– عرض كتاب -
من كتاب " في قلب العاصفة : سنواتي في الـ "
سي.آي. إيه CIA
ألمؤلف
جورج تينيت المدير السابق
لوكالة المخابرات الأمريكية ..
استقالتي من منصبـي.. لعبــة القط والفأر !!
من كتاب " في قلب العاصفة : سنواتي في الـ "
سي.آي. إيه CIA
ألمؤلف
جورج تينيت المدير السابق
لوكالة المخابرات الأمريكية ..
استقالتي من منصبـي.. لعبــة القط والفأر !!
أسرار تأتى ... بعد دهور ... ليعرف الشعب المصرى والعربى ، ماذا كان يدور خلف ظهره ...
يحى الشاعر
يحى الشاعر
المصدر
http://www.el-wasat.com/details.php?id=3960
استقالتي من منصبـي.. لعبــة القط والفأر
المؤلف : جورج تينيت المدير السابق لوكالة المخابرات الأمريكية
إذا كنت مسئولاً وقررت لأي سبب من الأسباب أن تقدم استقالتك للرئيس فهل أنت في حاجة إلي " الاستعانة بصديق " على غرار برنامج " من سيربح المليون " ؟!.. هل أنت في حاجة إلي خطة محسوبة.. وسيناريو مدروس حتى لا يختطف الرئيس قرارك بالاستقالة ، أو يفسد خصومك المتربصين عليك متعة إعلانها بنفسك ؟!.. الإجابة من واقع تجربة تينيت – كما يقدمها لنا في هذا الجزء من كتابه هي : نعم أنت في حاجة إلي ذلك وأكثر !!
ترجمة الأستاذ / مجدي كامل
في لحظة ما من لحظات عمل من يشغل وظيفة كوظيفتي ستجد أن كل ما عليك أن تترك كل شيء وترحل ، بعد أن تكون قد عشت على أعصابك تتعاطى الأدرينالين ردحاً من الزمن.. الضغوط عليك لا تهدأ ولا تلين .. ومكالمات " نص الليل " تزيد من وطأتها..
وقلت لنفسي:لا جدوى من البقاء وأنت تضرب رأسك فـي " الحيط "
وأفراد الإدارة يعلقون الحبل في رقبتك والبيت الأبيض يستمتع بالمشاهدة !!
قررت الرحيل لأتوقف عن تعاطي الأدرينالين الذي أدمنته سنوات
وأجد وقتاً لابني جون وزوجتي ستيفاني ولأنام الليل قرير العين !!
في هذه اللحظة ستجد أن الأعباء تثقل كاهلك بصورة رهيبة ، ولا تنتهي أبداً.. لن تجد وقتاً تمضيه مع أسرتك.. لن تجد فرصة لحضور مباريات ابنك مع مدرسته ، ناهيك عن الأمل الضعيف في أن تمضي مجرد أجازة قصيرة مع الأسرة ، أو ضياع الأمل بالكامل ، مما يزيد من قسوة معاناتك.. ثم يأتي شيء ما.. حادث مفاجئ وعابر ، فتقول لنفسك : ها هي اللحظة ، وذلك بعد أن تكون قد عرفت أنه لا جدوى من البقاء ما دمت تضرب رأسك في الحائط !!.. وأفراد الإدارة يعلقون الحبل في رقبتك والبيت الأبيض يستمتع بالمشاهدة !!
قررت الرحيل لأتوقف عن تعاطي الأدرينالين الذي أدمنته سنوات
وأجد وقتاً لابني جون وزوجتي ستيفاني ولأنام الليل قرير العين !!
إيضاح من المترجم : الأدرينالين هرمون سمي بهذا الاسم نسبة إلي " غدة الأدرينال " (فوق الكلية) وهي الغدة الرئيسية التي تنفعل عند الغيظ والغضب والحقد والخوف وتفرز هرمون الأدرينالين Adrenaline وهرمون النورادرينالين Noradrenaline. ويعود الفضل في إكتشاف الأدرينالين إلى الكيميائي الياباني جوكيشي تاكامين .
