لماذا غاب مندوبو القاهرة وباريس؟
وردت فكرة عقد مؤتمر وطني لقادة الثورة الجزائرية أول مرة في نوفمبر 1955 ، ضمن رسالة ليوسف زيغود، قائد شمال قسنطينة (المنطقة الثانية)
إلى رمضان عبان بواسطة التلميذ الثانوي محفوظ بنون· وكانت الرسالة ردا على رسالة جماعة العاصمة (*) التي أرسلت إلى المنطقة
الثانية الطالب رشيد عمارة، حيث مكث 12 يوما بين زيغود ورفاقه في غضون نفس الشهر·
أشار إلى ذلك عبان في رسالة إلى محمد خيضر، المسؤول السياسي بالوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني، الذي يضم رفقته كلا من أحمد بن بلة وحسين آيت أحمد، تحمل الرسالة تاريخ فاتح ديسمبر الموالي· وجاء فيها حول النقطة المذكورة ما يلي: ''نحن على اتصال بناحية قسنطينة·
لقد التقينا بمسؤوليها ونعتزم عقد اجتماع هام لكبار المسؤولين في مناطق قسنطينة والجزائر ووهران· وعندما نستكمل التحضير سنطلب إليكم إرسال ممثل أو اثنين، لأن هذا الاجتماع ـ الذي سيعقد بمكان ما داخل البلاد ـ سيتخذ قرارات حاسمة''·
وبعد أربعة أشهر، عاد عبان إلى نفس الموضوع، في رسالة إلى خيضر (بتاريخ 4 أبريل 1956) جاء فيها: ''قررنا عقد اجتماع للقادة الرئيسيين في جبهة وجيش التحرير، يستضيفه زيغود بشمال قسنطينة ويحضره:
ـ مسؤول منطقة وهران الذي راسلناه ليلتحق بنا في العاصمة·
ـ كريم وعبان عن منطقة الجزائر·
ـ زيغود ونائبه·
ـ بن بولعيد ونائبه·
ـ اثنان من الخارج: مسؤول عن مصلحة العتاد وعضو من جبهة التحرير''·
ويلاحظ عبان في رسالته ''أن المندوبين القادمين من القاهرة يدخلان الجزائر عبر ليبيا والأوراس، أو يتم إنزالهما جوا مباشرة ناحية الميلية مثلا''·
ويؤكد عبان على أهمية الاجتماع المنتظر بالتركيز على أمرين اثنين:
- ''هذا الاجتماع ينبغي عقده ولو أدى ذلك إلى مقتلنا أو أسرنا جميعا''·
- ''في هذا الاجتماع نسوّي جميع المشاكل، ونبدّد ما بيننا من سوء تفاهم''·
ويضيف في نفس السياق:''أن مصلحة البلاد تتطلب هذا الاجتماع، إذ لا يخفى عليكم أن استمرار الوضع الحالي سيؤدي بنا إلى كارثة··''·
يقدم عبان في رسالته صورة قاتمة عن الوضع سياسيا وعسكريا، ملحّا على مسألة التسليح، ومتهما الوفد الخارجي بالتقصير في هذا المجال ''الأمر الذي شحن المقاتلين عليهم إلى درجة أن أصبحوا يطالبون بالتنديد بأعضاء الوفد علانية''·
ومع ذلك، يعبر في ختام رسالته عن أمله في أن يكون مندوبا القاهرة في الموعد· محذرا في نفس الوقت أنه ورفاقه داخل البلاد، سيضطرون إلى اتخاذ قرارات هامة دون الوفد الخارجي الذي لن يلوم على ذلك غير نفسه·
وبخصوص تعيين المندوبين، يعلن عبان استحسان ''إيفاد بن بلة وآيت أحمد أو بن بلة وخيضر''·
لكن في رسالة 14 مايو 1956 أخبر عبان خيضر بتغيير مكان الاجتماع· مبررا ذلك ضمنيا ''بحجز الشرطة الفرنسية عند عون اتصال رسالة تتناول اجتماع مسؤولين بالأوراس··''·
وطرح بالمناسبة مسألة ''طلب موافقة الحكومة التونسية على مرور المندوبين القادمين من القاهرة عبر أراضيها إلى الجزائر، على أساس أن أضمن طريق هو طريق تبسة أو عنابة''·
وفي رسالة أخيرة من عبان (11 يونيو) أبلغ خيضر بتأجيل الاجتماع، هكذا دون تحديد المكان أو الموعد الجديد· مشيرا في نفس الوقت إلى ''قرار توسيع الاجتماع ليكون مؤتمر إطارات حقيقي''، مع التأكيد مرة أخرى على حضور ممثلي القاهرة·
وذكر بالمناسبة ''أنه ورفاقه بالعاصمة أرسلوا مبعوثا إلى الرئيس بورفيبة، لطلب الموافقة على مرور المندوبين عبر التراب التونسي· وفي حالة قبوله سيرسلون مناضلا معروفا لدى جماعة القاهرة إلى روما لب
حث إجراءات السفر مع المعنيين''·
