هناك الكثير من الأخبار «الصغيرة» تمر دون أن تلقى أدنى اهتمام من الإعلام العربي والعالمي، مع أنها تشكل وثائق مهمة بالإمكان استخدامها في المحاكم الدولية عندما يتعلق الأمر بموضوع سرقات إسرائيل الكبرى.
البحث عن مثل هذه الأخبار يحتاج إلى الكثير من العناء والجهد، فإذا «تبرعت» إحدى وسائل الإعلام بنشرها على خجل، فإنها تنشرها في الصفحات الداخلية، وفي الزوايا المنسية.
منذ أيام «اصطدت» أحد تلك الأخبار مصادفة وقد تم نشره على »الجزيرة. نت« ويتعلق بسرقة الآثار العراقية منذ اليوم الأول لغزو العراق في آذار عام 2003.
إذ أكد الناطق باسم وزارة السياحة والآثار العراقية عبد الزهرة الطالقاني وجود آثار عراقية منهوبة في إسرائيل، مشيراً إلى أن «جهات منظمة لديها إمكانات كبيرة وقدرات على نقل الآثار عبر طرق عديدة بأساليب متطورة وغير معروفة للأجهزة الأمنية في الدول التي تمر بها تلك الآثار» فهذه الجهات هي التي تقف وراء تهريب الآثار إلى إسرائيل.
لم ينته الخبر، لكننا لن نستفيض أكثر مما تقدم، فالتفصيلات على أهميتها لا تقدم ولا تؤخر، فالمعلومة وصلت، وسرقة الآثار العراقية وتهريبها إلى إسرائيل صارت مؤكدة، بعد أن كانت مجرد تحليلات مبنية على الظنون.
هذا الخبر يعتبر مدخلاً للحديث عن مواضيع عدة تتعلق بمجملها بتزوير التاريخ، وقلب الحقائق، لتبرير سرقة أرض وتهجير شعب.
أول ما يخطر في الذهن عند قراءة مثل هذه الأخبار هو وجود خيوط محكمة تربط بين سرقة آثار العراق، وما يجري من عمليات تهويد في فلسطين المحتلة، وبشكل خاص في مدينة القدس التي تعتبرها إسرائيل أساس وجودها، وقلب المشروع الصهيوني.
والحفريات المنظمة تحت المسجد الأقصى لا تهدف فقط إلى تهويد القدس، والعمل على انهيار هذا المسجد لإقامة ما يسمونه (الهيكل) على أنقاضه فحسب، بل تهدف كذلك إلى البحث عن أي أثر أو وثيقة تاريخية تثبت وجود دولة لليهود قبل ثلاثة آلاف عام.
فمنذ أكثر من أربعة عقود، أي منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية والجولان السوري في عدوان 1967، لم تتوقف البعثات الأثرية الإسرائيلية عن البحث والتنقيب بحثاً عن شيء يثبت الأكاذيب الإسرائيلية، وعمليات التنقيب لم تقتصر على محيط المسجد الأقصى وتحت أسواره، ولم تتوقف عند حدود مدينة القدس، بل تعدت ذلك لتصل إلى كامل الضفة الغربية، وفلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، بل امتدت هذه المحاولات حتى إلى الجولان السوري المحتل وسيناء وبلغت العراق، ولا ندري إلى أين وصلت، أو إلى أين ستصل لاحقا؟!.
الخبر الجيد هنا أن كل التنقيبات وعمليات الحفر والبحث لم تسفر عن إيجاد وثيقة ولو بحجم الكف الواحدة، تؤيد الأباطيل الإسرائيلية.
أما الخبر السيئ فهو أن إسرائيل التي استطاعت على مدى أكثر من نصف قرن، تضليل العالم، قادرة اليوم على صنع الأدلة المزورة مستندة في ذلك إلى خرافات وأساطير لا وجود لها إلا في «أدبيات» الحركة الصهيونية العالمية، وفي كتاب واحد اسمه: التلمود.
بالعودة إلى خبر تهريب الآثار العراقية إلى إسرائيل، يطرح سؤالان على جانب كبير من الأهمية.
الأول: كيف تم تهريب هذه الآثار وهو يحتاج إلى (إمكانات كبيرة وقدرات متقدمة وغير معروفة للأجهزة الأمنية التي تمر بها تلك الآثار)؟!
السؤال الثاني: لماذا تسعى إسرائيل إلى سرقة آثار العراق تحديداً؟!
لعل السؤال الأول يحمل إجابته في طياته، فمن القادر في ظل الاحتلال العسكري الأميركي على تهريب الآثار، ويمتلك التقنيات عالية المستوى لتمر جريمته دون أي ضجيج أو صخب؟
أما في الإجابة عن السؤال الثاني فتبرز جملة من الأسئلة الأخرى، وفي مقدمتها: هل تبحث إسرائيل والصهيونية العالمية بشكل عام عن أدلة ما تثبت أن إسرائيل بحدودها الخرافية بلغت العراق ذات يوم، الأمر الذي يبرر لصهاينة اليوم مطالبتهم بأن تكون حدود إسرائيل من الفرات إلى النيل؟!
