تقرير واشنطن، عمرو عبد العاطي
أضحي مفهوم أمن الطاقة أحد تجليات المفاهيم الأمنية التي بدأت تتشكل وتأخذ مكانتها العلمية ضمن العديد من التغيرات والمفاهيم التي تلت حقبة ما بعد الحرب الباردة.
فالملاحظ للصراعات الدولية في وقتنا الحالي يجد أن أمن الطاقة أضحي شأنه شأن العديد من المحددات التقليدية الأخرى (الحفاظ على مكانة الدولة، التوسع وتأمين الحدود) التي تشكل السياسة الخارجية للدول لاسيما القوة الصناعية. فالصراع بين الصين والولايات المتحدة وروسيا والعديد من القوي الصناعية الصاعدة أصبح حول مصادر الطاقة. ولذا أضحت العديد من مناطق الوفرة في مصادر الطاقة مناطق صراع ابتداءً من منطقة الخليج العربي مروراً بآسيا الوسطي وبحر قزوين وأمريكا اللاتينية وصولاً إلى القارة الإفريقية.
وانطلاقا من أهمية هذا المفهوم في السياسة الخارجية الأمريكية فقد تناول "كليفورد سينجر" "Clifford Singer" ـ أستاذ في أقسام النووية والبلازما والهندسية الإشعاعية، والمدير السابق لبرنامج الحد من الأسلحة ونزع الأسلحة والأمن العالمي بجامعة إلينوي "Illinois" بـ "Urbana-Champaign ". وصاحب الخبرة في مجال الطاقة فقد عمل بوزارة الطاقة الأمريكية " US Department of Energy "، والوكالة الدولية للطاقة الذرية "International Atomic Energy Agency" ـ في دراسته المعنونة بـ" النفط والأمن" "Oil And Security" ضمن دراسات مؤسسة استنالي "The Stanley Foundation"، دور النفط في العمليات العسكرية والنشاط الاقتصادي العام.
النفط والاقتصاد الأمريكي
يري "سينجر" أن النفط مصدر محدود، مآله إلى النضوب وغير متوافر بكثرة، في وقت شهد هذا المصدر تغير من كونه ذو أهمية اقتصادية إلى مصدراً للتدخل العسكري في مناطق الإنتاج التي تحل مكانة إستراتيجية عالمياً حتى وقتنا هذا. ولهذا كان للنفط تأثير كبير في سياسة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا.
في الوقت الذي كانت تُشكل واردات النفط مكانة متدنية في الاقتصاد الأمريكي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية إلى خمسينات القرن المنصرم كانت الواردات النفطية ذات أولوية لحلفاء واشنطن للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والسياسي. ولكن بعد الصدمة النفطية في عامي 1973 و 1980 بارتفاع أسعار النفط، فطنت الولايات المتحدة إلى أن الحصول على النفط بأسعار منخفضة أضحي ضرورياً لتنميتها وثورتها الصناعية.
لم يكن لارتفاع الأسعار خلال عامي 1998 و 2007 تأثير كالذي شهده الاقتصاد الأمريكي خلال الأزمتين السابق الإشارة إليهما؛ لتعهد الولايات المتحدة بعدم التدخل المنفرد (أحادي الجانب) في أي صراع دولي أو إقليمي بهدف السيطرة على موارد الطاقة. فضلاً عن تقديم الولايات المتحدة وحلفائها معوناتهم الاقتصادية والسياسية لمن يحفظ السلام ويواجه التمرد الهادف إلى السيطرة على مصادر الطاقة.