بهذه الرسالة، انقطعت أخبار المؤتمر المنتظر وأخبار عبان كذلك عن خيضر ورفاقه، إلى أن فوجئوا برسالة من خلَفه ''سي صالح'' (بن يوسف بن خدة) بتاريخ 24 يوليو، يعتذر فيها عن إرسال المبعوث الموعود مقدما لذلك التبرير التالي:
''أننا حصلنا للمبعوث على رخصة لمغادرة الجزائر، لكن دون رخصة العودة''·
ويشير بالمناسبة إلى مهمة المبعوث الذي تعذر إيفاده، بأنها ''تتعلق بالاجتماع الذي سبق أن حدثناكم عنه، وكنا كلفنا اتحادية فرنسا بإرسال مناضل ليحدثكم في هذا الموضوع''·· ويضيف ''سي صالح: ''ونحن في انتظار جواب من فرنسا''·
كان خيضر قد انتظر رفقة مندوب اتحادية فرنسا أحمد الدوم دون جدوى، مبعوث عبان بسان ريمو (إيطاليا)، كما انتظر بن بلة بطرابلس هذا المبعوث دون جدوى كذلك· وفي يوليو، زار أحمد طالب الإبراهيمي ـ المسؤول باتحادية فرنسا ـ طرابلس، ليبحث مع بن بلة الخلاف الناشب في تونس بين مبعوثي عبان وجماعة عبد الحي (المرتبطة بالوفد الخارجي)، فظن بن بلة أن طالب هو المبعوث المنتظر· لذا عندما أطلعه الزائر على حقيقة مهمته لم يتمالك وسارع بالتعبير عن خيبة أمله في عبان ومبعوثيه!
ولم يكن خيضر أكثر صبرا من بن بلة، إذ تراه يبعث إلى بن خدة رسالتين متتاليتين:
ـ الأولى في 15 أوت تساءل فيها: ''أين الاتصال الموعود الذي سافرنا من أجله إلى سان ريمو دون جدوى؟''·
ـ الثانية في 16 أوت (عشية انعقاد مؤتمر الصومام) وتساءل فيها: ''أين عبان الذين لم نتلق عنه أي خبر منذ عدة أشهر؟''·
وأكد خيضر لمراسله بالمناسبة استعداد مندوبي الوفد الخارجي ''للحاق بالاجتماع المقترح في أي مكان أو وقت تريدون''· معربا في الختام عن أمله في أن تولي جماعة العاصمة هذه القضية الاهتمام المستحق ''وتحدد في رسالتها القادمة تاريخ ومكان اللقاء الذي سيكون فرصة لحل المشاكل الجوهرية المعلقة''·
(*) عن كتاب بريد الجزائر ـ القاهرة (الطبعة الفرنسية) لصاحبه مبروك بالحسين، منشورات القصبة ـ الجزائر .2000
إلى رمضان عبان بواسطة التلميذ الثانوي محفوظ بنون· وكانت الرسالة ردا على رسالة جماعة العاصمة (*) التي أرسلت إلى المنطقة
الثانية الطالب رشيد عمارة، حيث مكث 12 يوما بين زيغود ورفاقه في غضون نفس الشهر·
أشار إلى ذلك عبان في رسالة إلى محمد خيضر، المسؤول السياسي بالوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني، الذي يضم رفقته كلا من أحمد بن بلة وحسين آيت أحمد، تحمل الرسالة تاريخ فاتح ديسمبر الموالي· وجاء فيها حول النقطة المذكورة ما يلي: ''نحن على اتصال بناحية قسنطينة·
لقد التقينا بمسؤوليها ونعتزم عقد اجتماع هام لكبار المسؤولين في مناطق قسنطينة والجزائر ووهران· وعندما نستكمل التحضير سنطلب إليكم إرسال ممثل أو اثنين، لأن هذا الاجتماع ـ الذي سيعقد بمكان ما داخل البلاد ـ سيتخذ قرارات حاسمة''·
وبعد أربعة أشهر، عاد عبان إلى نفس الموضوع، في رسالة إلى خيضر (بتاريخ 4 أبريل 1956) جاء فيها: ''قررنا عقد اجتماع للقادة الرئيسيين في جبهة وجيش التحرير، يستضيفه زيغود بشمال قسنطينة ويحضره:
ـ مسؤول منطقة وهران الذي راسلناه ليلتحق بنا في العاصمة·
ـ كريم وعبان عن منطقة الجزائر·
ـ زيغود ونائبه·
ـ بن بولعيد ونائبه·
ـ اثنان من الخارج: مسؤول عن مصلحة العتاد وعضو من جبهة التحرير''·
ويلاحظ عبان في رسالته ''أن المندوبين القادمين من القاهرة يدخلان الجزائر عبر ليبيا والأوراس، أو يتم إنزالهما جوا مباشرة ناحية الميلية مثلا''·
ويؤكد عبان على أهمية الاجتماع المنتظر بالتركيز على أمرين اثنين:
- ''هذا الاجتماع ينبغي عقده ولو أدى ذلك إلى مقتلنا أو أسرنا جميعا''·
- ''في هذا الاجتماع نسوّي جميع المشاكل، ونبدّد ما بيننا من سوء تفاهم''·
