الدردشة والتفريغ العربي على الإنترنت.. كنوز استخباراتية صهيونية!!
دأب الكيان الصهيوني منذ عهود طويلة على تجنيد العملاء لخدمة أهدافه وتحقيق أمنياته في الاستيلاء شيئاً فشيئاً على أرض المعياد دون منازع بعد إغراق شبابها خاصة وشباب العالم العربي الثالث عموماً في مستنقع الخيانة.
فلم يتوانَ لحظة عن انتهاج أحدث الأساليب والتقنيات لتجنيد العملاء؛ من بين الإغراءات المادية وتوريط أصحاب النفوس الضعيفة في علاقات مشبوهة، ومن ثمّ المساومة إما الفضيحة وإما التعاون، فيختارون التعاون وبيع الوطن والأرض بفتات بخس من الشواكل.
وأخيراً أضحى الإنترنت الوسيلة الأسرع والأنجع في تجنيد المزيد من العملاء في ظل ما يعانونه؛ من فراغ بسبب البطالة، ومن كبت بسبب عدم الفرص لتنفيذ خطوط مستقبلهم الذي كانوا قد رسموه في الطفولة وريعان الشباب، فينكبون لإفراغ آلامهم وما يعانونه من إحباط على شاشات غرف الدردشة والمنتديات التي تزخر بها الشبكة العنكبوتية، يبدأون بالتفاعل مع كل فرد على الشبكة عربياً كان أو أجنبياً، يتحدثون في الأمور الخاصة والعامة دون وعي وإدراك، يقدمون مفاتيح شخصياتهم ونقاط ضعفهم للشبكات التي تعمد إلى تجنيد العملاء دون معرفة منهم بذلك، ويفاجؤون بأنهم سقطوا بعد ذلك في الخيانة، فلا يملكون عندها إلا بيع الوطن وإمداد تلك الشبكات التابعة للمخابرات الصهيونية بما تريده من معلومات، وتدلل على ذلك حالاتُ الاغتيال الناجحة التي نفذتها دولةُ الاحتلال في حق قيادات فلسطينية بإرشاد من العملاء بدءًا من اغتيالهم علي حسن سلامة في يناير 1979م وليس انتهاءً باغتيال الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 22 من مارس 2004م مروراً باغتيال الكثير من القادة الفلسطينيين، وعلى رأسهم الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية خليل الوزير أبو جهاد الذي اغتيل في السادس عشر من إبريل 1988م.
التجنيد عبر الشات:
في ظل البطالة وعدم فرص العمل لدى الآلاف المؤلفة من الشباب العربي عامة والفلسطين خاصة نظراً للظروف الاقتصادية والسياسة القاضية بتضييق الحصار والخناق على الفلسطينيين أملاً في إذلالهم وقبولهم بالمساومة على الأرض والوطن، ومع الانفتاح التكنولوجي والثورة المعلوماتية الهائلة التي شهدها العالم بفعل انتشار الشبكة العنكبوتية باتت غرفة الشات والدردشة الصديق الأوحد للشباب العربي يهربون إليها من هموم واقعهم المأسوي يبثون فيها طموحاتهم وأحلامهم عبر الحديث عنها مع كل من يطرق باب غرفة الدردشة دون وعي وإدراك بأن ذلك يكون فخًا؛ ويكون هدفهم الأول والأخير التفريغ وإشباع رغبات لا يستطيعون تحقيقها على أرض الواقع لقصر ذات اليد وعدم الفرص، ولا يعنيهم إن أنفقوا ما لديهم من موارد مادية قليلة عليها، تجدهم يتحدثون عن الجنس ظناً منهم أنه وسيلة للبعد عن الأمور السياسية فيكشفون عن خبايا نفوسهم ونقاط ضعفهم ويتحدثون عن فقرهم وأحلامهم التي ذهبت أدراج الرياح يتحدثون عن أخص خصوصياتهم دون خوف أو وجل أو خجل أو حذر، فيكونون طعماً سائغاً وصيداً سهلاً لمن امتهنوا تجنيد العملاء عبر غرف الشات والمنتديات "المخابرات الإسرائيلية".