وللحقيقة التاريخية نشير إلى أن نبوخذ نصر كان قد نقل أعداداً كبيرة من اليهود من فلسطين إلى بلاد الرافدين لفترة من الزمن ـ بدأت فيها كتابة التلمود واستمرت 500 سنة ثم عاد هؤلاء اليهود ـ أو معظمهم ـ إلى أرض فلسطين لكن وللحقيقة التاريخية أيضاً، نقول: إن يهود الأمس لا يمتون بصلة إلى صهاينة اليوم الذين قاموا مع مطلع القرن العشرين المنصرم بالسطو على فلسطين العربية، وهم قدموا من كل بقاع الأرض، وهم أيضاً حتى اليوم يحملون ـ أو يحمل معظمهم على الأقل ـ جنسيات الدول التي قدموا منها. فمنهم الأميركي والروسي والبولوني والفرنسي والعراقي والمغربي، بل إن جنسيات كل دول العالم موجودة في إسرائيل، مع الإشارة أيضاً إلى أنه لم تقم تاريخياً دولة لليهود إلا على جزء من فلسطين ولمدة لا تتجاوز السبعين عاماً.
ومع ثقتنا التامة بأن إسرائيل ستفشل في إثبات وجودها التاريخي على أرض فلسطين، وفي المنطقة عموماً، إلا أننا ننبه من خطورة ما يقوم به الإسرائيليون إن كان من خلال سرقة الآثار العراقية، والعربية أيضاً، أو من خلال عمليات التهويد الجارية في الأراضي المحتلة والسطو على الآثار الإسلامية والمسيحية وإلحاقها بما يسمونه «التراث اليهودي» وخاصة في القدس العربية.
فمن سرق أرضاً وشرد شعباً كاملاً من وطنه، قادر بل عازم اليوم على سرقة المزيد من الأراضي العربية، وتشريد المزيد من الشعب العربي من تلك الأراضي مستغلاً تواطؤ (العالم الحر!) وتقاعس بعض العرب وعدم مبادرتهم إلى الدفاع عن أراضيهم وحقوقهم ووجودهم.
ففي ظل التنفيذ العملي للمشروع الصهيوني لم يعد مستغرباً أن تقوم إسرائيل بأي عمل عدواني لتحقيق حلمها الخرافي.
لذا فإن العرب، كل العرب، في دائرة الخطر.. فماذا هم فاعلون؟!
دمشق
صحيفة تشرين
الصفحة الاولى
الثلاثاء 6 نيسان 2010
بقلم: عصام داري
البحث عن مثل هذه الأخبار يحتاج إلى الكثير من العناء والجهد، فإذا «تبرعت» إحدى وسائل الإعلام بنشرها على خجل، فإنها تنشرها في الصفحات الداخلية، وفي الزوايا المنسية.
منذ أيام «اصطدت» أحد تلك الأخبار مصادفة وقد تم نشره على »الجزيرة. نت« ويتعلق بسرقة الآثار العراقية منذ اليوم الأول لغزو العراق في آذار عام 2003.
إذ أكد الناطق باسم وزارة السياحة والآثار العراقية عبد الزهرة الطالقاني وجود آثار عراقية منهوبة في إسرائيل، مشيراً إلى أن «جهات منظمة لديها إمكانات كبيرة وقدرات على نقل الآثار عبر طرق عديدة بأساليب متطورة وغير معروفة للأجهزة الأمنية في الدول التي تمر بها تلك الآثار» فهذه الجهات هي التي تقف وراء تهريب الآثار إلى إسرائيل.
لم ينته الخبر، لكننا لن نستفيض أكثر مما تقدم، فالتفصيلات على أهميتها لا تقدم ولا تؤخر، فالمعلومة وصلت، وسرقة الآثار العراقية وتهريبها إلى إسرائيل صارت مؤكدة، بعد أن كانت مجرد تحليلات مبنية على الظنون.
هذا الخبر يعتبر مدخلاً للحديث عن مواضيع عدة تتعلق بمجملها بتزوير التاريخ، وقلب الحقائق، لتبرير سرقة أرض وتهجير شعب.
أول ما يخطر في الذهن عند قراءة مثل هذه الأخبار هو وجود خيوط محكمة تربط بين سرقة آثار العراق، وما يجري من عمليات تهويد في فلسطين المحتلة، وبشكل خاص في مدينة القدس التي تعتبرها إسرائيل أساس وجودها، وقلب المشروع الصهيوني.
والحفريات المنظمة تحت المسجد الأقصى لا تهدف فقط إلى تهويد القدس، والعمل على انهيار هذا المسجد لإقامة ما يسمونه (الهيكل) على أنقاضه فحسب، بل تهدف كذلك إلى البحث عن أي أثر أو وثيقة تاريخية تثبت وجود دولة لليهود قبل ثلاثة آلاف عام.
