بقلم اللواء: سامح سيف اليزل ... الخبير الأمني
لقلق الذي ينتاب الكثير من السياسيين, خاصة الغربيين, قلق ليس في محله ـ حيث يعتقد هؤلاء السياسيون أن العلاقات الودية الأمريكية الروسية سوف تتأثر نتيجة الاكتشاف الأمريكي لشبكة التجسس الروسية داخل عدة ولايات أمريكية في السابع والعشرين من شهر يونيو الماضي.
الحقيقة أن الإدارة الأمريكية تعتقد أن الرئيس ميدفيديف هو القيادة الروسية التي تستطيع أمريكا التعامل معها ويجب العمل علي استقوائه وليس اضعافه أو إحراجه وأنه الشخصية الواجب التعامل معها بصدق وحرص وود من نوع خاص ـ والعكس هو الصحيح مع بوتين رئيس الوزراء الروسي الذي تراه الإدارة الأمريكية شخصية يصعب التعامل معها وتعمل علي إضعافه والعمل علي محاولة التقليل من شعبيته داخل الشارع الروسي والذي يتمتع فيه بشعبية جارفة خاصة مع قرب الانتخابات الروسية القادمة في عام2012 والمطلوب فيه ترجيح كفة ميدفيديف من وجهة النظر الأمريكية علي كفة بوتين.
وقد يري البعض أن ما حدث هو عكس النظرية السابقة من حيث الاعلان عن القبض علي عناصر شبكة التجسس الروسية عقب مغادرة الرئيس الروسي ميدفيديف واشنطن بثلاثة أيام فقط. وهي الزيارة الرسمية المهمة التي سبق وخطط لها بشكل جيد منذ فترة طويلة سابقة ـ إلا أنه في تقديرنا أن ما حدث يتماشي مع السياسة الأمريكية لاستقواء ميدفيديف وإضعاف بوتين ـ حيث أن أمريكا اختارت هذا التوقيت للاعلان عن شبكة التجسس لتوجيه صفعة قوية لجهاز المخابرات الروسي التابع لبوتين شخصيا والذي كان أحد قياداته المهمة ثم إتمام عملية التبادل بعد12 يوما فقط من القبض عليهم حتي تعطي الانطباع لدي الرأي العام الروسي بأن الرئيس ميدفيديف هو الذي عالج خطأ المخابرات الروسية وأن تدخله مع الإدارة الأمريكية هو السبب الرئيسي والوحيد لتسليم العملاء الروس في زمن قياسي لم يحدث في تاريخ العلاقات بين البلدين دون إتمام محاكمتهم في الوقت الذي يحمل المخابرات الروسية وبوتين تبعات سقوط هذه الشبكة.
وتكشفت خلال الأيام القليلة الماضية حلقة جديدة من حلقات التخابر بين الدول وكانت هذه المرة بين أكبر دولتين في العالم أصدقاء اليوم أعداء الأمس ـ وهي حلقة امتداد لتاريخ طويل من حلقات التجسس بين أمريكا وروسيا ـ شهد التاريخ قصصا شهيرة منها كتمثال الحصان الذي قدمته الخارجية السوفيتية في الستينيات إلي السفير الأمريكي في موسكو وكان تمثالا رائعا وقطعة فنية نادرة ـ قام السفير بوضعها علي مكتبه وكانت عينا الحصان كاميرات دقيقة للغاية تصور كل ورقة موضوعة علي مكتب السفير وترسلها في الحال إلي قيادة[ كي جي بي] التي كانت تقرأ تقارير السفير في نفس اللحظة التي كان يقرأها هو.