منطقة الخليج أولوية أمريكية
منطقة الخليج العربي، منذ أمد بعيد، وهي تعتبر منطقة ذات أهمية للسياسة الخارجية الأمريكية؛ ولذلك فقد انطلقت السياسة الأمريكية تجاه تلك المنطقة من ضرورة حمايتها من أي منافس للولايات المتحدة، والذي من شأنه تهديد المصالح الأمريكية هناك، ولاسيما الحصول على النفط بأسعار منخفضة لها والى حلفائها؛ ولهذا فقد أعلن الرئيس كارتر في خطابة لحالة الاتحاد في 1980، أن أي محاولة من القوي الخارجية للسيطرة على الخليج سيمثل تهديداً للمصلحة الأمريكية والذي يستدعي التدخل بالقوة لحماية المصلحة الأمريكية، وبالتالي حماية دول منطقة الخليج من التدخل الخارجي وكان يقصد بالقوي الخارجية (الاتحاد السوفيتي السابق في حينه).
وهذا وكان لدي إداراتي كارتر وريجان خوف من قوي إقليمية ساعية إلى السيطرة على الخليج، لاسيما إيران الإسلامية الراغبة في لعب دور محوري في منطقة الخليج والسيطرة على منابعه النفطية. والتي كانت أيضا أولية إدارة كلينتون حيث تضمنت وثيقة الأمن القوي في عام 1996 أن أي تهديد لمنطقة الخليج العربي يمثل تهديداً للمصالح الأمريكية؛ مما يتطلب استخدام القوة المسلحة. وقد ظهر هذا جلياً إبان العدوان العراقي على دولة الكويت في بداية التسعينيات حيث انتفضت واشنطن لقيادة تحالف دولي للدفاع عن دولة الكويت، رغم عدم وجود تحالف رسمي بين الدولتين قبل مهاجمة العراق الكويت.
ويري الكاتب أن تدخلات الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط جاء بآثار عكسية على أسعار النفط وعلى إنتاجه بدايةً من التأييد الأمريكي لإسرائيل منذ حرب أكتوبر 1973، والتأييد الأمريكي للعراق إبان حربها مع إيران الإسلامية صاحبة ارتفاع في أسعار النفط وتلك السياسة الأمريكية غير المتزنة بالمنطقة صاحبها سخط وغضب عربي شعبي من الولايات المتحدة؛ مما يفرض قيوداً على تصدير النفط العربي إلى الولايات المتحدة الذي تعتمد عليه ثورتها الصناعية. ولهذا يعتبر مبدأ (كارتر ـ كلينتون) فاشل، ولذا يجب التنحي عنه.
أمن الطاقة الأمريكي
في الوقت الذي يواجه الاقتصاد الأمريكية العديد من العقبات في ظل ارتفاع أسعار النفط لاسيما لقطاعات الدخل المتدنية، بدأت واشنطن في البحث عن استراتيجيات بديلة لتأمين مصادر الطاقة، وكان من تلك الاستراتيجيات الحفاظ على احتياطات نفطية في وقت تنخفض فيه أسعار النفط استناداً إلى قاعدة "الشراء بسعر أقل والبيع بسعر أعلي" وهو ما يبدد على المدى القريب تقلبات الأسعار.
ولذا يطرح البعض البحث عن بدائل للنفط ومصادر الطاقة التقليدية، ولكن البحث عن مصادر طاقة بديلة يحتاج إلى تمويلات ومخصصات مالية عالية، كما أن الاهتمام بمصادر بديلة يقل كلما انخفضت أسعار النفط في السوق الدولية.
ويمكن تلخيص السياسات الأمريكية لتأمين مصادر الطاقة في ثلاثة تحركات هي:
التدخل العسكري الجماعي وليس الأحادي كما كانت تتبني إدارة بوش في الصراعات الدولية أو الداخلية التي لها تأثير على مصادر الطاقة.
تبني الولايات المتحدة لسياسة الارتفاع التدريجي في تعريفات النفط من خلال التفاوض بين المستويات الإنتاجية ومنظمة أوبك.
تبني سياسات محلية من شأنها تكييف الاقتصاد الأمريكي ـ محليا ـ مع ارتفاع أسعار منتجات النفط.
ويري كاتب الدراسة أن استقلالية أمن الطاقة الأمريكي سوف يمكن الولايات المتحدة من التعامل بحرية سياسياً ودبلوماسياً مع المملكة العربية السعودية والعديد من دول منطقة الشرق الأوسط لاسيما الخليجية المنتجة للنفط.
