقواله بأفعاله في كافة محطات الحروب والمواجهات في الساحة اللبنانية.. بل إنه يحظى بمصداقية تفوق مصداقية قياداتهم العسكرية والسياسية والإعلامية.
بل إنهم يعتقدون أن حزب الله بقيادته يشكل خطرا وتحديا إستراتيجيا حقيقيا يقض مضاجع المؤسسة والقيادات والجماهير الإسرائيلية.
المصدر: http://aljazeera.net/NR/exeres/8765CAB7-54E2-4CEE-AE04-33B6B4742B1B.htm?GoogleStatID=24
"لا تزال مصادر إسرائيلية عديدة تتحدث عن المصداقية العالية التي يتمتع بها نصر الله لدى الرأي العام الإسرائيلي، لدرجة أن الإسرائيليين ينتظرون منذ ذلك الوقت خطاباته ويعتبرونها بوصلة لهم لما هو آت"
"إسرائيل بكل مؤسساتها -إضافة إلى الرأي العام- تتابع متابعة حثيثة تحركات وخطابات وتحذيرات وتهديدات نصر الله ببالغ الاهتمام والترقب والتحسب، لأنه يفعل ما يقول"
"إن كان نصر الله يحظى بشعبية ومصداقية عربية إسلامية جارفة على امتداد مساحة الأمة, فإن مصداقيته على مستوى الكيان الصهيوني كبيرة وراسخة ومتزايدة "
أربع سنوات على الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان. وعلى الانتصار التاريخي للمقاومة اللبنانية. أربع سنوات على الهزيمة الإسرائيلية الحارقة التي لم تأت في حساباتهم الإستراتيجية أبدا. أربع سنوات وما تزال تلك الدولة مذهولة لا تصدق ولا تستوعب ما جرى هناك في الميدان اللبناني.
والنتائج التي خرجت بها التحقيقات التي أجراها نحو اثنين وخمسين طاقما عسكريا إسرائيليا في أعقاب الهزيمة الإسرائيلية أمام حزب الله في صيف/2006 كلها أجمعت على التفوق الاستخباري لحزب الله.
وفي إطار هذا التفوق، وبعد كل ذلك القصف المكثف المرعب للضاحية الجنوبية والمواقع الأخرى والتي أخفقت تماما في اصطياد أي قائد من قادة حزب الله، كتب يوسي ملمان المحلل العسكري في هآرتس (1/8/2006) صارخا: أين يختبئ قادة حزب الله بحق الجحيم؟".
ولذلك، شرع الثالوث الاستخباري الإسرائيلي -الاستخبارات العسكرية والموساد والشاباك- عمليا بمهمة لجمع أكبر كم من المعلومات عن قيادات حزب الله استكمالا لاستعداداتهم الحربية. فالمسألة مسألة وقت وتوقيت، والتوقيت بالنسبة لهم رهن -كما أشرنا في مقال سابق- باستكمال أكبر كم من المعلومات الاستخبارية حول خريطة منظومة الصواريخ لدى حزب الله، بل إن مصادر غربية تنبأت بـ"أن إسرائيل ستبدأ الحرب في اللحظة التي يتاح لها اكتشاف مخبأ الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، مهما كانت الساعة أو الظروف أو أي شيء آخر. وعندها تكون ساعة الصفر في المواجهة المفتوحة، التي تعتقد إسرائيل أنه من خلال اكتشاف مكان وجود نصر الله تصبح قادرة على حسم نصف المعركة".
هزيمة لن تنسى على مدى الأجيال وذلك ليس عبثا، ففي حساباتهم الإستراتيجية في المواجهة مع حزب الله، فإن السيد نصر الله كان بمثابة نصف الحرب آنذاك.
فعسكريا بات هناك لديهم منذ 2006 استسلام للحقيقة الصارخة بأن جيشهم الأسطوري قد هزم، ما فرخ بدوره تداعيات مرعبة بالنسبة لهم على مختلف الصعد المتعلقة بالثقة بقياداتهم وجيشهم ومعنوياتهم ومستقبل دولتهم، تداعيات توجت بسلسلة من الاعترافات والشهادات بأن ذلك الجيش الذي لا يقهر، قد قهر وتقهقر وهزم في لبنان، بل أكثر من ذلك فإن النظريات الحربية لذلك الجيش تساقطت، ما كان أكده المحلل العسكري أمير أورن في هآرتس 1/7/2008 حيث قال: "إن نصر الله أفقد إسرائيل أركان نظريتها الأمنية".