وقد أدركت أن هذه اللحظة قد حانت ، عندما تفجرت قضية الـ 16 كلمة. فقد تصاعدت حمى عداء اللاعبين الكبار في إدارة بوش ضدي بشدة ، حتى بلغت مستويات أوليمبية.
وكان السيناتور ديفيد بورين قد دعاني في شهر مايو عام 2003 قبل تفجر القضية بأشهر قليلة لزيارة جامعة أوكلاهوما ، وإلقاء كلمة افتتاحية في حفل التخرج. وبعد الحفل قام ديفيد وزوجته موللي بمصاحبتي وزوجتي ستيفاني إلي مكان كانا يستعدان لإقامه منزلهما الجديد عليه. وهناك فوق ربوة وسط الحقل ألح عليَّ ديفيد من جديد بأن استقيل من منصبي ، مؤكداً لي أن الوقت قد حان. وقال إنني قدمت من عمري ما يكفي.. خدمت في إدارتين.. إدارة الرئيس كلينتون ، وإدارة الرئيس بوش.. وعاصرت 11 سبتمبر.. ولا أحد يستطيع أن يطلب من مدير مخابرات مركزية أن يقدم أكثر مما قدمته.. من الأفضل أن ترحل وأنت لم تزل بعد على قدميك. ولأنني لم أعرف أفضل من ديفيد خبرة في عالم السياسة ، فقد أنصتُ إليه بإمعان ، وبمجرد عودتي إلي واشنطون ، أبلغت أندي كارد عزمي أنني أفكر في التقاعد ، ولكنني لم أحسم قراري بعد.
وفي تلك الأثناء ، علمت أن الإدارة كانت تتحدث مع جيم لانجدون رئيس هيئة مستشاري الرئيس للاستخبارات الخارجية حول توليه منصبي. ولم أعرف هل هناك علاقة بين هذا العرض ، وحديثي مع أندي كارد ، أم أنها مبادرة منفصلة من جانب الإدارة.. وفيما عدا ذلك ، لم أسمع عن أي شيء حول هذا الموضوح حتى شهر سبتمبر ، عندما طلب مني الرئيس أن أهرع إليه على وجه السرعة في ساعة مبكرة من صباح أحد الأيام ، قبل موعد تقديم موجزي الاستخباراتي اليومي له.
وبينما كنا نجلس وحدنا في المكتب البيضاوي نظر إلي بوش وقال " إنني فعلاً في حاجة لأن تبقى في منصبك ".. كانت جملة مقتضبة لم أجد معها ما يجعلني أفعل دون ما طلب الرئيس لا سيما وأن حرب العراق كانت مستمرة ، والحرب على الإرهاب متواصلة ، وهناك عنف في أفغانستان وحول العالم.. كان من الصعب في مثل هذه الظروف أن أرفض طلب الرئيس.
على المستوى الشخصي كنت فعلاً مستعداً للرحيل ، ، وكان ابني هو أهم أسبابي وكان بعد في المدرسة. وكان تأثير عملي في غاية القسوة. والمناخ العام الذي أتواجد فيه لا يساعد ، وكنت أتمزق لأنني كنت أعلم أن لـ " سي. آي. إيه " نساء ورجال يعملون في جبهات كثيرة ، وأن تركهم ، ومعهم بقية العاملين في الوكالة وسط هذه المحنة كان مسألة صعبة.. فقد عملنا معاً بمنتهي الجدية ، وسخرنا كل وقتنا للعمل ، وأنجزنا الكثير ، كما كانوا بالنسبة لي كأفراد أسرتي ، وكنت أشعر بالتزام هائل تجاههم.
في الوقت نفسه ، كنا قد اعتقلنا لتونا رأساً كبيراً جداً من رؤوس القاعدة هو خالد شيخ محمد ، وكنت أمني النفس بأن أكون في منصبي عندما نضع أيدينا على أسامة بن لادن ، ونقدمه للعدالة.
