د. إبراهيم الشمري
في حوار مع مجلة (البيان)
في حوار مع مجلة (البيان)
حاوره في بغداد: أبو بكر أحمد
إصرار وتحدٍّ على مواصلة المقاومة للاحتلال، وإيمان راسخ بأن النصر آت بإذن الله وتمكينه، وإن كان مر على الاحتلال خمس سنوات؛ فالهمة ما تزال تزداد، والاستعداد للتضحية بالنفس والمال - هو شعار المقاومين في العراق، والوعي بأن المعركة لا تقتصر على الفعل العسكري المسلَّح وحده يكبر ويتسـع، والمحصـلة تكتـلات لفصـائل المقاومة تحت هذا المسمى أو ذاك تـؤكد على المحـتل أن يدرك أن خصـومـه يعـلـمـون ما يفعلون وفي جعبتهم المزيد.
ومجلة (البيان) وهي تفتح ملف العراق في ظل الاحتلال وهو يودع عامه الخامس ويدخل عامه السادس ولأجل تسليط الضوء واستجلاء موقف ورؤية المقاومة للاحتلال وتداعياته، كان لها هذا الحوار الموسع مع الدكتور إبراهيم الشمري الناطق الرسمي باسم الجيش الإسلامي في العراق أحد أبرز فصائل المقاومة في العراق، والذي أكد فيه أن المقاومة العراقية في عامها السادس أنضج، وخطها العام أوضح من أيِّ وقت مضى.
وأضاف أن عملها السياسي هو في توجيه بندقيتها الوجهة الصحيحة باتجاه أهدافها وصيانتها من الانحراف وصيانة مكتسبات المجاهدين.
وقال: إن جميع الفصائل المقاومة متفقة على تجنب التجاوز على حرمة الدماء المعصومة، داعياً الدول العربية إلى عدم ترك الساحة العراقية يعبث بها المحتلون وأذنابهم.
وفيما يلي نص الحوار:
بعد مرور خمس سنوات على الاحتلال كانت كافية لانجلاء الضباب الذي كانت تبعثه الإدارة الأمريكية، لتشويش أهدافها من الاحتلال، حتى غدت بعض وسائل الإعلام الأمريكية تتحدث عن كذب الإدارة الأمريكية في تبريراتها لغزو واحتلال العراق؛ هل لدى المقاومة العراقية رؤية واضحة ومحددة لهذه الأهداف وأولوياتها؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين محمد وعلى آله وأصحابه وأوليائه إلى يوم الدين، وبعد:
فإن أهداف أمريكا من احتلال العراق كانت واضحة لنا مـنـذ البـداية وضـوح الشمس السـاطـعة في رائعـة النهار، ولم يكن أحد أصلاً يجادل في أهدافها الحقيقية حتى من كان على عينيه بعض الغبش.
أهدافها عديدة لكن أهمها يتلخص في هدفين هامين:الأول: تقسيم العراق وتفتيته لتقديم خدمة استراتيجية للكيان اليهودي الغاصب في فلسطين؛ وبذلك يزول من الخريطة السياسية البلد الذي طالما أرَّق هؤلاء اليهود، وليكون العراق بذلك حجر الزاوية في لعبة (الدومينو) في تحويل المنطقة إلى فسيفساء من الدول الهامشية تكون السيادة والقوة فيها لإسرائيل لتستمر بلعبها على التناقضات السياسية بين الفرقاء الذين لا تنقصهم الشحناء، والسعي نحو الفتنة والفرقة أصلاً، والثاني: نهب ثروة العراق النفطية والاستعانة بها في مشروع بناء الإمبراطورية الجديدة والوحيدة المسيطرة على العالم. فمن المعلوم أن العراق يمتلك أكثر من 112 مليار برميل من النفط المحقق اكتشافه إلى الآن عدا التوقعات التي تصل إلى أكثر من ذلك بكثير. ومما تجدر الإشارة إليه أنهم خططوا لمد إسرائيل بنفط العراق من خلال إحياء خط الموصل - حيفا المار بالأردن عبر نقاط h1 و h2 و h3 (المسمى مشروع شيخينا) الواقع في المنطقة الغربية على الحدود بين الأنبار والأردن؛ ولذا نجد شدة التركيز في الحرب على هذه المنطقة من أجل تأمينها. وهكذا نرى أن المجاهدين كانوا واعين للمخطط الأمريكي بأبعاده الاستراتيجية والتكتيكية منذ البداية، وخصوا تلك المناطق الهامة بما تستحق من اهتمام.
