شورت و بلير و كوفي أنان !!

يحي الشاعر

كبير المؤرخين العسكريين
عضو مميز
إنضم
2 فبراير 2008
المشاركات
1,560
التفاعل
98 0 0
شورت و بلير و كوفي أنان !!




منقول من جريدة الوسط



د. يحي الشاعر

spacer.gif
p_comment_06.gif
spacer.gif
16 مارس 2008 - 11:38 صباحا
28295bg.jpg
الحلقة التاسعة من كتاب " حرب الجواسيس في القرن الـ21"
بقلم الكاتب الصحفي الكبير/ مجدي كامل.

أكثر الظواهر التي ارتبطت بحرب الجاسوسية الجديدة في الألفية الثالثة هو التحول من التجسس على دولة ما بهدف اختراق خزائن أسرارها في مجال ما ، أو في مجالات شتى ، إلي التجسس على المنظمات الأممية ، و بالتحديد تلك المتعلقة باتخاذ قرارات دولية من شأنها تغيير مسار التاريخ ، أو إعادة تشكيل مصائر الشعوب !!
و قد برزت هذه الظاهرة الجديدة بجلاء مع دق طبول الحرب الأمريكية البريطانية على العراق ، في إصرار غريب على احتلال هذا البلد العربي ، بعد إسقاط نظامه بأي ثمن !!
ففي غمرة الاستعداد للحرب و ما بعدها أخذت هذه الظاهرة تتسع خاصة في ضوء المعارضة العالمية للحرب ، و التي تجسدت في مواقف الدول الممثلة في مجلس الأمن ، حيث تتخذ أخطر القرارات الواجبة النفاذ في تاريخ الأمم و الشعوب !!
و كانت الوزيرة البريطانية كلير شورت المستقيلة من حكومة توني بلير رئيس الوزراء البريطاني ، و التي شغلت منصب وزير التنمية الدولية في حكومتي توني بلير بين 1997 و2003 ، أول من كشفت عن هذا التحول الخطير في الأنشطة التجسسية ، عندما كشفت النقاب عن تجسس عملاء حكومة بليرعلى اتصالات كوفي أنان الأمين العام للأمم المتحدة.
و قالت شورت التي فجرت فضيحة من العيار الثقيل ، و لتحدث ضجة سياسية ضخمة في بريطانيا و العالم .. قالت في حديث مع هيئة الاذاعة البريطانية «بي بي سي» ان عناصر من الاستخبارات البريطانية تلقوا تعليمات بالتجسس على مسؤولين في الامم المتحدة خصوصا امينها العام كوفي انان.

وربما لو كان هذا الكشف قد جاء على لسان أي شخص آخر غير الوزيرة شورت ، لأمكن لبلير و مستشاريه مداواة الفضيحة ، أو احتواء تداعياتها ، و لكن شورت كانت محل ثقة الشعب البريطاني ، و خاصة بعد أن رفضت الاشتراك مع حكومة بلير في الكذب على البريطانيين ، و جرهم لحرب العراق ، بمبررات ثبت بعد ذلك كذبها و تلفيقها .
كما أن شورت هي الوزيرة الوحيدة التي امتلكت الشجاعة و النزاهة و استقالت في شهرمايو 2003 من حكومة توني بلير احتجاجا على شن الحرب الأميركية البريطانية على العراق بدون ضوء أخضر من الامم المتحدة.
و المعروف أن شورت لطالما كانت تلقب بـ " المدفع الذي يصعب التحكم به " بسبب جراتها البالغة وعدم خشيتها من قول رأيها بصراحة حتى لو كان مثيراً للجدل . فقد اجرت مقابلة مع هيئة الاذاعة البريطانية " بي . بي . سي " ليلة الأحد 9 مارس عام 2003 قبيل الحرب على العراق ، لوحت فيها بالاستقالة ، و وصفت بلير بأنه " متهور " في ضوء تعاطيه مع الازمة العراقية ، وسيره بلا تردد على خطى بوش المتسرعة نحو الكارثة . صحيح أن المقابلة أقامت الدنيا وأقعدتها ، ولم يكف هاتفها عن الرنين لبعض الوقت ، لأن كبار المسؤولين وفي مقدمتهم بلير نفسه ، حرصوا على ابلاغها احتجاجاتهم الصاخبة، لكن رئيس الوزراء تعهد لها مجدداً بتلبية طلباتها ، فرضيت ان تبقى في منصبها ، ثم استقالت عندما ذهب للحرب !!
و من هنا فقد نزلت تصريحات شورت كالصاعقة على رأس بلير و أدت إلى زيادة أزمة بلير التي بدأت بشن الحرب على العراق خلافا لرأي الشارع البريطاني ، وتزايدت بعد الكشف عن كذب المعلومات الاستخبارية ، التي روجتها المخابرات البريطانية والأمريكية للعدوان على العراق .. بل و يؤكد العالمين ببواطن الأمور في بريطانيا و في مقدمتهم مقربون من بلير أن ما كشفت عنه شورت كان بداية النهاية لمشوار بلير السياسي ، و سبباً رئيسياً في انهيار كل أسهمه لدى الشعب ، مما أدى إلى اضطراره لتقديم استقالته في شهر يونيو عام 2007 ، قبل انتهاء ولايته ، ليحل محله مايكل جوردون كرئيس للوزراء !!
و بالطبع حاول بلير درء الفضيحة بأن كال الاتهامات لوزيرته السابقة ، و أهمها اتهامها بتعريض الأمن القومي لبلادها للخطر .. فماذا كان رد فعل المرأة الشجاعة ؟
070620_blair_vmed_10a.widec.jpg