يضاف إلي ذلك عشرات الجواسيس من الجانبين وشبكات تخابرية كاملة عملت داخل الدولتين وحصلت علي معلومات في كافة النواحي السياسية والعسكرية والنووية والاقتصادية, حتي جاءت الشبكة الاخيرة التي كلفتها المخابرات الروسية بمهام غاية في الأهمية هي شبكة مكونة من احد عشر فردا من جنسيات روسية ومن قبرص وكندا اضافة إلي صحفية من بيرو, جمعت بين مجموعة من النساء فائقات الجمال ورجال متخصصين في تخصصات علمية مختلفة حتي يمكنهم إتمام مهامهم المكلفين بها بشكل جيد وهو الأمر الذي قامت به الشبكة بكفاءة تامة ولمدة أكثر من عشر سنوات حيث بدأت الشبكة أعمالها في منتصف عام1999 في عدة ولايات أمريكية تركزت بشكل أساسي في كل من نيوجرسي وسياتل ونيويورك وكامبريدج بولاية ماساتشوستس وبوسطن وكلفت بالمهام الرئيسية التالية:ـ
1ـ التطور في الأسلحة النووية الأمريكية.
2 ـ تجنيد عناصر سياسية في الخارجية الأمريكية من صغار الدبلوماسيين العاملين في مجال العلاقات السياسية الأمريكية مع إيران.
3ـ تجنيد عناصر من السكرتيرات العاملات في الكونجرس الأمريكي.
4ـ الحصول علي معلومات عن بعض مصانع الأسلحة الأمريكية خاصة العاملة في إنتاج الصواريخ المضادة للصواريخ.
5ـ محاولة اختراق مجال البحث العلمي في شبكات الأقمار الصناعية العسكرية الأمريكية
ويقال ان الصدفة وحدها هي التي قادت الي إف بي آي وعناصر أجهزة الأمن الأخري في أمريكا إلي الوصول لطرف أول خيط في هذه القضية والذي أدي بعد ذلك إلي إمساكهم بكل الأطراف والقيام بمراقبتهم ومتابعتهم بل واقتحام منازلهم بصورة سرية لزرع الميكروفونات والكاميرات والتي أدت إلي التوصل لتفاصيل مثيرة في القضية قبل إتخاذ القرار الخاص بالقبض عليهم وهذا ما ذكره تحديدا مساعد المحامي العام لشئون الأمن القومي الأمريكي ديفيد كريس الذي قال لقد دخلنا منازلهم وكنا نراقبهم داخل بيوتهم قبل أن نراقبهم خارجها.
وبدأ مكتب التحقيق الفيدرالي الأمريكي في أعمال متابعة الشبكة منذ أكثر من خمس سنوات وتعاون بشكل مكثف مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الـ سي آي ثم مع وزارة العدل لسنوات وأخطر البيت الأبيض لأول مرة في منتصف شهر فبراير الماضي بتقرير مفصل عن أعمال هذه الشبكة ـ وفي نهاية شهر مايو وبداية شهر يونيو عقدت رئاسة المجموعة المكلفة بمتابعة الشبكة الروسية اجتماعا عاملا أبدوا فيه عدم ارتياحهم لاستمرار الشبكة في أعمالها بالرغم من سيطرتهم المحكمة علي متابعتهم لها خاصة كما يبدو أن بعض أعضاء الشبكة ينوون السفر إلي الخارج.
وبعرض الموضوع علي ليون بانيتا رئيس وكالة المخابرات الأمريكية طلب عمل مذكرة تفصلية للعرض علي الرئيس أوباما وبالفعل تم إعداد ملف من37 صفحة أشتملت علي أسماء أعضاء الشبكة ووصف كامل لأنشطتهم والاساليب الأستخبارية المستخدمة والوسائل التكنولوجية التي تقوم بأعمال تشفير ونقل المعلومات إلي رئاسة المخابرات الدولية ونتائج أعمال المراقبة التي قامت بها عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي أل أف بي أي علي مر السنوات السابقة وهي نفس المعلومات التي قدمت بعد ذلك لرئيس مكتب الادعاء الأمريكي مايكل فاربيرز الذي أعطي التصريح بإلغاء القبض عليهم بعد ذلك.