كما أتذكر أن هذه الفترة كانت تشهد تواصل جلسات استماع لجنة 11 سبتمبر ، ولست في حاجة لمعرفة كيف كانت ساحة لتبادل الاتهامات بين المسئولين لأهداف سياسية. وكنت سأدعى للشهادة سواء كنت في منصبي أم خارجه ، وكان ضميري لا يسمح لي أن أترك الوكالة دون أن تتعافى مما تعانيه من مصاعب لمن يأتي بعدي لتولي إدارتها أياً كان. ومن هنا مضيت أواصل مهامي حتى إشعار آخر !
ولكن بدأ اتهامي بتوريط الرئيس في مسألة أسلحة دمار صدام الشامل يظهر من جديد ، مع تواصل أعمال لجنة 11 سبتمبر ، وبدا لي أن الإدارة مستمتعة بتعليق الحبل في رقبتي أنا أمام الرأي العام ، في الوقت الذين يسربون فيه الأكاذيب عني للصحافة ، فقلت لنفسي أنه يتعين على الرئيس الذي خدمت أنا وهو سوياً أن يتدخل لكي تظهر الحقيقة ، ويوقف الحملات الإعلامية ضدي ، والتي راحت تتوسع في نشر ما زعمه بوب وودوارد في كتابه حول " سلام دانك " إحدى الأكاذيب التي مررها إليه مسئولون بالإدارة.
وحدث أن قمت بالاتصال بـ آندي كارد كبير موظفي البيت الأبيض لأعرب عن غضبي الشديد وشكواي من أن شخصاً ما في الإدارة قد علق هذه المسألة في رقبتي بمنتهى الحقارة ، التي لم أرها في حياتي من قبل.
وخلال الأسابيع الستة التالية ، رحت أبحث مع زوجتي ستيفاني وشقيقي بيل ونائبي جون ماجلوغلين وجون موسيمان وبيل هارلو من جديد مسألة تقديم استقالتي. كما تحدثت مع ديفيد بورين وصديقي القديم كين ليفيت الذي عمل معي في مجلس الشيوخ وخدم معي مرة أخري كمستشار لي في " سي. آي. إيه ".
صديقي مدير أف. بي. آي السابق رسم لي خطة لتقديم استقالتي :
* اذهب للرئيس ليلاً لإبلاغه بها * عرف موظفيك واعلنها صباح اليوم التالي *
لا تترك 12 ساعة بين لقاء الرئيس وإعلانها * حذاري إبلاغ الرئيس صباحاً أو وسط النهار !!
وكان شقيقي بيل ضد الاستقالة لأنه رأي أنها ستجعل الإدارة تفعل فيَّ ما يحلو لها. فقلت له : لقد فعلوا ذلك معي بالفعل ، ولا أزال في منصبي ". ستيفاني أيضاً كانت تعارض استقالتي ، لأنها لم تكن تريدني أن أترك منصبي والبلاد في حالة حرب ورجالنا ونساءنا يعرضون أنفسهم للخطر في الميدان بأفغانستان والعراق. أما بالنسبة لي فقد كنت أعرف الإجابة. للأسف بالنسبة للخارج أضحت مصداقيتي في الحضيض. واستمراري لن يضر إلا سي. آي. إيه وحدها. * اذهب للرئيس ليلاً لإبلاغه بها * عرف موظفيك واعلنها صباح اليوم التالي *
لا تترك 12 ساعة بين لقاء الرئيس وإعلانها * حذاري إبلاغ الرئيس صباحاً أو وسط النهار !!
وهنا ظهر الشخص الوحيد الذي سيحسم ترددي ، ويؤكد صحة موقفي الرامي للرحيل عن منصبي.. هذا الشخص هو لويس فريه صديقي القديم والذي كان قد استقال من منصبه كمدير لمكتب التحقيقات الفيدرالي " إف. بي. آي " قبل ثلاث سنوات. وتقابلت معه على الطريق بالصدفة ، وبعد توقف سيارتينا ، دار بيننا الحديث. قال لي : " نعم حان وقت رحيلك .. وإليك سيناريو ما ينبغي عمله ".
