فضل الإسلام على الطب
لقد ظهرت الكثير من الأبحاث والكتب التي تبين فضل الأطباء المسلمين علي الطب الغربي الحديث. ولكنا لا نجد إلا القليل- جدا من هذه الأبحاث الذي يبين فضل الإسلام كدين وتعاليم على الطب. وأثره في خلق مجتمع صحي حصين ضد الأمراض. وهذا تقصير منا في حق ديننا.
ومن الغريب أن يأتي أول اعتراف بذلك من الغرب. فهذا هو الفيلسوف البريطاني " برنارد شو" في مقدمة كتابه "حيرة الأطباء" dilemma The Doctors يقول أن الاستعمار البريطاني عندما أحتل جزر السندونش وضع خطة لتغيير دين السكان فأرسل وفود المبشرين ليبعدوهم عن الإسلام ثم يقول " برناردشو" أن الاستعمار للآسف الشديد قد نجح في ذلك ولكن كانت النتيجة هي تفشى الأوبئة والأمراض الفتاكة بينهم " بسبب بعدهم عن تعاليم الإسلام التي كانت تأمرهم بالطهارة والنظافة على كل شيء إلى حد التدقيق على تقليم الأظافر وتنظيف ما تحتها ثم العناية بدفن القلامات في التراب ".
وفي هذه اللمحة السريعة نحاول أن نلقى الضوء على ما قدمه الإسلام لمهنة الطب من فضل:-
أولا: فالإسلام أول دين يأتي بنظرية علمية وواقعية عن مفهوم المرض ويعترف بالطب والأطباء والدواء:-
فقبل الإسلام كانت الفكرة السائدة في العالم أن المرض شيطان ويدخل جسم الإنسان عقابا له على معصية أرتكبها في حق الآلهة وأن السبيل الوحيد للشفاء هو صلاة الغفران لكي تطرد شيطان فإذا لم يشف المرض فمعنى ذلك أن إيمانه ما يزال ضعيفا. وكانت الكنيسة في القرون الوسطى تمنع الناس من التداوي وتحارب العلماء وتحرق كتبهم أو تضعهم على الخوازيق بتهمة السحر والشعوذة وتحدي إرادة الله.
ويضف برنارد شو هذه الحالة قائلا "كان الناس يستغنون عن الأطباء ويوكلون العلاج إلى العناية الآلهيه ولم يمكن التخلص من هذا الاعتقاد الذي كان سائدا في بريطانيا حتى القرن التاسع عشر الا بسن قانون يقضى بحبس الاب الذي يموت والده دون أن يعرضه على الطبيب بحبسه لمدة ستة أشهر.
فلننظر الآن إلى تعاليم الإسلام في هذا المجال : -
فعندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة جاءته اسر المرضى يطلبون على يديه الشفاء.. فكان يزور المرضى ويدعو لهم بالشفاء ثم يأكل لهم:
استدعوا له الطبيب. فيتعجبون ويقولون: وانت تقول ذلك يا رسول الله فيقول: تداووا عباد الله.. فإن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له الدواء " الترمذي وأبو داود ".
وجاء جماعة من الصحابة يسألونه: هل في دواء نتعاطاه ووقاية نتخذها هل تمنع هذه من قدر الله فقال .. بل هي من قدر الله :
وكان رسول الله يمرض وتنعت له الإنعات أي الوصفات الطبية وبقول أني أمرض كرجلين منكم...
من هذا. نرى أن الإسلام في القرن السادس الميلادي قد أتى بمفهوم جديد عن المرض ينفي نظرية الشيطان والمعصية والعلاج بالدعاء والإيمان وحده، ويقرر أن الرسل أنفسهم يمرضون وهم المعصومون من المعصية ويعترف بالطب وبفضل العلم و لاجتهاد.