فمنذ أكثر من أربعة عقود، أي منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية والجولان السوري في عدوان 1967، لم تتوقف البعثات الأثرية الإسرائيلية عن البحث والتنقيب بحثاً عن شيء يثبت الأكاذيب الإسرائيلية، وعمليات التنقيب لم تقتصر على محيط المسجد الأقصى وتحت أسواره، ولم تتوقف عند حدود مدينة القدس، بل تعدت ذلك لتصل إلى كامل الضفة الغربية، وفلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، بل امتدت هذه المحاولات حتى إلى الجولان السوري المحتل وسيناء وبلغت العراق، ولا ندري إلى أين وصلت، أو إلى أين ستصل لاحقا؟!.
الخبر الجيد هنا أن كل التنقيبات وعمليات الحفر والبحث لم تسفر عن إيجاد وثيقة ولو بحجم الكف الواحدة، تؤيد الأباطيل الإسرائيلية.
أما الخبر السيئ فهو أن إسرائيل التي استطاعت على مدى أكثر من نصف قرن، تضليل العالم، قادرة اليوم على صنع الأدلة المزورة مستندة في ذلك إلى خرافات وأساطير لا وجود لها إلا في «أدبيات» الحركة الصهيونية العالمية، وفي كتاب واحد اسمه: التلمود.
بالعودة إلى خبر تهريب الآثار العراقية إلى إسرائيل، يطرح سؤالان على جانب كبير من الأهمية.
الأول: كيف تم تهريب هذه الآثار وهو يحتاج إلى (إمكانات كبيرة وقدرات متقدمة وغير معروفة للأجهزة الأمنية التي تمر بها تلك الآثار)؟!
السؤال الثاني: لماذا تسعى إسرائيل إلى سرقة آثار العراق تحديداً؟!
لعل السؤال الأول يحمل إجابته في طياته، فمن القادر في ظل الاحتلال العسكري الأميركي على تهريب الآثار، ويمتلك التقنيات عالية المستوى لتمر جريمته دون أي ضجيج أو صخب؟
أما في الإجابة عن السؤال الثاني فتبرز جملة من الأسئلة الأخرى، وفي مقدمتها: هل تبحث إسرائيل والصهيونية العالمية بشكل عام عن أدلة ما تثبت أن إسرائيل بحدودها الخرافية بلغت العراق ذات يوم، الأمر الذي يبرر لصهاينة اليوم مطالبتهم بأن تكون حدود إسرائيل من الفرات إلى النيل؟!
وللحقيقة التاريخية نشير إلى أن نبوخذ نصر كان قد نقل أعداداً كبيرة من اليهود من فلسطين إلى بلاد الرافدين لفترة من الزمن ـ بدأت فيها كتابة التلمود واستمرت 500 سنة ثم عاد هؤلاء اليهود ـ أو معظمهم ـ إلى أرض فلسطين لكن وللحقيقة التاريخية أيضاً، نقول: إن يهود الأمس لا يمتون بصلة إلى صهاينة اليوم الذين قاموا مع مطلع القرن العشرين المنصرم بالسطو على فلسطين العربية، وهم قدموا من كل بقاع الأرض، وهم أيضاً حتى اليوم يحملون ـ أو يحمل معظمهم على الأقل ـ جنسيات الدول التي قدموا منها. فمنهم الأميركي والروسي والبولوني والفرنسي والعراقي والمغربي، بل إن جنسيات كل دول العالم موجودة في إسرائيل، مع الإشارة أيضاً إلى أنه لم تقم تاريخياً دولة لليهود إلا على جزء من فلسطين ولمدة لا تتجاوز السبعين عاماً.
ومع ثقتنا التامة بأن إسرائيل ستفشل في إثبات وجودها التاريخي على أرض فلسطين، وفي المنطقة عموماً، إلا أننا ننبه من خطورة ما يقوم به الإسرائيليون إن كان من خلال سرقة الآثار العراقية، والعربية أيضاً، أو من خلال عمليات التهويد الجارية في الأراضي المحتلة والسطو على الآثار الإسلامية والمسيحية وإلحاقها بما يسمونه «التراث اليهودي» وخاصة في القدس العربية.
فمن سرق أرضاً وشرد شعباً كاملاً من وطنه، قادر بل عازم اليوم على سرقة المزيد من الأراضي العربية، وتشريد المزيد من الشعب العربي من تلك الأراضي مستغلاً تواطؤ (العالم الحر!) وتقاعس بعض العرب وعدم مبادرتهم إلى الدفاع عن أراضيهم وحقوقهم ووجودهم.
ففي ظل التنفيذ العملي للمشروع الصهيوني لم يعد مستغرباً أن تقوم إسرائيل بأي عمل عدواني لتحقيق حلمها الخرافي.
لذا فإن العرب، كل العرب، في دائرة الخطر.. فماذا هم فاعلون؟!
دمشق
صحيفة تشرين
الصفحة الاولى
الثلاثاء 6 نيسان 2010
بقلم: عصام داري