هناك حراك سياسي في الساحة السياسية الأمريكية، والمتمثل في موقف الديمقراطيين من الحرب على العراق والمضاد لموقف الجمهوريين وبالأخص اليمـين المتطرف؛ فهـل تعـوِّل المقـاومة العراقية على فـوز الديمـقراطيين في الانتخابات القادمة، إلى الدرجة التي تجعلها تغير من استراتيجياتها ضد المحتل؟
من المفيد استثمار أي خلاف لدى العدو يمكن أن يصب في مصلحة الجهاد، لكننا لا نعوِّل على مثل هذه الخلافات؛ لأنها خلافات تكتيكية وليست خلافات في الأهداف والاستراتيجيات، نحن نعول - بعد الله تعالى - على الاستراتيجية التي أثبتت نجاحها حتى الآن وهي الجهاد؛ فالجهاد واستمراره هو خيارنا الاستراتيجي لتحقيق أهدافنا، أما من انساقوا وراء سراب الأمريكان الخادع فهم لم يحصلوا على شيء إلى الآن ومن غير المنطقي أن نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
إن أرقام الخسائر البشرية لقوات الاحتلال، والتي تعلن عبر تقارير البنتاغون؛ أمر يتندر به المواطن العراقي؛ فهل لديكم تصور عن الأعداد الحقيقية الموثقة لهذه الخسائر؛ خاصة أنكم أعلنتم قبل عام أن خسائر الاحتلال بلغت 25 ألف قتيل؟ وما هي معاييركم في ذلك؟
فيما يخص إحصائيات الجيش الإسلامي فإنه عندما تأتي حسابات العمليات في المواعيد المحددة شهرياً لدى المكتب العسكري تقوم هيئة الركن التابعة للمكتب بفرز جداول العمليات وفق المعايير التالية:
- كل شك يفسَّر لصالح الخصم، بمعنى: إذا تم تنفيذ العملية ولم يُتأكد من النتائج فتحسب خسائر العدو بحدِّها الأدنى مثل: استهداف همر، والشك قائم بين التدمير الكامل أو الإعطاب؛ فإن ذلك يفسَّر على أنه إعطاب فقط.
- كل تدمير كامل للآلية تحسب فيه الخسائر البشرية كقتلى بالحدِّ الأدنى، أما الأعطاب فلا يسجل فيها أي قتيل إلا إذا تم التأكد من ذلك بطرق أخرى.
- يقوم قسم المتابعة التابع للمكتب العسكري بالتأكد من هذه العمليات إضافة إلى الأجهزة الخاصة.
- كل عمليات القصف لا يقيَّد فيها إصابات بشرية مباشرة إلا إذا تم التأكد منها.
- اعترافات العدو بالعمليات المحددة التي تقوم بها الجماعة.
وهكذا ترى أن المهنية العالية هي المسيطرة على السلوك في عدِّ خسائر العدو.
أما العـدو فإنه لا يعدُّ من قتلاه جميع أفراد الشركات الأمنية وفرق الدعم اللوجستي والذين يحملون الكارت الأخضر ولا يحملون الجنسية الأمريكية والذين يموتون من الجرحى بعد العدِّ اليومي للقتلى؛ إضافة إلى المنتحرين والهاربين والذين يموتون بسبب العاهات النفسية والجسدية نتيجة الحرب وغيرهم. ومن المعلوم كذلك أن عملية إخفاء عدد القتلى ليست جديدة على السياسة الأمريكية؛ فقد استُخدمت من قبلُ في حرب فيتنام وغيرها من المغامرات العسكرية الأمريكية، وفي العراق كثير من الأمثلة على إخفاء الأمريكان جثث جنودهم ومنها ما بثَّته الجماعة في أحد إصداراتها الرئيسة حيث عثر المجاهدون على مقبرة جماعية لجنود أمريكان.
كان لتعدد فصائل المقاومة العراقية في صراعها مع المحتل إيجابيات كثيرة؛ فهل معطيات الواقع العسكري والسياسي اليوم تدعو إلى لمِّ شمل هذه الفصائل للعمل تحت راية واحدة وأن ذلك ضرورة ملحة، وما الأسباب التي تحول دون ذلك الاصطفاف؟
بغضِّ النظر عن فوائد العمل في مستواه التكتيكي من تعدد الجماعات والفصائل، لكن الهدف الاستراتيجي يجب أن يبقى توحيد هذه الجماعات؛ وهذا دأبنا منذ البداية؛ فالجماعة تشكلت مع نُذُر الحرب الأولى، واشتركت في الجهاد أثناءها، وبعد إكمال العدو جريمته باحتلال العراق انطلقنا نحو إخواننا تجميعاً وتحريضاً وعملاً، وكنا نأمل أن نجمع كل الإخوة تحت راية واحدة، لكن الفصائل بدأت تعلن عن نفسها مما اضطرنا أن نعلن عن اسم جماعتنا، لكن أمل الاجتماع ظل يراودنا باستمرار عملاً بالواجب الشرعي وانتهاجاً لسياساتنا العامة الثابتة التي تضمنت أن تجمعنا، وولاؤنا ينطلق من الشرع ولا نتعصب للأشخاص أو الأسماء. وهكذا شهدت الساحة الجهادية تشكيل مجلس التنسيق الرباعي بين الجيش الإسلامي في العراق وجيش المجاهدين وجامع وكتائب ثورة العشرين قبل انقسامها، ثم شكلنا مع إخواننا جيش المجاهدين وأنصار السنة - الهيئة الشرعية - جبهة الجهاد والإصلاح في 2/5/2007م، ثم انبثق المجلس السياسي للمقاومة العراقية بعد أشهر عدة من المداولات اشترك فيها ثماني جماعات رئيسة من جماعات المقاومة، ثم انسحب فصيلان منها أثناء الإعلان. وهكذا ترى أن المساعي حثيثة في سبيل توحيد وجهة المقاومة بمشروع واحد.