فحينما يعلن الجنرال فيلنآي في أعقاب الحرب: "لم نعرف من نقاتل"، ويضيف محلل إستراتيجي إسرائيلي: "أن الصفعة التي تلقيناها من حزب الله أضاعت قوة ردعنا"، ويوثق الجنرال ديسكين: "أن أجهزة السلطة في إسرائيل انهارت بشكل مطلق أثناء الحرب"، ويعززه الباحث ميرون بنفنستي قائلا: "إن الحرب تعيد إسرائيل جيلا كاملا للوراء"، ويشهد الجنرال احتياط بن العيزر بـ"أن الحكومة الإسرائيلية ذهلت من قدرة حزب الله على البقاء"، ليتبعه الجنرال احتياط أوري ساغي مؤكدا: "أن حزب الله أصبح مشكلة إقليمية إستراتيجية"، وليستخلص المؤرخ المعروف توم سيغف: "أن نتائج الحرب على لبنان تحتاج إلى لجنة تحقيق تتألف من مؤرخين".
يضاف إلى ذلك مئات الوثائق والشهادات الإسرائيلية وغيرها في السياق ذاته، فإننا نغدو عمليا أمام حقيقة كبيرة ساطعة تكرست على مستوى الوعي الجمعي الإسرائيلي وهي: "أن"إسرائيل العظمى" منيت عمليا بهزيمة حارقة على يد حزب الله لن تنسى على مدى الأجيال الإسرائيلية"، وأن ذلك "الجيش الذي لا يهزم" قد هزم وتمرغ أنفه وردعه وهيبته في المستنقع اللبناني.
بل إنه كان من المحتمل أن تذهب الهزيمة إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ كتب المحلل العسكري رون بن يشاي في يديعوت أحرونوت 22/8/2006 يقول: "ما حصل للجيش الإسرائيلي في الواقع يشبه الهزيمة التي مني بها الجيش الأميركي في فيتنام، وتلك التي مني بها "الجيش الأحمر" في أفغانستان"، بل وبرأي بن يشاي فإن "وقف إطلاق النار منع وقوع هزيمة أكبر بكثير أمام حزب الله".
فكلهم يعترفون اليوم إذا أن "إسرائيل" هزمت على مستوى الإستراتيجية والاستخبارات ونظرية القتال والاستعداد والتنظيم، والقيادة والسيطرة، غير أن الهزيمة الإسرائيلية الكبرى أيضا كانت على مستوى الحرب الإعلامية السيكولوجية، فإن كان نحمان شاي -الإعلامي العسكري الإسرائيلي المعروف- قد ثبت في صحيفة معاريف: "أن الإعلام ذاته هو ساحة الحرب، وهو وسيلة غير عادية، وإسرائيل تدير أمورها عبر ثلاث وسائل: الجهد العسكري، والسياسي، والإعلامي"، فإن حصيلة الحرب على لبنان، كانت هزيمة "إسرائيل" عسكريا وسياسيا وإعلاميا.
الإسرائيليون ينتظرون خطابات نصر الله
وفي هذا السياق المتعلق بالتأثير الدرامي لشخصية وخطابات السيد نصر الله، تحدثت ولا تزال مصادر إسرائيلية عديدة عن المصداقية العالية التي يتمتع بها السيد نصر الله لدى الرأي العام الإسرائيلي، لدرجة أن الإسرائيليين ينتظرون منذ ذلك الوقت وعلى مدى أربع سنوات خطاباته بفارغ الصبر ويعتبرونها بوصلة لهم لما هو آت.
وتبين من دراسة إسرائيلية عالجت الحرب الإعلامية النفسية المعنوية التي جرت بين "إسرائيل" وحزب الله إلى أي حد وأي مدى نجحت الحرب النفسية المعنوية التي خاضها حزب الله في التأثير على المجريات الحربية وعلى الرأي العام الإسرائيلي الذي منح ثقته للسيد حسن نصر الله على حساب "قادة إسرائيل".
وأشارت إلى "أن الجمهور الإسرائيلي كان ينتظر -خلال الحرب- بفارغ الصبر خطابات الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بسبب صدقيتها أساساً وأن الجمهور يمنح نصر الله علامة أفضل بالمقارنة مع الناطقين باللغة العبرية(النص نقلا عن موقع عرب 48 على الإنترنت 4/9/2006).