بعد الانتهاء من إعداد الملف تم تحديد موعد مع الرئيس أوباما لإخطاره بالعملية قبل وصول الرئيس الروسي دميتري ميد فيديف إلي واشطن في زيارته التي تقررت في اليوم الرابع والعشرين من شهر يونيو الماضي وبالفعل قدم الملف إلي جون برنان مستشار الرئيس الأمريكي لشئون مكافحة الأرهاب والأمن الداخلي الذي قابل الرئيس أوباما صباح يوم الجمعة11 يونيو الماضي في حضور عناصر من أل أف بي أي والـ سي أي أيه وقاموا بشرح كامل للقضية وإخطار أوباما بكافة تفاصيلها ـ وقرر أوباما في نهاية هذا الاجتماع دعوة مجلس الأمن القومي التابع له إلي الأنعقاد برئاسته يوم الجمعة التالية بتاريخ18 من يونيو أي قبل ستة أيام من وصول ميدفيديف إلي واشطن ـ وقرر مجلس الأمن القومي الانتظار إلي ما بعد الانتهاء من زيارة الرئيس الروسي ومغادرته الولايات المتحدة الأمريكية ثم البدء في إتخاذ الاجراءات الخاصة بالقبض والتحقيق مع عناصر الشبكة ـ وبالفعل تحدد يوم السابع والعشرين من يونيو لتنفيذ الخطة والقبض علي الشبكة أي بعد مغادرة ميدفيديف لأمريكا بثلاثة أيام.
وفور إلقاء القبض علي المتهمين العشرة في وقت واحد في جميع الولايات بدأت التحقيقات السريعة ومواجهة المتهمين بالمعلومات المتوافرة لدي المحققين وإخطار الشرطة القومية للقبض علي العنصر الحادي عشر كريستفور ميتوس. في نفس الوقت قام ليون بانتا مديرالـ سي آي أيه بالاتصال برئيس المخابرات الروسية ـ مايكل فراداكوف وأخطره بالقبض علي الشبكة وطلب منه عدم الرد بعملية مماثلة وأنه من المطلوب عدم البدء في عملية حرب باردة جديدة.
طلب فيه بانيتا بشكل واضح مبادلة الجواسيس العشرة بأربعة جواسيس من أصول روسية كانوا يعملون لمصلحة المخابرات الأمريكية والغربية وموجودين بالسجون الروسية وتم تحرير أسماء الأربعة المطلوبين وهم إيجور سوتياجين البروفيسور والعالم في مجال التسليح النووي ـ والفقيد سيرجي سكريبال الضابط بالمخابرات العسكرية الروسية الذي اتهم بالتخابر لمصلحة بريطانيا وضابط المخابرات الروسي السابق الكسندر زابوروجسكي الذي حكم عليه بالسجن لمده18 عاما في عام2003 للتخابر لمصلحة أمريكا وعميل المخابرات الأمريكية الكسندر سيباتشوف الذي قبض عليه عام2002 وحكم عليه بالسجن لمدة ثمانية أعوام للتخابر لمصلحة أمريكا وكان يعمل بالبعثة الروسية لدي الأمم المتحدة بنيويورك.
ولعل أهم عميل من الأربعة هو البروفيسور إيجور سوتياجين البالغ من العمر45 عاما وهو عالم وخبير روسي متخصص في الأسلحة النووية والأسترايتيجية وقبض عليه عام2004 وتمت إدانته بتهمة نقل معلومات غاية في السرية إلي شركة بريطانية تدعي شركة ألترناتيف تعمل كواجهة لوكالة المخابرات الأمريكية آل سي أي أيه ـ وحكم عليه بالسجن لمدة15 عاما بتهمة نقل معلومات سرية عن الغواصات النووية الروسية وتكنولوجيا أجهزة الانذار من الهجوم بالصواريخ.