إن لم تكن هنالك أسباب تتعلق بالأمن العسكري للمقاومة؛ فهل يمكن رسم خريطة لفصائل المقاومة تبين العلاقة بينها والمرجعية الفكرية لكل فصيل؟
نحن لا نتكلم عن الآخرين، ومن الأفضل أن يتحدثوا هم عن أنفسهم. أما عن خطنا الفكري فهو معروف وقد أكد عليه الشيخ أمير الجماعة - أعزه الله - في لقائه الهام مع جريدة الحياة حيث قال: (نحن ننتسب إلى مدرسة الكتاب والسنّة التي أرسى قواعدها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأئمة الدين والعلماء من بعده)، وللجماعة - بفضل الله تعالى - منهجها الشرعي المنشور على الإنترنت، ويمكن مراجعته بالتفصيل، ولها برنامجها السياسي المعلن منذ 11/8/2005م، وقد قُدِّم للإخوة في المجلس السياسي واعتُمد بالكامل مع تعديل طفيف في بعض الفقرات ولله الحمد، وكذلك للجماعة سياساتها العامة المستمدة من فهمها الشرعي والسياسي والواقعي.
يعدُّ البيان التأسيسي لتشكيل المجلس السياسي للمقاومة نقطة تحوُّل مهمة وضرورية للعمل القادم ضد الاحتلال كما ترون؛ فهل هي انتقالة من العمل العسكري إلى السياسي؟ أم أنها جمع العمل السياسي إلى العمل العسكري؟ وهل سنرى مثالاً ثانياً لتجربة حركة حماس في خوض الانتخابات في العراق؟ وما موقف فصائل المقاومة من العملية السياسية الجارية في العراق؟
عملنا السياسي هو في توجيه بندقيتنا الوجهة الصحيحة باتجاه أهدافنا وصيانتها من الانحراف وصيانة مكتسبات المجاهدين من السرقة والتطفل، وليس المقصود هو دخول ما يسمونه بالعملية السياسية. فالعمل السياسي بالنسبة لنا ليس قسيماً لعملنا الجهادي وإنما هو جزء منه.
أما عن الدخول في العملية السياسية فلكل جماعة اجتهاداتها تبعاً لفهمها الشرعي وظروفها، وليس بالضرورة أن يكون هناك عملية إسقاط من مكانٍ على آخر؛ ففهمنا الشرعي لواقع العراق وللظروف التي شكلت ما يسمى بالعملية السياسية: أنَّ هذه العملية برُمَّتها جاءت لخدمة أهداف قوات الاحتلال وليس لخدمة الشعب العراقي، كما أنها كانت فاشلة وغير قانونية حتى بالمعايير الأمريكية والغربية نفسها؛ فقوانين الأمم المتحدة لا تبيح للدول المحتلة تغيير البنية القانونية للبلدان التي تحتلها، كما أن نسبة التزوير كانت كبيرة جداً سواء في الاستفتاء على الدستور أو الانتخابات البرلمانية، ومُنعت مناطق كثيرة من الوصول إلى صناديق الاقتراع من المناطق التي كانت ترفض الاحتلال الأمريكي، وكثير من الصناديق كانت ممتلئة منذ فتح مراكز الانتخابات في ساعات الصباح الباكر، وهكذا كفرت أمريكا بالديمقراطية التي بشرت بها وزعمت أنها جاءت لنشرها في المنطقة؛ والحمد لله فلم يشرِّع البشر للبشر من قانون أو تشريع إلا وكان الذي يشرِّع هذا القانون هو أول من يكفر به عندما يتعارض مع مصالحه، وهكذا فعلت أمريكا أمُّ الليبرالية والديمقراطية و(الحضارة) عندما أسفرت للعالم عن كفرها بهذه الشعارات الزائفة عندما تعارضت هذه الشعارات مع مصالحها، وهذا في حد ذاته نصر سياسي كبير للمجاهدين يضاف إلى انتصاراتهم العسكرية الباهرة؛ إذ وجهت أمريكا نيران أسلحتها صوب مبادئـها وشعـاراتها الـتي طـالما تشـدقـت بها، وهذا مكر الله - عز وجل - بمـن يحارب دينه، فأصبحوا كما يقول الله - تعالى - عنهم وعن أمثالهم: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْـمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ} [الحشر: ٢]، فذهب مكر أمريكا بالليل والنهار أدراج الرياح كما قال الله - تعالى -: {وَلا يَحِيقُ الْـمَكْرُ السَّيِّئُ إلاَّ بِأَهْلِهِ} [فاطر: ٣٤]، فصدق الله وكذبت أمريكا، والحمد لله أولاً وأخيراً.