وفي إطار الدراسة -التي كان عنوانها "إدارة الإعلام أثناء حرب لبنان الثانية"- طلب من أعضاء ست مجموعات مشاهدة شريط فيديو -عرض فيه الإعلام الإسرائيلي في الداخل والخارج- الإجابة على نماذج أسئلة.
وبحسب أقوال د. ليفل من جامعة بن غوريون -الذي أجرى في السابق عدة دراسات حول الإستراتيجية الإعلامية وعلم النفس السياسي وعلاقات الجيش مع وسائل الإعلام- فإن نتائج البحث أظهرت أنه في حالات كثيرة كان الجمهور يضطر إلى الاعتماد على تصريحات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، ويقول: "مقابل قائد إعلامي مثل نصر الله، كان على المؤسسة الإسرائيلية أن ترد بنفس المستوى على الأقل"، ويضيف: "القائد الإعلامي يمنح المشاهد ثلاثة مرتكزات: تأملات وتأكيد وصدقية"، وبحسب أقواله، فإنه لدى سؤال المشاركين في الدراسة حول من قدم لهم "التأكيد" حول مواصلة الحرب، ولمن ينسبون "الصدقية"، كانت الأجوبة تقول إن الجمهور الإسرائيلي أشار إلى خطابات نصر الله كمن زودته بالعنصرين".
ويستخلص ليفل: "وصلنا إلى وضع جنوني. حالة نفسية لا تخطر ببال أحد، فبدلاً من أن ينتظر الجمهور الإسرائيلي ناطقاً قومياً يوضح له ماذا يحصل في كل يوم، ويقلص الفوضى ويرتسم كصادق، فقد حصل ما لم يحصل من قبل. الجمهور لجأ إلى القائد الذي نحاربه، وجلس بفارغ الصبر ينتظر خطاباته".
صواريخ سيكولوجية عابرة للمعنويات
ولذلك تفوق السيد كما جاء في استطلاع مثير للرأي العام الإسرائيلي أجراه د. شاؤول كمحي من كلية علم النفس في جامعة تل حي، والبروفيسور يوحنان أشيل من جامعة حيفا على قادة "إسرائيل" وجاء أيضا: "أن حسن نصر الله هزم أولمرت -حينما كان رئيسا للوزراء- وفق كافة المعايير. إذ عرض نصر الله كأيديولوجي وصاحب رؤية ويعمل وفق تخطيط بعيد المدى. وقد حصل نصر الله على 5.5 نقاط مقابل 3.9 فقط حصل عليها أولمرت"، ويضيف الباحثان الإسرائيليان "أنه رغم كونه عدوا صعبا إلا أن الإسرائيليين وجدوه أنسب من أولمرت لموقع القيادة خلال الحرب/يديعوت أحرونوت".
وما بين ذلك الوقت واليوم، أي بعد أربع سنوات على الحرب تعززت الاستخلاصات المشار إليها أعلاه على نحو مذهل، فكشف تقرير استخباراتي عسكري "أن السيد حسن نصر الله هو أول "زعيم عربي" يكون لخطبه تأثير على الرأي العام الإسرائيلي منذ الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في الستينيات من القرن الماضي"، ونقلت صحيفة هآرتس 15/7/2010 أن ضابط الاستخبارات الرئيسي في القيادة المركزية للجيس الإسرائيلي قام بدراسة خطب نصر الله خلال حرب لبنان الثانية، وحللت الدراسة عشر خطب له أذيعت خلال الحرب التي استمرت 33 يوما، وقال الضابط –كولونيل رونين-: "إن الخطب كانت إلى جانب الصواريخ التي أطلقت على إسرائيل سلاحا هجوميا في الحرب مع إسرائيل، كما أنها كانت الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن يوصل من خلالها نصر الله رسالته إلى جمهوره على اختلافاتهم".
ويجمع الإسرائيليون اليوم -من الجنرال إلى القائد السياسي إلى الأيديولوجي إلى المواطن العادي- على أن السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله كان نصف الإعلام، ونصف المعركة، ونصف "هزيمة إسرائيل"، وأن خطاباته شكلت صواريخ سيكولوجية عابرة للمعنويات الإسرائيلية.
مصداقية نصر الله في الحرب القادمة
واستتباعا -ونحن اليوم أمام أربع سنوات على العدوان وهزيمتهم- فإن المؤشرات تؤكد أن الكيان يستعد لعدوان جديد على لبنان. والمؤشرات حول النوايا العدوانية الجديدة تتراكم.