ثانيا: ومن أفضال الإسلام على الطب انه قد نفى هذه المهنة من الخرافات التي كانت عالقة بها والتي كانت تصاحب العلاج : مثل وضع التمائم من رؤوس الحيوانات ومثل الوشم وقراءة الطالع والنجوم وزجر الطير والاستقسام والازلام وضرب القداح وفي هذه يقول رسول الله .. r.
" لا عدو ى ولا هامة ولاطيرة ولاصفر " ويقول أيضاً "من علق تميمة فلا أتم الله له " وقد بلغ من حزم الإسلام في هذه الأمور قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
" من أتي، كاهنا أو عرافا فآمن بما يقوله فقد كفر بها انزل على محمد" وبذلك وضع الإسلام حدا فاصلاً بين الطب والكهانة.. وكانت كلاهما مهنة واحدة حيث كان الطبيب يسمى الكاهن أو العراف.
ثالثا: وقد وضع الإسلام أول قانون عرفته الإنسانية لحماية مهنة الطب من المشعوذين وادعياء الطب. في ذلك
يقول رسول الله:-
" من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن " رواه ابو داود وابن ماجه والنسائي.
ومعنى تطبب أي عالج وداوى ومعنى الضامن انه مسؤول عن خطئه وجريمته، فهذا الحديث نص صريح على ما يعرف في عصرنا بإلأجازة الطبية والشهادة الطبية كما أن فيه تحديداً صريحاً عن مسئولية الخطأ المهني.
رابعا: وقد شجع الإسلام الطبيب المسلم على التخصص الدقيق في مهنته فقد كان الرسول إذا رأى أكثر من طبيب يزور مريضاً يقول لهم:
" أيكم أطب بهذا " ومعناه: أيكم أكثر دراية وتخصصاً بهذا المرض فهو المقدم في العلاج .
خامسا: وقد أعلن الإسلام حقيقة علمية خطيرة: وهي أن كل مرض في هذه الدنيا له علاج يشفه إلا داء واحداً وهو الهرم أي كبر السن وانه إذا كانت هناك أمراض لا نعرف لها دواء اليوم فذلك راجع إلى قصور في علمنا وان علينا أن نجتهد ونبحث حتى نجد لها العلاج الشافي. وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: " أن الله لم ينزل داء إلا له دواء علمه من علم وجهله من جهل فإذا أصيب دواء الداء برأ المرض بإذن الله " رواه الترمذي واحمد.
سادساً: والإسلام أمر بالنظافة الشخصية كوسيلة للوقاية الصحية وأعتبرها مكملة للإيمان " النظافة شطر الإيمان" ونفى أن تكون القذارة نوعاً من التواضع لله والتقرب إليه. وقد أشار الإسلام إلى تلوث الأطعمة والملابس والأيدي وحبب في الطهارة ونهى عن النجس والقذارة وحدد المواد النجسة فمنها القيح أي الصديد والبراز والقيء ولعاب الكلب وجسم الخنزير وكل شيء عفن مثل بقايا الحيوان. كما أطلق الطهارة على الشيء الخالي من هذه النجاسات وحدد طرق الطهارة بالغسيل بالماء الجاري أو الحرق بالنار أو الغلي في الماء أو التجفيف،ولم يترك الإسلام تعاليمه عن النظافة بصفة عامة ومطلقة بل انه دقق على نظافة كل عضو من جسم الإنسان يمكن أن يكون منفذا للمرض أو مصدراً له.. وعلى سبيل المثال قول الرسول صلى الله عليه وسلم " قلم أظافرك فإن الشيطان يقعد على ما طال تحتها ".
سابعا. وبفضل تعاليم الإسلام اكتشف علماء المسلمون أول تخدير في الجراحة. فقبل الإسلام كانوا يستعملون الخمر.. ثم جاء المسلمون إلى الرسول يسألونه عن الخمر كدواء مخدر فقال .. r " أنها داء وليست دواء " رواه مسلم. وقال "أن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرمه عليها " رواه الدارمي ومن هنا فقد اجتهد أطباء المسلمين في إيجاد المخدر البديل للخمر.. وتقول المراجع العلمية أن المسلمين أول من استعمل التخدير الحقيقي مع فقدان الوعي قبل الجراحة وذلك باستعمال " القناب العربي ".