تتحدث التقارير الأمريكية عن اتصالات وحوارات منها مباشرة ومنها عبر وساطات جرت بين أطراف أمريكية وحكومية من جهة، والمقاومة من جهة أخرى، وكنتم أعلنتم سابقاً عن استعدادكم لإجرائها؛ فما الحقيقة في هذه الاتصالات والحوارات؟ وما شروطكم لإجراء مثل تلك الحوارات؟ وآليات نجاحكم فيها، وبعضهم يراها أشد من العمل العسكري؟ وكيف تقوِّمون الموقف الأمريكي في استجابته لهذه الشروط؟
لا حقيقة لأيِّ حوار أو اتصال مع قوات الاحتلال من جانبنا، وهذا ليس رفضاً للحوار من حيث المبدأ، والواجب وضع كل شيء في نصابه الصحيح، وكما يقول معاوية - رضي الله عنه -: «أنا لا أضع سيفي حيث يكفيني لساني» فكل حق لنا يمكننا تحصيله، أو شر نستطيع دفعه بأيسر الطرق وأقلها كلفة اعتمدناه، وهذه سياسة عامة في كل أعمالنا الجهادية. وفي هذا السياق وانطلاقاً من هذا المبدأ أعلنا منذ البداية عن شروطنا للمفاوضات، وقلنا: إن هناك شرطين رئيسين لتكون المفاوضات ناجحة وهي: أن يُصْدِر الكونغرس الأمريكي قراراً ملزِماً لحكومته بالانسحاب من العراق، وأن تعترف أمريكا بالمقاومة ممثلاً شرعياً للشعب العراقي. وحصل بعض التفاعل الإيجابي حول الشرط الأول في الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي، وظهرت دعوات تطالب بالانسحاب من العراق؛ خصوصاً من الديمقراطيين.
أما ما يسمى بالحكومة العراقية فنحن لا نعترف بها أصلاً، وليس وارداً على الإطلاق الجلوس أو التفاوض معهم؛ لأنهم عبارة عن عصابات طائفية وقطاع طرق ومجرمين وخونة أتى بهم الاحتلال مع كل البضائع الكاسدة المنتنة التي جلبها معه في احتلاله للعراق.
هل لدى فصائل المقاومة بديل عن العملية السياسية في ظل الاحتلال؟ وما مواصفات وخصائص هذا البديل؟ وهل يراعي حقيقة أن العراق بلد متنوع في مكوناته العرقية والمذهبية؛ واضعاً في حساباته هذه الحقيقة؟
ونحن نجاهد قوات الاحتلال أخذنا في حسباننا أن العراقيين يحتاجون، وبشكل ملحٍّ وضروري، إلى وجود حكومة تصرِّف شؤون الناس؛ ولذا طرحنا، ومنذ زمن طويل وعلى لسان الشيخ أمير الجماعة نفسه عبر حديثه مع مجلة الفرسان الإلكترونية، أننا نقبل بحكومة من المهنيين (التكنوقراط) تكون مهـمتها محصـورة في تـصـريـف شـؤون النـاس الضـرورية، ولا يحق لها عقد أي معاهدات أو اتفاقات ذات طابع سياسي، وجـاء ذلك في برنـامجـنـا السياسي؛ إذ قلـنا فـيـه بوضوح: (لا مانع من تشكيل حكـومة مؤقتة مهنية لا تتعارض مع أهداف الجهـاد ولا تصطدم بالمجاهدين لتسيير الأعمال لمصلحة العراق وليس لمصلحة المحتلين ولا غيرهم، وليس من حق هذه الحكومة أن تُبرم أي عقد يتعلق بمصير العراق وسيادته). أما مسألة التنوع الطائفي والعرقي في العراق فنحن لا نؤمن بالطائفية السياسية، ونؤمن بأن العدل ينبغي أن يكون مكفولاً للجميع، ومن يراجع البرنامج السياسي للجماعة المنشور منذ 11/8/2005م يجد هذه المبادئ واضحة فيه.
ما موقفكم من معطيات أفرزتها مرحلة الاحتلال، مثل: شكل الحكم والفدرالية وتقاسم السلطة وتقاسم الثروة النفطية وقضية كركوك؟
بالنسبة لشكل الحكم نحن لا يهمنا أي نمط من أنماط الحكـم؛ فالمهم لديـنا أن يكون وَفْق شريعة الله، عز وجل. أما بالنسبة للفدرالية فالمطروح في العراق ليس الفدرالية بوصفها نظاماً إدارياً، وإنما هي مرحلة لتقسيم العراق؛ ومن ثم فإن رفضنا لها يأتي من هذا المبدأ. وبالنسبة لتقاسم السلطة والثروة فنؤمن بأن كل ذي حق يجب أن يأخذ حقه، ويجب تطبيق مبادئ الحق والعدل والإنصاف. وبالنسبة لمدينة كركوك فهي مـدينة عـراقيـة لكل العـراقيـين عـرباً وأكراداً وتركماناً ولا يجوز لمكوِّن عرقي معين أن يستأثر بها دون بقية المكونات.