قال فريه : حدد موعدها أولاً ؟.. قلت : الخميس.. أربعة أيام من الآن ". فقال : " حسناً.. فليكن الخميس.. تذهب أولاً للقاء الرئيس وإبلاغه عزمك الاستقالة وإصدارك بيان رسمي في الصباح التالي تعلنها فيه.. وتطلب منه الاحتفاظ بخبر الاستقالة سراً حتي تعلنها.. وهنا وبمجرد موافقته تذهب من عنده إلي سي. آي. إيه " وتعلنها لموظفيك.. ولا تسمح بمرور أكثر من 12 ساعة بين إبلاغك الرئيس بالاستقالة والإعلان عنها لموظفيك من ناحية ، والإعلان عنها من ناحية أخري.. وهذا هو السبب في أنني لا أنصحك بتقديمها في الصباح الباكر ، أوفي منتصف اليوم.. عليك لقاء الرئيس في وقت متأخر من اليوم.. وكلما تأخر الوقت أكثر كلما كان ذلك أفضل بالنسبة لك.. واسوأ ما يمكن أن يحدث لك هومعرفة موظفيك بخبر استقالتك قبل أن تبلغهم بنفسك.. لا تضع نفسك في هذا الموقف.
وذهبت إلي المنزل سعيداً بمقابلتي لويس ، وقررت أن أتبع السيناريو الذي رسمه لي ، ونمت ليلة هانئة ، بل أفضل ليلة نمت فيها قرير العين منذ شهور ، لا منذ سنوات.
وطلبت آندي كارد الأربعاء لأحدد موعداً مع الرئيس في مساء اليوم التالي ، ولم يسألني كارد السبب ، وبعد فترة اتصل ليحدد لي الثامنة مساء الخميس موعداً للقاء الرئيس ، وحمدت ربي لأن خطة لويس تسير على ما يرام.
وبالفعل التقيت الرئيس وكان معه كارد وقلت له : " حان وقت الرحيل .. إنني في الخدمة سنوات طويلة.. ولي ابن في حاجة لوجودي بجانبه.. وعائلة في حاجة لوجودي بجانبها.. وقد فعلت كل ما بوسعي.. وهذا وقت مناسب لرحيلي عن منصبي.. وأنا مصر بقوة على ذلك ".
متى تريد الإعلان عنها ؟.. هكذا بادرني الرئيس.. قلت : صباح غد.. وهنا انزعج بوش ليس بسبب الاستقالة ، وإنما بسبب زيارة كان رئيس وزراء استراليا جون هيوارد سيقوم بها لواشنطون في نفس اليوم الذي سأعلنها فيه.. وكان بوش لا يريد أن يعكر صفوها نبأ استقالتي ، لا سيما وأن هيوارد كان شريكنا في حرب العراق وأفغانستان.. وقال الرئيس أنه سيتكتم على الأمر ، حتى انتهاء مؤتمر هيوارد الصحفي في نهاية زيارته. وقال الرئيس لآندي كارد : لن نخبر أحداً.. ولن تخبر رايس ".. وقد شكرت الرئيس على موقفه.
وأخرجت سيجاراً كوبياً أرسله لي ملك الأردن وأشعلته
ورحت ألقي نظرة الوداع على المكان الذي أحببته !!
ورحت ألقي نظرة الوداع على المكان الذي أحببته !!
وعندما هبطت سلم البيت الأبيض كانت زوجتي ستيفاني تنتظرني على مضض.. أبلغتها بما حدث.. فما كان منها إلا أن قالت لي : تبدو وكأنك عدت في السن إلي الوراء وصغرت عشرين عاماً ".
وبالفعل استقلت وفي اليوم التالي ذهبت إلي مكتبي للمرة الأخيرة ، وتذكرت أن ملك الأردن عبد الله كان قد أرسل لي سيجاراً كوبياً ، احتفظت به في مكتبي.. وصلت إليه ، وأشعلته ، ورحت أمشي في أنحاء مقر الوكالة ، وكانت هذه هي طريقتي الخاصة في إلقاء تحية الوداع على المكان الذي أحببته !!
انتظرونا مع الحلقة الأخيرة السبت إن شاء الله.