قضية ''لاطوس''.. شهادة محمد الصبّاغ
قرصنة بحرية.. لتغطية قرصنة جوية!
اعتمدنا في ذلك على شهادات مصرية ومغربية وفرنسية، فضلا عن شهادة المجاهد السفير محمد الهادي حَمْدادو من عناصر المجموعة الجزائرية التي رافقت المركب المحجوز.
وإثراء لهذه الشهادات، ننشر اليوم إضافة المجاهد السفير محمد الصبّاغ المقيم بسيدي بلعباس، وهو رئيس المجموعة الجزائرية.
وتتضمن الإضافة شهادته مطعّمة بتعليقه ورأيه فيما حدث، ننقلها إلى قرائنا الكرام مع تصرّف طفيف في الصياغة.
''لقد انضممت إلى جيش التحرير بالقاهرة مضحيا بدراستي استجابة لرغبة ملحة مني، رغم بعض المثبّطات التي كنا نسمعها من كبار مسؤولي الثورة، مثل أن الجزائر كانت يومئذ محتاجة إلى البندقية أكثر من حاجتها إلى من يحمل البندقية، وأن الطلبة الدارسين بالخارج تحتاجهم الجزائر في معارك أخرى لاحقة.
ذلك لأنه صعب علي ألا أشارك في معركة كنت قد أقسمت على الاستعداد لخوضها، يوم التحاقي في فاس بحزب الشعب ـ حركة انتصار الحريات الديمقراطية عام .1948 فضلا عن فرض الجهاد الذي كنا نرى آنذاك أنه أصبح فرض عين. فقد كنا كثيرا ما نسائل أنفسنا: هل من المعقول أن يشارك الطالب الفرنسي في حرب ظالمة ولا يشارك الطالب الجزائري وهو على حق؟
انطلاقا من هذه القناعة بدأت أحضّر نفسي عسكريا، بالانضمام أولا إلى التدريبات العسكرية بكلية دار العلوم التي كنت أحد طلابها. ثم التحقت نهائيا بفرق التدريب بمعسكر أَنْشاص الواقع على نحو 40 كلم من القاهرة، رفقة الزميلين لحسن صوفي (وزير عدل سابق) وأحمد قادري في أوائل صائفة .1956 بعد أن قابلنا بطلب من الأخ أحمد بن بلة الذي كلّف أحد مساعديه بمصاحبتنا إلى المعسكر المذكور. وهكذا وجدت نفسي ضمن المجموعات الطلابية ـ وأشخاص آخرين قدموا من الجزائر وغيرها ـ التي كانت تتلقى التدريبات على الأسلحة في مختلف التخصصات تحت إشراف بن بلة ومرافقيه. وكان تخصصي في النهاية هندسة عسكرية، ويقوم رجالها بأصعب المهام في حروب التحرير: نسف الجسور وقطع الطرقات وزرع الألغام أمام العدو في زحفه وانسحابه لإحداث ارتباك في صفوفه وشل حركته.
وبينما كنت أنتظر بفارغ الصبر ـ بعد الاستعداد النفسي والبدني والتقني ـ دخول الجزائر للقيام بواجبي في صفوف المجاهدين، إذا بالدكتور التيجاني هدام يستدعيني ـ نيابة عن بن بلة الذي كان غائبا حينذاك ـ ليبلغني أنني مكلف بمهمة هامة وخطيرة: الإشراف على باخرة أسلحة في طريقها إلى الجزائر بمساعدة الزملاء محمد الطاهر شرفي، محمد آفروفة، محمد زروق، وبالإسكندرية أضيف إلينا محمد الهادي حمدادو، بمهمة مراقب تقني عامل على جاهز الراديو اليوناني نيكولاس كوكافسيس.
وقد عرفت لاحقا أن المركب اسمه ''أطوس''، وأن وجهته مكان قرب الحدود الساحلية المغربية الجزائرية. وأن مجاهدي الولاية الخامسة بقيادة عبد الحفيظ بوالصوف بانتظاره لتفريغ حمولته من الأسلحة، على أن نضع أنفسنا تحت تصرف هذا الأخير بعد إنجاز مهمتنا.