ما هو ردُّكم على من يرى أن المقاومة مشروع فئوي يعطي المحتل الذرائع في تقسيم العراق؟ وكيف تقوِّمون حديث بعضهم عن سياسات أمريكية تسعى لتحويل الأنبار إلى مركز لإطلاق ما يسمى فيدرالية السنة؟
نحن نحمد الله - تعالى - أنه اختص أهل السنة بمقاومة الاحتلال وجعلهم منارة لأمتهم. أما بالنسبة للشيعة العرب فقد وقعوا بين نارين: نار المرجعيات: التي بشرت بالاحتلال وأفتت بوجوب التعاون معه وحرمت قتاله وهي تعطي صكوك الحرمان لكل من لا يستجيب لها، والأخرى: نار المليشيات الطائفية التي تدربت في إيران أو ذات الولاء الإيراني، ومن ثم لم تكن هناك مقاومة في تلك المناطق بالرغم من المناوشات التي تحدث هنا وهناك بين الفينة والأخرى ولأسباب أخرى غير موضوع الاحتلال.
أما بالنسبة للأكراد فإنهم يرون في الاحتلال نعمة ويسمونه تحريراً، ومن ثَم فقد وقع عبء مقاومة الاحتلال ومن يسوِّقون له على أهل السنة فقط. والأنكى من ذلك أن هذا الاحتلال قام بتسليط أعوانه من المليشيات الشيعية والأحزاب الشيعية ذات الولاء الإيراني على العراق مما أنتج احتلالاً آخر هو الاحتلال الإيراني، وكان علينا أن نقاتل الاحتلالين معاً.
وبالرغم من ذلك وجهنا رسائل كثيرة عبر الإعلام وغيره ندعو العشائر الشيعية العربية الأصيلة في جنوب العراق إلى أن يكون لها موقفها الواضح من الاحتلالين، والحمد لله أنه في الفترة الاخيرة بدأت تظهر بوادر حركة عشائرية عربية للتعاطي الإيجابي مع هذه الدعوة وأمثالها. أما الأكراد وبالرغم من سياساتهم الانتهازية الكثيرة وسياسة الابتزاز التي يمارسونها ضد أهل السنة، وبالرغم من انسياقهم مع المشروعين الأمريكي والإيراني وممارسة البشمركة الكردية أعمالاً كثيرة يندى لها الجبين ضد غيرهم من أهل السنة وخصوصاً في منطقة الموصل وكركوك وديالى إلا أننا لم ننجرَّ إلى حرب عرقية مع الأكراد أو طائفية مع الشيعة، وذلك حرصاً منا ألا يستغل العدو ذلك؛ فكيف يقال: إن مشروع المقاومة مشروع فئوي؟ ثم من حيث الأصل فإن أهل السنة ليسوا طائفة مقابل طائفة أخرى، أهل السنة وعلى مدار التاريخ كانوا يمثلون منهج الأمة الوسط الذي يستوعب الأقليات والعرقيات الأخرى. ومرة أخرى نؤكد أن مشروعنا مشروع أمة وليس مشروع أقليات.
أما بالنسبة للسياسة الأمريكية في محافظة الأنبار فنظراً إلى أهميتها الاستراتيجية عند العدو لكونها أكبر محافظة عراقية حيث تشكل 32% من مساحة العراق كله، ولكونها أهم حاضنة للمجاهدين وترتبط جغرافيتها السياسية بثلاث دول، ويراد أن يمرَّ عبرها شريان الحياة لإسرائيل، كما أن بعض القواعد العسكرية التي اتخذت هناك مثل قاعدة عين الأسد تصب في اتجاه تهديد الأردن وسورية من الخلف في مواجهة إسرائيل، لذا أولتها قوات الاحتلال أهمية خاصة، وكانت هذه المحافظة الباسلة مسرحاً لممارسة كل أنواع الهمجية والوحشية الأمريكية التي لم يشهد لها العالم مثيلاً، والخيال الأمريكي المريض يمكن له أن يفكر بكل شيء من أجل تحقيق أهدافه. هذه هي قراءتنا لبعض ما يفكر به العدو حول الأنبار وهناك خطط معدة لإجهاض مخططاته.
يرى بعضهم أن الاحتلال ضمَّن لعبته في العملية السياسية قدَّم أنموذجاً للإسلاميين لكي يجعل الرأي العام يميل إلى العلمانية، وخاصة أنهم يرون (نجاحها) في إدارة كردستان العراق، فامتدت لعبته إلى أن العلمانيين سيقطفون ثمرة المقاومة التي يقوم بها الإسلاميون، كما حصل في حركات التحرر السابقة؛ فما مدى قرب هذه النظرة من الواقع؟ وهل لدى المقاومة خطوات تجاه تجاوز ذلك إن كانت لها علاقة بالواقع؟
العلمانيون اليوم يغردون خارج السرب، والوضع اليوم يختلف عن الوضع قبل قرن من الزمان، فلم تعُدِ الشعوب مغفلةً إلى الدرجة التي يُلِهبُ عواطفها أفَّاك باع دينه وعرضه لأعداء الأمة مقابل أن يحكم البلد باسمهم ووفق قوانينهم وأهوائهم؟ والإسلاميون اليوم كذلك ليسوا هم الإسلاميين قبل قرن من الزمان، الإسلاميون اليوم واعون أكثر من ذي قبل لمتطلبات المرحلة، ونحن في حرب ذات أوجه كثيرة سياسية وعسكرية واقتصادية وثقافية، وخيارات الحرب مفتوحة على كل الاتجاهات؛ فلا داعي للتعجل. أما التجربة العََلْمانية في كردستان فهي تجربة سيئة وفاشلة بكل المقاييس، واذهب إلى هناك وانظر إلى واقع المواطن الكردي البسيط: ماذا تحقق له؟ بل إنه خرج بمظاهرات ضد الحكومة هناك؛ فكيف تغري هذه التجربة المناطق الأخرى؟!