كما أن التنقيب عن النفط محلياً يحظى بالقبول الشعبي عندما تكون أسعار النفط منخفضة، ولكن يواجه معارضة وهجوم سياسي عندما ترتفع أسعار النفط. كما أن اقتراح فرض المزيد من الضرائب التدريجية على منتجات النفط النهائية لتخفيض معدل استهلاك النفط يواجه معارضة سياسية. ويلقى تقديم الدعم إلى مصادر الطاقة البديلة للنفط في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار الأخير قبولاً سياسيا وشعبيا ولكنه يواجه أيضا معارضة من كل أطياف المجتمع الأمريكي حال انخفاض أسعار النفط عالمياً.
والتقليل التدريجي للواردات النفطية سوف يقلل من فرص واشنطن للتعامل مع الدول المستوردة للنفط. ولهذا فيري أن الخفض التدريجي للواردات النفطية يضر بالأمن القومي الأمريكي على عكس من يرون أن من شأن خفض الواردات النفطية يصب في مصلحة الأمن القومي الأمريكي.
التدخل العسكري من أجل تأمين مصادر الطاقة
في الماضي كان هناك العديد من التدخلات العسكرية بشأن السيطرة على مصادر الموارد الخام والمياه.
أمن الطاقة يقلق واشنطن
ولهذا شهد العالم العديد من التدخلات من جانب الدول لأجل تأمين احتياجاتها من النفط ولاسيما الدول الصناعية والتي كان أخرها الحرب الأمريكية على العراق التي يري فيها الكاتب بداية نهاية عصر التدخلات العسكرية حيث تقدم منظمة التجارة العالمية العديد من الآليات لتأمين مصادر الطاقة كبديل للعنف والقوة المسلحة.
في الوقت الذي لا تغير فيه الدول المنتجة للنفط من سياساتها باستخدام القوة العسكرية يري كاتب الدراسة أنهم قد يعدلون من سياساتهم المؤدية إلى ارتفاع أسعار النفط باعتمادها على التكنولوجيا النووية. ويشير إلى رغبة دول مجلس التعاون الخليجي في تبني الخيار النووي السلمي.
ولكن في واقع الأمر إن الخيار النووي الخليجي يثير حفيظة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي من إمكانية تحوله إلى برنامج عسكري، ولعل الأزمة النووية الإيرانية خير شاهد على ذلك حيث تثار مخاوف أمريكية وإسرائيلية من إمكانية تحول البرنامج النووي الإيراني من طبيعته السلمية إلى برنامج نووي لإنتاج أسلحة نووية. والذي من شأنه إخلال ميزان القوي لغير صالح إسرائيل الحليف الاستراتيجي لواشنطن.
والتدخل العسكري الأمريكي الأحادي للتأثير على الدول المنتجة للنفط يعني وجود قوات تقليدية لمحاربة وتدعيم استقرار الحكومات الجديدة ومثل تلك التدخلات تحتاج قوات على كافة الأصعدة مدربة وقادرة على التعامل مع التمرد والمعارضة في مناطق التدخل، ولعل ذلك مكلف جداً عند مقارنة تكلفة التدخل بالنتائج التي يتم الحصول عليها من جراء التدخل العسكري الانفرادي. وحسب "عقيدة باول" فإن مثل تلك العمليات يجب أن تكون محددة الهدف من قبيل تلك التدخلات العسكرية.
ولكن الاحتلال الأمريكي للعراق يوضح صعوبة تحقيق عقيدة باول من وجود حكومة عراقية موالية لواشنطن وحلفائها. وللاختلاف الملحوظ بين مخططات ما قبل الحرب والحقائق بعد الحرب، وبالتالي فإن تحقيق عقيدة باول يحتاج إلى إعادة هيكلة القدرات العسكرية والاستخباراتية الأمريكية في وقت لا يرغب حلفاء واشنطن في حلف الناتو دعم مثل تلك الحملة.
التعديل الأخير: