أبرز ما يصنعه التشدد أنه يفتح سقف الولاءات والانتماءات ليجعلها تتجه خارج القيمة الوطنية العليا المرتبطة بالشكل الحديث للدولة الوطنية، وبالتالي فالمعيار الذي يتخذه للقبول والرفض ليس المعيار الوطني القائم على الشراكة والمصلحة والإيمان بالمستقبل انطلاقا من روح الحالة الوطنية القائمة أصلا على الاختلاف والتنوع. وحتى حين تنشب خصومة ما، غالبا ما تكون الخصومة على فكرة تتحرك في طرفين: الاتجاه الذي ينشد المصلحة الوطنية العليا (وهي مصلحة مرتبطة بثقافة الدولة وكيانها مما يعني ضمنا أنها لن تخالف تلك الثقافة بكل ما تشتمل عليه من رؤى دينية واجتماعية) والثاني الذي يرى أن لديه ما يستحق الدفاع أكثر من الوطن، والكيان الوطني بالنسبة إليه ليس سوى داعم لبث ونشر إيمانياته والحفاظ عليها.
على امتداد التاريخ الحديث الذي شهد ميلاد الدولة القطرية الحديثة، لم يحدث أن نجحت أية تجربة وطنية قائمة على أيديولوجيا.
محليا، يؤكد التاريخ السعودي المعاصر إلى أي درجة كان الموحد العظيم عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله مؤمنا بتلك الفكرة، وكل الشواهد تشير إلى أنه اتجه إلى بناء دولة وطنية نهجها هو الإسلام بصفته السلمية والإنسانية والتي تحث على البناء، وثمة فرق كبير بين كيان وطني يجعل من الدين منهجا وبين كيان آخر يجعل منه مشروعا، لأن اتخاذ الدين كمشروع وطني يصطدم بالصفة الملازمة للدين وهي الأممية فالأديان للأمم وليست لأوطان بعينها، ولكن حين يكون الدين منهجا، فإنه يصبح عامل البناء الأبرز والأكثر قدرة على استيعاب التحولات والمعطيات الوطنية. ولقد أسس الملك عبدالعزيز وطنا متنوعا، قائما على التنوع والتعدد بدليل أن مشروعه كان مشروعا وحدويا ولم يكن مشروعا انكفائيا أو مذهبيا أو مناطقيا. وبالتالي فالتنوع والاختلاف هو لازمة من لوازم الوطن السعودي لأن قيمته العليا تكمن في عملية التوحيد الكبرى التي أنشأها المؤسس والوحدة لا تكون إلا للمختلف والمتنوع، لأن الواحد والمتفق لا يوحد، وإنما يحدد ويؤطر.
إذن نحن أمام نموذج أقرب ما يكون إلى أمة سعودية، تأخذ من قيم الدولة القطرية الحديثة، وتعتمد الإسلام منهجا وتنحو إلى تخليصه مما علق به من شوائب التقاليد والأعراف التي أنتجت نسخة دينية باتت عائقا في طريق المشروع الوطني على المستوى الأمني والتنموي المستقبلي. ومختلف الصراعات الفكرية القائمة في الداخل الوطني لا تبتعد عن كونها تدور بين رؤية وطنية ورؤية متدينة أيديولوجية، كيفما كان مذهبها أو توجهها، وذلك لارتباطها بعلل قائمة في التدين المتشدد والذي تنتقل معه عيوبه بدءا من القلق من الاختلاف ومحاولة طمس التنوع.
أخطر ما في تجنب الاختلاف، ومحاولة طمس التنوع ما يؤدي إليه من تعارض مع أبرز القيم الوطنية السعودية العليا المتمثلة في الوحدة الوطنية التي جاءت احتفاء وإيمانا بالتنوع واعتمادا عليه. الفعاليات الكبرى التي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز جاءت لتحفيز الاحتفاء والإيمان بتلك الوحدة، فالحوار الوطني يمثل تعزيزا لفكرة التنوع، وتوجها نحو الإيمان به وتفعيله كمادة أساس في قيمة المواطنة، وكل أشكال البناء التنموي تعليميا واقتصاديا ومعرفيا وثقافيا هي في النهاية تصب في صالح المواطن السعودي حاضرا ومستقبلا.
إنه من المخجل أن ينحو التشدد نحو إطلاق صفات يجابه بها حالة الوعي الوطني العامة التي تجتاح الشارع السعودي بفعل إصلاحات القيادة وتوجهها المستقبلي. وتحويل القضايا ذات البعد الوطني والتنموي إلى قضايا ذات بعد ديني واحد، تسيطر عليه أفكار الخوف والقلق والتوجس، فأكثر ما يطرح في قضايا المرأة مثلا إنما يتعلق بجوانب تختص بالحقوق الوطنية وتفعيل الأدوار التنموية، وأكثر ما يطرح في قضايا التعليم والابتعاث والتطوير أيضا إنما يأتي في سياق الدفع بالمعادلة التنموية، وما يطرح في نقد التشدد والتطرف إنما يتجه إلى إحياء القيمة الوطنية العليا التي يفترض بها أن تسمو فوق كل التنوعات بل أن تستوعبها. لا أن تصبح مجرد طرف في معادلة.
المكونات السعودية ربما تعد هي الأقدر على البقاء والاستمرار ومواجهة مختلف التحديات والعمل على بناء مشروع سعودي لا تصل إليه مختلف الكيانات الوطنية الحديثة، وثمة حالة من الثراء المتنوع هي التي أسسها ووضع قواعدها الملك عبدالعزيز، وأصبحت قاعدة تشتمل على كل مكونات البقاء والصمود، مما يعني أن تحويل المؤسسات أو الأفراد إلى فريق تجب مواجهته باسم الدين ليس فقط تجنيا على الوحدة الوطنية، ولكنه توجه لتفتيت قيمتها عن طريق فتح مسارات أكثر للخلاف والشقاق، والذين خرجوا في عمليات إرهابية أو أودى بهم تدينهم المتشدد إلى أن يتحولوا إلى قنابل تنفجر في وجه وطنهم هم أول الكافرين بالوحدة الوطنية، وهو ما جعلهم خصوما حقيقيين للوطن ولوحدته، وبالتالي فإن كل ما يتبع ذلك من إلحاح على فكرة الانتماء لما هو غير وطني بشكل قد يصادم القيمة الوطنية مباشرة هو أيضا مما تجب مواجهته، ولا علاقة لذلك بحريات الرأي لأنها لا تستلزم التكفير والقذف والتخوين والعداء المفرط، وهي الحالة التي أوجدت مؤخرا أصواتا فقهية تستوعب دورها الوطني وتسعى من خلال ما لديها من علم ومعرفة شرعية أن توجد رؤية يكون فيها الدين عامل بناء وتنمية ووحدة، وليس عامل فرقة واختلاف وتحزب، مثلما يريد له الذين خذلوا المشروع الوطني وجزأوا انتماءاتهم ليحدثوا خدوشا سطحية في جدار وحدتنا الوطنية.
إن صيانة مجد الملك عبدالعزيز والتي هي مسؤوليتنا نحن المتنعمين بما حبانا الله به على يديه من وحدة وكيان وطني تحتاج أولا إلى التفريق بين ما يمثل خطابا وطنيا وبين ما يمثل خلاف ذلك، وهي مسألة واضحة وليست من المتشابهات.
المصدر : http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=3399&id=17165&Rname=250
على امتداد التاريخ الحديث الذي شهد ميلاد الدولة القطرية الحديثة، لم يحدث أن نجحت أية تجربة وطنية قائمة على أيديولوجيا.
محليا، يؤكد التاريخ السعودي المعاصر إلى أي درجة كان الموحد العظيم عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله مؤمنا بتلك الفكرة، وكل الشواهد تشير إلى أنه اتجه إلى بناء دولة وطنية نهجها هو الإسلام بصفته السلمية والإنسانية والتي تحث على البناء، وثمة فرق كبير بين كيان وطني يجعل من الدين منهجا وبين كيان آخر يجعل منه مشروعا، لأن اتخاذ الدين كمشروع وطني يصطدم بالصفة الملازمة للدين وهي الأممية فالأديان للأمم وليست لأوطان بعينها، ولكن حين يكون الدين منهجا، فإنه يصبح عامل البناء الأبرز والأكثر قدرة على استيعاب التحولات والمعطيات الوطنية. ولقد أسس الملك عبدالعزيز وطنا متنوعا، قائما على التنوع والتعدد بدليل أن مشروعه كان مشروعا وحدويا ولم يكن مشروعا انكفائيا أو مذهبيا أو مناطقيا. وبالتالي فالتنوع والاختلاف هو لازمة من لوازم الوطن السعودي لأن قيمته العليا تكمن في عملية التوحيد الكبرى التي أنشأها المؤسس والوحدة لا تكون إلا للمختلف والمتنوع، لأن الواحد والمتفق لا يوحد، وإنما يحدد ويؤطر.
إذن نحن أمام نموذج أقرب ما يكون إلى أمة سعودية، تأخذ من قيم الدولة القطرية الحديثة، وتعتمد الإسلام منهجا وتنحو إلى تخليصه مما علق به من شوائب التقاليد والأعراف التي أنتجت نسخة دينية باتت عائقا في طريق المشروع الوطني على المستوى الأمني والتنموي المستقبلي. ومختلف الصراعات الفكرية القائمة في الداخل الوطني لا تبتعد عن كونها تدور بين رؤية وطنية ورؤية متدينة أيديولوجية، كيفما كان مذهبها أو توجهها، وذلك لارتباطها بعلل قائمة في التدين المتشدد والذي تنتقل معه عيوبه بدءا من القلق من الاختلاف ومحاولة طمس التنوع.
أخطر ما في تجنب الاختلاف، ومحاولة طمس التنوع ما يؤدي إليه من تعارض مع أبرز القيم الوطنية السعودية العليا المتمثلة في الوحدة الوطنية التي جاءت احتفاء وإيمانا بالتنوع واعتمادا عليه. الفعاليات الكبرى التي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز جاءت لتحفيز الاحتفاء والإيمان بتلك الوحدة، فالحوار الوطني يمثل تعزيزا لفكرة التنوع، وتوجها نحو الإيمان به وتفعيله كمادة أساس في قيمة المواطنة، وكل أشكال البناء التنموي تعليميا واقتصاديا ومعرفيا وثقافيا هي في النهاية تصب في صالح المواطن السعودي حاضرا ومستقبلا.
إنه من المخجل أن ينحو التشدد نحو إطلاق صفات يجابه بها حالة الوعي الوطني العامة التي تجتاح الشارع السعودي بفعل إصلاحات القيادة وتوجهها المستقبلي. وتحويل القضايا ذات البعد الوطني والتنموي إلى قضايا ذات بعد ديني واحد، تسيطر عليه أفكار الخوف والقلق والتوجس، فأكثر ما يطرح في قضايا المرأة مثلا إنما يتعلق بجوانب تختص بالحقوق الوطنية وتفعيل الأدوار التنموية، وأكثر ما يطرح في قضايا التعليم والابتعاث والتطوير أيضا إنما يأتي في سياق الدفع بالمعادلة التنموية، وما يطرح في نقد التشدد والتطرف إنما يتجه إلى إحياء القيمة الوطنية العليا التي يفترض بها أن تسمو فوق كل التنوعات بل أن تستوعبها. لا أن تصبح مجرد طرف في معادلة.
المكونات السعودية ربما تعد هي الأقدر على البقاء والاستمرار ومواجهة مختلف التحديات والعمل على بناء مشروع سعودي لا تصل إليه مختلف الكيانات الوطنية الحديثة، وثمة حالة من الثراء المتنوع هي التي أسسها ووضع قواعدها الملك عبدالعزيز، وأصبحت قاعدة تشتمل على كل مكونات البقاء والصمود، مما يعني أن تحويل المؤسسات أو الأفراد إلى فريق تجب مواجهته باسم الدين ليس فقط تجنيا على الوحدة الوطنية، ولكنه توجه لتفتيت قيمتها عن طريق فتح مسارات أكثر للخلاف والشقاق، والذين خرجوا في عمليات إرهابية أو أودى بهم تدينهم المتشدد إلى أن يتحولوا إلى قنابل تنفجر في وجه وطنهم هم أول الكافرين بالوحدة الوطنية، وهو ما جعلهم خصوما حقيقيين للوطن ولوحدته، وبالتالي فإن كل ما يتبع ذلك من إلحاح على فكرة الانتماء لما هو غير وطني بشكل قد يصادم القيمة الوطنية مباشرة هو أيضا مما تجب مواجهته، ولا علاقة لذلك بحريات الرأي لأنها لا تستلزم التكفير والقذف والتخوين والعداء المفرط، وهي الحالة التي أوجدت مؤخرا أصواتا فقهية تستوعب دورها الوطني وتسعى من خلال ما لديها من علم ومعرفة شرعية أن توجد رؤية يكون فيها الدين عامل بناء وتنمية ووحدة، وليس عامل فرقة واختلاف وتحزب، مثلما يريد له الذين خذلوا المشروع الوطني وجزأوا انتماءاتهم ليحدثوا خدوشا سطحية في جدار وحدتنا الوطنية.
إن صيانة مجد الملك عبدالعزيز والتي هي مسؤوليتنا نحن المتنعمين بما حبانا الله به على يديه من وحدة وكيان وطني تحتاج أولا إلى التفريق بين ما يمثل خطابا وطنيا وبين ما يمثل خلاف ذلك، وهي مسألة واضحة وليست من المتشابهات.
المصدر : http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=3399&id=17165&Rname=250