ما تقيمكم لموقف حكومات الدول العربية؟ وهل للمقاومة اتصالات مع قيادات سياسية عربية يمكن الحديث عنها في الوقت الراهن؟
مع الأسف أنك تجد موقف أغلب الدول العربية هو موقف المتفرج الذي يتصرف وكأن الأمر لا يعنيه، وتركوا أمريكا وإيران تلعبان في الساحة العراقية، وهو موقف غير موفق حتى في حسابات المصالح السياسية المجردة لدولهم، وفي الفترة الأخيرة بعد تشكيل المجلس السياسي للمقاومة العراقية بدأت بعض الدول تتصل بالمقاومة ومن بينها مصر التي استقبلت وفداً من المجلس السياسي، ونحن بهذه المناسبة ندعو الدول العربية إلى تحمل مسؤولياتها والتدخل الحقيقي والمباشر لنصرة المقاومة والشعب العراقي، وعدم ترك الساحة يعبث فيها المحتلون وأذنابهم، وندعوهم إلى عدم تقديم الغطاء السياسي لشذَّاذ الآفاق ممن يسمون أنفسهم الحكومة العراقية.
للقضية الكردية عمق تاريخي فرض بعض المنجزات التي حققتها؛ فما موقفكم من هذه القضية؟ وهل هناك مخاوف من انفصال الأكراد بعدما أصبح لهم إقليم مستقل عن العراق؟
نحن قلناها وسنقولها هنا بوضوح: نحن مع وحدة الأمة وليس مع تفتيتها، وإذا كان الإخوة الأكراد راغبين بالحكم فليقدموا لنا قيادة صالحة تحكمنا بشرع ربنا وليحكموا العراق كله وليس مناطق كردستان فقط. أما مسألة انفصال إقليم كردستان فإن الجغرافية السياسية لا تساعدهم والظروف الدولية التي تحيط بحلفائهم الأمريكان لا تمكنهم من تحقيق ذلك، ونحن ننصح الإخوة الأكراد بضرورة قراءة التاريخ جيداً وخصوصاً التاريخ الكردي، والمقارنة بين تجربتي صلاح الدين الأيوبي - رحمه الله تعالى - وبين جمهورية مهاباد ستبدي لكل ذي إدراك صحيح أن الفرق واضح وضوح الشمس.
قد كان ما كان لحزب البعث في العراق من دَوْر؛ فما دورهم السياسي والعسكري على الساحه العراقية بعد الاحتلال؟ وهل موقفكم منهم فكري فقط؟ وهل هناك نقاط التقاء معهم، وخاصة أننا نشهد تقارباً بين الإسلاميين والقوميين؟
لا حقـيـقة لأي دور عسكري للبعـثيين في العراق. أما دورهم السياسي فهو ضمن الكتل السياسية مثل علاوي وغيره، وموقفنا منهم ينطلق من ثوابتنا الشرعية وليس موقفاً ثأرياً أو انتقامياً؛ فنحن أبعد الناس عن هذه العقلية. وبالنسبة للتقارب الحاصل بين الإسلاميين والقوميين فنحن نرحب به إذا كان سيؤدي إلى أن يعود القوميون إلى مصالحة أنفسهم ودينهم الإسلام الذي بنى للأمة عزها، وقد وجهت رسالة باسم الجماعة إلى المؤتمر الإسلامي القومي السابق الذي عقد في الدوحة تضمنت هذه المعاني.
كيف تقوِّمون أثر هذه العوامل على المقاومة: التمويل - الدعم الشعبي - المليشيات - الصحوات؟
المال عصب الجهاد، ونحن نعتمد فيه على الله - عز وجل - الذي يقول: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: ٢٢]. ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وجُعل رزقي تحت ظل رمحي».
ولا يمكن أن تنجح المقاومة بلا دعم شعبي؛ فهو لها كالماء بالنسبة للسمك، ولذلك يحرص الأعداء على توتير العلاقة بين المقاومة ومحيطها؛ مرة عن طريق استهداف المحيط قتلاً وتشريداً وإيذاء وقطعاً للأرزاق، وحرماناً من الاحتياجات الضرورية كالماء والكهرباء وغيرها من الخدمات الأساسية، ومرة بإغلاق المناطق السكنية لفترات طويلة، وأخرى بتشويه سمعة المقاومة، وغيرها من الحيل. ونحن في جماعة الجيش الإسلامي - بحمد الله تعالى - قد حافظنا باستمرار على علاقة متميزة بمحيطنا وابتعدنا عن العلاقة الفوقية بالمحيط، واعتمدنا أسلوب العلاقة التبادلية.