وفور الانتهاء من المحاكمة نقل سوتياجين إلي سجن شديد الصرامة ويعد من أسوأ السجون في روسيا يدعي سجن أرخانجلسك في شمال روسيا وهي منطقة قاسية مناخيا شديدة البرودة والرطوبة فضلا عن الاجراءات الصارمة داخل السجن وبالفعل تم الاتفاق بين الجانبين علي تبادل العشرة جواسيس الموجودين لدي أمريكا بالأربعة الروس لدي روسيا وذلك في مطار فيينا وتحدد صباح يوم الجمعة العاشر من شهر يوليو الحالي الساعة الثانية عشرة ظهرا موعدا لتبادل الجواسيس داخل موقف الطائرات دون الدخول الي مبني المطار وتحدد مكان في طرف المطار أمام أحد هناجر صيانة الطائرات لعملية المبادلة التي تمت بوصول طائرة روسية هبطت في مطار فيينا في الساعة11.15 صباحا وتحمل في داخلها الأربعة جواسيس المطلوبيين لأمريكا أعقبها وصول طائرة أمريكية مؤجرة من شركة فيجنين إيرلاينز التي هبطت في الساعة11.45 صباحا أي بعد نصف ساعة من هبوط الطائرة الروسية وعليها العشره جواسيس الروسي وتم علي الفور مبادلة الجواسيس في زمن قياسي استغرق عشرين دقيقه وبدأت إجراءات الاستعداد للاقلاع للطائرة الأمريكيه أولا التي أقلعت في تمام الساعة12.38 دقيقة أعقبتها الطائرة الروسية بزمن قدره عشرون دقيقة أي أن الطائرة الأمريكية ظلت في مطار فيينا من اللحظة التي هبطت فيها الي وقت إقلاعها لمدة لم تتجاوز الساعة الواحدة فقط ـ زيادة في دقة عامل الأمن وهو العامل الأول والمهم في مثل هذه العمليات.
وتعد عمليه تبادل الجواسيس هذه أول عملية تتم بين البلدين منذ اكثر من خمسة وعشرين عاما والتي تمت عام1986 علي جسر جلينيك في برلين للمنشق اليهودي الذي كان يعمل بالأسم الحركي ألان ناتان شارانسكي واسمه الحقيقي أنا تولي شارانسكي مقابل جواسيس شيوعيين سجنوا في المانيا الغربية.
وقد سبق هذه العملية عمليات تبادل جواسيس مع بعض الدول الأخري منها أمريكا وبريطانيا والمانيا وكانت أهم هذه العمليات عملية إطلاق سراح العقيد في المخابرات الروسية رودلت أبل الذي قبض عليه في أمريكا وتم تبادلة مع الطيار الأمريكي الشهير جاري باورز الذي أسقطت روسيا طائرته التي كانت تجسس علي روسيا بصاروخ سام2 وتمت عملية المبادلة عام1962 علي جسر جلينيك بين المانيا الشرقية والغربية أيضا.
كما عقدت بريطانيا اتفاقا لتبادل المسجونين مع روسيا عام1969 تم فيه تبادل بيتروهيلين كروجر مقابل جيرالد بروك الذي قبض عليه في الاتحاد السوفيتي بتهمة التجسس لمصلحة بريطانيا أما بيتر وهيلين كروجر الزوجان البريطانيان اللذان إتهما مع ثلاثه آخرين بتهمة التجسس لمصلحة السوفيت وتسليمهم أسرارا عسكرية سرية مهمة عن تكنولوجيا الحرب تحت الماء بالبحرية الملكية البريطانية في معسكر بورتلاند جنوب بريطانيا.
وبالرغم مما سبق هل يعني القبض علي هذه الشبكة توقف عمليات التجسس بين البلدين أو حتي التقليل منها ـ الاجابة وبشكل قاطع هي النفي الكامل لهذا الاحتمال ـ حيث لن يتوقف الجانبان علي محاولات الحصول علي المعلومات بكل أنواعها سواء من المصادر العلنية أو المصادر السرية بكل أشكالها وفي إطار العلاقات الودية أو الأطر الأخري ـ وفي وجود الادارات الحالية للبلدين أو إدارات أخري.
http://arabic-radio-tv.com/newspapers/egypt/ahram.htm
لقلق الذي ينتاب الكثير من السياسيين, خاصة الغربيين, قلق ليس في محله ـ حيث يعتقد هؤلاء السياسيون أن العلاقات الودية الأمريكية الروسية سوف تتأثر نتيجة الاكتشاف الأمريكي لشبكة التجسس الروسية داخل عدة ولايات أمريكية في السابع والعشرين من شهر يونيو الماضي.