شورت رفضت - و بمنتهى القوة - اتهامات رئيس الوزراء البريطاني توني بلير لها بان تصريحاتها حول قيام بريطانيين بالتجسس على امين عام الامم المتحدة كوفي انان قبل الحرب على العراق تعرض الامن القومي البريطاني للخطر.​
وقالت شورت في حديث مع القناة البريطانية الرابعة : " ان المسالة مسالة ضمير ولا علاقة لها بالقانون حول الأسرار الرسمية ولا بالأمن القومي " في إشارة إلى تصريحات بلير حين وصف تصريحاتها بأنها " غير مسؤولة " معتبرا أنها " تعرض أمن البلاد " للخطر.
وأضافت شورت في حديثها التلفزيوني : " إن الأمن البريطاني لا يتعرض للخطر عندما نكشف أن اتصالات هاتفية خاصة لكوفي أنان كشفت بشكل غير لائق ، وقول ذلك علنا لا يشكل خطرا على أي شخص يعمل في أجهزة الاستخبارات البريطانية و إنما فضيحة أخلاقية !!
وقالت : " ما سيحدث الآن هو أن هذا الأمر (التنصت) سيتوقف وأن كوفي أنان سيتمكن من الاستفادة من الخصوصية والاحترام اللذين يعتبران من حقه " .
وأوضحت ان " بإمكان رئيس الوزراء أن يقول إنني لا أقول الحقيقة .. وفي هذه الحالة هو كذاب أو بإمكانه أن يقول ان كل ما قلته صحيح ، ولكن سيكون الأمر بكل بساطة ضخم جدا " .
واضافت: " بامكانه أيضا أن يشن هجوما عليًّ وهذا ما اختار أن يفعله. أما من جهتي أنا ليس عندي أي شيء أخسره " !!
و قالت : " فكرت بالامر كثيرا. كنت مشوشة وقررت اذن ان اخرج هذا الامر الى العلن وهذا ما اقوم به " . وكانت شورت اكدت في المقابلة مع هيئة الاذاعة البريطانية انها " اطلعت على نص احاديث اجراها كوفي انان " .
واردفت : " الواقع انني اجريت احاديث مع كوفي انان قبل الحرب وقلت لنفسي " ستكون هناك نصوص لهذه الاحاديث وسيعرف الكل ما قلناه ".
وردا على سؤال صحافي هيئة الاذاعة البريطانية: " بعبارة أخرى هل تلقى جواسيس بريطانيون تعليمات للقيام بعمليات داخل الأمم المتحدة تستهدف أشخاصا مثل كوفي انان؟ " ، قالت شورت بحسم و ثقة : " نعم بالتأكيد " .
واضاف الصحافي : " هل كنت على علم بذلك حين كنت في الحكومة؟ " . فاجابت شورت : " بالتأكيد قرأت نص بعض احاديث كوفي انان " !!
و هكذا فعندما استقالت شورت من منصبها الوزاري في مايو 2003‏..‏ كان لاستقالتها وقع الزلزال‏ ,‏ قبل أن تفجر قنبلة ذات دوي هائل هز أركان الحكومة والبرلمان والأحزاب والرأي العام في بلادها‏.‏
ففي المرة السابقة ، دعت بلير إلي التنحي مثلما تنحت هي عن منصب وزيرة التنمية الدولية‏..‏ أما في هذه المرة فقد قفزت إلي منطقة خطرة و محظورة ، بطعنها في نزاهة أجهزة الاستخبارات البريطانية ‏.‏
و مع ذلك فلم تكن شورت وحدها في الساحة فقد كانت هناك امراة أخرى ، وجدت لديها من الجرأة والصراحة ما يجعلها تتهم أجهزة المخابرات المنوط بها صيانة الأمن والمحافظة عليه‏,‏ بأنها تتجسس علي الأمن العام للأمم المتحدة و هي المترجمة البريطانية كاثرين جان التي سربت معلومات بأن بريطانيا والولايات المتحدة كانتا تتعاونان في التجسس علي مندوبي الدول الأعضاء في مجلس الأمن قبل شن الحرب علي العراق .
‏ كما أيد الوزيرة البريطانية السابقة الدكتور بطرس غالي الأمين العام السابق للأمم المتحدة ذلك ‏,‏ حيث أكد أنه كان يشعر بالتنصت عليه منذ اليوم الأول لتوليه منصبه ، وأنه لم يفاجأ بتصريحات كلير شورت !!
ومثلما أن السيدة كلير أحدثت انقساما خطيرا داخل الحكومة البريطانية‏,‏ فإنها أيضا أحدثت انقساما داخل حزب العمال الحاكم‏,‏ وانضمت إلي روبن كوك وزير الخارجية السابق في تشكيل معارضة من نوع جديد تتهم بلير بأنه تحالف مع حزب المحافظين البريطاني ومع المحافظين الجدد في الولايات المتحدة‏,‏ وأبعد حزب العمال البريطاني عن مساره القديم كحزب يساري وكمعبر عن فكر مؤسسي الحزب من أمثال برنارد شو وهارولد لاسكي‏.
و قد تزامن مع تفجر فضيحة التجسس على الأمين العام للأمم المتحدة الكشف عن فضيحة أخرى لا تقل إثارة عنها و هي التجسس على مفتشي الأسلحة الدوليين .
أما هذا الكشف فقد جاء على السيد هانس بليكس آخر رئيس لفريق المفتشين الدوليين الذي عينته الأمم المتحدة للبحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق ، وكذلك على لسان ريتشارد بتلر أحد رؤوساء فريق المفتشين السابقين بأن إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش كانت تتجسس عليهما من خلال التنصت على مكالماتهما أثناء عملهما في فريق التفتيش الدولي بحثاً عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق .
 
عودة
أعلى