خطابات الطغاة
الدكتور محمد عمارة
الدكتور محمد عمارة
منذ عدة سنوات، بدأت حملة منظمة ـ لا تزال قائمة ـ ضد الخطاب الديني الإسلامي.. ولقد شارك الخارج والداخل في هذه الحملة ، التي لم تقف عند "الخطاب" و"الدعاة"، وإنما تجاوزت ذلك إلى "مرجعية" هذا الخطاب ومقدساته فطالبت بالحذف والتعديل حتى لآيات من القرآن الكريم وأحاديث من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم!..
ومع اعترافنا بأن تجديد الخطاب الديني هو سنة من سنن الفكر في الإسلام.. وبأن في خطابنا ـ الديني وغير الديني ـ ما يحتاج إلى كثير من التجديد والتطوير.. فإن التساؤل المشروع يقول لنا وللآخرين:
ـ وأين هي الدعوات إلى تجديد الخطابات الدينية عند الآخرين؟!..
إن التراث اليهودي ـ على سبيل المثال ـ طافح بالعنصرية والدموية ضد كل الأغيار.. حتى لنقرأه في سفر التثنية ـ الإصحاح 7 : 1 ـ 6، 14 ـ 16. والإصحاح 20: 10 ـ 16. والإصحاح 25: 19 ـ صفحات من الفكر العنصري الدموي التي تدعو إلى إبادة "جميع الشعوب الذين على وجه الأرض.. وأكل كل الشعوب أكلا.. دون أن تقطع لهم عهدًا.. ولا تشفق حينذاك عليهم.. بل تمح ذكراهم من تحت السماء ـ مثل العماليق ـ "!!..
ولم يقف أمر هذه العنصرية الدموية عند "الخطاب التراثي"، وإنما تحول هذا التراث الدموي إلى "فكر معاصر" يتجسد على أرض الواقع ضد الشعب الفلسطيني.. فالحاخام الصهيوني "العقيد أ. فيدان (زيمبل)" يفتي للجنود الصهاينة المحتلين لأرض غزة والضفة الغربية، فيقول: "إن الهالاكاة ـ (الشريعة) ـ تحض على قتل حتى المدنيين الطيبين"!!..
فأين نحن، وأين العالم الذي يصدع رؤوسنا ويبتز أمتنا بنقد خطابنا الديني ـ خطاب الضحية! ـ من هذا الخطاب العنصري الدموي، الذي يوضع اليوم في الممارسة والتطبيق على أرض فلسطين.. بل والذي تبتنها وتطبقه جحافل الاستعمار الغربي ـ بقيادة أمريكا ـ في العراق وأفغانستان.. وجوانتانامو.. وسلخانا في التعذيب المنتشرة في قارات العالم الذي نعيش فيه؟!..
أين العالم ـ وأين العلمانيون في بلادنا ـ من هذا الخطاب الدموي العنصري ـ "الصهيوني الصليبي" ـ الذي تكتوي بناره الشعوب المستضعفة في قارات الجنوب؟!.. أم أن الخطاب الديني الإسلامي هو وحده الذي يحتاج إلى تجديد؟
إن المسلمين لم يكونوا هم الذين أبادوا شعوب الهنود الحمر.. ودمروا حضارتهم!.. وليسو هم الذين استخدموا أسلحة الدمار الشامل ـ الذرية ـ في إبادة المدنيين الأبرياء الآمنين في هيروشيما ونجزاكي ـ باليابان سنة 1945م ـ !.. وليسوا هم الذين سمموا تربة الأرض.. وأحرقوا الغابات.. وأبادوا ثلاثة ملايين من البشر في فيتنام!.. ولا هم الذين قتلوا سبعين مليونًا في حربين عالميتين ـ في النصف الأول من القرن العشرين ـ !.. ولا هم الذين قتلوا قرابة المليونين من الشهداء في الجزائر!.. ولا هم الذين استخدموا اليورانيوم المخصب والقنابل الفسفورية والعنقودية، وسمموا البيئة، وقتلوا عشرات الآلاف.. بل ودمروا حتى كنوز الآثار الحضارية النادرة والنفيسة في العراق!.. ولا هم الذين حولوا الكثير من بلاد الجنوب إلى مقابر للنفايات الذرية المدمرة والمهلكة للحياة!.. وجعلوا من حياة الأبرياء في الجنوب، ومن زراعاتهم حقول تجارب ومصادر مكاسب للمبيدات الضارة، والأسمدة الفاسدة والأدوية المنتهية الصلاحيات!..
لم يكن المسلمون هم الذين صنعوا ذلك.. ولا شيئًا من ذلك.. لكن القضية ـ في الحقيقة ـ هي قضية النهب الاستعماري الغربي لعالم الإسلام.. وقضية العداء العربي للإسلام الموقظ لأمته.. هذا الإسلام، الذين يرى فيه الغرب ـ بعبارة المستشرق الفرنسي "جاك بيرك" (1910 ـ 1995م) : "ابن العم المجهول.. والأخ المرفوض.. والمنكور الأبدي.. والمتهم الأبدي.. والمشتبه فيه الأبدي!!".. تلك هي الحقيقة، التي تعمي عليها وتزيفها "خطابات الطغاة"!..
عن موقع التاريخ /جريدة المصريون