الحقيقة أن الإدارة الأمريكية تعتقد أن الرئيس ميدفيديف هو القيادة الروسية التي تستطيع أمريكا التعامل معها ويجب العمل علي استقوائه وليس اضعافه أو إحراجه وأنه الشخصية الواجب التعامل معها بصدق وحرص وود من نوع خاص ـ والعكس هو الصحيح مع بوتين رئيس الوزراء الروسي الذي تراه الإدارة الأمريكية شخصية يصعب التعامل معها وتعمل علي إضعافه والعمل علي محاولة التقليل من شعبيته داخل الشارع الروسي والذي يتمتع فيه بشعبية جارفة خاصة مع قرب الانتخابات الروسية القادمة في عام2012 والمطلوب فيه ترجيح كفة ميدفيديف من وجهة النظر الأمريكية علي كفة بوتين.
وقد يري البعض أن ما حدث هو عكس النظرية السابقة من حيث الاعلان عن القبض علي عناصر شبكة التجسس الروسية عقب مغادرة الرئيس الروسي ميدفيديف واشنطن بثلاثة أيام فقط. وهي الزيارة الرسمية المهمة التي سبق وخطط لها بشكل جيد منذ فترة طويلة سابقة ـ إلا أنه في تقديرنا أن ما حدث يتماشي مع السياسة الأمريكية لاستقواء ميدفيديف وإضعاف بوتين ـ حيث أن أمريكا اختارت هذا التوقيت للاعلان عن شبكة التجسس لتوجيه صفعة قوية لجهاز المخابرات الروسي التابع لبوتين شخصيا والذي كان أحد قياداته المهمة ثم إتمام عملية التبادل بعد12 يوما فقط من القبض عليهم حتي تعطي الانطباع لدي الرأي العام الروسي بأن الرئيس ميدفيديف هو الذي عالج خطأ المخابرات الروسية وأن تدخله مع الإدارة الأمريكية هو السبب الرئيسي والوحيد لتسليم العملاء الروس في زمن قياسي لم يحدث في تاريخ العلاقات بين البلدين دون إتمام محاكمتهم في الوقت الذي يحمل المخابرات الروسية وبوتين تبعات سقوط هذه الشبكة.
وتكشفت خلال الأيام القليلة الماضية حلقة جديدة من حلقات التخابر بين الدول وكانت هذه المرة بين أكبر دولتين في العالم أصدقاء اليوم أعداء الأمس ـ وهي حلقة امتداد لتاريخ طويل من حلقات التجسس بين أمريكا وروسيا ـ شهد التاريخ قصصا شهيرة منها كتمثال الحصان الذي قدمته الخارجية السوفيتية في الستينيات إلي السفير الأمريكي في موسكو وكان تمثالا رائعا وقطعة فنية نادرة ـ قام السفير بوضعها علي مكتبه وكانت عينا الحصان كاميرات دقيقة للغاية تصور كل ورقة موضوعة علي مكتب السفير وترسلها في الحال إلي قيادة[ كي جي بي] التي كانت تقرأ تقارير السفير في نفس اللحظة التي كان يقرأها هو.
