حقيبة نووية في يد مميتة
يُفترض ألا تلجأ الدولة النووية إلى استعمال الأسلحة النووية إلا عندما يأمر رئيس الدولة بذلك. وكما هو معلوم فإن رئيسي روسيا والولايات المتحدة يستطيعان أن يصدرا الأوامر بشأن استخدام الأسلحة النووية عبر ما يسمى بـ"الحقيبة النووية" التي تحتوي على مفاتيح إصدار وإرسال الأوامر المناسبة.
وظهر ما يشبه الحقيبة النووية في الولايات المتحدة للمرة الأولى في عهد الرئيس ايزنهاور (1953 - 1961). وامتلكت الولايات المتحدة حينذاك 300 قنبلة نووية في حين امتلك الاتحاد السوفيتي 10 قنابل نووية.
وأصبح الرئيس الأمريكي كيندي أول من يحصل على الحقيبة النووية في شكلها الحالي. وبالتالي لم يعد بإمكان أي قيادي أمريكي أن يأمر بتوجيه الضربة النووية إلا بموافقة رئيس الولايات المتحدة الذي أصبح بمقدوره أن يصدر أوامره بإطلاق صواريخ ذات رؤوس نووية من غرفة نومه مثلا، في حال وجدت الحقيبة النووية في غرفته.
ومن المفروض أن يصطحب رئيس الولايات المتحدة الحقيبة النووية معه دائما ويحملها مساعد له. ويُذكر أن الرئيس فورد ترك ذات يوم مساعده الذي يحمل الحقيبة النووية على متن طائرته في باريس. أما الرئيس كارتر فقد ترك في اليوم الذي صادف الذكرى الـ50 لميلاد حلف شمال الأطلسي، مساعده الخاص في أحد شوارع واشنطن، فركض ضابط الحقيبة النووية وراء رئيس الدولة خلال ربع الساعة وفي يده الحقيبة التي تزن 18 كيلوغراما.
وصنعت روسيا حقيبتها النووية بعد 20 عاما من ظهور الحقيبة النووية الأمريكية. وكانت هذه الحقيبة جزءا من منظومة التحكم في القوات النووية والتي عرفت باسم "كازبيك" ودخلت الخدمة في عام 1983.
وكانت للحقيبة النووية السوفيتية 3 نسخ، إذ رأى الزعيم السوفيتي بريجنيف أنه من الضروري أن يكون مفتاح قيادة القوات النووية في متناول وزير الدفاع ورئيس الأركان أيضا لكي تتمكن القوات من القيام برد على هجوم نووي في حال عجز القائد الأعلى عن إعطاء أوامره لأسباب قاهرة.
وتظل الحقيبة النووية الروسية كما هي ولكن تغيرت محتوياتها، إذ انتهى عمرها الفني في عام 1993، فتطلب الأمر تجديد شبابها. وتم ذلك بصعوبة لأن غالبية مؤسسات الصناعة الإلكترونية السوفيتية أصبحت خارج روسيا.
واحتاط الاتحاد السوفيتي لاحتمال تعطل منظومة "كازبيك" أو مقتل أصحاب الحقائب النووية الثلاث، فصنع ما يضمن توجيه الضربة للمعتدي بعد رحيل قياداته وهو الآلة ذات "اليد المميتة" التي تضرب المعتدي بالصواريخ ذات الرؤوس النووية في حال قتل الآمرون ومنفذو أوامرهم من مشغلي قواذف الصواريخ، مشغلة المنصات المخبأة تحت الأرض لإطلاق الصواريخ عن بعد بواسطة الصواريخ ذات أجهزة الإرسال القوية التي تحلق فوق أراضي الاتحاد السوفيتي حاملة أوامر الآلة الآمرة ذات "اليد المميتة" إلى منفذي أوامرها الآليين في قواعد الصواريخ.
وعلم الأمريكيون بوجود "اليد المميتة" في روسيا في عام 1993، وعبروا لقيادة روسيا الجديدة عن رجائهم بأن تسحب هذه الآلة الرهيبة من الخدمة. ولقي رجاء الأصدقاء الأمريكيين التجاوب في عام 1995 كما جاء في صحيفة "كومسومولسكايا برافدا".