أما المليشيات فهي بدعة من بدع الاتفاق الأمريكي - الإيراني في العراق انتهزت انشغال المجاهدين بمقاومة الاحتلال واتخذت من الأجهزة الحكومية والرضا والدعم الأمريكي غطاءً لها، فتسلطت على الحاضنة السنية، وارتكبت أفظع الجرائم مما أدى إلى أن تفرز كثيرٌ من الجماعات قواتٍ خاصةً لمقاومة هذه المليشيات والدفاع عن المناطق السنية. والجماعة كان لها الدور الرائد في ذلك حيث وقفت برجالها وسلاحها بين أهل السنة لصدِّ العدوان، وقامت بتوزيع السلاح والعتاد على عموم أهل السنة في المناطق التي اكتوت بنار المليشيات على حساب تخصيصات التسليح المقررة لقواطع الجماعة، وتحملت ذلك بصبر وأناة، وساعدها في ذلك تفهم الإخوة في المناطق البعيدة عن استهداف المليشيات، كما وزعت بعض مواد الإغاثة العاجلة للمناطق المعزولة.
أما الصحوات فليسوا نَسَقاً واحداً لكي يجاب عنهم بجواب واحد إجمالاً، ولكنهم أصناف متعددة يجاب عن كل نوع بما يناسبه؛ فصنف له اتفاقات قديمة مع قوات الاحتلال فكان يتحين الفرص لإظهار أمره، وصنف لاهث وراء لُعاعة الدنيا حتى لو كان ذلك على حساب دينه، وصنف خرج دفاعاً عن نفسه ومنطقته بعد الاستهداف وعمليات القتل والتدمير البشع التي شُنَّت ضدهم وضد مناطقهم، وصنف آخر رأى أن تلك وظيفة يتكسب منها بعد الكساد الاقتصادي الذي تعرضت له مناطق أهل السنة، وهكذا فالحكم يختلف باختلاف الصنف.
كيف تقوِّمون الدعم الإعلامي العربي والإسلامي للمقاومة العراقية؟
أمريكا استخدمت الإرهاب في كل الاتجاهات والزوايا لتحقيق مشروعها الإمبراطوري، ومنها دعمه بالآلة الإعلامية الرهيبة التي تمتلكها، وإرهاب كل من يناصر المقاومة وإن كان بالكلمة أو الصوت والصورة، فانعكس ذلك على كل أنواع الدعم ومنها الدعم الإعلامي؛ لذا ترى أن أغلب القنوات لا تبث إلا الشيء اليسير من أعمال المجاهدين وبطولاتهم، والنافذة الإعلامية المتاحة للمقاومة هي في أضيق الحدود، ودعم الاحتلال لزبانيته بلا حدود، وحاولت الإدارة الأمريكية وأذنابها خلط أوراق المقاومة المشروعة بالعنف الطائفي وبالإرهاب، وبالرغم من ذلك استطاعت المقاومة اختراق تلك الحجب - بفضل الله تعالى - وأوصلت صوتها إلى مدى واسع لم يكن أحد يتصوره، ويكفي أن ننوِّه بما أحدثته الأشرطة المدمجة لقنَّاص بغداد من انتشار ثقافة الجهاد حتى أجبر ذلك الكونغرس الأمريكي أن يصدر قراراً بإغلاق مكتب قناة (cnn) الأمريكية في بغداد.
ونحن في هذا المقام نأمل من الإعلام العربي والإسلامي التفاعل بإيجابية مع المقاومة العراقية؛ لأنها مشروع الأمة كلها وهي التي نفضت عنها غبار الذل الذي غطى الهامات عندما احتل الأمريكان عاصمة الرشيد وكان الكل ينتظر ويقول: مَنِ التالي؟ ولكن الله سلَّم بأولئك الأسود الأشاوس الذين خرجوا من محاريب الصلاة إلى ساحات الجهاد.
يرى المتابعون انخفاضاً ملحوظاً في العمليات ضد قوات الاحتلال وعمليات العنف الطائفي منذ منتصف 2007م؛ فبِمَ تعلِّلون ذلك؟
تشخيصنا أن المعركة طويلة أكثر مما يتصور الكثيرون، وللمقاومة خططها بعيدة المدى التي تتجاوب مع الأحداث الجارية؛ فالتغيير بالخطط التكتيكية لا يعني انحساراً في خط المقاومة وترى كثيراً من العمليات لا يعلن عنها الآن ولكنها مستمرة، وكل يوم هناك جنود أمريكان يسقطون قتلى وجرحى والأيام حبلى - بإذن الله - بما يثلج الصدور.
وما إنجازاتكم خلال السنوات الخمس الماضية؟
هناك الكثير من الإنجازات السياسية والعسكرية؛ من أهمها:
- إيقاف عجلة المشروع الإمبراطوري الأمريكي في لحظة انطلاقه، ومن ثَمَّ حماية بقية دول المنطقة من هذا الغول.
- إثبات كذب وزيف الشعارات الأمريكية التي خدع بها العالم مثل الحرية والديمقراطية والقانون الدولي وحقوق الإنسان.
- بان للعالم كله أن أمريكا نمر من ورق، وأنه يمكن هزيمتها على عكس ما توهم الكثيرون المخدوعون بالآلة الإعلامية الأمريكية؛ وبذلك عاد شيء من التوازن إلى الساحة السياسية الدولية.