ويضيف في نفس السياق:''أن مصلحة البلاد تتطلب هذا الاجتماع، إذ لا يخفى عليكم أن استمرار الوضع الحالي سيؤدي بنا إلى كارثة··''·
يقدم عبان في رسالته صورة قاتمة عن الوضع سياسيا وعسكريا، ملحّا على مسألة التسليح، ومتهما الوفد الخارجي بالتقصير في هذا المجال ''الأمر الذي شحن المقاتلين عليهم إلى درجة أن أصبحوا يطالبون بالتنديد بأعضاء الوفد علانية''·
ومع ذلك، يعبر في ختام رسالته عن أمله في أن يكون مندوبا القاهرة في الموعد· محذرا في نفس الوقت أنه ورفاقه داخل البلاد، سيضطرون إلى اتخاذ قرارات هامة دون الوفد الخارجي الذي لن يلوم على ذلك غير نفسه·
وبخصوص تعيين المندوبين، يعلن عبان استحسان ''إيفاد بن بلة وآيت أحمد أو بن بلة وخيضر''·
لكن في رسالة 14 مايو 1956 أخبر عبان خيضر بتغيير مكان الاجتماع· مبررا ذلك ضمنيا ''بحجز الشرطة الفرنسية عند عون اتصال رسالة تتناول اجتماع مسؤولين بالأوراس··''·
وطرح بالمناسبة مسألة ''طلب موافقة الحكومة التونسية على مرور المندوبين القادمين من القاهرة عبر أراضيها إلى الجزائر، على أساس أن أضمن طريق هو طريق تبسة أو عنابة''·
وفي رسالة أخيرة من عبان (11 يونيو) أبلغ خيضر بتأجيل الاجتماع، هكذا دون تحديد المكان أو الموعد الجديد· مشيرا في نفس الوقت إلى ''قرار توسيع الاجتماع ليكون مؤتمر إطارات حقيقي''، مع التأكيد مرة أخرى على حضور ممثلي القاهرة·
وذكر بالمناسبة ''أنه ورفاقه بالعاصمة أرسلوا مبعوثا إلى الرئيس بورفيبة، لطلب الموافقة على مرور المندوبين عبر التراب التونسي· وفي حالة قبوله سيرسلون مناضلا معروفا لدى جماعة القاهرة إلى روما لب
بهذه الرسالة، انقطعت أخبار المؤتمر المنتظر وأخبار عبان كذلك عن خيضر ورفاقه، إلى أن فوجئوا برسالة من خلَفه ''سي صالح'' (بن يوسف بن خدة) بتاريخ 24 يوليو، يعتذر فيها عن إرسال المبعوث الموعود مقدما لذلك التبرير التالي:
''أننا حصلنا للمبعوث على رخصة لمغادرة الجزائر، لكن دون رخصة العودة''·
ويشير بالمناسبة إلى مهمة المبعوث الذي تعذر إيفاده، بأنها ''تتعلق بالاجتماع الذي سبق أن حدثناكم عنه، وكنا كلفنا اتحادية فرنسا بإرسال مناضل ليحدثكم في هذا الموضوع''·· ويضيف ''سي صالح: ''ونحن في انتظار جواب من فرنسا''·
كان خيضر قد انتظر رفقة مندوب اتحادية فرنسا أحمد الدوم دون جدوى، مبعوث عبان بسان ريمو (إيطاليا)، كما انتظر بن بلة بطرابلس هذا المبعوث دون جدوى كذلك· وفي يوليو، زار أحمد طالب الإبراهيمي ـ المسؤول باتحادية فرنسا ـ طرابلس، ليبحث مع بن بلة الخلاف الناشب في تونس بين مبعوثي عبان وجماعة عبد الحي (المرتبطة بالوفد الخارجي)، فظن بن بلة أن طالب هو المبعوث المنتظر· لذا عندما أطلعه الزائر على حقيقة مهمته لم يتمالك وسارع بالتعبير عن خيبة أمله في عبان ومبعوثيه!
ولم يكن خيضر أكثر صبرا من بن بلة، إذ تراه يبعث إلى بن خدة رسالتين متتاليتين:
ـ الأولى في 15 أوت تساءل فيها: ''أين الاتصال الموعود الذي سافرنا من أجله إلى سان ريمو دون جدوى؟''·
ـ الثانية في 16 أوت (عشية انعقاد مؤتمر الصومام) وتساءل فيها: ''أين عبان الذين لم نتلق عنه أي خبر منذ عدة أشهر؟''·
وأكد خيضر لمراسله بالمناسبة استعداد مندوبي الوفد الخارجي ''للحاق بالاجتماع المقترح في أي مكان أو وقت تريدون''· معربا في الختام عن أمله في أن تولي جماعة العاصمة هذه القضية الاهتمام المستحق ''وتحدد في رسالتها القادمة تاريخ ومكان اللقاء الذي سيكون فرصة لحل المشاكل الجوهرية المعلقة''·
(*) عن كتاب بريد الجزائر ـ القاهرة (الطبعة الفرنسية) لصاحبه مبروك بالحسين، منشورات القصبة ـ الجزائر .2000