وابتداء من الغد، شرعت في الإعداد لأداء مهنتي رفقة الدكتور هدام (نائب بن بلة في المكتب العسكري لجبهة التحرير)، بزيارة مكتب العقيد فتحي الديب مسؤول المخابرات المصرية (قسم العالم العربي) ليقدمني إليه، حتى يزوّدني بدوره بالتعليمات والأوامر المتعلمة بتلك المهمة. وفوجئت بأن هذه الأوامر كان يكتنفها كثير من الضبابية والغموض ولم تكن تخلو من تناقض: فقد كان مطلوبا مني أن أراقب ـ مع زملائي ـ رئيس المركب ومسؤول الرحلة السوداني إبراهيم النيال، مع محاولة كسب ثقته في نفس الوقت، علما أنه مكلف عند الإبحار بتسليحنا بمسدسات أو رشاشات.
وأخبرني الديب كذلك، أنني سأتسلم في الدقائق الأخيرة قبل مغادرة ميناء الإسكندرية عبوة مع رسالة إلى بوالصوف، وأن العبوة موجهة لنسف المركب في حالة واحدة: التأكد من خيانة النيال، بتوجيه المركب إلى أحد الموانئ الجزائرية وظهور الشرطة الفرنسية لاستقباله.
وهنا توجهت للديب بسؤال محدد: ما العمل في حالة اعتراض البحرية الفرنسية سبيل المركب عرض البحر؟ فرد غاضبا بأن الأوامر واضحة وينبغي التقيد بها حرفيا. محذرا في نفس الوقت من أي تهور يؤدي إلى حرمان الثورة الجزائرية من شحنة الأسلحة المحمولة، حسب قوله.
وأضاف مطمئنا بأن وضع الباخرة قانوني، وتتوفر على جميع الوثائق المطلوبة في الملاحة البحرية، وأن جنسيتها وعلمها الإنجليزي سيجنبانها أي خطر في أعالي البحر.
ومع ذلك لم تصل شحنة ''أطوس'' إلى بوالصوف ورفاقه لماذا؟
السبب في رأيي يرجع إلى شكوك فتحي الديب منذ البداية، وتحفظه على استعمال مركب ''أطوس'' وعلى قائده إبراهيم النيال نفسه. لكن الديب ـ للأسف ـ لم يوضح سبب اعتراضه، ثم سكت في النهاية تماشيا مع اختيار بن بلة. وكان من المفروض ـ إن كانت له شبهات أو دلائل ـ أن يحاول عكس ذلك إقناع الطرف الجزائري بوجهة نظره. أو يتبرّأ من العملية ويترك أصحاب الشأن يتحمّلون مسؤوليتهم كاملة''..
رد على فتحي الديب
l ذكر العقيد فتحي الديب في كتابه ''عبد الناصر وثورة الجزائر'' معلومات حول عملية ''أطوس'' وسبب فشلها بحاجة إلى تصحيح، من ذلك مثلا:
1- ذكر أن مجموعتنا من نخبة الضفادع البشرية، وأنها كانت مجهزة بالأطقم المناسبة. والواقع أن لا أحد منا تلقى مثل هذا التدريب.
2- ذكر أن تنبيهاته حول الخيانة المحتملة للنيال كانت بحضور بن بلة، والصحيح أنها كانت بحضور الدكتور التيجاني هدام.
3- ذكر أنه زوّد كل فرد من مجموعتنا الخماسية بمسدس وعدة طلقات، والحقيقة أنه ترك هذا الأمر للنيال بعد إبحار المركب.
4- اتهام النيال بالخيانة يبدو غير مؤسس، وربما أراد به إثبات شكوكه وتحميل مسؤولية الفشل لمن وضعوا ثقتهم فيه.
ولعل الحقائق الآتية تعيد الأمور إلى نصابها في الحكم على النيال:
أ- أن القرصنة التي تعرّض لها مركبنا وقعت في المياه الدولية. وقد أثبت ذلك المحامي القدير ''ماتاراسو'' المكلف بالدفاع عنا من قبل جبهة التحرير الوطني، رفقة المحامي ''دوزان''، أمام المحكمة العسكرية بوهران.