فلم يعد سرا أن المؤسسة العسكرية الأمنية السياسية الإسرائيلية تجمع منذ ذلك الوقت على أن "إسرائيل" لا يمكنها أن تتعايش مع حزب الله مدججا بالعقيدة والإرادة والقيادة الفذة والإستراتيجية والتدريب والتنظيم الفولاذي، كما لا يمكنها أن تتعايش على نحو حصري مع ذلك المخزون الصاروخي الهائل بحوزته الذي يطال كافة المدن والأهداف الإسرائيلية على امتداد مساحة فلسطين. والأهم من كل ذلك أنها لا يمكنها أن تتعايش مع قائد كبير فذ صادق تفوق شعبيته -كارزميته- ومصداقيته شعبية ومصداقية أي زعيم عربي أو حتى أممي على الإطلاق.
ولذلك غدت "إسرائيل" بكاملها -مؤسسات عسكرية أمنية استخبارية سياسية أكاديمية بحثية وإعلامية، إضافة إلى الرأي العام الإسرائيلي- تتابع متابعة حثيثة تحركات وخطابات وتحذيرات وتهديدات السيد نصر الله ببالغ الاهتمام والترقب والتحسب، فهو يفعل ما يقول، ويقرن الأقوال بالأفعال على نحو يثير ذهولهم على مختلف انتماءاتهم ووظائفهم وأدوارهم.
ما ينسحب على احتمالات الحرب القادمة
ففي آفاق الحرب القادمة التي تعد"إسرائيل" العدة لها، فعندما يعلن نصر الله على سبيل المثال:" أن إسرائيل يمكن أن تشن حربا على لبنان .. نحن لا نريد هذه الحرب، لكن إذا هجمت إسرائيل علينا.. فإن مقاوتنا ستسحق وتدمر وتشتت جيشها وستضيع فلوله .. وسيتغير وجه المنطقة لأنه إذا حطمنا جيشها (إسرائيل ) وسنحطمه وندمره في لبنان، عندها أي مستقبل لإسرائيل.. عندها سنذهب بالسيارات والباصات إلى بيت المقدس/ السبت 19/ 9 / 2009"، فإن في ذلك دلالات حقيقية ومصداقية يلتقطها الإسرائيليون بلا شك وبلا تردد، بل وبمصداقية عالية.
وحينما يعود ليعلن مرة أخرى:" سنغير وجه المنطقة في أي مواجهة مقبلة مع إسرائيل وسنصنع النصر التاريخي الكبير/الجمعة 15 / 1 / 2010 "، فان ذلك يعني بالنسبة لهم أن حزب الله بات يمتلك المزيد من الأسلحة الإستراتيجية والمفاجآت القادرة على تغيير مجريات الحرب والنتائج والخرائط، وهم أيضا يصدقون السيد في ذلك.
وحينما يعود علينا مرة ثالثة ليعلن:"أن حزب الله سيقصف البنى التحتية في إسرائيل، وهو "يملك الإمكانات لذلك"، فـ"إذا ضربتم مطار الشهيد رفيق الحريري الدولي في بيروت سنضرب مطار بن غوريون في تل أبيب، إذا ضربتم موانئنا سنقصف موانئكم، إذا ضربتم مصافي النفط عندنا سنقصف مصافي النفط عندكم، وإذا قصفتم مصانعنا سنقصف مصانعكم، إذا قصفتم مصانع الكهرباء عندنا سنقصف الكهرباء عندكم/ وكالات- 16/2/2010"، فإنهم هناك في الكيان يفتحون أفواههم ذهولا من هول التهديد.
وليس في ذلك أية مبالغة أبدا..
فإن كان السيد نصر الله يحظى بشعبية ومصداقية عربية إسلامية جارفة على امتداد مساحة الأمة كما تثبت مجسات الرأي العام في كل مكان، فإن مصداقيته على مستوى الكيان الصهيوني كبيرة وراسخة ومتزايدة ومدعمة باقتران أقواله بأفعاله في كافة محطات الحروب والمواجهات في الساحة اللبنانية.. بل إنه يحظى بمصداقية تفوق مصداقية قياداتهم العسكرية والسياسية والإعلامية.
بل إنهم يعتقدون أن حزب الله بقيادته يشكل خطرا وتحديا إستراتيجيا حقيقيا يقض مضاجع المؤسسة والقيادات والجماهير الإسرائيلية.
المصدر: http://aljazeera.net/NR/exeres/8765CAB7-54E2-4CEE-AE04-33B6B4742B1B.htm?GoogleStatID=24