مؤخراً كشفت مجلة "لوماجازين ديسراييل" اليهودية والتي تصدر في فرنسا أن المخابرات الإسرائيلية والأمريكية تعمد إلى تجنيد عملائها عبر الإنترنت من خلال تحليل حوارات الدردشة التي يتبادلها الشبابُ العربي لساعات طويلة عبر الإنترنت والتي غالباً ما يصفها الشباب أنفسهم بأنها أمور تافهة وغير مهمة إلا أنها في حقيقة الأمر لدى الخبراء النفسيين تساعد على قراءة السلوك العربي وخاصة سلوك الشباب الذي يمثل أكثر من 70% من سكان الوطن العربي فتحدد المداخل التي تمكّن المخابرات الإسرائيلية من استقطابه لخدمة أهدافها دون أن يشعر بذلك إلا بعد التورط والوقوع في مستنقع الخيانة فلا يكون لديه مناص من الاستمرار في التعامل مقابل ثمن بخس لا يغني عن ذرة من تراب الوطن أو قطرة من دماء شهداء المقاومة الأحرار.
البداية:
في عام 1998م جاء ضابط المخابرات الإسرائيلي "موشي أهارون" - والذي وقف وراء الكثير من عمليات اغتيال القادة والشخصيات الفلسطينية في نيروبي وساحل العاج وتركيا وتونس ويوغسلافيا وإسبانيا وإيطاليا- إلى مقر وكالة الاستخبارات الأمريكية يقدم لها الحقائق (اللوجستيكية) الخاصة بالدول المارقة -كما تنعتها إدارة البيت الأبيض- والتي اعتادت المخابرات الإسرائيلية تقديمها للأمريكان، لكن الأمر لم يقتصر على ذلك فقط بل تعداه إلى محاولته إيجاد الدعم (اللوجستيكي) غير المعلوماتي المادي لتأسيس مكتب مخابراتي ثابت ومتحرك عبر الإنترنت، وتشير الصحيفة إلى أن الفكرة في بداية الأمر بدت غريبة إلا أنها مثيرة للاهتمام للأمريكان، واشترطوا أن يكونوا ضمن الشبكة، ولم يكن من المخابرات الإسرائيلية إلا الموافقة لأسباب مادية أولاً إذ إنها لم تكن قادرة على ضمان نجاح التجربة في ظل عدم المساعدة الأمريكية في توفير الأقمار الصناعية والمواقع البريدية التي تخدم الشات والدردشة بكل مجالاتها وتفرعاتها والتي هي الملهى والموطن الأساسي للشباب العربي المحبط في قارات العالم الخامس.
الكشف والتنفيذ:
ظل أمر المكتب طي الكتمان والسرية حتى عام 2001م تحديداً في شهر مايو؛ إذ أشارت جريدة التايمز إلى وجود شبكة مخابرات تعمل على جمع أكبر عدد من العملاء العرب عبر الإنترنت ومن ثمّ تجنيدهم واستغلالهم في الحصول على معلومات في غاية الأهمية تساعدها في تحقيق أهدافها بحلم "إسرائيل الكبرى" وأعلن في العام نفسه فعلياً عن تأسيس "مكتب المخابرات عبر الإنترنت" بقيادة ضباط من المخابرات الإسرائيلية ترأسهم موشي أهارون.
ما نشرته الصحيفة أثار جدلاً وامتعاضاً من السفارة الإسرائيلية في فرنسا وعبّر السفير الإسرائيلي في فرنسا عن امتعاضه وغضبه قائلاً: إن المجلة اليهودية كشفت أسراراً لا يحق لها أن تكشفها في حين ردت الصحيفة بأن ما نشرته يأتي في إطار الحق في المعرفة.
وفي الوقت نفسه نشرت جريدة اللومند الفرنسية أيضاً في السابع والعشرين من مايو 2002م ملفاً آخرَ عن حرب الإنترنت، مؤكدة وجودها منذ عشرات السنين، وأنها فقط توسعت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م فأضحت حرباً تدميرية تهدف إلى احتكار سوق الإنترنت من خلال مجموعة من المواقع الإلكترونية التي طفت إلى السطح بعد ذلك التاريخ، وأكدت الصحيفة أن ما يزيد عن 58% من المواقع تلك كانت فروعاً من أجهزة الاستخبارات للدول الأوروبية والعالمية كالولايات المتحدة وإسرائيل أولاً ومن ثم بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، ومن ثمّ توالى الكشف عن مواقع الإنترنت التي أطلقها رجال في الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية فكان أدون وردان صاحب الاسم اللامع في المخابرات الإسرائيلية في الداخل والخارج هو ذاته دانيال دوميليو صاحب موقع شباب حر الذي أطلق في العام 2003م وبمجرد الإعلان عن انطلاقته زاره أكثر من عشرة ملايين زائر من مختلف أقطار العالم إلا أنه توقف بعدما كشفته صحيفة الصنداي.