ب- أن نقطة إيقاف المركب كانت بعيدة، نسبيا،
عن المياه الإقليمية الجزائرية، بحيث تم تحويل وجهتنا شرقا نحو الغزوات في الفجر الباكر (من 16 أكتوبر 1956) ولم نصلها إلا بعد العصر...
ج- أن الرجل عذّب، ودخل السجن في وهران، وبقي هناك أكثر من سنة قبل أن يحكم عليه بثلاث سنوات سجنا.
د- أنه أرسل مع مجموعتنا إلى سجن البروافية، حيث قضى بعض عقوبته، وصادف عند توزيعنا على القاعات أن كان نصيبه ''القاعة ,''9 حيث كان الشيخ مفدي زكريا، ومكث هناك شهورا قبل نقله إلى فرنسا والإفراج عنه.
هـ- زار النيال الجزائر بعد الاستقلال، وكان اختار العيش بالمغرب. وقد استقبله الرئيس هواري بومدين، وكانت لي فرصة مقابلته رفقة محمد الهادي حمدادو.
هذه الحقائق ترجح، بقوة، براءة النيال من تهمة الخيانة التي ألصقها به العقيد فتحي الديب. وفي هذه الحالة، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: ترى من الخائن إذن؟
ليس هناك شخص على ظهر المركب يمكن أن يخون، غير اليوناني ''كوكافسيس'' المكلف بالراديو والذي لم نكن نعرف عنه شيئا، ولم يكن لنا أي اتصال به طوال الرحلة، وقد أضيف إلى مجموعتنا في آخر لحظة الأخ محمد الهادي حمدادو، المختص في اللاسلكي البحري على أساس العمل معه ومراقبته في نفس الوقت، لكن اليوناني أبلغنا منذ الوهلة الأولى أن جهاز الراديو قد تعطّل، ومن ثمة لم نتمكن من إجراء أي اتصال مع القاهرة وغيرها منذ بداية الرحلة، إلى أن وقعنا في قبضة البحرية الفرنسية.
مؤشر عدوان وشيك على مصر
كانت حادث ''أطوس'' نقطة بارزة في مسيرة الثورة الجزائرية، لدلالتها وللظرف الدولي الذي وقعت فيه.
فقد قدمت الدليل العملي للعدو قبل الصديق، على أن الثورة تمكنت من تثبيت أقدامها في الداخل باحتضان الشعب لها، وأسست جهازا قادرا على كسب الدعم والمساندة من الخارج.
وجاءت القرصنة التي استهدفتها فجر 16 أكتوبر 1956 في ظرف إقليمي ودولي متوتر جدا، بسبــب تأميم شركة قناة السويس الذي أثار ثائرة كل من فرنسا وبريطانيا، وأعطاهما فرصة التخلص من الرئيس عبد الناصر الذي بات خطرا عـــلى مصالحهما في العالم العربي. وتبعا لذلك أخذتا تثيران الزوابع هنا وهناك للضغط عليه، وحمله على التراجع عن قراره، وتهيئة الأجواء للانقضاض عليه في نفس الوقت. في هذا الجو المشحون، جاءت حادثة ''أطوس'' لتزيد الطين بلة، وتدفع بالتوتر إلى مزيـــد من التصعيد، وتلتها القرصنـــة الجوية التي استهدفت طائــــرة ''الزعماء الخمسة'' (في 22أكتوبر)، فكانت دافعا آخر لتقوية الضجيج الدعـــائي، وتكثيف الغبار حول ''أطوس'' للتغطية على هذه القرصنة الخطيرة.
وهكذا كان للقضية صـــدى عالمي بعد أن جندت لها أبواق الاستعمار بهدف تحقيق أهداف ثلاثة على الأقل:
1- التغطية على فضيحة القرصنة الجوية وكانت الأولى من نوعها.
2- تشويه الثورة الجزائرية بتأكيد تبعيتها إلى ''دولة أجنبية''.