- فضحُ المخطط الإيراني الذي يستهدف المنطقة كلها.
- بث الروح والأمل في شباب الأمة وإمكانية تحقيق الانتصارات وأن هذه الأمة لن تموت بإذن الله.
- وأما عن الإنجازات العسكرية فهي كثيرة - بحمد الله - ويمكن أن نذكر شطراً منها هنا للفائدة، حيث بلغ حصاد العمليات للجماعة للعامين 2006 و 2007م فقط حسب إحصائية هيئة الركن في المكتب العسكري:
- المجموع الكلي للعمليات أكثر من (14500) عملية.
- إحراق وتدمير وإعطاب وإلحاق أضرار بأكثر من (3400) آلية مختلفة.
- إصابة وإسقاط 3 طائرات شحن، و17 طائرة سمتية، وواحدة F16، وعشرات الطائرات المسيَّرة.
- تدمير قاعدة الصقر (فالكون) المشهورة عند المدخل الجنوبي لمدينة بغداد في يوم 10/10/2006م.
- إطلاق أكثر من (3500) صاروخ متنوع على مقرات العدو الأميركي (من بينها بالطبع صاروخ عبير الذي صنع بالكامل بجهود الجماعة).
- رمي أكثر من (10.000) قنبلة هاون ورمانة.
- بلغت خسائر العدو الأمريكي بالأفراد أكثر من (10.000) قتيل بينهم عشرات الضباط ومنهم قادة مثل: فيتسي وقائد كبير من قوة سترايكر التابعة لقوات ألاسكا، يضاف إلى ذلك آلاف الجرحى.
- استهداف الشركات الأمنية مثل: (بلاك ووتر) وغيرها.
وما تضحياتكم أيضاًً: عدد الشهداء - عدد الجرحى - عدد المعتقلين - التضحيات المادية؟
للجماعة - بفضل الله - الكثير من التضحيات في ميدان الجهاد حتى وصل عدد الشهداء والأسرى ما يقارب ثلاثة آلاف عدا ما أصاب ذويهم من استهداف.
أما عن التضحيات المادية فهي لا تساوي شيئاً أمام دمعة طفل لا يجد له أباً يقبِّله ليلة العيد، أو زوج فقدت أحلام شبابها بفقد زوجها مبكراً، أو أم أو أب فقدا فلذات كبديهما على أعتاب الهرم والشيخوخة، ولكننا نبقى على العهد - بإذن الله - فوالله لا نقيل ولا نستقيل عهد الله حيث يقول: {إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْـجَنَّةَ} [التوبة: ١١١]. وعذرنا إن متنا ولم تكتحل أعيننا برؤية النصر أننا سرنا على الدرب وخلَّفنا من بعدنا أجيالاً تحمل الهم وتسقي الزرع بالمنهل الصافي حتى تفتح رياحين تسبِّح الله.
كيف تنظرون إلى مستقبل المقاومة العراقية في عامها السادس؟
المقاومة في عامها السادس أنضج، وخطها العام أوضح من أي وقت مضى، كما أنها أصبحت تمتلك رصيداً هائلاً من التجارب العسكرية والتنظيمية والسياسية، وأفشلت كل خطط العدو إلى الآن. وأنت تتحدث عن العام السادس من استمرارها وهذا بحد ذاته إنجاز هائل؛ خصوصاً أن خصمها ليس عادياً؛ إنه الإمبراطورية الأضخم عسكرياً ومادياً في التاريخ.
ولا بد من بشارة للأمة؛ فمن المعلوم في منهج أهل السنة والجـماعة الاستدلال بمقتضى مَا عَرَفوهُ من حِكْمَةِ الرَّبِّ - تَعَالَى - وَكَمَالِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ وَمُجَازَاتِهِ الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ؛ وَأَنَّهُ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، كما فعلت خديجة في قولها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «واللهِ لا يخزيك الله أبداً؛ فإنك تصِلُ الرَّحِمَ، وتحْمِلُ الْكَلَّ، وتُكْسِبُ المعدوم، وَتقْرِي الضَّــيْفَ، وَتُعِيــنُ على نَوَائِـبِ الْحَــقِّ». وقـد جـاء عن عائشة - رضي الله عنها - قولها: «واللهِ لا يكمل إيمان العبد حتى يكون يقينه بما عند الله أعظم مما بيده». وإن الله - تعالى - الذي كلفـنا بالجـهاد لنصرة دينه لن يتـخلى عنا مـا دمـنا متمسـكين بحـبله المتين، وإن الله - تعالى - بكرمه ومنّه وفضله لن يخزي هذه الجباه الذليلة لعظمته والخاضعة لأمـره ونهيـه والمستبشرة بوعـده ونصـره؛ وهـو الذي يقول فـي الحـديث القدسي: «أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي؛ فَلْيَظُنَّ بِي ما شَاءَ». وقـال بعـض بني مروان لأبي حازم: ما مالُكَ؟ قال: مالان، قال: ما هما؟ قال: الثقة بما عند الله، والإياس مما في أيدي الناس. فو الله لا نظن بربنا إلا أنه ناصرٌ دينه وعباده المؤمـنـين ومذلٌّ أعداءه: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف: ١٢].