آلية التجنيد:
تقوم أجهزة المخابرات الإسرائيلية بمساعدة خبراء نفسيين؛ يقرؤون الشخصيات ويحللون سلوكياتهم واحتياجاتهم باستقطاب أصحاب النفوس الضعيفة منهم للعمل معها في مستنقع الخيانة أملاً في تحقيق حلم "إسرائيل الكبرى".
البداية تجيء من أن الشاب العربي المحبط من كافة الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية حوله يجد عبر غرف الشات والدردشات من يسمعه ويتحاور معه ويصغي إليه باهتمام ولا يعلم أن إصغاءه بهدف الحصول على معلومات دقيقة عن نفسيته تمكنهم مستقبلاً من تجنيده عميلاً محققاً لأهدافهم بائعاً لأهله ووطنه، يعطي الشاب كل ما لديه ويتحدث في أمور كثيرة وخاصة جداً ظناً منه أنه بذلك يبتعد عن بوتقة السياسة إلا أنه يقع فيها، والجدير بالذكر أن المخابرات الإسرائيلية تسعى جاهدة في هذه المواقع إلى توظيف ضباط نساء في هذه المهمة نظراً لأن الطلب عليهن أكبر في العالم الثالث ومنطقة الشرق الأوسط وفقاً للصحيفة، ناهيك عن أن الشباب عامةً مندفع لتعرف الجنس اللطيف في الغالب.
وفي السياق نفسه يشير جيرالد نيرو صاحب كتاب "مخاطر الإنترنت" الذي يعمل أستاذا بكلية علم النفس في جامعة بروفانس الفرنسية أن شبكة مخابرات الإنترنت التي يديرها مختصون نفسانيون إسرائيليون تعمد إلى استقطاب الشباب في دول محور الصراع العربي الفلسطيني ودول المحور الجنوب الأمريكي؛ إذ تمنحهم مساحة من الحوار الذي غالباً ما يفتقدونه في حياتهم اليومية فيتحدثون بطلاقة أكثر خاصة إذا ما استعملوا أسماءً مستعارة تتيح لهم حرية أوسع في الحوار، ناهيك عن أن الشباب غالباً ما تستقطبهم هذه المواقع بحثاً عن الجنس اللطيف للحوار فتكون المسألة سهلة لضباط المخابرات الإسرائيلية الذين يقومون بأدوارهم في غرف الدردشة؛ فيتم تجنيد العملاء انطلاقاً من الحوارات الخاصة في غرف الدردشة التي تشمل عادةً الحديث عن الصور الإباحية والجنس بحيث يسعى رجل المخابرات هنا إلى الإيقاع بذلك الشخص ودمجه في عالم العميل.
وترى د.مارى سيجال -إخصائية اجتماعية مختصة فى السلوك البشرى بجامعة (لوروا) ببلجيكا- أن مخابرات الإنترنت مصطلح جديد برغم وجوده حقيقة واقعية قبل غزو العراق حيث عمد الأمريكان إلى قراءة الشخصية العراقية من خلال الإنترنت وذلك باستقطاب أكبر عدد من العراقيين لدراسة شخصيتهم قبل البدء بغزو العراق، مبينةً أن استقطاب المعلومات لم يعد أمراً معقداً؛ فالعميل الآن أصبح جاهزاً يمكن إيجاده على الخط بدلاً من تجنيده بشكل مباشر وتضيف: "يمكن أيضاً تبادل المعلومات معه والكشف عن خفاياه وأسراره الخاصة والعامة بطريقة غير مباشرة، مؤكدة أن ضابط المخابرات الإسرائيلى الأمريكى وليام سميث -الذى عمل خلال الحرب الباردة ضمن فرقة المخابرات المعلوماتية- استطاع تجنيد شبان عاطلين عن العمل في أمريكا اللاتينية بكتابة تقارير عن الأوضاع السائدة في بلدانهم فكانت في غاية الأهمية والخطورة واستفاد منها استفادة كبيرة.