3- تهيئة الأجواء الدولية للعدوان الثلاثي على مصر (بدءا من 29 أكتوبر)..
قرصنة بحرية.. لتغطية قرصنة جوية!
وإثراء لهذه الشهادات، ننشر اليوم إضافة المجاهد السفير محمد الصبّاغ المقيم بسيدي بلعباس، وهو رئيس المجموعة الجزائرية.
وتتضمن الإضافة شهادته مطعّمة بتعليقه ورأيه فيما حدث، ننقلها إلى قرائنا الكرام مع تصرّف طفيف في الصياغة.
''لقد انضممت إلى جيش التحرير بالقاهرة مضحيا بدراستي استجابة لرغبة ملحة مني، رغم بعض المثبّطات التي كنا نسمعها من كبار مسؤولي الثورة، مثل أن الجزائر كانت يومئذ محتاجة إلى البندقية أكثر من حاجتها إلى من يحمل البندقية، وأن الطلبة الدارسين بالخارج تحتاجهم الجزائر في معارك أخرى لاحقة.
ذلك لأنه صعب علي ألا أشارك في معركة كنت قد أقسمت على الاستعداد لخوضها، يوم التحاقي في فاس بحزب الشعب ـ حركة انتصار الحريات الديمقراطية عام .1948 فضلا عن فرض الجهاد الذي كنا نرى آنذاك أنه أصبح فرض عين. فقد كنا كثيرا ما نسائل أنفسنا: هل من المعقول أن يشارك الطالب الفرنسي في حرب ظالمة ولا يشارك الطالب الجزائري وهو على حق؟
انطلاقا من هذه القناعة بدأت أحضّر نفسي عسكريا، بالانضمام أولا إلى التدريبات العسكرية بكلية دار العلوم التي كنت أحد طلابها. ثم التحقت نهائيا بفرق التدريب بمعسكر أَنْشاص الواقع على نحو 40 كلم من القاهرة، رفقة الزميلين لحسن صوفي (وزير عدل سابق) وأحمد قادري في أوائل صائفة .1956 بعد أن قابلنا بطلب من الأخ أحمد بن بلة الذي كلّف أحد مساعديه بمصاحبتنا إلى المعسكر المذكور. وهكذا وجدت نفسي ضمن المجموعات الطلابية ـ وأشخاص آخرين قدموا من الجزائر وغيرها ـ التي كانت تتلقى التدريبات على الأسلحة في مختلف التخصصات تحت إشراف بن بلة ومرافقيه. وكان تخصصي في النهاية هندسة عسكرية، ويقوم رجالها بأصعب المهام في حروب التحرير: نسف الجسور وقطع الطرقات وزرع الألغام أمام العدو في زحفه وانسحابه لإحداث ارتباك في صفوفه وشل حركته.
وبينما كنت أنتظر بفارغ الصبر ـ بعد الاستعداد النفسي والبدني والتقني ـ دخول الجزائر للقيام بواجبي في صفوف المجاهدين، إذا بالدكتور التيجاني هدام يستدعيني ـ نيابة عن بن بلة الذي كان غائبا حينذاك ـ ليبلغني أنني مكلف بمهمة هامة وخطيرة: الإشراف على باخرة أسلحة في طريقها إلى الجزائر بمساعدة الزملاء محمد الطاهر شرفي، محمد آفروفة، محمد زروق، وبالإسكندرية أضيف إلينا محمد الهادي حمدادو، بمهمة مراقب تقني عامل على جاهز الراديو اليوناني نيكولاس كوكافسيس.
وقد عرفت لاحقا أن المركب اسمه ''أطوس''، وأن وجهته مكان قرب الحدود الساحلية المغربية الجزائرية. وأن مجاهدي الولاية الخامسة بقيادة عبد الحفيظ بوالصوف بانتظاره لتفريغ حمولته من الأسلحة، على أن نضع أنفسنا تحت تصرف هذا الأخير بعد إنجاز مهمتنا.
وابتداء من الغد، شرعت في الإعداد لأداء مهنتي رفقة الدكتور هدام (نائب بن بلة في المكتب العسكري لجبهة التحرير)، بزيارة مكتب العقيد فتحي الديب مسؤول المخابرات المصرية (قسم العالم العربي) ليقدمني إليه، حتى يزوّدني بدوره بالتعليمات والأوامر المتعلمة بتلك المهمة. وفوجئت بأن هذه الأوامر كان يكتنفها كثير من الضبابية والغموض ولم تكن تخلو من تناقض: فقد كان مطلوبا مني أن أراقب ـ مع زملائي ـ رئيس المركب ومسؤول الرحلة السوداني إبراهيم النيال، مع محاولة كسب ثقته في نفس الوقت، علما أنه مكلف عند الإبحار بتسليحنا بمسدسات أو رشاشات.
وأخبرني الديب كذلك، أنني سأتسلم في الدقائق الأخيرة قبل مغادرة ميناء الإسكندرية عبوة مع رسالة إلى بوالصوف، وأن العبوة موجهة لنسف المركب في حالة واحدة: التأكد من خيانة النيال، بتوجيه المركب إلى أحد الموانئ الجزائرية وظهور الشرطة الفرنسية لاستقباله.
وهنا توجهت للديب بسؤال محدد: ما العمل في حالة اعتراض البحرية الفرنسية سبيل المركب عرض البحر؟ فرد غاضبا بأن الأوامر واضحة وينبغي التقيد بها حرفيا. محذرا في نفس الوقت من أي تهور يؤدي إلى حرمان الثورة الجزائرية من شحنة الأسلحة المحمولة، حسب قوله.
وأضاف مطمئنا بأن وضع الباخرة قانوني، وتتوفر على جميع الوثائق المطلوبة في الملاحة البحرية، وأن جنسيتها وعلمها الإنجليزي سيجنبانها أي خطر في أعالي البحر.
ومع ذلك لم تصل شحنة ''أطوس'' إلى بوالصوف ورفاقه لماذا؟
السبب في رأيي يرجع إلى شكوك فتحي الديب منذ البداية، وتحفظه على استعمال مركب ''أطوس'' وعلى قائده إبراهيم النيال نفسه. لكن الديب ـ للأسف ـ لم يوضح سبب اعتراضه، ثم سكت في النهاية تماشيا مع اختيار بن بلة. وكان من المفروض ـ إن كانت له شبهات أو دلائل ـ أن يحاول عكس ذلك إقناع الطرف الجزائري بوجهة نظره. أو يتبرّأ من العملية ويترك أصحاب الشأن يتحمّلون مسؤوليتهم كاملة''..
رد على فتحي الديب
l ذكر العقيد فتحي الديب في كتابه ''عبد الناصر وثورة الجزائر'' معلومات حول عملية ''أطوس'' وسبب فشلها بحاجة إلى تصحيح، من ذلك مثلا:
1- ذكر أن مجموعتنا من نخبة الضفادع البشرية، وأنها كانت مجهزة بالأطقم المناسبة. والواقع أن لا أحد منا تلقى مثل هذا التدريب.
2- ذكر أن تنبيهاته حول الخيانة المحتملة للنيال كانت بحضور بن بلة، والصحيح أنها كانت بحضور الدكتور التيجاني هدام.
3- ذكر أنه زوّد كل فرد من مجموعتنا الخماسية بمسدس وعدة طلقات، والحقيقة أنه ترك هذا الأمر للنيال بعد إبحار المركب.
4- اتهام النيال بالخيانة يبدو غير مؤسس، وربما أراد به إثبات شكوكه وتحميل مسؤولية الفشل لمن وضعوا ثقتهم فيه.
ولعل الحقائق الآتية تعيد الأمور إلى نصابها في الحكم على النيال:
أ- أن القرصنة التي تعرّض لها مركبنا وقعت في المياه الدولية. وقد أثبت ذلك المحامي القدير ''ماتاراسو'' المكلف بالدفاع عنا من قبل جبهة التحرير الوطني، رفقة المحامي ''دوزان''، أمام المحكمة العسكرية بوهران.
ب- أن نقطة إيقاف المركب كانت بعيدة، نسبيا،
عن المياه الإقليمية الجزائرية، بحيث تم تحويل وجهتنا شرقا نحو الغزوات في الفجر الباكر (من 16 أكتوبر 1956) ولم نصلها إلا بعد العصر...
ج- أن الرجل عذّب، ودخل السجن في وهران، وبقي هناك أكثر من سنة قبل أن يحكم عليه بثلاث سنوات سجنا.
د- أنه أرسل مع مجموعتنا إلى سجن البروافية، حيث قضى بعض عقوبته، وصادف عند توزيعنا على القاعات أن كان نصيبه ''القاعة ,''9 حيث كان الشيخ مفدي زكريا، ومكث هناك شهورا قبل نقله إلى فرنسا والإفراج عنه.
هـ- زار النيال الجزائر بعد الاستقلال، وكان اختار العيش بالمغرب. وقد استقبله الرئيس هواري بومدين، وكانت لي فرصة مقابلته رفقة محمد الهادي حمدادو.
هذه الحقائق ترجح، بقوة، براءة النيال من تهمة الخيانة التي ألصقها به العقيد فتحي الديب. وفي هذه الحالة، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: ترى من الخائن إذن؟
ليس هناك شخص على ظهر المركب يمكن أن يخون، غير اليوناني ''كوكافسيس'' المكلف بالراديو والذي لم نكن نعرف عنه شيئا، ولم يكن لنا أي اتصال به طوال الرحلة، وقد أضيف إلى مجموعتنا في آخر لحظة الأخ محمد الهادي حمدادو، المختص في اللاسلكي البحري على أساس العمل معه ومراقبته في نفس الوقت، لكن اليوناني أبلغنا منذ الوهلة الأولى أن جهاز الراديو قد تعطّل، ومن ثمة لم نتمكن من إجراء أي اتصال مع القاهرة وغيرها منذ بداية الرحلة، إلى أن وقعنا في قبضة البحرية الفرنسية.
مؤشر عدوان وشيك على مصر
كانت حادث ''أطوس'' نقطة بارزة في مسيرة الثورة الجزائرية، لدلالتها وللظرف الدولي الذي وقعت فيه.
فقد قدمت الدليل العملي للعدو قبل الصديق، على أن الثورة تمكنت من تثبيت أقدامها في الداخل باحتضان الشعب لها، وأسست جهازا قادرا على كسب الدعم والمساندة من الخارج.
وجاءت القرصنة التي استهدفتها فجر 16 أكتوبر 1956 في ظرف إقليمي ودولي متوتر جدا، بسبــب تأميم شركة قناة السويس الذي أثار ثائرة كل من فرنسا وبريطانيا، وأعطاهما فرصة التخلص من الرئيس عبد الناصر الذي بات خطرا عـــلى مصالحهما في العالم العربي. وتبعا لذلك أخذتا تثيران الزوابع هنا وهناك للضغط عليه، وحمله على التراجع عن قراره، وتهيئة الأجواء للانقضاض عليه في نفس الوقت. في هذا الجو المشحون، جاءت حادثة ''أطوس'' لتزيد الطين بلة، وتدفع بالتوتر إلى مزيـــد من التصعيد، وتلتها القرصنـــة الجوية التي استهدفت طائــــرة ''الزعماء الخمسة'' (في 22أكتوبر)، فكانت دافعا آخر لتقوية الضجيج الدعـــائي، وتكثيف الغبار حول ''أطوس'' للتغطية على هذه القرصنة الخطيرة.
وهكذا كان للقضية صـــدى عالمي بعد أن جندت لها أبواق الاستعمار بهدف تحقيق أهداف ثلاثة على الأقل:
1- التغطية على فضيحة القرصنة الجوية وكانت الأولى من نوعها.
2- تشويه الثورة الجزائرية بتأكيد تبعيتها إلى ''دولة أجنبية''.
3- تهيئة الأجواء الدولية للعدوان الثلاثي على مصر (بدءا من 29 أكتوبر)..