ثامنا: والإسلام أول ما أشار إلى الحجر الصحي قبل أن تعرفه الإنسانية وفي ذلك يقول رسول الله .. " لا يوردن ممرض على مصح " (البخاري) ومعنى الحديث انه لا يجوز أن يختلط المريض بمرض معد (ممرض) بالأصحاء بل يبقى بمعزل عنهم حتى لا ينقل إليهم العدوى.... ويقول أيضاً " أن من القرف التلف " رواه أبو داود... والقرف هو مقارفة المريض أي الاختلاط به والتلف هو الهلاك أي العدوى والمرض.
وقد طبق الرسول هذا المبدأ على المجذومين فقد جاءه رجل مجذوم لكي يبايعه فلما استأذن بالدخول قال له الرسول" أبلغوه أنا قد. بايعناه فليرجع " وقال أيضا " أجعل بينك وبين المجذوم قدر رمح أو رمحين ".
تاسعا: وقد جاء الإسلام بقاعدة علمية في مكافحة الأوبئة كالكوليرا والطاعون والجدري إذ يقول عليه السلام:
"إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فرارا منه " فهذه القاعدة هي نفس ما تطبقه الدول للوقاية من الأوبئة في عصرنا الحديث إذ يمنع الدخول إلى المنطقة الموبوءة كما يمنع من فيها من الخروج منها.
ولكي نعرف قيمة هذا الحديث النبوي الذي جاء في القرن السابع الميلادي أقرأ الفقرة من كتاب قصة الطب the story of medicine by Joseph Garland ، فعندما ظهر وباء الطاعون في فلورنسا سنة 1348 كان الناس في المناطق الموبوءة يؤمرون بالفرار منه بأسرع ما يمكنهم والى أبعد ما يستطيعون ولم يكن ذلك الفرار بالبداهة يؤدي إلا إلي ازدياد رقعة الوباء حتى وصل إلى روسيا سنة 1352 وكأنه كان حريقاً في غاب لم ينطفئ لهيبه إلا بعد أن أكل ربع سكان " أوروبا "
عاشراً:، قد جاء الإسلام بأوامر محددة وقاطعة تساير أحدث النظريات العلمية في القضاء على بعض الأمراض المتوطنة.
يقول رسول الله .. " لأ يبولن أحدكم في الماء الدائم فان عامه الوسواس منه " ابن ماجه.
ويقول أيضا " اتقوا الملاعن الثلاث التبرز في الظل وفي الموارد وفي طريق الناس ".
فمن المعروف. مثلا أن مرض البلهارسيا ينتقل إلى الناس عندما يتبول المريض في الماء وخاصة الماء الراكد (الدائم ) واننا لو منعنا المرضى من التبول في الماء لقضينا على المرض وهذه حقيقة علمية لم تكن معروفة إلا في القرن التاسع عشر عندما اكتشف العالم الألماني بلهارس دورة حياة البلهارسيا.
حادي عشر: وقد جاء الإسلام بأوامر واضحة في علم الوراثة. فبين أن بعض العاهات الجسمية تنتقل من جيل إلى جيل وفي ذلك يقول رسوله الله على الله عليه وسلم " تخيروا لنطفكم فان العرق دساس " ابن ماجه.
ثاني عشر : " طب المسنين " يقول الدكتور جوزيف جارلاند في كتابه The story of medicine أنه بفضل تعاليم الإسلام في احترام الشيخوخة ورعايتها فقد عكف أطباء المسلمين على ابتكار طب المسنين وهو المسمى اليوم Geriatiesوكان أول من أشار إلى ذلك ابن سينا في كتابه القانون. وكان في المستشفيات الإسلامية قسم خاص بكبار السن كتب عليه " واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا " (17/ 24)
--------------