يضاف إلي ذلك عشرات الجواسيس من الجانبين وشبكات تخابرية كاملة عملت داخل الدولتين وحصلت علي معلومات في كافة النواحي السياسية والعسكرية والنووية والاقتصادية, حتي جاءت الشبكة الاخيرة التي كلفتها المخابرات الروسية بمهام غاية في الأهمية هي شبكة مكونة من احد عشر فردا من جنسيات روسية ومن قبرص وكندا اضافة إلي صحفية من بيرو, جمعت بين مجموعة من النساء فائقات الجمال ورجال متخصصين في تخصصات علمية مختلفة حتي يمكنهم إتمام مهامهم المكلفين بها بشكل جيد وهو الأمر الذي قامت به الشبكة بكفاءة تامة ولمدة أكثر من عشر سنوات حيث بدأت الشبكة أعمالها في منتصف عام1999 في عدة ولايات أمريكية تركزت بشكل أساسي في كل من نيوجرسي وسياتل ونيويورك وكامبريدج بولاية ماساتشوستس وبوسطن وكلفت بالمهام الرئيسية التالية:ـ
1ـ التطور في الأسلحة النووية الأمريكية.
2 ـ تجنيد عناصر سياسية في الخارجية الأمريكية من صغار الدبلوماسيين العاملين في مجال العلاقات السياسية الأمريكية مع إيران.
3ـ تجنيد عناصر من السكرتيرات العاملات في الكونجرس الأمريكي.
4ـ الحصول علي معلومات عن بعض مصانع الأسلحة الأمريكية خاصة العاملة في إنتاج الصواريخ المضادة للصواريخ.
5ـ محاولة اختراق مجال البحث العلمي في شبكات الأقمار الصناعية العسكرية الأمريكية
ويقال ان الصدفة وحدها هي التي قادت الي إف بي آي وعناصر أجهزة الأمن الأخري في أمريكا إلي الوصول لطرف أول خيط في هذه القضية والذي أدي بعد ذلك إلي إمساكهم بكل الأطراف والقيام بمراقبتهم ومتابعتهم بل واقتحام منازلهم بصورة سرية لزرع الميكروفونات والكاميرات والتي أدت إلي التوصل لتفاصيل مثيرة في القضية قبل إتخاذ القرار الخاص بالقبض عليهم وهذا ما ذكره تحديدا مساعد المحامي العام لشئون الأمن القومي الأمريكي ديفيد كريس الذي قال لقد دخلنا منازلهم وكنا نراقبهم داخل بيوتهم قبل أن نراقبهم خارجها.
وبدأ مكتب التحقيق الفيدرالي الأمريكي في أعمال متابعة الشبكة منذ أكثر من خمس سنوات وتعاون بشكل مكثف مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الـ سي آي ثم مع وزارة العدل لسنوات وأخطر البيت الأبيض لأول مرة في منتصف شهر فبراير الماضي بتقرير مفصل عن أعمال هذه الشبكة ـ وفي نهاية شهر مايو وبداية شهر يونيو عقدت رئاسة المجموعة المكلفة بمتابعة الشبكة الروسية اجتماعا عاملا أبدوا فيه عدم ارتياحهم لاستمرار الشبكة في أعمالها بالرغم من سيطرتهم المحكمة علي متابعتهم لها خاصة كما يبدو أن بعض أعضاء الشبكة ينوون السفر إلي الخارج.
وبعرض الموضوع علي ليون بانيتا رئيس وكالة المخابرات الأمريكية طلب عمل مذكرة تفصلية للعرض علي الرئيس أوباما وبالفعل تم إعداد ملف من37 صفحة أشتملت علي أسماء أعضاء الشبكة ووصف كامل لأنشطتهم والاساليب الأستخبارية المستخدمة والوسائل التكنولوجية التي تقوم بأعمال تشفير ونقل المعلومات إلي رئاسة المخابرات الدولية ونتائج أعمال المراقبة التي قامت بها عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي أل أف بي أي علي مر السنوات السابقة وهي نفس المعلومات التي قدمت بعد ذلك لرئيس مكتب الادعاء الأمريكي مايكل فاربيرز الذي أعطي التصريح بإلغاء القبض عليهم بعد ذلك.
بعد الانتهاء من إعداد الملف تم تحديد موعد مع الرئيس أوباما لإخطاره بالعملية قبل وصول الرئيس الروسي دميتري ميد فيديف إلي واشطن في زيارته التي تقررت في اليوم الرابع والعشرين من شهر يونيو الماضي وبالفعل قدم الملف إلي جون برنان مستشار الرئيس الأمريكي لشئون مكافحة الأرهاب والأمن الداخلي الذي قابل الرئيس أوباما صباح يوم الجمعة11 يونيو الماضي في حضور عناصر من أل أف بي أي والـ سي أي أيه وقاموا بشرح كامل للقضية وإخطار أوباما بكافة تفاصيلها ـ وقرر أوباما في نهاية هذا الاجتماع دعوة مجلس الأمن القومي التابع له إلي الأنعقاد برئاسته يوم الجمعة التالية بتاريخ18 من يونيو أي قبل ستة أيام من وصول ميدفيديف إلي واشطن ـ وقرر مجلس الأمن القومي الانتظار إلي ما بعد الانتهاء من زيارة الرئيس الروسي ومغادرته الولايات المتحدة الأمريكية ثم البدء في إتخاذ الاجراءات الخاصة بالقبض والتحقيق مع عناصر الشبكة ـ وبالفعل تحدد يوم السابع والعشرين من يونيو لتنفيذ الخطة والقبض علي الشبكة أي بعد مغادرة ميدفيديف لأمريكا بثلاثة أيام.
وفور إلقاء القبض علي المتهمين العشرة في وقت واحد في جميع الولايات بدأت التحقيقات السريعة ومواجهة المتهمين بالمعلومات المتوافرة لدي المحققين وإخطار الشرطة القومية للقبض علي العنصر الحادي عشر كريستفور ميتوس. في نفس الوقت قام ليون بانتا مديرالـ سي آي أيه بالاتصال برئيس المخابرات الروسية ـ مايكل فراداكوف وأخطره بالقبض علي الشبكة وطلب منه عدم الرد بعملية مماثلة وأنه من المطلوب عدم البدء في عملية حرب باردة جديدة.
طلب فيه بانيتا بشكل واضح مبادلة الجواسيس العشرة بأربعة جواسيس من أصول روسية كانوا يعملون لمصلحة المخابرات الأمريكية والغربية وموجودين بالسجون الروسية وتم تحرير أسماء الأربعة المطلوبين وهم إيجور سوتياجين البروفيسور والعالم في مجال التسليح النووي ـ والفقيد سيرجي سكريبال الضابط بالمخابرات العسكرية الروسية الذي اتهم بالتخابر لمصلحة بريطانيا وضابط المخابرات الروسي السابق الكسندر زابوروجسكي الذي حكم عليه بالسجن لمده18 عاما في عام2003 للتخابر لمصلحة أمريكا وعميل المخابرات الأمريكية الكسندر سيباتشوف الذي قبض عليه عام2002 وحكم عليه بالسجن لمدة ثمانية أعوام للتخابر لمصلحة أمريكا وكان يعمل بالبعثة الروسية لدي الأمم المتحدة بنيويورك.
ولعل أهم عميل من الأربعة هو البروفيسور إيجور سوتياجين البالغ من العمر45 عاما وهو عالم وخبير روسي متخصص في الأسلحة النووية والأسترايتيجية وقبض عليه عام2004 وتمت إدانته بتهمة نقل معلومات غاية في السرية إلي شركة بريطانية تدعي شركة ألترناتيف تعمل كواجهة لوكالة المخابرات الأمريكية آل سي أي أيه ـ وحكم عليه بالسجن لمدة15 عاما بتهمة نقل معلومات سرية عن الغواصات النووية الروسية وتكنولوجيا أجهزة الانذار من الهجوم بالصواريخ.
وفور الانتهاء من المحاكمة نقل سوتياجين إلي سجن شديد الصرامة ويعد من أسوأ السجون في روسيا يدعي سجن أرخانجلسك في شمال روسيا وهي منطقة قاسية مناخيا شديدة البرودة والرطوبة فضلا عن الاجراءات الصارمة داخل السجن وبالفعل تم الاتفاق بين الجانبين علي تبادل العشرة جواسيس الموجودين لدي أمريكا بالأربعة الروس لدي روسيا وذلك في مطار فيينا وتحدد صباح يوم الجمعة العاشر من شهر يوليو الحالي الساعة الثانية عشرة ظهرا موعدا لتبادل الجواسيس داخل موقف الطائرات دون الدخول الي مبني المطار وتحدد مكان في طرف المطار أمام أحد هناجر صيانة الطائرات لعملية المبادلة التي تمت بوصول طائرة روسية هبطت في مطار فيينا في الساعة11.15 صباحا وتحمل في داخلها الأربعة جواسيس المطلوبيين لأمريكا أعقبها وصول طائرة أمريكية مؤجرة من شركة فيجنين إيرلاينز التي هبطت في الساعة11.45 صباحا أي بعد نصف ساعة من هبوط الطائرة الروسية وعليها العشره جواسيس الروسي وتم علي الفور مبادلة الجواسيس في زمن قياسي استغرق عشرين دقيقه وبدأت إجراءات الاستعداد للاقلاع للطائرة الأمريكيه أولا التي أقلعت في تمام الساعة12.38 دقيقة أعقبتها الطائرة الروسية بزمن قدره عشرون دقيقة أي أن الطائرة الأمريكية ظلت في مطار فيينا من اللحظة التي هبطت فيها الي وقت إقلاعها لمدة لم تتجاوز الساعة الواحدة فقط ـ زيادة في دقة عامل الأمن وهو العامل الأول والمهم في مثل هذه العمليات.
وتعد عمليه تبادل الجواسيس هذه أول عملية تتم بين البلدين منذ اكثر من خمسة وعشرين عاما والتي تمت عام1986 علي جسر جلينيك في برلين للمنشق اليهودي الذي كان يعمل بالأسم الحركي ألان ناتان شارانسكي واسمه الحقيقي أنا تولي شارانسكي مقابل جواسيس شيوعيين سجنوا في المانيا الغربية.
وقد سبق هذه العملية عمليات تبادل جواسيس مع بعض الدول الأخري منها أمريكا وبريطانيا والمانيا وكانت أهم هذه العمليات عملية إطلاق سراح العقيد في المخابرات الروسية رودلت أبل الذي قبض عليه في أمريكا وتم تبادلة مع الطيار الأمريكي الشهير جاري باورز الذي أسقطت روسيا طائرته التي كانت تجسس علي روسيا بصاروخ سام2 وتمت عملية المبادلة عام1962 علي جسر جلينيك بين المانيا الشرقية والغربية أيضا.
كما عقدت بريطانيا اتفاقا لتبادل المسجونين مع روسيا عام1969 تم فيه تبادل بيتروهيلين كروجر مقابل جيرالد بروك الذي قبض عليه في الاتحاد السوفيتي بتهمة التجسس لمصلحة بريطانيا أما بيتر وهيلين كروجر الزوجان البريطانيان اللذان إتهما مع ثلاثه آخرين بتهمة التجسس لمصلحة السوفيت وتسليمهم أسرارا عسكرية سرية مهمة عن تكنولوجيا الحرب تحت الماء بالبحرية الملكية البريطانية في معسكر بورتلاند جنوب بريطانيا.
وبالرغم مما سبق هل يعني القبض علي هذه الشبكة توقف عمليات التجسس بين البلدين أو حتي التقليل منها ـ الاجابة وبشكل قاطع هي النفي الكامل لهذا الاحتمال ـ حيث لن يتوقف الجانبان علي محاولات الحصول علي المعلومات بكل أنواعها سواء من المصادر العلنية أو المصادر السرية بكل أشكالها وفي إطار العلاقات الودية أو الأطر الأخري ـ وفي وجود الادارات الحالية للبلدين أو إدارات أخري.
http://arabic-radio-tv.com/newspapers/egypt/ahram.htm
التعديل الأخير: